٣٠

ذلك ومن يعظم . . . . .

{ذالِكَ } خبر مبتدأ محذوف قدّره ابن عطية فرضكم { ذالِكَ } أو الواجب { ذالِكَ } وقدّره الزمخشري الأمر أو الشأن { ذالِكَ } قال كما يقدم الكاتب جملة من كتابه في بعض المعاني ، ثم إذا أراد الخوض في معنى آخر قال : هذا وقد كان كذا انتهى .

وقيل : مبتدأ محذوف الخبر أي { ذالِكَ } الأمر الذي ذكرته .

وقيل في موضع نصب تقديره امتثلوا { ذالِكَ } ونظير هذه الإشارة البليغة قول زهير وقد تقدم له جمل في وصف هرم : هذا وليس كمن يعيا بخطبته

وسط الندى إذا ما ناطق نطقا وكان وصفه قبل هذا بالكرم والشجاعة ، ثم وصفه في هذا البيت بالبلاغة فكأنه قال : هذا خلقه وليس كمن يعيا بخطبته ، والحرمات ما لا يحل هتكه وجميع التكليفات من مناسك الحج وغيرها حرمه ، والظاهر عمومه في جميع التكاليف ، ويحتمل الخصوص مبا يتعلق بالحج وقاله الكلبي قال : ما أمر به من المناسك ،

وعن ابن عباس هي جميع المناهي في الحج : فسوق وجدال وجماع وصيد . وعن ابن زيد هي خمس المشعر الحرام ، والمسجد الحرام ، والبيت الحرام ، والشهر الحرام ، والمحرم حتى يحل . وضمير { فَهُوَ } عائد على المصدر المفهوم من قوله { وَمَن يُعَظّمْ } أي فالتعظيم { خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبّهِ } أي قربة منه وزيادة في طاعته يثيبه عليها ، والظاهر أن خيراً هنا ليس أفعل تفضيل .

{وَأُحِلَّتْ لَكُمُ بَهِيمَةُ الاْنْعَامِ } دفعاً لما كانت عليه من تحريم أشياء برأيها كالبحيرة والسائبة ، ويعني بقوله { إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } ما نص في كتابه على تحريمه ، والمعنى { مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } آية تحريمه .

ولما حث على تعظيم حرمات اللّه وذكر أن تعظيمها خير لمعظمها عند اللّه أتبعه الأمر باجتناب الأوثان وقول الزور لأن توحيد اللّه ونفي الشركاء عنه وصدق القول أعظم الحرمات ، وجمعا في قران واحد لأن الشرك من باب الزور لأن المشرك يزعم أن الوثن يستحق العبادة فكأنه قال { فَاجْتَنِبُواْ } عبادة { الاْوْثَانِ } التي

هي رأس الزور { وَاجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ } كله . و { مِنْ } في { مِنَ الاْوْثَانِ } لبيان الجنس ، ويقدر بالموصول عندهم أي الرجس الذي هو الأوثان ، ومن أنكر أن تكون { مِنْ } لبيان الجنس جعل { مِنْ } لابتداء الغاية فكأنه نهاهم عن الرجس عاماً ثم عين لهم مبدأه الذي منه يلحقهم إذ عبادة الوثن جامعة لكل فساد ورجس ، وعلى القول الأول يكون النهي عن سائر الأرجاس من موضع غير هذا .

قال ابن عطية : ومن قال أن { مِنْ } للتبعيض قلب معنى الآية فأفسده انتهى . وقد يمكن التبعيض فيها بأن يعني بالرجس عبادة الأوثان ، وقد روي ذلك عن ابن عباس وابن جريج ، فكأنه قال : فاجتنبوا من الأوثان الرجس وهو العبادة لأن المحرم من الأوثان إنما هو العبادة ، ألا ترى أنه قد يتصور استعمال الوثن في بناء وغير ذلك مما لم يحرمه الشرع ؟ فكأن للوثن جهات منها عبادتها ، وهو المأمور باجتنابه وعبادتها بعض جهاتها ، ولما كان قول الزور معادلاً للكفر لم يعطف على الرجس بل أفرد بأن كرر له العامل اعتناء باجتنابه . وفي الحديث : { عدلت شهادة الزور بالشرك} .

﴿ ٣٠