٢٧

تقدم الكلام على اضرب مع المثل في قوله :{ أن يضرب مثلا ما بعوضة } [ البقرة : ٢٦ ] والقرية : انطاكية فلا خلاف في قصة أصحاب القرية { إذ جاءها المسلون} هم ثلاثة جمعهم في المجيء وإن اختلفوا في زمن المجيء { إذ أرسلنا إليهم اثنين} الظاهر من { أرسلنا} أنهم أنبياء أرسلهم اللّه ، ويدل عليه قوله المرسل إليهم { ما أنتم إلا بشر مثلنا} وهذه المحاورة لا تكون إلا مع من أرسله اللّه . وهذا قول ابن عباس وكعب . وقال قتادة : ' وغيرهم من الحواريين بعثم عيسى - عليه السلام - حين رفع وصلب الذي ألقي عليه الشبه فافترق الحواريون في الآفاق فقص اللّه قصة الذين ذهبوا إلى أنطاكية وكان أهلها عباد أصنام صادق وصدوق قاله وهب وكعب الأحبار ' ،

وحكى النقاش بن سمعان ويحنا . وقال مقاتل : ' تومان ويونس ' . { فكذبوهما} أي : دعواهم إلى اللّه وأخبرا بأنهما رسول اللّه فكذبوهما { فعززنا بثالث} أي : قوينا وشددنا قاله مجاهد وابن قتيبة . وقال : يقال تعزز لحم الناقة إذا صلب ' . وقال غيره : يقال المطر يعزز الأرض إذا لبدها وشدها ، ويقال للأرض الصلبة القرآن هذا على قراءة تشديد الزاي ، وهي قراءة الجمهور .

وقرأ الحسن وأبو حيوة وأبو بكر والمفضل وأبان بالتخفيف . قال أبو علي : : ' فغلبنا ' ، انتهى وذلك من قولهم : : من عزني وقوله تعالى { وعزني في الخطاب } ،

وقرأ عبد اللّه { بالثالث} بألف ولام . والثالث . شمعون الصفا قاله ابن عباس . وقال كعب ووهب ' شلوم ' .

وقيل : يونس . وحذف مفعول { فعززنا} مشددا . أي : قويناهما بثالث . مخففا . فغلبناهم . أي : بحجة ثالث وما يلطف به من التوصل إلى الدعاء إلى اللّه حتى من الملك على ما ذكر في قصتهم . وستأتي هي أو بعض منها إن شاء اللّه وجاء أولا { مرسلون} بغير لام ، لأنه ابتداء أخبار فلا يحتاج إلى توكيد بعد المحاورة { لمرسلون} بلام التوكيد لأنه جواب عن إنكار ، وهؤلاء أمة أنكرت النبوات بقولها { وما أنزل الرحمن من شيء} وراجعتهم الرسل بأن ردوا إلى اللّه ، وقنعوا بعلمه ، وأعلموهم أنهم إنما عليهم البلاغ فقط ، وما عليهم من هداهم وضلالهم ، وفي هذا وعيد لهم . ووصف البلاغ بالمبين وهو الواضح بالآيات الشاهدة بصحة الإرسال كما روي في هذه القصة من المعجزات الدالة على صدق الرسل من إبراء الأكمة والأبرص وإحياء الميت { قالوا إنا تطيرنا بكم } أي : تشاءمنا . قلال مقاتل : ' احتبس عليهم المطر ' . وقال آخر : ' أسرع فيهم الجذام عند تكذيبهم الرسل ' ،

قال ابن عطية : ' والظاهر أن تطير هؤلاء كان ما سبب ما دخل فيهم من اختلاف الكلمة ، وافتتان الناس . وهذا على نحو تطير قريش بمحمد - صلى اللّه عليه وسلم - وعلى نحو ما خوطب به موسى - عليه السلام - '

وقال الزمخشري : ' وذلك أنهم كرهوا دينهم ، ونفرت منه نفوسهم ، وعادة الجهال أن يتمنوا بكل شيء مالوا إليه واشتهوه ، وقبلته طباعهم ، وتشاءموا بما نفروا عنه وكرهوه ، فإن أصابتهم نعمة ، أو بلاء قالوا ببركة هذا ، وبشؤم هذا ، كما حكى اللّه عن القبط { وإن نصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه } [ الأعراف : ١٣١ ] وعن مشركي مكة { وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك } [ النساء ٧٨ ] انتهى . وعن قتادة : ' إن أصابنا شيء كان من أجلكم { لنرجمنكم} بالحجارة . قاله قتادة { عذاب أليم} هو الحريق . { قالوا طائركم معكم} أي : حظكم وما صار لكم من خير أو شر معكم . أي من أفعالكم ليس هو من أجلنا بل بكفركم .

وقرأ الحسن وابن هرمز وعمرو بن عبيد وزر بن حبيش { طيركم} بياء ساكنة بعد الطاء .

وقرأ الحسن فيما نقل { أطيركم} مصدر ' أطير '

الذي أصله تطير ، فأدغمت التاء في الطاء فاجتلبت همزة الوصل في الماضي والمصدر .

وقرأ الجمهور { طائركم} على وزن فاعل

وقرأ الجمهور { أَئِنْ ذكرتم} بهمزتين ،

الأولى : همزة الاستفهام . والثالنية : همزة إن الشرطية ، فخففها الكوفيين وابن عامر . وسهلها باقي السبعة .

وقرا زر بهمزتين مفتوحتين ، وهي قرأة أبو جعفر وطلحة إلا أنها لبناء الثانية بين بين . وقال الشاعر في تحقيقها : أإن كنت داود بن أحوى مرحلا

فلست بداع لأبن عمك محرما

والماجشوني : وهو أبو سلمة يوسف بن يعقوب بن عبد اللّه بن أبي سلمة المدني بهمزة واحدة مفتوحة . والحسن بهاء مكسورة . وأبو عمرو في رواية وزر أيضا بمدة قبل الهمزة المفتوحة . واستقل اجتماعهما ففصل بينهما بألف .

وقرأ أبو جعفر أيضا والحسن أيضا وقتادة وعيسى الهمداني والأعمش { أين} بهمزة مفتوحة وياء ساكنة وفتح النون ظرف مكان . وروي هذا عن عيسى الثقفي أيضا . فالقراءة الأولى على معنى إن ذكرتم تتطيرون بجعل المحذوف مصب الاستفاهم على مذهب سيبوبة . ويجعله للشرط على مذهب يونس . فإن قدرته مضارعا كان مجزوما . والقراءة الثانية على معنى : ألأن ذكرتم تطيرتم فإن مفعول من أجله وكذلك الهمزة الواحدة المفتوحة ، والتي بمدة قبل الهمزة المفتوحة . وقراءة الهمزة المكسورة وحدها فحرف شرط بمعنى الإخبار . أي : إن ذكرتم تطيرتم . والقراءة الثانية الأخيرة { أين} فيها ظرف ، أداة الشرط حذف جزاؤه للدلالة عليه . وتقديره : أين ذكرتم صحبكم طائركم . ويدل عليه قوله { طائركم معكم} ومن جوز تقديم الجزاء على الشرط وهم الكوفيون وأبو زيد والمبرد يجوز أن يكون الجواب { طائركم معكم} وكان أصله : أين ذكرتم فطائركم معكم . فلما قدم حذفت الفاء .

وقرأ الجمهور { ذكرتم} بتشديد الكاف . وأبو جعفر وخالد بن الياس وطلحة وحسن وقتادة وأبو حيوة والعمش من طريق زائدة والأصمعي عن نافع بتخفيفها { بل أنتم قوم مسرفون} مجاوزون الحد في ضلالكم فمن ثم أتاكم الشؤم :  { وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى } اسمه : حبيب ، قاله ابن عباس ، وأبو مجلز ، وكعب الأحبار ، ومجاهد ، ومقاتل ، قيل : وهو ابن إسرائيل وكان قصارا .

وقيل : كان ينحت الأصنام . ويمكن أن يكون جامعا لهذه الصنائع و { من أقصى المدينة} أي : من أبعد مواضعها ، فقيل : كان في خارج المدينة يعاني زرعا له .

وقيل : كان في غار يعبد ربه

وقيل : كان مجذوما فميز له أقصى باب من أبوابها عبد الأصنام سبعين سنة يدعوهم لكشف ضرة فلما دعاه الرسل إلى عبادة اللّه قال هل من آية ؟ قالوا نعم : ندعوا ربنا القادر يفرج عنك ما بك فقال : إن هذا لعجيب لي سبعون سنة أدعو هذه الآلهة فلم تستطع يفرجه ربكم في غداة واحدة . قالوا : نعم ، وربنا على ما يشاء قدير وهذه لا تنفع شيء ولا تضر فآمن ، ودعوا ربهم فكشف اللّه ما به كأن لم يكن به بأس ، فأقبل على التكسب فإذا مشى تصدق بكسبه ، نصف لعياله ، ونصف يطعمه . فلما هم قومه بقتل الرسل جاءهم فقال { يا قوم اتبعوا المرسلين} وحبيب هذا ممن آمن برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبينهما ستمائة سنة كما آمن به تبع الأكبر ، وورقة بن نوفل ، وغيرهما . ولم يؤمن بني غيره أحد إلا بعد ظهوره . وقال ابن أبي ليلى ' سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا قط طرفة عين علي بن أبي طالب ، وصاحب يس ومؤمن آلا فرعون ' . وأورد الزمخشري قول ابن أبي ليلى حديثا عن رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم  - وتقدم قبل من حاله أنه كان مجذوما عبد الصنام سبعين فاللّه أعلم ' . وهنا تقدم { من أقصى المدينة} وفي القصص تأخر وهو من التفنن في البلاغة { رجل يسعى} يمشي على قدميه { قال يا قوم اتبعوا المرسلين} الظاهر أنه لا يقول ذلك إلا بعد تقدم إيمانه كما سبق في قصة .

وقيل : جاء عيسى وسمع قولهم وفهمه فيما فهمه . روي : ' أنه تعقب أمرهم وسبره بان قال لهم : أتطلبون أجرا على دعوتكم ؟ قالوا : لا فدعا عند ذلك قومه إلى اتباعهم والإيمان بهم

واحتج عليهم بقوله { اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون} أي : وهم على هدى من اللّه . أمرهم أولا باتباع المرسلين . أي : هم رسل اللّه إليكم ، فاتبعوهم . ثم أمرهم ثانيا بجملة جامعة في الترغيب في كونهم لا ينقص منهم من حطام دنياهم شيء ، وفي كونهم يهتدون بهداهم فيشتملون على خيري الدنيا والاخرة . وقد أجاز بعض النحويين في { من} أن تكون بدلا من { المرسلين} ظهر فيه العامل كما ظهر فيه إذا كان حرف جر كقوله تعالى : { لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم } [ الزخرف : ٣٣ ] والجمهور لا يعربون ما صرح فيه بالعامل الرافع والناصب بدلا ، بل يجعلون ذلك مخصوصا بحرف الجر ، وإذا كان الرافع والناصب سموا ذلك بالتتبيع لا بالبدل ، وفي قوله { اتبعوا من لا يسألكم أجرا} دليل على نقص من يأخذ أجرا على شيء من أفعال الشرع التي هي لازمة كالصلاة . ولما أمرهم باتباع المرسلين أخذ يبدي الدليل في اتباعهم وعبادة اللّه فأبرزه في صورة نصحه لنفسه ، وهو يريد نصحهم ليتلطف بهم ويراد بهم ، ولأنه أدخل في امحاض النصح حيث لا يريد لهم إلا مل يريد لنفسه فوضع قوله { ومالي لا أعبد الذي فطرني} موضع } ومالكم لا تعبدون الذي فطركم ، ولذلك قال { وإليه ترجعون} ولولا أنه قصد ذلك لقال وإليه أرجع . ثم أتبع الكلام كذلك مخاطبا لنفسه ، فقال { أأتخذ من دونه ى لهة} قاصرة عن كل شيء لا تنفع ولا تضر ، فإن أرادكم اللّه بضر وشفعت لكم لم تنفع شفاعتهم ، ولم يقدروا على إنقاذكم فيه . أولا بانتفاء الجاه عن كون شفاعتهم لا تنفع ، ثم ثانيا بانتفاء القدرة فعبر بانتفاء الإنقاذ عنه إذ هو نتيجته . وفتح ياء المتكلم في { يردني} مع طلحة السمان . كذا في كتاب ابن عطية . وفي كتاب ابن خالوية طلحة بن مطرف ، وعيسى الهمداني ، وأبو جعفر ، ورويت عن نافع وعاصم وأبي عمرو .

وقال الزمخشري : ' وقرىء { إن يردني الرحمن بضر} بمعنى ان يجعلني موردا للضر . انتهى . وهذا واللّه أعلم رأي في كتب القراءات { يردني} بفتح الياء فتوهم أنها ياء المضارعة فجعل الفعل متعديا بالياء المعدية كالهمزة ، فلذلك أدخل عليه همزة التعدية ونصب به اثنين . والذي في كتب القراء الشواذ أنها ياء الإضافة المحذوفة خطا ونطقا لالتقاء الساكنين . قال في كتاب ابن خالوية : ' بفتح ياء الإضافة ' ، وقال في اللوامح :  { إن يردني الرحمن } بالفتح وهو أصل الياء عند البصرية ، ولكن هذه محذوفة يعني البصرية . أي المثبتة بالخط البربري بالبصر لكونها مكتوبة بخلاف المحذوفة خطا ولفظا فلا ترى بالبصر ' . { إني إذا} إن لم أعبد الذي فطرني واتخذت آلهة من دونه في حيرة واضحة لكل ذي عقل صحيح . ثم صرح بإيمانه وصدع بالحق فقال مخاطبا لقومه { إني آمنت بربكم} أي : الذي كفرتم به { فاسمعون} أي : اسمعوا قولي وأطيعون . فقد نبهتكم على الحق ، وأن العبادة لا تكون إلا لمن منه نشأتكم ، وإليه مرجعكم ، والظاهر : أن الخطاب بالكاف والميم وبالواو وهو لقومه . والأمر على جهة المبالغة والتنبيه ، قاله ابن عباس وكعب ووهب .

وقيل : خاطب بقوله { فاسمعون} الرسل على جهة الاستشهاد بهم والاستحفاظ للأمر عندهم .

وقيل : الخطاب في { بربكم} وفي { فاسمعون} للرسل لما نصح قومه أخذوا يرجمونه فأسرع نحو الرسل قبل أن يقتل فقال ذلك ، أي : اسمعوا إيماني واشهدوا لي به . { قيل ادخل الجنة} ظاهرة : أنه أمر حقيقي .

وقيل : معناه وجبت لك الجنة فهو خبر بأنه قد استحق دخولها ، ولا يكون إلا بعد البعث , ولم يأت في القرآن أنه قتل فقال الحسن : ' لما أراد قومه قتله رفعه اللّه غلى السماء فهو في الجنة لا يموت إلا بفناء السموات وهلاك الجنة فإذا أعاد اللّه الجنة دخلها ' .

وقيل : لما قال ذلك رفعوه إلى الملك فطول معهم الكلام ليشغلهم عن قتل الرسل إلى أن صرح لهم بإيمانه فوثبوا عليه فقتلوه بوطء الأرجل حتى خرج قلبه من دبره وألقي في

بئر وهي الرس ' . وقال السدي : ' رموه بالحجارة وهو يقول : اللّهم اهد قومي حتى مات ' . وقال الكلبي : ' رموه في حفرة وردوا التراب عليه فمات ' . وعن الحسن : حرقوه حرقا ، وعلقوه في باب المدينة وقبره في سور أنطاكية .

وقيل : نشروه بالمناشير حتى خرج من بين رجليه . وعن قتادة : ' أدخله اللّه الجنة وهو فيها حي يرزق ' . أراد قوله تعالى : { بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين } [ آل عمران : ١٦٩ ، ١٧٠ ] وفي النسخة التي طالعنا من تفسير ابن عطية ما نصه .

وقرأ الجمهور { فاسمعون} بفتح النون ، قال أبو حاتم : ' هذا خطأ لا يجوز لأنه أمر فإما حذف النون

وإما كسرها على جهة البناء ' . انتهى . يعني ياء المتكلم والنون للوقاية . وقوله :

وقرأ الجمهور ، وهم فاحش ، ولا يكون واللّه أعلم إلا من الناسخ ، بل القراء مجمعون فيما أعلم على كسر النون سبعتهم وشواذهم إلا ما روي عن عصمة عن عاصم من فتح النون ذكره في الكامل مؤلف أبي القاسم الهذلي ولعل ذلك وهم من عصمة ، و

قال ابن عطية : ' هنا محذوف تواترات به الأحاديث والروايات وهو أنهم قتلوه ، فقيل له عند موته ادخل الجنة ، وذلك - واللّه أعلم - بأن عرض عليه مقعده منها ، وتحقق أنه من ساكنيها ، فرأى ما أقر عينه ، فلما حصل ذلك تمنى أن يعلم قومه بذلك ' . انتهى . وقول { قيل ادخل الجنة} كأنه جواب لسائل عن حالة عند لقاء ربه بعد ذلك التصلب في دينه ، فقيل { ادخل الجنة} ولم يأت التركيب قيل له ، لأنه معلوم أنه المخاطب . وتمنيه علم قومه بذلك هو مرتب على تقدير سؤال عن ما وجد من قوله عند ذلك ، استيفاقا ، ونصحا لهم . أي : لو علموا ذلك لآمنوا باللّه . وفي الحديث : ' نصح قومه حيا وميتا : تمنى ذلك ليعلموا أنهم كانوا على خطأ في أمره ، وهو على صواب فيندموا ، ويحزنهم ذلك ، ويبشر بذلك . وموجود في طباع البشر أن من أصاب خيرا في غير موطنه ود أن يعلم بذلك جيرانه وأترابه الذين نشأ فيهم . وبلغنا أن الوزير ذنك الدين المسيري وكان وزيرا لملك مصر راح إلى قريته التي كان منها وهي مسير وهي من أصغر قرى مصر فقيل له في ذلك ، فقال : أردت أن يراني عجائز مسير في هذه الحالة التي أنا فيها . قال الشاعر : والعز مطلوب وملتمس

وأحبه ما نيل في الوطن

والظاهر : أن { ما} في قوله { بما غفر لي ربي} مصدرية . جوزوا أن يكون بمعنى الذي والعائد محذوف . تقديره : بالذي غفره لي ربي من الذنوب . وليس هذا بجيد ، إذ يؤول إلى تمنى علمهم بالذنوب المغفرة . والذي يحسن تمنى علمهم بمغفرة ذنوبه ، وجعله من المكرمين . وأجاز الفراء أن تكون { ما} استفهاما ، وقال الكسائي : ' لو صح هذا يعني الاستفهام لقال بم من غير ألف ' . وقال الفراء : ' يجوز أن يقال بما بالألف وأنشد فيه أبياتا ' .

وقال الزمخشري : ' ويحتمل أن تكون استفهامية ، يعني : بأي شيء غفر لي ربي ؟ يريد ما كان منه معهم من المصابرة لإعزاز دين اللّه حتى قيل : إن قولك { بما غفر لي ربي} يريد ما كان منه معهم بطرح الألف أجود وإن كان إثباتها جائزا فقال : قد علمت بما صنعت هذا وبم صنعت ' . انتهى . والمشهور أن إثبات الألف في ما الاستفهامية إذا دخل عليها حرف جر مختص بالضرورة نحو قوله : على ما قام يشتمني لئيم

كخنزير تمرغ في رماد

وحذفها هو المعروف في الكلام نحو قوله : على م يقول الرمح يثقل كاهلي

إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت

وقرىء { من المكرمين} مشدد الراء مفتوح الكاف . والجمهور بإسكان الكاف وتخفيف الراء .

﴿ ٢٧