٢٥إن الذين كفروا . . . . . المضارع قد لا يلحظ فيه زمان معين من حال أو استقبال فيدل إذ ذاك على الاستمرار ، ومنه { وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّه } كقوله { الَّذِينَ ءامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّه } وقيل : هو مضارع أريد به الماضي عطفاً على { كَفَرُواْ } وقيل : هو على إضمار مبتدأ أي وهم { يَصِدُّونَ } وخبر إن محذوف قدره ابن عطية بعد { وَالْبَادِ } خسروا أو هلكوا وقدره الزمخشري بعد قوله { الْحَرَامِ } نذيقهم { مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } ولا يصح تقديره بعده لأن الذي صفة { الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } فموضع التقدير هو بعد { وَالْبَادِ } لكن مقدر الزمخشري أحسن من مقدر ابن عطية لأنه يدل عليه الجملة الشرطية بعد من جهة اللفظ ، ابن عطية لحظ من جهة المعنى لأن من أذيق العذاب خسر وهلك . وقيل : الواو في { وَيَصُدُّونَ } زائدة وهو خبر إن تقديره إن الذين كفروا يصدون . قال ابن عطية : وهذا مفسد للمعنى المقصود انتهى . ولا يجيز البصريون زيادة الواو وإنما هو قول كوفي مرغوب عنه . وهذه الآية نزلت عام الحديبية حين صدّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن المسجد الحرام وذلك أنه لم يعلم لهم صد قبل ذلك بجمع إلاّ أن يراد صدهم لأفراد من الناس فقد وقع ذلك في صدر المبعث ، والظاهر أنه نفس المسجد ومن صد عن الوصول إليه فقد صد عنه . وقيل : الحرم كله لأنهم صدوه وأهله عليه السلام فنزلوا خارجاً عنه لكنه قصد بالذكر المهم المقصد من الحرم . وقرأ الجمهور { سَوَآء } بالرفع على أن الجملة من مبتدأ وخبر في موضع المفعول الثاني ، والأحسن أن يكون { الْعَاكِفُ } هو المبتدأ و { فِيهِ سَوَآء } الخبر ، وقد أجيز العكس . و قال ابن عطية : والمعنى { الَّذِى جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ } قبلة أو متعبداً انتهى . ولا يحتاج إلى هذا التقدير إلاّ إن كان أراد تفسير المعنى لا الإعراب فيسوغ لأن الجملة في موضع المفعول الثاني ، فلا يحتاج إلى هذا التقدير . وقرأ حفص والأعمش { سَوَآء } بالنصب وارتفع به { الْعَاكِفُ } لأنه مصدر في معنى مستو اسم الفاعل . ومن كلامهم : مررت برجل سواء هو والعدم ، فإن كانت جعل تتعدى إلى اثنين فسواء الثاني أو إلى واحد فسواء حال من الهاء . وقرأت فرقة منهم الأعمش في رواية القطعي { سَوَآء } بالنصب { الْعَاكِفُ فِيهِ } بالجر . قال ابن عطية : عطفاً على الناس انتهى . وكأنه يريد عطف البيان الأولى أن يكون بدل تفصيل . وقرىء { والبادي } وصلاً ووقفاً وبتركها فيهما ، وبإثباتها وصلاً وحذفها وقفاً{ سَوَاء الْعَاكِفُ } المقيم فيه { والبادي } الطارىء عليه ، وأجمعوا على الاستواء في نفس المسجد الحرام واختلفوا في مكة ، فذهب عمر وابن عباس ومجاهد وجماعة إلى أن الأمر كذلك في دوس مكة ، وأن القادم له النزول حيث وجد وعلى رب المنزل أن يؤويه شاء أو أبى ، وقال به الثوري وكذلك كان الأمر في الصدر الأول . قال ابن سابط : وكانت دورهم بغير أبواب حتى كثرت السرقة ، فاتخذ رجل باباً فأنكر عليه عمر وقال : أتغلق باباً في وجه حاج بيت اللّه ؟ فقال : إنما أردت حفظ متاعهم من السرقة فتركه ، فاتخذ الناس الأبواب وهذا الخلاف مترتب على الخلاف في فتح مكة أكان عنوة أو صلحاً ؟ وهي مسألة يبحث عنها في الفقه . والإلحاد الميل عن القصد . ومفعول { مِن بَرَدٍ } قال أبو عبيدة هو { بِإِلْحَادٍ } والباء زائدة في المفعول . قال الأعشى ضمنت برزق عيالنا أرماحنا أي رزق وكذا قراءة الحسن منصوباً قرأ { وَمَن يُرِدِ } إلحاده بظلم أي إلحاداً فيه فتوسع . و قال ابن عطية : يجوز أن يكون التقدير { وَمَن يُرِدْ فِيهِ } الناس { بِإِلْحَادٍ} وقال الزمخشري :{ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } حالان مترادفتان ومفعول { يُرِدْ } متروك ليتناول كل متناول ، كأنه قال { وَمَن يُرِدْ فِيهِ } مراد إمّا عادلاً من القصد ظالماً{ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } وقيل : الإلحاد في الحرم منع الناس عن عمارته . وعن سعيد بن جبير : الاحتكار . وعن عطاء : قول الرجل في المبايعة لا واللّه وبلى واللّه انتهى . والأولى أن تضمن { يُرِدْ } معنى يتلبس فيتعدى بالباء . وعلق الجزاء وهو { نُذِقْهُ } على الإرادة ، فلو نوى سيئة ولم يعملها لم يحاسب بها إلاّ في مكة وهذا قول ابن مسعود وجماعة . وقال ابن عباس : الإلحاد هنا الشرك . وقال أيضاً : هو استحلال الحرام . وقال مجاهد : هو العمل السيىء فيه . وقال ابن عمر : لا واللّه وبلى واللّه من الإلحاد . وقال حبيب بن أبي ثابت : الحكر بمكة من الإلحاد بالظلم ، والأولى حمل هذه الأقوال على التمثيل لا على الحصر إذ الكلام يدل على العموم . وقرأت فرقة { وَمَن يُرِدِ } بفتح الياء من الورود وحكاها الكسائي والفراء ومعناه ومن أتى به { بِإِلْحَادٍ } ظالماً . |
﴿ ٢٥ ﴾