٤٨

و { أَهْلِ الْكِتَابِ } : اليهود والنصارى .{ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } : من الملاطفة في الدعاء إلى اللّه والتنبيه على آياته .{ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ } : ممن لم يؤد جزية ونصب الحرب ، وصرح بأن للّه ولداً أو شريكاً ، أو يده مغلولة ؛ فالآية منسوخة في مهادنة من لم يحارب ، قاله مجاهد ومؤمنو أهل الكتاب .{ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } : أي بالموافقة فيما حدثوكم به من أحبار أوائلهم .{ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ } : من بقي منهم على كفره ، وعد لقريظة والنضير ، قاله ابن زيد ، والآية على هذا محكمة .

وقيل : إلا الذين آذوا رسول

اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وقال قتادة : الآية منسوخة بقوله : { قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } الآية .

وقرأ الجمهور : إلا ، حرف استثناء ؛ وابن عباس : ألا ، حرف تنبيه واستفتاح ، وتقديره : ألا جادلوهم بالتي هي أحسن .{ وَقُولُواْ ءامَنَّا } : هذا من المجادلة بالأحسن .{ بِالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْنَا } ، وهو القرآن ، { وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ } ، وهو التوراة والزبور والإنجيل .

وفي صحيح البخاري ، عن أبي هريرة : كان أهل الكتاب يقرؤن التوراة بالعبرانية ، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : { لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم} .{ وَكَذالِكَ } : أي مثل ذلك الإنزال الذي للكتب السابقة ، { أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ } : أي القرآن .{ فَالَّذِينَ ءاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ } هم : عبد اللّه بن سلام ومن آمن معه .{ وَمِنْ هَؤُلاء } : أي من أهل مكة .

وقيل :{ فَالَّذِينَ ءاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ } : أي الذين تقدموا عهد الرسول ، يؤمنون به : أي بالقرآن ، إذ هو مذكور في كتبهم أنه ينزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.{ وَمِنْ هَؤُلاء } : أي ممن في عهده منهم .{ وَمَا يَجْحَدُ بِئَايَاتِنَا } ، مع ظهورها وزوال الشبهة عنها ، { إِلاَّ الْكَافِرونَ } : أي من بني إسرائيل وغيرهم .

قال مجاهد : كان أهل الكتاب يقرأون في كتبهم أن محمداً عليه السلام ، لا يحظ ولا يقرأ كتاباً ، فنزلت :{ وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ } : أي من قبل نزوله عليك ، { مِن كِتَابِ } : أي كتاباً ، ومن زائدة لأنها في متعلق النفي ، { وَلاَ تَخُطُّهُ } : أي لا تقرأ ولا تكتب ، { بِيَمِينِكَ } : وهي الجارحة التي يكتب بها ، وذكرها زيادة تصوير لما نفي عنه من الكتابة ، لما ذكر إنزال الكتاب عليه ، متضمناً من البلاغة والفصاحة والإخبار عن الأمم السابقة والأمور المغيبة ما أعجز البشر أن يأتوا بسورة مثله . أخذ يحقق ، كونه نازلاً من عند اللّه ، بأنه ظهر عن رجل أمي ، لا يقرأ ولا يكتب ، ولا يخالط أهل العلم . وظهور هذا القرآن المنزل عليه أعظم دليل على صدقه ، وأكثر المسلمين على أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم يكتب قط ، ولم يقرأ بالنظر في كتاب .

وروي عن الشعبي أنه قال : ما مات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، حتى كتب وأسند النقاش . حديث أبي كبشة السلولي : أنه صلى اللّه عليه وسلم ، قرأ صحيفة لعيينة ابن حصن وأخبر بمعناها . وفي صحيح مسلم ما ظاهره : أنه كتب مباشرة ، وقد ذهب إلى ذلك جماعة ، منهم أبو ذر عبد اللّه بن أحمد الهروي ، والقاضي أبو الوليد الباجي وغيرهما . واشتد نكير كثير من علماء بلادنا على أبي الوليد الباجي ، حتى كان بعضهم يسبه ويطعن فيه على المنبر . وتأول أكثر العلماء ما ورد من أنه كتب على أن معناه : أمر بالكتابة ، كما تقول : كتب السلطان لفلان بكذا ، أي أمر بالكتب .{ إِذاً لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ } : أي لو كان يقرأ كتباً قبل نزول القرآن عليه ، أو يكتب ، لحصلت الريبة للمبطلين ، إذا كانوا يقولون : حصل ذلك الذي يتلوه مما قرأه ، قيل : وخطه واستحفظه ؛ فكان يكون لهم في ارتيابهم تعلق ببعض شبهة ،

وأما ارتيابهم مع وضوح هذه الحجة فظاهر فساده . والمبطلون : أهل الكتاب ، قاله قتادة ؛ أو كفار قريش ، قاله مجاهد . وسموا مبطلين ، لأنهم كفروا به ، وهو أمي بعيد من الريب . ولما لم يكن قارئاً ولا كاتباً ، كان ارتيابهم لا وجه له .

﴿ ٤٨