٢١

{أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ } : قيل نزلت في أبي جهل ، أي نفذ عليه الوعيد بالعذاب . والظاهر أنها جملة مستقلة ، ومن موصولة مبتدأ ، والخبر محذوف ، فقيل تقديره : يتأسف عليه ،

وقيل : يتخلص منه . وقدره الزمخشري : فأنت تخلصه ، قال : حذف لدلالة أفأنت تنفذ عليه ؟ وقدر الزمخشري بين الهمزة والفاء جملة حتى تقر الهمزة في مكانها والفاء في مكانها ، فقال : التقدير : أأنت مالك أمرهم ؟ فمن حق عليه كلمة العذاب ، وهو قول انفرد به فيما علمناه . والذي تقوله النحاة أن الفاء للعطف وموضعها التقديم على الهمزة ، لكن الهمزة ، لما كان لها صدر الكلام ، قدمت ، فالأصل عندهم : فأمن حق عليه ، وعلى القول أنها جملة مستقلة يكون قوله :{ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِى النَّارِ } ، استفهام توقيف ، وقدم فيه الضمير إشعاراً بأنك لست تقدر أن تنقذه من النار ، بل لا يقدر على ذلك أحد إلا اللّه . وذهبت فرقة ، منهم الحوفي والزمخشري ، إلى أن من شرطية ، وجواب الشرط أفأنت ، فالفاء فاء الجواب دخلت على جملة الجزاء ، وأعيدت الهمزة لتوكيد معنى الإنكار والاستبعاد ، ووضع من في النار ، وهو ظاهر ، موضع المضمر ، إذ كان الأصل تنقذه ، وإنما أظهر تشهيراً لحالهم وإظهاراً لخسة منازلهم . قال الحوفي :

وجيء بألف الاستفهام لما طال الكلام توكيداً ، ولولا طوله ، لم يجز الإتيان بها ، لأنه لا يصلح في العربية أن يأتي بألف الاستفهام في الاسم ، وألف أخرى في الجزاء . ومعنى الكلام : أفأنت تنقذه ؟ انتهى . وعلى هذا القول ، يكون قد اجتمع استفهام وشرط على قول الجماعة أن الهمزة قدمت من تأخر ، فيجيء الخلاف بين سيبويه ويونس : هل الجملة الأخيرة هي للمستفهم عنها أو هي جواب الشرط ؟ وعلى تقدير الزمخشري : لم تدخل الهمزة على اسم الشرط ، فلم يجتمع استفهام وشرط ، لأن الاستفهام عنده دخل على الجملة المحذوفة عنده ، وهو : أأنت مالك أمرهم ؟ وفمن معطوف على تلك الجملة المحذوفة ، عطفت جملة الشرط على جملة الاستفهام ، ونزل استحقاقهم العذاب ، وهم في الدنيا بمنزلة دخولهم النار ، ونزل اجتهاد الرسول عليه السلام في دعائهم إلى الإيمان منزلة انقاذهم من النار .

ولما ذكر حال الكفار في النار ، وأن الخاسرين لهم ظلل ، ذكر حال المؤمنين ، وناسب الاستدراك هنا ، إذ هو واقع بين الكافرين والمؤمنين ، فقال : { لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ} ففي ذلك حض على التقوى ، لهم علالي مرتفعة فوقها علالي مبنية ، أي بناء المنازل التي سويت على الأرض . والضمير في { مِن تَحْتِهَا } عائد على الجمعين ، أي من تحت الغرف السفلى والغرف العليا ، لا تفاوت بين أعلاها وأسفلها وانتصب { وَعَدَ اللّه } على المصدر المؤكد لمضمون الجملة قبله ، إذ تضمنت معنى الوعد .{ أَلَمْ تَرَ } : خطاب وتوقيف للسامع على ما يعتبر به من أفعال اللّه الدالة على فناء الدنيا واضمحلالها .{ فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ } : أي أدخله مسالك وعيوناً . والظاهر أن ماء العيون هو من ماء المطر ، تحبسه الأرض ويخرج شيئاً فشيئاً .{ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً } ، ذكر منته تعالى علينا بما تقوم به معيشتنا .{ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ } : من أحمر وأبيض وأصفر ، وشمل لفظ الزرع جميع ما يرزع من مقتات وغيره ، أو مختلفاً أصنافه من بر وشعير وسمسم وغير ذلك .{ ثُمَّ يَهِيجُ } : يقارب الثمار ، { فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً } : أي زالت خضرته ونضارته .

وقرأ أبو بشر : ثم يجعله ، بالنصب في اللام . قال صاحب الكامل وهو ضعيف . انتهى .{ إِنَّ فِى ذَلِكَ } : أي فيما ذكر من إنزال المطر وإخراج الزرع به وتنقلاته إلى حالة ، الحطامية ، { لِذِكْرِى } : أي لتذكرة وتنبيهاً على حكمة فاعل ذلك وقدرته .

﴿ ٢١