٣٤{نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ } : الظاهر أنه من كلام الملائكة ، أي يقولون لهم . وفي قراءة عبد اللّه : يكون من جملة المقول قبل ، أي نحن كنا أولياءكم في الدنيا ، ونحن أولياؤكم في الآخرة . لما كان أولياء الكفار قرناؤهم من الشياطين ، كان أولياء المؤمنين الملائكة . وقال السدي : نحن حفظتكم في الدنيا ، وأولياؤكم في الآخرة . وقيل :{ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ } من كلام اللّه تعالى ، أولياؤكم بالكفاية والهداية ، { وَلَكُمْ فِيهَا } : الضمير عائد على الآخرة ، قاله ابن عطية . وقال الحوفي : على الجنة ، { مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ } من الملاذ ، { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} قال مقاتل : ما تتمنون . وقيل : ما تريدون . وقال ابن عيسى : ما تدعي أنه لك ، فهو لك بحكم ربك . قال ابن عطية : ما تطلبون .{ نُزُلاً مّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } النزل : الرزق المقدم للنزيل وهو الضيف ، قال معناه ابن عطاء ، فيكون نزلاً حالاً ، أي تعطون ذلك في حال كونه نزولاً لا نزلاً ، وجعله بعضهم مصدراً لأنزل . وقيل نزل جمع نازل ، كشارف وشرف ، فينتصب على الحال ، أي نازلين ، وذو الحال الضمير المرفوع في يدعون . وقال الحسن : معنى نزلاً منا ، وقيل : ثواباً . وقرأ أبو حيوة : نزلاً بإسكان الزاي . ولما تقدم قوله تعالى :{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللّه ثُمَّ اسْتَقَامُواْ } ، ذكر من دعا إلى ذلك فقال :{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً } : أي لا أحد أحسن قولاً ممن يدعو إلى توحيد اللّه ، ويعمل العمل الصالح ، ويصرح أنه من المستسلمين لأمر اللّه المنقادين له ، والظاهر العموم في كل داع إلى اللّه ، وإلى العموم ذهب الحسن ومقاتل وجماعة . وقيل بالخصوص ، فقال ابن عباس : هو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، دعا إلى الإسلام ، وعمل صالحاً فيما بينه وبين ربه ، وجعل الإسلام نحلة . وعنه أيضاً : هم أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وقالت عائشة ، وقيس بن أبي حازم ، وعكرمة ، ومجاهد : نزلت في المؤذنين ، وينبغي أن يتأول قولهم على أنهم داخلون في الآية ، وإلا فالسورة بكمالها مكية بلا خلاف . ولم يكن الأذان بمكة ، إنما شرع بالمدينة ، والدعاء إلى اللّه يكون بالدعاء إلى الإسلام وبجهاد الكفار وكف الظلمة . وقال زيد بن علي : دعا إلى اللّه بالسيف ، وهذا ، واللّه أعلم ، هو الذي حمله على الخروج بالسيف على بعض الظلمة من ملوك بني أمية . وكان زيد هذا عالماً بكتاب اللّه ، وقد وقفت على جملة من تفسيره كتاب اللّه وإلقائه على بعض النقلة عنه وهو في حبس هشام بن عبد الملك ، وفيه من العلم والاستشهاد بكلام العرب حظ وافر ، يقال : إنه كان إذا تناظر هو وأخوه محمد الباقر اجتمع الناس بالمحابر يكتبون ما يصدر عنهما من العلم ، رحمهما اللّه ورضي عنهما . وقال أبو العالية : { وَعَمِلَ صَالِحَاً } : صلى بين الأذان والإقامة . وقال عكرمة : صلى وصام . وقال الكلبي : أدّى الفرائض . وقال مجاهد : هي عامة في كل من جمع بين هذه الثلاثة أن يكون موحداً معتقداً لدين الإسلام ، عاملاً بالخير داعياً إليه ، ومآلهم إلى طبقة العالمين العاملين من أهل العدل والتوحيد الدعاة إلى دين الإسلام . انتهى ، ويعني بذلك المعتزلة ، يسمون أنفسهم أهل العدل والتوحيد ، ويوجد ذلك في أشعارهم ، كما قال ابن أبي الحديد المعتزلي ، صاحب كتاب { الفلك الدائر في الرد على كتاب المثل السائر} ، قال من كلامه : أنشدنا عنه الإمام الحافظ شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي رحمه اللّه تعالى : لولا ثلاث لم أخف صرعتي ليست كما قال فتى العبد أن أنصر التوحيد والعدل في كل مقام باذلاً جهدي وأن أناجي اللّه مستمتعا بخلوة أحلى من الشهد وأن أصول الدهر كبراً على كل لئيم أصعر الخد لذاك أهوى لا فتاة ولا خمر ولا ذي ميعة نهد {وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ } : ليس المعنى أنه تكلم بهذا ، بل جعل الإسلام معتقده . كما تقول : هذا قول الشافعي ، أي مذهبه . وقرأ ابن أبي عبلة ، وإبراهيم بن نوح عن قتيبة الميال : وقال إني ، بنون مشددة واحدة ؛ والجمهور : إنني بها وبنون الوقاية . وقال أبو بكر بن العربي : لم يشترط إلا إن شاء اللّه ، ففيه رد على من يقول : أنا مسلم إن شاء اللّه . ولما ذكر تعالى أنه لا أحد أحسن ممن دعا إلى اللّه ، ذكر ما يترتب على ذلك من حسن الأخلاق ، وأن الداعي إلى اللّه قد يجافيه المدعو ، فينبغي أن يرفق به ويتلطف في إيصال الخير فيه . قيل : ونزلت في أبي سفيان بن حرب ، وكان عدوًّا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فصار ولياً مصافياً . وقال ابن عباس : الحسنة لا إله إلا اللّه ، والسيئة الشرك . وقال الكلبي : الدعوتان إليهما . وقال الضحاك : الحلم والفحش . وعن علي : حب الرسول وآله وبغضهم . وقيل : الصبر والنفور . وقيل : المداراة والغلظة . وقيل : العفو والاقتصاد ، وهذه أمثلة للحسنة والسيئة ، لا على طريق الحصر . ولما تفاوتت الحسنة والسيئة ، أمر أن يدفع السيئة بالأحسن ، وذلك مبالغة ، ولم يقل : ادفع بالحسنة السيئة ، لأن من هان عليه الدفع بالأحسن هان عليه الدفع بالحسن ، أي وإذا فعلت ذلك ، { فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ } صار لك كالولي : الصديق الخالص الصداقة ، ولا في قوله :{ وَلاَ السَّيّئَةُ } زائدة للتوكيد ، كهي في قوله :{ وَلاَ الظّلُّ وَلاَ الْحَرُورُ } ، لأن استوى لا يكتفي بمفرد ، فإن إحدى الحسنة والسيئة جنس لم تكن زيادتها كزيادتها في الوجه الذي قبل هذا ، إذ يصير المعنى : ولا تستوي الحسنات ، إذ هي متفاوتات في أنفسها ، ولا السيئات لتفاوتها أيضاً . قال ابن عطية : دخلت كأن للتشبيه ، لأن الذي عند عداوة لا يعود ولياً حميماً ، وإنما يحسن ظاهره ، فيشبه بذلك الولي الحميم ، وعن ابن عباس :{ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } : الصبر عند الغضب ، والحلم عند الجهل ، والعفو عند الإساءة . وقال مجاهد ، وعطاء : السلام عند اللقاء . انتهى ، أي هو مبدأ الدفع بالأحسن ، لأنه محصور فيه . وعن مجاهد أيضاً : أعرض عن أذاهم . وقال أبو فراس الحمداني يجني عليّ وأجنو صافحاً أبدا لا شيء أحسن من جان على جان |
﴿ ٣٤ ﴾