سورة الدخان

مكية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

انظر تفسير الآية:٣

٢

انظر تفسير الآية:٣

٣

والكتاب المبين

الدخان : معروف ، وقال أبو عبيدة : والدخان : الجدب . قال القتبي : سمي دخاناً ليبس الأرض منه ، حتى يرتفع منها كالدخان ، وقياس جمعه في القلة : أدخنة ، وفي الكثرة : دخنان ، نحو : غراب وأغربة وغربان . وشذوا في جمعه على فواعل فقالوا : دواخن ، كأنه جمع داخنة تقديراً ، كما شذوا في عثان قالوا : عواثن . رها البحر ، يرهو رهواً : سكن . يقال جاءت الخيل رهواً : أي ساكنة . قال الشاعر : والخيل تمزع رهواً في أعنتها

كالطير ينجو من الشرنوب ذي البرد

ويقال : افعل ذلك رهواً : أي ساكناً على هينتك . وقال ابن الأعرابي : رها في السير . قال القطامي في نعت الركاب : يمشين رهواً فلا الإعجاز خاذلة

ولا الصدور على الإعجاز تتكل

وقال الليث : عيش راه : وارع خافض . وقال غيره : الرهو والرهوة : المكان المرتفع والمنخفض يجتمع فيه الماء ، وهو من الأضداد ؛ والجمع : رها . والرهو : المرأة الواسعة الهن ، حكاه النضر بن شميل . والرهو : ضرب من الطير ، يقال هو الكركي . وقال أبو عبيدة : رها الرجل يرهو رهواً : فتح بين رجليه . المهل : دردي الزيت وعكره . عتله : ساقه يعنف ودفع وإهانة . والمعتل : الجافي الغليظ .

هذه السورة مكية ، قيل : إلا قوله :{ إِنَّا كَاشِفُواْ الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} ومناسبة هذه السورة أنه ذكر في أواخر ما قبلها :{ فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّى يُلَاقُواْ يَوْمَهُمُ الَّذِى يُوعَدُونَ } ، فذكر يوماً غير معين ، ولا موصوفاً . فبين في أوائل هذه السورة ذلك اليوم ، بوصف وصفه فقال :{ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } ، وأن العذاب يأتيهم من قبلك ، ويحل بهم من الجدب والقحط ، ويكون العذاب في الدنيا ، وإن كان العذاب في الآخرة ، فيكون يومهم الذي يوعدون يوم القيامة . والظاهر أن الكتاب المبين هو القرآن ، أقسم به تعالى . ويكون الضمير في أنزلناه عائداً عليه . قيل : ويجوز أن يراد به الكتب الإلهية المنزلة ، وأن يراد به اللوح المحفوظ ، وجواب القسم .

وقال الزمخشري وغيره : قوله :{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ } ، على أن الكتاب هو القرآن ، ويكون قد عظمه تعالى بالإقسام به . و

قال ابن عطية : لا يحسن وقوع القسم عليه ، أي على إنا أنزلناه ، وهو اعتراض يتضمن تفخيم الكتاب ، ويكون الذي وقع عليه القسم { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} انتهى . قال قتادة ، وابن زيد ، والحسن : الليلة المباركة : ليلة القدر . وقالوا : كتب اللّه كلها إنما نزلت في رمضان ؛ التوراة في أوله ، والإنجيل في وسطه ، والزبور في نحو ذلك ، والقرآن في آخره ، في ليلة القدر ؛ ويعني ابتداء نزوله كان في ليلة القدر .

وقيل : أنزل جملة ليلة القدر إلى البيت المعمور ، ومن هناك كان جبريل يتلقاه . وقال عكرمة وغيره : هي ليلة النصف من شعبان ، وقد أوردوا فيها أحاديث . وقال الحافظ أبو بكر بن العربي : لا يصح فيها شيء ، ولا في نسخ الآجال فيها .

إنا كنا منذرين : أي مخوفين .

قال الزمخشري :

فإنقلت :{ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } ، ما موقع هاتين الجملتين ؟

قلت : هما جملتان مستأنفتان ملفوفتان ، فسر بهما جواب القسم الذي هو قوله تعالى :{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } ، كأنه قيل : أنزلناه ، لأن من شأننا الإنذار والتحذير من العقاب . وكان إنزالنا إياه في هذه الليلة خصوصاً ، لأن إنزال القرآن من الأمور المحكمة ، وهذه الليلة مفرق كل أمر حكيم ، والمباركة : الكثيرة الخير ، لما ينتج اللّه فيها من الأمور التي تتعلق بها منافع العباد في دينهم ودنياهم ، ولو لم يوجد فيها إلا إنزال القرآن وحده ، لكفى به بركة . انتهى .

٤

فيها يفرق كل . . . . .

وقرأ الحسن ، والأعرج ، والأعمش : يفرق ، بفتح الياء وضم الراء ، كل : بالنصب ، أي يفرق اللّه .

وقرأ زيد بن علي ، فيما ذكر الزمخشري : نفرق بالنون ، كل بالنصب ؛ وفيما ذكر أبو على الأهوازي : عينه بفتح الياء وكسر الراء ، ونصب كل ، ورفع حكيم ، على أنه الفاعل بيفرق .

وقرأ الحسن : وزائدة عن الأعمش بالتشديد مبنياً للمفعول ، أو معنى يفرق : يفصل من غيره ويلخص . ووصف أمر بحكيم ، أي أمر ذي حكمة ؛ وقد أبهم تعالى هذا الأمر .

وقال ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، ومجاهد : في ليلة القدر يفصل كل ما في العام المقبل من الأقدار والأرزاق والآجال وغير ذلك ، ويكتب ذلك إلى مثلها من العام المقبل . وقال هلال بن أساف : كان يقال : انتظر والقضاء في رمضان . وقال عكرمة : لفضل الملائكة في ليلة النصف من شعبان .

٥

انظر تفسير الآية:٦

٦

أمرا من عندنا . . . . .

وجوزوا في أمراً أن يكون مفعولاً به بمنذرين لقوله : { لِّيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا} أو على الاختصاص ، جعل كل أمر حكيم جزلاً فخماً ، بأن وصفه بالحكيم ، ثم زاده جزالة

وفخامة نفسه بأن قال : أعني بهذا الأمر أمراً حاصلاً من عندنا ، كائناً من لدنا ، وكما اقتضاه علمنا وتدبيرنا ، كذا

قال الزمخشري . وقال : وفي قراءة زيد بن علي : { أَمْراً مّنْ عِنْدِنَا } ، على هو أمراً ، وهي نصب على الاختصاص ومقبولاً له ، والعامل أنزلنا ، أو منذرين ، أو يفرق ، ومصدراً من معنى يفرق ، أي فرقاً من عندنا ، أو من أمرنا محذوفاً وحالاً ، قيل : من كل ، والذي تلقيناه من أشياخنا أنه حال من أمر ، لأنه وصف بحكيم ، فحسنت الحال منه ، إلا أن فيه الحال من المضاف إليه ، وهو ليس في موضع رفع ولا نصب ، ولا يجوز .

وقيل : من ضمير الفاعل في أنزلناه ، أي أمرني .

وقيل : من ضمير المفعول في أنزلناه ، أي في حال كونه أمراً من عندنا بما يجب أن يفعل . والظاهر أن من عندنا صفة لأمراً ،

وقيل : يتعلق بيفرق .

{إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } : لما ذكر إنزال القرآن ، ذكر المرسل ، أي مرسلين الأنبياء بالكتب للعباد . فالجملة المؤكدة مستأنفة .

وقيل : يجوز أن يكون بدلاً من { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} وجوزوا في رحمة أن يكون مصدراً ، أي رحمنا رحمة ، وأن يكون مفعولاً له بأنزلناه ، أو ليفرق ، أو لأمراً من عندنا . وأن يكون مفعولاً بمرسلين ؛ والرحمة توصف بالإرسال ، كما وصفت به في قوله :{ وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ} والمعنى على هذا : أنا نفصل في هذه الليلة كل أمر ، أو تصدر الأوامر من عندنا ، لأن من عادتنا أن نرسل رحمتنا .

وقرأ زيد بن علي ، والحسن : رحمة ، بالرفع : أي تلك رحمة من ربك ، التفاتاً من مضمر إلى ظاهر ، إذ لو روعي ما قبله ، لكان رحمة منا ، لكنه وضع الظاهر موضع المضمر ، إيذاناً بأن الربوبية تقتضي الرحمة على المربوبين .

٧

انظر تفسير الآية:٨

٨

رب السماوات والأرض . . . . .

وقرأ ابن محيصن ، والأعمش ، وأبو حيوة ، والكوفيون : { رَبّ السَّمَاوَاتِ } ، بالخفض بدلاً من ربك ؛ وباقي السبعة ، والأعرج ، وابن أبي إسحاق ، وأبو جعفر ، وشيبة : بالرفع على القطع ، أي هو رب .

وقرأ الجمهور :{ رَبُّكُمْ وَرَبُّ } ، برفعهما ؛ وابن أبي إسحاق ، وابن محيصن ، وأبو حيوة ، والزعفراني ، وابن مقسم ، والحسن ، وأبو موسى عيسى بن سليمان ، وصالح الناقط ، كلاهما عن الكسائي : بالجر ؛ وأحمد بن جبير الأنطاكي : ربكم ورب ، بالنصب على المدح ، وهم يخالفون بين الإعراب ، الرفع والنصب ، إذا طالت النعوت . وقوله :{ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } ، تحريك لهم بأنكم تقرون بأنه تعالى خالق العالم ، وأنه أنزل الكتب ، وأرسل الرسل رحمة منه ، وأن ذلك منكم من غير علم وإيقان .

٩

بل هم في . . . . .

ولذلك جاء : { بَلْ هُمْ فِى شَكّ يَلْعَبُونَ } ،أي في شك لا يزالون فيه يلعبون . فإقرارهم ليس عن حد ولا تيقن .

١٠

انظر تفسير الآية:١٥

١١

انظر تفسير الآية:١٥

١٢

انظر تفسير الآية:١٥

١٣

انظر تفسير الآية:١٥

١٤

انظر تفسير الآية:١٥

١٥

فارتقب يوم تأتي . . . . .

{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} قال علي بن طالب ، وابن عمر ، وابن عباس ، وسعيد الخدري ، وزيد بن علي ، والحسن : هو دخان يجيء يوم القيامة ، يصيب المؤمن منه مثل الزكام ، وينضج رؤوس الكافرين والمنافقين ، حتى تكون مصقلة حنيذة . وقال ابن مسعود ، وأبو العالية ، والنخعي : هو الدخان الذي رأته قريش . قيل لعبد اللّه : إن قاصاً عند أبواب كندة يقول إنه دخان يأتي يوم القيامة ، فيأخذ أنفاس الناس ، فقال : من علم علماً فليقل به ، ومن لم يعلم فليقل : اللّه أعلم . ألا وسأحدثكم أن قريشاً لما استعصت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، دعا عليهم فقال : { اللّهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف } ، فأصابهم الجهد حتى أكلوا الجيف ، والعلهز . والعلهز : الصوف يقع فيه القراد فيشوى الصوف بدم القراد ويؤكل . وفيه أيضاً : حتى أكلوا العظام . وكان الرجل يرى بين السماء والأرض الدخان ، وكان يحدث الرجل فيسمع الكلام ولا يرى المحدث من الدخان . فمشى إليه أبو سفيان ونفر معه ، وناشده اللّه والرحم ، وواعدوه ، إن دعا لهم وكشف عنهم ، أن يؤمنوا . فلما كشف عنهم ، رجعوا إلى شركهم . وفيه : فرحمهم النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وبعث إليهم بصدقة ومال . وفيه : فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم ، فأنزل اللّه عز وجل : { يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ } ، قال : يعني يوم بدر . وقال عبد الرحمن : خمس قد مضين : الدخان ، واللزام ، والبطشة ، والقمر ، والروم . وقال عبد الرحمن الأعرج :{ يَوْمَ تَأْتِى السَّمَاء } ، هو يوم فتح مكة ، لما حجبت السماء الغبرة . وفي حديث حذيفة : أول الآيات خروج الدجال ، والدخان ، ونزول عيسى بن مريم ، ونار تخرج من قعر عدن ؛ وفيه

قلت : يا نبي اللّه ، وما الدخان على هذه الآية :{ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } ؟ وذكر بقية الحديث ، واختصرناه بدخان مبين ، أي ظاهر . لا شك أنه دخان { يَغْشَى النَّاسَ } : يشملهم . فإن كان هو الذي رأته قريش ، فالناس خاص بالكفار من أهل مكة ، وقد مضى كما قال ابن مسعود ؛ وإن كان من أشراط الساعة ، أو يوم القيامة ، فالناس عام فيمن أدركه وقت الأشراط ، وعام بالناس يوم القيامة .{ هَاذَا عَذَابٌ } إلى { مُؤْمِنُونَ } في موضع نصب بفعل القول محذوفاً ، وهو في موضع الحال ، أي يقولون . ويجوز أن يكون إخباراً من اللّه ، كأنه تعجب منه ، كما قال في قصة الذبيح :{ إِنَّ هَاذَا لَهُوَ الْبَلاَء الْمُبِينُ}

{إِنَّا مْؤْمِنُونَ } : وعد بالإيمان إن كشف عنهم العذاب ، والإيمان واجب ، كشف العذاب أو لم يكشف .{ أَنَّى لَهُمُ الذّكْرَى } : أي كيف يذكرون ويتعظون ويقولون بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذاب ، وقد جاءهم ما هو أعظم ؟ وأدخل في باب الادكار من كشف الدخان ؟ وهو ما ظهر على يد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الآيات والبينات ، من الكتاب المعجز وغيره من المعجزات ، فلم يذكروا ، وتولوا عنه وبهتوه بأن عدّاسا غلاماً أعجمياً لبعض ثقيف هو الذي علمه ، ونسبوه إلى الجنون .

وقرأ زر بن حبيش : معلم ، بكسر اللام .{ إِنَّا كَاشِفُواْ الْعَذَابِ قَلِيلاً } : إخبار عن إقامة الحجة عليهم ، ومبالغة في الإملاء لهم . ثم أخبر أنهم عائدون إلى الكفر . وقال قتادة : هو توعد بمعاد الآخرة : وإن كان الخطاب لقريش حين حل بهم الجدب ، كان ظاهراً ؛ وإن كان الدخان قبل يوم القيامة ، فإذا أتت السماء بالعذاب ، تضرع منافقوهم وكافروهم وقالوا : ربنا اكشف عنا العذاب ، إنا مؤمنون . فيكشف عنهم ، قيل : بعد أربعين يوماً ؛ فحين يكشفه عنهم يرتدون .

١٦

يوم نبطش البطشة . . . . .

ويوم البطشة الكبرى على هذا : هو يوم القيامة ، كقوله : { فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى} وكونه يوم القيامة ، هو قول ابن عباس والحسن وقتادة . وكونه يوم بدر ، هو قول عبد اللّه وأبي وابن عباس ومجاهد . وانتصب يوم نبطش ، قيل : بذكراهم ،

وقيل : بننتقم الدال عليه منتقمون ، وضعف بأنه لا نصب إلا بالفعل ،

وقيل : بمنتقمون . ورد بأن ما بعد إن لا يعمل فيما قبلها .

وقرأ الجمهور : نبطش ، بفتح النون وكسر الطاء ؛ والحسن ، وأبو جعفر : بضمها ؛ والحسن أيضاً ، وأبو رجاء ، وطلحة : بضم النون وكسر الطاء ، بمعنى : نسلط عليهم من يبطش بهم . والبطشة على هذه القراءة ليس منصوباً بنبطش ، بل بمقدر ، أي نبطش ذلك المسلط البطشة ، أو يكون البطشة في معنى الإبطاشة ، فينتصب بنبطش .

١٧

ولقد فتنا قبلهم . . . . .

{وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ } : هذا كالمثال لقريش ، ذكرت قصة من أرسل إليهم موسى عليه السلام ، فكذبوه ، فأهلكهم اللّه . وقرىء : فتنا ، بتشديد التاء ، للمبالغة في الفعل ، أو التكثير ، متعلقة { وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ } : أي كريم عند اللّه وعند المؤمنين ، قاله الفراء ؛ أو كريم في نفسه ، لأن الأنبياء إنما يبعثون من سروات الناس ، قاله أبو سليمان ؛ أو كريم حسن الخلق ، قاله مقاتل .

١٨

أن أدوا إلي . . . . .

{أَنْ أَدُّواْ إِلَىَّ عِبَادَ اللّه} يحتمل أن تكون أن تفسيرية ، لأنه تقدم ما يدل على معنى القول ، وهو رسول كريم ، وأن تكون أن مخففة من الثقيلة أو الناصبة للمضارع ، فإنها توصل بالأمر . قال ابن عباس : أن أدوا إليّ الطاعة يا عباد اللّه : أي اتبعوني على ما أدعوكم إليه من الإيمان . وقال مجاهد ، وقتادة ، وابن زيد : طلب منهم أن يؤدوا إليه بني إسرائيل ، كم قال : فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم . فعلى ابن عباس : عباد اللّه : منادى ، ومفعول أدوا محذوف ؛ وعلى قول مجاهد ومن ذكر معه : عباد اللّه : مفعول أدوا .{ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } : أي غير متهم ، قد ائتمنني اللّه على وحيه ورسالته .

١٩

وأن لا تعلوا . . . . .

{وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى اللّه} : أي لا تستكبروا على عبادة اللّه ، قاله يحيي بن سلام . قال ابن جريح : لا تعظموا على اللّه . قيل : والفرق بينهما أن التعظيم تطاول المقتدر ، والاستكبار ترفع المحتقر ، ذكره الماوردي ، وأن هنا كان السابق في أوجهها الثلاثة .{ وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى } : أي بحجة واضحة في

نفسها ، وموضحة صدق دعواي .

وقرأ الجمهور : إني ، بكسر الهمزة ، على سبيل الإخبار ؛ وقرأت فرقة : بفتح الهمزة . والمعنى : لا تعلوا على اللّه من أجل أني آتيكم ، فهذا توبيخ لهم ، كما تقول : أتغضب إن قال لك الحق ؟

٢٠

انظر تفسير الآية:٢٢

٢١

انظر تفسير الآية:٢٢

٢٢

وإني عذت بربي . . . . .

{وَإِنّى عُذْتُ } : أي استجرت { بِرَبّى وَرَبّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ } : كانوا قد توعدوه بالقتل ، فاستعاذ من ذلك . وقرىء : عدت ، بالإدغام . قال قتادة وغيره : الرجم هنا بالحجارة .

وقال ابن عباس ، وأبو صالح : بالشتم ؛ وقول قتادة أظهر ، لأنه قد وقع منهم في حقه ألفاظ لا تناسب ؛ وهذه المعاذة كانت قبل أن يخبره تعالى بقوله :{ فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا}

{فَدَعَا رَبَّهُ } : أني مغلوب فانتصر ، { إِنَّ هَؤُلآء } : لفظ تحقير لهم .

وقرأ الجمهور : أن هؤلاء ، بفتح الهمزة ، أي بأن هؤلاء .

وقرأ ابن أبي إسحاق ، وعيسى ، والحسن في رواية ، وزيد بن علي : بكسرها .

٢٣

فأسر بعبادي ليلا . . . . .

{فَأَسْرِ بِعِبَادِى } : في الكلام حذف ، أي فانتقم منهم ، فقال له اللّه : أسر بعبادي ، وهم بنوا إسرائيل ومن آمن به من القبط .

وقال الزمخشري : فيه وجهان : إضمار القول بعد الفاء ، فقال : أسر بعبادي ، وأن يكون جواباً بالشرط محذوف ؛ كأنه قيل : قال إن كان الأمر كما تقول ، فأسر بعبادي . انتهى . وكثيراً ما يجيز هذا الرجل حذف الشرط وإبقاء جوابه ، وهو لا يجوز إلا لدليل واضح ؛ كأن يتقدمه الأمر وما أشبهه مما ذكر في النحو ، على خلاف في ذلك .{ إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ } : أي يتبعكم فرعون وجنوده ، فتنجون ويغرق المتبعون .

٢٤

واترك البحر رهوا . . . . .

{وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً } : قال ابن عباس : ساكناً كما أجراه . وقال مجاهد وعكرمة : يبساً من قوله :{ فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِى الْبَحْرِ يَبَساً} وقال الضحاك : دمثاً ليناً . وقال عكرمة : جدداً . وقال ابن زيد : سهلاً . وقال مجاهد أيضاً : منفرداً . قال قتادة : أراد موسى أن يضرب البحر بعصاه ، لما قطعه ، حتى يلتئم ؛ وخاف أن يتبعه فرعون ، فقيل : لمه هذا ؟{ إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } : أي فيه ، لأنهم إذا رأوه ساكناً على حالته حين دخل فيه موسى وبنوا إسرائيل ، أو مفتوحاً طريقاً يبساً ، دخلوا فيه ، فيطبقه اللّه عليهم .

٢٥

انظر تفسير الآية:٢٨

٢٦

انظر تفسير الآية:٢٨

٢٧

انظر تفسير الآية:٢٨

٢٨

كم تركوا من . . . . .

{كَمْ تَرَكُواْ } : أي كثيراً تركوا .{ مّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } : تقدم تفسيرهما في الشعراء .

وقرأ الجمهور :{ وَمَقَامٍ } ، بفتح الميم . قال ابن عباس ، ومجاهد ، وابن جبير : أراد المقام .

وقرأ ابن هرمز ، وقتادة ، وابن السميفع ، ونافع : في رواية خارجة بضمها . قال قتادة : أراد المواضع الحسان من المجالس والمساكن وغيرها .{ وَنَعْمَةٍ } ، بفتح النون : نضارة العيش ولذاذة الحياة .

وقرأ أبو رجاء :{ وَنَعْمَةٍ } ، بالنصب ، عطفاً على كم { كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ} قرأ الجمهور : بألف ، أي طيبي الأنفس وأصحاب فاكهة ، كلابن ، وتامر ، وأبو رجاء ، والحسن : بغير ألف . والفكه يستعمل كثيراً في المستخف المستهزىء ، فكأنهم كانوا مستخفين بشكل النعمة التي كانوا فيها . وقال الجوهري : فكه الرجل ، بالكسر ، فهو فكه إذا كان مزاجاً ، والفكه أيضاً الأشر . وقال القشيري : فاكهين : لاهين كذلك . وقال الزجاج : والمعنى : الأمر كذلك ، فيوقف على كذلك ؛ والكاف في موضع رفع خبر مبتدأ محذوف ؛

وقيل : الكاف في موضع نصب ، أي يفعل فعلاً كذلك ، لمن يريد إهلاكه . وقال الكلبي : كذلك أفعل بمن عصاني . وقال الحوفي : أهلكنا إهلاكاً ، وانتقمنا انتقاماً كذلك .

وقال الزمخشري : الكاف منصوبة على معنى : مثل ذلك الإخراج أخرجناهم منها ، { وَأَوْرَثَنَا قَوْماً ءاخَرِينَ } ليسوا منهم ، وهم بنوا إسرائيل . كانوا مستعبدين في يد القبط ، فأهلك اللّه تعالى القبط على أيديهم وأورثهم ملكهم . وقال قتادة ، وقال الحسن : إن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون ، وضعف قول قتادة بأنه لم يرو في مشهور التواريخ أن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر في شيء من ذلك الزمان ، ولا ملكوها قط ؛ إلا أن يريد قتادة أنهم ورثوا نوعها في بلاد الشأم . انتهى . ولا اعتبار بالتواريخ ، فالكذب فيها كثير ، وكلام اللّه صدق . قال تعالى في سورة الشعراء :{ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِى إِسْراءيلَ }

وقيل : قوماً آخرين ممن ملك مصر بعد القبط من غير بني إسرائيل .

٢٩

فما بكت عليهم . . . . .

{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالاْرْضُ } : استعارة لتحقير أمرهم ، وأنه لم يتغير عن هلاكهم شيء . ويقال في التعظيم : بكت عليه السماء والأرض ، وبكته الريح ، وأظلمت له الشمس . وقال زيد بن مفرغ :

الريح تبكي شجوه

والبرق يلمع في غمامه

وقال جرير : فالشمس طالعة ليست بكاسفة

تبكي عليك نجوم الليل والقمرا

وقال النابغة : بكى حادث الجولان من فقد ربه

وحوران منه خاشع متضائل

وقال جرير : لما أتى الزهو تواضعت

سور المدينة والجبال الخشع

ويقول في التحقير : مات فلان ، فما خشعت الجبال . ونسبة هذه الأشياء لما لا يعقل ولا يصير ذلك منه حقيقة ، عبارة عن تأثر الناس له ، أو عن عدمه .

وقيل : هو على حذف مضاف ، أي : فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الملائكة وأهل الأرض ، وهم المؤمنون ، بل كانوا بهلاكهم مسرورين . روي ذلك عن الحسن . وما روي عن علي ، وابن عباس ، ومجاهد ، وابن جبير : إن المؤمن إذا مات ، بكى عليه من الأرض موضع عبادته أربعين صباحاً ، وبكى عليه السماء موضع صعود عمله . قالوا : فلم يكن في قوم فرعون من هذه حاله تمثيل . { وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ } : أي مؤخرين عن العذاب لما حان وقت هلاكهم ، بل عجل اللّه لهم ذلك في الدنيا .

٣٠

ولقد نجينا بني . . . . .

لما ذكر تعالى إهلاك فرعون وقومه ، ذكر إحسانه لبني إسرائيل ؛ فبدأ بدفع الضرر عنهم ، وهو نجاتهم مما كانوا فيه من العذاب . ثم ذكر اتصال النفع لهم ، من اختيارهم على العالمين ، وإيتائهم الآيات والعذاب المهين : قتل أبنائهم ، واستخدامهم في الأعمال الشاقة .

وقرأ عبد اللّه : { مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ } : وهو من إضافة الموصوف إلى صفته ، كبقلة

الحمقاء .

٣١

من فرعون إنه . . . . .

و { مِن فِرْعَوْنَ } : بدل { مّنَ الْعَذَابِ } ، على حذف مضاف ، أي من عذاب فرعون . أولاً حذف جعل فرعون نفسه هو العذاب مبالغة .

وقيل : يتعلق بمحذوف ، أي كائناً وصادراً من فرعون .

وقرأ ابن عباس :{ مِن فِرْعَوْنَ } ، من : استفهام مبتدأ ، وفرعون خبره . لما وصف فرعون بالشدة والفظاعة قال : من فرعون ؟ على معنى : هل تعرفونه من هو في عتوه وشيطنته ؟ ثم عرف حاله في ذلك بقوله :{ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ الْمُسْرِفِينَ } : أي مرتفعاً على العالم ، أو متكبراً مسرفاً من المسرفين .

٣٢

ولقد اخترناهم على . . . . .

{وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ } : أي اصطفيناهم وشرفناهم .{ عَلَى عِلْمٍ } علم مصدر لم يذكر فاعله ، فقيل : على علم منهم ، وفضل فيهم ، فاخترناهم للنبوات والرسالات .

وقيل : على علم منا ، أي عالمين بمكان الخيرة ، وبأنهم أحقاء بأن يختاروا .

وقيل : على علم منا بما يصدر من العدل والإحسان والعلم والإيمان ، بأنهم يزيفون ، وتفرط منهم الهنات في بعض الأموال .

وقيل : اخترناهم بهذا الإنجاء وهذه النعم على سابق علم لنا فيهم ، وخصصناهم بذلك دون العالم .{ عَلَى الْعَالَمِينَ } : أي عالمي زمانهم ، لأن أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم مفضلة عليهم .

وقيل : على العالمين عام لكثرة الأنبياء فيهم ، وهذا خاص بهم ليس لغيرهم . وكان الاختيار من هذه الجهة ، لأن أمة محمد أفضل . وعلى ، في قوله :{ عَلَى عِلْمٍ } ، ليس معناها معنى على في قوله :{ عَلَى الْعَالَمِينَ } ، ولذلك تعلقا بفعل واحد لما اختلف المدلول ، كقوله : ويوماً على ظهر الكتيب تعذرت

عليّ وآلت حلفة لم يحلل

فعلى علم : حال ، إما من الفاعل ، أو من المفعول . وعلى ظهر : حال من الفاعل في تعذرت ، والعامل في ذي الحال .

٣٣

وآتيناهم من الآيات . . . . .

{وَءاتَيْنَاهُم مِنَ الاْيَاتِ } : أي المعجزات الظاهرة في قوم فرعون ، وما ابتلوا به ؛ وفي بني إسرائيل مما أنعم به عليهم من تظليل الغمام والمنّ والسلوى ، وغير ذلك مما لم يظهرها لغيرهم .{ مَا فِيهِ بَلَؤٌ اْ } : أي اختبار بالنعم ظاهر ، أو الابتلاء بالنعم كقوله :{ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرّ وَالْخَيْرِ}

٣٤

انظر تفسير الآية:٣٥

٣٥

إن هؤلاء ليقولون

{إِنَّ هَؤُلآء } : يعني قريشاً ، وفي اسم الإشارة تحقير لهم .{ لَيَقُولُونَ إِنْ هِىَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الاْوْلَى } : أي ما الموتة إلا محصورة في موتتنا الأولى . وكان قد

قال تعالى :{ وَكُنتُمْ أَمْواتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } ، فذكر موتتين ، أولى وثانية ، فأنكروا هم أن يكون لهم موتة ثانية . والمعنى : ما آخر أمرنا ومنتهى وجودنا إلا عند موتتنا . فيتضمن قولهم هذا إنكار البعث ، ثم صرحوا بما تضمنه قولهم ، فقالوا :{ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ } : أي بمبعوثين بحياة دائمة يقع فيها حساب وثواب وعقاب ؛ وكان قولهم ذلك في معنى قولهم :{ إِنْ هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ}

٣٦

فأتوا بآبائنا إن . . . . .

{فَأْتُواْ بِئَابَائِنَا } : خطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وللمؤمنين الذين كانوا يعدونهم بالبعث ، أي إن صدقتم فيما تقولون ، فأحيوا لنا من مات من أبنائنا ، بسؤالكم ربكم ، حتى يكون ذلك دليلاً على البعث في الآخرة . قيل : طلبوا من الرسول أن يدعوا اللّه فيحيى لهم قصي بن كلاب ، ليشاوروه في صحة النبوة والبعث ، إذ كان كبيرهم ومشاورهم في النوازل .

٣٧

أهم خير أم . . . . .

{أَهُمْ } : أي قريش ، { خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ } ؟ الظاهر أن تبعاً هو شخص معروف ، وقع التفاضل بين قومه وقوم الرسول عليه الصلاة والسلام . وإن كان لفظ تبع يطلق على كل من ملك العرب ، كما يطلق كسرى على من ملك الفرس ، وقيصر على من ملك الروم ؛ قيل : واسمه أسعد الحميري ، وكنى أبا كرب ؛ وذكر أبو حاتم الرياشي أنه آمن بالنبي صلى اللّه عليه وسلم قبل أن يبعث بسبعمائة سنة . وروي أنه لما آمن بالمدينة ، كتب كتاباً ونظم شعراً . أما الشعر فهو : شهدت على أحمد أنه

رسول من اللّه باري النسم

فلو مد عمري إلى عمره

لكنت وزيراً له وابن عم

وأما الكتاب ، فروى ابن اسحاق وغيره أنه كان فيه : أما بعد : فإني آمنت بك ، وبكتابك الذي أنزل عليك ، وأنا على

دينك وسنتك ، وآمنت بربك ورب كل شيء ، وآمنت بكل ما جاء من ربك من شرائع الإسلام ، فإن أدركتك فيها ونعمت ، وإن لم أدركك ، فاشفع لي ، ولا تنسني يوم القيامة ، فإني من أمتك الأولين ، وتابعتك قبل مجيئك ، وأنا على ملتك وملة أبيك إبراهيم عليه السلام . ثم ختم الكتاب ونقش عليه : للّه الأمر من قبل ومن بعد . وكتب عنوانه : إلى محمد بن عبد اللّه ، نبي اللّه ورسوله ، خاتم النبيين ، ورسول رب العالمين صلى اللّه عليه وسلم ، من تبع الأول .

ويقال : كان الكتاب والشعر عند أبي أيوب ، خالد بن زيد ، فلم يزل عنده حتى بعث النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وكانوا يتوارثونه كابراً عن كابر ، حتى أدّوه للنبي صلى اللّه عليه وسلم.

وعن ابن عباس : كان تبع نبياً ، وعنه لما أقبل تبع من الشرق ، بعد أن حير الحيرة وسمرقند ، قصد المدينة ، وكان قد خلف بها حين سافر ، فقتل غيلة ، فأجمع على خرابها واستئصال أهلها . فجمعوا له الأنصار ، وخرجوا لقتاله ، وكانوا يقاتلونه بالنهار ويقرونه بالليل . فأعجبه ذلك وقال : إن هؤلاء لكرام ، إذ جاءه كعب وأسد ، ابنا عم من قريظة جيران ، وأخبراه أنه يحال بينك وبين ما تريد ، فإنها مهاجر نبي من قريش اسمه محمد ، ومولده بمكة ، فثناه قولهما عما كان يريد . ثم دعواه إلى دينهما ، فاتبعهما وأكرمهما . وانصرفوا عن المدينة ، ومعهم نفر من اليهود ، فقال له في الطريق نفر من هذيل : يدلك على بيت فيه كنز من لؤلؤ وزبرجد وفضة بمكة ، وأرادت هذيل هلاكه ، لأنهم عرفوا أنه ما أراده أحد بسوء إلا هلك . فذكر ذلك للحبرين ، فقالوا : ما نعلم اللّه بيتاً في الأرض غير هذا ، فاتخذه مسجداً ، وانسك عنده ، واحلق رأسك ، وما أراد القوم إلا هلاكك . فأكرمه وكساه ، وهو أول من كسا البيت ؛ وقطع أيدي أولئك النفر من هذيل وأرجلهم ، وسمر أعينهم وصلبهم .

وقال قوم : ليس المراد بتبع رجلاً واحداً ، إنما المراد ملوك اليمن ، وكانوا يسمون التتابعة . والذي يظهر أنه أراد واحداً من هؤلاء ، تعرفه العرب بهذا الاسم أكثر من معرفة غيره به . وفي الحديث :  { لا تسبوا تبعاً فإنه كان مؤمناً } ، فهذا يدل على أنه واحد بعينه . قال الجوهري : التتابعة ملوك اليمن ، والتبع : الظل ، والتبع : ضرب من الطير . وقال أبو القاسم السهيلي : تبع لكل ملك اليمن ، والشحر حضرموت ، وملك اليمن وحده لا يسمى تبعاً ، قاله المسعودي . والخيرية الواقعة فيها التفاضل ، وكلا الصنفين لا خير فهم ، هي بالنسبة للقوة والمنعة ، كما قال : { أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مّنْ أُوْلَئِكُمْ } ؟ بعد ذكر آل فرعون في تفسير ابن عباس : أهم أشد أم قوم تبع ؟ وإضافة قوم إلى تبع دليل على أنه لم يكن مذهبهم .{ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } : إخبار عما فعل تعالى بهم ، وتنبيه على أن علة الإهلاك هي الإجرام ، وفي ذلك وعيد لقريش ، وتهديد أن يفعل بهم ما فعل بقوم تبع ومن قبلهم من مكذبي الرسل لإجرامهم ،

٣٨

انظر تفسير الآية:٤١

٣٩

انظر تفسير الآية:٤١

٤٠

انظر تفسير الآية:٤١

٤١

وما خلقنا السماوات . . . . .

ثم ذكر الدليل القاطع على صحة القول بالبعث ، وهو خلق العالم بالحق .

وقرأ الجمهور : { وَمَا بَيْنَهُمَا } من الجنسين ، وعبيد بن عميس : وما بينهن لاعبين . قال مقاتل : عابثين .

{مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقّ } : أي بالعدل ، يجازي المحسن والمسيء بما أراد تعالى من ثواب وعقاب .{ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أنه تعالى خلق ذلك ، فهم لا يخافون عقاباً ولا يرجون ثواباً . وقرىء : ميقاتهم ، بالنصب ، على أنه اسم إن ، والخبر يوم الفصل ، أي : إن يوم الفصل ميعادهم وجزاؤهم ، { يَوْمَ لاَ يُغْنِى مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً } يعم جميع الموالي من القرابة والعتاقة والصلة شيئاً من إغناء ، أي قليلاً منه :{ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } : جمع ، لأن عن مولى في سياق النفي فيعم ، فعاد على المعنى ، لا على اللفظ .

٤٢

إلا من رحم . . . . .

{إِلاَّ مَن رَّحِمَ اللّه } ، قال الكسائي : من رحم : منصوب على الاستثناء المنقطع ، أي لكن من رحمه اللّه لا ينالهم ما يحتاجون فيه من لعنهم من المخلوقين . قيل : ويجوز أن يكون الاستثناء متصلاً ، أي لا يغني قريب عن قريب إلا المؤمنين ، فإنه يؤذن لهم في شفاعة بعضهم لبعض . وقال الحوفي : ويجوز أن يكون بدلاً من مولى المرفوع ، ويكون يغني بمعنى ينفع .

وقال الزمخشري :{ مَن رَّحِمَ اللّه } ، في محل الرفع على البدل من الواو في { يُنصَرُونَ } ،أي لا يمنع من العذاب إلا من رحم اللّه

وقاله الحوفي قبله . { إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } : لا ينصر من عصاه ، الرحيم لمن أطاعه ومن عفا عنه .

٤٣

انظر تفسير الآية:٤٦

٤٤

انظر تفسير الآية:٤٦

٤٥

انظر تفسير الآية:٤٦

٤٦

إن شجرة الزقوم

{إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ } : قرىء بكسر الشين ، وتقدم الكلام فيها في سورة الصافات .{ طَعَامُ الاْثِيمِ } : صفة مبالغة ، وهو الكثير الآثام ، ويقال له : أثوم ، صفة مبالغة أيضاً ، وفسر بالمشرك . وقال يحيى بن سلام : المكتسب للإثم . وعن ابن زيدان : الأثيم هنا هو أبو جهل ،

وقيل : الوليد .{ كَالْمُهْلِ } : هو دردي الزيت ، أو مذاب الفضة ، أو مذاب النحاس ، أو عكر القطران ، أو الصديد ؛ أولها لابن عمر وابن عباس ، وآخرها لابن عباس . وقال الحسن : كالمهل ، بفتح الميم : لغة فيه . وعن ابن مسعود ، وابن عباس أيضاً : المهل : ما أذيب من ذهب ، أو فضة ، أو حديد ، أو رصاص .

وقرأ مجاهد ، وقتادة ، والحسن ، والابنان ، وحفص : يغلي ، بالياء ، أي الطعام . وعمرو بن ميمون ، وأبو رزين ، والأعرج ، وأبو جعفر ، وشيبة ، وابن محيصن ، وطلحة ، والحسن : في رواية ، وباقي السبعة : تغلي بالتاء ، أي الشجرة .{ كَغَلْىِ } : وهو الماء المسخن الذي يتطاير من غليانه .

٤٧

انظر تفسير الآية:٤٩

٤٨

انظر تفسير الآية:٤٩

٤٩

خذوه فاعتلوه إلى . . . . .

{خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ } ، يقال للزبانية : خذوه فاعتلوه ، أي سوقوه بعنف وجذب . وقال الأعمش : معنى اتعلوه : اقصفوه كما يقصف الحطب إلى سواء الجحيم . قال ابن عباس : وسطها . وقال الحسن : معظمها .

وقرأ الجمهور : فاعتلوه ، بكسر التاء ، وزيد بن علي ، والابنان ، ونافع : بضمها ؛ والخلاف عن الحسن ، وقتادة ، والأعرج ، وأبي عمرو .

{ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ } : وفي الحج يصيب من فوق رؤوسهم الحميم ، والمصبوب في الحقيقة هو الحميم ، فتارة اعتبرت الحقيقة ، وتارة اعتبرت الاستعارة ، لأنه أذم من الحميم ، فقد صب ما تولد عنه من الآلام والعذاب ، فعبر بالمسبب عن السبب ، لأن العذاب هو المسبب عن الحميم ، ولفظة العذاب أهول وأهيب .{ ذُقْ } : أي العذاب ، { إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ } ، وهذا على سبيل التهكم والهزء لمن كان يتعزز ويتكرم على قومه . وعن قتادة ، أنه لما نزلت :{ إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الاْثِيمِ } ، قال أبو جهل : أتهددني يا محمد ؟ وإن ما بين لابتيها أعز مني ولا أكرم ، فنزلت هذه الآية ، وفي آخرها :{ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ } ،أي على قولك ، وهذا كما قال جرير : ألم تكن في رسوم قد رسمت بها

من كان موعظة يا زهرة اليمن

يقولها لشاعر سمى نفسه به في قوله : أبلغ كليباً وأبلغ عنك شاعرها

إني الأعز وإني زهرة اليمن

فجاء به جرير على جهة الهزء . وقرىء : إنك ، بكسر الهمزة .

٥٠

إن هذا ما . . . . .

وقرأ الحسن بن علي بن أبي طالب على المنبر ، والكسائي بفتحها . { إِنَّ هَذَا } : أي الأمر ، أو العذاب ، { مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ } : أي تشكون .

٥١

انظر تفسير الآية:٥٣

٥٢

انظر تفسير الآية:٥٣

٥٣

إن المتقين في . . . . .

ولما ذكر حال الكفار أعقبه بحال المؤمنين فقال : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى مَقَامٍ أَمِينٍ}

وقرأ عبد اللّه بن عمر ، وزيد بن علي ، وأبو جعفر ، وشيبة ، والأعرج ، والحسن ، وقتادة ، ونافع ، وابن عامر : في مقام ، بضم الميم ؛ وأبو رجاء ، وعيسى ، ويحيى ، والأعمش ، وباقي السبعة : بفتحها ؛ ووصف المقام بالأمين ، أي يؤمن فيه من الغير ، فكأنه فعيل بمعنى مفعول ، أي مأمون فيه ، قاله ابن عطية .

وقال الزمخشري : الأمين ، من قولك : أمن الرجل أمانة ، فهو أمين ، وهو ضد الخائن ؛ فوصف به المكان استعارة ، لأن المكان المخيف كان يخوف صاحبه بما يلقى فيه من المكاره . وتقدم شرح السندس والإستبرق .

وقرأ ابن محيصن :{ وَإِسْتَبْرَقٍ } ، جعله فعلاً ماضياً .{ مُّتَقَابِلِينَ } : وصف لمجالس أهل الجنة ، لا يستدبر بعضهم بعضاً في المجالس .

٥٤

انظر تفسير الآية:٥٦

٥٥

انظر تفسير الآية:٥٦

٥٦

كذلك وزوجناهم بحور . . . . .

{كَذالِكَ } : أي الأمر كذلك .

وقرأ الجمهور :{ بِحُورٍ } ، وعكرمة : بغير تنوين ، لأن العين تقسمن إلى حور وغير حور ، فهؤلاء من حور العين ، لا من شهلن مثلاً .{ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا } : أي الخدم

والمتصرفين عليهم ،  { بِكلّ فَاكِهَةٍ } أرادوا إحضارها لديهم ، { ءامِنِينَ } من الأمراض والتخم .

{لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ}

وقرأ عبيد بن عمير : لا يذاقون ، مبنياً للمفعول .{ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الاْولَى } : هذا استثناء منقطع ، أي لكن الموتة الأولى ذاقوها في الدنيا ، وذلك تنبيه على ما أنعم به عليهم من الخلود السرمدي ، وتذكير لهم بمفارقة الدنيا الفانية إلى هذه الدار الباقية .

وقال الزمخشري :

فإن قلت : كيف استثنيت الموتة الأولى المذوقة قبل دخول الجنة من الموت المنفي ؟

قلت : أريد أن يقال : لا يذوقون فيها الموت البتة ، فوضع قوله :{ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الاْولَى } موضع ذلك ، لأن الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل ، فإنهم يذوقونها . و

قال ابن عطية : قدر قوم إلاّ بسوى ، وضعف ذلك الطبري وقدرها ببعد ، وليس تضعيفه بصحيح ، بل يصح المعنى بسوى ويتسق .

وأما معنى الآية ، فتبين أنه نفى عنهم ذوق الموت ، وأنه لا ينالهم من ذلك غير ما تقدم في الدنيا .

وقرأ أبو حيوة :{ وَوَقَاهُمْ } ، مشدداً بالقاف ،

٥٨

انظر تفسير الآية:٥٩

٥٩

فإنما يسرناه بلسانك . . . . .

والضمير في { يَسَّرْنَاهُ } عائد على القرآن ؛ و { بِلَسَانِكَ } : بلغتك ، وهي لغة لعرب .{ فَارْتَقِبْ } النصر الذي وعدناك { إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ } فيما يظنون الدوائر عليك وفيها وعد له عليه السلام ووعيد لهم ومتاركة منسوخة بآيات السيف .

﴿ ٠