٢٩وأذن في الناس . . . . . وقرأ الجمهور { وَأَذّن } بالتشديد أي ناد . روي أنه صعد أبا قبيس فقال : يا أيها الناس حجوا بيت ربكم وتقدم قول من قال إنه خطاب للرسول صلى اللّه عليه وسلم ، وقاله الحسن قال : أمر أن يفعل ذلك في حجة الوداع . وقرأ الحسن وابن محيصن وآذن بمدة وتخفيف الذال . قال ابن عطية : وتصحف هذا على ابن جني فإنه حكى عهما { وَأَذّن } على فعل ماض ، وأعرب على ذلك بأن جعله عطفاً على { بَوَّأْنَا } انتهى . وليس بتصحيف بل قد حكى أبو عبد اللّه الحسين بن خالويه في شواذ القراءات من جمعه . وصاحب اللوامح أبو الفضل الرازي ذلك عن الحسن وأبن محيصن . قال صاحب اللوامح : وهو عطف على { وَإِذْ بَوَّأْنَا } فيصير في الكلام تقديم وتأخير ، ويصير { يَأْتُوكَ } جزماً على جواب الأمر الذي هو { وَطَهّرْ } انتهى . وقرأ ابن أبي إسحاق { بِالْحَجّ } بكسر الحاء حيث وقع الجمهور بفتحها . وقرأ الجمهور { رِجَالاً } وابن أبي إسحاق بضم الراء والتخفيف ، وروي كذلك عن عكرمة والحسن وأبي مجلز ، وهو اسم جمع كظؤار وروي عنهم وعن ابن عباس ومجاهد وجعفر بن محمد بضم الراء وتشديد الجيم . وعن عكرمة أيضاً رجالى على وزن النعامى بألف التأنيث المقصورة ، وكذلك مع تشديد الجيم عن ابن عباس وعطاء وابن حدير ، ورجال جمع راجل كتاجر وتجار . وقرأ الجمهور { يَأْتِينَ } فالظاهر عود الضمير { عَلَى كُلّ ضَامِرٍ } لأن الغالب أن البلاد الشاسعة لا يتوصل منها إلى مكة بالركوب ، وقد يجوز أن يكون الضمير يشمل { رِجَالاً } و { كُلّ ضَامِرٍ } على معنى الجماعات والرفاق . وقرأ عبد اللّه وأصحابه والضحاك وابن أبي عبلة يأتون غلب العقلاء الذكور في البداءة برجال تفضيلاً للمشاة إلى الحج . وعن ابن عباس : ما آسى على شيء فاتني أن لا أكون حججت ماشياً ، والاستدلال بقوله { يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلّ ضَامِرٍ } على سقوط فرض الحج على من يركب البحر ولا طريق له سواه ، لكونه لم يذكر في هذه الآية ضعيف لأن مكة ليست على بخر ، وإنما يتوصل إليها على إحدى هاتين الحالتين مشي أو ركوب ، فذكر تعالى ما يتوصل به إليها . وقرأ ابن مسعود فج معيق . قال ابن عباس وغيره من المنافع التجارة . وقال الباقر : الأجر . وقال مجاهد وعطاء كلاهما ، واختاره ابن العربي . قال الزمخشري : ونكر المنافع لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنياوية لا توجد في غيرها من العبادات . وعن أبي حنيفة أنه كان يفاضل بين العبادات قبل أن يحج ، فلما حج فضل الحج على العبادات كلها لما شاهد من تلك الخصائص ، وكنى عن النحر والذبح بذكر اسم اللّه لأن أهل الإسلام لا ينفكون عن ذكر اسمه إذا نحروا أو ذبحوا ، وفيه تنبيه على أن الغرض الأصلي فيما يتقرب به إلى اللّه أن يذكر اسمه وقد حسن الكلام تحسيناً بيِّناً أن جمع بين قوله ليذكروا اسم اللّه عليه . وقوله { عَلَى مَا رَزَقَهُمْ } ولو قيل لينحروا { فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ }{ بَهِيمَةُ الاْنْعَامِ } لم تر شيئاً من ذلك الحسن والروعة انتهى . واستدل من قال أن المقصود بذكر اسم اللّه هو على الذبح والنحر على أن الذبح لا يكون بالليل ولا يجوز فيه لقوله { فِى أَيَّامٍ } وهو مذهب مالك وأصحاب الرأي . وقيل : الذكر هنا حمده وتقديسه شكراً على نعمته في الرزق ويؤيده قوله عليه السلام : { أنها أيام أكل وشرب } وذكر اسم اللّه والأيام المعلومات أيام العشر قاله ابن عباس والحسن وإبراهيم وقتادة وأبو حنيفة ، والمعدودات أيام التشريق الثلاثة . وقالت فرقة منهم مالك وأصحابه : المعلومات يوم النحر ويومان بعده ، والمعدودات أيام التشريق الثلاثة ، فيوم النحر معلوم لا معدود واليومان بعده معلومان معدودان ، والرابع معدود لا معلوم ويوم النحر ويومان بعده هي أيام النحر عند عليّ وابن عباس وابن عمر وأنس وأبي هريرة وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وأبي حنيفة والثوري ، وعند الحسن وعطاء والشافعي ثلاثة أيام بعد يوم النحر ، وعند النخعي النحر يومان ، وعند ابن سيرين النحر يوم واحد ، وعن أبي سلمة وسليمان بن يسار الأضحى إلى هلال المحرم . و قال ابن عطية : ويظهر أن تكون المعلومات والمعدودات بمعنى أن تلك الأيام الفاضلة كلها ، ويبقى أمر الذبح وأمر الاستعجال لا يتعلق بمعدود ولا معلوم ، ويكون فائدة قوله { مَّعْلُومَاتٍ } ومعدودات التحريض على هذه الأيام وعلى اغتنام فضلها أي ليست كغيرها فكأنه قال هي مخصوصات فلتغتنم انتهى . والبهيمة مبهمة في كل ذات أربع في البر والبحر ، فبينت بالأنعام وهي الإبل والبقر والضأن والمعز وتقدم الخلاف في مدلول { بَهِيمَةُ الاْنْعَامِ } في أول المائدة ، والظاهر وجوب الأكل والإطعام . وقيل : باستحبابهما . وقيل : باستحباب الأكل ووجوب الإطعام . و { الْبَائِسَ } الذي أصابه بؤس أي شدة . والتفث : ما يصنعه المحرم عند حله من تقصير شعر وحلقه وإزالة شعثه ونحوه من إقامة الخمس من الفطرة حسب الحديث ، وفي ضمن ذلك قضاء جميع مناسكه إذ لا يقضي التفث إلاّ بعد ذلك . وقال ابن عمر : التفث ما عيهم من الحج وعنه المناسك كلها ، والنذور هنا ما ينذرونه من أعمال البر في حجهم . وقيل : المراد الخروج عما وجب عليهم نذروا أو لم ينذروا . وقرأ شعبة عن عاصم { وَلْيُوفُواْ } مشدّداً والجمهور مخففاً{ وَلْيَطَّوَّفُواْ } هو طواف الإفاضة وهو طواف الزيارة الذي هو من أركان الحج ، وبه تمام التحلل . وقيل : هو طواف الصدر وهو طواف الوداع . وقال الطبري : لا خلاف بين المتأولين أنه طواف الإفاضة . قال ابن عطية : ويحتمل بحسب الترتيب أن يكون طواف الوداع انتهى . و { الْعَتِيقِ } القديم قاله الحسن وابن زيد ، أو المعتق من الجبابرة قاله ابن الزبير وابن أبي نجيح وقتادة ، كم جبار سار إليه فأهلكه اللّه قصده تبع ليهدمه فأصابه الفالج ، فأشار الأخيار عليه أن يكف عنه وقالوا له : رب يمنعه فتركه وكساه وهو أول من كساه ، وقصده أبرهة فأصابه ما أصابه وأما الحجاج فلم يقصد التسليط على البيت لكن تحصن به ابن الزبير فاحتال لإخراجه ثم بناه أو المحرر لم يملك موضعه قط قاله مجاهد ، أو المعتق من الطوفان قاله مجاهد أيضاً وابن جبير ، أو الجيد من قولهم : عتاق الخيل وعتاق الطير أو الذي يعتق فيه رقاب المذنبين من العذاب . قال ابن عطية : وهذا يردّه التصريف انتهى . ولا يرده التصريف لأنه فسره تفسير معنى ، وأما من حيث الإعراب فلأن { الْعَتِيقِ } فعيل بمعنى مفعل أي معتق رقاب المذنبين ، ونسب الإعتاق إليه مجازاً إذ بزيارته والطواف به يحصل الإعتاق ، وينشأ عن كونه معتقاً أن يقال فيه : يعتق فيه رقاب المذنبين . |
﴿ ٢٩ ﴾