سورة المؤمنون

مكية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قد أفلح المؤمنون

السلالة : فعالة من سللت الشيء من الشيء إذا استخرجته منه . وقال أمية : خلق البرية من سلالة منتن

وإلى السلالة كلها ستعود

والولد سلالة أبيه كأنه انسل من ظهر أبيه . قال الشاعر : فجاءت به عصب الأديم غضنفرا

سلالة فرج كان غير حصين

وهو بناء يدل على القلة كالقلامة والنحاتة . سيناء وسينون : اسمان لبقعة ، وجمهور العرب على فتح سين سيناء فالألف فيه للتأنيث كصحراء فيمتنع الصرف للتأنيث اللازم ، وكنانة تكسر السين فيمتنع الصرف للتأنيث اللازم أيضاً عند الكوفيين لأنهم يثبتون أن همزة فعلاء تكون للتأنيث ، وعند البصريين يمتنع من الصرف للعلمية والعجمة أو العلمية والتأنيث ، لأن ألف فعلاء عندهم لا تكون للتأنيث بل للإلحاق كعلباء ودرحاء . قيل : وهو جبل فلسطين .

وقيل : بين مصر وأيلة . الدهن : عصارة الزيتون واللوز وما أشبههما مما فيه دسم ، والدهن : بفتح الدال مسح الشيء بالدهن . هيهات : اسم فعل يفيد الاستبعاد فمعناها بعد ، وفيها لغات كثيرة ذكرناها في كتاب التكميل لشرح التسهيل ، ويأتي منها ما قرىء به إن شاء اللّه . الغثاء : الزبد وما ارتفع على السيل ونحو ذلك مما لا ينتفع به قاله أبو عبيد . وقال الأخفش : الغثاء والجفاء واحد ، وهو ما احتمله السيل من القذر والزبد . وقال الزجاج : البالي من ورق الشجر إذا جرى السيل خالط زبده انتهى . وتشدد ثاؤه وتخفف ، ويجمع غلى أغثاء شذوذاً ، وروى بيت امرىء القيس : من السيل والغثاء بالتخفيف والتشديد بالجمع . تترى واحداً بعد واحد . قال الأصمعي : وبينهما مهلة . وقال غيره : المواترة التتابع بغير مهلة ، وتاؤه مبدلة من واو على غير قياس ، إذ أصله الوتر كتاء تولج وتيقور الأصل وولج وويقور لأنه من الولوج والوقار ، وجمهور العرب على عدم تنوينه فيمتنع الصرف للتأنيث اللازم وكنانة تنونه ، وينبغي أن تكون الألف فيه للإلحاق كهي في علقي المنون ، وكتبه بالياء يدل على ذلك ، ومن زعم أن التنوين فيه كصبراً ونصراً فهو مخطىء لأنه يكون وزنه فعلاً ولا يحفظ فيه الإعراب في الراء ، فتقول تتر في الرفع وتتر في الجر لكن ألف الإلحاق في المصدر نادر ، ولا يلزم وجود النظير .

وقيل : تترى اسم جمع كأسرى وشتى . المعين : الميم فيه زائدة ووزنه مفعول كمخيط ، وهو المشاهد جريه بالعين تقول : عانه أدركه بعينه كقولك : كبده ضرب كبده ، وأدخله الخليل في باب ع ي ن .

وقيل : الميم أصلية من باب معن الشيء معانة كثر فوزنه فعيل ، وأجاز الفراء الوجهين . وقال جرير : إن الذين غدوا بلبك غادروا

وشلاً بعينك ما يزال معينا

الغمرة : الجهالة زجل غمرغافل لم يجرب الأمور وأصله الستر ، ومنه الغمر للحقد لأنه يغطي القلب ، والغمر للماء الكثير لأنه يغطي الأرض ، والغمرة الماء الذي يغمر القامة ، والغمرات الشدائد ورجل غامر إذا كان يلقي نفسه في المهالك ، ودخل في غمار الناس أي في زحمتهم . الجؤار : مثل الخوار جأر الثور يجأر صاح ، وجأر الرجل إلى اللّه تضرع بالدعاء قاله الجوهري . وقال الشاعر :

يراوح من صلوات المليك فطوراً سجوداً وطوراً جؤاراً

وقيل : الجؤار الصراخ باستغاثة قال : جأر ساعات النيام لربه . السامر : مفرد بمعنى الجمع ، يقال : قوم سامر وسمر ومعناه سهر الليل مأخوذ من السمر ، وهو ما يقع على الشجر من ضوء القمر وكانوا يجلسون للحديث في ضوء القمر ، والسمير الرفيق بالليل في السهر ويقال له السمار أيضاً ، ويقال لا أفعله ما أسمر ابنا سمير ، والسمير الدهر وابناه الليل والنهار . نكب عن الطريق ونكب بالتشديد : إذا عدل عنه . اللجاج في الشيء : التمادي عليه .

هذه السورة مكية بلا خلاف ، وفي الصحيح للحاكم عنه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : { لقد أنزلت عليّ عشر آيات من أقامهن دخل الجنة } ثم قرأ قد { أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } إلى عشر آيات . ومناسبتها لآخر السورة قبلها ظاهرة لأنه تعالى خاطب المؤمنين بقوله { الاْمُورُ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ ارْكَعُواْ } الآية وفيها { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } وذلك على سبيل الترجية فناسب ذلك قوله { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } إخباراً بحصول ما كانوا رجوه من الفلاح .

وقرأ طلحة بن مصرف وعمرو بن عبيد { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } بضم الهمزة وكسر اللام مبنياً للمفعول ، ومعناه ادخلوا في الفلاح فاحتمل أن يكون من فلح لازماً أو يكون أفلح يأتي متعدياً ولازماً .

وقرأ طلحة أيضاً بفتح الهمزة واللام وضم الحاء . قال عيسى بن عمر : سمعت طلحة بن مصرف يقرأ قد أفلحوا المؤمنون ، فقلت له : أتلحن ؟ قال : نعم ، كما لحن أصحابي انتهى . يعني أن مرجوعه في القراءة إلى ما روي وليس بلحن لأنه على لغة أكلوني البراغيث .

وقال الزمخشري : أو على الإبهام والتفسير . و

قال ابن عطية : وهي قراءة مردودة ، وفي كتاب ابن خالويه مكتوباً بواو بعد الحاء ، وفي اللوامح وحذفت واو الجمع بعد الحاء لالتقائهما في الدرج ، وكانت الكتابة عليها محمولة على الوصل نحو { وَيَمْحُ اللّه الْبَاطِلَ}

وقال الزمخشري : وعنه أي عن طلحة { أَفْلَحَ } بضمة بغير واو اجتزاء بها عنها كقوله :

فلو أن الأطباء كان حولي

انتهى . وليس بجيد لأن الواو في { أَفْلَحَ } حذفت لالتقاء الساكنين وهنا حذفت للضرورة فليست مثلها .

قال الزمخشري : قد تقتضيه لما هي تثبت المتوقع ولما تنفيه ، ولا شك أن المؤمنين كانوا متوقعين لمثل هذه البشارة وهي الإخبار بثبات الفلاح لهم ، فخوطبوا بما دل على ثبات ما توقعوه انتهى .

٢

الذين هم في . . . . .

والخشوع لغة الخضوع والتذلل ، وللمفسرين فيه هنا أقوال : قال عمرو بن دينار : هو السكون وحسن الهيئة . توقال مجاهد : غض البصر وخفض الجناح . وقال مسلم بن

يسار وقتادة : تنكيس الرأس . وقال الحسن : الخوف . وقال الضحاك : وضع اليمين على الشمال . وعن عليّ : ترك الالتفات في الصلاة . وعن أبي الدرداء : إعظام المقام وإخلاص المقال واليقين التام وجمع الاهتمام . وفي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي رافعاً بصره إلى السماء ، فلما نزلت هذه الآية رمى ببصره نحو مسجده ، ومن الخشوع أن تستعمل الآداب فيتوقى كف الثوب والعبث بجسده وثيابه والالتفات والتمطي والتثاؤب والتغميض وتغطية الفم والسدل والفرقعة والتشبيك والاختصار وتقليب الحصى . وفي التحرير : اختلف في الخشوع ، هل هو من فرائض الصلاة أو من فضائلها ومكملاتها على قولين ، والصحيح الأول ومحله القلب ، وهو أول علم يرفع من الناس قاله عبادة بن الصامت .

وقال الزمخشري :

فإن قلت : لم أضيفت الصلاة إليهم ؟

قلت : لأن الصلاة دائرة بين المصلي والمصلى له ، فالمصلي هو المنتفع بها وحده وهي عدته وذخيرته فهي صلاته ،

وأما المصلى له فغني متعال عن الحاجة إليها والانتفاع بها .

٣

والذين هم عن . . . . .

{اللَّغْوَ } ما لا يعنيك من قول أو فعل كاللعب والهزل ، وما توجب المروءة اطراحه يعني أن بهم من الجد ما يشغلهم عن الهزل لما وصفهم بالخشوع في الصلاة أتبعهم الوصف بالإعراض عن اللغو ليجمع لهم الفعل والترك الشافين على الأنفس اللذين هما قاعدتا بناء التكليف انتهى .

٤

والذين هم للزكاة . . . . .

وإذا تقدم معمول اسم الفاعل جاز أن يقوي تعديته باللام كالفعل ، وكذلك إذا تأخر لكنه مع التقديم أكثر فلذلك جاء { لِلزَّكَواةِ } باللام ولو جاء منصوباً لكان عربياً والزكاة إن أريد بها التزكية صح نسبة الفعل إليها إذ كل ما يصدر يصح أن يقال فيه فعل ، وإن أريد بالزكاة قدر ما يخرج من المال للفقير فيكون على حذف أي لأداء الزكاة { فَاعِلُونَ } إذ لا يصح فعل الأعيان من المزكى أو يضمن فاعلون معنى مؤدون ، وبه شرحه التبريزي .

وقيل { لِلزَّكَواةِ } للعمل الصالح كقوله { خَيْراً مّنْهُ زَكَواةً } أي عملاً صالحاً قاله أبو مسلم .

وقيل : الزكاة هنا النماء والزيادة ، واللام لام العلة ومعمول { فَاعِلُونَ } محذوف التقدير { وَالَّذِينَ هُم } لأجل تحصيل النماء والزيادة { فَاعِلُونَ } الخير .

وقيل : المصروف لا يسمى زكاة حتى يحصل بيد الفقير .

وقيل : لا تسمى العين المخرجة زكاة ، فكان التغيير بالفعل عن إخراجه أولى منه بالأداء ، وفيه رد على بعض زنادقة الأعاجم الأجانب عن ذوق العربية في قوله : ألا قال مؤدُّون ، قال في التحرير والتحبير : وهذا كما قيل لا عقل ولا نقل ، والكتاب العزيز نزل بأفصح اللغات وأصحها بلا خلاف . وقد قال أمية بن أبي الصلت : المطعمون الطعام في السنة الأز

مة والفاعلون للزكوات

ولم يرد عليه أحد من فصحاء العرب ولا طعن فيه علماء العربية ، بل جميعهم يحتجون به ويستشهدون انتهى .

وقال الزمخشري : وحمل البيت على هذا أصح لأنها فيه مجموعة يعني على أن الزكاة يراد بها العين وهو على حذف مضاف ، أي لأداء الزكوات ، وعلل ذلك بجمعها يعني أنها إذا أريد بها العين صح جمعها ، وإذا أريد بها التزكية لم تجمع لأن التزكية مصدر ، والمصادر لا تجمع وهذا غير مسلم بل قد جاء منها مجموعاً ألفاظ كالعلوم والحلوم والأشغال ،

وأما إذا اختلفت فالأكثرون على جواز جمعها وهنا اختلفت بحسب متعلقاتها فإخراج النقد غير إخراج الحيوان وغير إخراج النبات والزكاة في قول أمية مما جاء جمعاً من المصادر ، فلا يتعدى حمله على المخرج لجمعه .

٥

انظر تسفير الآية:٧

٦

انظر تسفير الآية:٧

٧

والذين هم لفروجهم . . . . .

وحفظ لا يتعدى بعلى . فقيل : على بمعنى من أي إلا من أزواجهم كما استعملت من بمعنى على في قوله { وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ } أي على القوم قاله الفراء ، وتبعه ابن مالك وغيره والأولى أن يكون من باب التضمين ضمن { حَافِظُونَ } معنى ممسكون أو

قاصرون ، وكلاهما يتعدى بعلى كقوله { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } وتكلف الزمخشري هنا وجوهاً . فقال { عَلَى أَزْواجِهِمْ } في موضع الحال أي الأوّالين على أزواجهم أو قوّامين عليهن من قولك : كان فلان على فلانة فمات عنها فخلف عليها فلاناً ، ونظيره كان زياد على البصرة أي والياً عليها . ومنه قولهم : فلان تحت فلان ومن ثم سميت المرأة فراشاً أو تعلق على بمحذوف يدل عليه غير ملومين ، كأنه قيل : يلامون { إِلاَّ عَلَى أَزْواجِهِمْ } أي يلامون على كل مباشر إلاّ على أما أطلق لهم { فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } عليه أو يجعله صلة لحافظين من قولك احفظ عليّ عنان فرسي على تضمينه معنى النفي ، كما ضمن قولهم : نشدتك اللّه إلاّ فعلت بمعنى ما طلبت منك إلاّ فعلك انتهى . يعني أن يكون حافظون صورته صورة المثبت وهو منفي من حيث المعنى ، أي والذين هم لم يحفظوا فروجهم إلا على أزواجهم ، فيكون استثناء مفرغاً متعلقاً فيه على بما قبله كما مثل بنشدتك الذي صورته صورة مثبت ، ومعناه النفي أي ما طلبت منك . وهذه التي ذكرها وجوه متكلفة ظاهر فيها العجمة .

وقوله { وَمَا مَلَكَتْ } أريد بما النوع كقوله { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ }

وقال الزمخشري : أريد من جنس العقلاء ما يجري مجرى غير العقلاء وهم الإناث انتهى . وقوله وهم الإناث ليس بجيد لأن لفظ هم مختص بالذكور ، فكان ينبغي أن يقول وهو الإناث على لفظ ما أوهن الإناث على معنى ما ، وهذا الاستثناء حد يجب الوقوف عنده ، والتسرّي خاص بالرجال ولا يجوز للنساء بإجماع ، فلو كانت المرأة متزوجة بعبد فملكته فاعتقته حالة الملك انفسخ النكاح عند فقهاء الأمصار . وقال النخعي والشعبي وعبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة : يبقيان على نكاحهما وفي قوله {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } دلالة على تعميم وطء ما ملك باليمين وهو مختص بالإناث بإجماع ، فكأنه قيل {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } من النساء . وفي الجمع بين الأختين من ملك اليمين وبين المملوكة وعمتها أو خالتها خلاف ، ويخص أيضاً في الآية بتحريم وطء الحائض والأمة إذا زوجت والمظاهر منها حتى يكفر ، ويشمل قوله وراء ذلك الزنا واللواط ومواقعة البهائم والاستمناء ومعنى وراء ذلك وراء هذا الحد الذي حد من الأزواج ومملوكات النساء ، وانتصابه على أنه مفعول بابتغى أي خلاف ذلك .

وقيل : لا يكون وراء هنا إلاّ على حذف تقدير ما وراء ذلك .

والجمهور على تحريم الاستمناء ويسمى الخضخضة وجلد عميرة يكنون عن الذكر بعميرة ، وكان أحمد بن حنبل يجيز ذلك لأنه فضلة في البدن فجاز إخراجها عند الحاجة كالقصد والحجامة ، وسأل حرملة بن عبد العزيز مالكاً عن ذلك فتلا هذه الآية وكان جرى في ذلك كلام مع قاضي القضاة أبي الفتح محمد بن عليّ بن مطيع القشيري ابن دقيق العيد فاستدل على منع ذلك بما استدل مالك من قوله { فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذالِكَ } فقلت له : إن ذلك خرج مخرج ما كانت العرب تفعله من الزنا والتفاخر بذلك في أشعارها ، وكان ذلك كثيراً فيها بحيث كان في بغاياهم صاحبات رايات ، ولم يكونوا ينكرون ذلك .

وأما جلد عميرة فلم يكن معهوداً فيها ولا ذكره أحد منهم في أشعارهم فيما علمناه فليس بمندرج في قوله { وَرَاء ذالِكَ } ألا ترى أن محل ما أبيح وهو نساؤهم بنكاح أو تسر فالذي وراء ذلك هو من جنس ما أحل لهم وهو النساء ، فلا يحل لهم شيء منهن إلاّ بنكاح أو تسر ، والظاهر أن نكاح المتعة لا يندرج تحت قوله { فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذالِكَ } لأنها ينطلق عليها اسم زوج . وسأل الزهري القاسم بن محمد عن المتعة فقال : هي محرمة في كتاب اللّه وتلا { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } الآية ولا يظهر التحريم في هذه الآية .

٨

والذين هم لأماناتهم . . . . .

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو في رواية لأمانتهم بالإفراد وباقي السبعة بالجمع ، والظاهر عموم الأمانات فيدخل فيها ما ائتمن تعالى عليه العبد من قول وفعل واعتقاد ، فيدخل في ذلك جميع الواجبات من الأفعال والتروك وما ائتمنه الإنسان قبل ، ويحتمل الخصوص في أمانات الناس . والأمانة : هي الشيء المؤتمن عليه ومراعاتها القيام عليها لحفظها إلى أن تؤدى ، والأمانة أيضاً المصدر وقال تعالى { إِنَّ اللّه يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الاحمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } والمؤدى هو العين المؤتمن عليه أو القول إن كان المؤتمن عليه لا المصدر .

٩

والذين هم على . . . . .

وقرأ الأخوان على صلاتهم بالتوحيد ، وباقي السبعة بالجمع . والخشوع

والمحافظة متغايران بدأ أولاً بالخشوع وهو الجامع للمراقبة القلبية والتذلل بالأفعال البدنية ، وثنى بالمحافظة وهي تأديتها في وقتها بشروطها من طهارة المصلي وملبوسه ومكانه وأداء أركانها على أحسن هيئاتها ويكون ذلك دأبه في كل وقت .

قال الزمخشري : ووحدت أولاً ليفاد الخشوع في جنس الصلاة أي صلاة كانت ، وجمعت آخراً لتفاد المحافظة على إعدادها وهي الصلوات الخمس والوتر والسنن المرتبة مع كل صلاة وصلاة الجمعة والعيدين والجنازة والاستسقاء والكسوف والخسوف وصلاة الضحى والتهجد وصلاة التسبيح وصلاة الحاجة وغيرها من النوافل .

١٠

أولئك هم الوارثون

{أُوْلَائِكَ } أي الجامعون لهذه الأوصاف { هُمُ الْوارِثُونَ } الأحقاء أن يسموا ورّاثاً دون من عداهم ، ثم ترجم الوارثين بقوله { الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ } فجاء بفخامة وجزالة لإرثهم لا تخفى على الناظر ، ومعنى الإرث ما مر في سورة مريم انتهى . وتقدم الكلام في { الْفِرْدَوْسِ } في آخر الكهف .

١٢

انظر تسفير الآية:١٤

١٣

انظر تسفير الآية:١٤

١٤

ولقد خلقنا الإنسان . . . . .

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ } الآية لما ذكر تعالى أن المتصفين بتلك الأوصاف الجليلة هم يرثون الفردوس فتضمن ذلك المعاد الأخروي ، ذكر النشأة الأولى ليستدل بها على صحة النشأة الآخرة . و

قال ابن عطية : هذا ابتداء كلام والواو في أوله عاطفة جملة كلام على جملة ، وإن تباينت في المعاني انتهى . وقد بيّنا المناسبة بينهما ولم تتباين في المعاني من جميع الجهات .{ الإِنسَانَ } هنا . قال قتادة وغيره ورواه عن سلمان وابن عباس آدم لأنه انسل من الطين { ثُمَّ جَعَلْنَا } عائد على ابن آدم وإن كان لم يذكر لشهرة الأمر وأن المعنى لا يصلح إلاّ له ونظيره { حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ } أو على حذف مضاف أي ثم جعلنا نسله .

وعن ابن عباس أيضاً أن { الإِنسَانَ } ابن آدم و { سُلَالَةٍ مّن طِينٍ } صفوة الماء يعني المني وهو اسم جنس ، والطين يراد به آدم إذ كانت نشأة من الطين كما سمى عرق الثرى أو جعل من الطين لكونه سلالة من أبويه وهما متغذيان بما يكون من الطين .

وقال الزمخشري : خلق جوهر الإنسان أولاً طيناً ثم جعل جوهره بعد ذلك نطفة انتهى . فجعل الإنسان جنساً باعتبار حالتيه لا باعتبار كل مردود منه و { مِنْ } الأولى لابتداء الغاية و { مِنْ } الثانية

قال الزمخشري للبيان كقوله { مِنَ الاْوْثَانِ } انتهى . ولا تكون للبيان إلاّ على تقدير أن تكون السلالة هي الطين ، أما إذا قلنا أنه ما انسل من الطين فتكون لابتداء الغاية . والقرار مكان الاستقرار والمراد هنا الرحم . والمكين المتمكن وصف القرار به لتمكنه في نفسه بحيث لا يعرض له اختلال ، أو لتمكن من يحل فيه فوصف بذلك على سبيل المجاز كقوله طريق سائر لكونه يسار فيه ، وتقدم تفسير النطفة والعلقة والمضغة .

وقرأ الجمهور عظاماً و { العِظَامِ } الجمع فيهما .

وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وأبان والفضل والحسن وقتادة أيضا والأعرج والأعمش ومجاهد وابن محيصن بإفراد الأول وجمع الثاني .

وقرأ أبو رجاء وإبراهيم بن أبي بكر ومجاهد أيضاً بجمع الأول وإفراد الثاني فالإفراد يراد به الجنس .

وقال الزمخشري : وضع الواحد موضع الجمع لزوال اللبس لأن الإنسان ذو عظام كثيرة انتهى . وهذا لا يجوز عند سيبويه وأصحابنا إلاّ في الضرورة وأنشدوا :

كلوا في بعض بطنكم تعفوا

ومعلوم أن هذا لا يلبس لأنهم كلهم ليس لهم بطن واحد ومع هذا خصوا مجيئه بالضرورة { ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً } قال ابن عباس والشعبي وأبو العالية والضحاك وابن زيد ، هو نفخ الروح فيه .

وقال ابن عباس أيضاً : خروجه إلى الدنيا . وقالت فرقة : نبات شعره . وقال مجاهد : كمال شبابه .

وقال ابن عباس أيضاً تصرفه في أمور الدنيا . قال ابن

عطية : وهذا التخصيص لا وجه له وإنما هو عام في هذا وغيره من وجود النطق والإدراك ، وأول رتبة من كونه آخرنفخ الروح وآخره تحصيله المعقولات إلى أن يموت انتهى . ملخصاً وهو قريب مما رواه العوفي عن ابن عباس ، ويدل عليه قوله بعد ذلك { ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذالِكَ لَمَيّتُونَ}

وقال الزمخشري ما ملخصه :{ خَلْقاً ءاخَرَ } مبايناً للخلق الأول مباينة ما أبعدها حيث جعله حيواناً ناطقاً سميعاً بصيراً ، وأودع كل عضو وكل جزء منه عجائب وغرائب لا تدرك بوصف ولا تبلغ بشرح ، وقد احتج أبو حنيفة بقوله { خَلْقاً ءاخَرَ } على أن غاصب بيضة أفرخت عنده يضمن البيضة ولا يرد الفرخ . وقال { أَنشَأْنَا } جعل إنشاء الروح فيه وإتمام خلقه إنشاءً له . قيل : وفي هذا رد على النظام في زعمه أن الإنسان هو الروح فقط ، وقد بيّن تعالى أنه مركب من هذه الأشياء ورد على الفلاسفة في زعمهم أن الإنسان شيء لا ينقسم ، وتبارك فعل ماض لا يتصرف . ومعناه تعالى وتقدس و { أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } أفعل التفضيل والخلاف فيها إذا أضيفت إلى معرفة هل إضافتها محضة أم غير محضة ؟ فمن قال محضة أعرب { أَحْسَنُ } صفة ، ومن قال غير محضة أعربه بدلاً .

وقيل : خبر مبتدأ محذوف تقديره هو أحسن الخالقين ، ومعنى { الْخَالِقِينَ } المقدرين وهو وصف يطلق على غيراللّه تعالى كما قال زهير :

ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري قال الأعلم : هذا مثل ضربه يعني زهيراً ، والخالق الذي لا يقدر الأديم ويهيئه لأن يقطعه ويخرزه والفري القطع . والمعنى أنك إذا تهيأت لأمر مضيت له وأنفذته ولم تعجز عنه . و

قال ابن عطية : معناه الصانعين يقال لمن صنع شيئاً خلقه وأنشد بيت زهير . قال : ولا تُنفي هذه اللفظة عن البشر في معنى الصنع إنما هي منفية بمعنى الاختراع . وقال ابن جريج : قال { الْخَالِقِينَ } لأنه أذن لعيسى في أن يخلق وتمييز أفعل التفضيل محذوف لدلالة الخالقين عليه ، أي { أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } خلقاً أي المقدرين تقديراً . وروي أن عمر لما سمع { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ } إلى آخره قال { فَتَبَارَكَ اللّه أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } فنزلت . وروي أن قائل ذلك معاذ .

وقيل : عبد اللّه بن أبي سرح ، وكانت سبب ارتداده ثم أسلم وحَسُنَ إسلامه .

١٥

انظر تسفير الآية:١٦

١٦

ثم إنكم بعد . . . . .

وقرأ زيد بن عليّ وابن أبي عبلة وابن محيصن لمائتون بالألف يريد حدوث الصفة ، فيقال أنت مائت عن قليل وميت ولا يقال مائت للذي قد مات . قال الفراء : إنما يقال في الاستقبال فقط وكذا قال ابن مالك ، وإذا قصد استقبال المصوغة من ثلاثي على غير فاعل ردت إليه ما لم يقدر الوقوع ، يعني إنه لا يقال لمن مات مائت .

وقال الزمخشري : والفرق بين الميت والمائت أن الميت كالحي صفة ثابتة ،

وأما المائت فيدل على الحدوث ، تقول : زيد مائت الآن ومائت غداً كقولك : يموت ونحوها ضيق وضائق في قوله { وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ } انتهى . والإشارة بقوله بعد ذلك إلى هذا التطوير والإنشاء { خَلْقاً ءاخَرَ } أي وانقضاء مدّة حياتكم .

{ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ } ونبه تعالى على عظيم قدرته بالاختراع أولاً ، ثم بالإعدام ثم بالإيجاد ، وذكره الموت والبعث لا يدل على انتفاء الحياة في القبر لأن المقصود ذكر الأجناس الثلاثة الإنشاء والإماتة والإعادة في القبر من جنس الإعادة ومعنى { تُبْعَثُونَ } للجزاء

فإن قلت : الموت مقطوع به عند كل أحد ، والبعث قد أنكرته طوائف واستبعدته وإن كان مقطوعاً به من جهة الدليل لإمكانه في نفسه ومجيء السمع به فوجب القطع به فما بال جملة الموت جاءت مؤكدة بأن وباللام ولم تؤكد جملة البعث بأن ؟ فالجواب : أنه بولغ في تأكيد ذلك تنبيهاً للإنسان أن يكون الموت نصب عينيه ولا يغفل عن ترقبه ، فإن مآله إليه فكأنه أكدت جملته ثلاث مرار لهذا المعنى ، لأن الإنسان في الحياة الدنيا يسعى فيها غاية السعي ، ويؤكد ويجمع حتى كأنه مخلد فيها فنبه بذكر الموت مؤكداً مبالغاً فيه ليقصر ، وليعلم أن آخره إلى الفناء فيعمل لدار البقاء ، ولم تؤكد جملة البعث إلاّ بأن لأنه أبرز في صورة المقطوع به الذي لا يمكن فيه نزاع ولا يقبل إنكاراً وإنه حتم لا بد من

كيانه فلم يحتج إلى توكيد ثان ، وكنت سئلت لم دخلت اللام في قوله { لَمَيّتُونَ } ولم تدخل في { تُبْعَثُونَ } فأجبت : بأن اللام مخلصة المضارع للحال غالباً فلا تجامع يوم القيامة ، لأن أعمال { تُبْعَثُونَ } في الظرف المستقبل تخلصه للاستقبال فتنافي الحال ، وإنما قلت غالباً لأنه قد جاءت قليلاً مع الظرف المستقبل كقوله تعالى { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } على أنه يحتمل تأويل هذه الآية وإقرار اللام مخلصة المضارع للحال بأن يقدر عامل في يوم القيامة .

١٧

ولقد خلقنا فوقكم . . . . .

لما ذكر تعالى ابتداء خلق الإنسان وانتهاء أمره ذكره بنعمه و { سَبْعَ طَرَائِقَ } السموات قيل لها طرائق لتطارق بعضها فوق بعض ، طارق النعل جعله على نعل ، وطارق بين ثوبين لبس أحدهما على الآخر قاله الخليل والفراء والزجاج كقوله { طِبَاقاً}

وقيل : لأنها طرائق الملائكة في العروج .

وقيل : لأنها طرائق في الكواكب في مسيرها .

وقيل : لأن لكل سماء طريقة وهيئة غير هيئة الأخرى .

قال ابن عطية : ويجوز أن تكون الطرائق بمعنى المبسوطات من طرقت الشيء .

{وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ } نفى تعالى عنه الغفلة عن خلقه وهو ما خلقه تعالى فهو حافظ السموات من السقوط وحافظ عباده بما يصلحهم ، أي هم بمرأى منا ندبرهم كما نشاء

١٨

وأنزلنا من السماء . . . . .

{يُقَدّرُ } بتقدير منا معلوم لا يزيد ولا ينقص بحسب حاجات الخلق ومصالحهم { فَأَسْكَنَّاهُ فِى الاْرْضِ } أي جعلنا مقره في الأرض .

وعن ابن عباس : أنزل اللّه من الجنة خمسة أنهار جيحون وسيحون ودجلة والفرات والنيل . وفي قوله { فَأَسْكَنَّاهُ فِى الاْرْضِ } دليل على أن مقر ما نزل من السماء هو في الأرض ، فمنه الأنهار والعيون والآبار وكما أنزله تعالى بقدرته هو قادر على إذهابه .

قال الزمخشري :{ عَلَى ذَهَابٍ بِهِ } من أوقع النكرات وأحزها للمفصل والمعنى على وجه من وجوه الذهاب به وطريق من طرقه انتهى . و { ذَهَابٍ } مصدر ذهب ، والباء في { بِهِ } للتعدية مرادفة للّهمزة كقوله { لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ } أي لأذهب سمعهم . وفي ذلك وعيد وتهديد أي في قدرتنا إذهابه فتهلكون بالعطش أنتم ومواشيكم ، وهذا أبلغ في الإيعاد من قوله { قُلْ أَرَءيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَاء مَّعِينٍ } وقال مجاهد : ليس في الأرض ماء إلاّ وهو من السماء .

قال ابن عطية : ويمكن أن يقيد هذا بالعذاب وإلاّ فالأجاج نابت في الأرض مع القحط والعذب يقل مع القحط ، وأيضاً فالأحاديث تقتضي الماء الذي كان قبل خلق السموات والأرض ، ولا محالة أن اللّه قد جعل في الأرض ماء وأنزل من السماء انتهى .

وقيل : ما نزل من السماء أصله من البحر ، رفعه تعالى بلطفه وحسن تقديره من البحر إلى السماء حتى طاب بذلك الرفع والتصعيد ، ثم أنزله إلى الأرض لينتفع به ولو كان باقياً على حاله ما انتفع به من ملوحته .

١٩

فأنشأنا لكم به . . . . .

ولما ذكر تعالى نعمة الماء ذكر ما ينشأ عنه فقال { فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ } وخص هذه الأنواع الثلاثة من النخل والعنب والزيتون لأنها أكرم الشجر وأجمعها للمنافع ، ووصف النخل والعنب بقوله { لَكُمْ فِيهَا } إلى آخره لأن ثمرهما جامع بين أمرين أنه فاكهة يتفكه بها ، وطعام يؤكل رطباً ويابساً رطباً وعنباً وتمراً وزبيباً ، والزيتون بأن دهنه صالح للاستصباح والاصطباغ جميعاً ، ويحتمل أن يكون قوله { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } من قولهم : فلان يأكل من حرفة يحترفها ، ومن صنعة يغتلها ، ومن تجارة يتربح بها يعنون أنها طعمته وجهته التي منها يحصل رزقه . كأنه قال : وهذه الجنات وجوه أرزاقكم ومعايشكم منها ترتزقون وتتعيشون قاله الزمخشري . وقال الطبري : وذكر النخيل

والأعناب لأنها ثمرة الحجاز بالطائف والمدينة وغيرهما ، والضمير في { وَلَكُمْ فِيهَا } عائد على الجنات وهو أعم لسائر الثمرات ، ويجوز أن يعود على النخيل والأعناب .

٢٠

وشجرة تخرج من . . . . .

وعطف { وَشَجَرَةً } على جنات وهي شجرة الزيتون وهي كثيرة بالشام . وقال الجمهور { سَيْنَاء } اسم الجبل كما تقول : جبل أحد من إضافة العام إلى الخاص . وقال مجاهد : معنى { سينا } مبارك . وقال قتادة : معناه الحسن والقولان عن ابن عباس .

وقيل الحسن بالحبشة .

وقيل : بالنبطية . وقال معمر عن فرقة : معناه ذو شجر .

وقيل :{ طُورِ سَيْنَاء } اسم حجارة بعينها أضيف الجبل إليها لوجودها عنده قاله مجاهد أيضاً .

وقرأ الحرميان وأبو عمرو والحسن بكسر السين وهي لغة لبني كنانة .

وقرأ عمر بن الخطاب وباقي السبعة بالفتح وهي لغة سائر العرب .

وقرأ سيني مقصوراً وبفتح السين والأصح أن { سَيْنَاء } اسم بقعة وأنه لى س مشتقاً من السناء لاختلاف المادتين على تقدير أن يكون سيناء عربي الوضع لأن نون السناء عين الكلمة وعين سيناء ياء .

وقرأ الجمهور { تُنبِتُ } بفتح التاء وضم الباء والباء في { بِالدُّهْنِ } على هذا باء الحال أي { تُنبِتُ } مصحوبة { بِالدُّهْنِ } أي ومعها الدهن .

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وسلام وسهل ورويس والجحدري بضم التاء وكسر الباء ، فقيل { بِالدُّهْنِ } مفعول والباء زائدة التقدير تنبت الدهن .

وقيل : المفعول محذوف أي { تُنبِتُ } جناها و { بِالدُّهْنِ } في موضع الحال من المفعول المحذوف أي تنبت جناها ومعه الدهن .

وقيل : أنبت لازم كنبت فتكون الباء للحال ، وكان الأصمعي ينكر ذلك ويتهم من روى في بيت زهير :

قطينا بها حتى إذا أنبت البقل

بلفظ أنبت .

وقرأ الحسن والزهري وابن هرمز بضم التاء وفتح الباء مبنياً للمفعول و { بِالدُّهْنِ } حال .

وقرأ زر بن حبيش بضم التاء وكسر الباء الدهن بالنصب .

وقرأ سليمان بن عبد الملك والأشهب بالدهان بالألف ، وما رووا من قراءة عبد اللّه يخرج الدهن وقراءة أبي تثمر بالدهن محمول على التفسير لمخالفته سواد المصحف المجمع عليه ، ولأن الرواية الثابتة عنهما كقراءة الجمهور والصبغ الغمس والائتدام .

وقال مقاتل : الصبغ الزيتون والدهن الزيت جعل تعالى في هذه الشجرة تأدماً ودهناً . وقال الكرماني : القياس أن يكون الصبغ غير الدهن لأن المعطوف غير المعطوف عليه .

وقرأ الأعمش وصبغاً بالنصب .

وقرأ عامر بن عبد اللّه وصباغ بالألف ، فالنصب عطف على موضع { بِالدُّهْنِ } كان في موضع الحال أو في موضع المفعول ، والصباغ كالدبغ والدباغ وفي كتاب ابن عطية .

وقرأ عامر بن عبد قيس ومتاعاً{ لّلاكِلِيِنَ } كأنه يريد تفسير الصبغ .

ذكر تعالى شرف مقر هذه الشجرة وهو الجبل الذي كلم اللّه فيه نجيه موسى عليه السلام ، ثم ذكر ما فيها من الدهن والصبغ ووصفها بالبركة في قوله { مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ } قيل : وهي أول شجرة يثبت بعد الطوفان

٢١

وإن لكم في . . . . .

{وَإِنَّ لَكُمْ فِى الاْنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مّمَّا فِى بُطُونِهَا } تقدم تفسير نظير هذه الجملة في النحل { وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ } من الحمل والركوب والحرث والانتفاع بجلودها وأوبارها ، ونبه على غزارة فوائدها وألزامها وهو الشرب والأكل ، وأدرج باقي المنافع في قوله { وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ}

٢٢

وعليها وعلى الفلك . . . . .

ثم ذكر ما تكاد تختص به بعض الأنعام وهو الحمل عليها وقرنها بالفلك لأنها سفائن البر كما أن { الْفُلْكِ } سفائن البحر . قال ذو الرمة :

سفينة بر تحت خدي زمامها

يريد صيدح ناقته .

٢٣

ولقد أرسلنا نوحا . . . . .

لما ذكر أولاً بدء الإنسان وتطوّره في تلك الأطوار ، وما امتن به عليه مما جعله تعالى سبباً لحياتهم ، وإدراك مقاصدهم ، ذكر أمثالاً لكفار قريش من الأمم السابقة المنكرة لإرسال اللّه رسلاً المكذبة بما جاءتهم به الأنبياء عن اللّه ، فابتدأ قصة نوح لأنه أبو البشر الثاني كما ذكر أولاً آدم في قوله { مِن سُلَالَةٍ مّن طِينٍ } ولقصته أيضاً مناسبة بما قبلها إذ قبلها { وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } فذكر قصة من صنع الفلك أولاً وأنه كان سبب نجاة من آمن وهلك من لم يكن فيه الفلك من نعمة اللّه ، كل هذه القصص يحذر بها قريشاً نقم اللّه ويذكرهم نعمه .

{مَا لَكُم مّنْ إِلَاهٍ غَيْرِى } جملة مستأنفة منبهة على أن يفرد بالعبادة من كان منفرداً بالإلهية فكأنها تعليل لقوله { اعْبُدُواْ اللّه }{ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } أي أفلا تخافون عقوبته إذا عبدتم غيره

٢٤

فقال الملأ الذين . . . . .

{فَقَالَ الْمَلا } أي كبراء الناس وعظماؤهم ، وهم الذين هم أعصى الناس وأبعدهم لقبول الخير .{ مَا هَاذَا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ } أي مساويكم في البشرية . فأتى تؤفكون له اختصاص بالرسالة .

{يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ } أي يطلب الفضل عليكم ويرأسكم كقوله :{ وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِى الاْرْضِ }{ وَلَوْ شَاء اللّه لاَنزَلَ مَلَائِكَةً } هذا يدل على أنهم كانوا مقرين بالملائكة وهذه شنشنة قريش ودأبها في استبعاد إرسال اللّه البشر ، والإشارة في هذا تحتمل أن تكون لنوح عليه السلام ، وأن تكون إلى ما كلمهم به من الأمر بعبادة اللّه ورفض أصنامهم ، وأن يكون إلى ما أتى به من أنه رسول اللّه وهو بشر ، وأعجب بضلال هؤلاء استبعدوا رسالة البشر واعتقدوا إلهية الحجر . وقولهم { مَّا سَمِعْنَا بِهَاذَا } الظاهر أنهم كانوا مباهتين وإلاّ فنبوّة إدريس وآدم لم تكن المدة بينها وبينهم متطاولة بحيث تنسى فدافعوا الحق بما أمكنهم دفاعه ،

٢٥

إن هو إلا . . . . .

ولهذا قالوا { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ } ومعلوم عندهم أنه ليس بمجنون { فَتَرَبَّصُواْ بِهِ } أي انتظروا حاله حتى يجلي أمره وعاقبة خبره .

٢٦

انظر تسفير الآية:٢٨

٢٧

انظر تسفير الآية:٢٨

٢٨

قال رب انصرني . . . . .

فدعا ربه تعالى بأن ينصره ويظفره بهم بسبب ما كذبوه .

وقال الزمخشري : يدل ما كذبون كما تقول : هذا بذاك أي بدل ذاك ومكانه ، والمعنى أبدلني من غم تكذيبهم سلوة النصر عليهم أو انصرني بإنجاز ما وعدتهم من العذاب ، وهو ما كذبوه فيه حين قال لهم { إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } انتهى .

وقرأ أبو جعفر وابن محيصن { قَالَ رَبّ } بضم الباء ، وتقدم توجيهه في قوله { قَالَ رَبّ احْكُم } بضم الباء وتقدم الكلام على أكثر تفسير ألفاظ هذه الآية في سورة هود ، ونهاه تعالى أن يخاطبه في قومه بدعاء نجاة أو غيره وبين علة النهي بأنه تعالى قد حكم عليهم بالإغراق ، وأمره تعالى بأن يحمده على نجاته وهلاكهم وكان الأمر له وحده وإن كان الشرط قد شمله ومن معه لأنه نبيهم وإمامهم وهم متبعوه في ذلك إذ هو قدوتهم . قال مع ما فيه من الإشعار بفضل النبوّة وإظهار كبرياء الربوبية وأن رتبة تلك المخاطبة لا يترقى إليها إلاّ ملك أو نبي انتهى .

٢٩

وقل رب أنزلني . . . . .

ثم أمره أن يدعوه بأنه ينزله { مُنزَلاً مُّبَارَكاً } قيل وقال ذلك عند الركوب في السفينة .

وقيل : عند الخروج منها .

وقرأ الجمهور { مُنزَلاً } بضم الميم وفتح الزاي فجاز أن يكون مصدراً ومكاناً أي إنزالاً أو موضع إنزال .

وقرأ أبو بكر والمفضل وأبو حيوة وابن أبي عبلة وأبان : بفتح الميم وكسر الزاي أي مكان نزول

٣٠

إن في ذلك . . . . .

{إِنَّ فِى ذَلِكَ } خطاب للرسول عليه الصلاة والسلام أي إن في ما جرى على هذه أمّة نوح لدلائل وعبراً{ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ } أي لمصيبين قوم نوح ببلاء عظيم أو لمختبرين بهذه الآيات عبادنا ليعتبروا كقوله { وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا ءايَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}

{ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً ءاخَرِينَ فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ أَنِ اعْبُدُواْ اللّه مَا لَكُمْ مّنْ إِلَاهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ وَقَالَ الْمَلاَ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَاء الاْخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِى الْحَيواةِ الدُّنْيَا مَا هَاذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ } {سقط : مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون ، أيعدكم أنكم إذا}

{سقط : متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون ، هيهات هيهات لما توعدون ، إن هي إلا حياتنا نوت ونحيا وما نحن بمبعوثين ، إن هو إلا رجل به جنة افترى على اللّه كذبا وما نحن بمؤمنين قال رب انصرني بما كذبون ، قال عما قليل ليصبحن نادمين ، فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين}

٣١

انظر تسفير الآية:٣٢

٣٢

ثم أنشأنا من . . . . .

ذكر هذه القصة عقيب قصة نوح ، يظهر أن هؤلاء هم قوم هود والرسول هو هود عليه السلام وهو قول الأكثرين . وقال أبو سليمان الدمشقي والطبري : هم ثمود ، والرسول صالح عليه السلام هلكوا بالصيحة . وفي آخر القصة { فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ } ولم يأت أن قوم هود هلكوا بالصيحة وقصة قوم هود جاءت في الأعراف ، وفي هود ، وفي الشعراء بأثر قصة قوم نوح . وقال تعالى { وَاذْكُرُواْ إِذَا جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ } والأصل في أرسل أن يتعدى بإلى كأخوانه وجه ، وأنفذ وبعث وهنا عُدِّي بفي ، جعلت الأمة موضعاً للإرسال كما قال رؤبة :

أرسلت فيها مصعباً ذا إقحام

وجاء بعث كذلك في قوله { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلّ أُمَّةٍ }{ وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِى كُلّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً } و { ءانٍ } في { أَنِ اعْبُدُواْ اللّه } يجوز أن تكون مفسرة وأن تكون مصدرية وجاء هنا

٣٣

انظر تسفير الآية:٣٧

٣٤

انظر تسفير الآية:٣٧

٣٥

انظر تسفير الآية:٣٧

٣٦

انظر تسفير الآية: ٣٧

٣٧

وقال الملأ من . . . . .

{وَقَالَ الملأ } بالواو . وفي الأعراف وسورة هود في قصه بغير واو قصد في الواو العطف على ما قاله ، أي اجتمع قوله الذي هو حق ، وقولهم الذي هو باطل كأنه إخبار بتباين الحالين والتي بغير واو قصد به الاستئناف وكأنه جواب لسؤال مقدر ، أي فما كان قولهم له قال قالوا كيت وكيت { وَكَذَّبُواْ بِلِقَاء الاْخِرَةِ } أي بلقاء الجزاء من الثواب والعقاب فيها { وَأَتْرَفْنَاهُمْ } أي بسطنا لهم الآمال والأرزاق ونعمناهم ، واحتملت هذه الجملة أن تكون معطوفة على صلة الذين ، وكان العطف مشعراً بغلبة التكذيب والكفر ، أي الحامل لهم على ذلك كوننا نعمناهم وأحسنا إليهم ، وكان ينبغي أن يكون الأمر بخلاف ذلك وأن يقابلوا نعمتنا بالإيمان وتصديق من أرسلته إليهم ، وأن تكون جملة حالية أي وقد { أترفناهم } أي { لَّمَّا كَذَّبُواْ } في هذه الحال ، ويؤول هذا المعنى إلى المعنى الأول أي { كَذَّبُواْ } في حال الإحسان إليهم ، وكان ينبغي أن لا يكفروا وأن يشكروا النعمة بالإيمان والتصديق لرسلي .

وقوله { أَكَلَ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ } تحقيق للبشرية وحكم بالتساوي بينه وبينهم ، وأن لا مزية له عليهم ، والظاهر أن ما موصولة في قوله { مِمَّا تَشْرَبُونَ } وأن العائد محذوف تقديره { مِمَّا تَشْرَبُونَ } منه لوجود شرائط الحذف ، وهو اتحاد المتعلق والمتعلق كقوله : مررت بالذي مررت ، وحسن هذا الحذف ورجحه كون { تَشْرَبُونَ } فاصلة ولدلالة منه عليه في قوله { مّمَّا تَأْكُلُونَ } وفي التحرير وزعم الفراء أن معنى قوله { وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ } على حذف أي { مِمَّا تَشْرَبُونَ } منه ، وهذا لا يجوز عند البصريين ولا يحتاج إلى حذف ألبتة لأن ما إذا كانت مصدراً لم تحتج إلى عائد ، فإن جعلتها بمعنى الذي حذفت المفعول ولم تحتج إلى إضمار من انتهى . يعني أنه يصير التقدير مما تشربونه ، فيكون المحذوف ضميراً متصلاً وشروط جواز الحذف فيه موجودة ، وهذا تخريج على قاعدة البصريين إلاّ أنه يفوت فصاحة معادلة التركيب ألا ترى أنه قال { مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ } فعداه بمن التبعيضية ، فالمعادلة تقتضي أن يكون التقدير { مِمَّا تَشْرَبُونَ } منه ، فلو كان التركيب مما تأكلونه لكان تقدير تشربونه هو الراجح .

وقال الزمخشري : حذف الضمير والمعنى من مشروبكم أو حذف منه لدلالة ما قبله عليه انتهى . فقوله حذف الضمير معناه مما تشربونه وفسره بقوله مشروبكم لأن الذي تشربونه هو مشروبكم .

وقال الزمخشري { إِذَا } واقع في جزاء الشرط وجواب للذين قاولوهم من قومهم ، أي تخسرون عقولكم وتغبنون في آبائكم انتهى . وليس { إِذَا } واقعاً في جزاء الشرط بل واقعاً بين { إِنَّكُمْ } والخبر و { إِنَّكُمْ } والخبر ليس جزاء للشرط بل ذلك جملة جواب القسم المحذوف قبل إن الموطئة ، ولو كانت { إِنَّكُمْ } والخبر جواباً للشرط للزمت الفاء في { إِنَّكُمْ } بل لو كان بالفاء في تركيب غير القرآن لم يكن ذلك التركيب جائزاً إلاّ عند الفراء ، والبصريون لا يجيزونه وهو عندهم خطأ . واختلف المعربون في تخريج { إِنَّكُمْ } الثانية ، والمقتول عن سيبويه أن { إِنَّكُمْ } بدل من الأولى وفيها معنى التأكيد ، وخبر { إِنَّكُمْ } الأولى محذوف لدلالة خبر الثانية عليه

تقديره { إِنَّكُمْ } تبعثون { إِذَا مِتٌّ مْ } وهذا الخبر المحذوف هو العامل في { إِذَا } وذهب الفراء والجرمي والمبرد إلى أن { إِنَّكُمْ } الثانية كررت للتأكيد لما طال الكلام حسن التكرار ، وعلى هذا يكون { مُّخْرَجُونَ } خبر { إِنَّكُمْ } الأولى ، والعامل في { إِذَا } هو هذا الخبر ، وكان المبرد يأبى البدل لكونه من غير مستقبل إذ لم يذكر خبر أن الأولى . وذهب الأخفش إلى أن { أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ } مقدر بمصدر مرفوع بفعل محذوف تقديره : يحدث إخراجكم فعلى هذا التقدير يجوز أن تكون الجملة الشرطية خبراً لأنكم ، ويكون جواب { إِذَا } ذلك الفعل المحذوف ، ويجوز أن يكون ذلك الفعل المحذوف هو خبر { إِنَّكُمْ } ويكون عاملاً في { إِذَا}

وذكر الزمخشري قول المبرد بادئاً به فقال : شيء { إِنَّكُمْ } للتوكيد ، وحسن ذلك الفصل ما بين الأول والثاني بالظرف و { مُّخْرَجُونَ } خبر عن الأول وهذا قول المبرد .

قال الزمخشري : أو جعل { أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ } مبتدأ و { إِذَا مِتٌّ مْ } خبراً على معنى إخراجكم إذا متم ، ثم أخبر بالجملة عن { إِنَّكُمْ } انتهى . وهذا تخريج سهل لا تكلف فيه . قال : أو رفع { أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ } بفعل هو جزاء الشراط كأنه قيل { إِذَا مِتٌّ مْ } وقع إخراجكم انتهى . وهذا قول الأخفش إلا أنه حتم أن تكون الجملة الشرطية خبراً عن { إِنَّكُمْ } ونحن جوزنا في قول الأخفش هذا الوجه ، وأن يكون خبر { إِنَّكُمْ } ذلك الفعل المحذوف وهو العامل في { إِذَا } وفى قراءة عبد اللّه { أَيَعِدُكُمْ }{ إِذَا مِتٌّ مْ } بإسقاط { إِنَّكُمْ } الأولى .

وقرأ الجمهور { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ } بفتح التاءين وهي لغة الحجاز .

وقرأ هارون عن أبي عمرو بفتحهما منونتين ونسبها ابن عطية لخالد بن إلياس .

وقرأ أبو حيوة بضمهما من غير تنوين ، وعنه عن الأحمر بالضم والتنوين وافقه أبو السماك في الأول وخالفه في الثاني .

وقرأ أبو جعفر وشيبة بكسرهما من غير تنوين ، وروي هذا عن عيسى وهي في تميم وأسد وعنه أيضاً ، وعن خالد بن إلياس بكسرهما والتنوين .

وقرأ خارجة بن مصعب عن أبي عمرو والأعرج وعيسى أيضاً بإسكانهما ، وهذه الكلمة تلاعبت بها العرب تلاعباً كبيراً بالحذف والإبدال والتنوين وغيره ، وقد ذكرنا في التكميل لشرح التسهيل ما ينيف على أربعين لغة ، فالذي اختاره أنها إذا نونت وكسرت أو كسرت ولم تنون لا تكون جمعاً لهيهات ، ومذهب سيبويه أنها جمع لهيهات وكان حقها عنده أن تكون { هَيْهَاتَ } إلاّ أن ضعفها لم يقتض إظهار الباء قال سيبويه ، هي مثل بيضات يعني في أنها جمع ، فظن بعض النحاة أنه أراد في اتفاق المفرد ، فقال واحد : هيهات هيهة ، وتحرير هذا كله مذكور في علم النحو ولا تستعمل هذه الكلمة غالباً إلاّ مكررة ، وجاءت غير مكررة في قول جرير :

وهيهات خل بالعقيق نواصله وقول رؤبة :

هيهات من متحرق هيهاؤه و { هَيْهَاتَ } اسم فعل لا يتعدى برفع الفاعل ظاهراً أو مضمراً ، وهنا جاء التركيب { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ } لم يظهر الفاعل فوجب ن يعتقد إضمار تقديره هو أي إخراجكم ، وجاءت اللام للبيان أي أعني لما توعدون كهي بعد بعد سقياً لك فتتعلق بمحذوف وبنيت المستبعد ما هو بعد اسم الفعل الدال على البعد كما جاءت في { هَيْتَ لَكَ } لبيان المهيت به . وقال الزجاج : البعد { لِمَا تُوعَدُونَ } أو بعد { لِمَا تُوعَدُونَ } وينبغي أن يجعل كلامه تفسير معنى لا تفسير إعراب لأنه لم تثبت مصدرية { هَيْهَاتَ } وقول الزمخشري : فمن نونه نزله منزلة المصدر ليس بواضح لأنهم قد نونوا أسماء الأفعال ، ولا نقول إنها إذا نونت تنزلت منزلة المصدر . و

قال ابن عطية : طوراً تلي الفاعل دون لام تقول هيهات مجيء زيد أي بعد ، وأحياناً يكون الفاعل محذوفاً وذلك عند اللام كهذه الآية التقدير بعد الوجود { لِمَا تُوعَدُونَ } انتهى . وهذا ليس بجيد لأن فيه حذف الفاعل ، وفيه أنه مصدر حذف وأبقى معموله ولا يجيز البصريون شيئاً من هذا . وقال ابن عطية أيضاً في قراءة من ضم ونون أنه اسم معرب مستقل ، وخبره { لِمَا تُوعَدُونَ } أي البعد لوعدكم كما تقول : النجح لسعيك . وقال صاحب اللوامح : فأما من قال { هَيْهَاتَ } فرفع ونون احتمل أن يكونا

اسمين متمكنين مرتفعين بالابتداء وما بعدهما خبرهما من حروف الجر بمعنى البعد { لِمَا تُوعَدُونَ } والتكرار للتأكيد ، ويجوز أن يكونا اسمين للفعل والضم للبناء مثل حوب في زجر الإبل لكنه نون لكونه نكرة انتهى .

وقرأ ابن أبي عبلة { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ } ما { تُوعَدُونَ } بغير لام وتكون ما فاعلة بهيهات . وهي قراءة واضحة .

وقالوا { إِنْ هِىَ } هذا الضمير يفسره سياق الكلام لأنهم قبل أنكروا المعاد فقالوا { أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ } الآية فاستفهموا استفهام استبعاد وتوقيف واستهزاء ، فتضمن أن لا حياة إلاّ حياتهم .

وقال الزمخشري : هذا ضمير لا يعلم ما يعني به إلا بما يتلوه من بيانه ، وأصله أن الحياة { إِلاَّ حَيَاتُنَا } الدنيا ثم وضع { هِىَ } موضع الحياة لأن الخبر يدل عليها ويبنيها ، ومنه هي النفس تتحمل ما حملت وهي العرب تقول : ما شاءت ، والمعنى : لا حياة إلاّ هذه الحياة الدنيا لأن { ءانٍ } الثانية دخلت على { هِىَ } التي هي في معنى الحياة الدالة على الجنس فنفتها فوازنت لا التي نفت ما بعدها نفي الجنس .

{نَمُوتُ وَنَحْيَا } أي يموت بعض ويولد بعض ينقرض قرن ويأتي قرن انتهى ،

٣٨

انظر تسفير الآية:٤٠

٣٩

انظر تسفير الآية:٤٠

٤٠

إن هو إلا . . . . .

ثم أكدوا ما حصروه من أن لا حياة إلاّ حياتهم وحرموا بانتفاء بعثهم من قبورهم للجزاء وهذا هو كفر الدهرية ، ثم نسبوه إلى افتراء الكذب على اللّه في أنه نبأه وأرسله إلينا وأخبره أنا نبعث { وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ } أي بمصدّقين ، ولما أيس من إيمانهم ورأى إصرارهم على الكفر دعا عليهم وطلب عقوبتهم على تكذيبهم { قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ } أي عن زمن قليل ، وما توكيد للقلة وقليل صفة لزمن محذوف وفي معناه قريب . قيل :أي بعد الموت تصيرون نادمين .

وقيل { عَمَّا قَلِيلٍ } أي وقت نزول العذاب في الدنيا ظهور علاماته والندامة على ترك قبول ما جاءهم به رسولهم حيث لا ينفع الرجوع ، واللام في { لَّيُصْبِحُنَّ } لام القسم و { عَمَّا قَلِيلٍ } متعلق بما بعد اللام إما بيصبحن

وإما بنادمين ، وجاز ذلك لأنه جار ومجرور ويتسامح في المجرورات والظروف ما لا يتسامح في غيرها ، ألا ترى أنه لو كان مفعولاً به لم يجز تقديمه لو

قلت : لأضربن زيداً لم يجز زيداً لأضربن ، وهذا الذي قررناه من أن { عَمَّا قَلِيلٍ } يتعلق بما بعد لام القسم هو قول بعض أصحابنا وجمهورهم على أن لام القسم لا يتقدم شيء من معمولات ما بعدها عليها سواء كان ظرفاً أو مجروراً أو غيرهما ، فعلى قول هو لا يكون { عَمَّا قَلِيلٍ } يتعلق بمحذوف يدل عليه ما قبله تقديره { عَمَّا قَلِيلٍ } تنصر لأن قبله قال { رَبّ انصُرْنِى} وذهب الفراء وأبو عبيدة إلى جواز تقديم معمول ما بعد هذه اللام عليها مطلقاً . وفي اللوامح عن بعضهم لتصبحن بتاء على المخاطبة ، فلو ذهب ذاهب إلى أن يصير القول من الرسول إلى الكفار بعدما أجيب دعاؤه لكان جائزاً واللّه أعلم انتهى .

٤١

فأخذتهم الصيحة بالحق . . . . .

{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ }

قال الزمخشري : صيحة جبريل عليه السلام صاح عليهم فدمرهم { بِالْحَقّ } بالوجوب لأنهم قد استوجبوا الهلاك أو بالعدل من اللّه من قولك : فلان يقضي بالحق إذا كان عادلاً في قضاياه شبههم بالغثاء في دمارهم وهو حميل السيل مما يلي واسودّ من الورق والعيدان انتهى .

وعن ابن عباس { الصَّيْحَةَ } الرجفة .

وقيل : هي نفس العذاب والموت .

وقيل : العذاب المصطلم . قال الشاعر : صاح الزمان بآل زيد صيحة

خروا لشنتها على الأذقان

وقال المفضل :{ بِالْحَقّ } بما لا مدفع له كقوله : وجاءت سكرة الموت بالحق . وانتصب بعداً بفعل متروك إظهاره أي بعدوا بعداً . أي هلكوا ، يقال بعد بعداً وبعداً نحو رشد رشداً ورشداً . وقال الحوفي { لّلْقَوْمِ } متعلق بعداً .

وقال الزمخشري : و { لّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } بيان لمن دعى عليه بالبعد نحو { هَيْتَ لَكَ } و { لِمَا تُوعَدُونَ } انتهى فلا تتعلق ببعداً بل بمحذوف .

{ثم أنشأنا من بعدهم قروناً آخرين ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون ثم أرسلنا رسلنا تترى كلما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضاً وجعلناهم أحاديث فبعدا القوم لا يؤمنون ثم أرسلنا موسى وأخاه هرون بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوماً عالين فقالوا أنؤمن لبشر مثلنا وقومهما لنا}

عابدون فكذبوهما فكانوا من المهلكين ، ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرة ر ومعين يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون فذرهم في غمرتهم حتى حين أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون .

٤٢

ثم أنشأنا من . . . . .

{قروناً } قال ابن عباس : هم بنو إسرائيل .

وقيل : قصة لوط وشعيب وأيوب ويونس صلوات اللّه عليهم

٤٣

ما تسبق من . . . . .

{مَّا تَسْبِقُ } إلى آخر الآية تقدم الكلام عليها في الحجر

٤٤

ثم أرسلنا رسلنا . . . . .

{ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى } أي لأمم آخرين أنشأناهم بعد أولئك .

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وقتادة وأبو جعفر وشيبه وابن محيصن والشافعي { تَتْرَى } منوناً وباقي السبعة بغير تنوين ، وانتصب على الحال أي متواترين واحداً بعد واحد ، وأضاف الرسل إليه تعالى وأضاف رسولاً إلى ضمير الأمة المرسل إليها لأن الإضافة تكون بالملابسة ، فالأول كانت الإضافة لتشريف الرسل ، والثاني كانت الإضافة إلى الأمة حيث كذبته ولم ينجح فيهم إرساله إليهم فناسب الإضافة إليهم .

{فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً } أي بعض القرون أو بعض الأمم بعضاً في الإهلاك الناشىء عن التكذيب . و { أَحَادِيثَ } جمع حديث وهو جمع شاذ ، وجمع أحدوثة وهو جمع قياسي . والظاهر أن المراد الثاني أي صاروا يتحدث بهم وبحالهم في الإهلاك على سبيل التعجب والاعتبار وضرب المثل بهم . وقال الأخفش : لا يقال هذا إلاّ في الشر ولا يقال في الخير . قيل : ويجوز أن يكون جمع حديث ، والمعنى أنه لم يبق منهم عين ولا أثر إلاّ الحديث عنهم .

وقال الزمخشري : الأحاديث تكون اسم جمع للحديث ومنه أحاديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انتهى . وأفاعيل ليس من أبنية اسم الجمع ، وإنما ذكره أصحابنا فيما شذ من الجموع كقطيع وأقاطيع ، وإذا كان عباديد قد حكموا عليه بأنه جمع تكسير وهو لم يلفظ له بواحد فأحرى { أَحَادِيثَ } وقد لفظ له وهو حديث ، فالصحيح أنه جمع تكسير لا اسم جمع لما ذكرناه .

٤٥

انظر تسفير الآية:٢٣

٤٦

ثم أرسلنا موسى . . . . .

{بِئَايَاتِنَا } قال ابن عباس هي التسع وهي العصا ، واليد ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والبحر ، والسنون ، ونقص من الثمرات { وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } قيل : هي العصا واليد ، وهما اللتان اقترن بهما التحدي ويدخل في عموم اللفظ سائر آياتهما كالبحر والمرسلات الست ،

وأما غير ذلك مما جرى بعد الخروج من البحر فليست تلك لفرعون بل هي خاصة ببني إسرائيل . وقال الحسن :{ بِئَايَاتِنَا } أي بديننا .{ وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } هو المعجز ، ويجوز أن يراد بالآيات نفس المعجزات ، وبسلطان مبين كيفية دلالتها لأنها وإن شاركت آيات الأنبياء فقد فارقتها في قوة دلالتها على قول موسى عليه السلام . قيل : ويجوز أن يراد بالسلطان المبين العصا لأنها كانت أمّ آيات موسى وأولاها ، وقد تعلقت بها معجزات شتى من انقلابها حية وتلقفها ما أفكته السحرة ، وانفلاق البحر ، وانفجار العيون من الحجر بالضرب بها ، وكونها حارساً وشمعة وشجرة خضراء مثمرة ودلواً ورشاء ، جعلت كأنها ليست بعض الآيات لما استبدت به من الفضل فلذلك عطفت عليها كقوله { وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } ويجوز أن يراد بسلطان مبين الآيات أنفسها أي هي آيات وحجة بينة { فَاسْتَكْبَرُواْ } عن الإيمان بموسى وأخيه نفة .

{قَوْماً عَالِينَ } أي رفيعي الحال في الدنيا أي متطاولين على الناس قاهرين بالظلم ، أو متكبرين كقوله { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِى الاْرْضِ } أي وكان من شأنهم التكبر .

٤٧

فقالوا أنؤمن لبشرين . . . . .

والبشر يطلق على المفرد والجمع كقوله { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أَحَداً } ولما أطلق على الواحد جازت تثنيته فلذلك جاء { لِبَشَرَيْنِ } ومثل يوصف به المفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث ولا يؤنث ، وقد يطابق تثنية وجمعاً و { قومهما } أي بنو إسرائيل { وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ } أي خاضعون متذللون ، أو لأنه كان يدّعي الإلهية فادّعى الناس العبادة ، وإن طاعتهم له عبادة على الحقيقة . وقال أبو عبيد : العرب تسمي كل من دان للملك عابداً ،

٤٨

فكذبوهما فكانوا من . . . . .

ولما كان ذلك الإهلاك كالمعلول للتكذيب أعقبه بالفاء أي فكانوا ممن حكم عليهم بالفرق إذ لم يحصل الغرق عقيب التكذيب .

٤٩

ولقد آتينا موسى . . . . .

{مُوسَى الْكِتَابَ } أي قوم موسى و { الْكِتَابِ } التوراة ، ولذلك عاد الضمير على ذلك المحذوف في قوله { لَعَلَّهُمْ } ولا يصح عود هذا الضمير في { لَعَلَّهُمْ } على فرعون وقومه لأن { الْكِتَابِ } لم يؤته موسى إلا بعد هلاك فرعون لقوله :{ وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُون الاْولَى}{ لَعَلَّهُمْ } ترج بالنسبة إليهم { لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } لشرائعها ومواعظها .

٥٠

وجعلنا ابن مريم . . . . .

{وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ } أي قصتهما وهي { ءايَةً } عظمى بمجموعها وهي آيات مع التفصيل ، ويحتمل أن يكون حذف من الأول آية لدلالة الثاني أي وجعلنا ابن مريم آية وأمه آية . والربوة هنا . قال ابن عباس وابن المسيب : الغوطة بدمشق ، وصفتها أنها { ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } على الكمال . وقال أبو هريرة : رملة فلسطين . وقال قتادة وكعب : بيت المقدس ، وزعم أن في التوراة أن بيت المقدس أقرب الأرض إلى السماء ، وأنه يزيد على أعلى الأرض ثمانية عشر ميلاً . وقال ابن زيد ووهب : الربوة بأرض مصر ، وسبب هذا الإيواء أن ملك ذلك الزمان عزم على قتل عيسى ففرت به أمه إلى أحد هذه الأماكن التي ذكرها المفسرون .

وقرأ الجمهور { رَبْوَةٍ } بضم الراء وهي لغة قريش ، والحسن وأبو عبد الرحمن وعاصم وابن عامر بفتحها ، وأبو إسحاق السبيعي بكسرها وابن أبي إسحاق رباوة بضم الراء بالألف ، وزيد بن عليّ والأشهب العقيلي والفرزدق والسلمي في نقل صاحب اللوامح بفتحها وبالألف . وقرىء بكسرها وبالألف { ذَاتِ قَرَارٍ } أي مستوية يمكن القرار فيها للحرث والغراسة ، والمعنى أنها من البقاع الطيبة . وعن قتادة : ذات ثمار وماء ، يعني أنها لأجل الثمار يستقر فيها ساكنوها .

٥١

يا أيها الرسل . . . . .

ونداء { الرُّسُلَ } وخطابهم بمعنى نداء كلواحد وخطابه في زمانه إذ لم يجتمعوا في زمان واحد فينادون ويخاطبون فيه ، وإنما أتى بصورة الجمع ليعتقد السامع أن أمراً نودي له جميع الرسل ووصوا به حقيق أن يوحد به ويعمل عليه .

وقيل : الخطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وجاء بلفظ الجمع لقيامه مقام { الرُّسُلَ }

وقيل : ليفهم بذلك أن هذه طريقة كل رسول كما تقول تخاطب تاجراً : يا تجار اتقوا الربا . وقال الطبري : الخطاب لعيسى ، وروي أنه كان يأكل من غزل أمه والمشهور من بقل البرية .

وقال الزمخشري : ويجوز أن يقع هذا الإعلام عند إيواء عيسى ومريم إلى الربوة فذكر على سبيل الحكاية أي { آويناهما } وقلنا لهما هذا الذي أعلمناهما أن الرسل كلهم خوطبوا بهذا وكلا مما رزقنا كما واعملا صالحاً اقتداء بالرسل والطيبات الحلال لذيذاً كان أو غير لذيذ .

وقيل : ما يستطاب ويستلذ من المآكل والفواكه ويشهد له { رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } وقدم الأكل من الطيبات على العمل الصالح دلالة على أنه لا يكون صالحاً إلاّ مسبوقاً بأكل الحلال .

{إِنّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } تحذير في الظاهر والمراد اتباعهم

٥٢

وإن هذه أمتكم . . . . .

{وَإِنَّ هَاذِهِ أُمَّتُكُمْ } الآية تقدم تفسير مثلها في أواخر الأنبياء .

وقرأ الكوفيون { وَأَنْ } بكسر الهمزة والتشديد على الاستئناف ، والحرميان : وأبو عمرو بالفتح والتشديد أي ولأن ، وابن عامر بالفتح والتخفيف وهي المخففة من الثقيلة ، ويدل على أن النداء للرسل نودي كل واحد منهم في زمانه قوله { وَإِنَّ هَاذِهِ أُمَّتُكُمْ}

وقوله { فَتَقَطَّعُواْ } وجاء هنا { وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ } وهو أبلغ في التخويف والتحذير من قوله في الأنبياء { فَاعْبُدُونِ } لأن هذه جاءت عقيب إهلاك طوائف كثيرين من قوم نوح ، والأمم الذين من بعدهم وفي الأنبياء وإن تقدمت أيضاً قصة نوح وما قبلها فإنه جاء بعدها ما يدل على الإحسان واللطف التام في قصة أيوب ويونس وزكريا ومريم ، فناسب الأمر بالعبادة لمن هذه صفته تعالى

٥٣

فتقطعوا أمرهم بينهم . . . . .

وجاء هنا { فَتَقَطَّعُواْ } بالفاء إيذاناً بأن التقطيع اعتقب الأمر بالتقوى ، وذلك مبالغة في عدم قبولهم وفي نفارهم عن توحيد اللّه وعبادته . وجاء في الأنبياء بالواو فاحتمل معنى الفاء ، واحتمل تأخر تقطعهم عن الأمر بالعبادة ، وفرح كل حزب بما لديه دليل على نعمته في ضلاله ، وأنه هو الذي ينبغي أن يعتقد وكأنه لا ريبة عنده في أنه الحق .

٥٤

فذرهم في غمرتهم . . . . .

ولما ذكر تعالى من ذكر من الأمم ومآل أمرهم من الإهلاك حين كذبوا الرسل كان ذلك مثالاً لقريش ، فخاطب رسوله في شأنهم بقوله { فَذَرْهُمْ فِى غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ } وهذا وعيد لهم حيث تقطعوا في أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقائل هو شاعر ، وقائل ساحر ، وقائل به جنة كما تقطع من قبلهم من الأمم كما قال { أَتَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} قال الكلبي { فِى غَمْرَتِهِمْ } في جهالتهم . وقال ابن بحر : في حيرتهم . وقال ابن سلام : في غفلتهم .

وقيل : في ضلالتهم { حَتَّى حِينٍ } حتى ينزل بهم الموت .

وقيل : حتى يأتي ما وعدوا به من العذاب .

وقيل : هو يوم بدر .

وقيل : هي منسوخة بآية السيف .

وقرأ الجمهور { فِى غَمْرَتِهِمْ } وعليّ بن أبي طالب وأبو حيوة والسلمي في غمراتهم على الجمع

لأن لكل واحد غمرة ، وعلى قراءة الجمهور فغمرة تعم إذا أضيفت إلى عام .

وقال الزمخشري : الغمرة الماء الذي يغمر القامة فضربت مثلاً لما هم مغمورون فيه من جهلهم وعمايتهم ، أو شبهوا باللاعبين في غمرة الماء لما هم عليه من الباطل ، قال الشاعر :

كأني ضارب في غمرة لعب

٥٥

انظر تسفير الآية:٥٦

٥٦

أيحسبون أنما نمدهم . . . . .

سلي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بذلك ، ونهى عن الاستعجال بعذابهم والجزع من تأخره انتهى . ثم وقفهم تعالى على خطأ رأيهم في أن نعمة اللّه عليهم بالمال ونحوه إنما هي لرضاه عن حالهم ، وبيّن تعالى أن ذلك إنما هو إملاء واستدراج إلى المعاصي واستجرار إلى زيادة الإثم وهم يحسبونه مسارعة لهم في الخيرات ومعاجلة بالإحسان .

وقرأ ابن وثاب { أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ } بكسر الهمزة .

وقرأ ابن كثير في رواية يمدهم بالياء ، وما في { إِنَّمَا } إما بمعنى الذي أو مصدرية أو كافة مهيئة إن كانت بمعنى الذي فصلتها ما بعدها ، وخبر إن هي الجملة من قوله { نُسَارِعُ لَهُمْ فِى الْخَيْراتِ } والرابط لهذه الجملة ضمير محذوف لفهم المعنى تقديره : نسارع لهم به في الخيرات ، وحسن حذفه استطالة الكلام مع أمن اللبس . وتقدم نظيره في قوله { أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ } وقال هشام بن معونة : الضرر الرابط هو الظاهر وهو { فِى الْخَيْراتِ } وكان المعنى { نُسَارِعُ لَهُمْ } فيه ثم أظهر فقال { فِى الْخَيْراتِ } فلا حذف على هذا التقدير ، وهذا يتمشى على مذهب الأخفش في إجازته نحو زيد قام أبو عبد اللّه إذا كان أبو عبد اللّه كنية لزيد ، فالخيرات من حيث المعنى هي الذي مدُّوا به من المال والبنين وإن كانت ما مصدرية فالمسبوك منها ومما بعدها هو مصدر اسم إن وخبر إن هو { نُسَارِعُ } على تقدير مسارعة فيكون الأصل أن نسارع فحذفت أن وارتفع الفعل ، والتقدير أيحسبون أن إمدادنا لهم بالمال والبنين مسارعة لهم في الخيرات . وإن كانت ما كافة مهيئة فهو مذهب الكسائي فيها هنا فلا تحتاج إلى ضمير ولا حذف ، ويجوز الوقف على { وَبَنِينَ } كما تقول حسبت إنما يقوم زيد ، وحسبت أنك منطلق ، وجاز ذلك لأن ما بعد حسبت قد انتظم مسنداً ومسنداً إليه من حيث المعنى ، وإن كان في ما يقدر مفرداً لأنه ينسبك من أن وما بعدها مصدر .

وقرأ السلمي وعبد الرحمن بن أبي بكرة يسارع بالياء وكسر الراء فإن كان فاعل { نُسَارِعُ } ضمير يعود على ما بمعنى الذي ، أو على المصدر المنسبك من ما نمد فنسارع خبر لأن ولا ضمير ولا حذف أي يسارع هو أي الذي يمد ويسارع ، هو أي إمدادنا . وعن ابن أبي بكرة المذكور بالياء وفتح الراء مبنياً للمفعول .

وقرأ الحر النحوي نسرع بالنون مضارع أسرع { بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } إضراب عن قوله { أَيَحْسَبُونَ } أي بل هم أشباه البهائم لا فطنة لهم ولا شعور فيتأملوا ويتفكروا أهو استدراج أم مسارعة في الخير وفيه تهديد ووعيد .

٥٧

إن الذين هم . . . . .

لما فرغ من ذكر الكفرة وتوعدهم عقب ذلك بذكر المؤمنين ووعدهم وذكرهم بأبلغ صفاتهم ، والإشفاق أبلغ التوقع والخوف ومنهم من حمل الخشية على العذاب والمعنى والذين هم من عذاب { رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ } وهو قول الكلبي ومقاتل و { مّنْ خَشْيَةِ } متعلق بمشفقون قاله الحوفي . و

قال ابن عطية : و { مِنْ } في { مّنْ خَشْيَةِ } هي لبيان جنس الإشفاق ، والإشفاق إنما هو من عذاب اللّه ، والآيات تعم القرآن والعبر والمصنوعات التي للّه وغير ذلك مما فيه نظر . وفي كل شيء له آية .

٥٨

انظر تسفير الآية:٥٩

٥٩

والذين هم بآيات . . . . .

ثم ذكر نفي الإشراك وهو عبادتهم آلهتهم التي هي

الأصنام ، إذ لكفار قريش أن تقول : نحن نؤمن بآيات ربنا ونصدق بأنه المخترع الخالق .

وقيل : ليس المراد منه الإيمان بالتوحيد ونفي الشرك للّه لأن ذلك داخل في قوله { وَالَّذِينَ هُم بِئَايَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ } المراد نفي الشرك للحق وهو أن يخلصوا في العبادة لا يقدم عليها إلا لوجه اللّه وطلب رضوانه .

٦٠

والذين يؤتون ما . . . . .

وقرأ الجمهور { يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ } أي يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقات { وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } أي خائفة أن لا يقبل منهم لتقصيرهم أنهم أي وجلة لأجل رجوعهم إلى اللّه أي خائفة لأجل ما يتوقعون من لقاء الجزاء . قال ابن عباس وابن جبير : هو عام في جميع أعمال البر كأنه قال : والذين يفعلون من أنفسهم في طاعة اللّه ما بلغه جهدهم . وقرأت عائشة وابن عباس وقتادة والأعمش والحسن والنخعي يأتون ما أتوا من الإتيان أي يفعلون ما فعلوا قالت عائشة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : هو الذي يزني ويسرق ويشرب الخمر ، وهو على ذلك يخاف اللّه قال : { لا يا ابنة الصديق ولكنه هو الذي يصلي ويصوم ويتصدق وهو على ذلك يخاف اللّه أن لا يقبل} .قيل : وجل العارف من طاعته أكثر من مخالفته لأن المخالفة تمحوها التوبة والطاعة تطلب التصحيح . وقال الحسن : المؤمن يجمع إحساناً وشفقة ، والمنافق يجمع إساءة وأمناً .

وقرأ الأعمش { أَنَّهُمْ } بالكسر . وقال أبو عبد اللّه الرازي ترتيب هذه الصفات في نهاية الحسن لأن الأولى دلت على حصول الخوف الشديد الموجب للاحتراز ، والثانية على تحصيل الإيمان باللّه ، والثالثة على ترك الرياء في الطاعة ، والرابعة على أن المستجمع لهذه الصفات الثلاثة يأتي بالطاعات مع خوف من التقصير وهو نهاية مقامات الصديقين انتهى .

٦١

أولئك يسارعون في . . . . .

{أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ } جملة في موضع خبر أن . قال ابن زيد { الخَيْرَاتِ } المخافتة والإيمان والكف عن الشرك .

قال الزمخشري :{ يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْراتِ } يحتمل معنيين أحدهما أن يراد يرغبون في الطاعات أشد الرغبة فيبادرونها ، والثاني أنهم يتعجلون في الدنيا المنافع ، ووجوه الإكرام كما قال { فَاتَاهُمُ اللّه ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الاْخِرَةِ }{ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِى ذُرّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ } لأنهم إذا سورع بها لهم فقد سارعوا في نيلها وتعجلوها ، وهذا الوجه أحسن طباقاً للآية المتقدمة لأن فيه إثبات ما نفي عن الكفار للمؤمنين انتهى .

وقرأ الحر النحوي : يسرعون مضارع أسرع ، يقال أسرعت إلى الشيء وسرعت إليه بمعنى واحد ،

وأما المسارعة فالمسابقة أي يسارعون غيرهم . قال الزجاج { يُسَارِعُونَ } أبلغ من يسرعون انتهى . وجهة المبالغة أن المفاعلة تكون من اثنين فتقتضي حث النفس على السبق لأن من عارضك في شيء تشتهي أن تغلبه فيه .

{وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } الظاهر أن الضمير في { لَهَا } عائد على { الخَيْرَاتِ } أي سابقون إليها تقول : سبقت لكذا وسبقت إلى كذا ، ومفعول { سَابِقُونَ } محذوف أي سابقون الناس ، وتكون الجملة تأكيداً للتي قبلها مفيدة تجدد الفعل بقوله { يُسَارِعُونَ } وثبوته بقوله { سَابِقُونَ }

وقيل اللام للتعليل أي لأجلها سابقون الناس إلى رضا اللّه .

وقال الزمخشري { لَهَا سَابِقُونَ } أي فاعلون السبق لأجلها ، أو سابقون الناس لأجلها انتهى . وهذان القولان عندي واحد . قال أيضاً أو إياها سابقون أي ينالوها قبل الآخرة حيث عجلت لهم في الدنيا انتهى . ولا يدل لفظ { لَهَا سَابِقُونَ } على هذا التفسير لأن سبق الشيء الشيء يدل على تقدم السابق على المسبوق ، فكيف يقال لهم وهم يسبقون الخيرات هذا لا يصح . وقال أيضاً : ويجوز أن كون { لَهَا سَابِقُونَ } خبراً بعد خبر ومعنى وهم لها كمعنى قوله أنت لها انتهى . وهذا مروي عن ابن عباس . قال : المعنى سبقت لهم السعادة في الأزل فهم لها ، ورجحه الطبري بأن اللام متمكنة في المعنى انتهى . والظاهر القول الأول وباقيها متعسف وتحميل للفظ غير ظاهره .

وقيل : الضمير في { لَهَا } عائد على لجنة .

وقيل : على الأمم .

٦٢

ولا نكلف نفسا . . . . .

{وَلاَ نُكَلّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } تقدم الكلام على نظير هذه الجملة في آخر البقرة { وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقّ } أي كتاب فيه إحصاء أعمال الخلق يشير إلى الصحف الت يقرؤون فيها ما ثبت لهم في اللوح المحفوظ .

وقيل : القرآن .

٦٣

بل قلوبهم في . . . . .

{بَلْ قُلُوبُهُمْ}

أي قلوب الكفار في ضلال قد غمرها كما يغمر الماء { مّنْ هَاذَا } أي من هذا العمل الذي وصف به المؤمنون أو من الكتاب الذي لدينا أو من القرآن ، والمعنى من اطراح هذا وتركه أو يشير إلى الذين بجملته أو إلى محمد صلى اللّه عليه وسلم أقوال خمسة { وَلَهُمْ أَعْمَالٌ } من دون ذلك أي من دون الغمرة والضلال المحيط بهم ، فالمعنى أنهم ضالون معرضون عن الحق ، وهم مع ذلك لهم سعايات فساد وصفهم تعالى بحالتي شر قال هذا المعنى قتادة وأبو العالية ، وعلى هذا التأويل الإخبار عما سلف من أعمالهم وعماهم فيه .

وقيل : الإشارة بذلك إلى قوله { مّنْ هَاذَا } وكأنه قال لهم أعمال من دون الحق ، أو القرآن ونحوه . وقال الحسن ومجاهد : إنما أخبر بقوله { وَلَهُمْ أَعْمَالٌ } عما يستأنف من أعمالهم أي أنهم لهم أعمال من الفساد .

وعن ابن عباس { أَعْمَالٌ } سيئة دون الشرك .

وقال الزمخشري { وَلَهُمْ أَعْمَالٌ } متجاوزة متخطئة لذلك أي لما وصف به المؤمنون هم معتادون وبها ضارون ولا يفطمون عنها حتى يأخذهم اللّه بالعذاب و { حَتَّى } هذه هي التي يبتدأ بعدها الكلام ، والكلام الجملة الشرطية انتهى .

وقيل الضمير في قوله { بَلِ } يعود إلى المؤمنين المشفقين { هُمْ فِى غَمْرَةٍ } من هذا وصف لهم بالحيرة كأنه قيل { وَهُمْ } مع ذلك الخوف والوجل كالمتحيرين في أعمالهم أهي مقبولة أم مردودة { ولهم أعمال من دون ذلك أي من النوافل ووجوه البر سوى ما هم عليه ، ويريد بالأعمال الأول الفرائض ، وبالثاني النوافل .

٦٤

انظر تسفير الآية:٦٥

٦٥

حتى إذا أخذنا . . . . .

{حتى إذا أخذنا مترفيهم } رجوع إلى وصف الكفار قاله أبو مسلم . قال أبو عبد اللّه الرازي : وهو أولى لأنه إذا أمكن رد الكلام إلى ما اتصل به كان أولى من رده إلى ما بعده خصوصاً وقد رغب المرء في الخير بأن يذكر أن أعمالهم محفوظة كما يحذر بذلك من الشر ، وأن يوصف بشدة فكرة في أمر آخرته بأن قلبه في غمرة ، ويراد أنه قد استولى عليه الفكر في قبوله أو رده وفي أنه هل أداه كما يجب أو قصر فإن قيل : فما المراد بقوله { مّنْ هَاذَا } ؟ قلنا : إشارة إلى إشفاقهم ووجلهم بين استيلاء ذلك على قلوبهم انتهى . وتقدم قول الزمخشري في { حَتَّى } أنها التي يبتدأ بعدها الكلام ، وأنها غاية لما قبلها ، وقد ردّ ذلك أنهم معتادون لها حتى يأخذهم اللّه بالعذاب . وقال الحوفي { حَتَّى } غاية وهي عاطفة ، { إِذَا } ظرف يضاف إلى ما بعده فيه معنى الشرط { إِذَا } الثانية في موضع جواب الأولى ، ومعنى الكلام عامل في { إِذَا } والتقدير جأروا ، فيكون جأد العامل في { إِذَا } الأولى ، والعامل في الثانية { أَخَذْنَا } انتهى وهو كلام مخبط ليس أهلاً أن يرد .

وقال ابن عطية و { حَتَّى } حرف ابتداء لا غير ، و { إِذَا } الثانية التي هي جواب يمنعان من أن تكون حتى غاية لعاملون انتهى . وقال مكي : أي لكفار قريش أعمال من الشر دون أعمال أهل البر { لَهَا عَامِلُونَ } إلى أن يأخذ اللّه أهل النعمة والبطر منهم { بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ } يضجون ويستغيثون ، والمترفون المنعمون والرؤساء والعذاب القحط سبع سنين والجوع حين دعا عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال : { اللّهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف } فابتلاهم اللّه بالقحط حتى أكلوا الجيف والكلاب والعظام المحترقة والقد والأولاد .

وقيل : العذاب قتلهم يوم بدر .

وقيل : عذاب الآخرة ، والظاهر أن الضمير في { إِذَا هُمْ } عائد على { مُتْرَفِيهِمْ } إذ هم المحدث عنهم صاحوا حين نزل بهم العذاب .

وقيل : يعود على الباقين بعد المعذبين . قال ابن جريج : المعذبون قتلى بدر ، والذين { يَجْئَرُونَ } أهل مكة لأنهم ناحوا واستغاثوا .

{لاَ تَجْئَرُواْ الْيَوْمَ } أي يقال لهم إما حقيقة تقول لهم الملائكة ذلك

وإما مجازاً أي لسان الحال يقول ذلك هذا إن كان الذين يجأرون هم المعذبون وعلى قول ابن جريج ليس القائل الملائكة . وقال قتادة { يَجْئَرُونَ } يصرخون بالتوبة فلا يقبل منهم . وقال الربيع بن أنس : تجأرون تجزعون ، عبر بالصراخ بالجزع إذ الجزع سببه { إِنَّكُمْ مّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } أي لا تمنعون من عذابنا أو لا يكون لكم نصر من جهتنا ، فالجوار غير نافع لكم ولا مجد .

٦٦

قد كانت آياتي . . . . .

{قَدْ كَانَتْ ءايَتِى } هي آيات القرآن { تَنكِصُونَ } ترجعون استعارة للإعراض عن الحق .

وقرأ علي بن أبي طالب { تَنكِصُونَ } بضم الكاف والضمير في { بِهِ } عائد على المصدر الدال عليه { تَنكِصُونَ } أي بالنكوص والتباعد من سماع الآيات أو على الآيات لأنها في معنى الكتاب ،

٦٧

مستكبرين به سامرا . . . . .

وضمن { مُسْتَكْبِرِينَ } معنى مكذبين فعُدِّي بالباء أو تكون الباء

للسبب ، أي يحدث لكم بسبب سماعه استكبار وعتو . والجمهور على أن الضمير في { بِهِ } عائد على الحرم والمسجد وإن لم يجر له ذكر ، وسوّغ هذا الإضمار شهرتهم بالاستكبار بالبيت وأنه لم تكن لهم معجزة إلاّ أنهم ولاته والقائمون به ، وذكر منذر بن سعيد أن الضمير لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ويحسنه أن في قوله { تُتْلَى عَلَيْكُمْ } دلالة على التالي وهو الرسول عليه السلام ، وهذه أقوال تتعلق فيها بمستكبرين .

وقيل تتعلق بسامراً أي تسمرون بذكر القرآن والطعن فيه ، وكانوا يجتمعون حول البيت بالليل يسمرون ، وكانت عامة سمرهم ذكر القرآن وتسميته سحراً وشعراً وسب من أتى به .

وقرأ الجمهور { سَامِراً } وابن مسعود وابن عباس وأبو حيوة وابن محيصن وعكرمة والزعفراني ومحبوب عن أبي عمر وسمراً بضم السين وشد الميم مفتوحة جمع سامر ، وابن عباس أيضاً وزيد بن علي وأبو رجاء وأبو نهيك كذلك ، وبزيادة ألف بين الميم والراء جمع سامر أيضاً وهما جمعان مقيسان في مثل سامر .

وقرأ الجمهور { تَهْجُرُونَ } بفتح التاء وضم الجيم . وروى ابن أبي عاصم بالياء على سبيل الالتفات . قال ابن عباس { تَهْجُرُونَ } الحق وذكر اللّه وتقطعونه من الهجر . وقال ابن زيد وأبو حاتم : من هجر المريض إذا هذى أي يقولون اللغو من القول .

وقرأ ابن عباس وابن محيصن ونافع وحميد بضم التاء وكسر الجيم مضارع اهجر أي يقولون الهجر بضم الهاء وهو الفحش . قال ابن عباس : إشارة إلى السب للصحابة وغيرهم .

وقرأ ابن مسعود وابن عباس أيضاً وزيد بن عليّ وعكرمة وأبو نهيك وابن محيصن أيضاً وأبو حيوة كذلك إلاّ أنهم فتحوا الهاء وشددوا الجيم وهو تضعيف من هجر ماضي الهجر بالفتح بمعنى مقابل الوصل أو الهذيان أو ماضي الهجر وهو الفحش . وقال ابن جني : لو قيل إن المعنى أنكم مبالغون في المجاهرة حتى أنكم إن كنتم سمراً بالليل فكأنكم تهجرون في الهاجرة على الاقتضاح لكان وجهاً .

٦٨

انظر تسفير الآية:٧٠

٦٩

انظر تسفير الآية:٧٠

٧٠

أفلم يدبروا القول . . . . .

ذكر تعالى توبيخهم على إعراضهم عن اتباع الحق والقول القرآن الذي أتى به محمد صلى اللّه عليه وسلم ، أي أفلم يتفكروا فيما جاء به عن اللّه فيعلموا أنه المعجز الذي لا يمكن معارضته فيصدقوا به وبمن جاء به ، وبخهم ووقفهم على تدبره وأنهم بمكابرتهم ونظرهم الفاسد قال بعضهم سحر

وقال بعضهم شعر ، وهو أعظم الدلائل الباقية على غابر الدهر قرعهم أولاً بترك الانتفاع بالقرآن ثم ثانياً بأن ما جاءهم جاء آباءهم الأولين ، أي إرسال الرسل ليس بدعاً ولا مستغرباً بل جاءت الرسل الأمم قبلهم ، وعرفوا ذلك بالتواتر ونجاة من آمن واستئصال من كذب آباؤهم إسماعيل وأعقابه من عدنان وقحطان ، وروي : لا تسبوا مضر ، ولا ربيعة ، ولا الحارث بن كعب ، ولا أسد بن خزيمة ، ولا تميم بن مرة ولا قساً وذكر أنهم

كانوا مسلمين وأن تبعاً كان مسلماً وكان على شرطه سليمان بن داود وبخهم ثالثاً بأنهم يعرفون محمداً صلى اللّه عليه وسلم وصحة نسبة وحلوله في سطة هاشم وأمانته وصدقه وشهامته وعقله واتسامه بأنه خير فتيان قريش ، وكفى بخطبة أبي طالب حين تزوج خديجة وأنها احتوت على صفات له صلى اللّه عليه وسلم طرقت آذان قريش فلم تنكر منها شيئاً أي قد سبقت معرفتهم له جملة وتفصيلاً ، فلا يمكن إنكار شيء من أوصافه .

ثم وبخهم رابعاً بأنهم نسبوه إلى الجن وقد علموا أنه أرجحهم عقلاً وأثقبهم ذهناً ، وأن الفرق بين الحكمة وفصل الخطاب الذي جاء به وبين كلام ذي الجنة غير خاف على من له مسكة من عقل ، وهذه التوبيخات الأربع كان يقتضي ما وبخوا به منها أن يكون سبباً لانقيادهم إلى الحق لأن التدبير لما جاء به والنظر في سير الماضين وإرسال الرسل إليهم ومعرفة الرسول ذاتاً وأوصافاً وبراءته من الجنون هاد لمن وفقه اللّهللّهداية ، ولكنه جاءهم بما حال بينهم وبين أهوائهم ولم يوافق ما نشؤوا عليه من اتباع الباطل ، ولما لم يجدوا له مدفعاً لأنه الحق عاملوا بالبهت وعولوا على الكذب من النسبة إلى الجنون والسحر والشعر .

{بَلْ جَاءهُمْ بِالْحَقّ } أي بالقرآن المشتمل على التوحيد وما به النجاة في الآخرة والسؤدد في الدنيا .

{وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقّ كَارِهُونَ } يدل على أن فيهم من لا يكره الحق وذلك من يترك الإيمان أنفة واستكباراً من توبيخ قومه أن يقولوا : صبأ وترك دين آبائه

٧١

ولو اتبع الحق . . . . .

{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ } قرأ ابن وثاب { وَلَوِ اتَّبَعَ } بضم الواو والظاهر أنه { الْحَقّ } الذي ذكر قبل في قولهم { بَلْ جَاءهُمْ بِالْحَقّ } أي لو كان ما جاء به الرسول من الإسلام والتوحيد متبعاً أهواءهم لانقلب شراً وجاء اللّه بالقيامة وأهلك العالم ولم يؤخر قال معناه الزمخشري وبعضه بلفظه . وقال أيضاً : دل بهذا على عظم شأن الحق ، فلو { أَتَّبِعُ أَهْوَاءهُمْ } لانقلب باطلاً ولذهب ما يقوم به العالم فلا يبقى له بعده قوام .

وقيل : لو كان ما جاء به الرسول بحكم هوى هؤلاء من اتخاذ شريك للّه وولد وكان ذل حقاً لم يكن للّه الصفات العلية ولم تكن له القدرة كما هي ، وكان في ذلك فساد السموات والأرض .

وقيل : كانوا يرون الحق في اتخاذ الآلهة مع اللّه لكنه لم يصح ذلك لوقع الفساد في السموات والأرض على ما قرر في دليل التمانع في قوله تعالى { لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ اللّه لَفَسَدَتَا }

وقيل : كانت آراؤهم متناقضة فلو اتبع الحق أهواءهم لوقع التناقض واختل نظام العالم . وقال قتادة { الْحَقّ } هنا اللّه تعالى .

فقال الزمخشري : معناه ولو كان اللّه يتبع أهواءهم ويأمر بالشرك والمعاصي لما كان إلهاً ولما قدر على أن يمسك السموات والأرض . و

قال ابن عطية : ومن قال إن { الْحَقّ } في الآية هو اللّه تعالى وكان قد حكاه عن ابن جريج وأبي صالح تشعب له لفظة { أَتَّبِعُ } وصعب عليه ترتيب الفساد المذكور في الآية لأن لفظة الاتباع إنما هي استعارة بمعنى أن يكون أهواؤهم يقررها الحق ، فنحن نجد اللّه تعالى قد قرر كفر أمم وأهواءهم وليس في ذلك فساد سموات ،

وأما نفسه الذي هو الصواب فلو كان طبق أهوائهم لفسد كل شيء فتأمله انتهى .

وقرأ الجمهور : بنون العظمة وابن أبي إسحاق وعيسى بن عمرو ويونس عن أبي عمرو بياء المتكلم ، وابن أبي إسحاق وعيسى أيضاً وأبو البر هثيم وأبو حيوة والجحدري وابن قطيب وأبو رجاء بتاء الخطاب للرسول عليه السلام ، وأبو عمرو في رواية { ءاتَيْنَاهُمُ } بالمد أي أعطيناهم ، والجمهور { بِذِكْرِهِمْ } أي بوعظهم والبيان لهم قاله ابن عباس .

وقرأ عيسى بذكراهم بألف التأنيث ، وقتادة نذكرهم بالنون مضارع ذكر ونسبة الإتيان الحقيقي إلى اللّه لا تصح ، وإنما هو مجاز أي بل آتاهم كتابنا أو رسولنا .

وقال الزمخشري :{ بِذِكْرِهِمْ } أي بالكتاب الذي هو ذكرهم أي وعظهم أوصيتهم ، وفخرهم أو بالذكر الذي كانوا يتمنونه ويقولون لو أن عندنا ذكراً من الأولين لكنا عباد اللّه المخلصين .

٧٢

أم تسألهم خرجا . . . . .

{أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً } هذا استفهام توبيخ أيضاً المعنى بل أتسألهم مالاً فغلبوا لذلك واستثقلوك من أجله ، قاله ابن عطية وخطب الزمخشري بأحسن كلام فقال { أَمْ تَسْئَلُهُمْ } على هدايتك لهم قليلاً من عطاء الخلق والكثير من عطاء الخالق خير فقد ألزمهم الحجة في هذه الآيات ، وقطع معاذيرهم وعللّهم بأن الذي أرسل إليهم رجل معروف أمره وحاله مخبور سره علنه ، خليق بأن يجتبى مثله للرسالة من بين ظهرانيهم ، وأنه لم

يعرض له حتى يدعي مثل هذه الدعوى العظيمة بباطل ، ولم يجعل ذلك سلماً إلى النيل من دنياهم واستعطاء أموالهم ، ولم يدعهم إلاّ إلى دين الإسلام الذي هو الصراط المستقيم مع إبراز المكنون من أدوائهم وهو إخلالهم بالتدبر والتأمل واستهتارهم بدين الآباء الضلال من غير برهان ، وتعللّهم بأنه مجنون بعد ظهور الحق وثبات التصديق من اللّه بالمعجزات والآيات النيرة وكراهتهم للحق وإعراضهم عما فيه حظهم من الذكر انتهى .

وتقدم الكلام في قوله { خَرْجاً فَخَرَاجُ } في قوله تعالى { فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً } في الكهف قراءة ومدلولاً .

وقرأ الحسن وعيسى خراجاً فخرج فكلمت بهذه القراءة ربع قراءات ، وفي الحرفين { فَخَرَاجُ رَبّكَ } أي ثوابه لأنه الباقي وما يؤخذ من غيره فان . وقال الكلبي : فعطاؤه لأنه يعطي لا لحاجة وغيره يعطي لحاجة .

وقيل : فرزقه ويؤيده { خَيْرُ الرَّازِقِينَ } قال الجبائي :{ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } دل على أنه لا يساويه أحد في الإفضال على عباده ، ودل على أن العباد قد يرزق بعضهم بعضاً انتهى . وهذا مدلول { خَيْرٌ } الذي هو أفعل التفضيل ومدلول { الرَّازِقِينَ } الذي هو جمع أضيف إليه أفعل التفضيل .

٧٣

وإنك لتدعوهم إلى . . . . .

ولما زيف طريقة الكفار أتبع ذلك ببيان صحة ما جاء به الرسول صلى اللّه عليه وسلم فقال { وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ } وهو دين الإسلام ،

٧٤

وإن الذين لا . . . . .

ثم أخبر أن من أنكر المعاد ناكب عن هذا الصراط لأنه لا يسلكه إلاّ من كان راجياً للثواب خائفاً من العقاب وهؤلاء غير مصدقين بالجزاء فهم مائلون عنه ، وأبعد من زعم أن الصراط الذي هم ناكبون عنه هو طريق الجنة في الآخرة ، ومن زعم أن الصراط هو في الآخرة ناكبون عنه بأخذهم يمنة ويسرة إلى النار . قال ابن عباس : { لَنَاكِبُونَ } لعادلون . وقال الحسن : تاركون له . وقال قتادة : حائرون . وقال الكلبي : معرضون ، وهذه أقوال متقاربة المعنى .

٧٥

انظر تسفير الآية:٧٧

٧٦

انظر تسفير الآية:٧٧

٧٧

ولو رحمناهم وكشفنا . . . . .

{وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مّن ضُرّ } قيل : هو الجوع .

وقيل : القتل والسبي .

وقيل : عذاب الآخرة أي بلغوا من التمرد والعناد أنهم لو ردوا إلى الدنيا لعادوا لشدة لجاجهم فيما هم عليه من البعد وهذا القول بعيد بل الظاهر أن هذا التعليق كان يكون في الدنيا ويدل على ذلك قوله { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ } إلى آخر الآية استشهد على شدة شكيمتهم في الكفر ولجاجهم على تقدير رحمته لهم بأنه أخذهم بالسيوف أولاً ، وبما جرى عليهم يوم بدر من قتل صناديدهم وأسرهم فما وجدت منهم بعد ذلك استكانة ولا تضرع حتى فتحنا عليهم باب الجوع الذي هو أشد من الأسر والقتل فأبلسوا وخضعت رقابهم . والظاهر من هذا أن الضمير هو القحط والجوع الذي أصابهم بدعاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهذا مروي عن ابن عباس وابن جريج .

وسبب نزول الآية دليل على ذلك روي أنه لما أسلم ثمامة بن أثال الحنفي ولحق باليمامة منع الميرة من أهل مكة ، فأخذهم اللّه بالسنين حتى أكلوا العلهز ، فجاء أبو سفيان إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال له : أنشدك اللّه والرحم ألست تزعم أنك بعثت الرحمة للعالمين ؟ فقال : { بلى } فقال : قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع فنزلت الآية . والمعنى لو كشف اللّه عنهم هذا الضر وهو الهزل والقحط الذي أصابهم ووجدوا الخصب لارتدوا إلى ما كانوا عليه من الاستكبار وعداوة رسول اللّه والمؤمنين وإفراطهم فيها .

وقيل : المعنى لو امتحناهم بكل محنة من القتل والجوع فما ريء فيهم استكانة ولا انقياد حتى إذا عذبزا بنار جهنم أبلسوا ، كقوله { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ }{ لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } فعلى هذا القول يكون الفتح لباب العذاب الشديد في الآخرة ، وعلى الأول كان في الدنيا .

ووزن استكان استفعل أي انتقل من كون إلى كون كما تقول : استحال انتقل من حال إلى حال ، وقول من زعم أن استكان افتعل من السكون وأن الألف إشباع ضعيف لأن الإشباع بابه لشعر كقوله : أعوذ باللّه من العقراب

الشائلات عقد الأذناب

ولأن الإشباع لا يكون في تصاريف الكلمة ، ألا ترى أن من أشبع في قوله : ومن ذم الزمان بمنتزاح لا تقول انتزاح ينتزيح فهو منتزيح ، وأنت تقول : استكان يستكين فهو مستكين ومستكان ومجيء مصدره استكانة يدل على أن الفعل وزنه استفعل كاستقام استقامة ، وتخالف { اسْتَكَانُواْ } و { يَتَضَرَّعُونَ } في الصيغة فلم يكونا ماضيين ولا مضارعين .

قال الزمخشري : لأن المعنى محناهم فما وجدت منهم عقيب المحنة استكانة ، وما من عادة هؤلاء أن يستكينوا ويتضرعوا حتى يفتح عليهم باب العذاب الشديد .

والملبس : الآيس من الشر الذي ناله .

وقرأ السلمي { مُّبْلِسُونَ } بفتح اللام .

٧٨

انظر تسفير الآية:٧٩

٧٩

وهو الذي أنشأ . . . . .

الهمز : النخس والدفع بيد وغيرها ، ومنه مهماز الرائض وهمز الناس باللسان . البرزخ : الحاجز بين المسافتين .

وقيل : الحجاب بين الشيئين يمنع أحدهما أن يصلى إلى الآخر . النسب : القرابة من جهة الولادة . اللفح : إصابة النار الشيء بوهجها وإحراقها . وقال الزجاج : اللفح أشد من اللقيح تأثيراً . الكلوح : تشمر الشفتين عن الأسنان ومنه كلوح كلوح الكلب والأسد .

وقيل : الكلوح بسور الوجه وهو تقطيبه ، وكلح الرجل كلوحاً وكلاحاً ودهر كالح وبرد كالح شديد . العبث : اللعب الخالي عن فائدة .

مناسبة { وَهُوَ الَّذِى أَنْشَأَ لَكُمُ } لما قبله أنه لما بيَّن إعراض الكفار عن سماع الأدلة ورؤية العبر والتأمل في الحقائق خاطب قيل المؤمنين ، والظاهر العالم بأسرهم تنبيهاً على أن من لم يعمل هذه الأعضاء في ما خلقه اللّه تعالى وتدبر ما أودعه فيها من الدلائل على وحدانيته وباهر قدرته فهو كعادم هذه الأعضاء ، وممن قال تعالى فيهم { فَمَا أُغْنِى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مّن شَىْء } فمن أنشأ هذه الحواس وأنشئت هي له وأحيا وأمات وتصرف في اختلاف الليل والنهار هو قادر على البعث . وخص هذه الأعضاء بالذكر لأنه يتعلق بها منافع الدين والدنيا من أعمال السمع والبصر في آيات اللّه والاستدلال بفكر القلب على وحدانية اللّه وصفاته ، ولما كان خلقها من أتم النعم على العبد قال { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } أي تشكرون قليلاً و { مَا } زائدة للتأكيد . ومن شكر النعمة الإقرار بالمنعم بها ونفي الند والشريك .

و { ذَرَأَكُمْ } خلقكم وبثكم فيها .{ وَإِلَيْهِ } أي وإلى حكمه وقضائه وجزائه { تُحْشَرُونَ } يريد البعث والجمع في الآخرة بعد التفرق في الدنيا والاضمحلال .

٨٠

وهو الذي يحيي . . . . .

{وَلَهُ اخْتِلَافُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ } أي . هو مختص به ومتوليه وله القدرة التي ذلك الاختلاف عنها . والاختلاف هنا التعاقب أي يخلف هذا هذا .{ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } من هذه تصرفات قدرته وآثار قهره فتوحدونه وتنفون عنه الشركاء والأنداد ، إذ هم ليسوا بقادرين على شيء من ذلك .

وقرأ أبو عمرو في رواية : يعقلون بياء الغيبة على الالتفات .

٨١

بل قالوا مثل . . . . .

{بَلْ قَالُواْ }{ بَلِ } إضراب أي ليس لهم عقل ولا نظر في هذه الآيات { بَلْ قَالُواْ } والضمير لأهل مكة ومن جرى مجراهم في إنكار البعث مثل ما قال آباؤهم عاد وثمود ومن يرجعون إليهم من الكفار .

٨٤

انظر تسفير الآية:٨٩

٨٥

انظر تسفير الآية:٨٩

٨٦

انظر تسفير الآية:٨٩

٨٧

انظر تسفير الآية:٨٩

٨٨

انظر تسفير الآية:٨٩

٨٩

قل لمن الأرض . . . . .

ولما اتخذوا من دون اللّه تعالى آلهة ونسبوا إليه الولد نبههم على فرط

جهلهم بكونهم يقرون بأنه تعالى له الأرض ومن فيها ملك وأنه رب العالم العلوي وأنه مالك كل شيء وهم مع ذلك ينسبون له الولد ويتخذون له شركاء .

وقرأ عبد اللّه والحسن والجحدري ونصر بن عاصم وابن وثاب وأبو الأشهب وأبو عمرو من السبعة { سَيَقُولُونَ اللّه } الثاني والثالث بلفظ الجلالة مرفوعاً وكذا هو في مصاحف أهل الحرمين والكوفة والشام .

وقرأ باقي السبعة {للّه } فيها بلام الجر فالقراءة الأولى فيها المطابقة لفظاً ومعنى ، والثانية جاءت على المعنى لأن قولك : من رب هذا ؟ ولمن هذا ؟ في معنى واحد ، ولم يختلف في الأول أنه باللام .

وقرأ ابن محيصن { الْعَظِيمِ } برفع الميم نعتاً للرب ، وتقول أجرت فلاناً على فلان إذا منعته منه أي وهو يمنع من يشاء ممن يشاء ولا يمنع أحد منه أحداً . ولا تعارض بين قوله { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } لا ينفي عنهم وبين ما حكي عنهم من قولهم .{ سَيَقُولُونَ اللّه } لأن قوله { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } لا ينفي علمهم بذلك ، وقد يقال مثل ذلك في الاحتجاج على وجه التأكيد لعلمهم ، وختم كل سؤال بما يناسبه فختم ملك الأرض ومن فيها حقيق أن لا يشرك به بعض خلقه ممن في الأرض ملكاً له الربوبية وختم ما بعدها بالتقوى وهي أبلغ من التذكر وفيها وعيد شديد أي أفلا تخافونه فلا تشركوا به . وختم ما بعد هذه بقوله { فَإِنّي تُسْحَرُونَ } مبالغة في التوبيخ بعد إقرارهم والتزامهم ما يقع عليهم به في الاحتجاج وأني بمعنى كيف قرر أنهم مسحورون وسألهم عن الهيئة التي سحروا بها أي كيف تخدعون عن توحيده وطاعته ، والسحر هنا مستعار وهو تشبيه لما يقع منهم من التخليط ووضع الأفعال والأقوال غير مواضعها بما يقع من المسحور عبر عنهم بذلك .

٩٠

بل أتيناهم بالحق . . . . .

وقرىء بل آتيتهم بتاء المتكلم ، وابن أبي إسحاق بتاء الخطاب { وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } فيما ينسبون إلى اللّه تعالى من اتخاذ الولد ومن الشركاء وغير ذلك مما هم فيه كاذبون . ثم نفى اتخاذ الولد وهو نفي استحالة ونفي الشريك بقوله { وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ } أي وما كان معه شريك في خلق العالم واختراعهم ولا في غير ذلك مما يليق به من الصفات العلى ، فنفي الولد تنبيه على من قال : الملائكة بنات اللّه ،

٩١

ما اتخذ اللّه . . . . .

ونفي الشريك في الألوهية تنبيه على من قال : الأصنام آلهة ، ويحتمل أن يراد به إبطال قول النصارى والثنوية و { مِن وَلَدٍ } و { مِنْ إِلَهٍ } نفي عام يفيد استغراق الجنس ، ولهذا جاء { إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَاهٍ } ولم يأت التركيب إذاً لذهب الإله . ومعنى { لَذَهَبَ } أي لا نفرد { كُلُّ إِلَاهٍ } بخلقه الذي خلق واستبد به وتميز ملك كل واحد عن ملك الآخر وغلب بعضهم بعضاً كحال ملوك الدنيا ، وإذا لم يقع الإنفراد والتغالب فاعلموا أنه إله واحد وإذا لم يتقدمه في اللفظ شرط ولا سؤال سائل ولا عدة قالو : فالشرط محذوف تقديره ، ولو كان معه آلهة وإنما حذف لدلالة قوله { وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ } عليه وهذا قول الفراء : زعم أنه إذا جاء بعدها اللام كانت لو وما دخلت عليه محذوفة وقد قررنا تخريجاً لها على غير هذا في قوله { وَإِذاً لآَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً } في سورة الإسراء : والظاهر أن ما في { بِمَا خَلَقَ } بمعنى الذي وجوز أن تكون مصدرية .

{سُبْحَانَ اللّه عَمَّا يَصِفُونَ } تنزيه عن الولد والشريك . وقرىء عما تصفون بتاء الخطاب .

٩٢

عالم الغيب والشهادة . . . . .

وقرأ الإبنان وأبو عمرو وحفص { عَالِمُ } بالجر .

قال الزمخشري : صفة للّه . و

قال ابن عطية : اتباع للمكتوبة .

وقرأ باقي السبعة وابن أبي عبلة وأبو حيوة وأبو بحرية بالرفع . قال الأخفش : الجر أجود ليكون الكلام من وجه واحد . قال أبو عليّ الرفع أن الكلام قد انقطع ، يعني أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو { عَالِمُ} و

قال ابن عطية : والرفع عندي أبرع . والفاء في قوله { فَتَعَالَى } عاطفة فالمعنى كأنه قال { عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى } كما تقول زيد شجاع فعظمت منزلته أي شجع فعظمت ، ويحتمل أن يكون المعنى فأقول تعالى { عَمَّا يُشْرِكُونَ } على إخبار مؤتنف . و { الْغَيْبَ } ما غاب عن الناس و { الشَّهَادَةَ } ما شاهدوه انتهى .

٩٣

قل رب إما . . . . .

لما ذكر ما كان عليه الكفار من ادعاء الولد والشريك له ، وكان تعالى قد أعلم نبيه صلى اللّه عليه وسلم أنه ينتقم منهم ولم يبين إذ ذاك في حياته أم بعد موته ، أمره بأنه يدعو بهذا الدعاء أي إن ترني ما تعدهم واقعاً بهم في الدنيا أو في الآخرة فلا تجعلني معهم ، ومعلوم أنه عليه السلام معصوم مما يكون سبباً لجعله معهم ، ولكنه أمره أن يدعو بذلك إظهاراً للعبودية وتواضعاً للّه ، واستغفار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا قام من مجلسه سبعين مرة من هذا القبيل . وقال أبو بكر : وليتكم ولست بخيركم . قال الحسن : كان يعلم أنه خيرهم ولكن المؤمن يهضم نفسه .

وجاء الدعاء بلفظ الرب قبل الشرط وقبل : الجزاء مبالغة في الابتهال إلى اللّه تعالى والتضرع ، ولأن الرب هو المالك الناظر في مصالح العبد .

وقرأ الضحاك وأبو عمر إن الجوني ترئني بالهمز بدل الياء ، وهذا كما قرىء فأما ترئن ولترؤن بالهمز وهو إبدال ضعيف ،

٩٥

وإنا على أن . . . . .

ثم أخبر تعالى أنه قادر على تعجيل العذاب لهم كما كانوا يطلبون ذلك وذلك في حياته عليه الصلاة والسلام ولكن تأخيره لأجل يستوفون ، والجمهور على أن هذا العذاب في الدنيا . فقيل : يوم بدر .

وقيل : فتح مكة .

وقيل : هو عذاب الآخرة .

٩٦

ادفع بالتي هي . . . . .

ثم أمره تعالى بحسن الأخلاق والتي هي أحسن شهادة أن لا إله إلاّ اللّه و { السَّيّئَةُ } الشرك . وقال الحسن : الصفح والإغضاء . وقال عطاء والضحاك : السلام إذا أفحشوا .

وحكى الماوردي :{ ادْفَعْ } بالموعظة المنكر والأجود العموم في الحسنى وفيما يسوء و { الَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } أبلغ من الحسنة للمبالغة الدال عليها أفعل التفضيل ، وجاء في صلة التي ليدل على معرفة السامع بالحالة التي هي أحسن . قيل : وهذه الآية منسوخة بآية السيف .

وقيل : هي محكمة لأن المداراة محثوث عليها ما لم يؤد إلى ثلم دين وإزراء بمروءة .{ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } يقتصي أنها آية موادعة ، والمعنى بما يذكرون ويصفونك به مما أنت بخلافه .

٩٧

انظر تسفير الآية:٩٨

٩٨

وقل رب أعوذ . . . . .

ثم أمره تعالى أن يستعيذ من نحسات الشياطين والهمز من الشيطان عبارة عن حثه على العصيان والإغراء به كما يهمز الرائض الدابة لتسرع ، ثم أمره أن يستعيذ بسورة الغضب التي لا يملك الإنسان فيها نفسه . وقال ابن زيد : همز الشيطان الجنون ، والظاهر أنه أمر بالاستعاذة من حضور الشياطين في كل وقت .

وعن ابن عباس عند تلاوة القرآن .

٩٩

انظر تسفير الآية:١٠٠

١٠٠

حتى إذا جاء . . . . .

{حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ }

قال الزمخشري :{ حَتَّى } يتعلق بيصفون أي لا يزالون على سوء الذكر إلى هذا الوقت ، والآية فاصلة بينهما على وجه الاعتراض والتأكيد للإغضاء عنهم مستعيناً باللّه على الشيطان أن يستنزله عن الحلم ويغريه على الانتصار منهم ، أو على قوله وإنهم لكاذبون انتهى . و

قال ابن عطية :{ حَتَّى } في هذا الموضع حرف ابتداء ، ويحتمل أن تكون غاية مجردة بتقدير كلام محذوف والأول أبين لأن ما بعدها هو المعنى به المقصود ذكره انتهى . فتوهم ابن عطية أن حتى إذا كانت حرف ابتداء لا تكون غاية وهي إذا كانت حرف ابتداء لا تفارقها الغاية ولم يبين الكلام المحذوف المقدر . وقال أبو البقاء { حَتَّى } غاية في معنى العطف ، والذي يظهر لي أن قبلها جملة محذوفة تكون حتى غاية لها يدل عليها ما قبلها التقدير : فلا أكون كالكفار الذين تهمزهم الشياطين ويحضرونهم { حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ } ونظير حذف هذه الجملة قول الشاعر :

فياً عجباً حتى كليب تسبني

أي يسبني الناس حتى كليب ، فدل ما بعد حتى على الجملة المحذوفة وفي الآية دل ما قبلها عليها . وقال القشيري : احتج تعالى عليهم وذكرهم قدرته ثم قال : مصرون على الإنكار { حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ } تيقن ضلالته وعاين الملائكة ندم ولا ينفعه الندم انتهى . وجمع الضمير في { ارْجِعُونِ } إما مخاطبة له تعالى مخاطبة الجمع

تعظيماً كما أخبر عن نفسه بنون الجماعة في غير موضع . وقال الشاعر :

فإن شئت حرمت النساء سواكم

وقال آخر

ألا فارحموني يا إله محمد

وإما استغاث أولاً بربه وخاطب ملائكة العذاب وقاله ابن جريج . والظاهر أن الضمير في { أَحَدِهِمْ } راجع إلى الكفار ، ومساق الآيات إلى آخرها يدل على ذلك .

وقال ابن عباس : من لم يزك ولم يحج سأل الرجعة . فقيل له ذلك للكفار فقرأ مستدلاً لقوله { وَأَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ } آية سورة المنافقين . وقال الأوزاعي : هو مانع الزكاة ، وجاء الموت أي حضر وعاينه الإنسان فحينئذ يسأل الرجعة إلى الدنيا وفي الحديث : { إذا عاين المؤمن الموت قالت له الملائكة : نرجعك فيقول إلى دار الهموم والأحران بل قدما إلى اللّه ،

وأما الكافر فيقول :  { ارجعون لعلي أعمل صالحاً} .

ومعنى { فِيمَا تَرَكْتُ } في الإيمان الذي تركته والمعنى لعلي آتى بما تركته من الإيمان وأعمل فيه صالحاً كما تقول : لعلي أبني على أس ، يريد أؤس أساً وأبني عليه .

وقيل :{ فِى مَا تَرَكْتُ } من المال على ما فسره ابن عباس :

١٠١

فإذا نفخ في . . . . .

{كَلاَّ } كلمة ردع عن طلب الرجعة وإنكار واستبعاد . فقيل : هي من قول اللّه لهم .

وقيل : من قول من عاين الموت يقول ذلك لنفسه على سبيل التحسر والندم ، ومعنى { هُوَ قَائِلُهَا } لا يسكت عنها ولا ينزع لاستيلاء الحسرة عليه ، أو لا يجد لها جدوى ولا يجاب لما سأل ولا يغاث { وَمِن وَرَائِهِمْ } أي الكفار { بَرْزَخٌ } حاجز بينهم وبين الرجعة إلى وقت البعث . وفي هذه الجملة اقناط كلي أن لا رجوع إلى الدنيا ، وإنما الرجوع إلى الآخرة استعير البرزخ للمدة التي بين موت الإنسان وبعثه .

وقرأ ابن عباس والحسن وابن عياض { فِى الصُّورِ } بفتح الواو جمع صورة ، وأبو رزين بكسر الصاد وفتح الواو ، وكذا فأحسن صوركم وجمع فعلة بضم الفاء على فعل بكسر الفاء شاذ .{ فَلاَ أَنسَابَ } نفي عام ، فقال ابن عباس : عند النفخة الأولى يموت الناس فلا يكون بينهم نسب في ذلك الوقت وهم أموات ، وهذا القول يزبل هول الحشر . وقال ابن مسعود وغيره : عند قيام الناس من القبور فلهول المطلع اشتغل كل امرىء بنفسه فانقطعت الوسائل وارتفع التفاخر والتعاون بالأنساب . وعن قتادة : ليس أحد أبغض إلى الإنسان في ذلك اليوم ممن يعرف لأنه يخاف أن يكون له عنده مظلمة ، وفي ذلك اليوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه .

وقيل :{ فَلاَ أَنسَابَ } أي لا تواصل بينهم حين افتراقهم إلى ما أعدّ لهم من ثواب وعقاب ، وإنما التواصل بالأعمال .

وقرأ عبد اللّه ولا يساءلون بتشديد السين أدغم التاء في السين إذ أصله { يَتَسَاءلُونَ } ولا تعارض بين انتفاء التساؤل هنا وبين إثباته في قوله { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ } لأن يوم القيامة مواطن ومواقف ، ويمكن أن يكون انتفاء التساؤل عند النفخة الأولى ،

وأما في الثانية فيقع التساؤل .

١٠٢

انظر تسفير الآية:١٠٣

١٠٣

فمن ثقلت موازينه . . . . .

وتقدم الكلام في الموازين وثقلها وخفتها في أوائل الأعراف .

وقال الزمخشري ؛ { فِى جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } بدل من خسروا أنفسهم ولا محل للبدل والمبدل منه لأن الصلة لا محل لها أو خبر بعد خبر لأولئك أو خبر مبتدأ محذوف انتهى . جعل { فِى جَهَنَّمَ } بدلاً{ مِنْ خَسِرُواْ } وهذا بدل غريب ، وحقيقته أن يكون البدل الفعل الذي يتعلق به { فِى جَهَنَّمَ } أي استقروا في جهنم ، وكأنه من بدل الشيء من الشيء وهما لمسمى واحد على سبيل المجاز لأن من خسر نفسه استقر في جهنم . وأجاز أبو البقاء أن يكون { الَّذِينَ } نعتاً لأولئك ، وخبر { أُوْلَائِكَ }{ فِى جَهَنَّمَ } والظاهر أن

يكون خبراً لأولئك لا نعتاً .

١٠٤

تلفح وجوههم النار . . . . .

وخص الوجه باللفح لأنه أشرف ما في الإنسان ، والإنسان أحفظ له من الآفات من غيره من الأعضاء ، فإذا لفح الأشرف فما دونه ملفوح . ولما ذكر إصابة النار للوجه ذكر الكلوح المختص ببعض أعضاء الوجه وفي الترمذي تتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه ، وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته قال هذا حديث حسن صحيح .

وقرأ أبو حيوة وأبو بحرية وابن أبي عبلة كلحون بغير ألف .

١٠٥

ألم تكن آياتي . . . . .

يقول اللّه لهم على لسان من يشاء من ملائكته { أَلَمْ تَكُنْ ءايَاتِى } وهي القرآن ،

١٠٦

قالوا ربنا غلبت . . . . .

ولما سمعوا هذا التقرير أذعنوا وأقروا على أنفسهم بقولهم { غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا } من قولهم : غلبني فلان على كذا إذا أخذه منك وامتلكه ، والشقاوة سوء العاقبة .

وقيل : الشقوة الهوى وقضاء اللذات لأن ذلك يؤدي إلى الشقوة . أطلق اسم المسبب على السبب قاله الجبائي .

وقيل : ما كتب علينا في اللوح المحفوظ وسبق به علمك .

وقرأ عبد اللّه والحسن وقتادة وحمزة والكسائي والمفضل عن عاصم وأبان والزعفراني وابن مقسم : شقاوتنا بوزن السعادة وهي لغة فاشية ، وقتادة أيضاً والحسن في رواية خالد بن حوشب عنه كذلك إلاّ أنه بكسر الشين ، وباقي السبعة والجمهور بكسر الشين وسكون القاف وهي لغة كثيرة في الحجاز . قال الفراء : أنشدني أبو ثروان وكان فصيحاً : علق من عنائه وشقوته

بنت ثماني عشرة من حجته

وقرأ شبل في اختياره بفتح الشين وسكون القاف .{ وَكُنَّا قَوْماً ضَالّينَ } أي عن الهدى ،

١٠٧

ربنا أخرجنا منها . . . . .

ثم تدرجوا من الإقرار إلى الرغبة والتضرع وذلك أنهم أقروا والإقرار بالذنب اعتذار ، فقالوا { رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا } أي من جهنم { فَإِنْ عُدْنَا } أي إلى التكذيب واتخاذ آلهة وعبادة غيرك { فَإِنَّا ظَالِمُونَ } أي متجاوز والحد في العدوان حيث ظلمنا أنفسنا أولاً ثم سومحنا فظلمنا ثانياً .

وحكى الطبري حديثاً طويلاً في مقاولة تكوين بين الكفار وبين مالك خازن النار ، ثم بينهم وبين ربهم جل وعز وآخرها

١٠٨

قال اخسؤوا فيها . . . . .

{قَالَ اخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ } قال وتنطبق عليهم جهنم ويقع اليأس ويبقون ينبح بعضهم في وجه بعض .

قال ابن عطية : واختصرت ذلك الحديث لعدم صحته ، لكن معناه صحيح ومعنى { اخسؤوا } أي ذلوا فيها وانزجروا كما تنزجر الكلاب إذا ازجرت ، يقال : خسأت الكلب وخسأ هو بنفسه يكون متعدياً ولازماً . و { لا تُكَلّمُونِ } أي في رفع العذاب أو تخفيفه . قيل : هو آخر كلام يتكلمون به ثم لا كلام بعد ذلك إلاّ الشهيق والزفير والعواء كعواء الكلاب لا يفهمون .

١٠٩

إنه كان فريق . . . . .

{إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مّنْ عِبَادِى يَقُولُونَ رَبَّنَا ءامَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرحِمِينَ} قرأ أبيّ وهارون العتكي { أَنَّهُ } بفتح الهمزة أي لأنه ، والجمهور بكسرها والهاء ضمير الشأن وهو محذوف مع أن المفتوحة الهمزة والفريق هنا هم المستضعفون من المؤمنين ، وهذه الآية مما يقال للكفار على جهة التوبيخ ، ونزلت في كفار قريش مع صهيب وعمار وبلال ونظرائهم ، ثم هي عامة فيمن جرى مجراهم قديماً وبقية الدهر .

١١٠

فاتخذتموهم سخريا حتى . . . . .

وقرأ حمزة والكسائي ونافع { سِخْرِيّاً } بضم السين وباقي السبعة بالكسر .

قال الزمخشري : مصدر سخر كالسخر إلاّ أن في ياء النسب زيادة قوة في الفعل ، كما قيل : الخصوصية في الخصوص وهما بمعنى الهزء في قول الخليل وأبي زيد الأنصاري وسيبويه . وقال أبو

عبيدة والكسائي والفراء : ضم السين من السخرة والاستخدام والكسر من السخر وهو الاستهزاء . ومنه قول الأعشى : إني أتاني حديث لا أسرّ به

من علو لا كذب فيه ولا سخر

وقال يونس : إذا أريد التخديم فضم السين لا غير ، وإذا أريد الهزء فالضم والكسر . قال ابن عطية .

وقرأ أصحاب عبد اللّه وابن أبي إسحاق والأعرج بضم السين كل ما في القرآن .

وقرأ الحسن وأبو عمرو بالكسر إلاّ التي في الزخرف فإنهما ضما السين كما فعل الناس انتهى . وكان قد قال عن أبي عليّ يعني الفارسي أن قراءة كسر السين أوجه لأنه بمعنى الاستهزاء ، والكسر فيه أكثر وهو أليق بالآية ألا ترى قوله { وَكُنْتُمْ مّنْهُمْ تَضْحَكُونَ } انتهى قول أبي عليّ ثم

قال ابن عطية : ألا ترى إلى إجماع القراء على ضم السين في قوله { لّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً } لما تخلص الأمر للتخديم انتهى . وليس ما ذكره من إجماع القراء على ضم السين في الزخرف صحيحاً لأن ابن محيصن وابن مسلم كسرا في الزخرف ، ذكر ذلك أبو القاسم بن جبارة الهذلي في كتاب الكامل .

{فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً } أي هزأة تهزوؤن منهم { حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِى } أي بتشاغلكم بهم فتركتم ذكري أي أن تذكروني فتخافوني في أوليائي ، وأسند النسيان إلى فريق المؤمنين من حيث كان سببه .

١١١

إني جزيتهم اليوم . . . . .

وقرأ زيد بن عليّ وحمزة والكسائي وخارجة عن نافع { إِنَّهُمْ هُمُ } بكسر الهمزة وباقي السبعة بالفتح ، ومفعول { جَزَيْتُهُمُ } الثاني محذوف تقديره الجنة أو رضواني .

وقال الزمخشري : في قراءة من قرأ { أَنَّهُمْ } بالفتح هو المفعول الثاني أي { جَزَيْتُهُمُ } فوزهم انتهى . والظاهر أنه تعليل أي { جَزَيْتُهُمُ } لأنهم ، والكسر هو على الاستئناف وقد يراد به التعليل فيكون الكسر مثل الفتح من حيث المعنى لا من حيث الإعراب لا ضطرار المفتوحة إلى عامل . و { الْفَائِزُونَ } الناجون من هلكة إلى نعمة .

١١٢

قال كم لبثتم . . . . .

وقرأ حمزة والكسائي وابن كثير { قَالَ كَمْ } والمخاطب ملك يسألهم أو بعض أهل النار ، فلذا قال عبر عن القوم .

وقرأ باقي السبعة قال . والقائل اللّه تعالى أو المأمور بسؤالهم من الملائكة .

وقال الزمخشري : قال في مصاحف أهل الكوفة و { قُلْ } في مصاحف أهل الحرمين والبصرة والشام . و

قال ابن عطية : وفي المصاحف قال فيهما إلاّ في مصحف الكوفة فإن فيه { قُلْ } بغير ألف ، وتقدم إدغام باب لبثت في البقرة سألهم سؤال توقيف على المدة .

وقرأ الجمهور { عَدَدَ سِنِينَ } على الإضافة و { كَمْ } في موضع نصب على ظرف الزمان وتمييزها عدد .

وقرأ الأعمش والمفضل عن عاصم عدداً بالتنوين . فقال أبو الفضل الرازي صاحب كتاب اللوامح { سِنِينَ } نصب على الظرف والعدد مصدر أقيم مقام الأسم فهو نعت مقدم على المنعوت ، ويجوز أن يكون معنى { لَّبِثْتُمْ } عددتم فيكون نصب عدداً على المصدر و { سِنِينَ } بدل منه انتهى . وكون { لَّبِثْتُمْ } بمعنى عددتم بعيد .

ولما سئلوا عن المدة التي أقاموا فيها في الأرض ويعني في الحياة الدنيا قاله الطبري وتبعه الزمخشري

١١٣

قالوا لبثنا يوما . . . . .

فنسوا الفرط هول العذاب حتى قالوا { يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } أجابوا بقولهم { لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } ترددوا فيما لبثوا قاله ابن عباس .

وقيل : أريد بقوله { فِى الاْرْضِ } في جوف التراب أمواتاً وهذا قول جمهور المتأولين .

قال ابن عطية : وهذا هو الأصوب من حيث أنكروا البعث ، وكانوا قولهم أنهم لا يقومون من التراب قيل لهم لما قاموا { كَمْ لَبِثْتُمْ } وقوله آخراً{ وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } يقتضي ما قلناه انتهى .

{فَاسْأَلِ الْعَادّينَ } خطاب للذي سألهم . قال مجاهد :{ الْعَادّينَ } الملائكة أي هم الذين يحفظون أعمال بني آدم ويحصون عليهم ساعاتهم . وقال قتادة : أهل الحساب ، والظاهر أنهم من يتصف بهذه الصفة ملائكة أو غيرهم لأن النائم والميت لا يعد فيتقدر له الزمان .

وقال الزمخشري : والمعنى لا نعرف من عدد تلك السنين إلاّ أنا نستقله ونحسبه يوماً أو بعض يوم لما نحن فيه من العذاب ، وما فينا أن يعدكم بفي فسئل من فيه أن يعد ومن يقدر أن

يلقي إليه فكره انتهى .

وقرأ الحسن والكسائي في رواية { الْعَادّينَ } بتخفيف الدال أي الظلمة فإنهم يقولون كما تقول . قال ابن خالويه : ولغة أخرى العاديين يعني بياء مشددة جمع عادي يعني للقدماء .

وقال الزمخشري : وقرىء العاديين أي القدماء المعمرين فإنهم يستقصرونها فيكف بمن دونهم .

١١٤

قال إن لبثتم . . . . .

وقرأ الأخوان { قُلْ إِنْ لَّبِثْتُمْ } على الأمر ، وباقي السبعة و { ءانٍ } نافية أي ما { لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً } أي قريب ولكنكم كذبتم به إذ كنتم لا تعلمون أي لم ترغبوا في العلم والهدى

١١٥

أفحسبتم أنما خلقناكم . . . . .

وانتصب { عَبَثاً } على الحال أي عابثين أو على أنه مفعول من أجله ، والمعنى في هذا ما خلقناكم للعبث ، وإنما خلقناكم للتكليف والعبادة .

وقرأ الأخوان { لاَ تُرْجَعُونَ } مبنياً للفاعل ، وباقي السبعة مبنياً للمفعول ، والظاهر عطف { وَإِنَّكُمْ } على { إِنَّمَا } فهو داخل في الحسبان .

وقال الزمخشري : يجوز أن يكون على { عَبَثاً } أي للعبث ولترككم غير مرجوعين انتهى .

١١٦

فتعالى اللّه الملك . . . . .

{فَتَعَالَى اللّه} أي تعاظم وتنزه عن الصاحبة والولد والشريك والعبث وجميع النقائص ، بل هو { الْمَلِكُ الْحَقُّ } الثابت هو وصفاته العلي و { الْكَرِيمِ } صفة للعرش لتنزل الخيرات منه أو لنسبته إلى أكرم الأكرمين .

وقرأ أبان بن تغلب وابن محيصن وأبو جعفر وإسماعيل عن ابن كثير { الْكَرِيمِ } بالرفع صفة لرب العرش أو { الْعَرْشِ } ، ويكون معطوفاً على معنى المدح .

١١٧

ومن يدع مع . . . . .

و { مِنْ } شرطية والجواب { فَإِنَّمَا } و { لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } صفة لازمة لا للاحتراز من أن يكون ثم آخر يقوم عليه برهان فهي مؤكدة كقوله { يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } ويجوز أن تكون جملة اعتراض إذ فيها تشديد وتأكيد فتكون لا موضع لها من الإعراب كقولك : من أساء إليك لا أحق بالإساءة منه ، فأسيء إليه . ومن ذهب إلى أن جواب الشرط هو { لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } هروباً من دليل الخطاب من أن يكون ثم داع له برهان فلا يصح لأنه يلزم منه حذف الفاء في جواب الشرط ، ولا يجوز إلاّ في الشعر وقد خرجناه على الصفة اللازمة أو على الاعتراض وكلاهما تخريج صحيح .

وقرأ الحسن وقتادة { انه} لايفلح بفتح الهمزة ، أي هو فوضع الكافرون موضع الضمير حملا على معنى من والجمهور بكسر الهمزة وخبر { حسابه} الظرف أنه استئناف

وقرأ الحسن يفلح بفتح الفاء واللام وافتتح السورة بقوله { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } وأورد في خاتماتها إنه لا يفلح الكافرون فانظر تفاوت بين الإفتتاح والاختتام ، ثم امر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بان يدعوا بالغفران والرحمة وقرأابن محيص

وقرأ الحسن وقتادة { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ } بفتح الهمزة أي هو فوضع { الْكَافِرُونَ } موضع الضمير حملاً على معنى من ، والجمهور بكسر الهمزة وخبر { حِسَابُهُ } الظرف و { أَنَّهُ } استئناف .

وقرأ الحسن { يُفْلِحُ } بفتح الفاء واللام ، وافتتح السورة بقوله { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } وأورد في خاتمتها { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } فانظر تفاوت ما بين الافتتاح والاختتام .

١١٨

وقل رب اغفر . . . . .

ثم أمر رسوله عليه السلام بأن يدعو بالغفران والرحمة .

وقرأ ابن محيصن { رَبّ } بضم الباء .

﴿ ٠