٤٨

{وَدَاعِياً إِلَى اللّه } ، قال ابن عباس : شهادة أن لا إله إلا اللّه . وقال ابن عيسى : إلى الطاعة .{ بِإِذْنِهِ } : أي بتسهيله وتيسيره ، ولا يراد به حقيقة الإذن ، لأنه قد فهم في قوله : إنا أرسلناك داعياً أنه مأذون له في الدعاء . ولما كان دعاء المشرك إلى التوحيد صعباً جداً ، قيل : بإذنه ، أي بتسهيله تعالى . و { سِرَاجاً مُّنِيراً } : جلي من ظلمات الشرك ، واهتدى به الضالون ، كما يجلى ظلام الليل بالسراج المنير . ويهتدى به إذا مد اللّه بنور نبوته نور البصائر ، كما يمد بنور السراج نور الأبصار . ووصفه بالإنارة ، لأن من السراج ما لا يضيء إذا قل سليطه ودقت فتيلته . وقال الزجاج : هو معطوف على { شَاهِداً } ،أي وذا سراج منير ، أي كتاب نير . وقال الفراء : إن شئت كان نصباً على معنى : وتالياً سراجاً منيراً .

وقال الزمخشري ؛ ويجوز على هذا التفسير أن يعطف على كاف { أَرْسَلْنَاكَ} انتهى . ولا يتضح هذا الذي قاله ، إذ يصير المعنى : أرسلنا ذا سراج منير ، وهو القرآن . ولا يوصف بالإرسال القرآن ، إنما يوصف بالإنزال . وكذلك أيضاً إذا كان التقدير : وتالياً ، يصير المعنى : أرسلنا تالياً سراجاً منيراً ، ففيه عطف الصفة التي للذات على الذات ، كقولك : رأيت زيداً والعالم . إذا كان العالم صفة لزيد ، والعطف مشعر بالتغاير ، لا يحسن مثل هذا التخريج في كلام اللّه ، وثم حمل على ما تقتضيه الفصاحة والبلاغة .

ولما ذكر تعالى أنه أرسل نبيه { شَاهِداً } إلى آخره ، تضمن ذلك الأمر بتلك الأحوال ، فكأنه قال ؛ فاشهد وبشر وأنذر وادع وانه ، ثم قال ؛{ وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ } ؛ فهذا متصل بما قبله من جهة المعنى ، وإن كان يظهر أنه منقطع من الذي قبله . والفضل الكبير الثواب من قولهم : للعطايا فضول وفواضل ، أو المزيد على الثواب . وإذا ذكر المتفضل به وكبره ، فما ظنك بالثواب ؟ أو ما فضلوا به على سائر الأمم ، وذلك من جهته تعالى ، أو الجنة وما أوتوا فيها ، ويفسره :{ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فِى رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}{ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ } : نهى له عليه السلام عن السماع منهم في أشياء كانوا يطلبونها مما لا يجب ، وفي أشياء ينتصحون بها وهي غش .{ وَدَعْ أَذَاهُمْ } : الظاهر إضافته إلى المفعول . لما نهى عن طاعتهم ، أمر بتركه إذا يتهم وعقوبتهم ، ونسخ منه ما يخص الكافرين بآية السيف .{ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّه } ، فإنه ينصرك ويخذلهم . ويجوز أن يكون مصدراً مضافاً للفاعل ، أي ودع إذايتهم إياك ، أي مجازاة الإذاية من عقاب وغيره حتى تؤمر ، وهذا تأويل مجاهد .

﴿ ٤٨