٥

حم

يعشو : يعرض ، ويعش : يعمى . وقال ابن قتيبة : لم نر أحداً حكى : عشوت عن الشيء : أعرضت عنه ، وإنما يقال : تعاشيت عن كذا وتعاميت ، إذا تغافلت عنه . وتقول : عشوت إلى النار ، إذا استدللت عليها ببصر ضعيف .

وقيل : عشى يعشى ، إذا حصلت الآفة في بصره . وعشا يعشو : نظر المعشى ولا آفة به ، كما قال : عرج لمن به الآفة ، وعرج لمن مشى مشيه العرجان من غير عرج . قال الحطيئة :

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره

تجد حير نارٍ عندها خير موقد

أي : تنظر إليها نظر المعشى ، لما يضعف بصر من عظيم الوقود به ، ومنه قول حاتم :

أعشو إذا ما جارتي برزت

حتى يواري جارتي الخدر

الصحفة ، قال الجوهري : هي القصعة ، وقال الكسائي : أعظم القصاع الجفنة ، ثم القصعة تليها تسع العشرة ، ثم الصحفة تسع الخمسة ، ثم المكيلة تسع الرجلين والثلاثة . والصحيفة : الكتاب ، والجمع : صحف وصحائف . الكوب ، قال قطرب : الإبريق لا عروة له . وقال الأخفش : الإبريق لا خرطوم له ،

وقيل : كالإبريق ، إلا أنه لا أذن له ولا مقبض . قال أبو منصور الجواليقي : إنما كان بغير عروة ليشرب الشارب من أين شاء ، لأن العروة ترد الشارب من بعض الجهات . انتهى . وقال عدي :

متكئاً تصفق أبوابه

يسعى عليه العبد بالكوب

أبرم ، قال الفراء : أبرم الأمر : بالغ في إحكامه ، وأبرم القاتل ، إذا أدهم ، وهو القتل الثاني ؛ والأول يقال له سجيل ، كما قال زهير :

من سجيل وبرم

انتهى . والإبرام : أن يجمع خيطين ، ثم يفتلهما فتلاً متقناً ؛ والبريم : خيط فيه لونان .

هذه السورة مكية ، وقال مقاتل : إلا قوله :{ وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا} و

قال ابن عطية : بإجماع أهل العلم .{ إِنَّا جَعَلْنَاهُ } ،أي صيرناه ، أو سميناه ؛ وهو جواب القسم ، وهو من الأقسام الحسنة لتناسب القسم والمقسم عليه ، وكونهما من واد واحد ، ونظيره قول أبي تمام :

وثناياك أنها أغريض

وقيل : والكتاب أريد به الكتب المنزلة ، والضمير في جعلناه يعود على القرآن ، وإن لم يتقدم له صريح الذكر لدلالة المعنى عليه .

وقال الزمخشري : جعلناه ، بمعنى صيرناه ، معدى إلى مفعولين ، أو بمعنى خلقناه معدى إلى واحد ، كقوله : { وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}{ وَقُرْءانًا عَرَبِيّاً } : حال . ولعل : مستعارة لمعنى الإرداة ، لتلاحظ معناها ومعنى الترجي ، أي خلقناه عربياً غير عجمي . أراد أن تعقله العرب ، ولئلا يقولوا :{ لَوْلاَ فُصّلَتْ ءايَاتُهُ} انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال في كون القرآن مخلوقاً .{ أُمُّ الْكِتَابِ } : اللوح المحفوظ ، لأنه الأصل الذي أثبتت فيه الكتب ، وهذا فيه تشريف للقرآن ، وترفيع بكونه . لديه علياً : على جميع الكتب ، وعالياً عن وجوه الفساد . حكيماً : أي حاكماً على سائر الكتب ، أو محكماً بكونه في غاية البلاغة والفصاحة وصحة المعاني . قال قتادة وعكرمة والسدي : اللوح المحفوظ : القرآن فيه بأجمعه منسوخ ، ومنه كان جبريل ينزل .

وقيل : أم الكتاب : الآيات المحكمات ، لقوله :{ هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ } ، ومعناه : أن سورة حم واقعة في الآيات المحكمات التي هي الأم .

وقرأ الجمهور : في أم ، بضم الهمزة ، والإخوان بكسرها ، وعزاها ابن عطية يوسف بن عمرو إلى العراق ، ولم يعزها للإخوان عقلة منه . يقال : ضرب عن كذا ، وأضرب عنه ، إذا أعرض عنه . والذكر ، قال الضحاك وأبو صالح : القرآن ، أي افترائي عنكم القرآن . وقولهم : ضرب الغرائب عن الحوض ، إذا أدارها ونحاها ، وقال الشاعر : اضرب عنك الهموم طارقها

ضربك بالسيف قونس الفرس

وقيل : الذكر : الدعاء إلى اللّه والتخويف من عقابه .

قال الزمخشري : والفاء للعطف على محذوف تقديره : أنهملكم فنضرب عنكم الذكر إنكاراً ؟ لأن يكون الأمر على خلاف ما قدم من إنزاله الكتاب وخلقه قرآناً عربياً لتعقلوه وتعملوا بموجبه . انتهى . وتقدم الكلام معه في تقديره فعلاً بين الهمزة والفاء في نحو :{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ } ؟{ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } ؟ وبينها وبين الواو في نحو :{أَوَ لَمْ يَسِيرُواْ } ؟ كما وأن المذهب الصحيح قول سيبويه والنحويين : أن الفاء والواو منوي بهما التقديم لعطف ما بعدهما على ما قبلهما ، وأن الهمزة تقدمت لكون الاستفهام له صدر الكلام ، ولا خلاف بين الهمزة والحرف ، وقد رددنا عليه قوله :

وقال ابن عباس ومجاهد : المعنى : أفنترك تذكيركم وتخويفكم عفواً عنكم وعفواً عن إجرامكم ؟ أن كنتم أو من أجل أن كنتم قوماً مسرفين ؟ أي هذا لا يصلح . ونحا قتادة إلى أن المعنى صفحاً ، أي معفوا عنه ، أي نتركه . ثم لا تؤاخذون بقوله ولا بتدبره ، ولا تنبهون عليه . وهذا المعنى نظير قول الشاعر : ثم الصبا صفحاً بساكن ذي الفضا

وبصدع قلبي أن يهب هبوبها

وقول كثير :

صفوحاً فما تلقاك إلا بخيلة فمن مل منها ذلك الوصل ملت

وقال ابن عباس : المعنى : أفحسبتم أن نصفح عنكم ولما تفعلوا ما أمرتم به ؟ وقال الكلبي : أن نترككم هملاً بلا أمر ولا نهي ؟ وقال مجاهد أيضاً : أن لا نعاقبكم بالتكذيب ؟

وقيل : أن نترك الإنزال للقرآن من أجل تكذبيهم ؟

وقرأ حسان بن عبد الرحمن الضبغي ، والسميط بن عمير ، وشميل بن عذرة : بضم الصاد ، والجمهور : بفتحها ، وهما لغتان ،

كالسد والسد . وانتصاب صفحاً على أنه مصدر من معنى أفنضرب ، لأن معناه : أفنصفح ؟ أو مصدر في موضع الحال ، أي صافحين ، قالهما الحوفي ، وتبعه أبو البقاء .

وقال الزمخشري : وصفحاً على وجهين : إما مصدر من صفح عنه ، إذا أعرض منتصباً على أنه مفعول له على معنى : أفنعزل عنكم إنزال القرآن وإلزام الحجة به إعراضاً عنكم ؟

وإما بمعنى الجانب من قولهم : نظر إليه بصفح وجهه . وصفح وجهه على معنى : أفننحيه عنكم جانباً ؟ فينصب على الظرف ، كما تقول : ضعه جانباً ، وامش جانباً . وتعضده قراءة من قرأ صفحاً بالضم . وفي هذه القراءة وجه آخر ، وهو أن يكون تخفيف صفح جمع صفوح ، وينتصب على الحال ، أي صافحين معرضين . و

قال ابن عطية : صفحاً ، انتصابه كانتصاب صنع اللّه . انتهى . يعني أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة ، فيكون العامل فيه محذوفاً ، ولا يظهر هذا الذي قاله ، فليس انتصابه انتصاب صنع اللّه .

وقرأ نافع والإخوان : بكسر الهمزة ، وإسرافهم كان متحققاً . فكيف دخلت عليه إن الشرطية التي لا تدخل إلا على غير المتحقق ، أو على المتحقق الذي أنبهم زمانه ؟

قال الزمخشري : هو من الشرط الذي ذكرت أنه يصدر عن المدل بصحة الأمر المتحقق لثبوته ، كما يقول الأجير : إن كنت عملت لك فوفني حقي ، وهو عالم بذلك ، ولكنه يخيل في كلامه أن تفريطك في الخروج عن الحق فعل من له شك في الاستحقاق ، مع وضوحه ، استجهالاً له .

وقرأ الجمهور : أن بفتح الهمزة ، أي من أجل أن كنتم . قال الشاعر : أتجزع أن بان الخليط المودع

وقرأ زيد بن علي : إذ كنتم ، بذال مكان النون ،

﴿ ٥