٣٠

سبب نزولها أن أزواجه / صلى اللّه عليه وسلم ، تغايرن وأردن زيادة في كسوة ونفقة ، فنزلت . ولما نصر اللّه نبيه وفرق عنه الأحزاب وفتح عليه قريظة والنضير ، ظن أزواجه أنه اختص بنفائس اليهود وذخائرهم ، فقعدن حوله وقلن : يا رسول اللّه ، بنات كسرى وقيصر في الحلى والحلل والإماء والخول ، ونحن على ما تراه من الفاقة والضيق . وآلمن قلبه بمطالبتهن له بتوسعة الحال ، وأن يعاملهن بما يعامل به الملوك والأكابر أزواجهم ، فأمره اللّه أن يتلو عليهن ما نزل في أمرهن ؛ وأزواجه إذ ذاك تسع : عائشة بنت أبي بكر ، وحفصة بنت عمه ، وأم حبيبة بنت أبي سفيان ، وسودة بنت زمعة ، وأم سملة بنت أبي أمية ، وهؤلاء من قري ٥ . ومن غير قري ٥ : ميمونة بنت الحارث الهلالية

وزينب بنت جحش الأسدية ، وجويرية بنت الحارث المصطلقية ، وصفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية .

وقال أبو القاسم الصيرفي : لما خير رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، بين ملك الدنيا ونعيم الآخرة ، فاختار الآخرة ، وأمر بتخيير نسائه ليظهر صدق موافقتهن ، وكان تحته عشر نساء ، زاد الحميرية ، فاخترن اللّه ورسوله إلا الحميرية . وروي أنه قال لعائشة ، وبدأ بها ، وكانت أحبهن إليه :  { إن ذاكر لك أمراً ، ولا عليك أن لا تعجلي فيه تستأمري أبويك} . ثم قرأ عليها القرآن ، فقالت : أفي هذا أستأمر أبوي ؟ فإني أريد اللّه ورسوله والدار الآخرة ، لا تخبر أزواجك أني اخترتك ، فقال : { إنما بعثني اللّه مبلغاً ولم يبعثني متعنتاً} . والظاهر أنهن إذا اخترن الحياة الدنيا وزينتها ، متعهن رسول اللّه وطلقهن ، وأنه ليس باختيارهن ذلك يقع الفراق دون أن يوقعه هو . وقال الأكثرون : هي آية تخيير ، فإذا قال لها : اختاري ، فاختارت زوجها ، لم يكن ذلك طلاقاً . وعن علي : تكون واحدة رجعية ، وإن اختارت نفسها ، وقعت طلقة بائنة عند أبي حنيفة وأصحابه ، وهو قول علي ؛ وواحدة رجعية ، وإن اختارت نفسها ، وقعت طلقة بائنة عند أبي حنيفة وأصحابه ، وهو قول علي ؛ وواحدة رجعية عند الشافعي ، وهو قول عمر وابن مسعود ؛ وثلاث عند مالك . وأكثر الناس ذهبوا إلى أن الآية في التخيير والطلاق ، وهو قول علي والحسن وقتادة ، قال هذا القائل .

وأما أمر الطلاق فمرجأ ، فإن اخترن أنفسهن ، نظر هو كيف يسرحهن ، وليس فيها تخيير في الطلاق ، لأن التخيير يتضمن ثلاث تطليقات ، وهو قد قال :{ وَأُسَرّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } ، وليس مع بت الطلاق سراح جميل . انتهى .

والذي يدل عليه ظاهر الآية هو ما ذكرناه أولاً من أنه علق على إرادتهن زينة الحياة الدنيا وقوع التمتيع والتسريح منه ، والمعنى في الآية : أنه كان عظيم همكن ومطلبكن التعمق في الدنيا ونيل نعيمها وزينتها .

وتقدم الكلام في :{ فَتَعَالَيْنَ } في قوله تعالى :{ قُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ } في آل عمران .{ أُمَتّعْكُنَّ } ،قيل : المتعة واجبة في الطلاق ؛

وقيل : مندوب إليها . والأمر في قوله :{ وَمَتّعُوهُنَّ } يقتضي الوجوب في مذهب الفقهاء ، وتقدم الكلام في ذلك ، وفي تفصيل المذاهب في البقرة . والتسريح الجميل إما في دون البيت ، أو جميل الثناء ، والمعتقد وحسن العشرة إن كان تاماً .

وقرأ الجمهور :{ أُمَتّعْكُنَّ } ، بالتشديد من متع ؛ وزيد بن علي : بالتخفيف من أمتع ، ومعنى { أَعَدَّ } : هيأ ويسر ، واوقع الظاهر موقع المضمر تنبيهاً على الوصف الذي ترتب لهن به الأجر العظيم ، وهو الإحسان ، كأنه قال : أعدلكن ، لأن من أراد اللّه ورسوله والدار الآخرة كان محسناً . وقراءة حميد الخراز :{ أُمَتّعْكُنَّ وَأُسَرّحْكُنَّ } ، بالرفع على الاستئناف ؛ والجمهور : بالجزم على جواب الأمر ، أو على جواب الشرط ، ويكون { فَتَعَالَيْنَ } جملة اعتراض بين الشرط وجزائه ، ولا يضر دخول الفاء على جملة الاعتراض ، ومثل ذلك قول الشاعر : واعلم فعلم المرء ينفعه

إن سوف يأتي كل ما قدرا

ثم نادى نساء النبي ، ليجعلن بالهن مما يخاطبن به ، إذا كان أمراً يجعل له البال .

وقرأ زيد بن علي ، والجحدري ، وعمرو بن فائد الأسواري ، ويعقوب : تأت ، بتاء التأنيث ، حملاً على معنى من ؛ والجمهور : بالياء ، حملاً على لفظ من .{ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ } : كبيرة من المعاصي ، ولا يتوهم أنها الزنا ، لعصمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، من ذلك ، ولأنه وصفها بالتبيين والزنا مما يتستر به ، وينبغي أن تحمل الفاحشة على عقوق الزوج وفساد عشرته . ولما كان مكانهن مهبط الوحي من الأوامر والنواهي ، لزمهن بسبب ذلك . وكونهن تحت الرسول أكثر مما يلزم غيرهن ، فضوعف لهن الأجر والعذاب .

وقرأ نافع ، وحمزة ، وعاصم ، والكسائي :{ يُضَاعِفُ } ، بألف وفتح العين ؛ والحسن ، وعيسى ، وأبو عمرو : بالتشديد وفتح العين ؛ والجحدري ، وابن كثير ، وأبو عامر : بالنون وشد العين مكسورة ؛ وزيد بن علي ، وابن محيصن ، وخارجة ، عن أبي عمرو : بالألف والنون والكسر ؛ وفرقة : بياء الغيبة والألف والكسر . ومن فتح العين رفع { الْعَذَابَ } ، ومن كسرها نصبه .{ ضِعْفَيْنِ } : أي عذابين ، فيضاف إلى عذاب سائر الناس عذاب آخر . وقال أبو

عبيدة ، وأبو عمرو فيما حكى الطبري عنهما : إنه يضاف إلى العذاب عذابان ، فتكون ثلاثة . وكون الأجر مرتين بعد هذا القول ، لأن العذاب في الفاحشة بإزاء الأجر في الطاعة . { وَكَانَ ذالِكَ } : أي تضعيف العذاب عليهن ، { عَلَى اللّه يَسِيراً } : أي سهلاً ، وفيه إعلام بأن كونهن نساء ، مع مقارفة الذنب ، لا يغني عنهن شيئاً ، وهو يغني عنهن ، وهو سبب مضاعفة العذاب .

﴿ ٣٠