٢٢

هذان خصمان اختصموا . . . . .

ولما ذكر تعالى أهل السعادة وأهل الشقاوة ذكر ما دار بينهم من الخصومة في دينه ، فقال { هَاذَانِ } قال قيس بن عباد وهلال بن يساف ، نزلت في المتبارزين يوم بدر حمزة وعليّ وعبيدة بن الحارث برز والعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة . وعن عليّ : أنا أول من يجثو يوم القيامة للخصومة بين يديّ اللّه تعالى ، وأقسم أبو ذر على هذا ووقع في صحيح البخاري أن الآية فيهم .

وقال ابن عباس : الإشارة إلى المؤمنين وأهل الكتاب وقع بينهم تخاصم ، قالت اليهود : نحن أقدم ديناً منكم فنزلت . وقال مجاهد وعطاء بن أبي رباح والحسن وعاصم والكلبي الإشارة إلى المؤمنين والكفار على العموم ، وخصم مصدر وأريد به هنا الفريق ، فلذلك جاء { اخْتَصَمُواْ } مراعاة للمعنى إذ تحت كل خصم أفراد ،

وفي رواية عن الكسائي { خَصْمَانِ } بكسر الخاء ومعنى { فِى رَبّهِمْ } في دين ربهم .

وقرأ ابن أبي عبلة اختصما ، راعى لفظ التثنية ثم ذكر تعالى ما أعدّ للكفار .

وقرأ الزعفراني في اختياره :{ قُطّعَتْ } بتخفيف الطاء كأنه تعالى يقدر لهم نيراناً على مقادير جثثهم تشتمل عليهم كما تقطع الثياب الملبوسة ، والظاهر أن هذا المقطع لهم يكون من النار . وقال سعيد بن جبير { ثِيَابُ } من نحاس مذاب وليس شيء إذا حمي أشد حرارة منه ، فالتقدير من نحاس محمى بالنار .

وقيل : الثياب من النار استعارة عن إحاطة النار بهم كما يحيط الثوب بلابسه . وقال وهب : يكسى أهل النار والعري خير لهم ، ويحيون والموت خير لهم .

ولما ذكر ما يصب على رؤوسهم إذ يظهر في المعروف أن الثوب إنما يغطى به الجسد دون الرأس فذكر ما يصيب الرأس من العذاب .

وعن ابن عباس : لو سقطت من الحميم نقطة على جبال الدنيا لأذابتها ولما ذكر ما يعذب به الجسد ظاهره وما يصب على الرأس ذكر ما يصل إلى باطن المعذب وهو الحميم الذي يذيب ما في البطن من الحشا ويصل ذلك الذوب إلى الظاهر وهو الجلد فيؤثر في الظاهر تأثيره في الباطن كما قال تعالى { فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ }

وقرأ الحسن وفرقة { يُصْهَرُ } بفتح الصاد وتشديد الهاء . وفي الحديث : { إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه فيسلب ما في جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر ثم يعاد كما كان} . والظاهر عطف { وَالْجُلُودُ } على { مَا } من قوله { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ } وأن { الجلود } تذاب كما تذاب الأحشاء .

وقيل : التقدير وتخرق { الجلود } لأن الجلود لا تذاب إنما تجتمع على النار وتنكمش وهذا كقوله :

علفتها تبناً وماء بارداً أي وسقيتها ماء . والظاهر أن الضمير في { بِهَا وَلَهُمْ } عائد على الكفار ، واللام للاستحقاق .

وقيل : بمعنى على أي وعليهم كقوله { وَلَهُمُ الْلَّعْنَةُ } أي وعليهم .

وقيل : الضمير يعود على ما يفسره المعنى وهو الزبانية . وقال قوم منهم الضحاك : المقامع المطارق .

وقيل : سياط من نار وفي الحديث : { لو وضع مقمع منها في الأرض مث اجتمع عليه الثقلان ما أقلوه من الأرض وَمِنْ غَمّ } بد من منها بدل اشتمال ، أعيد معه الجار وحذف الضمير لفهم المعنى أي من غمها ، ويحتمل أن تكون من للسبب أي لأجل الغم الذي يلحقهم ، والظاهر تعليق الإعادة على الإرادة للخروج فلا بد من محذوف يصح به المعنى ، أي من أماكنهم المعدة لتعذيبهم { أُعِيدُواْ فِيهَا } أي في تلك الأماكن .

وقيل { أُعِيدُواْ فِيهَا } بضرب الزبانية إياهم بالمقامع { وَذُوقُواْ } أي ويقال لهم ذوقوا .

﴿ ٢٢