١٠

ذكرهم اللّه تعالى بنعمته عليهم في غزوة الخندق ، وما اتصل بها من أمر بني قريظة ، وقد استوفى ذلك أهل السير ، ونذكر من ذلك ما له تعلق بالآيات التي نفسرها .

وإذ معمولة لنعمة ، أي إنعامه عليكم وقت مجيء الجنود ، والجنود كانوا عشرة الآف قريش ، ومن تابعهم من الأحابيش في أربعة آلاف يقودهم أبو سفيان ، وبنو أسد يقودهم طليحة ، وغطفان يقودهم عيينة ، وبنو عامر يقودهم عامر بن الطفيل ، وسليم يقودهم أبو الأعور ، واليهود النضير رؤساؤهم حيي بن أخطب وابنا أبي الحقيق ، وبنو قريظة سيدهم كعب بن أسد ، وكان بينه وبين الرسول عهد ، فنبذه بسعي حيي بن أخطب .

وقيل : فاجتمعوا خمسة عشر ألفاً ، وهم الأحزاب ، ونزلوا المدينة ، فحفروا الخندق بإشار سلمان ، وظهرت للرسول به تلك المعجزة العظيمة من كسر الصخرة التي أعوزت الصحابة ثلاث فرق ، ظهرت مع كل فرقة برقة ، أراه اللّه منها مدائن كسرى وما حولها ، روما ومدائن قيصر وما حولها ، ومدائن الحبشة وما حولها ؛ وبشر بفتح ذلك ، وأقام الذراري والنساء بالآطام ، وخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمسلمون في ثلاثة آلاف ، فنزلوا بظهر سلع ، والخندق بينهم وبين المشركين ، وكان ذلك في شوال ، سنة خمس ، قاله ابن إسحاق . وقال مالك : سنة أربع .

وقرأ الحسن : وجنوداً ، بفتح الجيم ؛ والجمهور : بالضم . بعث اللّه الصبا النصرة نبيه ، فأضرت بهم ؛ هدمت بيوتهم ، وأطفأت نيرانهم ، وقطعت حبالهم ، وأكفأت قدورهم ، ولم يمكنهم معها قرار . وبعث اللّه مع الصبا ملائكة تشدد الريح وتفعل نحو فعلها .

وقرأ أبو عمر

وفي رواية ، وأبو بكرة في رواية : لم يروها ، بياء الغيبة ؛ وباقي السبعة ، والجمهور : بتاء الخطاب .{ مّن فَوْقِكُمْ } : من أعلى الوادي من قبل مشرق غطفان ، { وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ } : من أسفل الوادي منه قبل المغرب ، وقريش تحزبوا وقالوا : نكون جملة حتى نستأصل محمداً . وقال مجاهد :{ مّن فَوْقِكُمْ } ، يريدف أهل نجد مع عيينة بن حصن ، و { مِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ } ، يريد مكة وسائر تهامة ، وهو قول قريب من الأول .

وقيل : إنما يراد ما يختص ببقعة المدينة ، أي نزلت طائفة في أعلى المدينة ، وطائفة في أسفلها ، وهذا قريب من القول الأول ، وقد يكون ذلك على معنى المبالغة ، أي جاوؤكم من جميع الجهات ، كأنه قيل : إذ جاوؤكم محيطين بكم ، كقوله :{ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } ، المعنى : يغشاهم محيطاً بجميع أبدانهم . وزيغ الأبصار : ميلها عن مستوى نظرها ، فعل الواله الجزع . وقال الفراء : زاغت من كل شيء ، فلم تلتفت إلا إلى عدوها . وبلوغ القلب الحناجر : مبالغة في اضطرابها ووجيبها ، دون أن تنتقل من مقرها إلى الحنجرة .

وقيل : بحت القلوب من شدة الفزع ، فيتصل وجيبها بالحنجرة ، فكأنها بلغتها .

وقيل : يجد خشونة وقلبه يصعد علواً لينفصل ، فالبلوغ ليس حقيقة .

وقيل : القلب عند الغضب يندفع ، وعند الخوف يجتمع فيتقلص بالحنجرة .

وقيل : يفضي إلى أن يسد مخرج النفس ، فلا يقدر المرء أن يتنفس ، ويموت خوفاً ، ومثله :{ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ}

وقيل : إذا انتفخت الرئة من شدّة الفزع والغضب ، أو الغم الشديد ، ربت وارتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة ، ومن ثم قيل للجبان ، انتفخ سحره . والظنون : جمع لما اختلفت متعلقاته ، وإن كان لا ينقاس عند من جمع المصدر إذا اختلفت متعلقاته ، وينقاس عند غيره ، وقد جاء الظنون جمعاً في أشعارهم ، أنشد أبو عمرو في كتاب الألحان : إذا الجوزاء أردفت التريا

ظننت بآل فاطمة الظنونا

فظن المؤمنون الخلص أن ما وعدهم اللّه من النصر حق ، وأنهم يستظهرون ؛ وظن الضعيف الإيمان مضطربه ، والمنافقون أن الرسول والمؤمنين سيغلبون ، وكل هؤلاء يشملهم الضمير في { وَتَظُنُّونَ} وقال الحسن : ظنوا ظنوناً مختلفة ، ظن المنافقون أن المسليمن يستأصلون ، وظن المؤمنون أنهم يبتلون . و

قال ابن عطية : أي يكادون يضطربون ، ويقولون : ما هذا الخلف للوعد ؟ وهذه عبارة عن خواطر خطرت للمؤمنين ، لا يمكن البشر دفعها .

وأما المنافقون فعجلوا ونطقوا .

وقال الزمخشري : ظن المؤمنون الثبت القلوب باللّه أن يبتلهيهم ويفتنهم ، فخافوا الزلل وضعف الاحتمال ؛ والضعاف القلوب الذين هم على حرف والمنافقون ظنوا باللّه ما حكى عنهم ، وكتب : الظنونا والرسولا والسبيلا في المصحف بالألف ، فحذفها حمزة وأبو عمر ووقفاً ووصلاً ؛ وابن كثير ، والكسائي ، وحفص : بحذفها وصلاً خاصة ؛ وباقي السبعة : بإثباتها في الحالين . واختار أبو عبيد والحذاق أن يوقف على هذه الكلمة بالألف ، ولا يوصل ، فيحذف أو يثبت ، لأن حذفها مخالف لما اجتمعت عليه مصاحف الأمصار ، ولأن إثباتها الوصل معدوم في لسان العرب ، نظمهم ونثرهم ، لا في اضطرار ولا غيره . أما إثباتها في الوقف ففيه اتباع الرسم وموافقته لبعض مذاهب العرب ، لأنهم يثبتون هذه الألف في قوافي أشعارهم وفي تصاريفها ، والفواصل في الكلام كالمصارع . وقال أبو علي : هي رؤوس الآي ، تشبه بالقوافي من حيث كانت مقاطع ، كما كانت القوافي مقاطع .

﴿ ١٠