٢٨

إلا الذي فطرني . . . . .

والظاهر أن قوله : { إِلاَّ الَّذِى فَطَرَنِى } استثناء منقطع ، إذ كانوا لا يعبدون اللّه مع أصنامهم .

وقيل : كانوا يشركون أصنامهم معه تعالى في العبادة ، فيكون استثناء متصلاً . وعلى الوجهين ، فالذي في موضع نصب ، وإذا كان استثناء متصلاً ، كانت ما شاملة من يعلم ومن لا يعلم . وأجاز الزمخشري أن يكون الذي مجروراً بدلاً من المجرور بمن ، كأنه قال : إنني براء مما تعبدون ، إلا من الذي . وأن تكون إلا صفة بمعنى : غير ، على أن ما في ما تعبدون نكرة موصوفة تقديره : إنني براء من آلهة تعبدونها غير الذي فطرني ، فهو نظير قوله :{ لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ اللّه لَفَسَدَتَا} انتهى . ووجه البدل لا يجوز ، لأنه إنما يكون في غير الموجب من النفي والنهي والاستفهام . ألا ترى أنه يصلح ما بعد إلا لتفريغ العامل له ؟ وإنني بريء ، جملة موجبة ، فلا يصلح أن يفرغ العامل فيها للذي هو بريء لما بعد إلا . وعن الزمخشري : كون بريء ، فيه معنى الانتفاء ، ومع ذلك فهو موجب لا يجوز أن يفرغ لما بعد إلا .

وأما تقديره ما نكرة موصوفة ، فلم يبقها موصولة ، لاعتقاده أن إلا لا تكون صفة إلا لنكرة . وهذه المسألة فيها خلاف . من النحويين من قال : توصف بها النكرة والمعرفة ، فعلى هذا تبقى ما موصولة ، ويكون إلا في موضع الصفة للمعرفة ، وجعله فطرني في صلة الذي . تنبيه على أنه لا يعبد ولا يستحق العبادة إلا الخالق للعباد .

{فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } : أي يديم هدايتي ، وفي مكان آخر :{ الَّذِى خَلَقَنِى فَهُوَ يَهْدِينِ } ، فهو هاديه في المستقبل . والحال والضمير في جعلها المرفوع عائد على إبراهيم ،

وقيل على اللّه . والضمير المنصوب عائد على كلمة التوحيد التي تكلم بها ، وهي قوله :{ إِنَّنِى بَرَاء مّمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِى فَطَرَنِى} وقال قتادة ومجاهد والسدي : لا إله إلا اللّه ، وإن لم يجر لها ذكر ، لأن اللفظ يتضمنها . وقال ابن زيد : كلمة الإسلام لقوله :{ وَمِن ذُرّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } ،{ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ } ،{ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ}

وقرأ حميد بن قيس : كلمة ، بكسر الكاف وسكون اللام . وقرىء : في عقبه ، بسكون القاف ، أي في ذريته . وقرىء : في عاقبه ، أي من عقبه ، أي خلقه . فلا يزال فيهم من يوحد اللّه ويدعو إلى توحيده . لعلهم : أي لعل من أشرك منهم يرجع بدعاء من وحد منهم .

﴿ ٢٨