٧١

{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِى النَّارِ } : يجوز أن ينتصب يوم بقوله :{ لاَ يَجِدُونَ } ، ويكون يقولون استئناف إخبار عنهم ، أو تم الكلام عند قولهم :{ وَلاَ نَصِيراً} وينتصب يوم بقوله :{ يَقُولُونَ } ،أو بمحذوف ، أي اذكر ويقولون حال .

وقرأ الجمهور : تقلب مبنياً للمفعول ؛ والحسن ، وعيسى ، وأبو جعفر الرواسي : بفتح التاء ، أي تتقلب ؛ وحكاها ابن عطية عن أبي حيوة . وقال ابن خالويه عن أبي حيوة : نقلب بالنون ، وجوههم بالنصب . وحكاها ابن عطية عن أبي حيوة أيضاً وخارجة . زاد صاحب اللوامح أنها قراءة عيسى البصري .

وقرأ عيسى الكوفي كذلك ، إلا أن بدل النون تاء ، وفاعل تقلب ضمير يعود على { سَعِيراً } ، وعلى جهنم أسند إليهما اتساعاً . وقراءة ابن أبي عبلة : تتقلب بتاءين ، وتقليب الوجوه في النار : تحركها في الجهات ، أو تغيرها عن هيئاتها ، أو إلقاؤها في النار منكوسة . والظاهر هو الأول ، والوجه أشرف ما في الإنسان ، فإذا قلب في النار كان تقليب ما سواه أولى . وعبر بالوجه عن الجملة ، وتمنيهم حيث لا ينفع ، وتشكيهم من كبرائهم لا يجدي .

وقرأ الجمهور :{ سَادَتَنَا } ، جمعاً على وزن فعلات ، أصله سودة ، وهو شاذ في جمع فيعل ، فإن جعلت جمع سائد قرب من القياس .

وقرأ الحسن ، وأبو رجاء ، وقتادة ، والسلمي ، وابن عامر ، والعامة في الجامع بالبصرة : ساداتنا على الجمع بالألف والتاء ، وهو لا ينقاس ، كسوقات ومواليات بني هاشم وسادتهم ، رؤساء الكفر الذين لقنوهم الكفر وزينوه لهم . قال قتادة : سادتنا : رؤساؤنا . وقال طاوس : أشرافنا ؛ وقال أبو أسامة : أمراؤنا ، وقال الشاعر : تسلسل قوم سادة ثم زادة

يبدون أهل الجمع يوم المحصب

ويقال : ضل السبيل ، وضل عن السبيل . فإذا دخلت همزة النقل تعدى لاثنين ؛ وتقدم الكلام على إثبات الألف في الرسولاً والسبيلا في قوله :{ وَتَظُنُّونَ بِاللّه الظُّنُونَاْ} ولما لم يجد تمنيهم الإيمان بطاعة اللّه ورسوله ، ولا قام لهم عذر في تشكيهم ممن أضلهم ، دعوا على ساداتهم .{ رَبَّنَا ءاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ } : ضعفاً على ضلالهم في أنفسهم ، وضعفاً على إضلال من أضلوا .

وقرأ الجمهور : كثيراً بالثاء المثلثة .

وقرأ حذيفة بن اليمان ، وابن عامر ، وعاصم ، والأعرج : بخلاف عنه بالباء .{ كَالَّذِينَ ءاذَوْاْ مُوسَى } ،قيل : نزلت في شأن زيد وزينب ، وما سمع فيه من قاله بعض الناس .

وقيل : المراد حديث الإفك على أنه ما أوذي نبي مثل ما أوذيت . وفي حديث الرجل الذي قال لقسم قسمه رسول اللّه : إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه اللّه ، فغضب وقال : رحم اللّه أخي موسى ، لقد أوذي أكثر من هذا فصبر . وإذاية موسى قولهم : إنه أبرص وآدر ، وأنه حسد أخاه

هارون وقتله . أو حديث المومسة المستأجرة لأن تقول : إن موسى زنى بها ، أو ما نسبوه إليه من السحر والجنون ، أقوال .

{مِمَّا قَالُواْ } : أي من وصم ما قالوا ، وما موصولة أو مصدرية .

وقرأ الجمهور :{ وَكَانَ عِندَ اللّه } : الظرف معمول لوجيهاً ، أي ذا وجه ومنزلة عند اللّه تعالى ، تميط عنه الأذى وتدفع التهم .

وقرأ عبد اللّه ، والأعمش ، وأبو حيوة : عبد من العبودية ، للّه جر بلام الجر ، وعبداً خبر كان ، ووجيهاً صفة له . قال ابن خالويه : صليت خلف ابن شنبوذ في شهر رمضان فسمعته يقرأ : وكان عبد اللّه ، على قراءة ابن مسعود . قال ابن زيد :{ وَجِيهاً } : مقبولاً . وقال الحسن : مستجاب الدعوة ، ما سأل شيئاً إلا أعطي ، إلا الرؤية في الدنيا . وقال قطرب : رفيع القدر ؛

وقيل : وجاهته أنه كلمة ولقبه كليم اللّه . والسديد : تقدم شرحه في أوائل النساء .

وقال ابن عباس : هنا صواباً . وقال مقاتل ، وقتادة : سديداً في شأن زيد وزينب والرسول .

وقال ابن عباس ، وعكرمة أيضاً : لا إله إلا اللّه ،

وقيل : ما يوافق ظاهره باطنه ؛

وقيل : ما هو إصلاح من تسديد السهم ليصيب الغرض ؛

وقيل : السديد يعم الخيرات . ورتب على القول السديد : صلاح الأعمال وغفران الدنوب .

قال الزمخشري : وهذه الآية مقررة للتي قبلها . بنيت تلك على النهي عما يؤدي به رسول اللّه ، وهذه على الأمر باتقاء اللّه في حفظ اللسان ، ليترادف عليهم النهي والأمر ، مع اتباع النهي ما يتضمن الوعيد من قصة موسى ، واتباع الأمر الوعد البليغ ، فيقوي الصارف عن الأذى والداعي إلى تركه . انتهى ، وهو كلام حسن .

﴿ ٧١