٤٢{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِالذّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ } : هم قريش ومن تابعهم من الكفار غيرهم ، والذكر : القرآن هو بإجماع ، وخبر إن اختلفوا فيه أمذكور هو أو محذوف ؟ فقيل : مذكور ، وهو قوله :{ أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } ، وهو قول أبي عمرو بن العلاء في حكاية جرت بينه وبين بلال بن أبي بردة . سئل بلال في مجلسه عن هذا فقال : لم أجد لها نفاذاً ، فقال له أبو عمرو : وإنه منك لقريب { أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ} وقال الحوفي : ويرد على هذا القول كثرة الفصل ، وأنه ذكر هناك من تكون الإشارة إليهم ، وهو قوله :{ وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِىءاذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ} وقيل : محذوف ، وخبر إن يحذف لفهم المعنى . وسأل عيسى بن عمر عمرو بن عبيد عن ذلك فقال عمرو : معناه في التفسير : إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم كفروا به ، وإنه لكتاب ، فقال عيسى : أجدت يا أبا عثمان . وقال قوم : تقديره معاندون أو هالكون . وقال الكسائي : قد سد مسده ما تقدم من الكلام قبل إن ، وهو قوله :{ أَفَمَنِ يُلْقِى فِى النَّارِ} انتهى ، كأنه يريد : دل عليه ما قبله ، فيمكن أن يقدر يخلدون في النار . وقال الزمخشري : فإن قلت : بم اتصل قوله :{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِالذّكْرِ } ؟ قلت هو بدل من قوله : { إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِىءايَاتِنَا} انتهى . ولم يتعرض بصريح الكلام في خبر إن أمذكور هو أو محذوف ، لكن قد ينتزع من كلامه هذا أنه تكلم فيه بطريق الإشارة إليه ، لأنه ادّعى أن قوله :{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِالذّكْرِ } بدل من قوله :{ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ } ، فالمحكوم به على المبدل منه هو المحكوم به على البدل ، فيكون التقدير :{ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِىءايَاتِنَا } ،{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِالذّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ } ، لا يخفون علينا . و قال ابن عطية : والذي يحسن في هذا هو إضمار الخبر بعد { حَكِيمٍ حَمِيدٍ } ، وهو أشد إظهاراً ، لأن قوله :{ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } داخل في صفة الذكر المكذب به ، فلم يتم ذكر المخبر عنه إلا بعد استيفاء وصفه . انتهى ، وهو كلام حسن . والذي أذهب إليه أن الخبر مذكور ، لكنه حذف منه عائد يعود على اسم إن ، وذلك في قوله :{ لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ } : أي الباطل منهم ، أي الكافرون به ، وحالة هذه لا يأتيه باطلهم ، أي متى رامو فيه أن يكون ليس حقاً ثابتاً من عند اللّه وإبطالاً له لم يصلوا إليه ، أو تكون أل عوضاً من الضمير على قول الكوفيين ، أي لا يأتيه باطلهم ، أو يكون الخبر قوله :{ مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ } ،أي أوحى إليك في شأن هؤلاء المكذبين لك . ولما جئت به مثل ما أوحى إلي من قبلك من الرسل ، وهو أنهم عاقبتهم سيئة في الدنيا بالهلاك ، وفي الآخرة بالعذاب الدائم . وغاية ما في هذين التوجهين حذف الضمير العائد على اسم إن ، وهو موجود ، نحو قوله : السمن منوان بدرهم : أي منوان منه والبركرّ بدرهم : أي كر منه . وعن بعض نحاة الكوفة : الخبر في قوله :{ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } ، وهذا لا يتعقل .{ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } : جملة حالية ، كما تقول : جاء زيد وأن يده على رأسه ، أي كفروا به ، وهذه حاله وعزته كونه عديم النظير لما احتوى عليه من الإعجاز الذي لا يوجد في غيره من الكتب ، أو غالب ناسخ لسائر الكتب والشرائع . وقال ابن عباس : عزيز كريم على اللّه تعالى . وقال مقاتل : ممتنع من الشيطان . وقال السدي : غير مخلوق . وقيل : وصف بالعزة لأنه لصحة معانيه ممتنع الطعن فيه والإزراء عليه ، وهو محفوظ من اللّه، { لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ } من جعل خبر إن محذوفاً ، أو قوله :{ أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ } ، كانت هذه الجملة في موضع الصفة على ما اخترناه من أحد الوجهين تكون الجملة في موضع خبر إن ، والمعنى أن الباطل لا يتطرق إليه { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } ، تمثيل : أي لا يجد الطعن سبيلاً إليه من جهة من الجهات ، فيتعلق به . وأما ظهر من بعض الحمقى من الطعن على زعمهم ، ومن تأويل بعضهم له ، كالباطنية ، فقد رد عليهم علماء الإسلام وأظهروا حماقاتهم . وقال قتادة : الباطل الشيطان ، واللفظ لا يخص الشيطان . وقال ابن جبير والضحاك :{ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } : أي كتاب من قبله فيبطله ، ولا من بعده فيكون على هذا الباطل في معنى المبطل نحو : أورس النبات فهو وارس ، أي مورس ، أو يكون الباطل بمعنى المبطل مصدراً ، فيكون كالعافية . وقيل :{ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } : أي قبل أن يتم نزوله ، { وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } : من بعد نزوله . وقيل عكس هذا . وقيل :{ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } : قبل أن ينزل ، لأن الأنبياء بشرت به ، فلم يقدر الشيطان أن يدحض ذلك ، { وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } : بعد أن أنزل . وقال الطبري :{ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } : لا يقدر ذو باطل أن يكيده بتغيير ولا تبديل ، ولا من خلفه : لا يستطيع ذو باطل أن يلحد فيه .{ تَنزِيلَ } : أي هو تنزيل ، { مّنْ حَكِيمٍ } : أي حاكم أو محكم لمعانية ، { حَمِيدٌ } : محمود على ما أسدى لعباده من تنزيل هذا الكتاب وغيره من النعم . |
﴿ ٤٢ ﴾