سورة الطور

مكية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

والطور

الرق ، بالفتح والكسر : جلد رقيق يكتب فيه ، وجمعه رموق . والرق بالكسر : المملوك . مار الشيء : ذهب وجاء . وقال الأخفش : وأبو عبيدة : تكفأ ، وأنشد الأعشى : كأن مشيتها من بين جارتها

مر السحابة لا ريث ولا عجل

ويروى : مرو السحابة . الدع : الدفع في الضيق بشدّة وإهانة . السموم : الريح الحارة التي تدخل المسام ،

ويقال : سم يومنا فهو مسموم ، والجمع سمائم . وقال ثعلب : شدّة الحر ، أو شدّة البرد في النهار . وقال أبو عبيدة : السموم بالنهار ، وقد يكون بالليل ؛ والحرور بالليل ، وقد يكون بالنهار . وقد يستعمل السموم في لفح البرد ، وهو في لفح الحر والشمس أكثر . المنون : الدهر ، وريبه : حوادثه .

وقيل : اسم للموت . المسيطر : المتسلط .

وحكى أبو عبيدة : سطرت عليّ ، إذا اتخذتني خولاً ، ولم يأت في كلام العرب اسم على مفيعل إلا خمسة : مهيمن ومحيمر ومبيطر ومسيطر ومبيقر . فالمحيمر اسم جبل ، والبواقي أسماء فاعلين ، واللّه تعالى أعلم .

هذه السورة مكية . ومناسبتها لآخر ما قبلها ظاهرة ، إذ في آخر تلك :{ فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ } ، وقال هنا :{ إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ}

الطور : الجبل ، والظاهر أنه اسم جنس ، لا جبل معين ، وفي الشأم جبل يسمى الطور ، وهو طور سيناء . فقال نوف البكالي : إنه الذي أقسم اللّه به لفضله على الجبال . قيل : وهو الذي كلم اللّه عليه موسى ، عليه الصلاة والسلام .

٢

وكتاب مسطور

والكتاب المسطور : القرآن ، أو المنتسخ من اللوح المحفوظ ، أو التوراة ، أو هي الإنجيل والزبور ، أو الكتاب الذي فيه أعمال الخلق ، أو الصحف التي تعطى يوم القيامة بالإيمان والشمائل ، أقوال آخرها للفراء ، ولا ينبغي أن يحمل شيء منها على التعيين ، إنما تورد على الاحتمال .

٣

في رق منشور

وقرأ أبو السمال : في رِق ، بكسر الراء ،  { مَّنْشُورٍ } : أي مبسوط .

وقيل : مفتوح لا ختم عليه .

وقيل : منشور لائح .

وعن ابن عباس : منشور ما بين المشرق والمغرب .

٤

والبيت المعمور

{وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ } ، قال علي وابن عباس وعكرمة : هو بيت في السماء

مسامت الكعبة يقال له الضراح ، والضريح أيضاً ، وهو الذي ذكر في حديث الإسراء ، قال جبريل : هذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم . وقال مجاهد وقتادة وابن زيد : في كل سماء بيت معمور ، وفي كل أرض كذلك . وسأل ابن الكوا علياً ، رضي اللّه تعالى عنه فقال : بيت فوق سبع سموات تحت العرش يقال له الضراح . وقال الحسن : البيت المعمور : الكعبة ، يعمره اللّه كل سنة بستمائة ألف ، فإن عجز من الناس أتمه اللّه بالملائكة .

٥

والسقف المرفوع

{وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ } : السماء ، قال ابن عباس : هو العرش ، وهو سقف الجنة .

٦

والبحر المسجور

{وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ } ، قال مجاهد وشمر بن عطية والضحاك ومحمد بن كعب والأخف ٥ : هو البحر الموقد ناراً . وروي أن البحر هو جهنم . وقال قتادة : البحر المسجور : المملوء ، وهذا معروف من اللغة ، ورجحه الطبري بوجود ماء البحر كذلك ، ولا ينافي ما قاله مجاهد ، لأن سجرت التنور معناه : ملأته بما يحترق .

وقال ابن عباس : المسجور : الذي ذهب ماؤه . وروى ذو الرمة الشاعر ، عن ابن عباس قال : خرجت أمة لتستقي ، فقالت : إن الحوض مسجور : أي فارغ ، وليس لذي الرمة حديث إلا هذا ، فيكون من الأضداد . ويروى أن البحار يذهب ماؤها يوم القيامة .

وقال ابن عباس أيضاً : المسجور : المحبوس ، ومنه ساجور الكلب : وهي القلادة من عود أو حديد تمسكه ، ولولا أن البحر يمسك ، لفاض على الأرض . وقال الربيع : المسجور : المختلط العذب بالملح .

وقيل : المفجور ، ويدل عليه :{ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجّرَتْ} والجمهور : على أن البحر المقسم به هو بحر الدنيا ، ويؤيده :{ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجّرَتْ} وعن علي وابن عمر : أنه في السماء تحت العرش فيه ماء غليظ يقال له بحر الحياة ، يمطر العباد منه بعد النفخة الأولى أربعين صباحاً ، فينبتون في قبورهم . وقال قتيبة بن سعيد : هو جهنم ، وسماها بحراً لسعتها وتموجها . كما جاء في الفرس : وإن وجدناه لبحراً . قيل : ويحتمل أن تكون الجملة في القسم بالطور والبحر والبيت ، لكونها أماكن خلوة مع اللّه تعالى ، خاطب منها ربهم رسله .

فالطور ، قال فيه موسى :{ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ } ، والبيت المعمور لمحمد صلى اللّه عليه وسلم ، والبحر المسجور ليونس ، قال :{ لاَّ إِلَاهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ } ، فشرفت هذه الأماكن بهذه الأسباب . والقسم بكتاب مسطور ، لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كان لهم مع اللّه في هذه الأماكن كلام . واقترانه بالطور دل على ذلك . والقسم بالسقف المرفوع لبيان رفعة البيت المعمور . انتهى . ونكر وكتاب ، لأنه شامل لكل كتاب أنزله اللّه شمول البدل ، ويحتمل أن يكون شمول العموم ، كقوله :{ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ} وكونه في رق ، يدل على ثبوته ، وأنه لا يتخطى الرؤوس . ووصفه بمنشور يدل على وضوحه ، فليس كالكتاب المطوي الذي لا يعلم ما انطوى عليه ، والمنشور يعلم ما فيه ، ولا يمنع من مطالعة ما تضمنه ؛ والواو الأولى واو القسم ، وما بعدها للعطف .

٧

إن عذاب ربك . . . . .

والجملة المقسم عليها هي قوله : { إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ} وفي إضافة العذاب لقوله :{ رَبَّكَ } لطيفة ، إذ هو المالك والناظر في مصلحة العبد

فبالإضافة إلى الرب ، وإضافته لكاف الخطاب أمان له صلى اللّه عليه وسلم ؛ وإن العذاب لواقع هو بمن كذابه ، ولواقع على الشدة ، وهو أدل عليها من لكائن . ألا ترى إلى قوله : { إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ } ، وقوله :{ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ } ، كأنه مهيأ في مكان مرتفع فيقع على من حل به ؟ وعن جبير بن مطعم : قدمت المدينة لأسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في أسارى بدر ، فوافيته يقرأ في صلاة المغرب :{ وَالطُّورِ } إلى { إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } ، فكأنما صدع قلبي ، فأسلمت خوفاً من نزول العذاب ، وما كنت أظن أن أقوم من مقامي حتى يقع بي العذاب .

وقرأ زيد بن علي : واقع بغير لام . قال قتادة : يريد عذاب الآخرة للكفار ، أي لواقع بالكفار .

ومن غريب ما يحكى أن شخصاً رأى في النوم في كفه مكتوباً خمس واوات ، فعبر له بخير ، فسأل ابن سيرين ، فقال : تهيأ لما لا يسر ، فقال له : من أين أخذت هذا ؟ فقال : من قوله تعالى :{ وَالطُّورِ } إلى { إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ } ، فما مضى يومان أو ثلاثة حتى أحيط بذلك الشخص . وانتصب يوم بدافع ، قاله الحوفي ، وقال مكي : لا يعمل فيه واقع ، ولم يذكر دليل المنع .

وقيل : هو منصوب بقوله :{ لَوَاقِعٌ } ،

٨

ما له من . . . . .

وينبغي أن يكون { مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } على هذا جملة اعتراض بين العامل والمعمول .

٩

يوم تمور السماء . . . . .

قال ابن عباس : { تَمُورُ } : تضطرب . وقال أيضاً : تشقق . وقال الضحاك : يموج بعضها في بعض .

١٠

وتسير الجبال سيرا

وقال مجاهد : تدور . { وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً } ، هذا في أول الأمر ، ثم تنسف حتى تصير آخراً{ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ}

١١

انظر تفسير الآية:١٢

١٢

فويل يومئذ للمكذبين

{فَوَيْلٌ } : عطف على جملة تتضمن ربط المعنى وتأكيده ، والخوض : التخبط في الباطل ، وغلب استعماله في الاندفاع في الباطل .

١٣

يوم يدعون إلى . . . . .

{يَوْمَ يُدَعُّونَ } ، وذلك أن خزنة جهنم يغلون أيدي الكفار إلى أعناقهم ، ويجمعون نواصيهم إلى أقدامهم ، ويدفعونهم إلى النار دفعاً على وجوههم وزجاً في أقفيتهم .

وقرأ علي وأبو رجاء والسلمي وزيد بن علي : يدعون ، بسكون الدال وفتح العين : من الدعاء ، أي يقال لهم : هلموا إلى النار ، وادخلوها { دَعًّا } : مدعوعين ،

١٤

هذه النار التي . . . . .

يقال لهم : { هَاذِهِ النَّارُ} لما قيل لهم ذلك ، وقفوا بعد ذلك على الجهتين اللتين يمكن دخول الشك في أنها النار ،

١٥

أفسحر هذا أم . . . . .

وهي : إما أن يكون سحر يلبس ذات المرئي ،

وإما أن يكون في نظر الناظر اختلال ، فأمرهم بصليها على جهة التقريع .

١٦

اصلوها فاصبروا أو . . . . .

ثم قيل لهم على قطع رجائهم : { فَاصْبِرُواْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَاء عَلَيْكُمْ } : عذابكم حتم ، فسواء صبركم وجزعكم لا بد من جزاء أعمالكم ، قاله ابن عطية .

وقال الزمخشري :{ أَفَسِحْرٌ هَاذَا } ، يعني كنتم تقولون للوحي : هذا سحر . .{ أَفَسِحْرٌ هَاذَا } ، يريد : أهذا المصداق أيضاً سحر ؟ ودخلت الفاء لهذا المعنى .{ أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ } : كما كنتم لا تبصرون في الدنيا ، يعني : أم أنتم عمي عن المخبر عنه ، كما كنتم عمياً عن الخبر ؟ وهذا تقريع وتهكم .

فإن قلت : لم علل استواء الصبر وعدمه بقوله :{ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ؟

قلت : لأن الصبر إنما يكون له مزية على الجزع لنفعه في العاقبة ، وبأن يجازى عليه الصابر جزاء الخير . فأما الصبر على العذاب ، الذي هو الجزاء ولا عاقبة له ولا منفعة ، فلا مزية له على الجزع . انتهى . وسحر : خبر مقدم ، وهذا : مبتدأ ، وسواء : مبتدأ ، والخبر محذوف ، أي الصبر والجزع . وقال أبو البقاء : خبر مبتدأ محذوف ، أي صبركم وتركه سواء .

١٧

انظر تفسير الآية:١٨

١٨

إن المتقين في . . . . .

ولما ذكر حال الكفار ، ذكر حال المؤمنين ، ليقع الترهيب والترغيب ، وهو إخبار عن ما يؤول إليه حال المؤمنين ، أخبروا بذلك . ويجوز أن يكون من جملة القول للكفار ، إذ ذلك زيادة في غمهم وتنكيد لهم ، والأول أظهر .

وقرأ الجمهور : فكهين ، نصباً على الحال ، والخبر في { جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ}

وقرأ خالد : بالرفع على أنه خبر إن ، وفي جنات متعلق به . ومن أجاز تعداد الخبر ، أجاز أن يكونا خبرين .{ وَوَقَاهُمْ } معطوف على { فِي جَنَّاتِ } ، إذ المعنى : استقروا في جنات ، أو على { ءاتَاهُمُ } ، وما مصدرية ، أي فكهين بإيتائهم ربهم النعيم ووقايتهم عذاب الجحيم . وجوز أن تكون الواو في ووقاهم واو الحال ، ومن شرط قد في الماضي ، قال : هي هنا مضمرة ، أي وقد وقاهم .

وقرأ أبو حيوة : ووقاهم ، بتشديد القاف .

١٩

كلوا واشربوا هنيئا . . . . .

{كُلُواْ وَاشْرَبُواْ } على إضمار القول : أي يقال لهم :{ هَنِيئَاً}

قال الزمخشري : أكلاً وشرباً هنيئاً ، أو طعاماً وشراباً هنيئاً ، وهو الذي لا تنغيص فيه . ويجوز أن يكون مثله في قوله :

هنيئاً مريئاً غير داء مخامر

لعزة من أعراضنا ما استحلت

أعني : صفة استعملت استعمال المصدر القائم مقام الفعل ، مرتفعاً به ما استحلت ، كما يرتفع بالفعل ، كأنه قيل : هنا عزة المستحل من أعراضنا . وكذلك معنى هنيئاً ههنا : هنأكم الأكل والشرب ، أو هنأكم ما كنتم تعملون ، أي جزاء ما كنتم تعملون ، والباء مزيدة كما في : { كَفَى بِاللّه } ، والباء متعلقة بكلوا واشربوا ، إذا جعلت الفاعل الأكل والشرب . انتهى . وتقدم لنا الكلام مشبعاً على { هَنِيئَاً } في سورة النساء .

وأما تجويزه زيادة الباء ، فليست زيادتها مقيسة في الفاعل ، إلا في فاعل كفى على خلاف فيها ؛ فتجويز زيادتها في الفاعل هنا لا يسوغ .

وأما قوله : إن الباء تتعلق بكلوا واشربوا ، فلا يصح إلا على الأعمال ، فهي تتعلق بأحدهما .

٢٠

متكئين على سرر . . . . .

وانتصب { مُتَّكِئِينَ } على الحال . قال أبو البقاء : من الضمير في { كُلُواْ } ،أو من الضمير في { وَوَقَاهُمْ } ،أو من الضمير في { ءاتَاهُمُ } ،أو من الضمير في { فَاكِهِينَ } ،أو من الضمير في الظرف . انتهى . والظاهر أنه حال من الظرف ، وهو قوله :{ فِي جَنَّاتِ}

وقرأ أبو السمال : على سرر ، بفتح الراء ، وهي لغة لكلب في المضعف ، فراراً من توالي ضمتين مع التضعيف .

وقرأ عكرمة :{ بِحُورٍ عِينٍ } على الإضافة .

٢١

والذين آمنوا واتبعتهم . . . . .

والظاهر أن قوله : { وَالَّذِينَ ءامَنُواْ } مبتدأ ، وخبره { ألحقناه} وأجاز أبو البقاء أن يكون { مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ } في موضع نصب على تقدير : وأكرمنا الذين آمنوا . ومعنى الآية ، قال الجمهور وابن عباس وابن جبير وغيرهما : أن المؤمنين الذين اتبعتهم ذريتهم في الإيمان يكونون في مراتب آبائهم ، وإن لم يكونوا في التقوى والأعمال مثلهم كرامة لآبائهم . فبإيمان متعلق بقوله :{ وَأَتْبَعْنَاهُم} وروى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : { إن اللّه ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته وإن كان لم يبلغها بعمله ليقر بها عينه } ثم قرأ الآية .

وقال ابن عباس والضحاك : إن اللّه تعالى يلحق الأبناء الصغار ، وإن لم يبلغوا الإيمان بأحكام الآباء المؤمنين . انتهى . فيكون بإيمان متعلقاً بألحقنا ، أي ألحقنا بسبب الإيمان الآباء بهم ذرياتهم ، وهم الصغار الذين ماتوا ولم يبلغوا التكليف ، فهم في الجنة مع آبائهم ، وإذا كان أبناء الكفار ، الذين لم يبلغوا حدّ التكليف في الجنة ، كما ثبت في صحيح البخاري ، فأحرى أولاد المؤمنين . وقال الحسن : الآية في الكبار من الذرية . وقال منذر بن سعيد هي في الصغار لا في الكبار .

وعن ابن عباس أيضاً : الذين آمنوا : المهاجرون والأنصار ، والذرية : التابعون . وعنه أيضاً : إن كان الآباء أرفع درجة ، رفع اللّه الأبناء إليهم ، فالآباء داخلون في اسم الذرية . وقال النخعي : المعنى : أعطيناهم أجورهم من غير نقص ، وجعلنا ذريتهم كذلك .

وقال الزمخشري : { وَالَّذِينَ ءامَنُواْ } ، معطوف على حور عين . أي قرناهم بالحور العين ؛ وبالذين آمنوا : أي بالرفقاء والجلساء منهم ، كقوله تعالى :{ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } ، فيتمتعون تارة بملاعبة الحور ، وتارة بمؤانسة الإخوان المؤمنين ، وأتبعناهم ذرياتهم . ثم ذكر حديث ابن عباس ، ثم قال : فيجمع اللّه لهم أنواع السرور بسعادتهم في أنفسهم ، وبمزاوجة الحور العين ، وبمؤانسة الإخوان المؤمنين ، وباجتماع أولادهم بهم ونسلهم . ثم قال : بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم : أي بسبب إيمان عظيم رفيع المحل ، وهو إيمان الآباء ، ألحقنا بدرجاتهم ذريتهم ، وإن كانوا لا يستأهلونها ، تفضلاً عليهم وعلى آبائهم ، لنتم سرورهم ونكمل نعيمهم .

فإن قلت : ما معنى تنكير الإيمان ؟

قلت : معناه الدلالة على أنه إيمان خاص عظيم المنزلة . ويجوز أن يراد إيمان الذرية الداني المحل ، كأنه قال : بشيء من الإيمان لا يؤهلهم لدرجة الآباء ألحقناهم بهم . انتهى .

ولا يتخيل أحد أن { وَالَّذِينَ } معطوف على { بِحُورٍ عِينٍ } غير هذا الرجل ، وهو تخيل أعجميّ مخالف لفهم العربي القح ابن عباس وغيره . والأحسن من هذه الأقوال قول ابن عباس ، ويعضده الحديث الذي رواه ، لأن الآيات كلها في صفة إحسان اللّه تعالى إلى هل الجنة . وذكر من جملة إحسانه أنه يرعى

المحسن في المسيء . ولفظة { أَلْحَقْنَا } تقتضي أن للملحق بعض التقصير في الأعمال .

وقرأ أبو عمرو : وأتبعناهم ؛ وباقي السبعة : واتبعتهم ؛ وأبو عمرو : وذرياتهم جمعاً نصباً ؛ وابن عامر : جمعاً رفعاً ؛ وباقي السبعة : مفرداً ؛ وابن جبير : وأتبعناهم ذريتهم ، بالمدّ والهمز .

وقرأ الجمهور :{ أَلَتْنَاهُمْ } ، بفتح اللام ، من ألات ؛ والحسن وابن كثير : بكسرها ؛ وابن هرمز : آلتناهم ، بالمد من آلت ، على وزن أفعل ؛ وابن مسعود وأبي : لتناهم من لات ، وهي قراءة طلحة والأعمش ؛ ورويت عن شبل وابن كثير ، وعن طلحة والأعمش أيضاً : لتناهم بفتح اللام . قال سهل : لا يجوز فتح اللام من غير ألف بحال ، وأنكر أيضاً آلتناهم بالمد ، وقال : لا يروى عن أحد ، ولا يدل عليها تفسير ولا عربية ، وليس كما ذكر ، بل قد نقل أهل اللغة آلت بالمد ، كما قرأ ابن هرمز . وقرىء : وما ولتناهم ، ذكره ابن هارون . قال ابن خالويه : فيكون هنا الحرف من لات يليت ، وولت يلت ، وألت يألت ، وألات يليت ، ويؤلت ، وكلها بمعنى نقص .

ويقال : ألت بمعنى غلظ . وقام رجل إلى عمر رضي اللّه عنه فوعظه ، فقال رجل : لا تألت أمير المؤمنين ، أي لا تغلظ عليه . والظاهر أن الضمير في ألتناهم عائد على المؤمنين . والمعنى : أنه تعالى يلحق المقصر بالمحسن ، ولا ينقص المحسن من أجر شيئاً ، وهذا تأويل ابن عباس وابن جبير والجمهور . وقال أبي زيد : الضمير عائد على الأبناء .{ مّنْ عَمَلِهِم } : أي الحسن والقبيح ، ويحسن هذا الاحتمال قوله :{ كُلُّ امْرِىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } : أي مرتهن وفيه ،

٢٢

وأمددناهم بفاكهة ولحم . . . . .

{وَأَمْدَدْنَاهُم } : أي يسرنا لهم شيئاً فشيئاً حتى يكر ولا ينقطع .

٢٣

يتنازعون فيها كأسا . . . . .

{يَتَنَازَعُونَ فِيهَا } أي يتعاطون ، قال الأخطل : نازعته طيب الراح الشمول وقد

صاح الدجاج وحانت وقعة الساري

أو يتنازعون : يتجاذبون تجاذب ملاعبة ، إذ أهل الدنيا لهم في ذلك لذة ، وكذلك في الجنة .

وقرأ الجمهور :{ لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ } ، برفعهما ؛ وابن كثير ، وأبو عمرو : بفتحهما ، واللغو : السقط من الكلام ، كما يجري بين شراب الخمر في الدنيا . والتأثيم : الإثم الذي يلحق شارب الخمر في الدنيا .

٢٤

ويطوف عليهم غلمان . . . . .

{غِلْمَانٌ لَّهُمْ } : أي مماليك .{ مَّكْنُونٌ } : أي في الصدف ، لم تنله الأيدي ، قاله ابن جبير ، وهو إذ ذاك رطب ، فهو أحسن وأصفى . ويجوز أن يراد بمكنون : مخزون ، لأنه لا يخزن إلا الغالي الثمن .

٢٥

انظر تفسير الآية:٢٧

٢٧

وأقبل بعضهم على . . . . .

والظاهر أن التساؤل هو في الجنة ، إذ هذه كلها معاطيف بعضها على بعض ، أي يتساءلون عن أحوالهم وما نال كل واحد منهم ؛ ويدل عليه { فَمَنَّ اللّه عَلَيْنَا } : أي بهذا النعيم الذي نحن فيه .

وقال ابن عباس : تساؤلهم إذا بعثوا في النفخة الثانية ، حكاه الطبري عنه .{ مُشْفِقِينَ } : رقيقي القلوب ، خاشعين للّه .

وقرأ أبو حيوة : ووقانا بتشديد القاف ، والسموم هنا النار ؛ وقال الحسن : اسم من أسماء جهنم .

٢٨

إنا كنا من . . . . .

{مِن قَبْلُ } : أي من قبل لقاء اللّه والمصير إليه .{ نَدْعُوهُ } نعبده ونسأله الوقاية من عذابه ، { إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ } : المحسن ، { الرَّجِيمِ } : الكثير الرحمة ، إذا عبد أثاب ، وإذا سئل أجاب . أو { نَدْعُوهُ } من الدعاء .

وقرأ الحسن وأبو جعفر ونافع والكسائي : أنه بفتح الهمزة ، أي لأنه ، وباقي السبعة : إنه بكسر الهمزة ، وهي قراءة الأعرج وجماعة ، وفيها معنى التعليل .

قوله عز وجل :{ فَذَكّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنّى مَعَكُمْ مّنَ الْمُتَرَبّصِينَ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَاذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْء أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُواْ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ } سقط : رحمة { رَبّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ الْمَكِيدُونَ أَمْ لَهُمْ إِلَاهٌ غَيْرُ اللّه سُبْحَانَ اللّه عَمَّا يُشْرِكُونَ وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مّنَ السَّمَاء سَاقِطاً يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُواْ يَوْمَهُمُ الَّذِى فِيهِ يُصْعَقُونَ يَوْمَ لاَ يُغْنِى عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ حِينَ تَقُومُ وَمِنَ الَّيْلِ فَسَبّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ}

٢٩

فذكر فما أنت . . . . .

لما تقدم إقسام اللّه تعالى على وقوع العذاب ، وذكر أشياء من أحوال المعذبين والناجين ، أمره بالتذكير ، إنذاراً للكافر ، وتبشيراً للمؤمن ، ودعاء إلى اللّه تعالى بنشر رسالته ، ثم نفى عنه ما كان الكفار ينسبونه إليه من الكهانة والجنون ، إذا كانا طريقين إلى الإخبار ببعض المغيبات ، وكان للجن بهما ملابسة للإنس . وممن كان ينسبه إلى الكهانة شيبة بن ربيعة ، وممن كان ينسبه إلى الجنون عقبة بن أبي معيط .

وقال الزمخشري : { فَذَكّرْ } فاثبت على تذكير الناس وموعظتهم ، ولا يثبطنك قولهم كاهن أو مجنون ، ولا تبال به ، فإنه قول باطل متناقض . فإن الكاهن يحتاج في كهانته إلى فطنة ودقة نظر ، والمجنون مغطى على عقله ؛ وما أنت ، بحمد اللّه تعالى وإنعامه عليك بصدق النبوة ورصافة العقل ، أحد هذين . انتهى . وقال الحوفي :{ بِنِعْمَةِ رَبّكَ } متعلق بما دل عليه الكلام ، وهو اعتراض بين اسم ما وخبرها ، والتقدير : ما أنت في حال إذكارك بنعمة ربك بكاهن . قال أبو البقاء : الباء في موضع الحال ، والعامل في بكاهن أو مجنون ، والتقدير : ما أنت كاهناً ولا مجنوناً ملتبساً بنعمة ربك . انتهى . وتكون حالاً لازمة لا منتقلة ، لأنه عليه الصلاة والسلام ما زال ملتبساً بنعمة ربه .

وقيل :{ بِنِعْمَةِ رَبّكَ } مقسم بها ، كأنه قيل : ونعمة ربك ما أنت كاهن ولا مجنون ، فتوسط المقسم به بين الاسم والخبر ، كما تقول : ما زيد واللّه بقائم .

٣٠

أم يقولون شاعر . . . . .

ولما نفى عنه الكهانة والجنون اللذين كان بعض الكفار ينسبونهما إليه ، ذكر نوعاً آخر مما كانوا يقولونه .

روي أن قريشاً اجتمعت في دار الندوة ، وكثرت آراؤهم فيه صلى اللّه عليه وسلم ، حتى قال قائل منهم ، وهم بنو عبد الدار ، قاله الضحاك : تربصوا به ريب المنون ، فإنه شاعر سيهلك ، كما هلك زهير والنابغة والأعشى ، فافترقوا على هذه المقالة ، فنزلت الآية في ذلك . وقول من قال ذلك هو من نقص الفطرة بحيث لا يدرك الشعر ، وهو الكلام الموزون على طريقة معروفة من النثر الذي ليس هو على ذلك المضمار ، ولا شك أن بعضهم كان يدرك ذلك ، إذ كان فيهم شعراء ، ولكنهم تمالؤوا مع أولئك الناقصي الفطرة على قولهم : هو شاعر ، حجداً الآيات اللّه بعد استيقانها .

وقرأ زيد بن علي : يتربص بالياء مبنياً للمفعول به ،  { رَيْبَ } : مرفوع ، وريب المنون : حوادث الدهر ، فإنه لا يدوم على حال ، قال الشاعر : تربص بها ريب المنون لعلها

تطلق يوماً أو يموت حليلها

وقال الهندي : أمن المنون وريبها تتوجع

والدهر ليس بمعتب من يجزع

٣١

قل تربصوا فإني . . . . .

{قُلْ تَرَبَّصُواْ } : هو أمر تهديد من المتربصين هلاككم ، كما تتربصون هلاكي .

٣٢

أم تأمرهم أحلامهم . . . . .

{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ } : عقولهم بهذا ، أي بقولهم كاهن وشاعر ومجنون ، وهو قول متناقض ، وكانت قريش تدعى أهل الأحلام والنهي .

وقيل لعمرو بن العاص : ما بال قومك لم يؤمنوا وقد وصفهم اللّه تعالى بالعقل ؟ فقال : تلك عقول كادها اللّه ، أي لم يصحبها التوفيق .{ أَمْ تَأْمُرُهُمْ } ،قيل : أم بمعنى الهمزة ، أي أتأمرهم ؟ وقدرها مجاهد ببل ، والصحيح أنها تتقدر ببل والهمزة .

{أَم هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } : أي مجاوزون الحدّ في العناد مع ظهور الحق .

وقرأ مجاهد : بل هم ، مكان :{ أَمْ هُمُ } ، وكون الأحلام آمرة مجازاً لما أدت إلى ذلك ، جعلت آمرة كقوله :{ هَاذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَا}

وحكى الثعلبي عن الخليل أنه قال : كل ما في سورة والطور من أم فاستفهام وليس بعطف

٣٣

أم يقولون تقوله . . . . .

تقوله : اختلقه من قبل نفسه ، كما قال : { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاْقَاوِيلِ} و

قال ابن عطية : تقوله معناه : قال عن الغير أنه قاله ، فهو عبارة عن كذب مخصوص . انتهى .{ بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ } : أي لكفرهم وعنادهم ،

٣٤

فليأتوا بحديث مثله . . . . .

ثم عجزهم بقوله تعالى : { فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } : أي مماثل للقرآن في نظمه ورصفه من البلاغة ، وصحة المعاني والأخبار بقصص الأمم السالفة والمغيبات ، والحكم إن كانوا صادقين في أنه تقوله ، فليقولوا هم مثله ، إذ هو واحد منهم ، فإن كانوا صادقين فليكونوا مثله في التقوّل . فقرأ الجحدري وأبو السمّال :{ بِحَدِيثٍ مّثْلِهِ } ، على الإضافة : أي بحديث رجل مثل الرسول في كونه أمياً لم يصحب أهل العلم ولا رحل عن بلده ، أو مثله في كونه واحداً منهم ، فلا يجوز أن يكون مثله في العرب فصاحة ، فليأت بمثل ما أتى به ، ولن يقدر على ذلك أبداً .

٣٥

أم خلقوا من . . . . .

{أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْء } : أي من غير شيء حي كالجماد ، فهم لا يؤمرون ولا ينهون ، كما هي الجمادات عليه ، قاله الطبري .

وقيل :{ مِنْ غَيْرِ شَىْء } : أي من غير علة ولا لغاية عقاب وثواب ، فهم لذلك لا يسمعون ولا يتشرعون ، وهذا كما تقول : فعلت كذا وكذا من غير علة : أي لغير علة ، فمن للسبب ، وفي القول الأول لابتداء الغاية .

وقال الزمخشري :{ أَمْ خَلَقُواْ } : أم أحدثوا ؟ وقدروا التقدير الذي عليه فطرتهم ؛{ مِنْ غَيْرِ شَىْء } : من غير مقدر ، أم هم الذين خلقوا أنفسهم حيث لا يعبدون الخالق ؟{ بَل لاَّ يُوقِنُونَ } : أي إذا سئلوا : من خلقكم وخلق السموات والأرض ؟ قالوا : اللّه ، وهم شاكون فيما يقولون لا يوقنون . أم خلقوا من غير رب ولا خالق ؟ أي أم أحدثوا وبرزوا للوجود من غير إله يبرزهم وينشئهم ؟{ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ } لأنفسهم ، فلا يعبدون اللّه ، ولا يأتمرون بأوامره ، ولا ينتهون عن مناهيه . والقسمان باطلان ، وهم يعترفون بذلك ، فدل على بطلانهم . و

قال ابن عطية : ثم وقفهم على جهة التوبيخ على أنفسهم ، أهم الذين خلقوا الأشياء فهم لذلك يتكبرون ؟

٣٦

أم خلقوا السماوات . . . . .

ثم خصص من تلك الأشياء السموات والأرض لعظمها وشرفها في المخلوقات ، ثم حكم عليهم بأنهم لا يوقنون ولا ينظرون نظراً يؤديهم إلى اليقين .

٣٧

أم عندهم خزائن . . . . .

{أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبّكَ } ،

قال الزمخشري : خزائن الرزق ، حتى يرزقوا النبوة من شاءوا ، أو : أعندهم خزائن علمه حتى يختاروا لها من اختياره حكمة ومصلحة ؟{ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ } : الأرباب الغالبون حتى يدبرون أمر الربوبية ويبنوا الأمور على إرادتهم . و

قال ابن عطية : أم عندهم الاستغناء عن اللّه تعالى في جميع الأمور ، لأن المال والصحة والقوة وغير ذلك من الأشياء كلها من خزائن اللّه تعالى . وقال الزهراوي :

وقيل يريد بالخزائن : العلم ، وهذا قول حسن إذا تؤمل وبسط . وقال الرماني : خزائنه تعالى : مقدوراته . انتهى . والمسيطر ، قال ابن عباس : المسلط القاهر .

وقرأ الجمهور : المصيطرون بالصاد ؛ وهشام وقنبل وحفص : بخلاف عنه بالسين ، وهو الأصل ؛ ومن أبدلها صاداً ، فلأجل حرف الاستعلاء وهو الطاء ، وأشم خلق عن حمزة ، وخلاد عنه بخلاف عنه الزاي .

٣٨

أم لهم سلم . . . . .

{أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ } منصوب إلى السماء ، { يَسْتَمِعُونَ فِيهِ } : أي عليه أو منه ، إذ حروف الجر قد يسد بعضها مسد بعض ، وقدره الزمخشري : صاعدين فيه ، ومفعول يستمعون محذوف تقديره : الخبر بصحة ما يدعونه ، وقدره الزمخشري : ما يوحى إلى الملائكة من علم الغيب حتى يعلموا ما هو كائن من تقدم هلاكه على هلاكهم وظفرهم في العاقبة دونه كما يزعمون .{ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } : أي بحجة واضحة بصدق استماعهم مستمعهم ،

٤٠

أم تسألهم أجرا . . . . .

{أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً } على الإيمان باللّه وتوحيده واتباع شرعه ، { فَهُمُ } من ذلك المغرم الثقيل اللام { مُّثْقَلُونَ } ، فاقتضى زهدهم في اتباعك .

٤١

أم عندهم الغيب . . . . .

{أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ } : أي اللوح المحفوظ ، { فَهُمْ يَكْتُبُونَ } : أي يثبتون ذلك للناس شرع ، وذلك عبادة الأوثان وتسييب

السوائب وغير ذلك من سيرهم .

وقيل : المعنى فهم يعلمون متى يموت محمد صلى اللّه عليه وسلم الذي يتربصون به ، ويكتبون بمعنى : يحكمون .

وقال ابن عباس : يعني أم عندهم اللوح المحفوظ ، فهم يكتبون ما فيه ويخبرون .

٤٢

أم يريدون كيدا . . . . .

{أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً } : أي بك وبشرعك ، وهو كيدهم به في دار الندوة ، { فَالَّذِينَ كَفَرُواْ } : أي فهم ، وأبرز الظاهر تنبيهاً على العلة ، أو الذين كفروا عام فيندرجون فيه ، { هُمُ الْمَكِيدُونَ } : أي الذين يعود عليهم وبال كيدهم ، ويحيق بهم مكرهم ، وذلك أنهم قتلوا يوم بدر ، وسمى غلبتهم كيداً ، إذ كانت عقوبة الكيد .

٤٣

أم لهم إله . . . . .

{أَمْ لَهُمْ إِلَاهٌ غَيْرُ اللّه} يعصمهم ويدفع عنهم في صدور إهلاكهم ، ثم نزه تعالى نفسه ، { عَمَّا يُشْرِكُونَ } به من الأصنام والأوثان .

٤٤

وإن يروا كسفا . . . . .

{وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مّنَ السَّمَاء } : كانت قريش قد اقترحت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فيما اقترحت من قولهم : أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً ، فأخبر تعالى أنهم لو رأوا ذلك عياناً ، حسب اقتراحهم ، لبلغ بهم عتوهم وجهلهم أن يغالطوا أنفسهم فيما عاينوه ، وقالوا : هو سحاب مركوم ، تراكم بعضه على بعض ممطرنا ، وليس بكسف ساقط للعذاب .

٤٥

فذرهم حتى يلاقوا . . . . .

{فَذَرْهُمْ } : أمر موادعة منسوخ بآية السيف .

وقرأ الجمهور :{ حَتَّى يُلَاقُواْ } ؛ وأبو حيوة : حتى يلقوا ، مضارع لقي ، { يَوْمَهُمُ } : أي يوم موتهم واحداً واحداً ، والصعق : العذاب ، أو يوم بدر ، لأنهم عذبوا فيه ، أو يوم القيامة ، أقوال ، ثالثها قول الجمهور ، لأن صعقته تعم جميع الخلائق .

وقرأ الجمهور : يصعقون ، بفتح الياء .

وقرأ عاصم وابن عامر وزيد بن عليّ وأهل مكة : في قول شبل بن عبادة ، وفتحها أهل مكة ، كالجمهور في قول إسماعيل .

وقرأ السلمي : بضم الياء وكسر العين ، من أصعق رباعياً .

٤٧

وإن للذين ظلموا . . . . .

{وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } : أي لهؤلاء الظلمة ، { عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ } : أي دون يوم القيامة وقبله ، وهو يوم بدر والفتح ، قاله ابن عباس وغيره . وقال البراء بن عازب وابن عباس أيضاً : هو عذاب القبر . وقال الحسن وابن زيد : مصائبهم في الدنيا . وقال مجاهد : هو الجوع والقحط ، سبع سنين .

٤٨

واصبر لحكم ربك . . . . .

{فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } : عبارة عن الحفظ والكلاءة ، وجمع لأنه أضيف إلى ضمير الجماعة ، وحين كان الضمير مفرداً ، أفرد العين ،

قال تعالى :{ وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى}

وقرأ أبو السمال : بأعيننا ، بنون واحدة مشدّدة .{ وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ } ، قال أبو الأحوص عوف بن مالك : هو التسبيح المعروف ، وهو قول سبحان اللّه عند كل قيام . وقال عطاء : حين تقوم من كل مجلس ، وهو قول ابن جبير ومجاهد .

وقال ابن عباس : حين تقوم من منامك .

وقيل : هو صلاة التطوع .

وقيل : الفريضة . وقال الضحاك : حين تقوم إلى الصلاة تقول : سبحانك اللّهم وبحمدك ، تبارك اسمك ، وتعالى جدّك ، ولا إله غيرك . وقال زيد بن أسلم : حين تقوم من القائلة والتسبيح ، إذ ذاك هو صلاة الظهر . وقال ابن السائب : اذكر اللّه بلسانك حين تقوم من فراشك إلى أن تدخل في الصلاة .

٤٩

ومن الليل فسبحه . . . . .

{وَمِنَ الَّيْلِ فَسَبّحْهُ } : قبل صلاة المغرب والعشاء .{ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ } : صلاة الصبح . وعن عمرو وعليّ وأبي هريرة والحسن : إنها النوافل ، { وَإِدْبَارَ النُّجُومِ } : ركعتا الفجر .

وقرأ سالم بن أبي الجعد والمنهال بن عمرو ويعقوب : وأدبار ، بفتح الهمزة ، بمعنى : وأعقاب النجوم .

﴿ ٠