٢٩

بل متعت هؤلاء . . . . .

وقرأ الجمهور : بل متعت ، بتاء المتكلم ، والإشارة بهؤلاء لقريش ومن كان من عقب إبراهيم عليه السلام من العرب . لما قال : { فِى عَقِبِهِ } ،

قال تعالى : لكن متعت هؤلاء وأنعمت عليهم في كفرهم ، فليسوا ممن تعقب كلمة التوحيد فيهم .

وقرأ قتادة والأعمش : بل متعت ، بتاء الخطاب ، ورواها يعقوب عن نافع . قال صاحب اللوامح : وهي من مناجاة إبراهيم عليه السلام ربه تعالى . والظاهر أنه من مناجاة محمد صلى اللّه عليه وسلم ،أي : قال يا رب بل متعت .

وقرأ الأعمش : متعنا ، بنون العظمة ، وهي تعضد قراءة الجمهور .

{حَتَّى جَاءهُمُ الْحَقُّ } ، وهو القرآن ؛{ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ } ، هو محمد صلى اللّه عليه وسلم.

وقال الزمخشري :

فإن قلت : فما وجه من قرأ : بل متعت ، بفتح التاء ؟

قلت : كأن اللّه تعالى اعترض على ذاته في قوله :{ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِى عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } ، فقال : بل متعتهم بما متعتهم به من طول العمر والسعة في الرزق ، حتى شغلهم ذلك عن كلمة التوحيد . وأراد بذلك الإطناب في تعييرهم ، لأنه إذا متعهم بزيادة النعم ، وجب عليهم أن يجعلوا ذلك سبباً في زيادة الشكر والثبات على التوحيد والإيمان ، لا أن يشركوا به ويجعلوا له أنداداً ، فمثاله : أن يشكو الرجل إساءة من أحسن إليه ، ثم يقبل على نفسه فيقول : أنت السبب في ذلك بمعروفك وإحسانك ، وغرضه بهذا الكلام توبيخ المسيء لا تقبيح فعله .

فإن قلت : قد جعل مجيء الحق والرسول غاية للتمتيع ،

﴿ ٢٩