٣

والكتاب المبين

الدخان : معروف ، وقال أبو عبيدة : والدخان : الجدب . قال القتبي : سمي دخاناً ليبس الأرض منه ، حتى يرتفع منها كالدخان ، وقياس جمعه في القلة : أدخنة ، وفي الكثرة : دخنان ، نحو : غراب وأغربة وغربان . وشذوا في جمعه على فواعل فقالوا : دواخن ، كأنه جمع داخنة تقديراً ، كما شذوا في عثان قالوا : عواثن . رها البحر ، يرهو رهواً : سكن . يقال جاءت الخيل رهواً : أي ساكنة . قال الشاعر : والخيل تمزع رهواً في أعنتها

كالطير ينجو من الشرنوب ذي البرد

ويقال : افعل ذلك رهواً : أي ساكناً على هينتك . وقال ابن الأعرابي : رها في السير . قال القطامي في نعت الركاب : يمشين رهواً فلا الإعجاز خاذلة

ولا الصدور على الإعجاز تتكل

وقال الليث : عيش راه : وارع خافض . وقال غيره : الرهو والرهوة : المكان المرتفع والمنخفض يجتمع فيه الماء ، وهو من الأضداد ؛ والجمع : رها . والرهو : المرأة الواسعة الهن ، حكاه النضر بن شميل . والرهو : ضرب من الطير ، يقال هو الكركي . وقال أبو عبيدة : رها الرجل يرهو رهواً : فتح بين رجليه . المهل : دردي الزيت وعكره . عتله : ساقه يعنف ودفع وإهانة . والمعتل : الجافي الغليظ .

هذه السورة مكية ، قيل : إلا قوله :{ إِنَّا كَاشِفُواْ الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} ومناسبة هذه السورة أنه ذكر في أواخر ما قبلها :{ فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّى يُلَاقُواْ يَوْمَهُمُ الَّذِى يُوعَدُونَ } ، فذكر يوماً غير معين ، ولا موصوفاً . فبين في أوائل هذه السورة ذلك اليوم ، بوصف وصفه فقال :{ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } ، وأن العذاب يأتيهم من قبلك ، ويحل بهم من الجدب والقحط ، ويكون العذاب في الدنيا ، وإن كان العذاب في الآخرة ، فيكون يومهم الذي يوعدون يوم القيامة . والظاهر أن الكتاب المبين هو القرآن ، أقسم به تعالى . ويكون الضمير في أنزلناه عائداً عليه . قيل : ويجوز أن يراد به الكتب الإلهية المنزلة ، وأن يراد به اللوح المحفوظ ، وجواب القسم .

وقال الزمخشري وغيره : قوله :{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ } ، على أن الكتاب هو القرآن ، ويكون قد عظمه تعالى بالإقسام به . و

قال ابن عطية : لا يحسن وقوع القسم عليه ، أي على إنا أنزلناه ، وهو اعتراض يتضمن تفخيم الكتاب ، ويكون الذي وقع عليه القسم { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} انتهى . قال قتادة ، وابن زيد ، والحسن : الليلة المباركة : ليلة القدر . وقالوا : كتب اللّه كلها إنما نزلت في رمضان ؛ التوراة في أوله ، والإنجيل في وسطه ، والزبور في نحو ذلك ، والقرآن في آخره ، في ليلة القدر ؛ ويعني ابتداء نزوله كان في ليلة القدر .

وقيل : أنزل جملة ليلة القدر إلى البيت المعمور ، ومن هناك كان جبريل يتلقاه . وقال عكرمة وغيره : هي ليلة النصف من شعبان ، وقد أوردوا فيها أحاديث . وقال الحافظ أبو بكر بن العربي : لا يصح فيها شيء ، ولا في نسخ الآجال فيها .

إنا كنا منذرين : أي مخوفين .

قال الزمخشري :

فإنقلت :{ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } ، ما موقع هاتين الجملتين ؟

قلت : هما جملتان مستأنفتان ملفوفتان ، فسر بهما جواب القسم الذي هو قوله تعالى :{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } ، كأنه قيل : أنزلناه ، لأن من شأننا الإنذار والتحذير من العقاب . وكان إنزالنا إياه في هذه الليلة خصوصاً ، لأن إنزال القرآن من الأمور المحكمة ، وهذه الليلة مفرق كل أمر حكيم ، والمباركة : الكثيرة الخير ، لما ينتج اللّه فيها من الأمور التي تتعلق بها منافع العباد في دينهم ودنياهم ، ولو لم يوجد فيها إلا إنزال القرآن وحده ، لكفى به بركة . انتهى .

﴿ ٣