١٣يدعو لمن ضره . . . . . وقوله { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ } هو من عبد باقتضاء ، وطلب من عابديه من المدعين الإلهية كفرعون وغيره من ملوك بني عبيد الذين كانوا بالمغرب ثم ملكوا مصر ، فإنهم كانوا يدعون الإلهية ويطاف بقصرهم في مصر وينادون بما ينادي به رب العالمين من التسبيح والتقديس ، فهؤلاء وإن كان منهم نفع مّا لعابديهم في دار الدنيا فضررهم أعظم وأقرب من نفعهم ، إذ هم في الدنيا مملوكون للكفار وعابدون لغير اللّه ، وفي الآخرة معذبون العذاب الدائم ولهذا كان التعبير هنا بمن التي هي لمن يعقل ، وعلى هذا فتكون الجملتان من إخبار اللّه تعالى عمن يدعو إلهاً غير اللّه . وقال الزمخشري : فإن قلت : الضر والنفع منفيان عن الأصنام مثبتان لها في الآيتين وهذا تناقض قلت : إذا حصل المعنى ذهب هذا الوهم ، وذلك أن اللّه تعالى سفه الكافر بأنه يعبد جماداً لا يملك ضراً ولا نفعاً وهو يعتقد فيه بجهله وضلالته أن سينتفع به ، ثم قال يوم القيامة يقول هذا الكافر بدعاء وصراخ حين يرى استضراره بالأصنام ودخوله النار بعبادتها ، ولا يرى أثر الشفاعة التي ادعاها لها { لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ } وكرر يدعوا كأنه قال { يَدْعُو }{ يَدْعُو مِن دُونِ اللّه مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ } ثم قال { لَمَنْ ضَرُّهُ } بكونه معبوداً{ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ } بكونه شفيعاً{ لَبِئْسَ الْمَوْلَى } انتهى . فجعل الزمخشري المدعو في الآيتين الأصنام وأزال التعارض باختلاف القائلين بالجملة الأول من قول اللّه تعالى إخباراً عن حال الأصنام . والجملة الثانية من كلام عباد الأصنام يقولون ذلك في الآخرة ، وحكى اللّه عنهم ذلك وأنهم أثبتوا ضراً بكونهم عبدوه ، وأثبتوا نفعاً بكونهم اعتقدوه شفيعاً . فالنافي هناك غير المثبت هنا ، فزال التعارض على زعمه والذي أقول إن الصنم ليس له نفع ألبتة حتى يقال { ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ} وأجاب بعضهم عن زعم من زعم أن الظاهر الآيتين يقتضي التعارض بأنها لا تضر ولا تنفع بأنفسها ولكن عبادتها نسب الضرر إليها كقوله { رَبّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ النَّاسِ } أضاف الإضلال إليهم إذ كانوا سبب الضلال ، فكذا هنا نفي الضرر عنهم لكونها ليست فاعلة ثم أضافه إليها لكونها سبب الضرر . وقال آخرون : هي في الحقيقة لا تضر ولا تنفع بين ذلك في الآية الأولى ثم أثبت لها الضر والنفع في الثانية على طريق التسليم ، أي ولو سلمنا كونها ضارة نافعة لكان ضرها أكثر من نفعها ، وتكلف المعربون وجوهاً فقالوا { يَدْعُو } إما أن يكون لها تعلق بقوله { لَمَنْ ضَرُّهُ } أولاً إن لم يكن لها تعلق فوجوه . أحدها : أن يكون توكيداً لفظياً ليدعو الأولى ، فلا يكون لها معمول . الثاني : أن تكون عاملة في ذلك من قوله { ذالِكَ هُوَ الضَّلاَلُ } وقد المفعول الذي هو { ذالِكَ } وجعل موصولاً بمعنى الذي قاله أبو علي الفارسي ، وهذا لا يصح إلا على قول الكوفيين إذ يجيزون في اسم الإشارة أن يكون موصولاً ، والبصريون لا يجيزون ذلك إلاّ في ذا بشرط أن يتقدمها الاستفهام بما أو من . الثالث : أن يكون { يَدْعُو } في موضع الحال ، { وَذَلِكَ } مبتدأ وهو فصل أو مبتدأ وحذف الضمير من { يَدْعُو } أي يدعوه وقدره مدعواً وهذا ضعيف ، لأن يدعوه لا يقدر مدعواً إنما يقدر داعياً ، فلو كان يدعى مبنياً للمفعول لكان تقديره مدعواً جارياً على القياس . وقال نحوه الزجاج وإن كان له تعلق بقوله { لَمَنْ ضَرُّهُ } فوجوه . أحدها : ما قاله الأخفش وهو أن { يَدْعُو } بمعنى يقول و { مِنْ } مبتدأ موصول صلته الجملة بعده . وهي { ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ } وخبر المبتدأ محذوف ، تقديره إله وإلهي . والجملة في موضع نصب محكية بيدعو التي هي بمعنى يقول ، قيل : هو فاسد المعنى لأن الكافر لم يعتقد قط أن الأوثان ضرها أقرب من نفعها . وقيل : في هذا القول يكون { لَبِئْسَ } مستأنفاً لأنه لا يصح دخوله في الحكاية لأن الكفار لا يقولون عن أصنامهم { لَبِئْسَ الْمَوْلَى} الثاني : أن { يَدْعُو } بمعنى يسمي ، والمحذوف آخراً هو المفعول الثاني ليسمى تقديره إلهاً وهذا لا يتم إلاّ بتقدير زيادة اللام أي يدعو من ضره . الثالث : أن يدعو شبه بأفعال القلوب لأن الدعاء لا يصدر إلاّ عن اعتقاد ، والأحسن أن يضمن معنى يزعم ويقدر لمن خبره ، والجملة في موضع نصب ليدعو أشار إلى هذا الوجه الفارسي . والرابع : ما قاله الفراء وهو أن اللام دخلت في غير موضعها والتقدير { يَدْعُو } من لضره أقرب من نفعه ، وهذا بعيد لأن ما كان في صلة الموصول لا يتقدم على الموصول . الخامس : أن تكون اللام زائدة للتوكيد ، و { مِنْ } مفعول بيدعو وهو ضعيف لأنه ليس من مواضع زيادة اللام ، لكن يقويه قراءة عبد اللّه يدعو من ضره بإسقاط اللام ، وأقرب التوجيهات أن يكون { يَدْعُو } توكيداً ليدعو الأول ؛ واللام في { لِمَنْ } لام الابتداء ، والخبر الجملة التي هي قسم محذوف ، وجوابه { لَبِئْسَ الْمَوْلَى } والظاهر أن { يَدْعُو } يراد به النداء والاستغاثة . وقيل : معناه بعيد ، و { الْمَوْلَى } هنا الناصر والعشير الصاحب المخالط . |
﴿ ١٣ ﴾