سورة يس

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

انظر تسفير الآية:١٢

٢

انظر تسفير الآية:١٢

٣

انظر تسفير الآية:١٢

٤

انظر تسفير الآية:١٢

٥

انظر تسفير الآية:١٢

٦

انظر تسفير الآية:١٢

٧

انظر تسفير الآية:١٢

٨

انظر تسفير الآية:١٢

٩

انظر تسفير الآية:١٢

١٠

انظر تسفير الآية:١٢

١١

انظر تسفير الآية:١٢

١٢

يس

قمح البعير رأسه : رفعه أثر شرب الماء ، ويأتي الكلام فيه مستوفى العرجون : عود العذق من بين الشمراخ إلى منبته من النخلة ، وقال الزجاج : ' هو فعلون من الانعراج أو الانعطاف ' . الجدث : القبر ، وسمع فيه جدف بإبدال الثاء فاء ، كما قالوا : فم في ثم ، وكما ابدلوا من الفاء ثاء قالوا في معفور معثور ، وهو ضرب من الكمأة . المسخ : تحويل من صورة إلى صورة منكرة ، الرميم : البالي المفتت .

هذه الصورة مكية إلا أن فرقة زعمت أن قوله :{ ونكتب ما قدموا وآثارهم } [ يس : ١٢ ] نزلت في بني سلمة من الأنصار حين أرادوا أن يتركوا ديارهم ، وينتقلوا إلى جوار مسجد الرسول . وليس زعما صحيحا ،

وقيل : إلا قوله :{ وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم اللّه } [ يس : ٤٧ ] الآية وتقدم الكلام في الحروف المقطعة في أول البقرة . قال ابن جبير هنا : إنه اسم من أسماء محمد - صلى اللّه عليه وسلم - ودليله { إنك من المرسلين} ، قال السيد الحميري : يا نفس لا تمخضي بالود جاهدة

على المودة إلا آل ياسينا

وقال ابن عباس معناه : ' يا أنسان بالحبشية ' . وعنه : ' هو في لغة طيىء ، وذلك أنهم يقولون إيسان بمعنى إنسان ويجمعونه على أياسين فهذا منه ' . وقالت فرقة :  { يا } حرف نداء . والسين مقامة مقام إنسان انتزع منه حرف فأقيم مقامه .

وقال الزمخشري : ' إن صح أن معناه يا إنسان في لغة طيىء ، فوجهه أن يكون أصله : يا أنيسين ، فكثر النداء على ألسنتهم حتى اقتصروا على شطره ، كما قالوا في القسم م / اللّه في أيمن اللّه ' . انتهى . والذي نقل عن العرب في تصغيرهم إنسان أنيسيان بياء بعدها ألف ، فدل على أنه أصله أنيسان ، لآن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها ، ولا نعلمهم قالوا في تصغيرة : أنيسين . وعلى تقدير أنه بقية أنيسين فلا يجوز ذلك ، لا أن يبنى على الضم ولا يبقى موقوفا ، لأنه منادى مقبل عليه مع ذلك فلا يجوز لأنه تحقير ويمتنع ذلك في حق النبوة . وقوله : ' كما قالوا في القسم م اللّه في أيمن اللّه ' . هذا قول ومن النحويين من يقول : إن م حرف قسم وليس مبقي من أيمن . وقرىء بفتح الياء وإمالتها محضا وبين اللفظين .

وقرأ الجمهور بسكون النون مدغمة في الواو ، ومن السبعة الكسائي وأبو بكر وورش وابن عامر . مظهرة عند باقي السبعة .

وقرأ الجمهور بسكون النون بفتح النون . وقال قتادة : ' { يس} قسم ' قال أبو حاتم : فقياس هذا القول فتح النون ، كما تقول : اللّه لأفعلن كذا . وقال النجاج : ' النصب كأنه قال اتل يس وهذا على مذهب سيبوية أنه اسم للسورة ' .

وقرأ الكلبي بضم النون وقال : ' هي بلغة طيىء يا إنسان ' ،

وقرأ السماك وابن أبي إسحاق أيضا بكسرها . قيل : والحركة لالتقاء الساكنين ، فالفتح كائن طلبا للتخفيف . والضم كحيث . والكسر على أصل التقائهما . وإذا قيل إنه قسم فيجوز أن يكون معربا بالنصب على ما قال أبو حاتم . والرفع على الابتداء نحو أمانة اللّه لأقومن . والجر على إضمار حرف الجر ، وهو جائز عند الكوفيين . و { الحكيم} إما فعيل بمعنى مفعل كما تقول عقدت العسل فهو عقيد أي معقد

وإما للمبالغة من حاكم

وإما على معنى السبب . أى : ذي حكمة { على صراط} خبر ثان أو في موضع الحال منه - عليه السلام - أو من { المرسلين} أو متعلق بالمرسلين . والصراط المستقيم : شريعة الإسلام .

وقرأ طلحة والأشهب وعيسى بخلاف عنهما وابن عامر وحمزة الكسائي { تنزيل} بالنصب على المصدر . وباقي السبعة وأبو بكر وأبو جعفر وشيبة والحسن والأعرج والأعمش بالرفع خبر مبتدأ محذوف . أي : هو تنزيل . وأبو حيوة واليزيدي والقورصي عن أبي جعفر وشبية بالخفض إما على البدل من { القرآن}

وإما على الوصف بالمصدر { لتنذر} متعلق ب { تنزيل} أو ب { أرسلنا} مضمرة . { ما أنذر} قال عكرمة : بمعنى الذي ، أي الشيء الذي أنذره آباؤهم من العذاب ف { ما} مفعول ثان . كقوله : { إنا أنذرناكم عذابا قريبا } [ النبأ : ٤٠ ] ،

قال ابن عطية : ' ويحتمل أن يكون { ما} مصدرية . أي : ما أنذر آباءهم والآباء على هذا : هم الآقدمون من ولد إسماعيل وكانت النذارة فيهم . و { فهم} على هذا للتأويل بمعنى فإنهم ، دخلت الفاء ، لقطع الجملة من الجملة الواقعة صلة فتتعلق بقوله { إنك لمن المرسلين لتنذر} كما تقول أرسلنك إلى فلان لتنذره ، فإنه غافل أو فهو غافل . وقال قتادة : ' { ما} نافية . أى : إن آباءهم لم ينذروا ف { آباؤهم} على هذا هم القريبون منهم . و { ما أنذر} في موضع الصفة . أي : غير منذر آباؤهم و { فهم غافلون} متعلق بالنفي . أي : لم ينذروا فهم

غافلون على أن عدم إنذارهم هو سبب غفلتهم وباعتبار الآباء في القدم والقرب يزول التعارض بين الإنذار ونفيه . { لقد حق القول على أكثرهم} المشهور أن القول :  { لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين }

وقيل : لقد سبق في علمه وجوب العذاب ،

وقيل : حق . القول الذي قاله اللّه على لسان الرسل من التوحيد وغيره وبان برهانه ، فأكثرهم لا يؤمنون بعد ذلك . والظاهر أن قوله { غنا دجعلنا في أعناقهم أغلالا } لآية هو حقيقة لا استعارة . لما أخبر تعالى أنهم لا يؤمنون أخبر عن شيء من أحوالهم في الآخرة إذا دخلوا النار .

قال ابن عطية : ' وقوله { فأغشيناهم فهم لا يبصرون } يضعف هذا ، لأن بصر الكافر يوم القيامة إنما هو حديد يرى قبح حاله ' . انتهى . ولا يضعف هذا . ألا ترى إلى قوله :{ ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا } [ الإسراء : ٩٧ ] ووقوله :{ قال رب لم حشرتني أعمى } [ طه : ١٢٥ ]

وإما أن يكون قوله :{ فبصرك اليوم حديد } [ ق : ٢٢ ] كناية عن إدراكه ما يؤول إليه حتى كأنه يبصره . وقال الجمهور ذلك استعارة . قال ابن عباس وابن إسحاق : ' استعارة لحالة الكفرة الذين أرادوا الرسول بسوء ، جعل اللّه هذا لهم مثلا في كفه إياهم عنه ومنعهم من أذاه حين بيتوه ' وقال الضحاك والفراء : ' استعارة لمنعهم من النفقة في سبيل اللّه ، كما قال :{ ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك } [ الإسراء : ٢٩ ] . وقال عكرمة : ' نزلت حين أراد أبو جهل ضربه بالحجر العظيم ، وفي غير ذلك من المواطن ، فمنعه اللّه ' وهذا قريب من ابن عباس ، فروي : ' أن أبا جهل حمل حجرا ليدفع به النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو يصلي فانثنت يداه إلى عنقه حتى عاد إلى أصحابه والحجر في يده قد لزق فما فكوه إلا بجهد فأخذ آخر ، فلما دنا الرسول طمس اللّه بصره فلم يره فعاد إلى أصحابه فلم يبصرهم حتى نادوه ' . فجعل الغل يكون استعارة عن منع أبي جهل وغيره في هذه القصة . ولما كان أصحاب أبي جهل راضين بما أراد أن يفعل فنسب ذلك إلى الجمع . وقالت فرقة : استعارة لمنع اللّه إياهم من الإيمان وحوله بينهم وبينه .

قال ابن عطية : ' وهذا أرجح الأقوال لأنه تعالى لما ذكر أنهم يؤمنون لما سبق لهم في الأزل عقب ذلك بأن جعل لهم من منع وإحاطة الشقاوة ما حالهم معه حال المغلولين ' . انتهى .

وقال الزمخشري : ' مثل تصميمهم على الكفر وأنه لا سبيل إلى دعواهم بأن جعلهم كالمغلولين المقمحين في أنهم لا يلتفتون إلى الحق ، ولا يعطفون أعناقهم نحوه ، ولا يطأطئون رؤوسهم له ، وكالحاصلين بين سدين لا يبصرون ما قدامهم ولا خلفهم في أن لا تأمل لهم ، ولا يبصرون أنهم متعامون عن النظر في آيات اللّه تعالى ' . انتهى . وفيه دسيسة الاعتزال . ألا ترى إلى قول أهل السنة : استعارة لمنع اللّه إياهم من الإيمان . وقول الزمخشري : ' ومثل تصميمهم ونسبته الأفعال التي يعدها إليهم لا إلى اللّه ' . والغل : ما أحاط بالعنق على معنى التعنيف ، والتضييق ، والتعذيب ، والأسر ، ومع العنق اليدان أو اليد الواحدة على معنى التعليل ، والظاهر : عود الضمير في { فهي} إلى الأغلال ، لأنها هي المذكورة والمحدث عنها .

قال ابن عطية : ' هي عريضة تبلغ بحرفها الأذقان . والذقن : مجتمع اللحيين فيضطر المغلول إلى رفع وجهه نحو السماء ، وذلك هو الإقماح . وهو نحو الإقناع في الهيئة .

وقال الزمخشري : الإغلال ، وأصله إلى الأذقان مكروزة إليها ، وذلك أن طوق الغل الذي هو عنق المغلول يكون في ملتقى طرفية تحت الذقن حلقة فيها رأس العمود نادرا من الحلقة إلى الذقن فلا تخليه يطأطىء رأسه ويوطىء رأسه ويوطىء فداله فلا يزال مقمحا ' . انتهى وقال الفراء : ' القمح الذي يغض بصره بعد رفع رأسه ' . وقال الزجاج نحوه ، قال : ' يقال قمح البعير رأسه عن ري وقمح هو ' . وقال أبو عبيدة : ' قمح قموحا رفع رأسه عن الحوض ولم يشرب والجمع قماح . ومنه قول بشر يصف ميتة أحدهم ليدفنها : ونحن على جوانبها قعود

نغض الطرف كالإبل القماح

وقال الليث : ' هو رفع البعير رأسه إذا شرب الماء الكريه ثم يعود ' . وقال الزجاج للكانونين شهرا قماح لأن الإبل إذا وردت الماء ترفع رؤوسها لشدة برده . وأنشد أبو زيد بيت الهذلي : فتى ما ابن الأغر إذا شتونا

وحب الزاد في شهري قماح

رواه بضم القاف ، وابن السكيت بكسرها ، وهما لغتان . ' وسميا شهري قماح ، لكراهة كل ذي كبد شرب الماء فيه ' . وقال الحسن : ' القامح الطافح ببصره إلى موضع قدمه ' . وقال مجاهد : ' الرافع الرأس الواضع يده على فيه ' . وقال الطبري : ' الضمير في { فهي} عائد على الأيدي وإن لم يتقدم لها ذكر لوضوح مكانها من المعنى . وذلك أن الغل إنما يكون في العنق مع اليدين ، ولذلك سمي الغل جامعة لجمعه اليد والعنق . وأرى على كرم اللّه وجهه الناس الإقماح فجعل يديه تحت لحيية وألصقهما ورفع رأسه ' .

وقال الزمخشري : ' جعل الإقماح نتيجة قوله فهي { إلى الأذقان} ولو كان الضمير للأيدي لم يكن معنى التسبب في الإقماح ظاهرا ، على أن هذا الإضمار فيه ضرب من التعسف وترك الظاهر الذي يدعوه المعنى إلى نفسه إلى الباطل الذي يجفو عنه ترك للحق الأبلج إلى الباطل اللجلج ' . انتهى .

وقرأ عبد اللّه وعكرمة والنخعي وابن وثاب وطلحة وحمزة والكسائي وابن كثير وحفص { سدا} بفتح السين فيهما والجمهور بالضم وتقدم شرح السد في الكهف .

وقرأ الحمهور { فأغشيناهم} بالغين منقوطة . وابن عباس وعمر بن عبد العزيز وابن يعمر وعكرمة والنخعي وابن سيرين والحسن وأبو رجاء وزيد بن علي ويزيد بن المهلب وأبو حنيفة وابن مقسم بالعين من العشاء ، وهو ضعف البصر جعلنا عليها غشاوة . { وسواء عليهم} الآية تقدم الكلام على نظيرها تفسيرا وإعرابا في أول البقرة . { إنما تنذر} تقدم { لتنذر قوما } [ يس : ٦ ] لكنه لما كان محتوما عليهم أن لا يؤمنوا حتى قال { وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} لم يجد الإنذار لانتفاء منفعته فقال { إنما تنذر} أي : إنذارا ينفع { من اتبع الذكر} وهو القرآن قال قتادة : ' أو الوعظ ' { وخشي الرحمن} أي : المتصف بالرحمة مع أن الرحمة مع أن الرحمة قد تعود إلى الرجاء لكنه مع علمه برحمته هو يخشاه خوفا من أن يسلبه ما أنعم به عليه { بالغيب} أي : بالخلوة عند مغيب الإنسان عن غيوب البشر . ولما أحدث فيه النذارة { بشر بمغفرة} لما سلف { وأجر كريم} على ما أسلف من العمل الصالح ، وهو الجنة . ولما ذكر تعالى الرسالة ، وهي أحد الأصول الثلاثة التي بها يصير المكلف مؤمنا ذكر الحشر وهو أحد الأصول الثلاثة و

الثالث : هو توحيد . فقال { إنا نحن نحيي الموتى} أي : بعد مماتهم . وأبعد الحسن والضحاك في قوله : إحياؤهم : إخراجهم من الشرك إلى الإيمان { ونكتب ما قدموا} كناية عن المجازاة . أي : ونحصي . فعبر عن إحاطة علمه بأعمالهم بالكتابة التي تضبط بها الأشياء .

وقرأ زر ومسروق { ويكتب ما قدموا وآثارهم} بالياء مبنيا للمفعول . و { ما قدموا} من الأعمال { وآثارهم} خطاهم إلى المساجد . وقال : السير الحسنة والسيئة .

وقيل { ما قدموا} من السيئات { وآثارهم} من الأعمال .

وقال الزمخشري : ' ونكتب ما أسلفوا من الأعمال الصالحات غيرها ، وما هلكوا عنه من أثر حسن كعلم علموه ، وكتاب صنفوه ، أو حبيس أحبسوه ، أو بناء بنوه من مسجد أورباط أو قنطرة أو نحو ذلك . أوسيىء كوظيفة وظفها بعض الظلام على المسلمين ، وسكة على المسلمين ، وسكة أحدثها فيها تحيرهم ، وشيء أحدث فيه صد عن ذكر اللّه من ألحان وملاء ، وكذلك كل سنة حسنة أو سيئة ، يستن بها ونحوه قوله عز وجل { ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر } [ القيامة : ١٣ ] من آثاره ' . انتهى .

وقرأ الجمهور { وكل شيء} بالنصب على الاشتغال .

وقرأ أبو السمال بالرفع على الابتداء . والإمام المبين : اللوح المحفوظ . قاله مجاهد وقتادة وابن زيد . وقالت فرقة : أراد صحف الأعمال .

١٣

انظر تسفير الآية:٢٧

١٤

انظر تسفير الآية:٢٧

١٥

انظر تسفير الآية:٢٧

١٦

انظر تسفير الآية:٢٧

١٧

انظر تسفير الآية:٢٧

١٨

انظر تسفير الآية:٢٧

١٩

انظر تسفير الآية:٢٧

٢٠

انظر تسفير الآية:٢٧

٢١

انظر تسفير الآية:٢٧

٢٢

انظر تسفير الآية:٢٧

٢٣

انظر تسفير الآية:٢٧

٢٤

انظر تسفير الآية:٢٧

٢٥

انظر تسفير الآية:٢٧

٢٦

انظر تسفير الآية:٢٧

٢٧

تقدم الكلام على اضرب مع المثل في قوله :{ أن يضرب مثلا ما بعوضة } [ البقرة : ٢٦ ] والقرية : انطاكية فلا خلاف في قصة أصحاب القرية { إذ جاءها المسلون} هم ثلاثة جمعهم في المجيء وإن اختلفوا في زمن المجيء { إذ أرسلنا إليهم اثنين} الظاهر من { أرسلنا} أنهم أنبياء أرسلهم اللّه ، ويدل عليه قوله المرسل إليهم { ما أنتم إلا بشر مثلنا} وهذه المحاورة لا تكون إلا مع من أرسله اللّه . وهذا قول ابن عباس وكعب . وقال قتادة : ' وغيرهم من الحواريين بعثم عيسى - عليه السلام - حين رفع وصلب الذي ألقي عليه الشبه فافترق الحواريون في الآفاق فقص اللّه قصة الذين ذهبوا إلى أنطاكية وكان أهلها عباد أصنام صادق وصدوق قاله وهب وكعب الأحبار ' ،

وحكى النقاش بن سمعان ويحنا . وقال مقاتل : ' تومان ويونس ' . { فكذبوهما} أي : دعواهم إلى اللّه وأخبرا بأنهما رسول اللّه فكذبوهما { فعززنا بثالث} أي : قوينا وشددنا قاله مجاهد وابن قتيبة . وقال : يقال تعزز لحم الناقة إذا صلب ' . وقال غيره : يقال المطر يعزز الأرض إذا لبدها وشدها ، ويقال للأرض الصلبة القرآن هذا على قراءة تشديد الزاي ، وهي قراءة الجمهور .

وقرأ الحسن وأبو حيوة وأبو بكر والمفضل وأبان بالتخفيف . قال أبو علي : : ' فغلبنا ' ، انتهى وذلك من قولهم : : من عزني وقوله تعالى { وعزني في الخطاب } ،

وقرأ عبد اللّه { بالثالث} بألف ولام . والثالث . شمعون الصفا قاله ابن عباس . وقال كعب ووهب ' شلوم ' .

وقيل : يونس . وحذف مفعول { فعززنا} مشددا . أي : قويناهما بثالث . مخففا . فغلبناهم . أي : بحجة ثالث وما يلطف به من التوصل إلى الدعاء إلى اللّه حتى من الملك على ما ذكر في قصتهم . وستأتي هي أو بعض منها إن شاء اللّه وجاء أولا { مرسلون} بغير لام ، لأنه ابتداء أخبار فلا يحتاج إلى توكيد بعد المحاورة { لمرسلون} بلام التوكيد لأنه جواب عن إنكار ، وهؤلاء أمة أنكرت النبوات بقولها { وما أنزل الرحمن من شيء} وراجعتهم الرسل بأن ردوا إلى اللّه ، وقنعوا بعلمه ، وأعلموهم أنهم إنما عليهم البلاغ فقط ، وما عليهم من هداهم وضلالهم ، وفي هذا وعيد لهم . ووصف البلاغ بالمبين وهو الواضح بالآيات الشاهدة بصحة الإرسال كما روي في هذه القصة من المعجزات الدالة على صدق الرسل من إبراء الأكمة والأبرص وإحياء الميت { قالوا إنا تطيرنا بكم } أي : تشاءمنا . قلال مقاتل : ' احتبس عليهم المطر ' . وقال آخر : ' أسرع فيهم الجذام عند تكذيبهم الرسل ' ،

قال ابن عطية : ' والظاهر أن تطير هؤلاء كان ما سبب ما دخل فيهم من اختلاف الكلمة ، وافتتان الناس . وهذا على نحو تطير قريش بمحمد - صلى اللّه عليه وسلم - وعلى نحو ما خوطب به موسى - عليه السلام - '

وقال الزمخشري : ' وذلك أنهم كرهوا دينهم ، ونفرت منه نفوسهم ، وعادة الجهال أن يتمنوا بكل شيء مالوا إليه واشتهوه ، وقبلته طباعهم ، وتشاءموا بما نفروا عنه وكرهوه ، فإن أصابتهم نعمة ، أو بلاء قالوا ببركة هذا ، وبشؤم هذا ، كما حكى اللّه عن القبط { وإن نصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه } [ الأعراف : ١٣١ ] وعن مشركي مكة { وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك } [ النساء ٧٨ ] انتهى . وعن قتادة : ' إن أصابنا شيء كان من أجلكم { لنرجمنكم} بالحجارة . قاله قتادة { عذاب أليم} هو الحريق . { قالوا طائركم معكم} أي : حظكم وما صار لكم من خير أو شر معكم . أي من أفعالكم ليس هو من أجلنا بل بكفركم .

وقرأ الحسن وابن هرمز وعمرو بن عبيد وزر بن حبيش { طيركم} بياء ساكنة بعد الطاء .

وقرأ الحسن فيما نقل { أطيركم} مصدر ' أطير '

الذي أصله تطير ، فأدغمت التاء في الطاء فاجتلبت همزة الوصل في الماضي والمصدر .

وقرأ الجمهور { طائركم} على وزن فاعل

وقرأ الجمهور { أَئِنْ ذكرتم} بهمزتين ،

الأولى : همزة الاستفهام . والثالنية : همزة إن الشرطية ، فخففها الكوفيين وابن عامر . وسهلها باقي السبعة .

وقرا زر بهمزتين مفتوحتين ، وهي قرأة أبو جعفر وطلحة إلا أنها لبناء الثانية بين بين . وقال الشاعر في تحقيقها : أإن كنت داود بن أحوى مرحلا

فلست بداع لأبن عمك محرما

والماجشوني : وهو أبو سلمة يوسف بن يعقوب بن عبد اللّه بن أبي سلمة المدني بهمزة واحدة مفتوحة . والحسن بهاء مكسورة . وأبو عمرو في رواية وزر أيضا بمدة قبل الهمزة المفتوحة . واستقل اجتماعهما ففصل بينهما بألف .

وقرأ أبو جعفر أيضا والحسن أيضا وقتادة وعيسى الهمداني والأعمش { أين} بهمزة مفتوحة وياء ساكنة وفتح النون ظرف مكان . وروي هذا عن عيسى الثقفي أيضا . فالقراءة الأولى على معنى إن ذكرتم تتطيرون بجعل المحذوف مصب الاستفاهم على مذهب سيبوبة . ويجعله للشرط على مذهب يونس . فإن قدرته مضارعا كان مجزوما . والقراءة الثانية على معنى : ألأن ذكرتم تطيرتم فإن مفعول من أجله وكذلك الهمزة الواحدة المفتوحة ، والتي بمدة قبل الهمزة المفتوحة . وقراءة الهمزة المكسورة وحدها فحرف شرط بمعنى الإخبار . أي : إن ذكرتم تطيرتم . والقراءة الثانية الأخيرة { أين} فيها ظرف ، أداة الشرط حذف جزاؤه للدلالة عليه . وتقديره : أين ذكرتم صحبكم طائركم . ويدل عليه قوله { طائركم معكم} ومن جوز تقديم الجزاء على الشرط وهم الكوفيون وأبو زيد والمبرد يجوز أن يكون الجواب { طائركم معكم} وكان أصله : أين ذكرتم فطائركم معكم . فلما قدم حذفت الفاء .

وقرأ الجمهور { ذكرتم} بتشديد الكاف . وأبو جعفر وخالد بن الياس وطلحة وحسن وقتادة وأبو حيوة والعمش من طريق زائدة والأصمعي عن نافع بتخفيفها { بل أنتم قوم مسرفون} مجاوزون الحد في ضلالكم فمن ثم أتاكم الشؤم :  { وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى } اسمه : حبيب ، قاله ابن عباس ، وأبو مجلز ، وكعب الأحبار ، ومجاهد ، ومقاتل ، قيل : وهو ابن إسرائيل وكان قصارا .

وقيل : كان ينحت الأصنام . ويمكن أن يكون جامعا لهذه الصنائع و { من أقصى المدينة} أي : من أبعد مواضعها ، فقيل : كان في خارج المدينة يعاني زرعا له .

وقيل : كان في غار يعبد ربه

وقيل : كان مجذوما فميز له أقصى باب من أبوابها عبد الأصنام سبعين سنة يدعوهم لكشف ضرة فلما دعاه الرسل إلى عبادة اللّه قال هل من آية ؟ قالوا نعم : ندعوا ربنا القادر يفرج عنك ما بك فقال : إن هذا لعجيب لي سبعون سنة أدعو هذه الآلهة فلم تستطع يفرجه ربكم في غداة واحدة . قالوا : نعم ، وربنا على ما يشاء قدير وهذه لا تنفع شيء ولا تضر فآمن ، ودعوا ربهم فكشف اللّه ما به كأن لم يكن به بأس ، فأقبل على التكسب فإذا مشى تصدق بكسبه ، نصف لعياله ، ونصف يطعمه . فلما هم قومه بقتل الرسل جاءهم فقال { يا قوم اتبعوا المرسلين} وحبيب هذا ممن آمن برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبينهما ستمائة سنة كما آمن به تبع الأكبر ، وورقة بن نوفل ، وغيرهما . ولم يؤمن بني غيره أحد إلا بعد ظهوره . وقال ابن أبي ليلى ' سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا قط طرفة عين علي بن أبي طالب ، وصاحب يس ومؤمن آلا فرعون ' . وأورد الزمخشري قول ابن أبي ليلى حديثا عن رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم  - وتقدم قبل من حاله أنه كان مجذوما عبد الصنام سبعين فاللّه أعلم ' . وهنا تقدم { من أقصى المدينة} وفي القصص تأخر وهو من التفنن في البلاغة { رجل يسعى} يمشي على قدميه { قال يا قوم اتبعوا المرسلين} الظاهر أنه لا يقول ذلك إلا بعد تقدم إيمانه كما سبق في قصة .

وقيل : جاء عيسى وسمع قولهم وفهمه فيما فهمه . روي : ' أنه تعقب أمرهم وسبره بان قال لهم : أتطلبون أجرا على دعوتكم ؟ قالوا : لا فدعا عند ذلك قومه إلى اتباعهم والإيمان بهم

واحتج عليهم بقوله { اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون} أي : وهم على هدى من اللّه . أمرهم أولا باتباع المرسلين . أي : هم رسل اللّه إليكم ، فاتبعوهم . ثم أمرهم ثانيا بجملة جامعة في الترغيب في كونهم لا ينقص منهم من حطام دنياهم شيء ، وفي كونهم يهتدون بهداهم فيشتملون على خيري الدنيا والاخرة . وقد أجاز بعض النحويين في { من} أن تكون بدلا من { المرسلين} ظهر فيه العامل كما ظهر فيه إذا كان حرف جر كقوله تعالى : { لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم } [ الزخرف : ٣٣ ] والجمهور لا يعربون ما صرح فيه بالعامل الرافع والناصب بدلا ، بل يجعلون ذلك مخصوصا بحرف الجر ، وإذا كان الرافع والناصب سموا ذلك بالتتبيع لا بالبدل ، وفي قوله { اتبعوا من لا يسألكم أجرا} دليل على نقص من يأخذ أجرا على شيء من أفعال الشرع التي هي لازمة كالصلاة . ولما أمرهم باتباع المرسلين أخذ يبدي الدليل في اتباعهم وعبادة اللّه فأبرزه في صورة نصحه لنفسه ، وهو يريد نصحهم ليتلطف بهم ويراد بهم ، ولأنه أدخل في امحاض النصح حيث لا يريد لهم إلا مل يريد لنفسه فوضع قوله { ومالي لا أعبد الذي فطرني} موضع } ومالكم لا تعبدون الذي فطركم ، ولذلك قال { وإليه ترجعون} ولولا أنه قصد ذلك لقال وإليه أرجع . ثم أتبع الكلام كذلك مخاطبا لنفسه ، فقال { أأتخذ من دونه ى لهة} قاصرة عن كل شيء لا تنفع ولا تضر ، فإن أرادكم اللّه بضر وشفعت لكم لم تنفع شفاعتهم ، ولم يقدروا على إنقاذكم فيه . أولا بانتفاء الجاه عن كون شفاعتهم لا تنفع ، ثم ثانيا بانتفاء القدرة فعبر بانتفاء الإنقاذ عنه إذ هو نتيجته . وفتح ياء المتكلم في { يردني} مع طلحة السمان . كذا في كتاب ابن عطية . وفي كتاب ابن خالوية طلحة بن مطرف ، وعيسى الهمداني ، وأبو جعفر ، ورويت عن نافع وعاصم وأبي عمرو .

وقال الزمخشري : ' وقرىء { إن يردني الرحمن بضر} بمعنى ان يجعلني موردا للضر . انتهى . وهذا واللّه أعلم رأي في كتب القراءات { يردني} بفتح الياء فتوهم أنها ياء المضارعة فجعل الفعل متعديا بالياء المعدية كالهمزة ، فلذلك أدخل عليه همزة التعدية ونصب به اثنين . والذي في كتب القراء الشواذ أنها ياء الإضافة المحذوفة خطا ونطقا لالتقاء الساكنين . قال في كتاب ابن خالوية : ' بفتح ياء الإضافة ' ، وقال في اللوامح :  { إن يردني الرحمن } بالفتح وهو أصل الياء عند البصرية ، ولكن هذه محذوفة يعني البصرية . أي المثبتة بالخط البربري بالبصر لكونها مكتوبة بخلاف المحذوفة خطا ولفظا فلا ترى بالبصر ' . { إني إذا} إن لم أعبد الذي فطرني واتخذت آلهة من دونه في حيرة واضحة لكل ذي عقل صحيح . ثم صرح بإيمانه وصدع بالحق فقال مخاطبا لقومه { إني آمنت بربكم} أي : الذي كفرتم به { فاسمعون} أي : اسمعوا قولي وأطيعون . فقد نبهتكم على الحق ، وأن العبادة لا تكون إلا لمن منه نشأتكم ، وإليه مرجعكم ، والظاهر : أن الخطاب بالكاف والميم وبالواو وهو لقومه . والأمر على جهة المبالغة والتنبيه ، قاله ابن عباس وكعب ووهب .

وقيل : خاطب بقوله { فاسمعون} الرسل على جهة الاستشهاد بهم والاستحفاظ للأمر عندهم .

وقيل : الخطاب في { بربكم} وفي { فاسمعون} للرسل لما نصح قومه أخذوا يرجمونه فأسرع نحو الرسل قبل أن يقتل فقال ذلك ، أي : اسمعوا إيماني واشهدوا لي به . { قيل ادخل الجنة} ظاهرة : أنه أمر حقيقي .

وقيل : معناه وجبت لك الجنة فهو خبر بأنه قد استحق دخولها ، ولا يكون إلا بعد البعث , ولم يأت في القرآن أنه قتل فقال الحسن : ' لما أراد قومه قتله رفعه اللّه غلى السماء فهو في الجنة لا يموت إلا بفناء السموات وهلاك الجنة فإذا أعاد اللّه الجنة دخلها ' .

وقيل : لما قال ذلك رفعوه إلى الملك فطول معهم الكلام ليشغلهم عن قتل الرسل إلى أن صرح لهم بإيمانه فوثبوا عليه فقتلوه بوطء الأرجل حتى خرج قلبه من دبره وألقي في

بئر وهي الرس ' . وقال السدي : ' رموه بالحجارة وهو يقول : اللّهم اهد قومي حتى مات ' . وقال الكلبي : ' رموه في حفرة وردوا التراب عليه فمات ' . وعن الحسن : حرقوه حرقا ، وعلقوه في باب المدينة وقبره في سور أنطاكية .

وقيل : نشروه بالمناشير حتى خرج من بين رجليه . وعن قتادة : ' أدخله اللّه الجنة وهو فيها حي يرزق ' . أراد قوله تعالى : { بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين } [ آل عمران : ١٦٩ ، ١٧٠ ] وفي النسخة التي طالعنا من تفسير ابن عطية ما نصه .

وقرأ الجمهور { فاسمعون} بفتح النون ، قال أبو حاتم : ' هذا خطأ لا يجوز لأنه أمر فإما حذف النون

وإما كسرها على جهة البناء ' . انتهى . يعني ياء المتكلم والنون للوقاية . وقوله :

وقرأ الجمهور ، وهم فاحش ، ولا يكون واللّه أعلم إلا من الناسخ ، بل القراء مجمعون فيما أعلم على كسر النون سبعتهم وشواذهم إلا ما روي عن عصمة عن عاصم من فتح النون ذكره في الكامل مؤلف أبي القاسم الهذلي ولعل ذلك وهم من عصمة ، و

قال ابن عطية : ' هنا محذوف تواترات به الأحاديث والروايات وهو أنهم قتلوه ، فقيل له عند موته ادخل الجنة ، وذلك - واللّه أعلم - بأن عرض عليه مقعده منها ، وتحقق أنه من ساكنيها ، فرأى ما أقر عينه ، فلما حصل ذلك تمنى أن يعلم قومه بذلك ' . انتهى . وقول { قيل ادخل الجنة} كأنه جواب لسائل عن حالة عند لقاء ربه بعد ذلك التصلب في دينه ، فقيل { ادخل الجنة} ولم يأت التركيب قيل له ، لأنه معلوم أنه المخاطب . وتمنيه علم قومه بذلك هو مرتب على تقدير سؤال عن ما وجد من قوله عند ذلك ، استيفاقا ، ونصحا لهم . أي : لو علموا ذلك لآمنوا باللّه . وفي الحديث : ' نصح قومه حيا وميتا : تمنى ذلك ليعلموا أنهم كانوا على خطأ في أمره ، وهو على صواب فيندموا ، ويحزنهم ذلك ، ويبشر بذلك . وموجود في طباع البشر أن من أصاب خيرا في غير موطنه ود أن يعلم بذلك جيرانه وأترابه الذين نشأ فيهم . وبلغنا أن الوزير ذنك الدين المسيري وكان وزيرا لملك مصر راح إلى قريته التي كان منها وهي مسير وهي من أصغر قرى مصر فقيل له في ذلك ، فقال : أردت أن يراني عجائز مسير في هذه الحالة التي أنا فيها . قال الشاعر : والعز مطلوب وملتمس

وأحبه ما نيل في الوطن

والظاهر : أن { ما} في قوله { بما غفر لي ربي} مصدرية . جوزوا أن يكون بمعنى الذي والعائد محذوف . تقديره : بالذي غفره لي ربي من الذنوب . وليس هذا بجيد ، إذ يؤول إلى تمنى علمهم بالذنوب المغفرة . والذي يحسن تمنى علمهم بمغفرة ذنوبه ، وجعله من المكرمين . وأجاز الفراء أن تكون { ما} استفهاما ، وقال الكسائي : ' لو صح هذا يعني الاستفهام لقال بم من غير ألف ' . وقال الفراء : ' يجوز أن يقال بما بالألف وأنشد فيه أبياتا ' .

وقال الزمخشري : ' ويحتمل أن تكون استفهامية ، يعني : بأي شيء غفر لي ربي ؟ يريد ما كان منه معهم من المصابرة لإعزاز دين اللّه حتى قيل : إن قولك { بما غفر لي ربي} يريد ما كان منه معهم بطرح الألف أجود وإن كان إثباتها جائزا فقال : قد علمت بما صنعت هذا وبم صنعت ' . انتهى . والمشهور أن إثبات الألف في ما الاستفهامية إذا دخل عليها حرف جر مختص بالضرورة نحو قوله : على ما قام يشتمني لئيم

كخنزير تمرغ في رماد

وحذفها هو المعروف في الكلام نحو قوله : على م يقول الرمح يثقل كاهلي

إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت

وقرىء { من المكرمين} مشدد الراء مفتوح الكاف . والجمهور بإسكان الكاف وتخفيف الراء .

٢٨

انظر تسفير الآية:٢٩

٢٩

أخبر تعالى بإهلاك قوم حبيب بصيحة واحدة ، صاح بهم جبريل . وفي ذلك توعد لقريش أن يصيبهم ما أصابهم إذ هم المضروب لهم المثل . وأخبر تعالى أنه ينزل عليهم لإهلاكهم { جندا من السماء} كالحجارة والريح وغير ذلك ، وكانوا أهون عليه . وقوله { من بعده} يدل على ابتداء الغاية . أي : لم يرسل إليهم رسولا ولا عاتبهم بعد قتله ، بل عاجلهم بالهلاك . والظاهر : أن { ما} في قوله { وما كنا منزلين} نافية . فالمعنى قريب من معنى الجملة قبلها . أي : وما كان يصح في حكمنا أن ننزل في إهلاكهم جندا من السماء ، لأنه تعالى أجرى هلاك كل قوم على بعض الوجوه دون بعض كما قال { فكلا أخذنا بذنبه } [ العنكبوت ٤٠ ] الآية . وقالت فرقت { ما} اسم معطوف على { جند} ،

قال ابن عطية : ' أي : من جند ومن الذي منا منزلين على الأمم مثلهم ' . انتهى . وهو تقدير لا يصح ، لأن { من} في { من جندد} زائدة . ومذهب البصريين غير الأخفش أن لزيادتها شرطين ، أحدهما . أن يكون قبلها نفي أو نهي أو استفهام

والثاني : أن يكون بعدها نكرة . وإن كان كذلك فلا يجوز أن يكون المعطوف على النكرة معرفة . لا يجوز ما ضربت من رجل ولا زيد . وإنه لا يجوز ولا من زيد . وهو . قدر المعطوف بالذي وهو معرفة فلا يعطف على النكرة المرورة بمن الزائدة . وقال أبو البقاء : ' ويجوز أن تكون { ما} زائدة . أي وقد كنا منزلين ' . وقوله ليس بشيء .

وقرأ { إن كانت إلا صيحة} بنصب الصيحة . و { كان} ناقصة واسمها مضمر . أي : أن كانت الأخذة أو العقوبة .

وقرأ أبو جعفر وشيبة ومعاذ بن الحارث القارىء { صيحة} ' بالرفع في الموضعين على أن } كانت تامة . أي : ما حدثت أو وقعت إلا صيحة . وكان الأصل لا يلحق التاء ، لأنه إذا كان الفعل مسندا إلى ما بععد إلا من المؤنث لم تلحق العلامة للتأنيث ، فيقول : ما قام إلا هند . ولا يجوز ما قامت إلا هند عند أصحابنا إلا في الشعر . وجوزه بعضهم في الكلام على قلة ومثله قراءة الحسن ومالك بن دينار وأبي رجاء والجحدري وقتادة وأبي حيوة وابن أبي عبلة وأبي بحرية { لا ترى غلا مساكنهم } [ الأحقاف : ٢٥ ] بالتاء والقراءة المشهورة بالياء . وقول ذي الرمة : وما بقيت إلا الضلوع الجراشع

وقول الآخر : ما ربرئت من ريبة وذم

في حربنا إلا بنات العم

فأنكر أبو حاتم وكثير من النحويين هذه القراءة بسبب لحوق تاء التأنيث { فإذا هم خامدون} أي : فاجأهم الخمود إثر

الصيحة لم يتأخر . وكنى بالخمود عن سكوتهم بعد حياتهم كنار خمدت بعد توقدها . ونداء الحسرة على معنى هذا وقت حضورك وظهورك هذا تقدير نداء مثل هذا عند سيبوية . وهو منادى منكور على قراءة الجمهور .

وقرأ أبي وابن عباس وعلي بن الحسين والضحاك ومجاهد والحسن { يا حسرة العباد} على الإضافة ، فيجوز أن تكون الحسرة منهم على ما فاتهم . ويجوز أن تكون الحسرة من غيرهم عليهم لما فاتهم من أتباع الرسل حين أحضروا للعذاب ، وطباع البشر تتأثر عند معانيه عذاب غيرهم وتتحسر عليهم .

وقرأ أبو الزناد وعبد اللّه بن ذكوان المدني وابن هرمز وابن جندب { يا حسره على العباد} بسكون الهاء في الحالين . حمل فيه الوصل على الوقف . ووقفوا على الهاء مبالغة في التحسر لما في الهاء من التأهة كالتأوة ثم وصلوا على تلك الحال ، قاله صاحب اللوامح ، وقال بانب خالوية ' { يا حسرة على العباد} بغير تنوين قاله ابن عباس ' . انتهى ووجهه أنه اجتزأ بالفتحة عن الألف التي هي بدل من ياء المتكلم في النداء كما اجتزأ بالكسرة عن الياء فيه . وقد قرىء { يا حسرتا} بالألف أي : يا حسرتي . ويكون من اللّه على سبيل الآستعارة في معنى تعظيم ما جنوه على أنفسهم وفرط إنكاره وتعجيبه منه . والظاهر : أن العباد هم مكذبو الرسل تحسرت عليهم الملائكة . قاله الضحاك ، وقال الضحاك أيضا : ' المعنى . يا حسرة الملائكة على عبادنا الرسل حتى لم ينفعهم الإيمان لهم ' وقال ا [ و العالية : ' المراد بالعباد : الرسل الثلاثة . وكأن هذا التحسر هو من الكفار حين رأوا عذاب الللّه تلهفوا على ما فاتهم .

قال ابن عطية : ' وقوله { ما يأتيهم} الآية بدفع هذا التأويل ' . انتهى قال الزجاج : ' الحسرة : أمر يركب الإنسان من كثرة الندم على ما لا نهاية له حتى يبقى حسيرا ' .

وقيل : المنادى محذوف . وانتصب { حسرة} على المصدر . أي : يا هؤلاء تحسروا حسرة .

٣٠

انظر تسفير الآية:٤٤

٣١

انظر تسفير الآية:٤٤

٣٢

انظر تسفير الآية:٤٤

٣٣

انظر تسفير الآية:٤٤

٣٤

انظر تسفير الآية:٤٤

٣٥

انظر تسفير الآية:٤٤

٣٦

انظر تسفير الآية:٤٤

٣٧

انظر تسفير الآية:٤٤

٣٨

انظر تسفير الآية:٤٤

٣٩

انظر تسفير الآية:٤٤

٤٠

انظر تسفير الآية:٤٤

٤١

انظر تسفير الآية:٤٤

٤٢

انظر تسفير الآية:٤٤

٤٣

انظر تسفير الآية:٤٤

٤٤

وقيل : { يا حسرة على العباد } من قول الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى لما وثب القوم لقتله .

وقيل : هو من قول الرسل الثلاثة ، قالوا ذلك حين قتلوا ذلك الرجل ، وحل بهم العذاب ، قالوا يا حسرة على هؤلاء ، كأنهم تمنوا أن يكونوا قد آمنوا ' . انتهى . فالألف واللام للعهد إذا قلنا : إن العباد المراد بهم الرسل الثلاثة أو من أرسلوا إليه ، وهم الهالكون بسبب كفرهم وتكذيبهم إياهم . والظاهر أنها لتعريف جنس الكفار المكذبين . وتلخص : أن المتحسر الملائكة ، أو اللّه تعالى ، أو المؤمنون ، أو الرسل الثلاثة ، أو ذلك الرجل . أقوال { ما يأتيهم} إلى آخر الآية . تمثيل لقريش ، وهم الذين عاد عليهم الضمير في قوله { ألم يروا كم أهلكنا} ،

قال ابن عطية : ' و { كم} هنا خبرية و { أنهم} بدل منها ، والرؤية رؤية البصر ' . انتهى . فهذا لا يصح لأنها إذا كانت خبرية فهي في موضع نصب ب { أهلكنا} ولا يسوغ فيها ، إلا ذلك . وإذا كان كذلك امتنع لأن يكون { أنهم} بدل منها لأن البدل على نية تكرار العامل ولو سلطت { أهلكنا} على { أنهم} لم يصح . ألا ترى أنك لو قلت . أهلكنا انتفاء رجوعهم أو أهلكنا كونهم لا يرجعون . لم يكن كلاما ، لكن ابن عطية توهم أن { يروا} مفعوله { كم} فتوهم أن قولهم { أنهم لا يرجعون} بدل لأنه يسوغ أن يتسلط عليه ، فتقول : ألم يروا أنهم لا يرجعون . وهذا وأمثاله دليل على ضعفه في علم العربية . وقال الزجاج : ' هو بدل من الجملة . والمعنى : ألم يروا أن القرون التي أهلكناها إليهم لا يرجعون ، لأن عدم الرجوع والهلاك بمعنى النهي ' . وهذا الذي قاله الزجاج ليس بشيء ، لأنه ليس بدلا صناعيا . وإنما فسر المعنى ولم يلحظ صنعة النحو . وقال أبو البقاء : ' أنهم إليهم انتهى . وليس بشيء ، لأن { كم} ليس بمعمول ل { يروا} ونقل عن الفراء أنه يعمل { يروا} في الجملتين من غير إبدال وقولهم في الجملتين تجوز لأن { أنهم} وما بعده ليس بجملة ولم يبين كيفية هذا العمل .

وقال الزمخشري{ ألم يروا } ألم يعلموا وهو معلق عن العمل في { كم} لا يعمل فيها عامل قبلها ، كانت للاستفاهم أو للخبر ، لأن أصلها الاستفهام إلا أن معناها نافذ في الجملة . كما نفذ في قولك : الم يروا أن زيدا لمنطلق . وإن لم تعمل في لفظه و { أنهم إليهم لا يرجعون} بدل من { أهلكنا} على المعنى لا على اللفظ تقديره : ألم يروا كثرة إهلاكنا القرون من قبلهم كونهم غير راجعين

إليهم ' . انتهى . فجعل { يروا} بمعنى يعلموا ، وعلقها على العمل في { كم} وقوله : ' لأن { كم} لا يعمل فيها ما قبلها كانت للاستفهام أو للخبر ' . وهذا ليس على إطلاقه ، لأن العامل إذا كان حرف جر ، أو أسما مضافا ، جاز أن يعمل فيها نحوكم . على كم جذع بيتك ؟ وأين كم رئيس صحبت ؟ وعلى كم فقير تصدقت ؟ أرجو الثواب ؟ وأين كم شهيد في سبيل اللّه أحسنت إليه ؟ قوله : ' أو للخبر ' الخبرية فيها لغتان الفصيحة كما ذكر ، لا يتقدمها عامل إلا ما ذكرنا من الجار . واللغة الأخرى حكاها الأخفش يقولون فيها : ملكت كم غلام . أي : ملكت كثيرا من الغلمان . فكما يجوز أن يتقدم العامل على كثير كذلك يجوز أن يتقدم على كم ، لأنها بمعناها . وقوله : ' لأن أصلها الاستفهام ' ليس أصلها الاستفهام ، بل كل واحدة أصل في بابها لكنها لفظ مشترك بين الاستفهام والخبر . وقوله : ' إلا أن معناها نافذ في الجملة ' . يعني : معنى { يروا} نافذ في الجملة ، لأن جعلها معلقة وشرح ب { يعلموا} . وقوله كما تقدم في قولك - ألم يروا ان زيدا لمنطلق . فإن زيدا لمنطلق معمول من حيث المعنى ل { يروا} ولو كان عاملا من حيث اللفظ لم تدخل اللام وكانت أن مفتوحة كإن وفي خبرها اللام من الأدوات التي تعلق أفعال القلوب . وقوله : ' وأنهم لا يرجعون ' إلى آخر كلامه . لا يصح أن يكون بدلا لا على اللفظ ولا على المعنى . أما على اللفظ ، فإنه زعم أن { يروا} معلقة فيكون { كم} استفهاما وهو معمول ل { أهلكنا} و { أهلكنا} لا يتسلط على { أنهم إليهم لا يرجعون} وتقدم لنا ذلك .

وأما على المعنى فلا يصح أيضا ، لأنه قال تقديره : أي على المعنى ألم يروا كثرة إهلاكنا القرون من قبلهم كونهم غير راجعين إليهم ، فكونهم غير كذا ليس كثرة الإهلاك فلا يكون بدل كل من كل ، ولا بعضا من الإهلاك ، ولا يكون بدل بعض من كل ، ولا يكون بدل اشتمال ، لأن بدل الاشتمال يصح أن يضاف إلى ما أبدل منه . وكذلك بدل بعض من كل وهذا لا يصح هنا ، لا تقول : ألم يروا انتفاء رجوع كثرة إهلاكنا القرون من قبلهم وفي بدل الاشتمال نحو . أعجبني الجارية ملاحتها . وسرق زيد ثوبه يصح : أعجبني ملاحة الجارية . وسرق ثوب زيد . وتقدم لنا الكلام على إعراب مثل هذه الجملة في قوله : { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن } [ الأنعام : ٦ ] في سورة الأنعام والذي تقتضيه صناعة العربية أن { أنهم} معمول المحذوف ودل عليه المعنى . وتقديره : قضينا أو حكمنا أنهم إليهم لا ذلك على أن قراءة الفتح مقطوعة عن ما قبلها من جهة الإعراب لتتفق القراءتان ولا تختلفا . والضمير في { أنهم} عائد على معنى { كم} وهم القرون . و { إليهم} عائد على من أسند إليه { يرو} وهم قريش .

فالمعنى : أنهم لا يرجعون إلى من في الدنيا

وقيل : الضمير في { انهم} عائد على من أسند إليه { يروا} وفي { إليهم} عائد على المهلكين . والمعنى : أن الباقين لا يرجعون إلى المهلكين بنسب ولا ولادة . أي : أهلكناهم ، وقطعنا نسلهم . والإهلاك مع قطع النسل أتم وأعم .

وقرأ عبد اللّه { ألم يروا من أهلكنا أنهم} هلى هذا بدل اشتمال . وفي قولهم { أنهم لا يرجعون} رد على القائلين بالرجعة .

وقيل لابن عباس : إن قوما يزعمون أن عليا مبعوث قبل يوم القيامة فقال : ليس القوم نحن إذا نكحنا نساءه وقسمنا ميراثه ' .

وقرأ عاصم وحمزة وابن عامر بتثقيل { لما} وباقي السبعة بتخفيفا . فمن ثقلها كانت عنده بمعنى إلا و { إن} نافية . أي : ما كل . أي : كلهم إلا { جميع لدينا محضرون} .أي : محشرون . قاله قتادة . وقال ابن سلام : ' معذبون ' ،

وقيل : التقدير لمن ما وليس بشيء ومن خفف { لما} جعل { إن} المخففة من الثقيلة و { ما} زائدة . أي : إن كل لجميع ، وهذا على مذهب البصريين .

وأما الكوفيون ف { إن} عندهم نافية واللام بمعنى إلا و { ما} زائدة . و { لما} المشددة بمعنى غلآ ثابت في لسان العرب بنقل الثقات ، فلا يلتفت إلى زعم الكسائي لأنه لا يعرف ذلك . وقال أبو عبد اللّه الرازي : ' في كون لما بمعنى إلا معنى مناسب ، وهو أن لما كأنها حرفا نفي جميعا وهما لم وما فتأكد النفي وإلا كأنها حرفا نفي إن ولا فاستعمل أحدهما مكان الآخرة ' انتهى . . وهذا أخذه من قول الفراء في ألا في الاستثناء أنها مركبة من إن ولا إلا أن الفراء جعل أن المخففة من الثقيلة وما الزائدة . أي : عن كل لجميع ، وهذا على مذهب البصريين .

وأما الكوفيون و { إن} عندهم مافية والللام بمعنى إلا و { ما} زائدة . ولما المشددة بمعنى إلا ثابت حرف مفي ، وهو قول مردود عند النحاة ركيك وما تركب منه وزاد تحريفا أرك منه . و { كل} بمعنى الإحاطة . و { جميع} فعيل بمعنى

مفعول ويدل على الاجتماع . و { جميع محضرون} هنا على المعنى كما أفرد منتصر على اللفظ ، وكلاهما بعد جميع يراعى فيه الفواصل . وجاءت هذه الجملة بعد ذكر للإهلاك تبيينا أنه تعالى ليس من أهله يترك بل بعد إهلاكهم جمع ، وحساب ، وثواب ، وعقاب ، ولذلك أعقب هذا بما يدل على الحشر من قوله { وآية لهم الأرض الميتة أحييناها} وما بعده من الآيات . وبدأ بالأرض ، لأنه مستقرهم ، حركة وسكونا ، حياة وموتا . وموت الأرض : جدبها ، وإحياؤها بالغيث . والضمير في { لهم} عائد على كفار قريش ومن يجري مجراهم في إنكار الحشر ، و { أحييناهم} استئناف بيان لكون الأرض الميتة آية ، وكذلك نسلخ .

وقيل : { أحييناها } في موضع الحال ، والعامل فيها { آية} بما فيها من معنى الإعلام ويكون { آية} خبرا مقدما و { الأرض الميتة} مبتدأ ، فالنية بآية التأخير . والتقدير : والأرض الميتة آية لهم محياة ، كقولك : قائم زيد مسرعا . أي : زيد قائم مسرعا . و { لهم} متعلق بآية لا صفة ،

وقال الزمخشري : ' ويجوز أن يوصف الأرض والليل بالفعل ، لأنه أريد بهما الجنسان مطلقين لا أرض وليل بإحيائهما فعوملا معاملة النكرات في وصفها بالأفعال ' . ونحوه : ولقد أمر على اللئيم يسبني

انتهى . وهذا هدم لما استقر عند أئمة النحو من أن النكرة لا تنعت إلا بالنكرة ، والمعرفة لا تنعت إلا بالمعرفة . ولا دليل لمن ذهب إلى ذلك

وأما يسبنى فحال . أي : سابا لي . وقد تبع الزمخشري ابن مالك على ذلك في التسهيل من تأليف . وفي هذه الجمل تعدد نعم إحياؤها بحيث تصير مخضرة ، تبهج النفس والعين ، وإخراج الحب منها ، حيث صار ما يعيشون به في المكان الذي هم فيه مستقرون لا في السماء ولا في الهواء ، وجعل الحبات لأنهم أكلوا من الحب وربما تاقت النفس غلى النقلة فالأرض يوجد منها الحب ، والشجر يوجد منه الثمر ، وتفجير العيون يحصل به الاعتماد على تحصيل الزرع والثمر ، ولو كان من السماء لم يدر أين يغرس ولا يقع المطر .

وقرأ جناح بن حبيش { وفجرنا} بالتخفيف . والجمهور بالتشديد . ومن ثمره { بفتحتين . وطلحة وابن وثاب وحمزة والكسائي بضمتين . والأعمش بضم الثاء وسكون الميم . والضمير في { ثمره} عائد على الماء ، قيل : لدلالة العيون عليه ، ولكونه على حذف مضاف . أي : من ماء العيون .

وقيل على النخيل واكتفى به للعلم في اشتراك الأعيان فيما علق به النخيل من أكل ثكره أو يراد من ثمر المذكور وهو الجنات كما قال الشاعر : فيها خطوط من سواد وبلق

كأنه في الجلد توليع البهق

فقيل له : كيف قلت بعيون كأنه والذي تقدم خطوط ؟ فقال : أرت كان ذاك .

وقيل : عائد إلى التفجير الدال عليه { وفجرنا} الآية أقرب مذكور . وعنى ب { ثمره} فوائده كما تقول ثمرة التجارة الربح .

وقال الزمخشري : ' وأصله : من ثمرنا . كما قال { وجعلنا وفجرنا} فنقل الكلام من التكلم إلى الغيبة على طريق الالتفات . والمعنى : ليأكلوا مما خلقه اللّه من الثمر ، ومما عملته أيديهم من الغرس ، والسقي ، والآبار ، وغير ذلك من الأعمال إلى أن بلغ الثمر منتهاه . وبأن أكله يعني أن الثمر في نفسه فعل اللّه وخلقه . وفيه آثار من كد بني آدم . ويجوز أن تكون { ما} نافية على أن الثمر خلق اللّه ولم تعمله أيدي الناس ، ولا يقدرون على خلقه .

وقرأ الجمهور { وما علمته} بالضمير فإن كانت { ما} موصولة فالضمير عائد عليها وإن كانت نافية فالضمير عائد على الثمر .

وقرأ طلحة وعيسى وحمزة والكسائي وأبو بكر بغير ضمير . مفعول { علمت} على التقديرين محذوفة . وجوز في هذه القراءة أن تكون { ما} مصدرية . أي : وعمل أيديهم . وهو مصدر أريد به المعمول فيعود إلى معنى الموصول . ولما عدد تعالى هذه النعم حض على الشكر فقال { أفلا تشكرون} ثم نزه تعالى نفسه عن كل ما يلحد به ملحد ، أو يشرك به مشرك ، فذكر إنشاء الزواج وهي الأنواع من جميع الأشياء مما تنبت الأرض من النخل والشجر والزرع

والثمر وغير ذلك . وكل صنف زوج ، مختلف لونا وطعما وشكلا وصغرا وكبرا { ومن أنفسهم} ذكورا وإناثا { مما يعلمون} أي : أنواعا مما لا يعلمون أعلموا بوجوده ولم يعلموا ما هو ، إذ لا يتعلق علمهم بما هيته أمر محتاج إليه في دين ولا دنيا . وفي إعلامه بكثرة مخلوقاته دليل على اتساع ملكه ، وعظم قدرته . ولما ذكر تعالى الاستدلال بأحوال الأرض وهي المكان الكلي ذكر الاستدلال بالليل والنهار وهو الزمان الكلي وبينهما مناسبة ، لأن المكان لا تستغني عنه الجواهر ، والزمان لا تستغني عنه الأعراض ، لأن كل عرض فهو في زمان ومثله مذكور في قوله : { ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر } [ فصلت : ٣٧ ] ثم قال بعده { ومن آياته أنك ترى الأرض هامدة } [ فصلت : ٣٩ ] الآية وبدأ هناك بالزمان ، لأن المقصود إثبات الوحدانية بدليل قوله { لا تسجدوا للشمس ولا للقمر} الآية . ثم الحشر بقوله { إن الذي أحياها لمحيي الموتى} وهذا المقصود الحشر أولا ، لأن ذكره فيها أكثر ، وذكر التوحيد في فصلت أكثر بدليل قوله { قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض} انتهى . وهو من كلام أبي عبد اللّه الرازي وفيه تلخيص . و { نسلخ} معناه : نكشط ونقشر ، وهو استعارة لإزالة الضوء وكشفه عن مكان الليل . و { مظلمون} داخلون في الظلام كما ثقول أعتمنا وأسحرنا ، دخلنا في العتمة وفي السحر . واستدل قوم بهذا على أن الليل اصل والنهار فرع طارىء عليه ، ومستقر الشمس بين يدي العرش تسجد فيه كل ليلة بعد غروبها كما جاء في حديث أبي ذر } ويقال لها اطلعي من حيث طلعت فإذا كان طلوعها من مغربها يقال لها اطلعي من حيث غربت فذلك حين { لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا } [ الأنعام : ١٥٨ ] ،

وقال ابن عباس : ' إذا غربت وانتهت إلى الموضع الذي لا تتجاوزه استوت تحت العرش إلى ان تطلع ' . وقال الحسن : ' للشمس في السنة ثلاثمائة وستون مطلعا ، تنزل كل يوم مطلعا ، ثم لا تنزل إلى الحول وهي تجري في فلك المنازل ، أو يوم القيامة ، أو غيبوبتها ، لأنها تجري كل وقت إلى حد محدد تغرب فيه ، أو أحد مطالعها في المنقلبين ، لأنهما نهايتها مطالعها فإذا استقر وصولها كرت راجعة وإلا فهي لا تستقر عن حركتها طرفة عين ' . ونحا إلى هذا ابن قتيبة أو وقوفها عند الزوال كل يوم ، ودليل استقرارها وقوف ذلك الظلام حينئذ .

وقال الزمخشري : ' بمستقر لها لحد لها مؤقت مقدر تنتهي إليه من فلكها في ى خر السنة . شبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره أو كمنتهى لها من المشاق والمغارب لأنها تتقصاها مشرقا مشرقا ، ومغربا مغربا ، حتى تبلغ أقصاها ، ثم ترجع فلذلك حدها ومستقرها لأنها تعدوه أو لا يعدلها من مسيرها كل يوم في مرأى عيوننا وهو المغرب .

وقيل : مستقرها : محلها الذي أقر اللّه عليه أمرها في جريها فاستقرت عليه ، وهو آخر السنة .

وقيل : الوقت الذي تستقر فيه وينقطع جريها ، وهو يوم القيامة ، وقال أبو عبد اللّه الرازي : ما ملخصه : ' في المستقر وجوه في الزمان وفي المكان ، ففي الزمان الليل ، أو السنة ، أو يوم القيامة . وفي المكان : غاية ارتفاعها في الصيف ، وانخفاضها في الشتاء ، ويجري إلى ذلك الموضع فترجع ، أو غاية مشارقها ، فلها في كل يوم مشرق إلى سنة أشهر ، ثم تعود على تلك المقنطرات ، وهذا هو ما تقدم في الارتفاع ، فإن اختلاف المشارق ، سبب اختلاف الارتفاع ، أو وصولها إلى بيتها في الأسد أو الدائرة التي عليها حركتها حيث لا تميل عن منطقة البروج على مرور الشمس . ويحتمل أن يقال : تجري مجرى مستقرها فإن أصحاب الهيئة قالوا : الشمس في فلك والفلك يدور فيدير الشمس ، فالشمس تجري مجرى مستقرها ' . انتهى . وقرىء { إلى مستقرها} ،

وقرأ عبد اللّه وابن عباس وعكرمة وعطاء بن رباح وزين العابدين والباقر وابنه الصادق وابن أبي عبدة { لا مستقر لها} نفيا . مبنيا على الفتح . فيقتضي انتفاء كل مستقر وذلك في الدنيا ، أي : هي تجري دائما فيها لا تستقر إلا ابن أبي عبلة فإنه قرأ برفع { مستقر} وتنويه على

إعمالها إعمال ليس . نحو قول الشاعر : تعز فلا شيء على الأرض باقيا

ولا وزر مما قضى اللّه واقيا

الإشارة بذلك غلى جري الشمس . أي : ذلك الجري على ذلك التقدير والحساب الدقيق ، تقدير { العزيز} الغالب بقدرته على كل مقدور ، المحيط علما بكل معلوم .

وقرأ الحرميان وأبو عمرو وأبو جعفر وابن محيصن والحسن بخلاف عنه { والقمر} بالرفع على الابتداء . وباقي السبعة بالنصب على الاشتغال . . و { قدرناه} على حذف مضاف . أي : قدرنا سيره . و { منازل} طرف أي منازلة .

وقيل : قدرنا نوره فيزيد مقدار النور كل يوم في المنازل الاجتماعية ، وينقص في المنازل الاستقبالية ،

وقيل { قدرناه} جعلنا أنه أجرى عكس منازل أنوار الشمس ، ولا يحتاج إلى حذف حرف الصفة فإن جرم القمر المظلم ينزل فيه النور لقبول عكس ضياء الشمس مثل المرآة المجلوة إذا قوبل بها الشعاع ، وهذه المنازل معروفة عند العرب ، وهي ثمانية وعشرون منزلة القمر كل ليلة في واحدة منها لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه على تقدير مستو لا بتفاوت يسير فيها من ليلة المستهل إلى الثامنة والعشرين ، ثم يسير ليلتين إذا نقص الشهر ، وهذه المنازل هي مواقع النجوم التي نسبت إليها العرب الأنواء المستمطرة وهي : الشرطين ، البطين ، الثريا ، الدبران ، الهقعة ، الهنعة ، الذراع ، النثرة ، الطرف ، الجبهة ، ، الدبرة ، الصرفة ، العواء ، السماك ، العفر ، الزباني ، الإكليل ، القلب ، الشولة ، النعائم ، البلدة ، سعد الذابح ، سعد بلع ، سعد السعود ، سعد الأخبية ، فرع الدلو المقدم ، فرع الدلو المؤخر ، بطن الحوت ، ويقال له : الرشاء ، فإذا كان في ى خر منازله دق واستقوس واصفر فشبه بالعرجون القديم من ثلاثة الأوجه ،

وقرأ سليمان التيمي { كالعرجون} بكسر العين وفتح الجيم . والجمهور بضمهما . وهما لغتان كالبريون . و { القديم} ما مر عليه زمان طويل .

وقيل : أقل عدة الموصوف بالقدم حول ، فلو قال رجل : كل مملوك لي قديم فهو حر ، أو كتب ذلك في وصية ، عتق منهم من مضى له حول وأكثر ' . انتهى . والقدم : أمر نسبي وقد يطلق على ما ليس له سنة ، ولا سنتان ، فلا يقال : العالم قديم وإنما تعتبر العادة في ذلك . { لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ينبغي لها} مستعملة فيما لا يمكن خلافه . أي : لم يجعل لها قدرة على ذلك ، وهذا الإدراك المنبغي هو :

قال الزمخشري : ' إن اللّه تعالى جعل لكل واحد من الليل والنهار وآيتيهما قسما من الزمان ، وضرب له حدا معلوما ، ودبر أمرهما على التعاقب ، فلا ينبغي للشمس أن يستهل لها ، ولا يصح ولا يستقيم لوقوع التدبير على العاقبة . وإن جعل لكل واحد من النيرين سلطان على حياله أن يدرك القمر ، فتجتمع معه في وقت واحد ، وتدخله في سلطانه ، فتطمس نوره ، ولا يسبق الليل النهار : يعني : آية الليل آية النهار ، وهما النيران ، ولا يزال الأمر على هذا الترتيب إلى أن يبطل اللّه ما دبر من ذلك ، وينقص ما ألف فيجمع بين الشمس والقمر ، فتطلع الشمس من مغربها ' . انتهى .

وقال ابن عباس والضحاك : ' إذا طلعت لم يكن للقمر ضوء وإذا طلع لم يكن للشمس ضوء ' . وقال مجاهد : ' لا يشبه ضوء أحدهما ضوء الآخر ' . وقال قتادة : ' لكل أحد حد لا يعدوه ولا يقصر دونه إذا جاء سلطان هذا ذهب هذا ' .

وقال ابن عباس ايضا : ' إذا اجتمعا في السماء كان أحدهما بين يدي الآخر في منازل لا يشتركان فيها ' ، وقال الحسن : ' لا يجتمعان في السماء ليلة الهلال خاصة . أي : لا تبقي الشمس حتى يطلع الفجر ولكن إذا غربت طلع ' . وقال يحيى بن سلام : ' لا تدركه ليلة البدر خاصة لأنه يبادر بالمغيب قبل طلوعها ' .

وقيل : ' لا يمكنها أن تدركه في سرعته ، لأن دائرة فلك القمر داخله في فلك عطارد داخل في فلك الزهرة ، وفلك الزهرة داخل في فلك الشمس ، فإذا كان طريق الشمس أبعععد قطع القمر جميع أجزاء فلكه ، أي : من البروج الاثني عشر في زمان تقطع الشمس فيه برجا واحدا من فلكه .

وقال النحاس : ' ما قيل فيه وأبينه أن مسير القمر مسير سريع والشمس لا تدركه في السير ' . انتهى . وهو ملخص القول الذي قبله { ولا الليل سابق النهار} لا يعارض قوله { يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا } [ الأعراف ٥٤ ] لأن ظاهر قوله { يطلبه حثيثا} ن النهار سابق أيضا ، فيوافق الظاهر . وفهم أبو عبد اللّه الرازي من قوله { يطلبه حثيثا} أن النهار يطلب الليل ، والليل سابقة . وفهم من قوله { ولا الليل سايق النهار} أن الليل مسبوق لا سابق فأورده سؤالا . وقال : كيف يكون الليل سابقا مسبوقا ؟ وأجاب أن المراد من الليل هنا سلطان الليل ، وهو القمر ، وهو لا يسبق الشمس . بالحركة اليومية السريعة والمراد من الليل هناك : نفس الليل ، وكل واحد لما كان في عقب الآخر كان طالبه ' . انتهى . وعرض له هذا السؤال لكونه جعل الضمير الفاعل في { يطلبه} عائدا على النهار ، وضمير المفعول عائدا على { الليل} والظاهر أن ضمير الفاعل عائد على ما هو الفاعل في المعنى وهو الليل ، لأنه كان قبل دخول همزة النقل { يغشى الليل النهار} وضمير المفعول عائد على النهار ، لأنه المفعول قبل النقل وبعده ،

وقرأ عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير الخطفي { سابق} بغير تنوين { النهار} بالنصب ، قال المبرد : ' سمعته يقرأ ما هذا ؟ قال : أردت سابق النهار فحذفت ، لأنه أخف ' . انتهى . وحذف التنوين فيه لالتقاء الساكنين وتقدم شرح { وكل في فلك يسبحون } [ الأنبياء : ٣٣ ] في سورة الأنبياء والظاهر من الذرية أنه يراد به الأبناء ومن نشأ منهم .

وقيل : ينطلق على الآباء وعلى الأبناء . قاله أبو عثمان ، و

قال ابن عطية : ' هذا تخلط ولا يعرف هذا في اللغة ' انتهى . وتقدم الكلام في الذرية في آل عمران . والظاهر : أن الضمير في { لهم} وفي { ذرياتهم} عائد على شيء واحد ،

فالمعنى : أنه تعالى حمل ذريات هؤلاء وهم آباؤهم الأقدمون في سفينة نوح - عليه السلام - قاله ابن عباس ، وجماعة . ومن مثله للسفن الموجودة في جنس بني آدم إلى يوم القيامة ، أو أريد بقوله { ذرياتهم} حذف مضاف . أي : ذريات جنسهم ، وأريد بالذرية : من لا يطيق المشي والركوب من الذرية والضعفاء و { الفلك} ، اسم جنس من عليهم بذلك . وكون الفلك مرادا به الجنس . قاله ابن عباس أيضا ، ومجاهد والسدي ومن مثله الإبل وسائر ما يركب .

وقيل : الضميران مختلفان . أي : ذرية القرون الماضية قاله علي بن سليمان . وكان آية لهؤلاء ، إذ هم نسل تلك الذرية ،

وقيل : الذرية : النطف و { الفلك المشحون} بطون النساء . ذكره الماوردي ، ونسب إلى علي بن أبي طالب . وهذا لا يصح ، لأنه من نوع تفسير الباطنية ، وغلاة المتصوفة الذين يفسرون كتاب اللّه على شيء لا يدل عليه اللفظ بجهة من جهات الدلالة ، يحرفون الكلم عن مواضعه ، ويدل على أنه أريد ظاهر الفلك قوله { وخلقنا لهم من مثله ما يركبون} يعني : الإبل والخيل والبغال والحمير . والمماثلة في أنه مركوب مبلغ للأوطان فقط . هذا إذا كان الفلك جنسا ، ولأما إن أريد به سفينة نوح فالمماثلة تكون في كونها سفنا مثلها ، وهي الموجودة في بني آدم ويبعد قول من قال ' الذرية في الفلك : قوم نوح في سفينته والمثل : الأجل وما يركب ' . لأنه يدفعه قوله { وإن نشأ نغرقهم} ،

وقرأ نافع وابن عامر والأعمش وزيد بن علي وأبان بن عثمان { ذرياتهم} بالجمع وكسر زيد وأبان الذال وباقي السبعة وطلحة وعيسى بالإفراد ،

وقال الزمخشري } ذريتهم أولادهم ومن يهمهم حمله ' .

وقيل : اسم الذرية يقع على النساء لأنهن مزارعها ، وفي الحديث : ' أنه نهى عن قتل الذراري يعني النساء ' . { من مثله} من مثل الفلك { ما يركبون} من الإبل وهي سفائن البر .

وقيل { الفلك المشحون} سفينة نوح ، ومعنى حمل اللّه ذرياتهم فيها ، أنه حمل فيها آباؤهم الأقدمون ، وفي أصلابهم هم وذرياتهم ، وإنما ذكر ذلارياتهم دونهم ، لأنه أبلغ في الامتنان عليهم ، وأدخل في التعجب من قدرته في حمل أعقابهم إلى يوم القيامة في سفينة نوح ، و { من مثله} من مثل ذلك الفلك { ما يركبون} من السفن ' . انتهى . وقال أبو عبد اللّه الرازي : ' إنما خص الذريات بالذكر ، لأن الموجودين كانوا كفارا لا فائدة في وجودهم . أي : لم يكن الحمل حملا لهم وإنما كان حملا لما في أصلابهم من المؤمنين ' . وقال أيضا : ' الضمير في ' وآية لهم ' عائد على العباد في قوله { يا حسرة على العباد} ثم قال بعععد { وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وآية لهم الليل وآية لهم أنا حملنا ذريتهم} ذريات العباد ، ولا يلزم أن يكون الضمير في الموضعين المعنيين فهو كقوله : { لا تقتلوا أنفسكم } [ النساء ] إنما يريد . لا يقتل بعضكم بعضا ، فكذلك هذا { وآية لهم} أي : آية كل بعض منهم أنا حملنا ذرية كل بعض منهم ، أو ذرية بعض منهم ' . انتهى . والظاهر في قوله

{وخلقنا} أنه أريد الإنشاء والاختراع ، فالمراد الإبل وما يركب ، وتكون { من} للبيان ، وإن كان ما يصنعه الإنسان قد ينسب إلى اللّه خلقا ، لكن الأكثر ما ذكرنا ، وإذا أريد به السفن تكون { من} للتبعيض ، و { لهم} الظاهر عوده على ما عاد عليه { وآية لهم} لأنه المحدث عنهم . وجوز أن يعود على الذرية والظاهر : أن الضمير في { مثله} عائد على { الفلك} ،

وقيل : يعود على معلوم غير مذكور . وتقديره : من مثل ما ذكرنا من المخلوقات في قوله { سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض} كما قالوا في قوله { من ثمره} أي : من ثمر ما ذكرنا .

وقرأ الحسن { نغرقهم} مشددا . والجمهور مخففا . والصريخ : فعيل بمعنى صاروخ . أي : مستغيث . بمعنى مصرخ أي مغيث لهم ولا معين ،

وقال الزمخشري : ' { فلا صريخ لهم} أي : فلا إغاثة لهم ' . انتهى . كأنه جعله مصدرا من أفعل ويحتاج إلى نقل أن صريخا يكون مصدرا بمعنى صراخ والظاهر : أن قوله { فلا صريخ لهم} أي : لا مغيث لهؤلاء الذين شاء اللّه إغراقهم { ولا هم منقذون} أي : ينجون من الموت بالغرق نفي أولا الصريخ وهو خاص ، ثم نفى ثانيا إنقاذهم انتهى . وليس بحسن ولا أحسن . والفاء في { فلا صريخ لهم} تعلق الجملة بما قبلها تعليقا واضحا ، وترتبط به ربطا لائحا ، والخلاص من العذاب بما يدفعه من أصله ، فنفي بقوله { فلا صريخ لهم} وما يرفعه بعععد وقوعه فنفي بقوله { ولا هم ينقذون} وانتصب { رحمة} على الاستثناء المفرغ للمفعول من أجله . أي : لرحمة منا . وقال الكسائي والزجاج : ' إلى حين ' . أي : إلى حين الموت . قاله قتادة .

وقال الزمخشري : ' إما الرحمة منا ، وليتمتع بالحياة إلى حين . أي : إلى أجل يموتون فيه لا بد لهم منه بعد النجاة من موت الغرق ' . انتهى . وإنما قال : ' لا بد لهم من موت الغرق ' ، لأنه تعالى قال { وإن نشأ} أي : إغراقهم { نغرقهم} فمن شاء أغراقه لا بد أن يموت بالغرق . والظاهر : أن { رحمة ومتاعا إلى حين} يكون للذين ينقذون ، فلا يفيد الدوام بل ينقذه اللّه رحمة له ، ويمتعه إلى حين ثم يمينه .

وقيل : فيه تقسيم إلا رحمة لمن علم أنه يؤمن فينقذه اللّه رحمة ، ومن علم أنه لا يؤمن بمنعه زمانا ويزداد إثما .

٤٥

انظر تسفير الآية:٥٧

٤٦

انظر تسفير الآية:٥٧

٤٧

انظر تسفير الآية:٥٧

٤٨

انظر تسفير الآية:٥٧

٤٩

انظر تسفير الآية:٥٧

٥٠

انظر تسفير الآية:٥٧

٥١

انظر تسفير الآية:٥٧

٥٢

انظر تسفير الآية:٥٧

٥٣

انظر تسفير الآية:٥٧

٥٤

انظر تسفير الآية:٥٧

٥٥

انظر تسفير الآية:٥٧

٥٦

انظر تسفير الآية:٥٧

٥٧

الضمير في { لهم} لقريش . و { ما بين أيديكم} قال قتادة ومقاتل : ' عذاب الأمم قبلكم ' { وما خلفكم} عذاب الآخرة ' ز . وقال مجاهد : عكسه . وقال الحسن : ' خوفوا بما مضى من ذنوبهم وما يأتي منها ' ، وقال مجاهد أيضا كقول الحسن : ما تقدم من ذنوبكم وما تأخر ' { لعلكم ترحمون} وجواب { إذغ} محذوف يدل عليه ما بعده . أي : أعرضوا { وما تأتيهم من آية} أي : دأبهم الإعراض عند كل آية تأتيهم { وإذا قيل لهم أنفقوا} لما أسلم حواشي الكفار من أقربائهم ومواليهم من المستضعفين قطعوا عنهم ما كانوا يواسونهم به ، وكان ذلك بمكة أولا قبل نزول آيات القتال ، فندبهم المؤمنون إلى صلة قراباتهم فقالوا { أنطعم من لو يشاء اللّه أطعمه}

وقيل : سحق قريش بسبب أذية المساكين من مؤمن وغيره فندبهم النبي صلى اللّه عليه وسلم  إلى النفقة عليهم فقالوا هذا القول .

وقيل : قال فقراء المؤمنين أعطونا ما زعمتم من أموالكم إنها للّه فحرموهم وقالوا ذلك على سبيل الاستهزاء .

وقال ابن عباس : ' كان بمكة زنادقة إذا أمروا بالصدقة ، قالوا : لا واللّه أيفقره اللّه ونطعمه نحن ، أو كانوا يسمعون المؤمنين يعلقون الأفعال بمشيئة اللّه لو شاء اللّه لأغني فلانا ، ولو شاء لأعزه ، ولو شاء لكان كذا فأخرجوا هذا الجواب مخرج الاستهزاء بالمؤمنين وبما كانوا يقولون . وقال القشيري : ' نزلت في قوم من الزنادقة لا يؤمنون بالصانع ، استهزاء بالمسلمين بهذا القول . وقال الحسن : ' { وإذا قيل لهم} : اليهود أمروا بإطعام الفقراء . وجواب { لو نشاء} قوله { أطعمهم} وورود الموجب بغير لام فصيح ، ومنه { أن لو نشاء أصبناهم لو نشاء جعلناه أجاجا } [ الواقعة ٧٠ ] والأكثر مجيئة باللام . والتصريح بالموضعين من الكفر والإيمان ، دليل على أن المقول لهم هم الكافرون . والقائل لهم هم المؤمنون وإن كل وصف حامل صاحبه على ما صدر منه إذ كل إناء بالذي فيه يرشح . وأمروا بالانفاق مما رزقكم اللّه ، وهو عام في الإطعام وغيره فأجابوه بغاية المخالفة ، لأن نفي إطعامهم يقتضي نفي الإنفاق العام ، فكأنهم قالوا : لا ننفق ولا أقل الأشياء التي كانوا يسمحون بها ، ويؤثرون بها على أنفسهم وهو الإطعام الذي به يفتخرون ، وهذا على سبيل المبالغة ، كمن يقول لشخص : أعط لزيد دينارا فيقول : لا أعطيه درهما . فهذا أبلغ من لا أعطيه دينارا . والظاهر : أن قوله { إن أنتم إلا في ضلال مبين} من تمام كلام الكفار يخاطبون المؤمنين . أي : حيث طلبتم أن تطعموا من لا يريد اللّه إطعامه إذ لو أراد اللّه إطعامه لأطعمه هو . ويجوز أن يكون من قول اللّه لهم . استأنف زجرهم به ، أو من قول المؤمنين لهم ، ثم حكى تعالى عنهم ما يقولون على سبيل الاستهزاء والتعجيل لما توعدون به . أي : متى يوم القيامة الذي أنتم توعدوننا به ، أو متى هذا العذاب الذي تهددوننا به . وهو سبيل على سبيل الاستهزاء منهم لما أمروا بالتقوى ولا يتقي إلا مما يخاف وهم غير مؤمنين . سألوا متى يقع هذا الذي تخوفونا به استهزاء منهم . { ما ينظرون} أي : ما ينتظرون . ولما كانت هذه الصيحة لا بد من وقوعها جعلوا كأنهم منتظروها ، وهذه هي النفخة الأولى ، تأخذهم فيهلكون ، وهم يتخاصمون . أي : في معاملاتهم وأسواقهم وفي أماكنهم من غير إمهال لتوصية ولا رجوع إلى أهل . وفي الحديث : ' تقوم الساعة والرجلان قد نشر أثوبهما يتبايعانه فما يطويانه حتى تقوم ، والرجل يخفض ميزانه ويرفعه ، والرجل يرفع أكلته إلى فيه فما تصل إلى حتى تقوم '

وقيل : { لا يرجعون } إلى أهلهم قولا .

وقيل : ولا إلى أهلهم يرجعون أبدا .

وقرأ أبي { يختصمون} على الأصل والحرميان وأبو عمرو والأعرج وشبل وابن فنطنطين بإدغام التاء في الصاد ونقل حركتها إلى الخاء ، وأبو عمرو أيضا . وقالون يخالف بالاختلاس وتشديد الصاد . وعنهما إسكان الخاء وتخفيف الصاد من خصم . وباقي السبعة بكسر الخاء وشد الصاد . وفرقة بكسر الياء اتباعا لكسرة الخاء وشد الصاد

وقرأ ابن محيصن { يرجعون} بضم الياء وفتح الجيم ،

وقرأ الأعرج في { الصور} بفتح الواو . والجمهور بإسكانها . وقرىء { من الأجداف} بالفاء بدل الثاء ،

وقرأ الجمهور بالثاء و { ينسلون} بكسر السين . وابن أبي إسحاق وأبو عمرو بخلاف عنه يبضمها . وهذه النفخة هي الثانية التي يقوم الناس أحياء عنها ، ولا تنافر بين { ينسلون} وبين { فإذا هم قيام ينظرون } [ الزمر ٦٨ ] لأنه لا ينسل إلا قائما ، ولأن تفاوت الزمانين يجعله كأنه زمان واحد .

وقرأ ابن أبي ليلى { يا ويلتنا} بتاء التأنيث . وعنه أيضا { يا ويلتى} بالتاء بعدها ألف بدل من ياء الإضافة ومعنى هذه القراءة : أن كل واحد منهم يقول يا ويلتى . والجمهور و { من بعثنا من} استفهام . و { بعث} فعل ماض . وعلي وابن عباس والضحاك وأبو نهيك { من} حرف جر و { بعثنا} مجرور به . و { المرقد} استعارة عن مضجع الميت . واحتمل أن يكون مصدرا . أي : من رقادنا وهو أجود . أو يكون مكانا ، فيكون المفرد فيه يراد به الجمع ، أي : من مراقدنا . وما روي عن أبي كعب ومجاهد وقتادة : ' من أن جميع البشر ينامون نومة قبل الحشر ' فقالوا : هو غير صحيح الإسناد .

وقيل : قالوا { من مرقدنا} لأن عذاب

القبر كان كالرقاد في جنب ما صاروا إليه من عذاب جهنم.

والظاهر أن هذا ابتداء كلام ، فقيل : من اللّه ، وعلى سبيل التوبيخ والتوقيف على إنكارهم.

وقال الفراء : من قول الملائكة.

وقال قتادة ، ومجاهد : من قول المؤمنين للكفار ، على سبيل التقريع.

وقال ابن زيد : من قول الكفرة ، أو البعث الذي كانوا يكذبون به في الدنيا ، قالوا ذلك.

والاستفهام بمن سؤال عن الذي بعثهم ، وتضمن قوله :  { هذا ما وعد الرحمن } ، ذكر الباعث ، أي الرحمن الذي وعدكموه ، وما يجوز أن تكون مصدرية على سمة الموعود ، والمصدر فيه بالوعد والصدق ، وبمعنى الذي ، أي هذا الذي وعده الرحمن.

لما ذكر تعالى أهوال يوم القيامة ، أعقب ذلك بحال السعداء والأشقياء.

والظاهر أنه إخبار لنا بما يكونون فيه إذا صاروا إلى ما أعد لهم من الثواب والعقاب.

وقيل : هو حكاية ما يقال في ذلك اليوم ، وفي مثل هذه الحكاية زيادة تصوير للموعود له في النفوس ، وترغيب إلى الحرص عليه وفيما يثمره؛ والظاهر أن الشغل هو النعيم الذي قد شغلهم عن كل ما يخطر بالبال.

وقال قريباً منه مجاهد ، وبعضهم خص هذا الشغل بافتضاض الأبكار ، قاله ابن عباس؛ وعنه أيضاً : سماع الأوتار.

وعن الحسن : شغلوا عن ما فيه أهل النار.

وعن الكلبي : عن أهاليهم من أهل النار ، لا يذكرونهم لئلا يتنغصوا.

وعن ابن كيسان : الشغل : التزاور.

وقيل : ضيافة اللّه ، وأفرد الشغل ملحوظاً فيه النعيم ، وهو واحد من حيث هو نعيم.

وقرأ الحرميان ، وأبو عمرو : بضم الشين وسكون الغين؛ وباقي السبعة بضمها؛ ومجاهد ، وأبو السمال ، وابن هبيرة فيما نقل ابن خالويه عنه : بفتحتين؛ ويزيد النحوي ، وابن هبيرة ، فيما نقل أبو الفضل الرازي : بفتح الشين وإسكان الغين.

وقرأ الجمهور { فاكهون} بالألف ، والحسن ، وأبو جعفر ، وقتادة ، وأبو حيوة ، ومجاهد ، وشيبة ، وأبو رجاء ، ويحيى بن صبيح ، ونافع في رواية بغير ألف .

وطلحة ، والأعمش { فاكهين} بالألف وبالياء نصبا على الحال . و { في شغل} هو الحبر . فبالألف أصحاب فاكهة ، كما يقال : لابن ، وتامر ، وشاحم ولاحم . وبغير ألف معناه : فرحون طربون . مأخوذ من الفكاهة . وهي المزحة ، وقرىء { فكهين} بغير ألف وبالياء . وقرىء { فكهون} بضم الكاف يقال : رجل فكه وفكه نحو يدس ويدس ، ويجوز في { هم} أن يكون مبتدأ وخبره { في ضلال} و { متكئون} خبر ثان ل { إن} أو يكون تأكيدا للضمير المستكن في شغل المنتقل إليه من العامل فيه . وعلى هذا الوجه والذي قبله يكون الأزواج قد شاركوهم في التفكة ، والشغل ، والاتكاء على الأرائك ، وذلك من جهة المنطوق . وعلى الأول شاركوهم في الظلال والاتكاء على الأرائك من حيث المنطوق وهن قد شاركنهم في التفكة والشغل من حيث المعنى .

وقرأ الجمهور { في ظلال} ،

قال ابن عطية : ' وهو جمع ظل إذا الجنة لا شمس فيها ، وإنما هواؤها سجسج ، كوقت الأسفار قبل طلوع الشمس ' . انتهى ، وجمع فعل على فعال في الكثرة نحو ذئب وذئاب .

وأما أن وقت الجنة كوقت الإسفار قبل طلوع الشمس ، فيحتاج هذا إلى نقل صحيح ، وكيف يكون ذلك وفي الحديث ما يدل على حوراء من حور الجنة لو ظهرت لأضاءت منها الدنيا ، أو نحو من هذا . قال : ' ويحتمل أن يكون جمع ظلة ' قال أبو علي ' كبرمة وبرام ' ، وقال منذر بن سعيد : ' جمع ظلة بكسر الظاء ' ،

قال ابن عطية : ' وهي لغة في ظلة ' . انتهى . فيكون مثل لقحة ولقاح ، وفعال لا ينقاس في فعلة بل يحفظ .

وقرأ عبداللّه ، والسلمي ، وطلحة وحمزة ، والكسائي { في ظل} جمع ظلة وجمع فعلة على فعل مقيس . وهي عبارة عن الملابس ، والمراتب من الحجال ، والستور ، ونحوها من الأشياء التي تظل .

وقرأ عبد اللّه { متكئين} نصب على الحال و { يدعون} مضارع ادعى ، وهو افتعل من دعا ، ومعناه : ولهم ما يتمنون . وقال أبو عبيدة : ' العرب تقول ادع على ما شئت بمعنى تمن علي . وتقول فلان في خير ما تمنى ، قال الزجاج : ' وهو من الدعاء ، أي : ما يدعونه أهل الجنة يأتيهم ،

وقيل : ' يدعون به لأنفسهم ' .

وقيل : ' يتداعونه لقوله ارتموه وتراموه .

٥٨

انظر تسفير الآية:٦٠

٥٩

انظر تسفير الآية:٦٠

٦٠

وقرأ الجمهور { سلام} بالرفع ، قيل : وهو صفة ل { ما} أي : مسلم لهم وخالص ' انتهى . ولا يصح إن كان { ما} بمعنى الذي لأنها تكون إذ ذاك معرفة ، و { سلام} نكرة ولا تنعت المعرفة بالنكرة ، فإن كانت { ما} نكرة موصوفة جاز إلا أنه لا يكون فيه عموم كحالها بمعنى الذي .

وقيل : { سلام } مبتدأ ويكون خبره ذلك الفعل الناصب لقوله { قولا} أي : سلام يقال قولا { من رب رحيم} أو يكون { عليكم} محذوفا . أي : سلام عليكم قولا من رب رحيم ،

وقيل : خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو سلام ،

وقال الزمخشري : ' { سلام قولا} بدل من { ما يدعون} كأنه قال لهم سلام ، يقال لهم قولا من جهة رب رحيم . والمعنى : أن اللّه يسلم عليهم بواسطة الملائكة أو بغير واسطة ، مبالغة في تعظيمهم . وذلك متمناهم { ولهم} ذلك لا يمنعونه . قال ابن عباس : ' والملائكة يدخلون عليهم بالتحية من رب العالمين ' . انتهى . وإذا كان { سلام} بدلا من { ما يدعون} كان { ما يدعون} خصوصا ، والظاهر : أنه عموم في كل ما يدعون ، وإذا كان عموما لم يكن { سلام} بدلا منه .

وقيل { سلام} خبر { ما يدعون} و { ما يدعون} مبتدأ . أي : ولهم ما يدعون . سلام خالص لا شرب فيه . و { قولا} مصدر مؤكد كقوله { ولهم ما يدعون سلام} أي : عدة من { رحيم} ،

قال الزمخشري : ' والأوجه أن ينتصب على الاختصاص وهو من مجازه ' . انتهى ويكون { لهم} متعلقا على هذا الإعراب ب { سلام} ،

وقرأ محمد بن كعب القرظي { سلم} بكسر السين وسكون اللام ومعناه سلام وقال أبو فضل الرازي : ' مسالم لهم . أي : ذلك مسالم ' ،

وقرأ أبي ، وعبد اللّه ، وعيسى والقنوي ،  { سلاما } بالنصب على المصدر .

وقال الزمخشري : ' نصب على الحال . أي : لهم مرادهم خالصا . { وامتازوا اليوم} أي : انفردوا عن المؤمنين لأن المحشر جنع البر والفاجر ، فأمر المجرمون بأن يكونوا على حدة من المؤمنين . والظاهر : أن ثم قولا محذوفا . لما ذكر تعالى ما يقال للمؤمنين في قوله { سلام قولا من رب رحيم} قيل : ويقال للمجرمين امتازوا . ولما امتثلوا ما أمروا به ، قال

٦١

انظر تسفير الآية:٧٠

٦٢

انظر تسفير الآية:٧٠

٦٣

انظر تسفير الآية:٧٠

٦٤

انظر تسفير الآية:٧٠

٦٥

انظر تسفير الآية:٧٠

٦٦

انظر تسفير الآية:٧٠

٦٧

انظر تسفير الآية:٧٠

٦٨

انظر تسفير الآية:٧٠

٦٩

انظر تسفير الآية:٧٠

٧٠

لهم على جهة التوبيخ والتقريع { ألم اعهد إليكم} وقفهم على عهده إليهم ومخالفتهم إياه . وعن الضحاك : ' ولكل كافر بيت ' من النار يكون فيه لا يرى ولا يرى فعلى هذا معناه أن بعضهم من بعض ' . وعن قتادة : ' اعتزلوا عن كل خير . والعهد الوصية . عهد إليه : إذا وصاه . وعهد اللّه إليهم : ما ركز فيهم من أدلة العقل ، وأنزل إليهم من أدلة السمع . وعبادة الشيطان : طاعته فيما يغويه ويزينه .

وقرأ الجمهور { أعهد} بفتح الهمزة والهاء ،

وقرأ طلحة والهذيل بن شرحبيل الكوفي بكسر الهمزة . قاله صاحب اللوامح : ' وقال لغة تميم وهذا الكسر في النون والتاء أكثر من بين حروف المضارعة . يعني نعهد وتعهد ' وقال ابن خالوية : ' ألم أعهد ، يحيى بن وثاب ألم أحد لغة تميم ' . و

قال ابن عطية : '

وقرأ بن وثاب { ألم أعهد} بكسر الميم والهمزة وفتح الهاء وهي على لغة من كسر أول المضارع سوى الياء . وروي عن ابن وثاب : ' ألم { أعهد} بكسر الهاء . يقال : عهد يعهد ' . انتهى . وقوله : ' بكسر الميم والهمزة ' يعني : أن كسر الميم يدل على كسر الهمزة لأن الحركة التي في الميم هي حركة نقل الهمزة المكسورة ، وحذفت الهمزة حين نقلت حركتها إلى الساكن قبلها ، وهو الميم { اعهد} بالهمزة المقطوعة المكسورة لفظا لأن هذا لا يجوز .

وقال الزمخشري : ' وقرىء { اعهد} بكسر الهمزة . وباب فعل كله يجوز في حروف مضارعته الكسر إلا في الياء وأعهد بكسر الهاء . وقد جوز الزجتج ان يكون من باب نعم ينعم وضرب يضرب وأحهد بالحاء وأحد وهي لغة تميم ومنه قولهم : دحا محا ' انتهى . وقوله : ' إلا في الياء ' . لغة لبعض كلب : أنهم يكسرون أيضا في لياء يقولون هل يعلم وقوله : دحا محا ' يريدون دعها معها ، أدغموا العين في الحاء ، والإشارة بهذا إلى ما عهد إليهم من معصية الشيطان وطاعة الرحمن .

وقرأ نافع وعاصم { جبلا} بكسر الجيم والباء وتشدديد اللام . وهي قراءة أبي حيوة ، وسهيل ، وأبي جعفر ، وشيبة ، وأبي رجاء ، والحسن بخلاف عنه ،

وقرأ العربيان ، والهذيل بن شرحبيل ، بضم الجيم وإسكان الباء . وباقي السبعة بضمها وتخفيف اللام . والحسن بن أبي إسحاق ، والزهري ، وابن هرمز ، وعبد اللّه بن عبيد بن عمير ، وحفص بن حميد ، بضمتين وتشديد اللام . والأشهب العقيلي ، واليماني ، وحماد بن مسلمة عن عاصم بكسر الجيم وسكون الباء ، والأعمش { جبلا} بكسرتين وتخفيف اللام . وقرىء { جبلا} بكسر الجيم ، وفتح الباء وتخفيف اللام . جمع جبلة ، نحو : ' فطره وفطر فهذه سبع لغات قرىء بها .

وقرأ علي بن أبي طالب وبعض الخراسانيين { جبلا} بكسر الجيم بعدها ياء ى خر الحروف . واحد الأجيال . و { الجبل} بالباء بواحدة من أسفل الأمة العظيمة . وقال الضحاك : ' أقله عشرة آلاف ' . خاطب تعالى الكفار بما فعل معهم الشيطان ، تقريعا لهم .

وقرأ الجمهور { أفلم تكونوا} بتاء الخطاب . وطلحة وعيسى بياء الغيبة عائدا على { جبل} ويروى : ' انهم يجحدون ويخاصمون ، فيشهد عليهم جيرانهم وعشائرهم ، وأهاليهم فيحلفون ما كانوا مشركين ، فحينئذ يختم على أفواههم وتكلم أيديهم وأرجلهم ' . وفي الحديث . ' يقول العبد يوم القيامة . إني لا أجيز علي شاهد إلا من نفسي ، فيختم على فيه ، ويقال لأركانه : انطقي فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقال بعدا لكن وسحقا ، فعنكن كنت أناضل ' . وقرىء { يختم} مبنيا للمفعول { وتتكلم أيديهم} بتاءين وقرىء { ولتكلمنا أيديهم ولتشهد} بلام الأمر والجزم . وعلى أن اللّه يأمر الأعضاء بالكلام والشهادة . وروى عبد الرحمن بن محمد بن طلحة عن أبيه عن جده طلحة أنه قرأ { ولتكلمنا أيديهم ولتشهد} بلام كي ، والنصب على معنى : وكذلك يختم على أفواههم . والظاهر : أن الأعين : هي الأعضاء المبصرة . والمعنى : لأعميناهم فلا يرون كيف يمشون ؟ قاله الحسن وقتادة ويؤيده مناسبة المسخ فهم في قبضة القدرة وبروج العذاب إن شاءه اللّه لهم .

وقال ابن عباس : ' أراااد عين البصائر ، والمعنى : ولو نشاء لختمت عليهم بالكفر فلا يهتدي منهم أحد أبدا . والطمس : إذهاب الشيء وأثره جملة حتى كأنه لم يوجد فإن أريد بالأعين الحقيقة ، فالظاهر : أنه يطمس بمعنى يمسخ حقيقة ، ويجوز أن يكون الطمس : يراد به العمى من غير إذهاب العضو وأثره ،

وقرأ الجمهور { فاستبقوا} فعلا ماضيا ، معطوفا على { لطمسنا} وهوعلى الفرض . و { الصراط} منصوب على

تقدير إلى حذفت ، ووصل الفعل . والأصل :  { فاستبقوا إلى صراط } أو مفعولا به على تضمين { استبقوا} معنى : ' تبادروا ' . وجعله مسبوقا لا مسبوقا إليه الفعل إلا بوساطة في ' إلا في شذوذ ، كما أنشد سيبوبة : لدن بهز الكف يعسل متنه

فيه كما عسل الطريق الثعلب

ومذهب بن الطراوة : ' أن الصراط والطريق ، والمخرم وما أشبهها من الظروف المكانية ليست مختصة ' . فعلى مذهبه يسوغ ما قاله الزمخشري .

وقرأ عيسى { فاستبقوا} على الأمر ، وهو على إضمار القول . أي : فيقال لهم : استبقوا الصراط وهذا على سبيل التعجيز ، إذا لا يمكنهم الاستباق مع طمس الأعين { فإنى يبصرون} أي : كيف يبصر من طمس على عينه ، والظاهر : أن المسخ حقيقة ، وهو تبديل صورهم شنيعة . قال ابن عباس : ' لمسخناهم قردة وخنازير كما تقدم في بني إسرائيل ' .

وقيل : حجارة . وقال الحسن وقتادة وجماعة : ' لأقعدناهم وأزمناهم فلا يستطعيون تصرفا ' ، والظاهر : أن هذا لو كان يكون في الدنيا . وقال ابن سلام : ' هذا التوعد كله يوم القيامة ' ،

وقرأ الحسن { على مكانتهم} بالإفراد وهي المكان كالمقامة والمقام .

وقرأ الجمهور ، وأبو بكر ، بالجمع . والجمهور { مضيا} بضم الميم . وأبو حيوة وأحمد بن جبير الأنطاكي ، عن الكسائي بكسرها اتباعا لحركة الضااد كالعتبي والقتبي وزنه . فعول التقت واو ساكنة وياء فأبدلت الواو ياء وأدغمت في الياء وكسر ما قبلها لتصح الياء . وقرىء { مضيا} بفتح الميم ، فيكون من المصادر التي جاءت على فعيل كالرسيم والوجيف . ولما ذكر تعالى الطمس والمسخ على تقدير المشبه ، ذكر تعالى دليلا على باهر قدرته في تنكيس المعمر وأن ذلك لا يفعله إلا هو تعالى وتنكيسه قلبه وجعله على عكس ما خلقه أولا ، وهو أنه خلقه على ضعف في جسد ، وخلو من عقل وعلم ، ثم جعله يتزايد وينتقل من حال إلى حال أن يبلغ أشده ، وتستكمل قوته ، ويعقل ويعلم ما له وما عليه . فإذا انتهى نكسه في الخلق ، فيتناقص حتى يرجع في حال شبيهة بحال الصبا في ضعف جسده ، وقلة عقله ، وخلو من الفهم ، كما ينكس السهم فيجعل أعلاه أسفله . وفي هذا كله دليل على ان من فعل هذه الأفاعيل قادر على أن يطمس ، وأن يفعل بهم ما أراد .

وقرأ الجمهور { ننكسه} مشددا . وعاصم وحمزة مخففا .

وقرأ نافع وابن ذكوان ، وأبو عمرو في رواية عباس { تعقلون} بتاء الخطاب . وباقي السبعة بياء الغيبة . { وما علمناه الشعر} الضمير في { علمناه} للرسول - صلى اللّه عليه وسلم  - كانوا يقولون فيه شاعر . وروي أن القائل عقبة بن أبي معيط فنفى اللّه ضلك عنه ، وقولهم فيه شاعر . أما من كان في طبعه الشعر ، فقوله مكابرة وإيهام للجاهل بالشعر

وأما من ليس في طبعه ، فقوله جهل محض ، وأين هو من الشعر ؟ والشعر إنما هو كلام موزون مقفي يدل على معنى تنتخبه الشعراء من كثرة التخييل ، وتزويق الكلام ، وغير ذلك مما يتورع المتدين عن إنشاده فضلا عن إنشائه ، وكان عليه السلام لا يقول الشعر وإذا أنشد بيتا أحرز المعنى دون وزنه كما أنشد : ستبدي بلك الأيام ما كنت جاهلا

ويأتيك من لم تزود بالأخبار

وقيل من أشعر الناس فقال الذي يقول :

ألم ترياني كلما جئت طارقا

وجدت بها وإن تطيب طيبا

أتجعل نهبي ونهب العبد

بين الأقرع وعيينة

وأنشد يوما : كفي بالإسلام والشيب ناهيا

فقال أبو بكر وعمرو : نشهد أنك رسول اللّه إنما قال الشاعر : كفى الشيب والإسلام . وربما أنشد البيت متزنا في النادر . وروى عنه ، أنشد بيت ابن رواحة : ببيت يجافي جنبه عن فراشه

إذا استثقلت بالمشركين المضاجع

ولا يدل غجراء البيت على لسانه متزنا أنه يعلم الشعر ، وقد وقع في كلامه - عيه السلام - ما يدخله الوزن كقوله : أنا النبي لا كذب

انا ابن عبد المطلب

وكذلك قوله : هل أنت إلا أصبع دميت

وفي سبيل اللّه ما لقيت

وهو كلام من جنس كلامه الذي يتكلم به على طبيعته من غير صنعة فيه ، ولا قصد لوزن ، ولا تكلف . كما يوجد في القرآن شيء موزون ، ولا يعد شعرا . كقوله تعالى : { لن تنالوا البر حتى تنفقوا ما تحبون } [ آل عمران : ٩٢ ] وقوله :{ فمن شاء ليؤمن وشاء فليكفر } [ الكهف : ٢٩ ] وفي كثير من النثر الذي تنشئه الفصحاء . ولا يسمى ذلك شعرا ، ولا يخطر ببال المنشي ولا السامع أنه شعر . { وما ينبغي له} أي : ولا يمكن له ، ولا يصح ، ولا يناسب ، لأنه - عليه السلام - في طريق جد محض ، والشعر أكثره في طريق هزل ، وتحسين لما ليس حسنا ، وتقبيح لما ليس قبيحا ، ومغالاة مفرطة ، جعله تعالى لا يقرض الشعر ، كما جعله أميالا يخط ، لتكون الحجة أثبت ، والشبهة أدحض .

وقيل : في هذه الآية دلالة على غضاضة الشعر وقد قال عليه السلام : ' ما أنا بشاعر ولا ينبغي لي ' . وذهب قوم إلى أنه غضاضة فيه ، وغنما منعه اللّه نبه - عليه الصلاة والسلام - وإن كان حلية جليلة ليجيء القرآن منقبله أغرب فإنه لو كان له إدراك الشعر لقيل في القرى ن هذا من تلك ، القوة قال : ابن عطية : ' وليس الأمر عندي كذلك وقد كان - عليه السلام - من الفصاحة والبيان . في النثر في الرتبة العليا ، ولكن كلام اللّه يبين بإعجازه ، ويندر بوصفه ، ويخرجه إحاطة علم اللّه عن كل كلام ، وإنما منع اللّه نبيه من الشعر ، ترفيعا له عن ما في قول الشعراء من التبخييل والتزويق للقول .

وأما القرآن فهو ذكر بحقائق وبراهين ، فما هو بقول شاعر . وهذا كان أسلوب كلامه - عليه السلام - قولا واحدا . انتهى . والضمير { له} للرسول . أي : وما ينبغي الشعر لرسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم  - وأبعد من ذهب إلى أنه عائد على القرآن . أي : وما ينبغي الشعر للقرآن ولم يجر له ذكر ، لكن له انيقول يدل الكلام عليه ، ويبينه عود الضمير عليه في قوله { إن هو إلا ذكر وقرآن مبين} أ ] : كتاب سماوي يقرأ في المحاريب ، وينال

بتلاوته ، والعمل به ، ما فيه فوز الدارين . فكم بينه وبين الشعر الذي أكثره من همزات الشياطين .

وقرأ نافع وابن عامر { لتنذر} بتاء الخطاب للرسول . وباقي السبعة بالياء للغيبة ، فاحتمل أن يعود على الرسول ، واحتمل ا ، يعود على القرآن .

وقرأ اليماني { لينذر} بالياء مبنيا للمفعول ، ونقلها ابن خالوية عن الجحدري ، وقال عن أبي السمال واليماني : ' إنهما قرأ { لينذر} بفتح الياء والذال مضارع نذر بكسر الذال إذا علم بالشيء فاستعد له . { من كان حيا} أي : غافلا ، قاله الضحاكى لأن الغافل كالميت ويريد به من حتم عليه بالإيمان ، وكذلك قابله بقوله { ويحق القول} أي : كلمة العذاب على الكافرين المحتوم لهم بالموافاة على الكفر .

٧١

انظر تسفير الآية:٨٣

٧٢

انظر تسفير الآية:٨٣

٧٣

انظر تسفير الآية:٨٣

٧٤

انظر تسفير الآية:٨٣

٧٥

انظر تسفير الآية:٨٣

٧٦

انظر تسفير الآية:٨٣

٧٧

انظر تسفير الآية:٨٣

٧٨

انظر تسفير الآية:٨٣

٧٩

انظر تسفير الآية:٨٣

٨٠

انظر تسفير الآية:٨٣

٨١

انظر تسفير الآية:٨٣

٨٢

انظر تسفير الآية:٨٣

٨٣

الإخبار وتنبيه الإستفهام لقريش وإعراضها عن عبادة اللّه ، وعكوفها على عبادة الأصنام . ولما كانت الأشياء المصنوعة لا يباشرها إلا باليد عبر لهم بما يقرب من أفهامهم بقوله { مما عملت أيدينا} أي : مما تولينا عمله ، ولا يمكن لغيرنا أن يعلمه ، فبقدرتنا وإرادتنا برزت هذه الأشياء ، لم يشركنا فيها أحد . والباري تعالى منزه عن اليد التي هي الجارحة وعن كل ما اقتضي التشبيه بالمحدثات . وذكر الأنعام لها ، لأنها كانت جل أموالهم ، ونبه على ما يجعل لهم من منافعها { لها مالكون} أي : ملكناها إياهم ، فهم متصرفون فيها تصرف الملاك ، مختصون بالانتفاع بها ، أو { مالكون} ضابطون لها ، قاهرونها . من قوله : أصبحت لا أحمل السلاح ولا

أملك رأس البعير إن نفرا

أي : لا أضبطه ، وهو من جملة النعم الظاهرة فلولا تذليله تعالى إياها وتسخيره لم يقدر عليها ، ألا ترى إلى ما ند منها ألا يكاد يقدر على رده ، لذلك أمر بتسبيح اللّه راكبها ، وشكره على هذه النعمة ، بقوله : { سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين } [ الزخرف : ١٣ ]

وقرأ الجمهور { ركوبهم} وهو فعول بمعنى مفعول كالحضور والحلوب والقذوع وهو مما لا ينقاس .

وقرأ أبي وعائشة { ركوبتهم} بالتاء وهي فعولة بمعنى مفعولة .

وقال الزمخشري : '

وقيل : الركوبة جمع ' . انتهى . ويعني اسم جمع ، لأن فعولة ، فينبغي أن يعتقد فيها أنها اسم مفرد لا جنع تكسير ، ولا أسم جمع . أي : مركوبتهم ، كالحلوبة بمعنى المحلوبة .

وقرأ الحسن ، وأبو البر هيثم ، والأعمش { ركوبهم} بضم الراء وبغير تاء ، وهو مصدر حذف مضافه . أي : ذو ركوبهم أو فحسن منافعها ركوبهم ، فيحذف ذو ، أو يحذف منافع . قال ابن خالوية : ' العرب تقول : ناقة ركوب حلوب . وركوبة حلوبة ، وركباة حلباة ، وركبوب حلبوب وركبى حلبى وركبوتا حلبوتا ، كل ذلك محكي . وأنشد :

ركبانة حلبانة زفوف

تخلط بين وبر وصوف

وأجمل المنافع هنا ، وفصلها في قوله { وجعل لكم من جلود الأنعام} الآية والمشارب : جمع مشرب ، وهو أما مصدر . أي : شرب أو موضع الشرب . ثم عنفهم واستجهلهم في اتخاذهم آلهة لطلب الاستنصار { لا يستطيعون} أي : الآلهة نصر متخذيهم . وهذا هو الظاهر لما اتخذوا آلهة للاستنصار بهم رد تعالى عليهم بأنهم ليس لهم قدرة على نصرهم . و

قال ابن عطية : ' ويحتمل أن يكون الضمير في { يستطيعون} عائدا للكفار ، وفي { نصرهم} للأصنام ' . انتهى . والظاهر : أن الضمير في { هم} عائد على ما هو الظاهر في { لا يستطيعون} أي : والآلهة للكفار { جند محضرون} في الآخرة عند الحساب على جهة التوبيخ والنقمة . وسماهم جندا ، إذا هم معدون للنقمة من عابديهم ، وللتوبيخ . أو محضرون لعذابهم ، لأنهم يجعلون وقودا للنار . قيل : ويجوز أن يكون الضمير في { وهم} عائدا على الكفار ، وفي { لهم} عائدا على الأصنام . أي : وهم الأصنام { جند محضرون} متعصبون لهم ، متحيرون ، يذبون عنهم ، يعني في الدنيا . ومع ذلك لا يستطيعون أي : الكفار التناصر . وههذا القول مركب على أن الضمير في { لا يستطيعون} للكفار . ثم آنس تعالى نبيه بقوله { فلا يحزنك قولهم} أي : لا يهمك تكذيبهم ، وأذاهم ، وجفاؤهم . وتوعد الكفار بقوله { إنا نعلم ما يسرون وما يعنلون} فنجازيهم على ذلك . { أو لم ير الإنسان} قبح تعالى إنكار الكفرة البعث حيث قرر أن عنصره الذي خلق منه هو مطفة ماء مهين ، خارج من مخرج النجاسة ، أفضى به مهانة أصله إلى أن يخاصم الباري تعالى ، ويقول : من يحيى الميت بعد ما رم مع علمه أنه منشأ من موات . وقائل ذلك العاصي بن وائل ، أو أمية بن خلف ، أو أبي بن خلف . أقوال . أصحها أنه أبي بن خلف . رواه ابن وهب عن مالك ، وقال ابن إسحاق وغيره . والقول : أنه أمية قاله مجاهد ، وقتادة ، ويحتمل أن كلا منهم واقع ذلك منه . وقد كان لأبي مع الرسول مراجعات ومقامات . ' جاء بالعظم الرميم بمكة ففتته في وجهه كريم وقال من يحيى هذا يا محمد ؟ فقال : اللّه يحييه ويميتك ويحييك ويدخلك جهنم ' ثم نزلت الآية . وأبي هذا قتله رسول اله - صلى اللّه عليه وسلم { - بيده يوم أحد بالرحبة ، فخرجت من عنقه . ووهم من نسب غلى ابن عباس ان الجائي بالعظم هو عبد اللّه بن أبي ابن سلول ، لأن السورة مكية بإجماع ولأن عبد اللّه بن أبي لم يهاجر قط هذه المهاجرة . وبين قوله { فإذا هو خصيم مبين} وبين { خلقناه من نطفة} جمل محذوفة تبين أكثرها في قوله في سورة المؤمنين { ثم جعلناه نطفة في قرار مكين } [ المؤمنون : ١٣ ] وغنما أعتقب قوله { فإذا هو خصيم مبين} الوصف الذي ى ل إليه من التمييز ، والإدراك الذي يتأتى معه الخصام . أي : فإذا هو بععدما كان نطفة ، رجل مميز منطيق ، قادر على الخصام ، مبين معرب عما في نفسه . { وضرب لنا مثلا ونسى خلقه} أي : نشأته من النطفة فذهل عنها ،  { خلقه } أي نشأته , وسمي قوله { من يحيي العظام وهي رميم} لما دل عليه من قصة عجيبة شبيهة بالمثل ، وهي إنكار قدرة اللّه على إحياء الموتى كما هم عاجزون عن ذلك .

وقال الزمخشري : ' والرميم : اسم لما بلي من العظام غير صفة كالرمة والرفاة ، فلا يقال لم لم يؤنث وقد وقع خبراً لمؤنث ، ولا هو فعيل أو مفعول ؟ انتهى . واستدل بقوله { قل يحييها} على أن الحياة تحلها . وهذا الاستدلال ظاهر ومن قال ان الحياة لا تحلها ، قال المراد بغحياء العظام ردها إلى ما كانت عليه غضة رطبة في بدن حسن حساس . { وهو بكل خلق عليم} يعلم كيفيات ما يخلق لا يتعاظمه شيء من المنشآت والمعادات جنسا ، ونوعا ، دقة وجلالة . { الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا} ذكر ما هو أغرب من خلق الإنسان من النطفة وهو إبراز الشيء من ضده وذلك

أبدع شيء وهو اقتداح النار من الشيء الأخضر ألا ترى أن الماء يطفىء النار ومع ذلك خرجت مما هو مشتمل على الماء . والأعراب توري النار من الشجر الأخضر وأكثرها من المرخ ، والعفار . وفي أمثالهم : ' في كل شيء نار ، واستمجد المرخ والعفار ' . يقطع الرجل منهما غصنين - مثل السواكين - وهما أخضران ، يقطر منهما الماء ، فيستحق المرخ وهو ذكر والعفار وهي أنثي ، ينقدح النار بإذن اللّه عز وجل .

وعن ابن عباس : ' ليس شجر إلا وفيه نار إلا العفار ' .

وقرأ الجمهور { الأخضر} وقرىء { الخضراء} وأهل الحجاز يؤنثون الجنس المميز واحده بالتاء . وأهل نجد يذكرون ألفاظا ، واستثنيت في كتب النحو . ثم ذكر ما هو أبدع وأغرب من خلق الأنسان من نطفة ، ومن غعادة الموتى وهو إنشاء هذه المخلوقات العظيمة الغريبة من صرف عدم العدم إلى الوجود فقال { أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم}

وقرأ الجمهور { بقادر} بباء الجر داخله على اسم الفاعل .

وقرأ الجحدري ، وابن أبي إسحاق ، والأعرج ، وسلام ، ويعقوب ،  { بقدر } فعلا مضارعا . أي : من قدر على خلق السموات والأرض من عظم شأنهما كان على خلق الأناس قادرا والضمير في { مثلهم} عائد على الناس . قاله الرماني ، وقال جماعة من المفسرين : ' عائد على السموات والأرض ' وعاد الضمير عليهما كضمير من يعقل من حيث كانت متضمنه من يعقل من الملائكة والثقلين .

وقال الزمخشري : ' مثلهم ' يحتمل معنيين ، أن يخلق مثلهم في الصغر والقماءة بالإضافة إلى السموات والأرض . أو أن يعيدهم لأن المصادر مثل للمبتدأ وليس به ' . انتهى . ويقول : إن المعاد هو عين المبتدأ ولو كان مثله لم يسم ذلك إعادة ، بل يكون إنشاء مستأنفا .

وقرأ الجمهور { الخلاق} بصيغة المبالغة لكثرة مخلوقاته .

وقرأ الحسن ، والجحدري ، ومالك بن دينار ، وزيد بن علي { الخالق} اسم فاعل { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} تقدم شرح مثل هذه الجملة . والخلاف في { فيكون} من حيث القراءة نصبا ورفعا . { فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء} تنزيه عام له تعالى من جميع النقائص .

وقرأ الجمهور { ملكوت} وطلحة والأعمش { ملكه} على وزن شجرة . ومعناه : ضبط كل شيء والقدرة عليه . وقرىء { مملكة} على وزن مفعلة . وقرىء { ملك} والمعنى : أنه متصرف فيه على ما أراد وقضى . والجمهور { ترجعون} مبنيا للمفعول وزيد بن علي مبنيا للمفعول للفاعل .

﴿ ٠