سورة المؤمنون

مكية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قد أفلح المؤمنون

السلالة : فعالة من سللت الشيء من الشيء إذا استخرجته منه . وقال أمية : خلق البرية من سلالة منتن

وإلى السلالة كلها ستعود

والولد سلالة أبيه كأنه انسل من ظهر أبيه . قال الشاعر : فجاءت به عصب الأديم غضنفرا

سلالة فرج كان غير حصين

وهو بناء يدل على القلة كالقلامة والنحاتة . سيناء وسينون : اسمان لبقعة ، وجمهور العرب على فتح سين سيناء فالألف فيه للتأنيث كصحراء فيمتنع الصرف للتأنيث اللازم ، وكنانة تكسر السين فيمتنع الصرف للتأنيث اللازم أيضاً عند الكوفيين لأنهم يثبتون أن همزة فعلاء تكون للتأنيث ، وعند البصريين يمتنع من الصرف للعلمية والعجمة أو العلمية والتأنيث ، لأن ألف فعلاء عندهم لا تكون للتأنيث بل للإلحاق كعلباء ودرحاء . قيل : وهو جبل فلسطين .

وقيل : بين مصر وأيلة . الدهن : عصارة الزيتون واللوز وما أشبههما مما فيه دسم ، والدهن : بفتح الدال مسح الشيء بالدهن . هيهات : اسم فعل يفيد الاستبعاد فمعناها بعد ، وفيها لغات كثيرة ذكرناها في كتاب التكميل لشرح التسهيل ، ويأتي منها ما قرىء به إن شاء اللّه . الغثاء : الزبد وما ارتفع على السيل ونحو ذلك مما لا ينتفع به قاله أبو عبيد . وقال الأخفش : الغثاء والجفاء واحد ، وهو ما احتمله السيل من القذر والزبد . وقال الزجاج : البالي من ورق الشجر إذا جرى السيل خالط زبده انتهى . وتشدد ثاؤه وتخفف ، ويجمع غلى أغثاء شذوذاً ، وروى بيت امرىء القيس : من السيل والغثاء بالتخفيف والتشديد بالجمع . تترى واحداً بعد واحد . قال الأصمعي : وبينهما مهلة . وقال غيره : المواترة التتابع بغير مهلة ، وتاؤه مبدلة من واو على غير قياس ، إذ أصله الوتر كتاء تولج وتيقور الأصل وولج وويقور لأنه من الولوج والوقار ، وجمهور العرب على عدم تنوينه فيمتنع الصرف للتأنيث اللازم وكنانة تنونه ، وينبغي أن تكون الألف فيه للإلحاق كهي في علقي المنون ، وكتبه بالياء يدل على ذلك ، ومن زعم أن التنوين فيه كصبراً ونصراً فهو مخطىء لأنه يكون وزنه فعلاً ولا يحفظ فيه الإعراب في الراء ، فتقول تتر في الرفع وتتر في الجر لكن ألف الإلحاق في المصدر نادر ، ولا يلزم وجود النظير .

وقيل : تترى اسم جمع كأسرى وشتى . المعين : الميم فيه زائدة ووزنه مفعول كمخيط ، وهو المشاهد جريه بالعين تقول : عانه أدركه بعينه كقولك : كبده ضرب كبده ، وأدخله الخليل في باب ع ي ن .

وقيل : الميم أصلية من باب معن الشيء معانة كثر فوزنه فعيل ، وأجاز الفراء الوجهين . وقال جرير : إن الذين غدوا بلبك غادروا

وشلاً بعينك ما يزال معينا

الغمرة : الجهالة زجل غمرغافل لم يجرب الأمور وأصله الستر ، ومنه الغمر للحقد لأنه يغطي القلب ، والغمر للماء الكثير لأنه يغطي الأرض ، والغمرة الماء الذي يغمر القامة ، والغمرات الشدائد ورجل غامر إذا كان يلقي نفسه في المهالك ، ودخل في غمار الناس أي في زحمتهم . الجؤار : مثل الخوار جأر الثور يجأر صاح ، وجأر الرجل إلى اللّه تضرع بالدعاء قاله الجوهري . وقال الشاعر :

يراوح من صلوات المليك فطوراً سجوداً وطوراً جؤاراً

وقيل : الجؤار الصراخ باستغاثة قال : جأر ساعات النيام لربه . السامر : مفرد بمعنى الجمع ، يقال : قوم سامر وسمر ومعناه سهر الليل مأخوذ من السمر ، وهو ما يقع على الشجر من ضوء القمر وكانوا يجلسون للحديث في ضوء القمر ، والسمير الرفيق بالليل في السهر ويقال له السمار أيضاً ، ويقال لا أفعله ما أسمر ابنا سمير ، والسمير الدهر وابناه الليل والنهار . نكب عن الطريق ونكب بالتشديد : إذا عدل عنه . اللجاج في الشيء : التمادي عليه .

هذه السورة مكية بلا خلاف ، وفي الصحيح للحاكم عنه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : { لقد أنزلت عليّ عشر آيات من أقامهن دخل الجنة } ثم قرأ قد { أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } إلى عشر آيات . ومناسبتها لآخر السورة قبلها ظاهرة لأنه تعالى خاطب المؤمنين بقوله { الاْمُورُ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ ارْكَعُواْ } الآية وفيها { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } وذلك على سبيل الترجية فناسب ذلك قوله { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } إخباراً بحصول ما كانوا رجوه من الفلاح .

وقرأ طلحة بن مصرف وعمرو بن عبيد { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } بضم الهمزة وكسر اللام مبنياً للمفعول ، ومعناه ادخلوا في الفلاح فاحتمل أن يكون من فلح لازماً أو يكون أفلح يأتي متعدياً ولازماً .

وقرأ طلحة أيضاً بفتح الهمزة واللام وضم الحاء . قال عيسى بن عمر : سمعت طلحة بن مصرف يقرأ قد أفلحوا المؤمنون ، فقلت له : أتلحن ؟ قال : نعم ، كما لحن أصحابي انتهى . يعني أن مرجوعه في القراءة إلى ما روي وليس بلحن لأنه على لغة أكلوني البراغيث .

وقال الزمخشري : أو على الإبهام والتفسير . و

قال ابن عطية : وهي قراءة مردودة ، وفي كتاب ابن خالويه مكتوباً بواو بعد الحاء ، وفي اللوامح وحذفت واو الجمع بعد الحاء لالتقائهما في الدرج ، وكانت الكتابة عليها محمولة على الوصل نحو { وَيَمْحُ اللّه الْبَاطِلَ}

وقال الزمخشري : وعنه أي عن طلحة { أَفْلَحَ } بضمة بغير واو اجتزاء بها عنها كقوله :

فلو أن الأطباء كان حولي

انتهى . وليس بجيد لأن الواو في { أَفْلَحَ } حذفت لالتقاء الساكنين وهنا حذفت للضرورة فليست مثلها .

قال الزمخشري : قد تقتضيه لما هي تثبت المتوقع ولما تنفيه ، ولا شك أن المؤمنين كانوا متوقعين لمثل هذه البشارة وهي الإخبار بثبات الفلاح لهم ، فخوطبوا بما دل على ثبات ما توقعوه انتهى .

﴿ ١