سورة الشعراء

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

انظر تسفير الآية:١٧

٢

انظر تسفير الآية:١٧

٣

انظر تسفير الآية:١٧

٤

انظر تسفير الآية:١٧

٥

انظر تسفير الآية:١٧

٦

انظر تسفير الآية:١٧

٧

انظر تسفير الآية:١٧

٨

انظر تسفير الآية:١٧

٩

انظر تسفير الآية:١٧

١٠

انظر تسفير الآية:١٧

١١

انظر تسفير الآية:١٧

١٢

انظر تسفير الآية:١٧

١٣

انظر تسفير الآية:١٧

١٤

انظر تسفير الآية:١٧

١٥

انظر تسفير الآية:١٧

١٦

 انظر تسفير الآية:١٧

١٧

طسم

الشرذمة : الجمع القليل المحتقر ، وشرذمة كل شيء : بقيته الخسيسة : وأنشد أبو عبيدة :

في شراذم البغال وقال آخر :

جاء الشتاء وقميصي أخلاق شراذم يضحك منه وقال الجوهري : الشرذمة : الطائفة من الناس ، والقطعة من الشيء ، وثوب شراذم : أي قطع . انتهى .

وقيل : السفلة من الناس . كبكبه : قلب بعضه على بعض ، وحروفه كلها أصول عند جمهور البصريين .

وقال الزمخشري : الكبكبة : تكرير الكب ، جعل التكرير في اللفظ دليلاً على التكرير في المعنى . و

قال ابن عطية : كبكب مضاعف من كب ، هذا قول الجمهور ، وهو الصحيح ، لأن معناهما واحد ، والتضعيف في الفعل نحو : صر وصرصر . انتهى .

وقول الزمخشري وابن عطية هو قول الزجاج ، وهو أنه يزعم أن نحو كبكبه مما يفهم المعنى بسقوط ثالثه ، هو مما ضوعف فيه الباء . وذهب الكوفيون إلى أن الثالث بدل من مثل الثاني ، فكان أصله كبب ، فأبدل من الباء الثانية كاف ، الحميم : الولي القريب ، وحامة الرجل : خاصته .

وقال الزمخشري : الحميم من الاحتمام ، وهو الاهتمام ، وهو الذي يهمه ما أهمك ؛ أو من الحامة بمعنى الخاصة ، وهو الصديق الخالص .

هذه السورة كلها مكية في قول الجمهور إلا أربع آيات من :{ وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ } إلى آخر السورة ، وقاله ابن عباس وعطاء وقتادة . وقال مقاتل :{ أَوَّلُ لَمْ يَكُن لَّهُمْ ءايَةً } ، الآية مدنية . ومناسبة أولها الآخر ما قبلها أنه

قال تعالى :{ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً } كذر تلهف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على كونهم لم يؤمنوا ، وكونهم كذبوا بالحق ، لما جاءهم . ولما أوعدهم في آخر السورة بقوله :{ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً } ، أوعدهم في أول هذه فقال في إثر إخباره بتكذيبهم فسوف يأتيهم { أَنْبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} وتلك إشارة إلى آيات السورة ، أو آيات القرآن . وأمال فتحة الطاء حمزة والكسائي ، وأبو بكر وباقي السبعة : بالفتح ؛ وحمزة بإظهار نون سين ، وباقي السبعة بإدغامها ؛ وعيسى بكسر الميم من طسم هنا وفي القصص ، وجاء كذلك عن نافع . وفي مصحف عبد اللّه ط س م مقطوع ، وهي قراءة أبي جعفر . وتكلموا على هذه الحروف بما يشبه اللغز والأحاجي ، فتركت نقهل ، إذ لا دليل على

شيء مما قالوه .

{وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ } : هو القرآن ، هو بين في نفسه ومبين غيره من الأحكام والشرائع وسائر ما اشتمل عليه ، أو مبى ن إعجازه وصحة أنه من عند اللّه . وتقدم تفسير { بَاخِعٌ نَّفْسَكَ } في أول الكهل .{ أَلاَّ يَكُونُواْ } : أي لئلا يؤمنوا ، أو خيفة أن لا يؤمنوا .

وقرأ قتادة وزيد بن علي : باخع نفسك على الإضافة .{ إِن نَّشَأْ نُنَزّلْ } ، دخلت إن على نشأ وإن للممكن ، أو المحقق المنبهم زمانه .

قال ابن عطية : ما في الشرط من الإبهام هو في هذه الآية في حزينا ،

وأما اللّه تعالى فقد علم أنه لا ينزل عليهم آية اضطرار ، وإنما جعل اللّه آيات الأنبياء والآيات الدالة عليه معرضة للنظر والفكر ، ليهتدي من سبق في علمه هداه ، ويضل من سبق ضلاله ، وليكون للنظرة كسب به يتعلق الثواب والعقاب ، وآية الاضطرار تدفع جميع هذا إذ لو كانت . انتهى . ومعنى آية : أي ملجئة إلى الإيمان يقهر عليه .

وقرأ أبو عمرو في رواية هرون عنه : إن يشأ ينزل على الغيبة ، أي إن يشأ اللّه ينزل ، وفي المصاحف : لو شئنا لأنزلنا .

وقرأ الجمهور : فظلت ، ماضياً بمعنى المستقبل ، لأنه معطوف على ينزل .

وقرأ طلحة : فتظلل ، وأعناقهم .

قال الزمخشري :

فإن قلت : كيف صح مجيء خاضعين خبراً عن الأعناق ؟ قلت ؛ أصل الكلام : فظلوا لها خاضعين ، فأقحمت الأعناق لبيان موضع الخشوع ، وترك الكلام على أصله كقولهم : ذهبت أهل اليمامة ، كان الأهل غير مذكور . انتهى . وقال مجاهد ، وابن زيد ، والأخفش : جماعاتهم ، يقال : جاءني عنق من الناس ، أي جماعة ، ومنه قول الشاعر : إن العراق وأهله عنق إليك فهيت هيتا

وقيل : أعناق الناس : رؤساؤهم ، ومقدموهم شبهوا بالأعناق ، كما قيل :

لهم الرؤوس والنواصي والصدور قال الشاعر :

في مجفل من نواصي الخيل مشهود

وقيل : أريد الجارحة . فقال ابن عبسى : هو على حذف مضاف ، أي أصحاب للأعناق . وروعي هذا المحذوف في قوله :{ خَاضِعِينَ } ، حيث جاء جمعاً للمذكر العاقل ، أولاً حذف ، ولكنه اكتسى من إضافته للمذكر العاقل وصفه ، فأخبر عنه إخباره ، كما يكتسي المذكر التأنيث من إضافته إلى المؤنث في نحو :

كما شرقت صدر القناة من الدم

أولاً حذف ، ولكنه لما وضعت لفعل لا يكون إلا مقصوداً للعاقل وهو الخضوع ، جمعت جمعه كما جاء :{ أَتَيْنَا طَائِعِينَ}

وقرأ عيسى ، وابن أبي عبلة : خاضعة .

وعن ابن عباس : فنزلت هذه الآية فينا وفي بني أمية ، ستكون لنا عليهم الدولة ، فتذل أعناقهم بعد معاوية ، ويلحقهم هوان بعد عز . { وَمَا يَأْتِيهِم مّن ذِكْرٍ مّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ} تقدم تفسيره في الأنبياء .{ إِلاَّ كَانُواْ } : جملة حالية ، أي إلا يكونوا عنها . وكان يدل ذلك أن ديدنهم وعادتهم الإعراض عن ذكر اللّه .

قال الزمخشري :

فإن قلت : كيف خولف بين الألفاظ والغرض واحد ، وهو الإعراض ؟

قلت : كان قبل حين أعرضوا عن الذكر ، فقد كذبوا به ، وحين كذبوا به ، فقد خف عليهم قدره وصار عرضه الاستهزاء بالسخرية ، لأن من كان قابلاً للتحق مقبلاً عليه ، كان مصدقاً به لا محالة ، ولم يظن به التكذيب . ومن كان مصدقاً به ، كان موقراً له . انتهى .

{فَسَيَأْتِيهِمْ } : وعيد بعذاب الدنيا ، كيوم بدر ، وعذاب الآخرة . ولما كان إعراضهم عن النظر في صانع الوجود ، وتكذيب ما جاءتهم به رسله من أعظم الكفر ، وكانوا يجعلون الأصنام آلهة ، نبه تعالى على قدرته ، وأنه الخالق المنشيء الذي يستحق العبادة بقوله :{أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى الاْرْضِ } ؟ والزوج : النوع .

وقيل : الشيء وشكله .

وقيل : أبيض وأسود وأحمر وأصفر وحلو وحامض . وقال الفراء : الزوج : اللون . والكريم : الحسن ، قاله مجاهد وقتادة .

وقيل : ما يأكله الناس والبهائم .

وقيل : الكثير المنفعة .

وقيل : الكريم صفة لكل ما يرضى ويحمد . وجه كريم : مرضي في حسنه وجماله ؛ وكتاب كريم : مرضي في معانيه وفوائده . وقال : حتى يشق الصفوف من كرمه ، أي من كونه مرضياً في شجاعته وبأسه ، ويراد الأشياء التي بها قوام الأمور ، والأغذية والنباتات ، ويدخل في ذلك الحيوان لأنه عن اثنين .

قال تعالى :{ وَاللّه أَنبَتَكُمْ مّنَ الاْرْضِ نَبَاتاً} قال الشعبي : الناس من نبات الأرض ، فمن صار إلى الجنة فهو كريم ، ومن صار إلى النار فبضد ذلك .

قال الزمخشري :

فإن قلت : ما معنى الجمع بين كم وكل ؟ ولو قيل :{ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ }

قلت : دل كل على الإحاطة بأزواج النبات على سبيل التفصيل ، وكم على أن هذا المحيط متكاثر مفرط الكثرة ؟ فهذا معنى الجمع ، وبه نبه على كمال قدرته . انتهى . وأفرد { لآيَةً } ، وإن كان قد سبق ما دل على الكثرة في الأزواج ، وهو كم ، وعلى الإحاطة بالعموم في الأزواج ، لأن المشار إليه واحد ، وهو الإنبات ، وإن اختلفت متعلقاته ، أو أريد أن في كل واحد من تلك الأزواج لآية .{ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ } : تسجيل على أكثرهم بالكفر .{ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } : أي الغالب القاهر . ولما كان الموضع موضع بيان القدرة ، قدم صفة العزة على صفة الرحمة . فالرحمة إذا كانت عن قدرة ، كانت أعظم وقعاً ، والمعنى : أنه عز في نقمته من الكفار ورحم مؤمني كل أمة . ولما ذكر تكذيب قريش بما جاءهم من الحق وإعراضهم عنه ، ذكر قصة موسى عليه السلام ، وما قاسى مع فرعون وقومه ، ليكون ذلك مسلاة لما كان يلقاه عليه الصلاة والسلام من كفار قريش . وإذ كانت قريش . وإذ كانت قريش قد اتخذت آلهة من دون اللّه ، وكان قوم فرعون قد اتخذوه إلاهاً ، وكان أتباع ملة موسى عليه السلام هم المجاورون من آمن بالرسول صلى اللّه عليه وسلم ، بدأ بقصة موسى ، ثم ذكر بعد ذلك ما يأتي ذكره من القصص . والعامل في قال الزجاج ، اتل مضمرة ، أي اتل هذه القصة فيما يتلوا إذ نادى ، ودليل ذلك { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ } إذ .

وقيل : العامل اذكر ، وهو مثل واتل ، ومعنى نادى : دعا .

وقيل : أمر . وأن : يجوز أن تكون مصدرية ، وأن تكون تفسيرية ، وسجل عليهم بالظلم ، لظلم أنفسهم بالكفر ، وظلم بني إسرائيل بالاستعباد ، وذبح الأولاد ، و { قَوْمِ فِرْعَونَ } ،

وقيل : بدل من { الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } ، والأجود أن يكون عطف بيان لأنهما عبارتان يعتقبان على مدلول واحد ، إذ كل واحد عطف البيان ، والأجود أن يكون عطف بيان لأنهما عبارتان يعتقبان على مدلول واحد ، إذ كل واحد عطف البيان ، وسوغه مستقل بالإسناد . ولما كان القوم الظالمين يوهم الاشتراك ، أتى عطف البيان بإزالته

إذ هو أشهر .

وقرأ الجمهور : ألا يتقون ، بالياء على الغيبة .

وقرأ عبد اللّه بن مسلم بن يسار ، وشقيق بن سلمة ، وحماد بن سلمة ، وأبو قلابة : بتاء الخطاب ، على طريقة الالتفات إليهم إنكاراً وغضباً عليهم ، وإن لم يكونوا حاضرين ، لأنه مبلغهم ذلك ومكافحهم .

قال ابن عطية : معناه قل لهم ، فجمع في هذه العبارة من المعاني نفي التقوى عنهم وأمرهم بالتقوى .

وقال الزمخشري :

فإن قلت : بم تعلق قوله : { أَلا يَتَّقُونَ } ؟

قلت : هو كلام مستأنف اتبعه عز وجل إرساله إليهم للإنذار والتسجيل عليهم بالظلم تعجيباً لموسى عليه السلام من حالهم التي سعت في الظلم والعسف ، ومن أمنهم العواقب وقلة خوفهم وحذرهم من أيام اللّه . ويحتمل أن يكون ألا يتقون حالاً من الضمير في الظالمين ، أي يظلمون غير متقين اللّه وعقابه ، فأدخلت همزة الإنكار على الحال . انتهى . وهذا الاحتمال الذي أورده خطأ فاحش لأنه جعله حالاً من الضمير في الظالمين ، وقد أعرب هو { قَوْمِ فِرْعَونَ } عطف بيان ، فصار فيه الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي بينهما ، لأن قوم فرعون معمول لقوله :{ ائْتَ } والذي زعم أنه حال معمول لقوله الظالمين ، وذلك لا يجوز أيضاً لو لم يفصل بينهما بقوله : قوم فرعون . لم يجز أن تكون الجملة حالاً ، لأن ما بعد الهمزة يمتنع أن يكون معمولاً لما قبلها . وقولك : جئت أمسرعاً ؟ على أن يكون أمسرعاً حالاً من الضمير في جئت لا يجوز ، فلو أضمرت عاملاً بعد الهمزة جاز . وقرىء : بفتح النون وكسرها ، التقدير : أفلا يتقونني ؟ فحذفت نون الرفع لالتقاء الساكنين ، وياء المتكلم اكتفاء بالكسرة .

وقال الزمخشري : في ألا يتقون بالياء وكسر النون وجه آخر ، وهو أن يكون المعنى : ألا يا ناس اتقون ، كقوله :{ أَلاَّ يَسْجُدُواْ} انتهى . يعني : وحذف ألف ياخطاً ونطقاً لالتقاء الساكنين ، وهذا تخريج بعيد . والظاهر أن ألا للعرض المضمن الحض على التقوى ، وقول من قال إنها للتنبيه لا يصح ، وكذلك قول الزمخشري : إنها للنفي دخلت عليها همزة الإنكار .

ولما كان فرعون عظيم النخوة حتى ادعى الإلاهية ، كثير المهابة ، قد أشربت القلوب الخوف منه خصوصاً من كان من بني إسرائيل ، قال موسى عليه السلام :{ إِنّى أَخَافُ أَن يُكَذّبُونِ}

وقرأ الجمهور : ويضيق ، ولا ينطلق } ، بالرفع فيهما عطفاً على أخاف .

فالمعنى : إنه يفيد ثلاث علل : خوف التكذيب ، وضيق الصدر ، وامتناع انطلاق اللسان .

وقرأ الأعرج ، وطلحة ، وعيسى ، وزيد بن عليّ ، وأبو حيوة ، وزائدة ، عن الأعمش ، ويعقوب : بالنصب فيهما عطفاً على يكذبون ، فيكون التكذيب وما بعده يتعلق بالخوف .

وحكى أبو عمرو الداني ، عن الأعرج : أنه قرأ بنصب : ويضيق ، ورفع : ولا ينطلق ، وعدم انطلاق اللسان هو بما يحصل من الخوف وضيق الصدر ، لأن اللسان إذ ذاك يتلجلج ولا يكاد يبين عن مقصود الإنسان . و

قال ابن عطية : وقد يكون عدم انطلاق اللسان بالقول لغموض المعاني التي تطلب لها ألفاظ محررة ، فإذا كان هذا في وقت ضيق الصدر ، لم ينطلق اللسان .

فأرسل إلى هارون } : معناه يعينني ويؤازرني ، وكان هارون عليه السلام فصيحاً واسع الصدر ، فحذف بعض المراد من القول ، إذ باقية دال عليه . انتهى .

وقال الزمخشري : ومعنى ، بالرفع فيهما عطفاً على أخاف .

فالمعنى : إنه يفيد ثلاث علل : خوف التكذيب ، وضيق الصدر ، وامتناع انطلاق اللسان .

وقرأ الأعرج ، وطلحة ، وعيسى ، وزيد بن عليّ ، وأبو حيوة ، وزائدة ، عن الأعمش ، ويعقوب : بالنصب فيهما عطفاً على يكذبون ، فيكون التكذيب وما بعده يتعلق بالخوف .

وحكى أبو عمرو الداني ، عن الأعرج : أنه قرأ بنصب : ويضيق ، ورفع : ولا ينطلق ، وعدم انطلاق اللسان هو بما يحصل من الخوف وضيق الصدر ، لأن اللسان إذ ذاك يتلجلج ولا يكاد يبين عن مقصود الإنسان . و

قال ابن عطية : وقد يكون عدم انطلاق اللسان بالقول لغموض المعاني التي تطلب لها ألفاظ محررة ، فإذا كان هذا في وقت ضيق الصدر ، لم ينطلق اللسان .

فأرسل إلى هارون } : معناه يعينني ويؤازرني ، وكان هارون عليه السلام فصيحاً واسع الصدر ، فحذف بعض المراد من القول ، إذ باقية دال عليه . انتهى .

وقال الزمخشري : ومعنى : معناه يعينني ويؤازرني ، وكان هارون عليه السلام فصيحاً واسع الصدر ، فحذف بعض المراد من القول ، إذ باقية دال عليه . انتهى .

وقال الزمخشري : ومعنى { فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ } : أرسل إليه جبريل عليه السلام ، واجعله نبياً ، وأزرني به ، واشدد به عضدي ؛ وهذا كلام مختصر ، وقد أحسن في الاختصار حيث قال :{ فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ } ، فجاء بما يتضمن معنى الاستثناء . وقوله :{ إِنّى أَخَافُ } إلى آخره ، بعد أن أمره اللّه بأن يأتي القوم الظالمين ، ليس توقفاً فيما أمره اللّه تعالى به ، ولكنه طلب من اللّه أن يعضده بأخيه ، حتى يتعاونا على إنفاذ أمره تعالى ، وتبليغ رسالته ، مهد قبل طلب ذلك عذره ثم طلب . وطلب العون دليل على القبول لا على التوقف والتعلل ، ومفعول أرسل محذوف . فقيل جبريل ، كما تقدم ذكره ، وفي الخبر أن اللّه أرسل موسى إلى هارون ، وكان هارون بمصر حين بعث اللّه موسى نبياً بالشام . قال السدي : سار بأهله إلى مصر ، فالتقى بهارون وهو لا يعرفه فقال : أنا موسى ، فتعارفا ؛ وأمرهما أن ينطلقا إلى فرعون لأداء الرسالة ، فصاحت أمهما لخوفهما عليه ، فذهبا إليه .

{وَلَهُمْ عَلَىَّ ذَنبٌ } : أي قبلي قود ذنب ، أو عقوبة ، وهو قتله القبطي الكافر خباز فرعون بالوكزة التي وكزها ، أو سمى تبعة الذنب ذنباً ، كما سمى جزاء السيئة سيئة . وليس قول موسى ذلك تلكأ في أداء الرسالة ، بل قال ذلك استدفاعاً لما يتوقعه منهم من القتل ، وخاف أن يقتل قبل أداء الرسالة ، ويدل على ذلك قوله : كلا ، وهي كلمة الردع ، ثم وعده تعالى بالكلاءة والدفع . وكلا رد لقوله :{ إِنّى أَخَافُ } ،أي لا تخف ذلك ، فإني قضيت بنصرك وظهورك . وقوله :{ فَاذْهَبَا } ، أمر لهما بخطاب لموسى فقط ، لأن هارون ليس بمكلم بإجماع ، ولكنه قال لموسى :{ اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ}

قال الزمخشري : جمع اللّه له الاستجابتين معاً في قوله :{ كَلاَّ فَاذْهَبَا } ، لأنه استدفعه بلاءهم ، فوعده الدفع بردعه عن الخوف ، والتمس المؤازرة بأخيه ، فأجابه بقوله : اذهب ، أي اذهب أنت والذي طلبته هارون .

فإن قلت : علام عطف قوله اذهبا ؟

قلت : على الفعل الذي يدل عليه كلا ، كأنه قيل : ارتدع يا موسى عما تظن ، فاذهب أنت وهارون بآياتنا ، يعم جميع ما بعثهما اللّه به ، وأعظم ذلك العصا ، وبها وقع العجز .

قال ابن عطية : ولا خلاف أن موسى هو الذي حمله اللّه أمر النبوة وكلفها ، وأن هارون كان نبياً رسولاً معيناً له ووزيراً . انتهى . ومعكم ، قيل : من وضع الجمع موضع المثنى ، أي معكما .

وقيل : هو على ظاهره من الجمع ، والمراد موسى وهارون ومن أرسلا إليه . وكان شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير يرجح أن يكون أريد بصورة الجمع المثنى ، والخطاب لموسى وهارون فقط ، قال : لأن لفظة مع تباين من يكون كافراً ، فإنه لا يقال اللّه معه . وعلى أنه أريد بالجمع التثنية ، حمله سيبويه رحمه اللّه وكأنهما لشرفهما عند اللّه ، عاملهما في الخطاب معاملة الجمع ، إذ كان ذلك جائزاً أن يعامل به الواحد لشرفه وعظمته .

قال ابن عطية :{ مُّسْتَمِعُونَ } اهتبالاً ، ليس في صيغة سامعون ، وإلا فليس يوصف اللّه تعالى بطلب الاستماع ، وإنما القصد إظهار التهم ليعظم أنس موسى ، أو يكون الملائكة بأمر اللّه إياها تستمع .

وقال الزمخشري :{ مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ } من مجاز الكلام ، يريد أنا لكما ولعدوكما كالناصر الظهير لكما عليه إذا حضر واستمع ما يجري بينكما وبينه ، فأظهركما وغلبكما وكسر شوكته عنكما ونكسه . انتهى . ويجوز أن يكون معه متعلقاً بمستمعون ، وأن يكون خبراً ومستمعون خبر ثان . والمعية هنا مجاز ، وكذلك الاستماع ، لأنه بمعنى الإصغاء ، ولا يلزم من الاستماع السماع ، تقول : أسمع إليه ، فما سمع واستمع إليه ، فسمع كما قال :{ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مّنَ الْجِنّ فَقَالُواْ إِنَّا سَمِعْنَا } ، وأفرد رسول هنا ولم يثن ، كما في قوله :{ إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ } ، إما لأنه مصدر بمعنى الرسالة ، فجاز أن يقع مفرداً خبر المفرد فما فوقه ،

وإما لكونهما ذوي شريعة واحدة ، فكأنهما رسول واحد . وأريد بقوله : أنا أوكل واحد منا رسول .

{وَرَسُولٌ رَبّ الْعَالَمِينَ } فيه رد عليه ، وأنه مربوب للّه تعالى ، بادهه

بنقض ما كان أبرمه من ادعاء الألوهية ، ولذلك أنكر فقال : وما رب العالمين والمعنى إليك ،  { وَأَنْ أُرْسِلَ } : يجوز أن تكون تفسيرية لما في رسول من معنى القول ، وأن تكون مصدرية ، وأرسل بمعنى أطلق وسرح ، كما تقول : أرسلت الحجر من يدي ، وأرسلت لصقر . وكان موسى مبعوثاً إلى فرعون في أمرين : إرسال بني إسرائيل ليزول عنهم العبودية ، والإيمان باللّه وبعث بالعبادات والشرع إلى بني إسرائيل وإرسالهم معهما كان إلى فلسطين ، وكانت مسكن موسى وهارون .

١٨

انظر تسفير الآية:٣٣

١٩

انظر تسفير الآية:٣٣

٢٠

انظر تسفير الآية:٣٣

٢١

انظر تسفير الآية:٣٣

٢٢

انظر تسفير الآية:٣٣

٢٣

انظر تسفير الآية:٣٣

٢٤

انظر تسفير الآية:٣٣

٢٥

انظر تسفير الآية:٣٣

٢٦

انظر تسفير الآية:٣٣

٢٧

انظر تسفير الآية:٣٣

٢٨

انظر تسفير الآية:٣٣

٢٩

انظر تسفير الآية:٣٣

٣٠

انظر تسفير الآية:٣٣

٣١

انظر تسفير الآية:٣٣

٣٢

 انظر تسفير الآية:٣٣

٣٣

ويروى أنهما انطلقا إلى باب فرعون ، ولم يؤذن لهما سنة ، حتى قال البواب : إن هنا إنساناً يزعم أنه رسول رب العالمين ، فقال له : ائذن له لعلنا نضحك منه . فأديا إليه الرسالة ، فعرف موسى فقال له :{ أَلَمْ نُرَبّكَ فِينَا وَلِيداً } وفي الكلام حذف يدل عليه المعنى تقديره : فأتيا فرعون ، فقالا له ذلك . ولما بادهه موسى بأنه رسول رب العالمين ، وأمره بإرسال بني إسرائيل معه ، أخذ يستحقره ويضرب عن المرسل وعما جاء به من عنده ، ويذكره بحالة الصغر والمنّ عليه بالتربية . والوليد الصبي ، وهو فعيل بمعنى مفعول ، أطلق ذلك عليه لقربه من الولادة .

وقرأ أبو عمرو في رواية : من عمرك ، بإسكان الميم ، وتقدم ذكر الخلاف في كمية هذه السنين في طه .

وقرأ الجمهور : فعلتك ، بفتح الفاء ، إذ كانت وكزة واحدة ، والشعبي : بكسر الفاء ، يريد الهيئة ، لأن الوكزة نوع من القتل . عدد عليه نعمة التربية ومبلغه عنده مبلغ الرجال ، حيث كان يقتل نظراءه من بني إسرائيل ، وذكره ما جرى على يده من قتل القبطي ، وعظم ذلك بقوله :{ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِى فَعَلْتَ } ، لأن هذا الإبهام ، بكونه لم يصرح أنها القتل ، تهويل للواقعة وتعظيم شأن .{ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ } : يجوز أن يكون حالاً ، أي قتلته وأنت إذ ذاك من الكافرين ، فافترى فرعون بنسبة هذه الحال إليه إذ ذاك ، والأنبياء عليهم السلام معصومون . ويجوز أن يكون إخباراً مستأنفاً من فرعون ، حكم عليه بأنه من الكافرين بالنعمة التي لي عليك من التربية والإحسان ، قاله ابن زيد ؛ أو من الكافرين بي في أنني إلاهك ، قاله الحسن ؛ أو من الكافرين باللّه لأنك كنت معنا على ديننا هذا الذي تعيبه الآن ، قاله السدي .

{قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً } : إجابة موسى عن كلامه الأخير المتضمن للقتل ، إذ كان الاعتذار فيه أهم من الجواب في ذكر النعمة بالتربية ، لأنه فيه إزهاق النفس .

قال ابن عطية : إذن صلة في الكلام وكأنها بمعنى حينئذ . انتهى . وليس بصلة ، بل هي حرف معنى . وقوله وكأنها بمعنى حينئذ ، ينبغي أن يجعل قوله تفسير معنى ، إذ لا يذهب أحد إلى أن إذن ترادف من حيث الإعراب حينئذ .

وقال الزمخشري :

فإن قلت : إذاً جواب وجزاء معاً ، والكلام وقع جواباً لفرعون ، فكيف وقع جزاء ؟

قلت : قول فرعون :{ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ } فيه معنى : إنك جازيت نعمتي بما فعلت ؛ فقال له موسى : نعم فعلتها ، مجازياً لك تسليماً لقوله ، كأن نعمته كانت عنده جديرة بأن تجازى بنحو ذلك الجزاء . انتهى . وهذا الذي ذكره من أن إذاً جواب وجزاء معاً ، هو قول سيبويه ، لكن الشراح فهموا أنها قد تكون جواباً وجزاء معاً ، وقد تكون جواباً فقط دون جزاء . فالمعنى اللازم لها هو الجواب ، وقد يكون مع ذلك جزاء . وحملوا قوله :{ فَعَلْتُهَا إِذاً } من المواضع التي جاءت فيها جواباً بالآخر ، على أن بعض أئمتنا تكلف هنا كونها جزاء وجواباً ، وهذا كله محرر

فيما كتبناه في إذن في شرح التسهيل ، وإنما أردنا أن نذكر أن ما قاله الزمخشري ليس هو الصحيح ، ولا قول الأكثرين .

{وَأَنَاْ مِنَ الضَّالّينَ } ، قال ابن زيد : معناه من الجاهلين ، بأن وكزني إياه تأتي على نفسه . وقال أبو عبيدة : من الناسين ، ونزع لقوله :{ أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا} وفي قراءة عبد اللّه ، وابن عباس : وأنا من الجاهلين ، ويظهر أنه تفسير للضالين ، لا قراءة مروية عن الرسول صلى اللّه عليه وسلم.

وقال الزمخشري : من الفاعلين فعل أولي الجهل ، كما قال يوسف لإخوته :{ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ } أو المخلصين ، كمن يقتل خطأ من غير تعمد للقتل ، أو الذاهبين عن تلك الصفة . انتهى .

وقيل : من الضالين ، يعني عن النبوة ، ولم يأتني عن اللّه فيه شيء ، فليس على فيما فعلته في تلك الحالة توبيخ . ومن غريب ما شرح به أن معنى { وَأَنَاْ مِنَ الضَّالّينَ } ،أي من المحبين للّه ، وما قتلت القبطي إلا غيرة للّه . قيل : والضلال يطلق ويراد به المحبة ، كما في قوله :{ إِنَّكَ لَفِى ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ } ،أي في محبتك القديمة . وجمع ضمير الخطاب في منكم وخفتكم بأن كان قد أفرد في : تمنها وعبدت ، لأن الخوف والفرار لم يكونا منه وحده ، وإنما منه ومن ملته المذكورين قبل { أَنِ ائْتَ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمِ فِرْعَونَ } ، وهم كانوا قوماً يأتمرون لقتله . ألا ترى إلى قوله :{ إِنَّ الْمَلاَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ}

وقرأ الجمهور : لما حرف وجوب لوجوب ، على قول سيبويه ، وظرفاً بمعنى حين ، على مذهب الفارسي .

وقرأ حمزة في رواية : لما بكسر اللام وتخفيف الميم ، أي يخوفكم .

وقرأ عيسى : حكماً بضم الكاف ؛ والجمهور : بالإسكان . والحكم : النبوة .{ وَجَعَلَنِى مِنَ الْمُرْسَلِينَ } : درجة ثانية للنبوة ، فرب نبي ليس برسول .

وقيل : الحكم : العلم والفهم .

{وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ } : وتلك إشارة إلى المصدر المفهوم من قوله :{ أَلَمْ نُرَبّكَ فِينَا وَلِيداً } ؛ وذكر بهذا آخراً على ما بدأ به فرعون في قوله :{ أَلَمْ نُرَبّكَ بِكَ} والظاهر أن هذا الكلام إقرار من موسى عليه السلام بالنعمة ، كأنه يقول : وتربيتك لي نعمة عليّ من حيث عبدت غيري وتركتني واتخذتني ولداً ، ولكن لا يدفع ذلك رسالتي . وإلى هذا التأويل ذهب السدّي والطبري . وقال قتادة : هذا منه على جهة الإنكار عليه أن تكون نعمة ، كأنه يقول : أو يصح لك أن تعتد على نعمة ترك قتلي من أجل أنك ظلمت بني إسرائيل وقتلتهم ؟ أي ليست بنعمة ، لأن الواجب كان أن لا تقتلني ولا تقتلهم ولا تستعبدهم بالقتل والخدمة وغير ذلك .

وقرأ الضحاك : وتلك نعمة ماألك أن تمنها ، وهذه قراءة تؤيد هذا التأويل ، وهذا التأويل فيه مخالفة لفرعون ونقض كلامه كله . والقول الأول فيه إنصاف واعتراف . وقال الأخفش : والفراء : قبل الواو همزة استفهام يراد به الإنكار ، وحذفت لدلالة المعنى عليها ، ورده النحاس بأنها لا تحذف ، لأنها حرف يحدث معها معنى ، إلا إن كان في الكلام أم لا خلاف في ذلك إلا شيئاً ، قاله الفراء من أنه يجوز حذفها مع أفعال الشك ،

وحكى : ترى زيداً منطلقاً ، بمعنى : ألا ترى ؟ وكان الأخفش الأصغر يقول : أخذه من ألفاظ العامة . وقال

الضحاك : الكلام إذا خرج مخرج التبكيت يكون باستفهام وبغير استفهام ، والمعنى : لو لم يقتل بني إسرائيل لرباني أبواي ، فأي نعمة لك علي فأنت تمنّ علي بما لا يجب أن تمنّ به .

وقيل : اتخاذك بني إسرائيل عبيداً أحبط نعمتك التي تمنّ بها .

وقال الزمخشري : وأبي ، يعني موسى عليه السلام ، أن يسمي نعمته أن لا نعمة ، حيث بين أن حقيقة إنعامه تعبد بني إسرائيل ، لأن تعبدهم وقصدهم بذبح أبنائهم هو السبب في حصوله عنده وتربيته ، فكأنه امتن عليه بتعبيد قومه إذا حققت . وتعبيدهم : تذليلهم واتخاذهم عبيداً ، يقال : عبدت الرجل وأعبدته ، إذا اتخذته عبداً ، قال الشاعر : علام يعبدني قومي وقد كثرت

فيهم أباعر ما شاؤوا وعبدان

فإن قلت : وتلك إشارة إلى ماذا ؟ وأن عبدت ما محلها من الإعراب ؟

قلت : تلك إشارة إلى خصلة شنعاء مبهمة ، لا يدري ما هي إلا بتفسيرها ؛ ومحل أن عبدت الرفع ، عطف بيان لتلك ، ونظيره قوله تعالى : { وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الاْمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآْء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ } ، والمعنى : تعبيدك بني إسرائيل نعمة تمنها عليّ . وقال الزجاج : يجوز أن يكون في موضع نصب ، المعنى أنها صارت نعمة عليّ ، لأن عبدت بني إسرائيل ، أي لو لم تفعل لكفلني أهلي ولم يلقوني في اليم . انتهى . وقال الحوفي :{ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِى إِسْراءيلَ } في موضع نصب مفعول من أجله . وقال أبو البقاء : بدل ، ولما أخبر موسى فرعون بأنه رسول رب العالمين ، لم يسأل إذ ذاك فيقول :{ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ } ؟ بل أخذ في المداهاة وتذكار التربية والتقبيح لما فعله من قتل القبطي . فلما أجابه عن ذلك انقطعت حجته في التربية والقتل ، وكان في قوله : رسول رب العالمين دعاء إلى الإقرار بربوبية اللّه ، وإلى طاعة رب العالم ، فأخذ فرعون يستفهم عن الذي ذكر موسى أنه رسول من عنده . والظاهر أن سؤاله إنما كان على سبيل المباهتة والمكابرة والمرادّة ، وكان عالماً باللّه . ويدل عليه :{ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ بَصَائِرَ } ، ولكنه تعامى عن ذلك طلباً للرياسة ودعوى الإلهية ، واستفهم بما استفهاماً عن مجهول من الأشياء . قال مكي : كما يستفهم عن الأجناس ، وقد ورد له استفهام بمن في موضع آخر ، ويشبه أنها مواطن . انتهى . والموضع الآخر قوله :{ فَمَن رَّبُّكُمَا يامُوسَى مُوسَى } ؟ ولما سأله فرعون ، وكان السؤال بما التي هي من سؤال عن الماهية ، ولم يمكن الجواب بالماهية ، أجاب بالصفات التي تبين للسامع أنه لا مشاركة لفرعون فيها ، وهي ربوبية السموات والأرض وما بينهما .

وقال الزمخشري : وهذا السؤال لا يخلو أن يريد به أي شيء من الأشياء التي شوهدت وعرفت أجناسها ، فأجاب بما يستدل عليه من أفعاله الخاصة ، ليعرفه أنه ليس مما شاهد وعرف من الأجرام والأعراض ، وأنه شيء مخالف لجميع الأشياء ، { لَيْسَ كَمِثْلِهِ } شيء .

وأما أن يريد أنه شيء على الإطلاق تفتيشاً عن حقيقة الخاصة ما هي ، فأجاب بأن الذي سألت عنه ليس إليه سبيل ، وهو الكافي في معرفته معرفة بيانه بصفاته استدلالاً بأفعاله الخاصة على ذلك ؛

وأما التفتيش عن حقيقة الخاصة التي هي فوق فطر العقول ، فتفتيش عما لا سبيل إليه ، والسائل عنه متعنت غير طالب للحق . والذي يليق بحال فرعون ، ويدل عليه الكلام ، أن كون سؤاله إنكاراً لأن يكون للعالمين رب سواه ، ألا نرى أنه يعلم حدوثه بعد العدم ؟ وأنه محل للحوادث ؟ وأنه لم يدعّ الإلاهية إلا في محل ملكه مصر ؟ وأنه لم يكن ملك الأرض ؟ بل كان فيها ملوك غيره ، وأنبياء في ذلك الزمان يدعون إلى اللّه كشعيب عليه السلام ؟ وأنه كان مقراً باللّه تعالى في باطن أمره ؟ وجاء قوله :{ وَمَا بَيْنَهُمَا } على التثنية ، والعائد عليه الضمير مجموع اعتباراً للجنسين : جنس السماء ، وجنس الأرض ؛ كما ثنى المظهر في قوله :

بين رماحي مالك ونهشل

اعتباراً للجنسين : وقال أبو عبد اللّه الرازي يحتمل أن يقال : كان عالماً باللّه ولكنه قال ما قال طلباً للملك والرياسة . وقد ذكر تعالى في كتابه ما يدل على أنه كان عارفاً باللّه ، وهو قوله :{ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء } الآية . ويحتمل أنه كان على

مذهب الدهرية من أن الأفلاك واجبة الوجود لذواتها ، وأن حركاتها أسباب لحصول الحوادث بالفاعل المختار ، ثم اعتقد أنه بمنزلة إلاه لأهل إقليمه من حيث استعبدهم وملك زمام أمرهم . ويحتمل أن يقال : كان على مذهب الحلولية القائلين : بأن ذات الإلاه تقرر بجسد إنسان معين حتى يكون الإلاه سبحانه بمنزلة روح كل إنسان بالنسبة إلى جسده ، وبهذه التقديرات كان يسمي نفسه إلاهاً . انتهى . ومعنى : { إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } : إن كان يرجى منكم الإيقان الذي يؤدي إلى النظر الصحيح ، نفعكم هذا الجواب ، وإلا لم ينفعكم ؛ أو إن كنتم موقنين بشيء قط ، فهذا أولى ما توقنون به لظهوره وإنارة دليله . وهذه المحاورة من فرعون تدل على أن موسى عليه السلام دعاه إلى التوحيد .

{قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ } : هم أشراف قومه . قيل : كانوا خمسمائة رجل عليهم الأساور ، وكانت للملوك خاصة .{ إِلا تَسْمَعُونَ } : أي ألا تصغون إلى هذه المقالة إغراء به وتعجباً ، إذ كانت عقيدتهم أن فرعون ربهم ومعبودهم .

قال ابن عطية : والفراعنة قبله كذلك ، وهذه ضلالة منها في مصر وديارنا إلى اليوم بقية . انتهى . يشير إلى ما أدركه في عصره من ملوك العبيديين الذين كان أتباعهم تدعى فيهم الإلاهية ، وأقاموا ملوكاً بمصر ، من زمان المعز إلى زمان العاض ، إلى أن محى اللّه دولتهم بظهور الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شاري رضي اللّه عنه ، فلقد كانت له مآثر في الإسلام منها : فتح بيت المقدس وبلاد كثيرة من سواحل الشام ، كان النصارى مستولين عليها ، فاستنقذها منهم .{ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءابَائِكُمُ الاْوَّلِينَ } : نبههم على منشئهم ومنشىء آبائهم ، وجاء في قوله : الأولين ، دلالة على إماتتهم بعد إيجادهم . وانتقل من الاستدلال بالعام إلى ما يخصهم ، ليكون أوضح لهم في بيان بطل دعوى فرعون الإلاهية ، إذ كان آباؤهم الأولون تقدموا فرعون في الوجود ، فمحال أن يكون وهو في العدم إلاهاً هم .

{قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} قال أبو عبد اللّه الرازي : التعريف بهذا الأثر أظهر ، فلهذا عدل موسى عليه السلام من الكلام الأول إليه ، إذ كان لا يمكن أن يعتقد العاقل في نفسه وفي آبائه كونهم واجبي الوجود لذواتهم ، لأن المشاهدة دلت على وجودهم بعد عدمهم ، وعدمهم بعد وجودهم ، فعند ذلك قال فرعون : ما قال يعني أن المقصود من سؤال ما طلبت الماهية وخصوصية الحقيقة . والتعريف بهذه الآثار الخارجية لا تفيد تلك الخصوصية ، فهذا الذي يدعي الرسالة مجنون لا يفهم السؤال فضلاً عن أن يجيب عنه ، فقال موسى عليه السلام :{ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } : فعدل إلى طرق أوضح من الثاني ، وذلك أنه أراد بالمشرق : طلوع الشمس وظهور النهار ، وأراد بالمغرب : غروب الشمس وزوال النهار .

وهذا التقدير المستمر على الوجه العجيب لا يتم إلا بتدبير مدبر ، وهذا بعينه طريقة إبراهيم عليه السلام مع نمروذ ، فإنه استدل أولاً بالإحياء والإماتة ، وهو الذي ذكره موسى عليه السلام هنا بقوله :{ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءابَائِكُمُ الاْوَّلِينَ } ، فأجابه نمروذ بقوله :{ أَلَمْ تَرَ إِلَى } ، فقال :{ إِنَّ اللّه يَأْتِى بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِى كَفَرَ } وهو الذي ذكره موسى عليه السلام هنا بقوله :{ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } : أي إن كنتم من العقلاء ، عرفتم أن لا جواب عن السؤال إلا ما ذكرت . انتهى ، وفيه بعض تلخيص . و

قال ابن عطية : زاده موسى عليه السلام في بيان الصفات التي تظهر نقص فرعون ، وتبين أنه في غاية البعد عن القدرة عليها ، وهي ربوبية المشرق والمغرب ، ولم يكن لفرعون إلا ملك معصر من البحر إلى أسوان وأرض الإسكندرية .

وقرأ مجاهد ، وحميد ، والأعرج : أرسل إليكم ، على بناء الفاعل ، أي أرسله ربه إليكم .

وقرأ عبد اللّه ، وأصحابه ، والأعمش : رب المشارق والمغارب ، على الجمع فيهما . ولما انقطع فرعون في باب الاحتجاج ، رجع إلى الاستعلاء والغلب ، وهذا أبين علامات الانقطاع ، فتوعد موسى بالسجن حين أعياه خطابه :{ قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَاهَاً غَيْرِى لاجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}

وقال الزمخشري : لما أجاب موسى بما أجاب ، عجب قومه من جوابه ، حيث نسب الربوبية إلى غيره ، فلما ثنى بتقرير قوله ، جننه إلى قومه وظنن به ، حيث سماه رسولهم ، فلما ثلث احتد واحتدم ، وقال :{ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَاهَاً غَيْرِى}

فإن قلت : كيف قال :

أولاً : { إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } ، وآخراً :{ إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } ؟

قلت : لأين أولاً ، فلما رأى شدة الشكيمة في العناد وقلة الإصغاء إلى عرض الحجج ، خاشن وعارض إن رسولكم لمجنون بقوله :{ إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ}

فإن قلت : ألم يكن لأسجننك أخصر من { لاجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ } ومؤدّياً مؤدّاه ؟

قلت : أما أخصر فنعم ،

وأما مؤدّياً مؤدّاه فلا ، لأن معناه : لأجعلنك واحداً ممن عرفت حالهم في سجوني . وكان من عادته أن يأخذ من يريد سجنه فيطرحه في هوّة ذاهبة في الأرض بعيدة العمق فرداً ، لا يبصر فيها ولا يسمع ، فكان ذلك أشد من القتل . انتهى . ولما كان عند موسى عليه السلام من أمر فرعون ما لا يروعه معه توعد فرعون ، قال له على جهة اللطف به والطمع في إيمانه :{أَوْ لَوْ جِئْتُكَ بِشَىء مُّبِينٍ } ،أي يوضح لك صدقي ، أفكنت تسجنني ؟

قال الزمخشري : أو لو جئتك ، واو الحال دخلت عليها همزة الاستفهام ، معناه : أتفعل بي ذلك ولو جئتك بشيء مبين ؟ انتهى . وتقدّم لنا الكلام على هذه الواو ، والداخلة على لو في مثل هذا السياق في قوله :{أَوْ لَّوْ كَانَ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ وَمَثَلُ } ، فأغنى عن إعادته . وقال الحوفي : واو العطف دخلت عليها همزة الاستفهام للتقرير ، والمعنى : أتسجنني حتى في هذه الحالة التي لا تناسب أن أسجن وأنا متلبس بها ؟ .

ولما سمع فرعون هذا من موسى طمع أن يجده موضع معارضة فقال له :{ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } ، إن لك رباً بعثك رسولاً إلينا .

قال الزمخشري :

وفي قوله :{ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } دليل على أنه لا يأتي بالمعجزة إلا الصادق في دعواه ، لأن المعجزة تصديق من اللّه لمدعي النبوة ، والحكيم لا صدق الكاذب . ومن العجب أن مثل فرعون لم يخف عليه مثل هذا ، وخفي على ناس من أهل القبلة ، حيث جوزوا القبيح على اللّه حتى لزمهم تصديق الكاذبين بالمعجزات . انتهى . وتقديره : إن كنت من الصادقين فأئت به ، حذف الجزاء ، لأن الأمر بالإتيان يدل عليه . وقدره الزمخشري : إن كنت من الصادقين في دعواك أتيت به . جعل الجواب المحذوف فعلاً ماضياً ، ولا يقدر إلا من جنس الدليل بقوله : أنت ظالم إن فعلت ، تقديره : أنت ظالم إن فعلت فأنت ظالم . وقال الحوفي : إن حرف شرط يجوز أن يكون ما تقدم جوابه ، وجاز تقديم الجواب ، لأن حذف الشرط لم يعمل في اللفظ شيئاً . ويجوز أن يكون الجواب محذوفاً تقديره فائت به . وقول الزمخشري : حتى لزمهم تصديق الكاذبين بالمعجزات ، إشارة إلى إنكار الكرامات التي ذهب أهل السنة إلى إثباتها . والمعجز عندهم هو ما كان خارقاً للعادة ، ولا يكون إلا لنبي أو في زمان نبي ، إن جرى على يد غيره فتكون معجزة لذلك النبي ، أو على سبيل الإرهاص لنبي .

{فَأَلْقَى عَصَاهُ } : رماها من يده ، وتقدم الكلام على عصا موسى عليه السلام . والثعبان : أعظم ما يكون من الحيات . ومعنى { مُّبِينٌ } : ظاهر الثعبانية ، ليست من الأشياء التي تزوّر بالشعبذة والسحر .{ وَنَزَعَ يَدَهُ } من جيبه ، فإذا هي تلألأ كأنها قطعة من الشمس . ومعنى { لِلنَّاظِرِينَ } : أي بياضها يجتمع النظارة على النظر إليه لخروجه عن العادة ، وكان بياضاً نورانياً . روي أنه لما أبصر أمر العصا قال : فهل غيرها ؟ فأخرج يده ، فقال : ما هذه ؟ قال : يدك ، فأدخلها في إبطه ثم نزعها ولها شعاع يكاد يغشي الأبصار ويسد الأفق .

٣٤

انظر تسفير الآية:٥١

٣٥

انظر تسفير الآية:٥١

٣٦

انظر تسفير الآية:٥١

٣٧

انظر تسفير الآية:٥١

٣٨

انظر تسفير الآية:٥١

٣٩

انظر تسفير الآية:٥١

٤٠

انظر تسفير الآية:٥١

٤١

انظر تسفير الآية:٥١

٤٢

انظر تسفير الآية:٥١

٤٣

انظر تسفير الآية:٥١

٤٤

انظر تسفير الآية:٥١

٤٥

انظر تسفير الآية:٥١

٤٦

انظر تسفير الآية:٥١

٤٧

انظر تسفير الآية:٥١

٤٨

انظر تسفير الآية:٥١

٤٩

انظر تسفير الآية:٥١

٥٠

انظر تسفير الآية:٥١

٥١

قال ابن عطية : وانتصب حوله على الظرف ، وهو في موضع الحال ، أي كائنين حوله ، فالعامل فيه محذوف ، والعامل فيه هو الحال حقيقة والناصب له ، قال : لأنه هو العامل في ذي الحال بواسطة لام الجر ، نحو : مررت بهند ضاحكة . والكوفيون يجعلون الملأ موصولاً ، فكأنه قيل : قال للذي حوله ، فلا موضع للعامل في الظرف ، لأنه وقع صلة .

وقال الزمخشري :

فإن قلت : ما العامل في حوله ؟

قلت : هو منصوب نصبين : نصب في اللفظ ، ونصب في المحل . فالعامل في النصب اللفظي ما يقدر في الظرف ، وذلك استقروا حوله ، وهذا يقدر في جميع الظروف ، والعامل في النصب المحلي ، وهو النصب على الحال . انتهى . وهو تكثير وشقشقة كلام في أمر واضح من أوائل علم العربية .

ولما رأى فرعون أمر العصا واليد ، وما ظهر فيهما من الآيات ، هاله ذلك ولم يكن له فيه مدفع فزع إلى رميه بالسحر . وطمع لغلبة علم السحر في ذلك الزمان أن يكون ثَمّ من يقاومه ، أو كان علم صحة المعجزة . وعمى تلك الحجة على قومه ، برميه بالسحر ، وبأنه { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ } ، ليقوي تنفيرهم عنه ، وابتغاؤهم الغوائل له ، وأن لا يقبلوا قوله ؛ إذ من أصعب الأشياء على النفوس مفارقة الوطن الذي نشأوا فيه ، ثم استأمرهم فيما يفعل معه ، وذلك لما حل به من التحير والدهش وانحطاطه عن مرتبة ألوهيته إلى أن صار يستشيرهم في أمره ، فيأمرونه بما يظهر لهم فيه ، فصار مأموراً بعد أن كان آمراً . وتقدم الكلام في { مَاذَا تَأْمُرُونَ } وفي الألفاظ التي وافقت ما في سورة الأعراف ، فأغنى عن إعادته . ولما قال :{ إِنَّ هَاذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } ، عارضوا بقوله :{ بِكُلّ سَحَّارٍ } ، فجاءوا بكلمة الاستغراق والبناء الذي للمبالغة ، لينفسوا عنه بعض ما لحقه من الكرب .

وقرأ الأعمش ، وعاصم في رواية : بكل ساحر . واليوم المعلوم : يوم الزينة ، وتقدم الكلام عليه في سورة طه . وقوله :{ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ } ، استبطاء لهم في الاجتماع ، والمراد منه استعجالهم ، كما يقول الرجل لغلامه : هل أنت منطلق ؟ إذا أراد أن يحرك منه ويحثه على الانطلاق ، كما يخيل إليه أن الناس قد انطلقوا وهو واقف ، ومنه قول تأبط شراً : هل أنت باعث ديناراً لحاجتناأو عند رب أخا عون بن مخراق

يريد : ابعثه إلينا سريعاً ولا تبطىء به . وترجوا اتباع السحرة ، أي في دينهم ، إن غلبوا موسى عليه السلام ، ولا يتبعون موسى في دينه . وساقوا الكلام سياق الكناية ، لأنهم إذا اتبعوهم لم يتعبوا موسى عليه السلام . ودخلت إذا هنا بين اسم إن وخبرها ، وهي جواب وجزاء .{ قَالَ فِرْعَوْنُ } : الظاهر أن الباء للقسم ، والذي تتعلق به الباء محذوف ، وعدلوا عن الخطاب إلى اسم الغيبة تعظيماً ، كما يقال للملوك : أمروا رضي اللّه عنهم بكذا ، فيخبر عنه إخبار الغائب ، وهذا من نوع إيمان الجاهلية . وقد سلك كثير من المسلمين في الإيمان ما هو أشنع من إيمان الجاهلية ، لا يرضون بالقسم باللّه ، ولا يعتدون به حتى يحلف أحدهم بنعمة السلطان وبرأس المحلف ، فحينذ يستوثق منه . و

قال ابن عطية : بعد أن ذكر أنه قسم قال : والأجر أن يكون على جهة التعظيم والتبرك باسمه ، إذ كانوا يعبدونه ؛ كما تقول إذا ابتدأت بعمل شيء : بسم اللّه ، وعلى بركة اللّه ، ونحو هذا . وبين قوله :{ قَالَ لَهُمْ مُّوسَى } ، وقوله :{ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ } ، كلام محذوف ، وهو ما ثبت في الأعراف من تخييرهم إياه في البداءة من يلقى .

قال الزمخشري :

فإن قلت : فاعل الإلقاء ما هو لو صرح به ؟

قلت : هو اللّه عز وجل ، بما خوّلهم من التوفيق وإيمانهم ، أو بما عاينوا من المعجزة الباهرة ، ولك أن لا تقدر فاعلاً ، لأن ألقوا بمعنى خروا وسقطوا . انتهى . وهذا القول الآخر ليس بشيء . لا يمكن أن يبني الفعل للمفعول الذي لم يسم فاعله إلا وقد حذف الفاعل فناب ذلك عنه ، أما أنه لا يقدر فاعل ، فقول ذاهب عن الصواب .

و

قال ابن عطية : قرأ البزي ، وابن فليح ، عن ابن كثير : بشد التاء وفتح اللام وشد القاف ، ويلزم على هذه القراءة إذا ابتدأ أن حذف همزة الوصل ، وهمزة الوصل لا تدخل على الأفعال المضارعة ، كما لا تدخل على أسماء الفاعلين . انتهى . كأنه يخيل أنه لا يمكن الابتداء بالكلمة إلا باجتلاب همزة الوصل ، وليس ذلك بلازم كثيراً ما يكون الوصل مخالفاً للوقف ، والوقف مخالفاً للوصل ، ومن له تمرن في القراآت عرف ذلك .

{قَالُواْ لاَ ضَيْرَ } : أي لا ضرر علينا في وقوع ما وعدتنا به من قطع الأيدي والأرجل والتصليب ، بل لنا فيه المنفعة التامة بالصبر عليه . يقال : ضاره يضيره ضيراً ، وضاره يضوره ضوراً . إنا إلى ربنا : أي إلى عظيم ثوابه ، أو : لا ضير علينا ، إذ انقلابنا إلى اللّه بسبب من أسباب الموت والقتل أهون أسبابه . وقال أبو عبد اللّه الرازي : لما آمنوا بأجمعهم ، لم يأمن فرعون أن يقول قومه لم تؤمن السحرة على كثرتهم إلا عن معرفة بصحة أمر موسى فيؤمنون ، فبالغ في التنفير من جهة قوله :{ قَالَ ءامَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءاذَنَ } موهماً أن مسارعتهم للإيمان دليل على ميلهم إليه قبل . وبقوله :{ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ } ، صرح بما رمزه أولاً من مواطأتهم وتقصيرهم ليظهر أمر كبيرهم ، وبقوله :{ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } ، حيث أوعدهم وعيداً مطلقاً ، وبتصريحه بما هددهم به من العذاب ، فأجابوا بأن ذلك إن وقع ، لن يضير ، وفي قولهم :{ إِنَّا إِلَى رَبَّكَ مُنقَلِبُونَ } ، نكتة شريفة ، وهو أنهم آمنوا لا رغبة ولا رهبة ، إنما قصدوا محض الوصول إلى مرضات اللّه والاستغراق في أنوار معرفته . انتهى ملخصاً . ويدفع هذا الأخير قولهم :{ إِنَّا نَطْمَعُ } إلى آخره ، ولا يكون ذلك إلا من خوف تبعات الخطايا . والظاهر بقاء الطمع على بابه كقوله :{ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ}

وقيل : يحتمل اليقين . قيل : كقول إبراهيم عليه السلام :{ وَالَّذِى أَطْمَعُ}

وقرأ الجمهور :{ أَن كُنَّا } ، بفتح الهمزة ، وفيه الجزم بإيمانهم .

وقرأ أبان بن تغلب ، وأبو معاذ : إن كنا ، بكسر الهمزة . قال صاحب اللوامح على الشرط : وجاز حذف الفاء من الجواب ، لأنه متقدم ، وتقديره :{ أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ } فإنا نطمع ، وحسن الشرط لأنهم لم يتحققوا ما لهم عند اللّه من قبول الإيمان . انتهى . وهذا التخريج على مذهب الكوفيين وأبي زيد والمبرد ، حيث يجيزون تقديم جواب الشرط عليه ، ومذهب جمهور البصريين أن ذلك لا يجوز ، وجواب مثل هذا الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه .

وقال الزمخشري : هو من الشرط الذي يجيء به المدلول بأمره المتحقق لصحته ، وهم كانوا متحققين أنهم أول المؤمنين . ونظيره قول العامل لمن يؤخر . جعله إن كنت عملت فوفني حقي ، ومنه قوله تعالى :{ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِى سَبِيلِى وَابْتِغَاء مَرْضَاتِى } ، مع علمه أنهم لم يخرجوا إلا لذلك . وقال ابن عطية بمعنى : أن طمعهم إنما هو بهذا الشرط . انتهى . ويحتمل أن تكون إن هي المخففة من الثقيلة ، وجاز حذف اللام الفارقة لدلالة الكلام على أنهم مؤمنون ، فلا يحتمل النفي ، والتقدير : إن كنا لأول المؤمنين . وجاء في الحديث : { إن كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحب العسل } ، أي ليحب . وقال الشاعر : ونحن أباة الضيم من آل مالك

وإن مالك كانت كرام المعادن

أي : وإن مالك لكانت كرام المعادن ، وأول يعني أول المؤمنين من القبط ، أو أول المؤمنين من حاضري ذلك

المجمع .

وقال الزمخشري : وكانوا أول جماعة مؤمنين من أهل زمانهم ، وهذا لا يصح لأن بني إسرائيل كانوا مؤمنين قبل إيمان السحرة .

٥٢

انظر تسفير الآية:٦١

٥٣

انظر تسفير الآية:٦١

٥٤

انظر تسفير الآية:٦١

٥٥

انظر تسفير الآية:٦١

٥٦

انظر تسفير الآية:٦١

٥٧

انظر تسفير الآية:٦١

٥٨

انظر تسفير الآية:٦١

٥٩

انظر تسفير الآية:٦١

٦٠

انظر تسفير الآية:٦١

٦١

{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِى الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ...} تقدم الخلاف في { أَسَرَّ } ، وأنه قرىء بوصل الهمزة وبقطعها في سورة هود .

وقرأ اليماني : أن سر ، أمر من سار يسير . أمر اللّه موسى عليه السلام أن يخرج ببني إسرائيل ليلاً من مصر إلى تجاه البحر ، وأخبره أنهم سيتبعون . فخرج سحراً ، جاعلاً طريق الشام على يساره ، وتوجه نحو البحر ، فيقال له في ترك الطريق ، فيقول : هكذا أمرت . فلما أصبح ، علم فرعون بسري موسى ببني إسرائيل ، فخرج في أثرهم ، وبعث إلى مدائن مصر ليحلقه العساكر . وذكروا أعداداً في أتباع فرعون وفي بني إسرائيل ، اللّه أعلم بصحة ذلك .{ إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ } : أي قال إن هؤلاء وصفهم بالقلة ، ثم جمع القليل فجعل كل حزب قليلاً ، جمع السلام الذي هو للقلة ، وقد يجمع القليل على أقلة وقلل ، والظاهر تقليل العدد .

قال الزمخشري : ويجوز أن يريد بالقلة : الذلة والقماءة ، ولا يريد قلة العدد ، والمعنى : أنهم لقلتهم لا يبالي بهم ولا تتوقع غفلتهم ، ولكنهم يفعلون أفعالاً تغيظنا وتضيق صدورنا ، ونحن قوم من عادتنا التيقظ والحذر واستعمال الحزم في الأمور ، فإذا خرج علينا خارج سارعنا إلى حسم يساره ، وهذه معاذير اعتذر بها إلى أهل المدائن ، لئلا يظن به ما يكسر من قهره وسلطانه . انتهى . قال أبو حاتم :

وقرأ من لا يؤخذ عنه :{ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ } ، وليست هذه موقوفة . انتهى . يعني أن هذه القراءة ليست موقوفة على أحد رواها عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

وقيل :{ لَغَائِظُونَ } : أي بخلافهم وأخذهم الأموال حين استعاروها ولم يردوها ، وخرجوا هاربين .

وقرأ الكوفيون ، وابن ذكوان ، وزيد بن علي :{ حَاذِرُونَ } ، بالألف ، وهو الذي قد أخذ يحذر ويجدد حذره ، وحذر متعد .

قال تعالى :{ يَحْذَرُ الاْخِرَةَ} وقال العباس بن مرداس :

وإني حاذر أنمي سلاحي

إلى أوصال ذيال صنيع

وقرأ باقي السبعة : بغير ألف وهو المتيقظ . وقال الزجاج : مؤذن ، أي ذوو أدوات وسلاح ، أي متسلحين .

وقيل : حذرون في الحال ، وحادرون في المآل . وقال الفراء : الحاذر : الخائف ما يرى ، والحذر : المخلوق حذراً . وقال أبو عبيدة : رجل حذر وحذر وحاذر بمعنى واحد . وذهب سيبويه إلى أن حذراً يكون للمبالغة ، وأنه يعمل كما يعمل حاذر ، فينصب المفعول به ، وأنشد :

حذر أموراً لا تضير وآمن

ما ليس منجيه من الأقدار

وقد نوزع في ذلك بما هو مذكور في كتب النحو . وعن الفراء أيضاً ، والكسائي : رجل حذر ، إذا كان الحذر في خلقته ، فهو متيقظ منتبه .

وقرأ سميط بن عجلان ، وابن أبي عمار ، وابن السميفع : حاذرون ، بالدال المهملة من قولهم : عين حدرة ، أي عظيمة ، والحادر : المتوارم .

قال ابن عطية : فالمعنى ممتلئون غيظاً وأنفة . وقال ابن خالوية : الحادر : السمين القوي الشديد ، يقال غلام حدر بدر . وقال صاحب اللوامح : حدر الرجل : قوي بأسه ، يقال : منه رجل حد بدر ، إذا كان شديد البأس في الحرب ،

ويقال : رجل حدر ، بضم الدال للمبالغة ، مثل يقظ . وقال الشاعر : أحب الصبي السوء من أجل أمّة

وأبغضه من بغضها وهو حادر

أي سمين قوي .

وقيل : مدجّجون في السلاح . { فَأَخْرَجْنَاهُمْ } : الضمير عائد على القبط .{ مّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } : بحافتي النيل من أسوان إلى رشيد ، قاله ابن عمر وغيره ، والجمهور : على أنها عيون الماء . وقال ابن جبير : المراد عيون الذهب .{ وَكُنُوزٍ } : هي الأموال التي خربوها . قال مجاهد : سماها كنوزاً لأنه لم ينفق في طاعة اللّه قط . وقال الضحاك : الكنوز : الأنهار . قال صاحب التحبير : وهذا فيه نظر ، لأن العيون تشملهما .

وقيل : هي كنوز للقطم ومطالبة .

قال ابن عطية : هي باقية إلى اليوم . انتهى .

وأهل مصر في زماننا في غاية الطلب لهذه الكنوز التي زعموا أنها مدفونة في المقطم ، فينفقون على حفر هذه المواضع في المقطم الأموال الجزيلة ، ويبلغون في العمق إلى أقصى غاية ، ولا يظهر لهم إلا التراب أو حجر الكذان الذي المقطم مخلوق منه ، وأي مغربي يرد عليهم سألوه عن علم المطالب . فكثير منهم يضع في ذلك أوراقاً ليأكلوا أموال المصريين بالباطل ، ولا يزال الرجل منهم يذهب ماله في ذلك حتى يفتقر ، وهو لا يزداد إلا طلباً لذلك حتى يموت . وقد أقمت بين ظهرانيهم إلى حين كتابة هذه الأسطر ، نحواً من خمسة وأربعين عاماً ، فلم أعلم أن أحداً منهم حصل على شيء غير الفقر ؛ وكذلك رأيهم في تغوير الماء . يزعمون أن ثمر آباراً ، وأنه يكتب أسماء في شقفة ، فتلقى في البئر ، فيغور الماء وينزل إلى باب في البئر ، يدخل منه إلى قاعة مملوءة ذهباً وفضة وجوهراً وياقوتاً . فهم دائماً يسألون من يرد من المغاربة عمن يحفظ تلك الأسماء التي تكتب في الشفقة ، فيأخذ شياطين المغاربة منهم مالاً جزيلاً ، ويستأكلونهم ، ولا يحصلون على شيء غير ذهاب أموالهم ، ولهم أشياء من نحو هذه الخرافات ، يركنون إليها ويقولون إليها ويقولون بها ، وإنما أطلت في هذا على سبيل التحذير لمن يعقل .

وقوله تعالى :{ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} قال ابن لهيعة : هو الفيوم .

وقال ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك : هو المنابر للخطباء .

وقيل : الأسرة في الكلل .

وقيل : مجالس الأمراء والأشراف والحكام . وقال النقاش : المساكن الحسان .

وقيل : مرابط الخيل ، حكاه الماوردي .

وقرأ قتادة ، والأعرج : ومقام ، بضم الميم من أقام كذلك .

قال الزمخشري : يحتمل ثلاثة أوجه : النصب على أخرجناهم مثل ذلك الإخراج الذي وصفناه ، والجر على أنه وصف لمقام ، أي ومقام كريم مثل ذلك المقام الذي كان لهم ، والرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف ، أي الأمر كذلك . انتهى . فالوجه الأول لا يسوغ ، لأنه يؤول إلى تشبيه الشيء بنفسه ، وكذلك الوجه الثاني ، لأن المقام الذي كان لهم هو المقام الكريم ، ولا يشبه الشيء بنفسه .

والظاهر أن قوله :{ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِى إِسْراءيلَ } ، أنهم ملكوا ديار مصر بعد غرق فرعون وقومه ، لأنه اعتقب قوله :{ وَأَوْرَثْنَاهَا } : قوله :{ وأخرجناهم } ، وقاله الحسن ؛ قال : كما عبروا النهر ، رجعوا وورثوا ديارهم وأموالهم .

وقيل : ذهبوا إلى الشام وملكوا مصر زمن سليمان .

وقرأ الجمهور :{ إِسْراءيلَ فَأَتْبَعُوهُم } : أي فلحقوهم .

وقرأ الحسن ، والذماري :

فاتبعوهم ، بوصل الألف وشد التاء . { مشرفين } : داخلين في وقت الشروق ، من شرقت الشمس شروقاً ، إذا طلعت ، كأصبح : دخل في وقت الصباح ، وأمسى : دخل في وقت المساء . وقال أبو عبيدة : فاتبعوهم نحو الشرق ، كأنجد : إذا قصد نحو نجد . والظاهر أن مشرقين حال من الفاعل .

وقيل : مشرقين : أي في ضياء ، وكان فرعون وقومه في ضباب وظلمة ، تحيروا فيها حتى جاوز بنو إسرائيل البحر ، فعلى هذا يكون مشرقين حالاً من المفعول .

فلما تراءى الجمعان } : أي رأى أحدهما الآخر ،  : أي رأى أحدهما الآخر ، { الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } : أي ملحقون ، قالوا ذلك حين رأوا العدوّ القوي وراءهم والبحر أمامهم ، وساءت ظنونهم .

وقرأ الأعمش : وابن وثاب : تراي الجمعان ، بغير همز ، على مذهب التخفيف بين بين ، ولا يصح القلب لوقوع الهمزة بين ألفين ، إحداهما ألف تفاعل الزائدة بعد الفاء ، والثانية اللام المعتلة من الفعل . فلو خففت بالقلب لاجتمع ثلاث ألفات متسقة ، وذلك مما لا يكون أبداً ، قاله أبو الفضل الرازي . و

قال ابن عطية :

وقرأ حمزة : تريء ، بكسر الراء ويمد ثم يهمز ؛ وروى مثله عن عاصم ، وروي عنه أيضاً مفتوحاً ممدوداً ، أو الجمهور يقرؤونه مثل تراعى ، وهذا هو الصواب ، لأنه تفاعل . وقال أبو حاتم : وقراءة حمزة هذا الحرف محال ، وحمل عليه ، قال : وما روي عن ابن وثاب والأعمش خطأ . انتهى . وقال الأستاذ أبو جعفر أحمد ابن الأستاذ أبي الحسن علي بن أحمد بن خلف الأنصاري ، هو ابن الباذش ، في كتاب الإقناع من تأليفه : تراءى الجمعان في الشعراء إذا وقف عليها حمزة والكسائي ، أما لا الألف المنقلبة عن لام الفعل ، وحمزة يميل ألف تفاعل وصلاً ووقفاً لإمالة الألف المنقلبة ؛ ففي قراءته إمالة الإمالة . وفي هذا الفعل ، وفي راءى ، إذا استقبله ألف وصل لمن أمال للإمالة ، حذف السبب وإبقاء المسبب ، كما قالوا : صعقى في النسب إلى الصعق .

وقرأ الجمهور : لمدركون ، بإسكان الدال ؛ والأعرج ، وعبيد بن عمير : بفتح الدال مشددة وكسر الراء ، على وزن مفتعلون ، وهو لازم ، بمعنى الفناء والاضمحلال . يقال : منه ادّرك الشيء بنفسه ، إذا فني تتابعاً ، ولذلك كسرت الراء على هذه القراءة ؛ نص على كسرها أبو الفضل الرازي في { كتاب اللوامح} ، والزمخشري في { كشافه} وغيرهما . وقال أبو الفضل الرازي : وقد يكون ادّرك على افتعل بمعنى أفعل متعدياً ، فلو كانت القراءة من ذلك ، لوجب فتح الراء ، ولم يبلغني ذلك عنهما ، يعني عن الأعرج وعبيد بن عمير .

قال الزمخشري : المعنى إنا لمتتابعون في الهلاك على أيديهم حتى لا يبقى منا أحد ، ومنه بيت الحماسة : أبعد بني أمي الذين تتابعوا

أرجى الحياة أم من الموت أجزع

٦٢

انظر تسفير الآية:٦٦

٦٣

انظر تسفير الآية:٦٦

٦٤

انظر تسفير الآية:٦٦

٦٥

 انظر تسفير الآية:٦٦

٦٦

{قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ } : زجرهم وردعهم بحرف الردع وهو كلا ، والمعنى : لن يدركوكم لأن اللّه وعدكم بالنصر والخلاص منهم ، إن معي ربي سيهدين عن قريب إلى طريق النجاة ويعرفنيه .

وقيل : سيكفيني أمرهم . ولما انتهى موسى إلى البحر ، قال له مؤمن آل فرعون ، وكان بين يدي موسى : أين أمرت ، وهذا البحر أمامك وقد غشيك آل فرعون ؟ قال : أمرت بالبحر ، ولا يدري موسى ما يصنع . ورويت هذه المقالة عن يوشع ، قالها لموسى عليه السلام ، فأوحى اللّه إليه { أَنِ اضْرِب بّعَصَاكَ الْبَحْرَ } ، فحاض يوشع الماء . وضرب موسى بعصاه ، فصار فيه اثنا عشر طريقاً ، لكل سبط طريق . أراد تعالى أن يجعل هذه الآية متصلة بموسى ومتعلقة بفعل فعله ، ولكنه بقدرة اللّه إذ ضرب البحر بالعصا لا يوجب انفلاق البحر بذاته ، ولو شاء تعالى لفلقه دون ضربه بالعصا ، وتقدّم الخلاف في مكان هذا البحر .

{فَانفَلَقَ } : ثم محذوف تقديره : فضرب فانفلق . وزعم ابن عصفور في مثل هذا التركيب أن المحذوف هو ضرب ، وفاء انفلق . والفاء في انفلق هي فاء ضرب ،

فأبقى من كل ما يدل على المحذوف ، أبقيت الفاء من فضرب واتصلت بانفلق ، ليدل على ضرب المحذوفة ، وأبقى انفلق ليدل على الفاء المحذوفة منه . وهذا قول شبيه بقول صاحب البرسام ، ويحتاج إلى وحي يسفر عن هذا القول . وإذا نظرت القرآن وجدت جملاً كثيرة محذوفة ، وفيها الفاء نحو قوله : { فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ أَيُّهَا الصّدِيقُ } ،أي فأرسلوه ، فقال يوسف أيها الصديق ، والفرق الجزء المفصل . والطود : الجبل العظيم المنطاد في السماء .

وحكى يعقوب عن بعض القراء ، أنه قرأ كل فلق باللام عوض الراء .

{وَأَزْلَفْنَا } : أي قربنا ، { ثُمَّ } : أي هناك ، وثم ظرف مكان للبعد .{ الاْخَرِينَ } : أي قوم فرعون ، أي قربناهم ، ولم يذكر من قربوا منه ، فاحتمل أن يكون المعنى : قربناهم حيث انفلق البحر من بني إسرائيل ، أو قربنا بعضهم من بعض حتى لا ينجو أحد ، أو قربناهم من البحر .

وقرأ الحسن ، وأبو حيوة : وزلفنا بغير ألف .

وقرأ أبي ، وابن عباس ، وعبد اللّه بن الحارث : وأزلقنا بالقاف عوض الفاء ، أي أزللنا ، قاله صاحب اللوامح . قيل : من قرأ بالقاف صار الآخرين فرعون وقومه ، ومن قرأ بالعامة يعني بالقراءة العامة ، فالآخرون هم موسى وأصحابه ، أي جمعنا شملهم وقربناهم بالنجاة . انتهى ، وفي الكلام حذف تقديره : ودخل موسى وبنو إسرائيل البحر وأنجينا . قيل : دخلوا البحر بالطول ، وخرجوا في الصفة التي دخلوا منها بعد مسافة ، وكان بين موضع الدخول وموضع الخروج أوعار وجبال لا تسلك .

٦٧

 انظر تسفير الآية:٦٨

٦٨

{إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً } : أي لعلامة واضحة عاينها الناس وشاع أمرها .

قال الزمخشري :{ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ } : أي ما تنبه أكثرهم عليها ولا آمنوا . وبنو إسرائيل ، الذين كانوا أصحاب موسى المخصوصين بالإنجاء ، قد سألوه بقرة يعبدونها ، واتخذوا العجل ، وطلبوا رؤية اللّه جهرة . انتهى . والذي يظهر أن قوله :{ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ } : أي أكثر قوم فرعون ، وهم القبط ، إذ قد آمن السحرة ، وآمنت آسية امرأة فرعون ، ومؤمن آل فرعون ، وعجوز اسمها مريم ، دلت موسى على قبر يوسف عليه السلام ، واستخرجوه وحملوه معهم حين خرجوا من مصر .

٦٩

انظر تسفير الآية:٧٢

٧٠

انظر تسفير الآية:٧٢

٧١

انظر تسفير الآية:٧٢

٧٢

لما كانت العرب لها خصوصية بإبراهيم عليه السلام ، أمر اللّه نبيه صلى اللّه عليه وسلم أن يتلو عليهم قصصه ، وما جرى له مع قومه . ولم يأت في قصة من قصص هذه السورة أمره عليه السلام بتلاوة قصة إلا في هذه ، وإذ : العامل فيه . قال الحوفي : أتل ، ولا يتصور ما قال إلا بإخراجه عن الظرفية وجعله بدلاً من نبا ، واعتقاد أن العامل في البدل والمبدل منه واحد . وقال أبو البقاء : العامل في إذ نبأ . والظاهر أن الضمير في { وَقَوْمِهِ } عائد على إبراهيم .

وقيل : على أبيه ، أي وقوم أبيه ، كما قال :{ إِنّى أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ} وما : استفهام بمعنى التحقير والتقرير . وقد كان إبراهيم عليه السلام يعلم أنهم

عبدة أصنام ، ولكن سألهم ليريهم أن ما كانوا يعبدونه ليس مستحقاً للعبادة ، لما ترتب على جوابهم من أوصاف معبوداتهم التي هي منافية للعبادة . ولما سألهم عن الذي يعبدونه ، ولم يقتصروا على ذكره فقط ، بل أجابوا بالفعل ومتعلقه وما عطف عليه من تمام صفتهم مع معبودهم ، فقالوا : { نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ } : على سبيل الابتهاج والافتخار ، فأتوا بقصتهم معهم كاملة ، ولم يقتصروا على أن يجيبوا بقولهم : أصناماً ، كما جاء :{ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا } ،{ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ } ، ولذلك عطفوا على ذلك الفعل قولهم :{ فَنَظَلُّ} قال : كما تقول لرئيس : ما تلبس ؟ فقال : ألبس مطرف الخز فاجر ذيوله ، يريد الجواب : وحاله مع ملبوسه . وقالوا : فنظل ، لأنهم كانو يعبدونهم بالنهار دون الليل . ولما أجابوا إبراهيم ، أخذ يوقفهم على قلة عقولهم ، باستفهامه عن أوصاف مسلوبة عنهم لا يكون ثبوتها إلا للّه تعالى .

وقرأ الجمهور :{ يَسْمَعُونَكُمْ } ، من سمع ؛ وسمع إن دخلت على مسموع تعدّت إلى واحد ، نحو : سمعت كلام زيد ، وإن دخلت على غير مسموع ، فذهب الفارسي أنها تتعدى إلى اثنين ، وشرط الثاني منهما أن يكون مما يسمع ، نحو : سمعت زيداً يقرأ والصحيح أنها تتعدى إلى واحد ، وذلك الفعل في موضع الحال ، والترجيح بين المذهبين مذكور في النحو . وهنا لم تدخل إلا على واحد ، ولكنه بمسموع ، فتأولوه على حذف مضاف تقديره : هل يسمعوانكم ، تدعون ؟

وقيل :{ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ } بمعنى : يجيبونكم .

وقرأ قتادة ، ويحيى بن يعمر : بضم الياء وكسر الميم من أسمع ، والمفعول الثاني محذوف تقديره : الجواب ، أو الكلام . وإذ : ظرف لما مضى ، فإما أن يتجاوز فيه فيكون بمعنى إذا ،

وإما أن يتجاوز في المضارع فيكون قد وقع موقع الماضي ، فيكون التقدير : هل سمعوكم هذ دعوتم ؟ وقد ذكر أصحابنا أن من قرائن صرف المضارع إلى الماضي إضافة إلى جملة مصدرة بالمضارع ، ومثلوا بقوله :{ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِى أَنعَمَ اللّه عَلَيْهِ } ،أي وإذ قلت .

وقال الزمخشري : وجاء مضارعاً مع إيقاعه في إذ على حكاية الحال الماضية التي كنتم تدعونها فيها ، وقولوا : هل سمعوا ، أو اسمعوا قط ؟ وهذا أبلغ في التبكيت . انتهى . وقرىء : بإظهار ذال إذ وبإدغامها في تاء تدعونن .

قال ابن عطية : ويجوز فيه قياس مذكر ، ولم يقرأ به أحد ؛ والقياس أن يكون اللفظ به ، إذ إتدعون . فالذي منع من هذا اللفظ اتصال الدال الأصلية في الفعل ، فكثرة المتماثلات . انتهى . وهذا الذي ذكر أنه يجوز فيه قياس مذكر لا يجوز ، لأن ذلك الإبدال ، وهو إبدال التاء دالاً ، لا يكون إلا في افتعل ، مما فاؤه ذال أو زاي أو دال ، نحو : إذذكر ، وازدجر ، وادهن ، أصله : اذتكر ، وازتجر ، وادتهن ؛ أو جيم شذوذ ، قالوا : اجد مع في اجتمع ، ومن تاء الضمير بعد الزاي والدال ، ومثلوا بتاء الضمير للمتكلم فقالوا في فزت : فزد ، وفي جلدت : جلدّ ، ومن تاء تولج شذوذاً قالوا : دولج ، وتاء المضارعة ليست شيئاً مما ذكرنا ، فلا تبدل تاءه . وقول ابن عطية : والذي منع من هذا اللفظ إلى آخره ، يدل على أنه لولا ذلك لجاز إبدال تاء ، المضارعة دالاً وإدغام الذال فيها ، فكنت تقول : إذ تخرج : ادّخرج ، وذلك لا يقوله أحد ، بل إذا أدغم مثل هذا أبدل من الذال تاء وأدغم في التاء ، فتقول : اتخرج .

٧٣

انظر تسفير الآية:٧٥

٧٤

انظر تسفير الآية:٧٥

٧٥

{أَوْ يَنفَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ } بترك عبادتكم إياهم ، فإذا لم ينفعوا ولم يضروا ، فما معنى عبادتكم لها ؟{ قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَا } هذه حيدة عن جواب الاستفهام ، لأنهم لو قالوا : يسمعوننا وينفعوننا ويضروننا ، فضحوا أنفسهم بالكذب الذي لا يمتري فيه ، ولو قالوا : يسمعوننا ولا يضروننا ، لسجلوا على أنفسهم بالخطأ المحض ، فعدلوا إلى التقليد البحث لآبائهم في عبادتها من غير برهان ولا حجة . والكاف في موضع نصب بيفعلون ، أي يفعلون في عبادتهم تلك الأصنام مثل ذلك الفعل الذي يفعله ، وهو عبادتهم ؛ والحيدة عن الجواب من علامات انقطاع الحجة . وبل هنا إضراب عن جوابه لما سأل وأخذ في شيء آخر لم يسألهم عنه انقطاعاً وإقراراً بالعجز .

٧٦

انظر تسفير الآية:٨٩

٧٧

انظر تسفير الآية:٨٩

٧٨

انظر تسفير الآية:٨٩

٧٩

انظر تسفير الآية:٨٩

٨٠

انظر تسفير الآية:٨٩

٨١

انظر تسفير الآية:٨٩

٨٢

انظر تسفير الآية:٨٩

٨٣

انظر تسفير الآية:٨٩

٨٤

انظر تسفير الآية:٨٩

٨٥

انظر تسفير الآية:٨٩

٨٦

انظر تسفير الآية:٨٩

٨٧

انظر تسفير الآية:٨٩

٨٨

انظر تسفير الآية:٨٩

٨٩

{أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمُ } : وصفهم بالأقدمين دلالة على ما تقادم عبادهم الأصنام فيهم ، وإذ كانوا قد عبدوها في زمان نوح عليه السلام ، فزمان من بعده ؟ وعدو : يكون للمفرد والجمع ، كما قال :{ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ } ،قيل : شبه بالمصدر ، كالقبول والولوع .

قال الزمخشري : وإنما قال : عدو لي ، تصوراً للمسألة في نفسه على

معنى : أي فكرت في أمري ، فرأيت عبادتي لها عبادة للعدو ، فاجتنبتها وآثرت عبادة من الخير كله منه ، وأراهم بذلك أنها نصيحة نصح بها نفسه أولاً ، وبنى عليها تدبير أمره ، لينظروا ويقولوا : ما نصحنا إبراهيم إلا بما نصح به نفسه ، وما أراد لنا إلا ما أرادو لروحه ، ليكون أدنى لهم إلى القبول ، وأبعث على استماع منه . ولو قال : فإنه عدو لكم ، لم يكن بتلك المثابة ، ولأنه دخل في باب من التعريض ، وقد يبلغ التعريض للمنضوح . ما لا يبلغ التصريح ، لأنه ربما يتأمل فيه ، فربما قاده التأميل إلى التقبل . ومنه ما يحكى عن الشافعي رضي اللّه عنه ، أن رجلاً واجهه بشيء فقال : لو كنت بحيث أنت لاحتجت إلى أدب ؛ وسمع رجل ناساً يتحدثون عن الحجر فقال : ما هو بيتي ولا بيتكم . انتهى . وهو كلام فيه تكثير على عادته ، وذهاب من ذهب إلى أن قوله : { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِى } ، من المقلوب والأصل : فإني عدو لهم ، لأن الأصنام لا تعادي لكونها جماداً ، وإنما هو عاداها ليس بشيء ولا ضرورة تدعو إلى ذلك . ألا ترى إلى قوله :{ كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } ، فهذا معنى العداوة ، ولأن المغري على عداوتها عدو الإنسان ، وهو الشيطان .

وقيل : لأنه تعالى يحيي ما عبدوه من الأصنام حتى يبترؤوا من عبدتهم ويوبخوهم .

وقيل : هو على حذف ، أي : فإن عبادهم عدولي . والظاهر إقرار الاستثناء في موضعه من غير تقديم ولا تأخير . وقال الجرجاني : تقديره : أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون إلا رب العالمين ، فإنهم عدو لي ، وإلا : بمعنى دون وسوى . انتهى . فجعله مستثنى مما بعد كنتم تعبدون ، ولا حاجة إلى هذا التقدير لصحة أن يكون مستثنى من قوله :{ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِى} وجعله جماعة منهم الفراء ، واتبعه الزمخشري استثناء منقطعاً ، أي لكن رب العالمين ، لأنهم فهموا من قوله : ما كنتم تعبدون أنهم الأصنام . وأجاز الزجاج أن يكون استثناء متصلاً على أنهم كانوا يعبدون اللّه ويعبدون معه الأصنام ، فأعلمهم أنه تبرأ مما يعبدون إلا اللّه ، وأجازوا في { الَّذِى خَلَقَنِى } النصب على الصفة لرب العالمين ، أو بإضمار ، أعني : والرفع خبر مبتدأ محذوف ، أي هو الذي . وقال الحوفي : ويجوز أن يكون { الَّذِى خَلَقَنِى } رفعاً بالابتداء ، { فَهُوَ يَهْدِينِ } : ابتداء وخبر في موضع الخبر عن الذي ، ودخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط . انتهى . وليس الذي هنا فيه معنى اسم الشرط لأنه خاص ، ولا يتخيل فيه العموم ، فليس نظير : الذي يأتيني فله درهم ، وأيضاً ليس الفعل الذي هو خلق لا يمكن فيه تحدد بالنسبة إلى إبراهيم .

وتابع أبو البقاء الحوفي في إعرابه هذا ، لكنه لم يقل : ودخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط . فإن كان أراد ذلك ، فليس بجيد لما ذكرناه ، وإن لم يرده ، فلا يجوز ذلك إلا على زيادة الفاء ، على مذهب الأخفش في نحو : زيد فاضربه ؛ الذي خلقني بقدرته فهو يهدين إلى طاعته .

وقيل : إلى جنته .

وقال الزمخشري : فهو يهدين ، يريد أنه حين أتم خلقه ، ونفخ فيه الروح عقب هدايته المتصلة التي لا تنقطع إلى ما يصلحه ويعينه ، وإلا فمن هداه إلى أن يغتذي بالدم في البطن امتصاصاً ؟ ومن هداه إلى معرفة الثدي عند الولادة ؟ وإلى معرفة مكانه ؟ ومن هداه لكيفية الإرتضاع ؟ إلى غير ذلك من هدايات المعاش والمعاذ . انتهى . والظاهر أن قوله :{ يُطْعِمُنِى وَيَسْقِينِ } : الطعام المعروف المعهود ، والسقي المعهود ، وفيه تعديد نعمة الرزق . وقال أبو بكر الوراق : يطعمني بلا طعام ، ويسيني بلا شراب ، كما جاء أني أبيت يطمني ربي ويسقيني ولما كان الخلق لا يمكن أن يدعيه أحد لم يؤكد فيه بهو ، فلم يكن التركيب الذي هو خلقني ، ولما كانت الهداية قد يمكن ادعاؤها . والإطعام والسقي كذلك أكد بهو في قوله :{ فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِى هُوَ يُطْعِمُنِى } ، وذكر بعد نعمة الخلق والهداية ما تدوم به الحياة ويستمر به نظام الخلق ، وهو الغذاء والشرب . ولما كان ذلك سبباً لغلبة إحدى الكيفيات على الأخرى بزيادة الغذاء أو نقصانه ، فيحدث بذلك مرض ذكر نعمته ، بإزالة ما حدث من السقم ، وأضاف المرض إلى نفسه ، ولم يأت التركيب : وإذا أمر ضني ، وإن كان تعالى هو الفاعل لذلك وإبراهيم عليه السلام عدد نعم اللّه تعالى عليه والشفاء محبوب والمرض مكروه . ولما لم يكن المرض منها ، لم يضفه إلى اللّه . وعن جعفر الصادق ، ولعله لا يصح : وإذا مرضت بالذنوب

شفاني بالتوبة .

وقال الزمخشري : وإنما قال : مرضت دون أمر ضني ، لأن كثيراً من أسباب المرض يحدث بتفريط من الإنسان في مطاعمه ومشاربه وغير ذلك . ومن ثم قال الحكماء : لو قيل لأكثر الموتى : ما سبب آجالكم ؟ لقالوا : التخم ، ولما كان الشفاء قد يعزى إلى الطيب ، وإلى الدواء على سبيل المجاز ؛ كما قال : { فِيهِ شِفَآء لِلنَّاسِ } ، أكد بقوله :{ فَهُوَ يَشْفِينِ } : أي الذي هو يهدين ويطعمني ويسقين هو اللّه لا غيره .

ولما كانت الإماتة بعد البعث ، لا يمكن إسنادها إلا إلى اللّه ، لم يحتج إلى توكيد ودعوى نمروذ لإماتة والإحياء هي منه على سبيل المخرفة والقحة ، وكذلك لم يحتج إلى تأكيد في :{ وَالَّذِى أَطْمَعُ} وأثبت ابن أبي إسحاق ياء المتكلم في يهديني وما بعده ، وهي رواية عن نافع . والطمع عبارة عن الرجاء ، وإبراهيم عليه السلام كان جازماً بالمغفرة . ف

قال الزمخشري : لم يجزم القول بالمغفرة ، وفيه تعليم لأممهم ، وليكون لطفاً بهم في اجتناب المعاصي والحذر منها ، وطلب المغفرة مما يفرط منهم . انتهى . ورده الرازي قال : لأن حاصله يرجع إلى أنه ، ونطق بكلمة لا أذكرها ، وبعدها على نفسه لأجل تعليم الأمة ، وهو باطل قطعاً . وقال الجبائي : أراد به سائر المؤمنين ، لأنهم الذين يطمعون ولا يقطعون . ورده الرازي بأن جعل كلام الواحد من كلام غيره ، مما يبطل نظم الكلام . وقال الحسن : المراد بالطمع اليقين . وقال الرازي : لا يستقيم هذا إلا على مذهبنا ، حيث قلنا : إنه لا يجب على اللّه شيء ، وإنه يحسن منه كل شيء ، ولا اعتراض لأحد عليه في فعله . و

قال ابن عطية : أوقف عليه الصلاة والسلام نفسه على الطمع في المغفرة ، وهذا دليل على شدة خوفه مع منزلته وخلته .

وقرأ الجمهور : خطيئتي على الإفراد ، والحسن : خطاياي على الجمع ، وذهب الأكثرون إلى أنها قوله :{ إِنّى سَقِيمٌ } ، و { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ } ، وهي أختي في سارة . وقالت فرقة : أراد بالخطيئة اسم الجنس ، قدرها في كل أمره من غير تعيين .

قال ابن عطية : وهذا أظهر عندي ، لأن تلك الثكلاث قد خرجها كثير من العلماء على المعاريض .

وقال الزمخشري : المراد ما يندر منه في بعض الصغائر ، لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون مختارون على العالمين ، وهي قوله وذكر الثلاثة ثم قال وما هي إلا معاريض ، كلام وتخيلات للكفرة ، وليست بخطايا يطلب لها الاستغفار .

فإن قلت : إذا لم يندر منهم إلا الصغائر ، وهي تقع مكفرة ، فما له أثبت لنفسه خطيئة أو خطايا ، وطمع أن يغفر له ؟

قلت : الجواب ما سبق ، أن استغفار الأنبياء تواضع منهم لربهم وهضم لأنفسهم ، ويدل عليه قوله : اطمع ، ولم يجزم القول . انتهى . و { يَوْمِ الدّينِ } : ظرف ، والعامل فيه يعفر ، والغفران ، وإن كان في الدنيا ، فأثره لا يتبين إلا يوم الجزاء ، وهو في الدنيا لا يعلم إلا بإعلام اللّه تعالى . وضعف أبو عبد اللّه الرازي حمل الخطيئة على تلك الثلاث ، لأن نسبة ما لا يطابق إلى إبراهيم غير جائز ، وحمله على سبيل التواضع قال : لأنه إن طابق في هذا الموضع زال الإشكال ، وإن لم يطابق رجع حاصل الجواب إلى إلحاق المعصية به ، لأجل تنزيهه عن المعصية . قال : والجواب الصحيح أن يحمل ذلك على ترك الأولى ، وقد يسمى خطأ . فإن من باع جوهرة تساوي ألفاً بدينار ، قيل : أخطأ ، وترك الأولى على الأنبياء جائز . انتهى ، وفيه بعض تلخيص وتبديل ألفاظ للأدب بما يناسب مقام النبوة .

وقدم إبراهيم عليه السلام الثناء على اللّه تعالى ، وذكره بالأوصاف الحسنة بين يدي طلبته ومسألته ، ثم سأله تعالى فقال :{ رَبّ هَبْ لِى حُكْماً } ، فدل على أن تقديم الثناء على المسلة من المهمات . والظاهر أن الحكم هو الفصل بين الناس بالحق .

وقيل : الحكم : الحكمة والنبوة ، لأنها حاصلة تلو طلب النبوة ،

لأن النبي ذو حكمة وحكم بين الناس . وقال أبو عبد اللّه الرازي : لا يجوز تفسير الحكم بالنبوة لأنها حاصلة ، فلو طلب النبوة لكانت مطلوبة ، إما عين الحاصلة أو غيرها . والأول محال ، لأن تحصيل الحاصل محال ، والثاني محال ، لأنه يمنع أن يكون الشخص الواحد نبياً مرتين ، بل المراد من الحكم ما هو كمال النبوة العملية ، وذلك بأن يكون عالماً بالخير لأجل العمل به . انتهى . و

قال ابن عطية : وقد فسر الحكم بالحكمة والنبوة ، قال : ودعاؤه عليه السلام في مثل هذا هو في التثبت والدوام . وإلحاقه بالصالحين : توفيقه لعمل ينتظمه في جملتهم ، أو يجمع بينه وبينهم في الجنة . وقد أجابه تعالى حيث قال : { وَإِنَّهُ فِى الاْخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}

قال أبو عبد اللّه الرازي : وإنما قدّم قوله :{ هَبْ لِى حُكْماً } على قوله :{ وَأَلْحِقْنِى بِالصَّالِحِينَ } ، لأن القوة النظرية مقدمة على القوة العملية ، لأنه يمكنه أن يعلم الحق ، وإن لم يعمل به ، وعكسه غير ممكن ، لأن العلم صفة الروح ، والعمل صفة البدن ، وكما أن الروح أشرف من البدن ، كذلك العلم أفضل من الإصلاح . انتهى . ولسان الصدق ،

قال ابن عطية : هو الثناء وتخليد المكانة بإجماع من المفسرين . وكذلك أجاب اللّه دعوته ، فكل ملة تتمسك به وتعظمه ، وهو على الحنيفية التي جاء بها محمد صلى اللّه عليه وسلم. قال مكي :

وقيل معنى سؤاله أن يكون من ذريته في آخر الزمان من يقوم بالحق ، فأجيبت الدعوة في محمد عليه السلام ، وهذا معنى حسن ، إلا أن لفظ الآية لا يعطيه إلا بتحكم على اللفظ . انتهى . ولما طلب سعادة الدنيا ، طلب سعادة الآخرة ، وهي جنة النعيم ، وشبهها بما يورث ، لأنه الذي يقسم في الدنيا شبه غنيمة الدنيا بغنيمة الآخرة ،

وقال تعالى :{ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِى نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً}

ولما فرغ من مطالب الدنيا والآخرة لنفسه ، طلب لأشد الناس التصاقاً به ، وهو أصله الذي كان ناشئاً عنه ، وهو أبوه ، فقال :{ وَاغْفِرْ لاِبِى } ، وطلبه المغفرة مشروط بالإسلام ، وطلب المشروط يتضمن طلب الشرط ، فحاصله أنه دعا بالإسلام . وكان وعده ذلك يوضحه قوله :{ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْراهِيمَ لاِبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ اللّه } ،أي الموافاة على الكفر تبرأ منه .

وقيل : كان قال له إنه على دينه باطناً وعلى دين نمروذ ظاهراً ، تقية وخوفاً ، فدعا له لاعتقاده أن الأمر كذلك ، فلما تبين له خلاف ذلك تبرأ منه ، ولذلك قال في دعائه :{ وَاغْفِرْ لاِبِى إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالّينَ} فلولا اعتقاده أنه في الحال ليس بضال ما قال ذلك .{ وَلاَ تَحْزَنِى } : إما من الخزي ، وهو الهوان ،

وإما من الخزاية ، وهي الحياء . والضمير في { يُبْعَثُونَ } ضمير العباد ، لأنه معلوم ، أو ضمير { الضَّالّينَ } ، ويكون من جملة الاستغفار ، لأنه يكون المعنى : يوم يبعث الضالون . وأتى فيهم :{ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ } بدل من :{ يَوْمِ يُبْعَثُونَ}{ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ } : أي كما ينفع في الدنيا يفديه ماله ويذب عنه بنوه .

وقيل : المراد بالبنين جميع الأعوان .

وقيل : المعنى يوم لا ينفع إعلاق بالدنيا ومحاسنها ، فقصد من ذلك الذكر العظيم والأكثر ، لأن المال والبنين هي زينة الحياة الدنيا . والظاهر أن الاستثناء منقطع ، أي لكن من أتى اللّه بقلب سليم ينفعه سلامة قلبه .

قال الزمخشري : ولك أن تجعل الاستثناء منقطعاً ، ولا بد لك مع ذلك من تقدير المضاف ، وهو الحال المراد بها السلامة ، وليست من جنس المال والبنين حتى يؤول المعنى إلى أن المال والبنين لا ينفعان ، وإنما ينفع سلامة القلب ، ولو لم يقدر المضاف لم يتحصل للاستثناء معنى . انتهى . ولا ضرورة تدعو إلى حذف مضاف ، كما ذكر ، إذ قدرناه ، لكن { مَنْ أَتَى اللّه بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } ينفعه ذلك ، وقد جعله الزمخشري في أول توجيه متصلاً بتأويل قال : إلا من أتى اللّه : لا حال من أتى اللّه بقلب سليم ، وهو من قوله

تحية بينهم ضرب وجيع

وما ثوابه إلا السيف ، ومثاله أن يقال : هل لزيد مال وبنون ؟ فيقول : ماله وبنوه سلامة قلبه ، تريد نفي المال والبنين عنه ، وإثبات سلامة القلب له بدلاً عن ذلك . وإن شئت حملت الكلام على المعنى ، وجعلت المال والبنين في معنى الغنى ، كأنه قيل : يوم لا ينفع غنى إلا غنى من أتى اللّه بقلب سليم ، لأن غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه ، كما أن غناه في دنياه بماله وبنيه . انتهى . وجعله بعضهم استثناء مفرغاً ، ف { من} مفعول ، والتقدير : لا ينفع مال ولا بنون أحداً إلا من أتى اللّه بقلب سليم ، فإنه ينفعه ماله المصروف في وجوه البر ، وبنوه الصلحاء ، إذ كان أنفقه في طاعة اللّه ، وأرشد بنيه إلى الدين ، وعلمهم الشرائع وسلامة القلب ، خلوصه من الشرك والمعاصي ، وعلق الدنيا المتروكة وإن كانت مباحة كالمال والبنين . وقال سفيان : هو الذي يلقى ربه وليس في قلبه شيء غيره ، وهذا يقتضي عمومه اللفظ ، ولكن السليم من الشرك هو الأعم . وقال الجنيد : بقلب لديغ من خشية اللّه ، والسليم : اللديغ .

وقال الزمخشري : هو من بدع التفاسير وصدق .

٩٠

انظر تسفير الآية:٩٣

٩١

انظر تسفير الآية:٩٣

٩٢

انظر تسفير الآية:٩٣

٩٣

{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ } : قربت لينظروا إليها ويغتبطوا بحشرهم إليها .{ وَبُرّزَتِ الْجَحِيمُ } : أظهرت وكشفت بحيث كانت بمرأى منهم كقوله :{ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّه } ، وذلك على سبيل التوبيخ . هل ينفعونكم بنصرهم إياكم ، أو ينتصرون هم فينفعون أنفسهم بحمايتها ، إذ هم وأنتم وقود النار ؟

وقرأ الأعمش : فبرزت بالفاء ، جعل تبريز الجحيم بعد تقريب الجنة يعقبه ، وذلك لأن الواو للجمع ، فيمكن أن يكون كل واحد منهما ظهوره قبل الآخر ، وهو من تقديم الرحمة على العذاب ، وهو حسن ، لو أن رسم المصحف بالواو .

وقرأ مالك بن دينار :{ وَبُرّزَتِ } بالفتح والتخفيف ؛{ الْجَحِيمِ } بالرفع ، بإسناد الفعل إليها اتساعاً . ولما وبخهم وقرعهم ، أخبر عن حال يوم القيامة ، وجيء في ذلك كله بلفظ الماضي في أتى وأزلفت وبرزت .

٩٤

انظر تسفير الآية:٩٨

٩٥

انظر تسفير الآية:٩٨

٩٦

انظر تسفير الآية:٩٨

٩٧

انظر تسفير الآية:٩٨

٩٨

وقيل :{ فَكُبْكِبُواْ } ، لتحقق وقوع ذلك ، وإن كان لم يقع . والضمير في : فكبكبوا عائد على الأصنام ، أجريت مجرى من يعقل . قال الكرماني : فكبكبوا : قذفوا فيها .

وقيل : جمعوا .

وقيل : هدروا .

وقيل : نكسوا على رؤوسهم بموج بعضهم في بعض .

وقيل : ألقوا في جهنم ينكبون مرة بعد مرة حتى يستقروا في قعرها .{ وَالْغَاوُونَ } : هم الكفرة الذين شملتهم الغواية .

وقيل : الضمير يعود على الكفار ، والغاوون : الشياطين .{ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ } : قبيلة ، وكل من تبعه فهو جند له وعون . وقال السدّي : هم مشركو العرب ، والغاوون : سائر المشركين .

وقيل : هم القادة والسفلة ، قالوا : أي عباد الأصنام ، والجملة بعده حال ، والمقول جملة القسم ومتعلقه ، والخطاب في { نُسَوّيكُمْ } للأصنام على جهة الإقرار والاعتراف بالحق .

قال ابن عطية : أقسموا باللّه إن كنا إلا ضالين في أن نعبدكم ونجعلكم سواء مع اللّه تعالى ، الذي هو رب العالمين وخالقهم ومالكهم . انتهى . وقوله : إن كنا إلا ضالين ، إن أراد تفسير المعنى فهو صحيح ، وإن أراد أن هنا نافية ، واللام في لفي بمعنى إلا ، فليس مذهب البصريين ، وإنما هو مذهب الكوفيين . ومذهب البصريين في مثل هذا أن إن هي المخففة من الثقيلة ، وأن اللام هي الداخلة للفرق بين إن النافية وإن التي هي لتأكيد مضمون الجملة .

انظر تسفير الآية: ١٠٤

١٠٠

انظر تسفير الآية: ١٠٤

١٠١

انظر تسفير الآية: ١٠٤

١٠٢

انظر تسفير الآية: ١٠٤

١٠٣

 انظر تسفير الآية:١٠٤

١٠٤

{وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ } : أي أصحاب الجرائم والمعاصي العظام والجرأة ، وهم ساداتهم ذوو المكانة في الدنيا والاستتباع كقولهم :{ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاْ} وقال السدي : هم الأولون الذين اقتدوا بهم .

وقيل : المجرمون : الشياطين ،

وقيل : من دعاهم إلى عبادة الأصنام من الجن والإنس . وقال ابن جريج : إبليس وابن آدم القاتل ، لأنه أول من سن القتل وأنواع المعاصي . وحين رأوا شفاعة الملائكة والأنبياء والعلماء نافعة في أهل الإيمان ، وشفاعة الصديق في

صديقه خاصة ، قالوا على جهة التلهف والتأسف ،  { فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ} وقال ابن جريج : شافعين من الملائكة وصديق من الناس . ولفظة الشفيع تقتضي رفعة مكانة عند المشفوع عنده ، ولفظة الصديق تقتضي شدة مساهمة ونصرة ، وهو فعيل من صدق الود من أبنية المبالغة ونفي الشفعاء . والصديق يحتمل أن يكون نفياً لوجودهم إذ ذاك ، وهم موجودون للمؤمنين ، إذ تشفع الملائكة وتتصادق المؤمنون ، كما قال : الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ إلا المتقين ، أو ذلك على حسب اعتقادهم في معبوداتهم أنهم شفعاؤهم عند اللّه ، وأن لهم أصدقاء من الإنس والشياطين ، فقصدوا بنفيهم نفي ما يتعلق بهم من النفع ، لأن ما لا ينفع ، حكمه حكم المعدوم ، فصار المعنى : فما لنا من نفع من كنا نعتقد أنهم شفعاء وأصدقاء ، وجمع الشفعاء لكثرتهم في العادة . ألا ترى أنه يشفع فيمن وقع في ورطة من لا يعرفه ، وأفرد الصديق لقلته ، وأريد به الجمع ؟ إذ يقال : هم صديق ، أي أصدقاء ، كما يقال : هم عدو ، أي أعداء . والظاهر أن لو هنا أشربت معنى التمني ، وفتكون الجواب ، كأنه قيل : يا ليت لنا كرة فنكون .

وقيل : هي الخالصة للدلالة لما كان سيقع لوقوع غيره ، فيكون قوله :{ فَنَكُونَ } معطوفاً على كرة ، أي فكونا من المؤمنين ، وجواب لو محذوف ، أي لكان لنا شفعاء وأصدقاء ، أو لخلصنا من العذاب . والظاهر أن هذه الجمل كلها متعلقة بقول إبراهيم ، أخبر بما أعلمه اللّه من أحوال يوم القيامة ، وما يكون فيها من حال قومه .

وقال ابن عطية : وهذه الآيات من قوله :{ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ } هي عندي منقطعة من كلام إبراهيم عليه السلام ، وهي إخبار من اللّه عز وجل ، تعلق بصفة ذلك اليوم الذي وقف إبراهيم عليه السلام عنده في دعائه أن لا يخزي فيه . انتهى . وكان ابن عطية قد أعرب { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ } بدلاً من { يَوْمِ يُبْعَثُونَ } ، وعلى هذا لا يتأتى هذا الذي ذكره من تفكيك الكلام ، وجعل بعضه من كلام إبراهيم ، وبعضه من كلام اللّه ، لأن العامل في البدل على مذهب الجمهور فعل آخرمن لفظ الأول ، أو الأول . وعلى كلا التقديرين ، لا يصح أن يكون من كلام اللّه ، إذ يصير التقدير : ولا تخزني يوم لا ينفع مال ولا بنون . والإشارة بقوله { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً } إلى قصة إبراهيم عليه السلام ومحاورته لقومه .{ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ } : أي أكثر قوم إبراهيم . بين تعالى أن أكثر قومه لم يؤمنوا مع ظهور هذه الدلائل التي استدل بها إبراهيم عليه السلام ، وفي ذلك مسلاة للرسول صلى اللّه عليه وسلم في تكذيب قومه إياه عليه السلام .

١٠٥

انظر تسفير الآية:١١٠

١٠٦

انظر تسفير الآية:١١٠

١٠٧

انظر تسفير الآية:١١٠

١٠٨

انظر تسفير الآية:١١٠

١٠٩

انظر تسفير الآية:١١٠

١١٠

كذبت قوم نوح . . . . .

المشحون : المملوء بما ينبغي له من قدر ما يحمل ، يقال : شحنها عليها خيلاً ورجالاً ، الريع : بكسر الراء وفتحها : جمع ريعة ، وهو المكان المرتفع . قال ذو الرمة : طراق الخوافي مشرق فوق ريعه

بذي ليلة في ريشه يترقرق

وقال أبو عبيدة : الريع : الطريق . قال ابن المسيب بن علس يصف ظعناً : في الآل يخفضها ويرفعها

ريع يلوح كأنه سحل

الطلع : الكفري ، وهو عنقود التمر قبل أن يخرج من الكم في أول نباته .

وقال الزمخشري : الطلعة : هي التي تطلع

من النخلة ، كنصل السيف في جوفه . شماريخ القنو ، والقنو : اسم للخارج من الجذع ، كما هو بعرجونه . الفراهة : جودة منظر الشيء وقوته وكماله في نوعه .

وقيل : الكيس والنشاط . القالي : المبغض ، قلى يقلي ويقلى ، ومجيئه على يفعل بفتح العين شاذ . الجبلة : الخلق المتجسد الغليظ ، مأخوذ من الجبل . قال الشاعر : والموت أعظم حادث

مما يمر على الجبله

ويقال : بسكون الباء مثلث الجيم . وقال الهروي : الجبل والجبل والجبل ، لغات ، وهو الجمع الكثير العدد من الناس . انتهى . هام : ذهب على وجهه ، قاله الكسائي . وقال أبو عبيدة : حاد عن القصد .

القوم : مؤنث مجازي التأنيث ، ويصغر قويمة ، فلذلك جاء :{ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ} ولما كان مدلوله أفراداً ذكوراً عقلاء ، عاد الضمير عليه ، كما يعود على جمع المذكر العاقل .

وقيل : قوم مذكر ، وأنث لأنه في معنى الأمة والجماعة ، وتقدم معنى تكذيب قوم نوح المرسلين ، وإن كان المرسل إليهم واحداً في الفرقان في قوله :{ وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ } ، وإخوة نوح قيل : في النسب .

وقيل : في المجانسة ، كقوله :

يا أخيا تميم تريد يا واحد أمته

وقال الشاعر : لا يسألون أخاهم حين يندبهم

في النائبات على ما قال برهانا

ومتعلق التقوى محذوف ، فقيل : ألا تتقون عذاب اللّه وعقابه على شرككم ؟

وقيل : ألا تتقون مخالفة أمر اللّه فتتركوا عبادتكم للأصنام وأمانته ، كونه مشهوراً في قومه بذلك ، أو مؤتمناً على أداء رسالة اللّه ؟ ولما عرض عليهم برفق تقوى اللّه فقال :{ أَلاَ تَتَّقُونَ } ، انتقل من العرض إلى الأمر فقال :{ فَاتَّقُواْ اللّه وَأَطِيعُونِ } في نصحي لكم ، وفيما دعوتكم إليه من توحيد اللّه وإفراده بالعبادة .{ وَمَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ } : أي على دعائي إلى اللّه والأمر بتقواه .

وقيل : الضمير في عليه يعود على النصح ، أو

على التبليغ ، والمعنى : لا أسئلكم عليه شيئاً من أموالكم . وقدم الأمر بتقوى اللّه على الأمر بطاعته ، لأن تقوى اللّه سبب لطاعة نوح عليه السلام . ثم كرر الأمر بالتقوى والطاعة ، ليؤكد عليهم ويقرر ذلك في نفوسهم ، وإن اختلف التعليل ، جعل الأول معلولاً لأمانته ، والثاني لانتفاء أخذ الأجر . ثم لم ينظروا في أمر رسالته ، ولا تفكروا فيما أمرهم به ، لما جبلوا عليه ونشؤوا من حب الرئاسة ، وهي التي تطبع على قلوبهم . فشرع أشرافهم في تنقيص متبعيه ، وأن الحامل على انتفاء إيمانهم له ، كونه اتبعه الأرذلون .

١١١

انظر تسفير الآية:١١٣

١١٢

انظر تسفير الآية:١١٣

١١٣

وقوله : { وَاتَّبَعَكَ الاْرْذَلُونَ } ، جملة حالية ، أي كيف نؤمن وقد اتبعك أراذلنا ، فنتساوى معهم في اتباعك ؟ وكذا فعلت قريش في شأن عمار وصهيب . والضعفاء أكثر استجابة من الرؤساء ، لأن أدهانهم ليست مملوءة بزخارف الدنيا ، فهم أدرك للحق وأقبل له من الرؤساء .

وقرأ الجمهور : واتبعك فعلاً ماضياً .

وقرأ عبد اللّه ، وابن عباس ، والأعمش ، وأبو حيوة ، والضحاك ، وابن السميفع ، وسعيد بن أبي سعد الأنصاري ، وطلحة ، ويعقوب : واتباعك جمع تابع ، كصاحب وأصحاب .

وقيل : جمع تبيع ، كشريف وأشراف .

وقيل : . قيل : والذين آمنوا به بنوه ونساؤه وكنانة وبنو بنيه ، فعلى هذا لا تكون الرذالة دناءة المكاسب ؛ وتقدم الكلام في الرذالة في هود في قوله :{ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا } ، وأرادوا بذلك تنقيص نوح عليه السلام ، إذ لم يعلموا أن ضعفاء الناس هم أتباع الرسل ، كما ورد في حديث هرقل . وهذا الذي أجابوا به في غاية السخافة ، إذ هو مبعوث إلى الخلق كافة ، فلا يختلف الحال بسبب الفقر والغنى ، ولا شرف المكاسب ودناءتها .

وقال ابن عطية : ويظهر من الآية أن مراد قوم نوح نسبة الرذيلة إلى المؤمنين ، بتهجين أفعالهم لا النظر إلى صنائعهم ، يدل على ذلك قول نوح :{ وَمَا عِلْمِى } الآية ، لأن معنى كلامه ليس في نظري ، وعلمي بأعمالهم ومعتقداتهم فائدة ، فإنما أقنع بظاهرهم وأجتزىء به ، ثم حسابهم على اللّه تعالى ، وهذا نحو ما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إلاه إلا اللّه } ، الحديث بجملته انتهى . وقال الكرماني : لا أطلب العلم بما عملوه ، إنما على أن أدعوهم .

وقال الزمخشري : وما علمي ، وأي شيء علمي ، والمراد انتفاء علمه بإخلاص أعمالهم واطلاعه على سرائرهم ؛ وإنما قال هذا لأنهم قد طعنوا في استرذالهم في إيمانهم ، وأنهم لم يؤمنوا عن نظر وبصيرة ، وإنما آمنوا هوى وبديهة ، كما حكى اللّه عنهم في قوله : { الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا } بادىء الرأي . ويجوز أن يتعالى لهم نوح عليه السلام ، فيفسر قولهم : الأرذلون ، بما هو الرذالة عنده من سوء الأعمال وفساد العقائد ، ولا يلتفت إلى ما هو الرذالة عندهم . ثم بنى جوابه على ذلك فيقول : ما عليّ إلا اعتبار الظواهر ، دون التفتيش على أسرارهم والشق عن قلوبهم ، وإن كان لهم شيء ، فاللّه محاسبهم ومجازيهم ، وما أنا إلا منذر لا محاسب ، ولا مجاز ، لو تشعرون ذلك ، ولكنكم تجهلون ، فتنساقون مع الجهل حيث سيركم . وقصد بذلك رد اعتقادكم ، وإنكار أن يسمى المؤمن رذلاً ، وإن كان أفقر الناس وأوضعهم نسباً . فإن الغنى غنى الدين ، والنسب نسب التقوى . انتهى . وهو تكثير . وقال الحوفي : وما علمي ماانا فيه ، والباء متعلقة بعلمي . انتهى . وهذا التخريج يحتاج فيه إلى إضمار خبر حتى تصير جملة ولما كانوا لا يصدقون بالحساب ولا بالبعث ، أردفه بقوله :{ لَوْ تَشْعُرُونَ } ،أي بأن المعاد حق ، والحساب حق .

وقرأ الجمهور : تشعرون بتاء الخطاب .

وقرأ الأعرج ، وأبو زرعة ، وعيسى بن عمر الهمداني : بياء الغيبة .

١١٤

انظر تسفير الآية:١٢٢

١١٥

انظر تسفير الآية:١٢٢

١١٦

انظر تسفير الآية:١٢٢

١١٧

انظر تسفير الآية:١٢٢

١١٨

انظر تسفير الآية:١٢٢

١١٩

انظر تسفير الآية:١٢٢

١٢٠

انظر تسفير الآية:١٢٢

١٢١

انظر تسفير الآية:١٢٢

١٢٢

{وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ } : هذا مشعر بأنهم طلبوا منه ذلك فأجابهم بذلك ، كما طلب رؤساء قريش من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يطرد من آمن من الضعفاء ، فنزلت :{ وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } الآية ، أي لا أطردهم عني لاتباع شهواتكم والطمع في إيمانكم .{ إن أنا إلا نذير مبين}  : ما جئت به بالبرهان الصحيح الذي يميز به الحق من الباطل . ولما اعتلوا في ترك إيمانهم بإيمان من هو دونهم ، دل ذلك على أنهم لم تثلج صدورهم للإيمان ، إذ اتباع الحق لا يأنف منه أحد لوجود الشركة فيه ، أخذوا في التهديد والوعيد .

{قالوا لئن لم تنته يا نوح } عن تقبيح ما نحن عليه ، وادعائك الرسالة من اللّه، { لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُرْجُومِينَ } ،أي بالحجارة ،

وقيل : بالشتم

وأيس إذ ذاك من فلاحهم ، فنادى ربه وهو أعلم بحاله فدعائي ليس لأجل أنهم آذوني ، ولكن لأجل دينك . { فَافْتَحْ } ،أي فاحكم . ودعا لنفسه ولمن آمن به بالنجاة ، وفي ذلك إشعار بحلول العذاب بقومه ، أي :{ وَنَجّنِى } مما يحل بهم .

وقيل : ونجني من عملهم لأنه سبب العقوبة . والفلك واحد وجمع ، وغالب استعماله جمعاً لقوله :{ وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ } ، والفلك التي تجري في البحر } ، فحيث أتى في غير فاصلة ، استعمل جمعاً ، وحيث كان فاصلة ، استعمل مفرداً لمراعاة الفواصل ، كهذا الموضع . والذي في سورة يس ، وتقدّم الخلاف إذا كان مدلوله جمعاً ، أهو جمع تكسير ، أم اسم جمع ؟ والمشحون ، قال ابن عباس : الموقر ، وقال عطاء : المثقل . ، فحيث أتى في غير فاصلة ، استعمل جمعاً ، وحيث كان فاصلة ، استعمل مفرداً لمراعاة الفواصل ، كهذا الموضع . والذي في سورة يس ، وتقدّم الخلاف إذا كان مدلوله جمعاً ، أهو جمع تكسير ، أم اسم جمع ؟ والمشحون ، قال ابن عباس : الموقر ، وقال عطاء : المثقل .{ ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ } : أي بعد نجاة نوح والمؤمنين .

١٢٣

انظر تسفير الآية:١٤٠

١٢٤

انظر تسفير الآية:١٤٠

١٢٥

انظر تسفير الآية:١٤٠

١٢٦

انظر تسفير الآية:١٤٠

١٢٧

انظر تسفير الآية:١٤٠

١٢٨

انظر تسفير الآية:١٤٠

١٢٩

انظر تسفير الآية:١٤٠

١٣٠

انظر تسفير الآية:١٤٠

١٣١

انظر تسفير الآية:١٤٠

١٣٢

انظر تسفير الآية:١٤٠

١٣٣

انظر تسفير الآية:١٤٠

١٣٤

انظر تسفير الآية:١٤٠

١٣٥

انظر تسفير الآية:١٤٠

١٣٦

انظر تسفير الآية:١٤٠

١٣٧

انظر تسفير الآية:١٤٠

١٣٨

انظر تسفير الآية:١٤٠

١٣٩

 انظر تسفير الآية:١٤٠

١٤٠

كان أخاهم من النسب ، وكان تاجراً جميلاً ، أشبه الخلق بآدم عليه السلام ، عاش أربعمائة سنة وأربعاً وستين سنة ، وبينه وبين ثمود مائة سنة . وكانت منازل عاد ما بين عمان إلى حضرموت . أمرع البلاد ، فجعلها اللّه مفاوز ورمالاً . أمرهم أولاً أمر به نوح قومه ، ثم نعى عليهم من سوء أعمالهم مع كفرهم فقال :{ أَتَبْنُونَ بِكُلّ رِيعٍ } ؟ قال ابن عباس : هو رأس الزقاق . وقال مجاهد : فج بين جبلين . وقال عطاء : عيون فيها الماء . وقال ابن بحر : جبل .

وقيل : الثنية الصغيرة .

وقرأ الجمهور : ريع بكسر الراء ، وابن أبي عبلة : بفتحها . قال ابن عباس :{ ءايَةً } : علماً . وقال مجاهد : أبراج الحمام . وقال النقاش وغيره : القصور الطوال .

وقيل : بيت عشار .

وقيل : نادياً للتصلف .

وقيل : أعلاماً طوالاً ليهتدوا بها في أسفارهم ، عبثوا بها لأنهم كانوا يهتدون بالنجوم .

وقيل : علامة يجتمع إليها من يعبث بالمار في الطريق . وفي قوله إنكار للبناء على صورة العبث ، كما يفعل المترفون في الدنيا . والمصانع : جمع مصنعة . قيل : وهي البناء على الماء .

وقيل : القصور المشيدة المحكمة .

وقيل : الحصون . وقال قتادة : برك الماء .

وقيل : بروج الحمام .

وقيل : المنازل . واتخذ هنا بمعنى عمل ، أي ويعملون مصانع ، أي تبنون . وقال لبيد :

وتبقى جبال بعدنا ومصانع

{لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } : الظاهر أن لعل على بابها من الرجاء ، وكأنه تعليل للبناء والاتخاذ ، أي الحامل لكم على ذلك هو الرجاء للخلود ولا خلود . وفي قراءة عبد اللّه : كي تخلدون ، أو يكون المعنى يشبه حالكم حال من يخلد ، فلذلك بتيتم واتخذتم . وقال ابن زيد : معناه الاستفهام على سبيل التوبيخ والهزء بهم ، أي هل أنتم تخلدون : وكون لعل للاستفهام مذهب كوفي .

وقال ابن عباس : المعنى كأنكم خالدون ، وفي حرف أبي : كأنكم تخلدون . وقرىء : كأنكم خالدون .

وقرأ أبيّ ، وعلقمة ، وأبو العالية ، مبنياً للمفعول مشدداً ، كما قال الشاعر :

وهل ينعمن إلا سعيد مخلد

قليل الهموم ما يبيت بأوجال

وإذا بطشتم : أي أردتم البطش ، وحمل على الإرادة لئلا يتحد الشرط وجوابه ، كقوله :

متى تبعثوها تبعثوها ذميمة

أي متى أردتم بعثها . قال الحسن : بادروا تعذيب الناس من غير تثبت ولا فكر في العواقب .

وقيل : المعنى أنكم كفار الغضب ، لكم السطوات المفرطة والبوادر . فبناء الأبنية العالية تدل على حب العلو ، واتخاذ المصانع رجاء الخلود يدل على البقاء ، والجبارية تدل على التفرد بالعلو ، وهذه صفات الإلاهية ، وهي ممتنعة الحصول للعبد . ودل ذلك على استيلاء حب الدنيا عليهم بحيث خرجوا عن حد العبودية ، وحب الدنيا رأس كل خطيئة . ولما نبههم ووبخهم على أفعالهم القبيحة ، أمرهم ثانياً بتقوى اللّه وطاعة نبيه . ثم أمرهم ثالثاً بالتقوى تنبيهاً لهم على إحسانه تعالى إليهم ، وسبوغ نعمته عليهم . وأبرز صلة { الَّذِى } متعلقة بعلمهم ، تنبيهاً لهم وتحريضاً على الطاعة والتقوى ، إذ شكر المحسن واجب ، وطاعته متعينة ، ومشيراً إليهم بأن من أمد بالإحسان هو قادر على سلبه ، وعلى تعذيب من لم يتقه ، إذ هذا الإمداد ليس من جهتكم ، وإنما هو من تفضله تعالى عليكم بحيث أتبعكم إحسانه شيئاً بعد شيء . ولما أتى بذكر ما أمدهم به مجملاً محالاً على علمهم ، أتى به مفصلاً . فبدأ بالأنعام ، وهي التي تحصل بها الرئاسة في الدنيا ، والقوة على من عاداهم ، والغنى هو السبب في حصول الذرية غالباً لوجده . وبحصول القوة أيضاً بالبنين ، فلذلك قرنهم بالأنعام ، ولأنهم يستعينون بهم في حفظها والقيام عليها . واتبع ذلك بالبساتين والمياه المطردة ، إذ الإمداد بذلك من إتمام النعمة .

{وبأنعام } : ذهب بعض النحويين إلى أنه بدل من قوله :{ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ، وأعيد العامل كقوله :{ اتَّبِعُواْ الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْئَلُكُمْ} والأكثرون لا يجعلون مثل هذا بدلاً وإنما هو عندهم من تكرار الجمل ، وإن كان المعنى واحداً ، ويسمى التتبيع ، وإنما يجوز أن يعاد عندهم العامل إذا كان حرف جر دون ما يتعلق به ، نحو : مررت بزيد بأخيك ، ثم حذرهم عذاب اللّه ، وأبرز ذلك في صورة الخوف لا على سبيل الجزم ، إذ كان راجياً لإيمانهم ، فكان من جوابهم أن قالوا :{ سَوَاء عَلَيْنَا } وعظك وعدمه ، وجعلوا قوله وعظاً ، إذ لم يعتقدوا صحة ما جاء به ، وأنه كاذب فيما ادعاه ، وقولهم ذلك على سبيل الاستخفاف وعدم المبالاة بما خوفهم به .

وقرأ الجمهور : وعظت ، بإظهار الظاء . وروي عن أبي عمرو ، والكسائي ، وعاصم : إدغام الظاء في التاء . وبالإدغام ، قرأ ابن محيصن ، والأعمش ، إلا أن الأعمش زاد ضمير المفعول فقرأ : أوعظتنا . وينبغي أن يكون إخفاء ، لأن الظاء مجهورة مطبقة ، والتاء مهموسة منفتحة ، فالظاء أقوى من التاء ، والإدغام إنما يحسن في المتماثلين ، أو في المتقاربين ، إذا كان الأول أنقص من الثاني .

وأما إدغام الأقوى في الأضعف ، فلا يحسن . على أنه قد جاء من ذلك أشياء في القرآن بنقل الثقات ، فوجب قبولها ، وإن كان غيرها هو أفصح وأقيس .

وعادل { أَوَعَظْتَ } بقوله :{ أَمْ لَمْ تَكُنْ مّنَ الْواعِظِينَ } ، وإن كان قد يعادله : أم لم تعظ . كما قال :{ سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا } لأجل الفاصلة ، كما عادلت في قوله :{ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ } ، ولم يأت التركيب أم صمتم ، وكثيراً ما يحسن مع الفواصل ما لا يحسن دونه .

وقال الزمخشري : بينهما فرق ، يعني بين ما جاء في الآية وهي : أم لم تعظ ، قال : لأن المراد سواء علينا أفعلت هذا الفعل الذي هو الوعظ أم لم تكن أصلاً من أهله ومباشرته ، فهو أبلغ في قلة اعتدادهم بوعظ من قولك : أم لم تعظ . ولما لم يبالوا بما أمرهم به ، وبما ذكرهم من نعم اللّه وتخويفه الانتقام منهم ، أجابوه بأن قالوا :{ إِنْ هَاذَا إِلاَّ خُلُقُ الاْوَّلِينَ}

وقرأ عبد اللّه ، وعلقمة ، والحسن ، وأبو جعفر ، وأبو عمرو ، وابن كثير ، والكسائي : خلق ، بفتح الخاء وسكون اللام ، فهو يحتمل أن يكون المعنى : إن هذا الذي تقوله وتدعيه إلا اختلاق الأولين من الكذبة

قبلك ، فأنت على مناهجهم . وروى علقمة عن عبد اللّه : أن هذا إلا اختلاق الأولين . ويحتمل أن يكون المعنى : ما هذه البنية التي نحن عليها إلا البنية التي عليها الأولون ، حياة وموت ولا بعث ولا تعذيب .

وقرأ باقي السبعة : خلق ، بضمتين ؛ وأبو قلابة ، والأصمعي عن نافع : بضم الخاء وسكون اللام ؛ وتحتمل هذه القراءة ذينك الاحتمالين اللذين في خلق .

١٤١

انظر تسفير الآية:١٥٩

١٤٢

انظر تسفير الآية:١٥٩

١٤٣

انظر تسفير الآية:١٥٩

١٤٤

انظر تسفير الآية:١٥٩

١٤٥

انظر تسفير الآية:١٥٩

١٤٦

انظر تسفير الآية:١٥٩

١٤٧

انظر تسفير الآية:١٥٩

١٤٨

انظر تسفير الآية:١٥٩

١٤٩

انظر تسفير الآية:١٥٩

١٥٠

انظر تسفير الآية:١٥٩

١٥١

انظر تسفير الآية:١٥٩

١٥٢

انظر تسفير الآية:١٥٩

١٥٣

انظر تسفير الآية:١٥٩

١٥٤

انظر تسفير الآية:١٥٩

١٥٥

انظر تسفير الآية:١٥٩

١٥٦

انظر تسفير الآية:١٥٩

١٥٧

انظر تسفير الآية:١٥٩

١٥٨

 انظر تسفير الآية:١٥٩

١٥٩

{أَتُتْرَكُونَ } : يجوز أن يكون إنكاراً لأن يتركوا مخلدين في نعيمهم لا يزولون عنه ، وأن يكون تذكيراً بالنعمة في تخلية اللّه إياهم وما يتنعمون فيه من الجنات ، وغير ذلك مع الأمن والدعة ، قاله الزمخشري .

وقال ابن عطية : تخويف لهم ، بمعنى : أتطمعون إن كفرتم في النعم على معاصيكم ؟

وقيل : أتتركون ؟ استفهام في معنى التوبيخ ، أي أيترككم ربكم ؟{ فِيمَا هَاهُنَا } : أي فيما أنتم عليه في الدنيا { ءامِنِينَ } : لا تخافون بطشه . انتهى . وما موصولة ، وههنا إشارة إلى المكان الحاضر القريب ، أي في الذي استقر في مكانكم هذا من النعيم . وفي جنات : بدل من ما ههنا أجمل ، ثم فصل ، كما أجمل هود عليه السلام في قوله :{ أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ } ، ثم فصل في قوله :{ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ } ، وكانت أرض ثمود كثيرة البساتين والماء والنخل . والهضيم ، قال ابن عباس : إذا أينع وبلغ . وقال الزهري : الرخص اللطيف أول ما يخرج . وقال الزجاج : الذي رطبه بغير نوى . وقال الضحاك : المنضد بعضه على بعض .

وقيل : الرطب المذنب .

وقيل : النضيج من الرطب .

وقيل : الرطب المتفتت .

وقيل : الحماض الطلع ، ويقارب قشرته من الجانبين من قولهم : خصر هضيم .

وقيل : العذق المتدلي .

وقيل : الجمار الرخو . وجاء قوله :{ وَنَخْلٍ } بعد قوله :{ فِي جَنَّاتِ } ، وإن كانت الجنة تتناول النخل أول شيء ، ويطلقون الجنة ، ولا يريدون بها إلا النخل ، كما قال الشاعر : كان عيني في غربي مقتلة

من النواضح تسقي جنة سحقا

أراد هنا النخل . والسحق جمع سحوق ، وهي التي ذهبت بجردتها صعداً فطالت . فأفرد { وَنَخْلٍ } بالذكر بعد اندراجه في لفظ جنات ، تنبيهاً على انفارده عن شجر الجنة بفضله . أو أراد بجنات غير النخل من الشجر ، لأن اللفظ صالح لهذه الإرادة ، ثم عطف عليه ونخل ، ذكرهم تعالى في أن وهب لهم أجود النخل وأينعه ، لأن الإناث ولادة التمر ، وطلعها فيه لطف ، والهضيم : اللطيف الضامر ، والبرني ألطف من طلع اللون . ويحتمل اللطف في الطلع أن يكون بسبب كثرة الحمل ، فإنه متى كثر لطف فكان هضيماً ، وإذا قل الحمل جاء التمر فاخراً . ولما كانت منابت النخل جيدة ، وكان السقي لها كثيراً ، أوسلمت من العاهة ، كبر الحمل بلطف الحب .

وقرأ الجمهور :{ وَتَنْحِتُونَ } ، بالتاء للخطاب

وكسر الحاء ؛ وأبو حيوة ، وعيسى ، والحسن : بفتحها ، وتقدم ذكره ، وعنه بألف بعد الحاء إشباعاً . وعن عبد الرحمن بن محمد ، عن أبيه : بالياء من أسفل وكسر الحاء . وعن أبي حيوة ، والحسن أيضاً : بالياء من أسفل وفتح الحاء .

وقرأ عبد اللّه ، وابن عباس ، وزيد بن علي ، والكوفيون ، وابن عامر : فارهين بألف ، وباقي السبعة : بغير ألف ؛ ومجاهد : متفرهين ، اسم فاعل من تعزه ، والمعنى : نشطين مهتمين ، قاله ابن عباس . وقال مجاهد : شرهين . وقال ابن زيد : أقوياء .

وقال ابن عباس أيضاً ، وأبو عمرو بن العلاء : أشرين بطرين . وقال عبد اللّه بن شداد : بمعنى مستفرهين ، أي مبالغين في استجادة المغارات ليحفظوا أموالهم فيها . وقال قتادة : آمنين . وقال الكلبي : متجبرين . وقال خصيف : معجبين . وقال عكرمة : ناعمين . وقال الضحاك : كيسين . وقال أبو صالح : حاذقين . وقال ابن بحر : قادرين . وقال أبو عبيدة : مرحين .

وظاهر هذه الآيات أن الغالب على قوم هود : اللذات الخيالية من طلب الاستعلاء والبقاء والتفرد والتجبر ، وعلى قوم صالح : اللذات الحسية من المأكول والمشروب والمساكن الطيبة الحصينة . { وَلاَ تُطِيعُواْ } : خطاب الجمهور قومه . والمسرفون : هم كبراؤهم وأعلامهم في الكفر والإضلال ، وكانوا تسعة رهط .{ يُفْسِدُونَ فِى الاْرْضِ } : أي أرض ثمود .

وقيل : في الأرض كلها ، لأن بمعاصيهم امتناع الغيث . ولما كانوا يفسدون دلالته دلالة المطلق ، أتى بقوله :{ وَلاَ يُصْلِحُونَ } ، فنفى عنهم الصلاح ، وهو نفي لمطلق الصلاح ، فيلزم منه نفي الصلاح كائناً ما كان ، فلا يحصل منهم صلاح ألبتة . والمسحر : الذي سحر كثيراً حتى غلب على عقله .

وقيل : من السحر ، وهو الرئة ، أي أنت بشر لا تصلح للرسالة . ويضعف هذا القول قولهم بعد :{ مَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا } ، إذ تكون هذه الجملة توكيداً لما قبلها ، والأصل التأسيس . ومثلنا : أي في الأكل والشرب وغير ذلك من صفات البشر ، فلا اختصاص لك بالرسالة .

{يَأْتِىَ بِئَايَةٍ } : أي بعلامة على صحة دعواك ، وفي الكلام حذف تقديره : قال آتي بها ، قالوا : ما هي ؟{ قَالَ هَاذِهِ نَاقَةٌ } روي أنهم اقترحوا عليه ناقة عشراء تخرج من هذه الصخرة تلد سقباً . فقعد صالح يتفكر ، فقال له جبريل عليه السلام : صل ركعتين وسل ربك الناقة ، ففعل ؛ فخرجت الناقة وبركت بين أيديهم ، ونتجت سقباً مثلها في العظم . وتقدم في الأعراف طرف من قصة ثمود والناقة ، والشرب النصيب المشروب من الماء نحو السقي .

وقرأ ابن أبي عبلة : شرب ، بضم الشين فيهما ، وظاهر هذا العذب أنه في الدنيا ، وكذا وقع ووصف بالعظم لحلول العذاب فيه ، ووصفه به أبلغ من وصف العذاب به ، لأن الوقت إذا عظم بسبب العذاب ، كان موقع العذاب من العظم أشد . ونسب العقر إلى جميعهم ، لكونهم راضين بذلك ، حتى روي أنهم استرضوا المرأة في خدرها والصبيان ، فرضوا جميعاً .

{فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ } ، لا ندم توبة ، بل ندم خوف أن يحل بهم العذاب عاجلاً ، وذلك عند معاينة العذاب في غير وقت التوبة . أصبحوا وقد تغيرت ألوانهم حسبما كان أخبرهم به صالح عليه السلام ، وكان العذاب صيحة خمدت لها أبدانهم ، وانشقت قلوبهم ، وماتوا عن آخرهم ، وصب عليهم حجارة خلال ذلك .

وقيل : كانت ندامتهم على ترك عقر الولد ، وهو قول بعيد . وأل في :{ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ } للعهد في العذاب السابق ، عذاب ذلك اليوم العظيم .

١٦٠

انظر تسفير الآية:١٦٧

١٦١

انظر تسفير الآية:١٦٧

١٦٢

انظر تسفير الآية:١٦٧

١٦٣

انظر تسفير الآية:١٦٧

١٦٤

انظر تسفير الآية:١٦٧

١٦٥

انظر تسفير الآية:١٦٧

١٦٦

انظر تسفير الآية:١٦٧

١٦٧

أتأتون : استفهام إنكار وتقريع وتوبيخ ؛{ والذكران } : جمع ذكر ، مقابل الأنثى . والإتيان : كناية عن وطء الرجال ، وقد سماه تعالى بالفاحشة فقال :{ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مّن الْعَالَمِينَ } ، هو مخصوص بذكران بني آدم .

وقيل : مخصوص بالغرباء .{ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ } : ظاهر في كونهم لا يأتون النساء ، إما البتة ،

وإما غلبة .{ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ } : يدل على الإباحة بشرطها .{ مّنْ أَزْواجِكُمْ } : أي من الإناث . ومن إما للتبيين لقوله :{ مَا خَلَقَ } ،

وإما للتبعيض : أي العضو المخلوق للوطء ، وهو الفرج ، وهو على حذف مضاف ، أي وتذرون إتيان . فإن كان ما خلق لا يراد به العضو ، فلا بد من تقدير مضاف آخر ، أي وتذرون إتيان فروج ما خلق .{ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } : : أي متجاوزون الحد في الظلم ، وهو إضراب بمعنى الانتقال من شيء إلى شيء ، لا أنه إبطال لما سبق من الإنكار عليهم وتقبيح أفعالهم واعتداؤهم ؛ إما في المعاصي التي هذه المعصية من جملتها ، أو من حيث ارتكاب هذه الفعلة الشنيعة . وجاء تصدير الجملة بضمير الخطاب تعظيماً لقبح فعلهم وتنبيهاً على أنهم هم مختصون بذلك ، كما تقول : أنت فعلت كذا ، أي لا غيرك . ولما نهاهم عن هذا الفعل القبيح توعدوه بالإخراج ، وهو النفي من بلده الذي نشأ فيه ، أي :{ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ } عن دعواك النبوة ، وعن الإنكار علينا فيما نأتيه من الذكران ، فننفينك كما نفينا من نهانا قبلك . ودل قوله :{ مِنَ الْمُخْرَجِينَ } على أنه سبق من نهاهم عن ذلك ، فنفوه بسبب النهي ، أو من المخرجين بسبب غير هذا السبب ، كأنه من خالفهم في شيء نفوه ، سواء كان الخلاف في هذا الفعل الخاص ، أم في غيره .

١٦٨

انظر تسفير الآية:١٧٥

١٦٩

انظر تسفير الآية:١٧٥

١٧٠

انظر تسفير الآية:١٧٥

١٧١

انظر تسفير الآية:١٧٥

١٧٢

انظر تسفير الآية:١٧٥

١٧٣

انظر تسفير الآية:١٧٥

١٧٤

انظر تسفير الآية:١٧٥

١٧٥

{قَالَ إِنّى لِعَمَلِكُمْ } : أي للفاحشة التي أنتم تعملونها . ولعملكم يتعلق إما بالقالين ، وإن كان فيه أل ، لأنه يسوغ في المجرورات والظروف ما لا يسوغ في غيرها ، لاتساع العرب في تقديمها ، حيث لا يتقدم غيرها ؛

وإما بمحذوف دل عليه القالين وكونه بغض القالين يدل على أنه يبغض هذا الفعل ناس غيره هو بعضهم ، ونبه ذلك على أن هذا الفعل موجب للبغض حتى يبغضه الناس . ومن القالين أبلغ من قال لما ذكرنا من أن الناس يبغضونه ، ولتضمنه أنه معدود ممن يبغضه . ألا ترى إن قولك : زيد من العلماء ، أبلغ من : زيد عالم ، لأن في ذلك شهادة بأنه معدود في زمرتهم . وقال أبو عبد اللّه الرازي : القلى : البغض الشديد ، كأنه بغض فقلي الفؤاد والكبد . انتهى . ولا يكون قلى بمعنى أبغض . وقلا من الطبخ ؛ والشيء من مادّة واحدة لاختلاف التركيب . فمادة قلا من الشيّ من ذوات الواو ، وتقول : قلوت اللحم فهو مقلو . ومادّة قلى من البغض من ذوات الياء ، قليت الرجل ، فهو مقلي . قال الشاعر :

ولست بمقلي الخلال ولا قال

ولما توعدوه بالإخراج ، أخبرهم ببغض عملهم ، ثم دعا ربه فقال :{ رَبّ نَّجِنِى وَأَهْلِى مِمَّا يَعْمَلُونَ } : أي من عقوبة ما يعملو من المعاصي . ويحتمل أن يكون دعاء لأهله بالعصمة من أن يقع واحد منهم في مثل فعل قومه . ودل دعاؤه بالتنجية لأهله على أنهم كانوا مؤمنين . ولما كانت زوجته مندرجة في الأهل ، وكان ظاهر دعائه دخولها في التنجية ، وكانت كافرة استثنيت في قوله :{ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عَجُوزاً فِى الْغَابِرِينَ } ، ودل قوله : عجوزاً ، على أنها قد عسيت في الكفر ودامت فيه إلى أن صارت عجوزاً . ومن الغابرين صفة ، أي من الباقين من لذاتها وأهل بيتها ، قاله أبو عبيدة .

وقال قتادة : من الباقين في العذاب النازل بهم . وتقدّم القول في غبر ، وأنه يستعمل بمعنى بقي ، وهو المشهور ، وبمعنى مضى . ونجاته عليه السلام أن أمره تعالى بالرّحلة ليلاً ، وكانت امرأته كافرة تعين عليه قومه ، فأصابها حجر ، فهلكت فيمن هلك . قال قتادة : أمطر اللّه على شذاذ القوم حجارة من السماء فأهلكهم . وقال قتادة : أتبع الائتفاك مطراً من الحجارة . وساء : بمعنى بئس ، والمخصوص بالذم محذوف ، أي مطرهم . وقال مقاتل : خسف اللّه بقوم لوط ، وأرسل الحجارة إلى من كان خارجاً من القربة ، ولم يكن فيها مؤمن إلا بيت لوط .

١٧٦

انظر تسفير الآية:١٨٢

١٧٧

انظر تسفير الآية:١٨٢

١٧٨

انظر تسفير الآية:١٨٢

١٧٩

انظر تسفير الآية:١٨٢

١٨٠

انظر تسفير الآية:١٨٢

١٨١

انظر تسفير الآية:١٨٢

١٨٢

قرأ الحرميان وابن عامر : ليكة هنا ، وفي { ص } بغير لام ممنوع الصرف .

وقرأ باقي السبعة الأيكة ، بلام التعريف . فأما قراءة الفتح ، فقال أبو عبيد : وجدنا في بعض التفسيران : ليكة : اسم للقرية ، والأيكة : البلاد كلها ، كمكة وبكة ، ورأيتها في الإمام مصحف عثمان في الحجر و { ق } : الأيكة ، وفي الشعراء و { ص } : ليكة ، واجتمعت مصاحف الأمصار كلها بعد على ذلك ولم تختلف . انتهى . وقد طعن في هذه القراءة المبرد وابن قتيبة والزجاج وأبو عليّ الفارسي والنحاس ، وتبعهم الزمخشري ؛ ووهموا القراء وقالوا : حملهم على ذلك كون الذي كتب في هذين الموضعين على اللفظ في من نقل حركة الهمزة إلى اللام وأسقط الهمزة ، فتوهم أن اللام من بنية الكلمة ففتح الياء ، وكان الصواب أن يخيز ، ثم مادّة ل ي ك لم يوجد منها تركيب ، فهي مادّة مهملة . كما أهملوا مادّة خ ذ ج منقوطاً ، وهذه نزغة اعتزالية ، يعتقدون أن بعض القراءة بالرأي لا بالرواية ، وهذه قراءة متواترة لا يمكن الطعن فيها ، ويقرب إنكارها من الردّة ، والعياذ باللّه . أما نافع ، فقرأ على سبعين من التابعين ، وهم عرب فصحاء ، ثم قراءة أهل المدينة قاطبة .

وأما ابن كثير ، فقرأ على سادة التابعين ممن كان بمكة ، كمجاهد وغيره ، وقد قرأ عليه إمام البصرة أبو عمرو بن العلاء ، وسأله بعض العلماء : أقرأت على ابن كثير ؟ قال : نعم ، ختمت على ابن كثير بعدما ختمت على مجاهد ، وكان ابن كثير أعلم من مجاهد باللغة . قال أبو عمرو : ولم يكن بين القراءتين كبير يعني خلافاً .

وأما ابن عامر فهو إمام أهل الشام ، وهو عربي قح ، قد سبق اللحن ، أخذ عن عثمان ، وعن أبي الدرداء وغيرهما . فهذه أمصار ثلاثة اجتمعت على هذه القراءة الحرمان مكة والمدينة والشام ،

وأما كون هذه المادّة مفقودة في لسان العرب ، فإن صح ذلك كانت الكلمة عجمية ، ومواد كلام العجم مخالفة في كثير مواد كلام العرب ، فيكون قد اجتمع على منع صرفها العلمية والعجمة والتأنيث .

وتقدم مدلول الأيكة في الحجر ، وكان شعيب عليه السلام من أهل مدين ، فلذلك جاء :{ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً} ولم يكن من أهل الأيكة ، فلذلك قال هنا :{ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ} ومن غريب النقل ما روي عن ابن عباس ، أن { كَذَّبَ أَصْحَابُ } هم أصحاب مدين ، وعن غيره ، أن { كَذَّبَ أَصْحَابُ } هم أهل البادية ، وأصحاب مدين هم الحاضرة . وروي في الحديث : { أن شعيباً أخا مدين أرسل إليهم وإلى أصحاب الأيكة ، أمرهم بإيفاء الكيل ، وهو الواجب ، ونهاهم عن الإخسار ، وهو التطفيف ، ولم يذكر الزيادة على الواجب ، لأن النفوس قد تشح بذلك فمن فعله فقد أحسن ، ومن تركه فلا حرج} . وتقدم تفسير القسطاس في سورة الإسراء .

وقال الزمخشري : إن كان من القسط ، وهو العدل ، وجعلت الغين مكررة ، فوزنه فعلاء ، وإلا فهو رباعي . انتهى . ولو تكرر ما يماثل العين في النطق ، لم يكن عند البصريين إلا رباعياً .

وقال ابن عطية : هو مبالغة من القسط . انتهى . والظاهر أن قوله :{ وَزِنُواْ } ، هو أمر بالوزن ، إذ عادل قوله :{ أَوْفُواْ الْكَيْلَ } ، فشمل ما يكال وما يوزن مما هو معتاد فيه ذلك .

وقال ابن عباس ومجاهد : معناه عدلوا أموركم كلها بميزان العدل الذي جعله اللّه لعباده .

١٨٣

انظر تسفير الآية:١٨٥

١٨٤

انظر تسفير الآية:١٨٥

١٨٥

{وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ } : الجملة والتي تليها تقدم الكلام عليهما . ولما تقدم أمره عليه السلام إياهم بتقوى اللّه ، أمرهم ثانياً بتقوى من أوجدهم وأوجد من قبلهم ، تنبيهاً على أن من أوجدهم قادر على أن يعذبهم ويهلكهم . وعطف عليهم { وَالْجِبِلَّةَ } إيذاناً بذلك ، فكأنه قيل : يصيركم إلى ما صار إليه أولوكم ، فاتقوا اللّه الذي تصيرون إليه .

وقرأ الجمهور : والجبلة بكسر الجيم والباء وشد اللام .

وقرأ أبو حصين ، والأعمش ، والحسن : بخلاف عنه ، بضمها والشد للام .

وقرأ السلمي : والجبلة ، بكسر الجيم وسكون الباء ، وفي نسخة عنه : فتح الجيم وسكون الباء ، وهي من جبلوا على كذا ، أي خلقوا . قيل : وتشديد اللام في القراءتين في بناءين للمبالغة .

وعن ابن عباس : الجبلة : عشرة آلاف .{ وَمَا أَنتَ } : جاء هنا بالواو ، وفي قصة هود :{ مَا أَنتَ } ، بغير واو . ف

قال الزمخشري : إذا دخلت الواو فقد قصد معنيان ، كلاهما مخالف للرسالة عندهم ، التسخير والبشرية ، وأن الرسول لا يجوز أن يكون مسحراً ، ولا يجوز أن يكون بشراً ، وإذا تركت الواو فلم يقصد إلا معنى واحد ، وهو كونه مسحراً ، ثم قرر بكونه بشراً . انتهى .

١٨٦

انظر تسفير الآية:١٨٨

١٨٧

انظر تسفير الآية:١٨٨

١٨٨

{وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ } : إن هي المخففة من الثقيلة ، واللام في لمن هي الفارقة ، خلافاً للكوفيين ، فإن عندهم نافية واللام بمعنى إلا ، وتقدم الخلاف في نحو ذلك في قوله :{ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً } في البقرة . ثم طلبوا منه إسقاط كسف ، من السماء عليهم ، وليس له ذلك ،

فالمعنى : إن كنت صادقاً ، فادفع الذي أرسلك أن يسقط علينا كسفاً ، أي قطعة ، أو قطعاً على حسب التسكين والتحريك .

وقال الزمخشري : وكلاهما جمع كسفة ، نحو : قطع وشذر .

وقيل : الكسف والكسفة ، كالريع والريعة ، وهي القطعة وكسفة : قطعة ، والسماء : السحاب أو المظلة . ودل طلبهم ذلك على التصميم على الجحود والتكذيب . ولما طلبوا منه ما طلبوا ، أحال علم ذلك إلى اللّه تعالى ، وأنه هو العالم بأعمالكم ، وبما تستوجبون عليها من العقاب ، فهو يعاقبكم بما شاء .

١٨٩

انظر تسفير الآية:١٩١

١٩٠

انظر تسفير الآية:١٩١

١٩١

{فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ } ، وهو نحو مما اقترحوا . ولم يذكر اللّه كيفية عذاب يوم الظلة ، حتى أن ابن عباس قال : من حدثك ما عذاب يوم الظلة فقد كذب ، وذكر في حديثها تطويلات . فروى أنه حبس عنهم الريح سبعاً ، فابتلوا بحرّ عظيم يأخذ بأنفاسهم ، لا ينفعهم ظل ولا ماء ، فاضطروا إلى أن خرجوا إلى البرية ، فأظلتهم سحابة وجدوا لها برداً ونسيماً ، فاجتمعوا تحتها ، فأمطرت عليهم ناراً فأحرقتهم . وكرر ما كرر في أوائل هذه القصص ، تنبيهاً على أن طريقة الأنبياء واحدة لا اختلاف فيها ، وهي الدعاء إلى توحيد اللّه وعبادته ورفض ما سواه ، وأنهم ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مشتركون في ذلك ، وأن ما جاء به صلى اللّه عليه وسلم هو ما جاءت به الرسل قبله ، وتلك عادة الأنبياء .

قال ابن عطية : وجاءت الألفاظ في دعاء كل واحد من هؤلاء الأنبياء واحدة بعينها ، إذ كان الإيمان المدعو إليه معنى واحداً بعينه .

وقال الزمخشري :

فإن قلت : كيف كرر في هذه السورة في أول كل قصة وآخرها ما كرر ؟

قلت : كل قصة منها كتنزيل برأسه ، وفيها من الاعتبار مثل ما في غيرها . فكانت كل واحدة منها تدلى بحق ، إلى أن تفتتح بمثل ما افتتحت به صاحبتها ، وأن تختتم بمثل ذلك مما اختتمت به ، ولأن التكرير تقرير للمعاني في النفوس ، وتثبيت لها في الصدور ، ولأن هذه القصص طرقت بهذا آذان ، وقر عن الأنصات للحق ، وقلوب

غلف عن تدبره ، فأوثرت بالوعظ والتذكير ، وروجعت بالترديد والتكرير .

١٩٢

انظر تسفير الآية:١٩٥

١٩٣

انظر تسفير الآية:١٩٥

١٩٤

انظر تسفير الآية:١٩٥

١٩٥

الضمير في :{ وَأَنَّهُ } عائد على القرآن ، أي إنه ليس بكهانة ولا سحر ، بل هو من عند اللّه ، وكأنه عاد أيضاً إلى ما افتتح به السورة من إعراض المشركين عما يأتيهم من الذكر ، ليتناسب المفتتح والمختتم .

وقرأ الحرميان ، وأبو عمرو ، وحفص :{ نَزَّلَ } مخففاً ، و { الرُّوحُ الاْمِينُ } : مرفوعان ؛ وباقي السبعة : بالتشديد ونصبهما . والروح هنا : جبريل عليه السلام ، وقد تقدم في سورة مريم لم أطلق عليه الروح ، وبه

قال ابن عطية : في موضع الحال كقوله :{ وَقَدْ دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ} انتهى . والظاهر تعلق على { قَلْبِكَ } و { لِتَكُونَ } بنزل ، وخص القلب والمعنى عليك ، لأنه محل الوعي والتثبيت ، وليعلم أن المنزل على قلبه عليه السلام محفوظ ، لا يجوز عليه التبديل ولا التغيير ، وليكون علة في التنزيل أو النزول اقتصر عليها ، لأن ذلك أزجر للسامع ، وإن كان القرآن نزل للإنذار والتبشير . والظاهر تعلق { بِلِسَانٍ } بنزل ، فكان يسمع من جبريل حروفاً عربية . قال ابن عطية ، وهو القول الصحيح : وتكون صلصلة الجرس صفة لشدة الصوت وتداخل حروفه وعجلة مورده وإغلاظه . ويمكن أن يتعلق بقوله :{ لِتَكُونَ } ، وتمسك بهذا من رأى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، كان يسمع أحياناً مثل صلصلة الجرس ، يتفهم له منه القرآن ، وهو مردود . انتهى .

وقال الزمخشري :{ بِلِسَانٍ } ، إما أن يتعلق بالمنذرين ، فيكون المعنى : لتكون من الذين أنذروا بهذا اللسان ، وهم خمسة : هود ، وصالح ، وشعيب ، وإسماعيل ، ومحمد صلى اللّه عليه وسلم وعليهم ؛

وإما أن يتعلق بنزل ، فيكون المعنى : نزله باللسان العربي المبين لتنذر به ، لأنه لو نزله باللسان الأعجمي ، لتجافوا عنه أصلاً وقالوا : ما نصنع بما لا نفهمه ؟ فيتعذر الإنذار به . وفي هذا الوجه ، إن تنزيله بالعربية التي هي لسانك ولسان قومك ، تنزيل له على قلبك ، لأنك تفهمه ويفهمه قومك . ولو كان أعجمياً ، لكان نازلاً على سمعك دون قلبك ، لأنك تسمع أجراس حروف لا تفهم معانيها ولا تعيها ، وقد يكون الرجل عارفاً بعده لغات ، فإذا كلم بلغتها التي لقنها أولاً ونشأ عليها وتطبع بها ، لم يكن قلبه إلا إلى معاني تلك الكلم يتلقاها بقلبه ، ولا يكاد يفطن للألفاظ كيف جرت . وإن كلم بغير تلك اللغة ، وإن كان ماهراً بمعرفتها ، كان نظره أولاً في ألفاظها ، ثم في معانيها . فهذا تقرير أنه أنزل على قلبه لنزوله بلسان عربي مبين . انتهى . وفيه تطويل .

١٩٦

وإنه ، أي القرآن ، { لَفِى زُبُرِ الاْوَّلِينَ } : أي مذكور في الكتب المنزلة القديمة ، منبه عليه مشار إليه .

وقيل : إن معانيه فيها ، وبه يحتج لأبي حنيفة في جواز القراءة بالفارسية في الصلاة ، على أن القرآن قرآن إذا ترجم بغير العربية ، حيث قيل :{ وَإِنَّهُ لَفِى زُبُرِ الاْوَّلِينَ } ، لكون معانيه فيها .

وقيل : الضمير عائد على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،أي إن ذكره ورسالته في الكتب الإلهية المتقدمة يكون التفاتاً ، إذ خرج من ضمير الخطاب في قوله :{ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ } إلى ضمير الغيبة ، وكذلك قبل في أن يعلمه ، أي أن يعلم محمداً صلى اللّه عليه وسلم ، وتناسق الضمائر لشيء واحد أوضح .

وقرأ الأعمش : لفي زبر ، بسكون الباء ، والأصل الضم ، ثم احتج عليهم بأنهم كان ينبغي أن يصحح عندهم أمره ، كون علماء بني إسرائيل يعلمونه ، أيأو لم يكن لهم علامة على صحة علم بني إسرائيل به ؟ إذ كانت قريش ترجع في كثير من الأمور النقلية إلى

بني إسرائيل ، ويسألونهم عنها ويقولون : هم أصحاب الكتب الإلهية . وقد تهود كثير من العرب وتنصر كثير ، لاعتقادهم في صحة دينهم . وذكر الثعلبي ، عن ابن عباس ، أن أهل مكة بعثوا إلى أحبار يثرب يسألونهم عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقالوا : هذا زمانه ، ووصفوا نعته ، وخلطوا في أمر محمد عليه السلام ، فنزلت الآية في ذلك ، ويؤيد هذا كون الآية مكية . وقال مقاتل : هي مدنية .

{مَعِىَ بَنِى إِسْراءيلَ } : عبد اللّه بن سلام ونحوه ، قاله ابن عباس ومجاهد ، وذلك أن جماعة منهم أسلموا ونصوا على مواضع من التوراة والإنجيل ذكر فيها الرسول عليه السلام ،

قال تعالى :{ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُواْ ءامَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبّنَا } الآية .

وقيل : علماؤهم من أسلم منهم ومن لم يسلم .

وقيل : أنبياؤهم ، حيث نبهوا عليه وأخبروا بصفته وزمانه ومكانة .

١٩٧

انظر تسفير الآية:٢٠٤

١٩٨

انظر تسفير الآية:٢٠٤

١٩٩

انظر تسفير الآية:٢٠٤

٢٠٠

انظر تسفير الآية:٢٠٤

٢٠١

انظر تسفير الآية:٢٠٤

٢٠٢

انظر تسفير الآية:٢٠٤

٢٠٣

انظر تسفير الآية:٢٠٤

٢٠٤

وقرأ الجمهور :{أَوَ لَمْ يَكُن } ، بالياء من تحت ، { ءايَةً } : بالنصب ، وهي قراءة واضحة الإعراب توسط خبر يكن ، و { أَن يَعْلَمَهُ } : هو الاسم .

وقرأ ابن عامر ، والجحدري : تكن بالتاء من فوق ، آية : بالرفع .

قال الزمخشري : جعلت آية اسماً ، وأن يعلمه خبراً ، وليست كالأولى لوقوع النكرة اسماً والمعرفة خبراً ، وقد خرج لها وجه آخر ليتخلص من ذلك فقيل : في تكن ضمير القصة ، وآية أن يعلمه جملة واقعة الخبر ، ويجوز على هذا أن يكون لهم آية جملة الشأن ، وأن يعلمه بدلاً من آية . انتهى .

وقرأ ابن عباس : تكن بالتاء من فوق ، آية بالنصب ، كقراءة من قرأ : ثم { لَمْ تَكُنْ } ، بتاء التأنيث ، { فِتْنَتُهُمْ } بالنصب ، إلا أن قالوا ، وكقول لبيد : فمضى وقدمها وكانت عادة

منه إذا هي عردت أقدامها

ودل ذلك إما على تأنيث الاسم لتأنيث الخبر ،

وإما لتأويل أن يعلمه بالمعرفة ، وتأويل { إِلاَّ أَن قَالُواْ } بالمقالة ، وتأويل الإقدام بالإقدامة .

وقرأ الجحدري : أن تعلمه بتاء التأنيث ، كما قال الشاعر : قالت بنو عامر خالوا بني أسد

يا بؤس للجهل ضراراً لأقوام

وكتب في المصحف : علموا بواو بين الميم والألف . قيل : على لغة من يميل ألف علموا إلى الواو ، كما كتبوا الصلوة والزكوة والربوا على تلك اللغة .

قال الزمخشري : الأعجمي الذي لا يفصح ، وفي لسانه عجمة واستعجام ، والأعجمي مثله إلا أن فيه لزيادة ياء بالنسبة زيادة توكيد .

وقال ابن عطية : الأعجمون جمع أعجم ، وهو الذي لا يفصح ، وإن كان عربي النسب يقال له أعجم ، وذلك يقال للحيوانات والجمادات ، ومنه قول النبي صلى اللّه عليه وسلم : { جرح العجماء جبار} . وأسند الطبري ، عن عبد اللّه بن مطيع أنه قال ، حين قرأ هذه الآية وهو واقف بعرفة : { جملي هذا أعجم ، فلو أنزل عليه ما كانوا يؤمنون} . والعجمي هو الذي نسبته في العجم ، وإن كان أفصح الناس . انتهى . وفي التحرير :{ الاْعْجَمِينَ } : جمع أعجم على التخفيف ، ولولا هذا التقدير لم يجز أن يجمع جمع سلامة . قيل : والمعنى ولو نزلناه بلغة العجم على رجل أعجمي فقرأه على

العرب ، لم يؤمنوا به ، حيث لم يفهموه ، واستنكفوا من اتباعه .

وقيل : ولو نزلنا القرآن على بعض العجم من الدواب فقرأه عليهم ، لم يؤمنوا ، لعنادهم لقوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَئِكَةَ } الآية ، وجمع جمع السلامة ، لأنه وصف بالإنزال عليه والقراءة ، وهو فعل العقلاء .

وقيل : ولو نزل على بعض البهائم ، فقرأه عليهم محمد صلى اللّه عليه وسلم ، لم تؤمن البهائم ، كذلك هؤلاء لأنهم :{ كَالاْنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } انتهى .

ولما بين بما تقدم ، من أن هذا القرآن في كتب الأولين ، وأن علماء بني إسرائيل يعلمون ذلك ، وكان في ذلك دليلان على صدق نبوّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، بين أن هؤلاء الكفار لا تجدي فيهم الدلائل . ألا ترى نزوله على رجل عربي بلسان عربي ، وسمعوه وفهموه وأدركوا إعجازه وتصديق كتب اللّه القديمة له ، ومع ذلك جحدوا وسموه تارة شعراً وتارة سحراً ؟ ولو نزل على بعض الأعاجم الذي لا يحسن العربية ، لكفروا به وتمحلوا بجحوده . وقال الفراء : الأعجمين جمع أعجم وأعجمي ، على حذف ياء النسب ، كما قالوا : الأشعرين ، وواحدهم أشعري . وقال ابن الجهم : قال الكميت : ولو جهزت قافية شرودا

لقد دخلت بيوت الأشعرينا

انتهى .

وقرأ الحسن ، وابن مقسم : الأعجمين ، بياء النسب : جمع أعجمي . والضمير في { سَلَكْنَاهُ } ، الظاهر أنه عائد على ما عادت عليه الضمائر . قيل : وهو القرآن ، وقاله الرماني . والمعنى : مثل ذلك السلك ، وهو الإدخال والتمكين والتفهيم لمعانيه .{ سَلَكْنَاهُ } : أدخلناه ومكناه في { قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} والمعنى : ما ترتب على ذلك السلك من كونهم فهموه وأدركوه ، ولم يزدهم ذلك إلا عناداً وجحوداً وكفرا به ، أي على مثل هذه الحالة وهذه الصفة من الكفر به والتكديب له ، كما وضعناه فيها . فكيف ما يرام إيمانهم به لم يتغير ؟ وأعماهم عليه من الإنكار والجحود ، كما قال :{ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِى قِرْطَاسٍ } الآية . وقال الكرماني : أدخلناه فيها ، فعرفوا معانيه ، وعجزهم عن الأتيان الإيمان بمثله ، ولم يؤمنوا به . وقال يحيى بن سلام : الضمير في سلكناه يعود على التكذيب ، فذلك الذي منعهم من الإيمان . انتهى . ويقويه قوله :{ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} وقال الحسن : الضمير يعود على الكفر الذي يتضمنه قوله :{ مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} انتهى . وهو قريب من القول الذي قبله . وقال عكرمة : سلكناه ، أي القسوة ، وأسند السلك تعالى إليه ، لأنه هو موجد الأشياء حقيقة ، وهو الهادي وخالق الضلال .

وقال الزمخشري :

فإن قلت : كيف أسند السلك بصفة التكذيب إلى ذاته ؟

قلت : أراد به الدلالة على تمكنه مكذباً في قلوبهم أشد التمكين وأثبته ، فجعله بمنزلة أمر قد جبلوا عليه . ألا ترى إلى قولهم : هو مجبول على الشح ؟ يريدون تمكن الشح فيه ، لأن الأمور الخلقية أثبت من العارضة ، والدليل عليه أنه أسند ترك الإيمان به إليهم على عقبه ، وهو قوله :{ لاَ يُؤْمِنُونَ } به . انتهى . وهو على طريقة الاعتزال والتشبيه بين السلكين ، يقتضي تغاير من حل به . والمعنى : مثل ذلك السلك في قلوب قريش ، سلكناه في قلوب من أجرم ، لاشتراكهما في علة السلك وهو الإحرام .

قال ابن عطية : أراد بهم مجرمي كل أمّة ، أي إن هذه عادة اللّه فيهم ، أنهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب ، فلا ينفعهم الإيمان بعد تلبس العذاب بهم ، وهذا على جهة المثال لقريش ، أي هؤلاء كذلك ، وكشف الغيب بما تضمنته الآية يوم بدر .

قال الزمخشري :

فإن قلت : ما موقع { لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } من قوله :{ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ } ؟

قلت : موقعه منه موقع الموضح والملخص ، لأنه مسوق لثباته مكذباً مجحوداً في قلوبهم ، فاتبع بما يقرر هذا المعنى من أنهم لا يزالون على التكذيب به وجحوده حتى يعاينوا الوعيد ، ويجوز أن يكون حالاً ، أي سلكناه فيها غير مؤمن به . انتهى . ورؤيتهم العذاب ، قيل : في الدنيا ،

وقيل : يوم القيامة .

وقرأ الجمهور :{ فَيَأْتِيَهُم } ، بياء ، أي العذاب .

وقرأ الحسن ، وعيسى : بتاء التأنيث ، أنث على معنى العذاب لأنه العقوبة ، أي فتأتيهم العقوبة يوم القيامة ، كما قال : أتته كتابي ، فلما سئل قال : أو ليس بصحيفة ؟

قال الزمخشري : فتأتيهم بالتاء ، يعني الساعة . وقال أبو الفضل الرازي : أنث العذاب لاشتماله على الساعة ، فاكتسى منها التأنيث ، وذلك لأنهم كانوا يسألون عذاب القيامة تكذيباً بها ، فلذلك أنث . ولا يكتسى المذكر من المؤنث تأنيثاً إلا إن كان مضافاً إليه نحو : اجتمعت أهل اليمامة ، وقطعت بعض أصابعه ، وشرقت صدر القناة ، وليس كذلك .

وقرأ الحسن : بغتة ، بفتح الغين ، فتأتيهم بالتاء من فوق ، يعني الساعة .

وقال الزمخشري :

فإن قلت : ما معنى التعقيب في قوله : { فَتَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً }

قلت : ليس المعنى يراد برؤية العذاب ومفاجأته وسؤال النظرة فيه الوجود ، وإنما المعنى ترتبها في الشدة ، كأنه قيل : لا يؤمنون بالقرآن حتى تكون رؤيتهم العذاب مما هو أشد منها ، وهو لحوقه بهم مفاجأة مما هو أشد منه ، وهو سؤالهم النظرة . ومثل ذلك أن تقول : إن أسأت مقتك الصالحون ، فمتقك اللّه ، فإنك لا تقصد بهذا الترتيب أن مقت اللّه يوجد عقيب مقت الصالحين ، وإنما قصدك إلى ترتيب شدة الأمر على المسيء ، وأنه يحصل له بسبب الإساءة مقت الصالحين . فما هو أشد من مقتهم ؟ وهو مقت اللّه . ويرى ، ثم يقع هذا في هذا الأسلوب ، فيحل موقعه . انتهى .{ فَيَقُولُواْ } ،أي كل أمّة معذبة :{ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ } : أي مؤخرون ، وهذا على جهة التمني منهم والرغبة حيث لا تنفع الرغبة . ثم رجع لفظ الآية إلى توبيخ قريش على استعجالهم عذاب اللّه في طلبهم سقوط السماء كسفاً وغير ذلك ، وقولهم للرسول : أين ما تعدنا به ؟

وقال الزمخشري :{ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } ، تبكيت لهم بإنكاره وتهكم ، ومعناه : كيف يستعجل العذاب من هو معرض لعذاب فيه من جنس ، ما هو فيه اليوم من النظرة والإمهال ؟ طرفة عين فلا يجاب إليها . ويحتمل أن يكون هذا حكاية توبيخ ، يوبخون به عند استنظارهم يومئذ ، ويستعجلون هذا على الوجه ، حكاية حال ماضية ووجه آخر متصل بما بعده ، وذلك أن استعجالهم بالعذاب إما كان لاعتقادهم أنه غير كائن ولا لاحق بهم ، وأنهم ممتعون بأعمار طوال في سلامة وأمن . فقال عز وعلا :{ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } ؟ أشر أو بطر أو استهزاء واتكالاً على الأمل الطويل ؟ ثم قال : وهب أن الأمر كما يعتقدون من تمتعهم وتعميرهم ، فإذا لحقهم الوعيد بعد ذلك ، ما ينفعهم حينئذ ما مضى من طول أعمارهم وطيب معايشهم ؟ انتهى .

وقيل : اتبع قوله : فتأتيهم بغتة بما يكون منهم عند ذلك على وجه الحسرة .{ فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ } ، كما يستغيث إليه المرء عند تعذر الخلاص ، لأنهم يعلمون في الآخرة أن لا ملجاً ، لكنهم يقولون ذلك استرواحاً .

وقيل : يطلبون الرجعة حين يبغتهم عذاب الساعة ، فلا يجابون إليها .

٢٠٥

انظر تسفير الآية:٢٠٩

٢٠٦

انظر تسفير الآية:٢٠٩

٢٠٧

انظر تسفير الآية:٢٠٩

٢٠٨

انظر تسفير الآية:٢٠٩

٢٠٩

{أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ } : خطاب للرسول عليه السلام بإقامة الحجة عليهم ، في أن مدة الإرجاء والإمهال والإملاء لا تغني إذا نزل العذاب بعدها . وقال عكرمة : سنين ، عمر الدنيا . انتهى . وتقرر في علم العربية أن أرأيت إذا كانت بمعنى أخبرني ، تعدت إلى مفعولين ، أحدهما منصوب والآخر جملة استفهامية . في الغالب تقول العرب : أرأيت زيداً ما صنع ؟ وما جاء مما ظاهره خلاف ذلك أول ، وتقدم الكلام على ذلك مشبعاً في أوائل سورة الأنعام . وتقول هنا مفعول أرأيت محذوف ، لأنه تنازع على ما يوعدون أرأيت وجاءهم ، فأعمل الثاني فهو مرفوع بجاءهم . ويجوز أن يكون منصوباً بأرأيت على إعمال الأول ، وأضمر الفاعل في جاءهم . والمفعول الثاني هو قوله :{ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ } ، وما استفهامية ، أي : أيّ شيء أغنى عنهم تمتعهم في تلك السنين التي متعوها ؟ وفي الكلام محذوف يتضمن الضمير العائد على المفعول الأول ، أي : أيّ شيء أغنى عنهم تمتعهم حين حل ، أي الموعود به ، وهو العذاب ؟ وظاهر ما

فسر به المفسرون ما أغنى : أن تكون ما نافية ، والاستفهام قد يأتي مضمناً معنى النفي كقوله : { هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ } ؟ بعد قوله :{ أَرَأَيْتُكُم } في سورة الأنعام ، أي ما يهلك إلا القوم الظالمون . وجوز أبو البقاء في ما أن تكون استفهاماً وننافية . وقرىء : يمتعون ، بإسكان الميم وتخفيف التاء .

ثم أخبر تعالى أنه لم يهلك قرية من القرى إلا وقد أرسل إليها من ينذرها عذاب اللّه ، إن هي عصت ولم تؤمن ، كما

قال تعالى :{ وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} وجمع منذرون ، لأن { مِن قَرْيَةٍ } عام في القرى الظالمة ، كأنه قيل : وما أهلكنا القرى الظالمة . والجملة من قوله :{ لَهَا مُنذِرُونَ } ، في موضع الحال { مِن قَرْيَةٍ } ، والإعراب أن تكون لها في موضع الحال ، وارتفع منذرون بالمجرور إلا كائناً لها منذرون ، فيكون من مجيء الحال مفرداً لا جملة ، ومجيء الحال من المنفي كقولك : ما مررت بأحد إلا قائماً ، فصيح .

وقال الزمخشري :

فإن قلت : كيف عزلت الواو عن الجملة بعد إلا ، ولم تعزل عنها في قوله :{ وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ } ؟

قلت : الأصل عزل الواو ، لأن الجملة صفة لقرية ، وإذا زيدت فلتأكيد وصل الصفة بالموصوف ، كما في قوله :{ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} انتهى . ولو قدر نالها منذرون جملة ، لم يجز أن تجيء صفة بعد إلا . ومذهب الجمهور ، أنه لا تجيء الصفة بعد إلا معتمدة على أداة الاستثناء نحو : ما جاءني أحد إلا راكب . وإذا سمع مثل هذا ، خرجوه على البدل ، أي : إلا رجل راكب . ويدل على صحة هذا المذهب أن العرب تقول : ما مررت بأحد إلا قائماً ، ولا يحفظ من كلامها : ما مررت بأحد إلا قائم . فلو كانت الجملة في موضع الصفة للنكرة ، لو رد المفرد بعد إلا صفة لها . فإن كانت الصفة غير معتمدة على أداة ، جاءت الصفة بعد إلا نحو : ما جاءني أحد إلا زيد خير من عمرو ، التقدير : ما جاءني أحد خير من عمرو إلا زيد .

وأمّا كون الواو تزاد لتأكيد وصل الصفة بالموصوف ، فغير معهود في كلام النحويين . لو

قلت : جاءني رجل وعاقل ، على أن يكون وعاقل صفة لرجل ، لم يجز ، وإنما تدخل الواو في الصفات جوازاً إذا عطف بعضها على بعض ، وتغاير مدلولها نحو :{ مررت } بزيد الكريم والشجاع والشاعر .

وأما { سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } فتقدم الكلام عليه في موضعه .

{وَذِكْرَى } : منصوب على الحال عند الكسائي ، وعلى المصدر عند الزجاج . فعلى الحال ، إما أن يقدر ذوي ذكرى ، أو مذكرين . وعلى المصدر ، فالعامل منذرون ، لأنه في معنى مذكرون ذكرى ، أي تذكرة . وأجاز الزمخشري في ذكرى أن يكون مفعولاً له ، قال : على معنى أنهم ينذرون لأجل الموعظة والتذكرة ، وأن تكون مرفوعة صفة بمعنى منذرون ذوو ذكرى ، أو جعلوا ذكرى لإمعانهم في التذكرة وإطنابهم فيها . وأجاز هو وابن عطية أن تكون مرفوعة على خبر مبتدأ محذوف بمعنى هذه ذكرى ، والجملة اعتراضية .

قال الزمخشري : ووجه آخر ، وهو أن يكون ذكرى متعلقة بأهلكنا مفعولاً له ، والمعنى : وما أهلكنا من قرية ظالمين إلا بعدما ألزمناهم الحجة بإرسال المنذرين إليهم ، لتكون تذكرة وعبرة لغيرهم ، فلا يعصوا مثل عصيانهم .{ وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ } ، فنهلك قوماً غير ظالمين ، وهذا الوجه عليه المعول . انتهى . وهذا لا معوّل عليه ، لأن مذهب الجمهور أن ما قبل إلا لا يعمل فيما بعدها إلا أن يكون مستثنى ، أو مستثنى منه ، أو تابعاً له غير معتمد على الأداة نحو : ما مررت بأحد إلا زيد خير من عمرو . والمفعول له ليس واحداً من هذه الثلاثة ، فلا يجوز أن يتعلق بأهلكنا . ويتخرج جواز ذلك على مذهب الكسائي والأخفش ، وإن كانا لم ينصا على المفعول له بخصوصيته .

٢١٠

انظر تسفير الآية:٢١٢

٢١١

انظر تسفير الآية:٢١٢

٢١٢

كان مشركو قريش يقولون : إن لمحمد تابعاً من الجن يخبره كما يخبر الكهنة ، فنزلت ، والضمير في { بِهِ } يعود على القرآن ، بل { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاْمِينُ}

وقرأ الحسن : الشياطون ، وتقدمت في البقرة ، وقد ردها أبو حاتم والقراء ؛ قال أبو حاتم : هي غلط منه أو عليه . وقال النحاس : هو غلط عند جميع النحويين . وقال المهدوي : هو غير جائز في العربية . وقال الفراء : غلط الشيخ ، ظن أنها النون التي على هجائن . فقال النضر بن شميل : إن جاز أن يحتج بقول العجاج ورؤية ، فهلا جاز أن يحتج بقول الحسن وصاحبه ، يريد محمد بن السميفع ، مع أنا نعلم أنهما لم يقرآ بها إلا وقد سمعا فيه ؟ وقال يونس بن حبيب : سمعت أعرابياً يقول : دخلت بساتين من ورائها بساتون ، فقلت : ما أشبه هذا بقراءة الحسن . انتهى . ووجهت هذه القراءة بأنه لما كان آخره كآخر يبرين وفلسطين ، فكما أجرى إعراب هذا على النون تارة وعلى ما قبله تارة فقالوا : يبرين ويبرون وفلسطين وفلسطون ؛ أجرى ذلك في الشياطين تشبيهاً به فقالوا : الشياطين والشياطون . وقال أبو فيد مؤرج السدوسي : إن كان اشتقاقه من شاط ، أي احترق ، يشيط شوطة ، كان لقراء تهما وجه . قيل : ووجهها أن بناء المبالغة منه شياط ، وجمعه الشياطون ، فخففا الياء ، وقد روي عنهما التشديد ،

وقرأ به غيرهما . انتهى .

وقرأ الأعمش : الشياطون ، كما قرأه الحسن وابن السميفع . فهؤلاء الثلاثة من نقلة القرآن ، قرؤوا ذلك ، ولا يمكن أن يقال غلطوا ، لأنهم من العلم ونقل القرآن بمكان . وما أحسن ما ترتب نفي هذه الجمل ؛ نفى أولاً تنزيل الشياطين به ، والنفي في الغالب يكون في الممكن ، وإن كان هنا لا يمكن من الشياطين التنزل بالقرآن ، ثم نفى انبغاء ذلك والصلاحية ، أي ولو فرض الإمكان لم يكونوا أهلاً له ، ثم نفى قدرتهم على ذلك وأنه مستحيل في حقهم التنزل به ، فارتقى من نفي الإمكان إلى نفي الصلاحية إلى نفي القدرة والاستطاعة ، وذلك مبالغة مترتبة في نفي تنزيلهم به ، ثم علل انتفاء ذلك عن استماع كلام أهل السماء مرجومون بالشهب .

٢١٣

انظر تسفير الآية:٢١٩

٢١٤

انظر تسفير الآية:٢١٩

٢١٥

انظر تسفير الآية:٢١٩

٢١٦

انظر تسفير الآية:٢١٩

٢١٧

انظر تسفير الآية:٢١٩

٢١٨

انظر تسفير الآية:٢١٩

٢١٩

ثم قال تعالى :{ فَلاَ تَدْعُ مَعَ اللّه إِلَاهاً ءاخَرَ } : والخطاب في الحقيقة للسامع ، لأنه تعالى قد علم أن ذلك لا يمكن أن يكون من الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، ولذلك

قال المفسرون : المعنى قل يا محمد لمن كفر : لا تدع مع اللّه إلهاً آخر . ثم أمره تعالى بإنذار عشيرته ، والعشيرة تحت الفخذ وفوق الفصيلة ، ونبه على العشيرة ، وإن كان مأموراً بإنذار الناس كافة . كما قال :{ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ } ، لأن في إندارهم ، وهم عشيرته ، عدم محاباة ولطف بهم ، وأنهم والناس في ذلك شرع واحد في التخويف والإنذار . فإذا كانت القرابة قد خوفوا وأنذروا مع ما يلحق الإنسان في حقهم من الرأفة ، كان غيرهم في ذلك أوكد وأدخل ، أو لأن البداءة تكون بمن يليه ثم من بعده ، كما قال :{ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مّنَ الْكُفَّارِ} وقال عليه الصلاة والسلام حين دخل مكة : { كل ربا في الجاهلية موضوع تحت قدميّ هاتين ، فأول ما أضعه ربا العباس ، إذ العشيرة مظنة الطواعية ، ويمكنه من الغلظة عليهم ما لا يمكنه مع غيرهم ، وهم له أشد احتمالاً} . وامتثل صلى اللّه عليه وسلم ما أمره به ربه من إنذار عشيرته ، فنادى الأقرب فالأقرب فخذاً . وروي عنه في ذلك أحاديث .{ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } : تقدم الكلام على هذه الجمل في آخر الحجر ، وهو كناية عن التواضع . وقال بعض الشعراء : وأنت الشهير بخفض الجناح

فلا تك في رفعه أجدلا

نهاه عن التكبر بعد التواضع . والأجدل : الصقر ، ومن المؤمنين عام في عشيرته وغيرهم . ولما كان الإنذار يترتب عليه إما الطاعة

وإما العصيان ، جاء التقسيم عليهما ، فكان المعنى : أن من اتبعك مؤمناً ، فتواضع له ؛ فلذلك جاء قسيمه : { فَإِنْ عَصَوْكَ } فتبرأ منهم ومن أعمالهم . وفي هذا موادعة نسختها آية السيف . والظاهر عود الضمير المرفوع في عصوك ، على أن من أمر بإنذارهم ، وهم العشيرة ، والذي برىء منه هو عبادتهم الأصنام واتخاذهم إلهاً آخر .

وقيل : الضمير يعود على من اتبعه من المؤمنين ، أي فإن عصوك يا محمد في الأحكام وفروع الإسلام ، بعد تصديقك والإيمان بك ، { فَقُلْ إِنّى بَرِىء مّمَّا تَعْمَلُونَ } ، لا منكم ، أي أظهر عدم رضاك بعملهم وإنكارك عليهم . ولو أمره بالبراءة منهم ، ما بقي بعد هذا شفيعاً للعصاة ، ثم أمره تعالى بالتوكل .

وقرأ نافع ، وابن عامر ، وأبو جعفر ، وشيبة : فتوكل بالفاء ، وباقي السبعة : بالواو . وناسب الوصف بالعزيز ، وهو الذي لا يغالب ، والرحيم ، وهو الذي يرحمك . وهاتان الصفتان هما اللتان جاءتا في أواخر قصص هذه السورة . فالتوكل على من هو بهذين الوصفين كافية شر من بعضه من هؤلاء وغيرهم ، فهو يقهر أعداءك بعزته ، وينصرك عليهم برحمته . والتوكل هو تفويض الأمر إلى من يملك الأمر ويقدر عليه . ثم وصف بأنه الذي أنت منه بمرأى ، وذلك من رحمته بك أن أهلك لعبادته ، وما تفعله من تهجدك . وأكثر المفسرين منهم ابن عباس ، على أن المعنى حين تقوم إلى الصلاة .

وقرأ الجمهور :{ وَتَقَلُّبَكَ } مضارع قلب مشدداً ، عطفاً على { يَرَاكَ} وقال مجاهد وقتادة :{ فِى السَّاجِدِينَ } : في المصلين .

وقال ابن عباس : في أصلاب آدم ونوح وإبراهيم حتى خرجت . وقال عكرمة : يراك قائماً وساجداً .

وقيل : معنى { تَقُومُ } : تخلو بنفسك . وعن مجاهد أيضاً : المراد تقلب بصره فيمن يصلي خلفه ، كما قال : { أتموا الركوع والسجود فواللّه إني لأراكم من خلفي} . وفي الوجيز لابن عطية : ظاهر الآية أنه يريد قيام الصلاة ، ويحتمل أن يريد سائر التصرفات ، وهو تأويل مجاهد وقتادة . وفي الساجدين : أي صلاتك مع المصلين ، قاله ابن عباس وعكرمة وغيرهما .

وقال ابن عباس أيضاً ، وقتادة : أراد وتقلبك في المؤمنين ، فعبر عنهم بالساجدين . وقال ابن جبير : أراد الأنبياء ، أي تقلبك كما تقلب غيرك من الأنبياء .

وقال الزمخشري : ذكر ما كان يفعله في جوف الليل من قيامه للتهجد ، وتقلبه في تصفح أحوال المتهجدين من أصحابه ، ليطلع عليهم من حيث لا يشعرون ، ويستبطن سرائرهم وكيف يعملون لآخرتهم . كما يحكى أنه حين نسخ فرض قيام الليل ، طاف تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون ، بحرصه عليهم وعلى ما يوجد منهم من فعل الطاعات وتكثير الحسنات ، فوجدها كبيوت الزنابير ، لما سمع من دندنتهم بذكر اللّه والتلاوة . والمراد بالساجدين : المصلون .

وقيل : معناه يراك حين تقوم للصلاة بالناس جماعة ، وتقلبه في الساجدين : تصرفه فيما بينهم لقيامه وركوعه وسجوده وقعوده إذا أمهم . وعن مقاتل ، أنه سأل أبا حنيفة رضي اللّه عنه : هل تجد الصلاة في الجماعة في القرآن ؟ فتلا هذه الآية . ويحتمل أن لا يخفى على حالك كلما قمت وتقلبت مع الساجدين في كفاية أمور الدين . انتهى .

٢٢٠

{إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ } لما تقوله ، { الْعَلِيمُ } بما تنوبه وتعمله ، وذهبت الرافضة إلى أن آباء النبي صلى اللّه عليه وسلم كانوا مؤمنين ، واستدلوا بقوله تعالى :{ وَتَقَلُّبَكَ فِى السَّاجِدِينَ } قالوا : فاحتمل الوجوه التي ذكرت ، واحتمل أن

يكون المراد أنه تعالى نقل روحه من ساجد إلى ساجد ، كما نقوله نحن . فإذا احتمل كل هذه الوجوه ، وجب حمل الآية على الكل ضرورة ، لأنه لا منافاة ولا رجحان . وبقوله عليه الصلاة والسلام :  { لم أزل أنقل من أصلال الطاهرين إلى أرحام الطاهرات ، وكل من كان كافراً فهو نجس لقوله تعالى : { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } } فأما قوله تعالى :{ وَإِذْ قَالَ إِبْراهِيمُ لاِبِيهِ ءازَرَ } ، فلفظ الأب قد يطلق على العم ، كما قالوا أبناء يعقوب له :{ نَعْبُدُ إِلَاهَكَ وَإِلَاهَ آبَائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ } ، . سموا إسماعيل أباً مع أنه كان عماً له .

٢٢١

انظر تسفير الآية:٢٢٤

٢٢٢

انظر تسفير الآية:٢٢٤

٢٢٣

انظر تسفير الآية:٢٢٤

٢٢٤

{قُلْ هَلْ أُنَبّئُكُمْ } : أي قل يا محمد : هل أخبركم ؟ وهذا استفهام توقيف وتقرير . وعلى من متعلق بتنزل ، والجملة المتضمنة معنى الاستفهام في موضع نصب لأنبئكم ، لأنه معلق ، لأنه بمعنى أعلمكم ، فإن قدرتها متعدية لاثنين ، كانت سادة مسد المفعول الثاني ؛ وإن قدرتها متعدية لثلاثة ، كانت سادة مسد الاثنين . والاستفهام إذا علق عنه العامل ، لا يبقى على حقيقة الاستفهام وهو الاستعلام ، بل يؤول معناه إلى الخبر . ألا ترى أن قولك : علمت أزيد في الدار أم عمرو ، كان المعنى : علمت أحدهما في الدار ؟ فليس المعنى أنه صدر منه علم ، ثم استعلم المخاطب عن تعيين من في الدار من زيد وعمرو ، فالمعنى هنا : هل أعلمكم من تنزل الشياطين عليه ؟ لا أنه استعلم المخاطبين عن الشخص الذي تنزل الشياطين عليه .

ولما كان المعنى هذا ، جاء الإخبار بعده بقوله :{ تَنَزَّلُ عَلَى كُلّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } ، كأنه لما قال : هل أخبركم بكذا ؟ قيل له : أخبر ، فقال :{ تَنَزَّلُ عَلَى كُلّ أَفَّاكٍ } ، وهو الكثير الإفك ، وهو الكذب ، أثيم : كثير الإثم . فأفاك أثيم : صيغتا مبالغة ، والمراد الكهنة . والضمير في { يُلْقُون } يحتمل أن يعود إلى الشياطين ، أي ينصتون ويصغون بأسماعهم ، ليسترقوا شيئاً مما يتكلم به الملائكة ، حتى ينزلوا بها إلى الكهنة ، أو :{ يُلْقُونَ السَّمْعَ } : أي المسموع إلى من يتنزلون عليه .{ وَأَكْثَرُهُمُ } : أي وأكثر الشياطين الملقين { كَاذِبُونَ} فعلى معنى الإنصات يكون استئناف إخبار ، وعلى إلقاء المسموع إلى الكهنة احتمل الاستئناف ، واحتمل أن يكون حالاً من الشياطين ، أي تنزل على كل أفاك أثيم ملقين ما سمعوا . ويحتمل أن يعود الضمير في يلقون على كل أفاك أثيم ، وجمع الضمير ، لأن كل أفاك فيه عموم وتحته أفراد . واحتمل أن يكون المعنى : يلقون سمعهم إلى الشياطين ، لينقلوا عنهم ما يقررونه في أسماعهم ، وأن يكون يلقون السمع ، أي المسموع من الشياطين إلى الناس ؛ وأكثرهم ، أي أكثر الكهنة كاذبون . كما جاء أنهم يتلقون من الشياطين الكلمة الواحدة التي سمعت من السماء ، فيخلطون معها مائة كذبة . فإذا صدقت تلك الكلمة ، كانت سبب ضلالة لمن سمعها . وعلى كون الضمير عائداً على كل أفاك ، احتمل أن يكون يلقون استئناف إخبار عن الأفاكين ، واحتمل أن يكون صفة لكل أفاك ، ولا تعارض بين قوله :{ كُلّ أَفَّاكٍ } ، وبين قوله :{ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } ، لأن الأفاك هو الذي يكثر الكذب ، ولا يدل ذلك على أنه لا ينطق إلا بالإفك ،

فالمعنى : أن الأفاكين من صدق منهم فيما يحكى عن الجني ، فأكثرهم مغتر .

قال الزمخشري :

فإنقلت :{ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبّ الْعَالَمِينَ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ هَلْ أُنَبّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ } ، لم فرق بينهن وبين إخوان ؟

قلت : أريد التفريق بينهن بآيات ليست في معناهن ، ليرجع إلى المجيء بهن ، بطريه ذكر ما فيهن كرة بعد كرة ، فيدل بذلك على أن المعنى الذي نزلن فيه من المعاني التي أسندت كراهة اللّه لهم ، ومثاله : أن يحدث الرجل بحديث ، وفي صدره اهتمام بشيء منه وفضل عناية ، فتراه يعيد ذكره ولا ينفك عن الرجوع إليه . انتهى . ولما ذكر الكهنة بإفكهم الكثير وحالهم المقتضية ، نفى كلام القرآن ، إذ كان بعض الكفار قال في القرآن : إنه شعر ، كما قالوا في الرسول : إنه كاهن ، وإن ما أتى به هو من باب الكهانة ، كما

قال تعالى :{ وَمَا هُوَ يِقُولُ كَاهِنٍ } ، وقال :{ وما هو بقول شاعر} .

فقال :{ والشعراء يتبعهم الغاوون} قيل : هي في أمية بن أبي الصلت ، وأبي عزة ، ومسافع الجمحي ، وهبيرة بن أبي وهب ، وأبي سفيان بن الحرث ، وابن الزبعري . وقد أسلم ابن الزبعري وأبو سفيان . والشعراء عام يدخل فيه كل شاعر ، والمذموم من يهجو ويمدح شهوة محرمة ، ويقذف المحصنات ، ويقول الزور وما لا يسوغ شرعاً .

وقرأ عيسى : والشعراء : نصباً على الاشتغال ؛ والجمهور : رفعاً على الابتداء والخبر .

وقرأ السلمي ، والحسن

بخلاف عنه ، ونافع يتبعهم مخففاً ؛ وباقي السبعة مشدداً ؛ وسكن العين : الحسن ، وعبد الوارث ، عن أبي عمرو . وروى هارون : نصبها عن بعضهم ، وهو مشكل . { وَالْغَاوُونَ } ، قال ابن عباس : الرواة ، وقال أيضاً : المستحسنون لأشعارهم ، المصاحبون لهم . وقال عكرمة : الرعاع الذين يتبعون الشاعر . وقال مجاهد ، وقتادة : الشياطين . وقال عطية : السفهاء المشركون يتبعون شعراءهم .

٢٢٥

{أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ } : تمثيل لذهابهم في كل شعب من القول ، واعتسافهم وقلة مبالاتهم بالغلو في المنطق ، ومجاوزة حد القصد فيه ، حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة ، وأشجهم علي حاتم ، ويبهتوا البريء ، ويفسقوا النفي .

٢٢٦

انظر تسفير الآية:٢٢٧

٢٢٧

وقال ابن عباس : هو تقبيحهم الحسن ، وتحسينهم القبيح .{ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ } ، وذلك لغلوهم في أفانين الكلام ، ولهجهم بالفصاحة والمعاني اللطيفة ، قد ينسبون لأنفسهم ما لا يقع منهم . وقد درأ الحد في الخمر عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه ، عن النعمان بن عدي ، في شعر قاله لزوجته حين احتج عليه بهذه الآية ، وكان قد ولاه بيسان ، فعزله وأراد أن يحده والفرزدق ، سليمان بن عبد الملك : فبتن كأنهن مصرعات

وبت أفض أغلاق الختام

فقال له سليمان : لقد وجب عليك الحد ، فقال : لقد درأ اللّه عني الجدّ بقوله :{ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ} أخبر تعالى عن الشعراء بالأحوال التي تخالف حالا النبوة ، إذ أمرهم ، كما ذكر ، من اتباع الغواة لهم ، وسلوكهم أفانين الكلام من مدح الشيء وذمه ، ونسبة ما لا يقع منهم إليهم ، وذلك بخلاف حال النبوة ، فإنها طريقة واحدة ، لا يتبعها إلا الراشدون . ودعوة الأنبياء واحدة ، وهي الدعاء إلى توحيد اللّه وعبادته ، والترغيب في الآخرة والصدق . وهذا مع أن ما جاءوا به لا يمكن أن يجيء به غيرهم من ظهور المعجز . ولما كان ما سبق ذماً للشعراء ، واستثنى منهم من اتصف بالإيمان والعمل الصالح والإكثار من ذكر اللّه ، وكان ذلك أغلب عليهم من الشعر ؛ وإذا نظموا شعراً كان في توحيد اللّه والثناء عليه وعلى رسوله صلى اللّه عليه وسلم وصحبه ، والموعظة والزهد والآداب الحسنة وتسهيل علم ، وكل ما يسوغ القول فيه شرعاً فلا يتلطخون في قوله بذنب ولا منقصة . والشعر باب من الكلام ، حسنه حسن ، وقبيحه قبيح .

وقال رجل علوي لعمرو بن عبيد : إن صدري ليجيش بالشعر ، فقال : ما يمنعك منه فيما لا بأس به .

وقيل : المراد بالمستثنين : حسان ، وعبد اللّه بن رواحة ، وكعب بن مالك ، وكعب بن زهير ، ومن كان ينافخ عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وقال عليه السلام لكعب بن مالك : { اهجهم فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من النبل} . وقال لحسان : { قل وروح القدس معك } ، وهذا معنى قوله : { وَانتَصَرُواْ } : أي بالقول فيمن ظلمهم . وقال عطاء بن يسار وغيره : لما ذم الشعراء بقوله :{ وَالشُّعَرَاء } الآية ، شق ذلك على حسان وابن رواحة وكعب بن مالك ، وذكروا ذلك للرسول عليه الصلاة والسلام ، فنزلت آية الاستثناء بالمدينة ، وخص ابن زيد قوله :{ وَذَكَرُواْ اللّه كَثِيراً } ، فقال : أي في شعرهم .

وقال ابن عباس : صار خلقاً لهم وعادة ، كما قال لبيد ، حين طلب منه شعرة : إن اللّه أبدلني بالشعر القرآن خيراً منه . ولما ذكر :{ وَانتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } ، توعد الظالمين هذا التوعد العظيم الهائل الصادع للأكباد وأبهم في قوله :{ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}

ولما عهد أبو بكر لعمر رضي اللّه عنهما ، تلا عليه :{ وَسَيَعْلَمْ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } ، وكان السلف الصالح يتواعظون بها . والمفهوم من الشريعة أن الذين ظلموا هم الكفار .

وقال الزمخشري : وتفسير الظلم بالكفر تعليل ، وكان ذكر قبل أن الذين ظلموا مطلق ، وهذا منه على طريق الاعتزال .

وقرأ ابن عباس ، وابن أرقم ، عن الحسن : أي منفلت ينفلتون ، بفاء وتاءين ، معناه : إن الذين ظلموا يطمعون أن ينفلتوا من عذاب اللّه ، وسيعلمون أن ليس لهم وجه من وجوه الانفلات ، وهو النجاة .{ وَسَيَعْلَمْ } هنا معلقة ، وأي منقلب : استفهام ، والناصب له ينقلبون ، وهو مصدر . والجملة في موضع المفعول لسيعلم . وقال أبو البقاء : أي منقلب مصدر نعت لمصدر محذوف ، والعامل ينقلبون انقلاباً ، أي منقلب ، ولا يعمل فيه يعلم ، لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله . انتهى . وهذا تخليط ، لأن أياً ، إذا وصف بها ، لم تكن استفهاماً ، بل أي الموصوف بها قسم لأي المستفهم بها ، لا قسم . برأسه فأي تكون شرطية واستفهامية وموصولة ، ووصفاً على مذهب الأخفش موصوفة بنكرة نحو : مررت بأي معجب لك ، وتكون مناداة وصلة لنداء ما فيه الألف واللام نحو : يا أيها الرجل . والأخفش يزعم أن التي في النداء موصولة . ومذهب الجمهور أنها قسم برأسه ، والصفة تقع حالاً من المعرفة ، فهذه أقسام أي ؛ فإذا

قلت : قد علمت أي ضرب تضرب ، فهي استفهامية ، لا صفة لمصدر محذوف .

﴿ ٠