٤٨{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ } تسلية للرسول في كون قومه اضطربوا فيما جاء به من الذكر ، فذكر أن موسى عليه السلام أوتي الكتاب ، وهو التوراة ؛ فاختلف فيه . وتقدم شرح هذه الآية في أواخر سورة هود عليه السلام ، والكلام على نظير { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لّلْعَبِيدِ } في قوله في سورة الحج :{ وَأَنَّ اللّه لَيْسَ بِظَلَّامٍ لّلْعَبِيدِ} {وَإِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَراتٍ مّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ} لما ذكر تعالى { مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً } الآية ، كان في ذلك دلالة على الجزاء يوم القيامة ، وكأن سائلاً قال : ومتى ذلك ؟ فقيل : لا يعلمها إلا اللّه ، ومن سئل عنها فليس عنده علم بتعين وقتها ، وإنما يرد ذلك إلى اللّه . ثم ذكر سعة علمه وتعلقه بما لا يعلمه إلا هو تعالى . وقرأ أبو جعفر ، والأعرج ، وشيبة ، وقتادة ، والحسن بخلاف عنه ؛ ونافع ، وابن عامر ، في غير رواية : أي جلية ؛ والمفضل ، وحفص ، وابن مقسم :{ مِن ثَمَراتٍ } على الجمع . وقرأ باقي السبعة ، والحسن في رواية طلحة والأعمش : بالإفراد . ولما كان ما يخرج من أكمام الشجرة وما تحمل الإنات وتضعه هو إيجاد أشياء بعد العدم ، ناسب أن يذكر مع علم الساعة ، إذ في ذلك دليل على البعث ، إذ هو إعادة بعد إعدام ، وناسب ذكر أحوال المشركين في ذلك اليوم ، وسؤالهم سؤال الوتبيخ فقال : { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِى } : أي الذين نسبتموهم إليّ وزعمتم أنهم شركاء لي ، وفي ذلك تهكم بهم وتقريع . والضمير في يناديهم عام في كل من عبد غير اللّه ، فيندرج فيه عباد الأوثان .{ قَالُواْ ءاذَنَّاكَ } : أي أعلمناك ، قال الشاعر : آذنتنا ببينها أسماء رب ثاو يملّ منه الثواء وقال ابن عباس : أسمعناك ، كأنه استبعد الإعلام للّه ، لأن أهل القيامة يعلمون أن اللّه يعلم الأشياء علماً واجباً ، فالإعلام في حقه محال . والظاهر أن الضمير في قالوا عائد على المنادين ، لأنهم المحدث معهم .{ مَا مِنَّا } أحد اليوم ، وقد أبصرنا وسمعنا . يشهد أن لك شريكاً ، بل نحن موحدون لك : وما منا أحد يشاهدهم لأنهم ضلوا عنهم وضلت عنهم آلهتهم ، لا يبصرونها في ساعة التوبيخ . وقيل : الضمير في قالوا عائد على الشركاء ، أي قالت الشركاء :{ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ بِمَا } أضافوا إلينا من الشرك ، وآذناك معلق لأنه بمعنى الإعلام . والجملة من قوله :{ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ } في موضع المفعول . وفي تعليق باب أعلم رأينا خلافه ، والصحيح أنه مسموع من كلام العرب . والظاهر أن قولهم :{ ءاذَنَّاكَ } إنشاء ، كقولك : أقسمت لأضربن زيداً ، وإن كان إخباراً سابقاً ، فتكون إعادة السؤال توبيخاً لهم .{ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ } : أي نسوا ما كانوا يقولون في الدنيا ويدعون من الآلهة ، أو { وَضَلَّ عَنْهُم } : أي تلفت أصنامهم وتلاشت ، فلم يجدوا منها نصراً ولا شفاعة ، { وَظَنُّواْ } : أي أيقنوا . قال السدي :{ مَا لَهُمْ مّن مَّحِيصٍ } : أي من حيدة ورواغ من العذاب . والظاهر أن ظنوا معلقة ، والجملة المنفية في موضع مفعولي ظنوا . وقيل : تم الكلام عند قوله :{ وَظَنُّواْ } ،أي وترجح عندهم أن قولهم :{ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ } منجاة لهم ، أو أمر يموهون به . والجملة بعد ذلك مستأنفة ، أي يكون لهم منجماً ، أو موضع روغان . |
﴿ ٤٨ ﴾