٤٣

{وَإِذْ تَقُولُ } : الخطاب للرسول ، عليه السلام .{ لِلَّذِى أَنعَمَ اللّه عَلَيْهِ } ، بالإسلام ، وهو أجل النعم ، وهو زيد بن حارثة الذي كان الرسول تبناه .{ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } : وهو عتقه ، وتقدّم طرف من قصته في أوائل السورة .{ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } : وهي زينب بنت جحش ، وتقدّم أن الرسول كان خطبها له .

وقيل : أنعم اللّه عليه بصحبتك ومودتك ، وأنعمت عليه بتبنيه . فجاء زيد فقال : يا رسول اللّه ، إني أريد أن أفارق صاحبتي ، فقال : { أرا بك منها شيء } قال : لا واللّه ولكنها تعظم علي لشرفها وتؤذيني بلسانها ، فقال :  { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ }{ ، أي لا تطلقها ، وهو أمر ندب ، {وَاتَّقِ اللّه } في معاشرتها} . فطلقها ، وتزوجها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، بعد انقضاء عدّتها . وعلل تزويجه إياها بقوله :{ لِكَىْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ } في أن يتزوجوا زوجات من كانوا تبنوه إذا فارقوهن ، وأن هؤلاء الزوجات ليست داخلات فيما حرم في قوله :{ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ}

وقال علي بن الحسين : كان قد أوحى اللّه إليه أن زيداً سيطلقها ، وأنه يتزوجها بتزويج اللّه إياها . فلما شكا زيد خلقها ، وأنها لا تطيعه ، وأعلمه بأنه يريد طلاقها ، قال : له { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللّه } ، على طريق الأدب والوصية ، وهو يعلم أنه سيطلقها . وهذا هو الذي أخفي في نفسه ، ولم يرد أنه يأمره بالطلاق . ولما علم من أنه سيطلقها ، وخشي رسول اللّه أن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد ، وهو مولاه ، وقد أمره بطلاقها ، فعاتبه اللّه على هذا القدر في شيء قد أباحه اللّه بأن قال ؛ { أَمْسِكْ } ، مع علمه أنه يطلق ، فأعلمه أن اللّه أحق بالخشية ، أي في كل حال . انتهى . وهذا المروي عن علي بن الحسين ، هو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين ، كالزهري ، وبكر بن العلاء ، والقشيري ، والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم . والمراد بقوله :{ وَتَخْشَى النَّاسَ } ، إنما هو إرجاف المنافقين في تزويج نساء الأنبياء ، والنبي صلى اللّه عليه وسلم معصوم في حركاته وسكناته . ولبعض المفسرين كلام في الآية يقتضي النقص من منصب النبوة ، ضربنا عنه صفحاً .

وقيل ؛ قوله { وَاتَّقِ اللّه وَتُخْفِى فِى نِفْسِكَ مَا اللّه مُبْدِيهِ } : خطاب من اللّه عز وجل ، أو من النبي صلى اللّه عليه وسلم لزيد ، فإنه أخفى الميل إليها ، وأظهر الرغبة عنها ، لما توهم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أراد أن تكون من نسائه . انتهى .

وللزمخشري : في هذه الآية كلام طويل ، وبعضه لا يليق ذكره بما فيه غير صواب مما جرى فيه على مذهب الاعتزال وغيره ، واخترت منه ما أنصه . قال : كم من شيء يتحفظ منه الإنسان ويستحيي من إطلاع الناس عليه ، وهو في نفسه مباح متسع وحلال مطلق ، لا مقال فيه ولا عيب عند اللّه . وربما كان الدخول في ذلك المباح سلماً إلى حصول واجبات ، لعظم أثرها في الدين ، ويجل ثوابها ، ولو لم يتحفظ منه ، لأطلق كثير من الناس فيه ألسنتهم ، إلا من أوتي فضلاً وعلماً وديناً ونظراً في حقائق الأشياء ولبابها دون قشورها . ألا ترى أنهم كانوا إذا طمعوا في بيوت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، بقوا مرتكزين في مجالسهم لا يديمون مستأنسين بالحديث . وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يؤذيه قعودهم ، ويضيق صدره حديثهم ، والحياء يصدّه أن يأمرهم بالانتشار حتى نزلت :{ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِىّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى} ولو أبرز رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مكنون ضميره ، وأمرهم أن ينتشروا ، لشق عليهم ، ولكان بعض المقالة . فهذا من ذلك القبيل ، لأن طموح قلب الإنسان إلى بعض مشتهياته ، من امرأة أو غيرها ، غير موصوف بالقبح في العقل ولا في الشرع . وتناول المباح بالطريق الشرعي ليس بقبيح أيضاً ، وهو خطبة زينب ونكاحها من غير استنزال زيد عنها ، ولا طلب إليه . ولم يكن مستنكراً عندهم أن ينزل الرجل منهم عن امرأته لصديقه ، ولا مستهجناً إذا نزل عنها أن ينكحها الآخر . فإن المهاجرين حين دخلوا المدينة ، استهم الأنصار بكل شيء ، حتى أن الرجل منهم إذا كانت له امرأتان نزل عن إحداهما وأنكحها المهاجر . وإذا كان الأمر مباحاً من جميع جهاته ، ولم يكن فيه وجه من وجوه القبح ، ولا مفسدة ولا مضرة بزيد ولا بأحد ، بل كان مستجراً مصالح ؛ ناهيك

بواحدة منها : أن بنت عمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، أمنت الأيمة والضيعة ونالت الشرف وعادت أماً من أمّهات المؤمنين ، إلى ما ذكر اللّه عز وجل من المصلحة العامّة في قوله : { لِكَىْ لاَ يَكُونَ } الآية . انتهى ما اخترناه من كلام الزمخشري . وقوله :{ أَمْسِكْ عَلَيْكَ } فيه وصول الفعل الرافع الضمير المتصل إلى الضمير المجرور وهماً لشخص واحد ، فهو كقوله :

هوّن عليك ودع عنك نهياً صيح في حجراته

وذكروا في مثل هذا التركيب أن على وعن اسمان ، ولا يجوز أن يكونا حرفين ، لامتناع فكر فيك ، وأعني بك ، بل هذا مما يكون فيه النفس ، أي فكر في نفسك ، وأعني بنفسك ، وقد تكلمنا على هذا في قوله :{ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ } ،{ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} وقال الحوفي :{ وَتُخْفِى فِى نِفْسِكَ } : مستأنف ، { وَتَخْشَى } : معطوف على وتخفي .

وقال الزمخشري : واو الحال ، أي تقول لزيد :{ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } ، مخفياً في نفسك إرادة أن لا يمسكها ، وتخفي خاشياً قاله الناس ، أو واو العطف ، كأنه قيل : وأن تجمع بين قولك :{ أَمْسِكْ } ، وإخفاء قالة ، وخشية الناس . انتهى . ولا يكون { وَتُخْفِى } حالاً على إضمار مبتدأ ، أي وأنت تخفي ، لأنه مضارع مثبت ، فلا يدخل عليه الواو إلا على ذلك الإضمار ، وهو مع ذلك قليل نادر ، لا يبنى على مثله القواعد ؛ ومنه قولهم : قمت وأصك عينه ، أي وأنا أصك عينه .{ وَاللّه أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ } : تقدّم إعراب نظيره في التوبة .

{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مّنْهَا وَطَراً } : أي حاجة ، قيل : وهو الجماع ، قاله ابن عباس . وروي أبو عصمة : نوح ابن أبي مريم ، بإسناد رفعه إلى زينب أنها قالت : ما كنت أمتنع منه ، غير أن اللّه منعني منه .

وقيل : إنه مذ تزوجها لم يتمكن من الاستمتاع بها . وروي أنه كان يتورم ذلك منه حين يريد أن يقر بها . وقال قتادة : الوطر هنا : الطلاق .

وقرأ الجمهور :{ زَوَّجْنَاكَهَا } ، بنون العظمة ؛ وجعفر بن محمد ، وابن الحنفية ، وأخواه الحسن والحسين ، وأبوهم علي : زوجتكها ، بتاء الضمير للمتكلم . ونفى تعالى الحرج عن المؤمنين في إجراء أزواج المتبنين مجرى أزواج النبين في تحريمهن عليهن بعد انقطاع علائق الزواج بينهم وبينهن .{ وَكَانَ أَمْرُ اللّه } : أي مقتضى أمر اللّه ، أو مضمن أمره .

قال ابن عطية : وإلا فالأمر قديم لا يوصف بأنه مفعول ، ويحتمل على بعد أن يكون الأمر واحد الأمور التي شأنها أن تفعل .

وقال الزمخشري :{ وَكَانَ أَمْرُ اللّه } الذي يريد أن يكونه ، { مَفْعُولاً } : مكوناً لا محالة ، وهو مثل لما أراد كونه من تزويج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زينب . ويجوز أن يراد بأمر اللّه المكون ، لأنه مفعول يكن . ولما نفى الحرج عن المؤمنين فيما ذكر ، واندرج الرسول فيهم ، إذ هو سيد المؤمنين ، نفى عنه الحرج بخصوصه ، وذلك على سبيل التكريم والتشريف ، ونفى الحرج عنه مرتين ، إحداهما بالاندراج في العموم ، والأخرى بالخصوص .

{فِيمَا فَرَضَ اللّه لَهُ } ، قال الحسن : فيما خص به من صحة النكاح بلا صداق . وقال قتادة : فيما أحل له . وقال الضحاك : في الزيادة على الأربع ، وكانت اليهود عابوه بكثرة النكاح وكثرة الأزواج ، فرد اللّه عليهم بقوله :{ سُنَّةَ اللّه } : أي في الأنبياء بكثرة النساء ، حتى كان لسليمان ، عليه السلام ، ثلاثمائة حرة وسبعماى ة سرية ، وكان لداود مائة امرأة وثلاثمائة سرية .

وقيل : الإشارة إلى أن الرسول جمع بينه وبين زينب ، كما جمع بين داود وبين التي تزوجها بعد قتل زوجها . وانتصب { سُنَّةَ اللّه } على أنه اسم موضوع موضع المصدر ، قاله الزمخشري ؛ أ على المصدر ؛ أو على إضمار فعل تقديره : ألزم أو نحوه ، أو على الإغراء ، كأنه قال : فعليه سنة اللّه .

قال ابن عطية : وقوله : أو على الإغراء ، ليس بجيد ، لأن عامل الاسم في الإغراء لا يجوز حذفه ،

وأيضاً فتقديره : فعليه سنة اللّه بضمير الغيبة ، ولا يجوز ذلك في الإغراء ، إذ لا يغرى غائب . وما جاء من قولهم : عليه رجلاً ، ليسنى له تأويل ، وهو مع ذلك نادر . و { الَّذِينَ خَلَوْاْ } : الأنبياء ، بدليل وصفهم بعد قوله :{ الَّذِينَ يُبَلّغُونَ رِسَالاتِ اللّه}{ وَكَانَ أَمْرُ اللّه } : أي مأموراته ، والكائنات من أمره ، فهي مقدورة . وقوله :{ قَدْراً } : أي ذا قدر ، أو عن قدر ، أو قضاء مقضياً وحكماً مثبوتاً . و { الَّذِينَ } : صفة الذين خلوا ، أو مرفوع ، أو منصوب على إضمارهم ، أو على أمدح .

وقرأ عبد اللّه : الذين بلغوا ، جعله فعلاً ماضياً .

وقرأ أبي : رسالة اللّه على التوحيد ؛ والجمهور : يبلغون رسالات جمعاً .{ وَكَفَى بِاللّه حَسِيباً } : أي محاسباً على جميع الأعمال والعقائد ، أو محسباً : أي كافياً .

ثم نفى تعالى كون رسوله { أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ } ، بينه وبين من تبناه من حرمة الصهارة والنكاح ما يثبت بين الأب وولده . هذا مقصود هذه الجملة ، وليس المقصود أنه لم يكن له ولد ، فيحتاج إلى الاحتجاج في أمر بنيه بأنهم كانوا ماتوا ، ولا في أمر الحسن والحسين بأنهما كانا طفلين . وإضافة رجالكم إلى ضمير المخاطبين يخرج من كان من بنيه ، لأنهم رجاله ، لا رجال المخاطبين .

وقرأ الجمهور ؛{ وَلَاكِن رَّسُولَ } ، بتخفيف لكن ونصب رسول على إضمار كان ، لدلالة كان المتقدّمة عليه ؛ قيل :أو على العطف على { أَبَا أَحَدٍ}

وقرأ عبد الوارث ، عن أبي عمرو : بالتشديد والنصب على أنه خبر لكن ، والخبر محذوف تقديره :{ وَلَاكِن رَّسُولَ اللّه وَخَاتَمَ النَّبِيّينَ } هو ، أي محمد صلى اللّه عليه وسلم. وحذف خبر لكن واخواتها جائز إذا دل عليه الدليل . ومما جاء في ذلك قول الشاعر : فلو كنت ضبياً عرفت قرابتي

ولكنّ زنجياً عظيم المشافر

أي : أنت لا تعرف قرابتي .

وقرأ زيد بن علي ، وابن أبي عبلة : بالتخفيف ، ورفع ورسوله وخاتم ، أي ولكن هو رسول اللّه ، كما قال الشاعر : ولست الشاعر السقاف فيهم

ولكن مدرة الحرب العوال

أي : لكن أنا مدرة .

وقرأ الجمهور :{ خاتم } ، بكسر التاء ، بمعنى أنه ختمهم ، أي جاء آخرهم . وروي عنه أنه قال : أنا خاتم نبي ، وعنه : أنا خاتم النبيين في حديث واللبنة . وروي عنه ، عليه السلام ، ألفاظ تقتضي نصاً أنه لا نبي بعده صلى اللّه عليه وسلم ، والمعنى أن لا يتنبأ أحد بعده ، ولا يرد نزول عيسى آخر الزمان ، لأنه ممن نبىء قبله ، وينزل عاملاً على شريعة محمد صلى اللّه عليه وسلم مصلياً إلى قبلته كأنه بعض أمته .

قال ابن عطية : وما ذكره القاضي أبو الطيب في كتابه المسمى بالهداية ، من تجويز الاحتمال في ألفاظ هذه الآية ضعيف ، وما ذكره الغزالي في هذه الآية ، وهذا المعنى في كتابه الذي سماه بالاقتصاد ، وتطرق إلى ترك تشويش عقيدة المسلمين في ختم محمد صلى اللّه عليه وسلم النبوة ، فالحذر الحذر منه ، واللّه الهادي برحمته .

وقرأ الحسن ، والشعبي ، وزيد بن علي ، والأعرج : بخلاف ؛ وعاصم : بفتح التاء بمعنى : أنهم به ختموا ، فهو كالخاتم والطابع لهم .

ومن ذهب إلى أن النبوة مكتسبة لا تنقطع ، أو إلى أن الولي أفضل من النبي ، فهو زنديق يجب قتله . وقد ادعى النبوة ناس ، فقتلهم المسلمون على ذلك . وكان في عصرنا شخص من الفقراء ادعى النبوة بمدينة مالقة ، فقتله السلطان بن الأحمر ، ملك الأندلس بغرناطة ، وصلب إلى أن تناثر لحمه .

{النَّبِيّينَ وَكَانَ اللّه بِكُلّ شَىْء عَلِيماً } : هذا عام ، والقصد هنا علمه تعالى بما رآه الأصلح لرسوله ، وبما قدّره في الأمر كله ، ثم أمر المؤمنين بذكره بالثناء عليه وتحميده وتقديسه ، وتنزيهه عما لا يليق به . والذكر الكثير ، قال ابن عباس : أن لا ينساه أبداً ، أو التسبيح مندرج في الذكر ، لكنه خص بأنه ينزهه تعالى عما لا يليق به ، فهو أفضل ، أو من أفضل الأذكار . وعن قتادة : قولوا سبحان اللّه ، والحمد للّه ، ولا إله إلا اللّه ، واللّه أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا باللّه . وعن مجاهد : هذه الكلمات يقولها الطاهر والجنب . و { بُكْرَةً وَأَصِيلاً } : يقتضيهما اذكروا وسبحوا ، والنصب بالثاني على طريق الإعمال ، والوقتان كناية عن جميع الزمان ، ذكر الطرفين إشعار بالاستغراق .

وقال ابن عباس : أي صلوا صلاة الفجر والعشاء . وقال الأخفش : ما بين العصر إلى العشاء . وقال قتادة : الإشارة بهذين الوقتين إلى صلاة الغداة وصلاة العصر ؛ ويجوز أن يكون الأمر بالذكر وإكثارة تكثير الطاعات والإقبال على الطاعات ، فإن كل طاعة وكل خير من جملة الذكر . ثم خص من ذلك التسبيح بكرة وأصيلاً ، وهي الصلاة في جميع أوقاتها ، تفضل الصلاة غيرها ، أو صلاة الفجر والعشاء ، لأن أداءهما أشق .

ولما أمرهم بالذكر والتسبيح ، ذكر إحسانه تعالى بصلاته عليهم هو وملائكته . قال الحسن :{ يُصَلّى عَلَيْكُمْ } : يرحمكم . وقال ابن جبير : يغفر لكم . وقال أبو العالية يثني عليكم .

وقيل : يترأف بكم . وصلاة الملائكة الاستغفار ، كقوله تعالى :{ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ} وقال مقاتل : الدعاء ، والمعنى : هو الذي يترحم عليكم ، حيث يدعوكم إلى الخير ، ويأمركم بإكثار الذكر والطاعة ، ليخرجكم من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة . وقال ابن زيد : من الضلالة إلى الهدى . وقال مقاتل : من الكفر إلى الإيمان .

وقيل : من النار إلى الجنة ، حكاه الماوردي .

وقيل : من القبور إلى البعث .{ وَمَلَئِكَتُهُ } : معطوف على الضمير المرفوع المستكن في { يُصَلّى } ، فأغنى الفصل بالجار والمجرور عن التأكيد ، وصلاة اللّه غير صلاة الملائكة ، فكيف اشتركا في قدر مشترك ؟ وهو إرادة وصول الخير إليهم . فاللّه تعالى يريد برحمته إياهم إيصال الخير إليهم ، وملائكته يريدون بالاستغفار ذلك .

وقال الزمخشري : جعلوا لكونهم مستجابي الدعوة ، كأنهم فاعلون الرحمة والرأفة ، ونظيره قولهم : حياك اللّه : أي أحياك وأبقاك ، وحييتك : أي دعوت لك بأن يحييك اللّه ، لأنك لاتكالك على إجابة دعوتك كأنك تبقيه على الحقيقة ؛ وكذلك عمرك اللّه وعمرتك ، وسقاك اللّه وسقيتك ، وعليه قوله ؛{ إِنَّ اللّه وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ } : أي ادعوا له بأن يصلى عليه .{ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } : دليل على أن المراد بالصلاة الرحمة . انتهى . وما ذكره من قوله ، كأنهم فاعلون فيه الجمع بين الحقيقة والمجاز ، وما ذكرناه من أن الصلاتين اشتركتا في قدر مشترك أولى .

﴿ ٤٣