٥

حم

هذه السورة مكية في قول الحسن وعطاء وعكرمة وجابر .

وقال ابن عباس : مكية إلا أربع آيات من قوله :{ قُل لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى } إلى آخر الأربع آيات ، فإنها نزلت بالمدينة . وقال مقاتل : فيها مدني قوله :{ ذَلِكَ الَّذِى يُبَشّرُ اللّه عِبَادَهُ } إلى الصدور . ومناسبة أول السورة لآخر ما قبلها أنه قال :{ قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللّه } الآية ، وكان في ذلك الحكم عليهم بالضلال . لما كفروا به قال هنا :{ كَذالِكَ } ،أي مثل الإيحاء السابق في القرآن الذي كفر به هؤلاء ، { يُوحِى إِلَيْكَ } : أي إن وحيه تعالى إليك متصل غير منقطع ، يتعهدك وقتاً بعد وقت . وذكر المفسرون في { حمعسق } أقوالاً مضطربة لا يصح منها شيء كعادتهم في هذه الفواتح ، ضربنا عن ذكرها صفحاً .

ركد الشيء ، ثبت في مكانه ، وقد قال الشاعر : وقد ركدت وسط السماء نجومها

ركوداً يواري الربرب المتفرّق

وقرأ الجمهور : يوحي مبنياً للفاعل ؛ وأبو حيوة ، والأعشى عن أبي بكر ، وأبان : نوحي بنون العظمة ؛ ومجاهد ، وابن كثير ، وعباس ، ومحبوب ، كلاهما عن أبي عمرو : يوحي مبنياً للمفعول ؛ واللّه مرفوع بمضمر تقديره أوحي ، أو بالابتداء ، التقدير : اللّه العزيز الحكيم الموحي ؛ وعلى قراءة نوحي بالنون ، يكون { عِندِ اللّه الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } مبتدأ وخبراً . ويوحي ، إما في معنى أوجب حتى ينتظم قوله :{ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ } ،أو يقرأ على موضوعه ، ويضمر عامل يتعلق به إلى الذين تقديره : وأوحي إلى الذين من قبلك .

وتقدم الكلام على { تَكَادُ السَّمَاوَاتِ } في سورة مريم قراءة وتفسيراً .

وقال الزمخشري : وروى يونس عن أبي عمر وقراءة عربية : تتفطرن بتاءين مع النون ، ونظيرها حرف نادر روي في نوادر ابن الأعرابي : الإبل تتشممن . انتهى . والظاهر أن هذا وهم من الزمخشري في النقل ، لأن ابن خالويه ذكر في شواذ القراآت له ما نصب : تفطرن بالتاء والنون ، يونس عن أبي عمرو . وقال ابن خالويه : هذا حرف نادر ، لأن العرب لا تجمع بين علامتي التأنيث . لا يقال : النساء تقمن ، ولكن يقمن ، والوالدات يرضعن . قد كان أبو عمر الزاهد روى في نوادر ابن الأعرابي : الإبل تتشممن ، فأنكرناه ، فقد قواه ، لأن هذا كلام ابن خالويه . فإن كانت نسخ الزمخشري متفقة على قوله بتاءين مع النون فهو وهم ، وإن كان في بعضها بتاء مع النون ، كان موافقاً لقول ابن خالويه ، وكان بتاءين تحريفاً من النساخ . وكذلك كتبهم تتفطرن وتتشممن بتاءين . والظاهر عود الضمير في { مِن فَوْقِهِنَّ } على { السَّمَاوَاتِ}

قال ابن عطية : من أعلاهن .

وقال الزمخشري : ينفطرن من علو شأن اللّه تعالى وعظمته ، ويدل عليه مجيئه بعد { الْعَلِىُّ الْعَظِيمُ}

وقيل : من دعائهم له ولداً ، كقوله :{ تَكَادُ السَّمَاوَاتِ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ}

فإن قلت : لم قال { مِن فَوْقِهِنَّ } ؟

قلت : لأن أعظم الآيات وأدلها على الجلال والعظمة فوق السموات ، وهي العرض والكرسي وصفوف الملائكة المرتجة بالتسبيح والتقديس حول العرش ، وما لا يعلم كنهه إلا اللّه من آثار ملكوته العظمى ، فلذلك قال :{ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ } : أي يبتدىء الانفطار من جهتهن الفوقانية . وقال جماعة ، منهم الحوفي ، قال :{ مِن فَوْقِهِنَّ } ، والهاء والنون كناية عن الأرضين . انتهى .{ مِن فَوْقِهِنَّ } متعلق يتفطرن ، ويدل على هذا القول ذكر الأرض قبل . وقال علي بن سليمان الأخفش : الضمير للكفار ، والمعنى : من فوق الفرق والجماعات

الملحدة ، أي من أجل أقوالها . انتهى .

فهذه الآية كالذي في سورة مريم ، واستبعد مكي هذا القول ، قال : لا يجوز في الذكور من بني آدم ، يعني ضمير المؤنث والاستشعار ما ذكره مكي . قال علي بن سليمان : من فوق الفرق والجماعات ، وظاهر الملائكة العموم . وقال مقاتل : حملة العرش والتسبيح ، قيل : قولهم سبحان اللّه ،

وقيل : يهللون ؛ والظاهر يستغفرون طلب الغفران ، ولأهل الأرض عام مخصوص بقوله : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } ، قاله السدي .

وقيل : عام . ومعنى الاستغفار : طلب الهداية المؤدية إلى المغفرة ، كأنهم يقولون : اللّهم اهد أهل الأرض ، فاغفر لهم . ويدل عليه وصفه بالغفران والحرحمة والاستفتاح .

وقال الزمخشري : ويحتمل أن يقصدوا بالاستغفار لهم : طلب الحلم والغفران في قوله :{ إِنَّ اللّه يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ أَن تَزُولاَ } ، إلى أن قال :{ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } ، وقوله :{ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ } ، والمراد : الحلم عنهم ، وأن لا يعاجلهم بالانتقام فيكون عاماً . انتهى . وتكلم أبو عبد اللّه الرازي في قوله :{ تَكَادُ السَّمَاوَاتِ } كلاماً خارجاً عن مناحي مفهومات العرب ، منتزعاً من كلام الفلاسفة ومن جرى مجراهم ، يوقف على ذلك فى كتابه .

﴿ ٥