٢٩أخبر تعالى بإهلاك قوم حبيب بصيحة واحدة ، صاح بهم جبريل . وفي ذلك توعد لقريش أن يصيبهم ما أصابهم إذ هم المضروب لهم المثل . وأخبر تعالى أنه ينزل عليهم لإهلاكهم { جندا من السماء} كالحجارة والريح وغير ذلك ، وكانوا أهون عليه . وقوله { من بعده} يدل على ابتداء الغاية . أي : لم يرسل إليهم رسولا ولا عاتبهم بعد قتله ، بل عاجلهم بالهلاك . والظاهر : أن { ما} في قوله { وما كنا منزلين} نافية . فالمعنى قريب من معنى الجملة قبلها . أي : وما كان يصح في حكمنا أن ننزل في إهلاكهم جندا من السماء ، لأنه تعالى أجرى هلاك كل قوم على بعض الوجوه دون بعض كما قال { فكلا أخذنا بذنبه } [ العنكبوت ٤٠ ] الآية . وقالت فرقت { ما} اسم معطوف على { جند} ، قال ابن عطية : ' أي : من جند ومن الذي منا منزلين على الأمم مثلهم ' . انتهى . وهو تقدير لا يصح ، لأن { من} في { من جندد} زائدة . ومذهب البصريين غير الأخفش أن لزيادتها شرطين ، أحدهما . أن يكون قبلها نفي أو نهي أو استفهام والثاني : أن يكون بعدها نكرة . وإن كان كذلك فلا يجوز أن يكون المعطوف على النكرة معرفة . لا يجوز ما ضربت من رجل ولا زيد . وإنه لا يجوز ولا من زيد . وهو . قدر المعطوف بالذي وهو معرفة فلا يعطف على النكرة المرورة بمن الزائدة . وقال أبو البقاء : ' ويجوز أن تكون { ما} زائدة . أي وقد كنا منزلين ' . وقوله ليس بشيء . وقرأ { إن كانت إلا صيحة} بنصب الصيحة . و { كان} ناقصة واسمها مضمر . أي : أن كانت الأخذة أو العقوبة . وقرأ أبو جعفر وشيبة ومعاذ بن الحارث القارىء { صيحة} ' بالرفع في الموضعين على أن } كانت تامة . أي : ما حدثت أو وقعت إلا صيحة . وكان الأصل لا يلحق التاء ، لأنه إذا كان الفعل مسندا إلى ما بععد إلا من المؤنث لم تلحق العلامة للتأنيث ، فيقول : ما قام إلا هند . ولا يجوز ما قامت إلا هند عند أصحابنا إلا في الشعر . وجوزه بعضهم في الكلام على قلة ومثله قراءة الحسن ومالك بن دينار وأبي رجاء والجحدري وقتادة وأبي حيوة وابن أبي عبلة وأبي بحرية { لا ترى غلا مساكنهم } [ الأحقاف : ٢٥ ] بالتاء والقراءة المشهورة بالياء . وقول ذي الرمة : وما بقيت إلا الضلوع الجراشع وقول الآخر : ما ربرئت من ريبة وذم في حربنا إلا بنات العم فأنكر أبو حاتم وكثير من النحويين هذه القراءة بسبب لحوق تاء التأنيث { فإذا هم خامدون} أي : فاجأهم الخمود إثر الصيحة لم يتأخر . وكنى بالخمود عن سكوتهم بعد حياتهم كنار خمدت بعد توقدها . ونداء الحسرة على معنى هذا وقت حضورك وظهورك هذا تقدير نداء مثل هذا عند سيبوية . وهو منادى منكور على قراءة الجمهور . وقرأ أبي وابن عباس وعلي بن الحسين والضحاك ومجاهد والحسن { يا حسرة العباد} على الإضافة ، فيجوز أن تكون الحسرة منهم على ما فاتهم . ويجوز أن تكون الحسرة من غيرهم عليهم لما فاتهم من أتباع الرسل حين أحضروا للعذاب ، وطباع البشر تتأثر عند معانيه عذاب غيرهم وتتحسر عليهم . وقرأ أبو الزناد وعبد اللّه بن ذكوان المدني وابن هرمز وابن جندب { يا حسره على العباد} بسكون الهاء في الحالين . حمل فيه الوصل على الوقف . ووقفوا على الهاء مبالغة في التحسر لما في الهاء من التأهة كالتأوة ثم وصلوا على تلك الحال ، قاله صاحب اللوامح ، وقال بانب خالوية ' { يا حسرة على العباد} بغير تنوين قاله ابن عباس ' . انتهى ووجهه أنه اجتزأ بالفتحة عن الألف التي هي بدل من ياء المتكلم في النداء كما اجتزأ بالكسرة عن الياء فيه . وقد قرىء { يا حسرتا} بالألف أي : يا حسرتي . ويكون من اللّه على سبيل الآستعارة في معنى تعظيم ما جنوه على أنفسهم وفرط إنكاره وتعجيبه منه . والظاهر : أن العباد هم مكذبو الرسل تحسرت عليهم الملائكة . قاله الضحاك ، وقال الضحاك أيضا : ' المعنى . يا حسرة الملائكة على عبادنا الرسل حتى لم ينفعهم الإيمان لهم ' وقال ا [ و العالية : ' المراد بالعباد : الرسل الثلاثة . وكأن هذا التحسر هو من الكفار حين رأوا عذاب الللّه تلهفوا على ما فاتهم . قال ابن عطية : ' وقوله { ما يأتيهم} الآية بدفع هذا التأويل ' . انتهى قال الزجاج : ' الحسرة : أمر يركب الإنسان من كثرة الندم على ما لا نهاية له حتى يبقى حسيرا ' . وقيل : المنادى محذوف . وانتصب { حسرة} على المصدر . أي : يا هؤلاء تحسروا حسرة . |
﴿ ٢٩ ﴾