٢

الذين كفروا وصدوا . . . . .

البال : الفكر ، تقول : خطر في بالي كذا ، ولا يثني ولا يجمع ، وشذ قولهم : بالات في جمعه . تعس الرجل ، بفتح العين ، تعساً : ضد تنعش ، وأتعسه اللّه . قال مجمع بن هلال : تقول وقد أفردتها من حليلها

تعست كما أتعستني يا مجمع

وقال قوم ، منهم عمرو بن شميل ، وأبو الهيثم : تعس ، بكسر العين . وعن أبي عبيدة : تعسه اللّه وأتعسه : في باب فعلت

وأفعلت . وقال ابن السكيت : التعس : أن يجر على الوجه ، والنكس : أن يجر على الرأس . وقال هو أيضاً ، وثعلب : التعس : الهلاك . وقال الأعشى : بذات لوث عفرناة إذا عثرت

فالتعس أولى لها من أن أقول لعا

آسن : الماء تغير ريحه ، يأسن ويأسن ؛ ذكره ثعلب في الفصيح ، والمصدر : أسون وأسن ؛ بكسر السين . يأسن ، بفتحها ، لغة أسنا ، قاله اليزيدي . وأسن الرجل ، بالكسر لا غير : إذا دخل البئر ، فأصابته ريح من ريح البئر ، فغشي عليه ، أو دار رأسه . قال الشاعر : قد أترك القرن مصفراً أنامله

يميد في الريح ميداً الأسن

الأشراط : العلامات ، واحدها شرط ، بسكون الراء وبفتحها . قال أبو الأسود : فإن كنت قد أزمعت بالصرم بيننا

فقد جعلت أشراط أوله تبدو

وأشرط الرجل نفسه : ألزمها أموراً . قال أوس بن حجر : فأشرط فيها نفسه وهو معصم

فألقى بأسباب له وتوكلا

العسل : معروف ، وعسل بن ذكوان رجل نحوي قديم . المعي : مقصور ، وألفه منقلبة عن ياء ، يدل عليه تثنيته معيان ، بقلب الألف ياء . والمعي : ما في البطن من الحوايا . القفل : معروف ، وأصله اليبس والصلابة . والقفل والقفيل : ما يبس من الشجر . والقفيل أيضاً : نبت ، والقفيل : السوط ؛ وأقفله الصوم : أيبسه ، قاله الجوهري . آيفاً وآنفاً : هما اسما فاعل ، ولم يستعمل فعلهما ، والذي استعمل ائتنف ، وهما بمعنى مبتديا ، وتفسيرهما بالساعة تفسير معنى . وقال الزجاج : هو من استأنفت الشيء ، إذا ابتدأته . فأولى لهم ، قال صاحب الصحاح : قول العرب أولى لك : تهديد وتوعيد ، ومنه قول الشاعر : فأولى ثم أولى ثم أولى

وهل للدار يحلب من مرد

انتهى . واختلفوا ، أهو اسم أو فعل ؟ فذهب الأصمعي إلى أنه بمعنى قاربه ما يهلكه ، أي نزل به ، وأنشد : تعادى بين هاديتين منها

وأولى أن يزيد على الثلاث

أي : قارب أن يزيد . قال ثعلب : لم يقل أحد في أولى أحسن مما قال الأصمعي . وقال المبرد : يقال لمن هم

بالعطب ، كما روي أن أعرابياً كان يوالي رمي الصيد فينفلت منه فيقول : أولى لك رمي صيداً فقاربه ثم أفلت منه ، وقال : فلو كان أولى يطعم القوم صيدهم ولكن أولى يترك القوم جوّعا

والأكثرون على أنه اسم ، فقيل : هو مشتق من الولي ، وهو القرب ، كما قال الشاعر :

تكلفني ليلى وقد شط وليها

وعادت عواد بيننا وخطوب

وقال الجرجاني : هو ما حول من الويل ، فهو أفعل منه ، لكن فيه قلب . الضغن والضغينة : الحقد . قال عمرو بن كلثوم :

فإن الضغن بعد الضغن يغشو

عليك ويخرج الداء الدفينا

وقد ضغن بالكسر ، وتضاغن القوم وأضغنوا : بطنوا الأحقاد . وقد ضغن عليه ، وأضغنت الصبي : أخذته تحت حضنك ، وأنشد الأحمر :

كأنه مضغن صبيا

وقال ابن مقبل :

ما اضطغنت سلاحي عند معركها

وفرس ضاغن : لا يعطي ما عنده من الجري إلا بالضرب . وأصل الكلمة من الضغن ، وهو الالتواء والاعوجاج في قوائم الدابة والقناة وكل شيء . وقال بشر :

كذات الضغن تمشي في الزقاق

وأنشد الليث :

إن فتاتي من صليات القنا

ما زادها التثقيف إلا ضغنا

والحقد في القلب يشبه به . وقال قطرب :

والليث أضغن العداوة

قال الشاعر : قل لابن هند ما أردت بمنطق

نشأ الصديق وشيد الأضغانا

لحنت له : بفتح الحاء ، ألحن لحناً : قلت له قولاً يفهمه عنك ويخفى عن غيره ؛ ولحنه هو بالكسر : فهمه ؛ وألحنه : فهمه ؛ وألحنته أنا إياه ولاحنت الناس : فاطنتهم . وقال الشاعر : منطق صائب ويلحن أحيا

نا وخير الحديث ما كان لحنا

وقال القتال الكلابي : ولقد وميت لكم لكيما تفهموا

ولحنت لحناً ليس بالمرتاب

وقيل : لحن القول : الذهاب عن الصواب ، مأخوذ من اللحن في الإعراب . وتره : نقصه ، مأخوذ من الدخل .

وقيل من الوتر ، وهو الفرد .

{الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّه أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَءامَنُواْ بِمَا نُزّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ذَلِكَ}

هذه السورة مدنية عند الأكثر . وقال الضحاك ، وابن جبير ، والسدي : مكية . و

قال ابن عطية : مدنية بإجماع ، وليس كما قال ،

وعن ابن عباس ، وقتادة : أنها مدنية ، إلا آية منها نزلت بعد حجة ، حين خرج من مكة وجعل ينظر إلى البيت ، وهي :{ وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ } الآية . ومناسبة أولها لآخر ما قبلها واضحة جداً .

{الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّه} : أي أعرضوا عن الدخول في الإسلام ، أو صدوا غيرهم عنه ، وهم أهل مكة الذين أخرجوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. قال ابن عباس : وهم المطعمون يوم بدر . وقال مقاتل : كانوا اثني عشر رجلاً من أهل الشرك ، يصدون الناس عن الإسلام ويأمرونهم بالكفر ،

وقيل : هم أهل الكتاب ، صدوا من أراد منهم ومن غيرهم أن يدخل في الإسلام . وقال الضحاك :{ عَن سَبِيلِ اللّه } : عن بيت اللّه ، يمنع قاصديه ، وهو عام في كل من كفر وصد .{ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } : أي أتلفها ، حيث لم ينشأ عنها خير ولا نفع ، بل ضرر محض .

وقيل : نزلت هذه الآية ببدر ، وأن الإشارة بقوله :{ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } إلى الاتفاق الذي اتفقوه في سفرهم إلى بدر .

وقيل : المراد بالأعمال : أعمالهم البرة في الجاهلية ، من صلة رحم وفك عان ونحو ذلك ؛ واللفظ يعم جميع ذلك .

{وَالَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ } : هم الأنصار . وقال مقاتل : ناس من قريش .

وقيل : مؤمنو أهل الكتاب .

وقيل : هو عام ؛ وعلى تقدير خصوص السبب في القبيلتين ، فاللفظ عام يتناول كل كافر وكل مؤمن .{ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَءامَنُواْ } : تخصيصه من بين ما يجب الإيمان به ، تعظيم لشأن الرسول ، وإعلام بأنه لا يصح الإيمان ولا يتم إلا به . وأكد ذلك بالجملة الأعتراضية التي هي :{ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبّهِمْ}

وقيل :{ وَهُوَ الْحَقُّ } : ناسخ لغيره ولا يرد عليه النسخ .

وقرأ الجمهور

نزل مبنياً للمفعول ؛ وزيد بن علي ، وابن مقسم : نزل مبنياً للفاعل ؛ والأعمش : أنزل معدى بالهمزة مبنياً للمفعول . وقرىء : نزل ثلاثياً . { كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } : أي حالهم ، قاله قتادة ؛ وشأنهم ، قاله مجاهد ؛ وأمرهم ، قاله ابن عباس . وحقيقة لقظ البال أنها بمعنى الفكر ، والموضع الذي فيه نظر الإنسان وهو القلب . فإذا صلح ذلك ، فقد صلحت حاله ، فكأن اللفظ مشير إلى صلاح عقيدتهم ، وغير ذلك من الحال تابع .

﴿ ٢