سورة النجم

مكية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

والنجم إذا هوى

المرّة : القوة من أمررت الحبل ، إذا أحكمت فتله . وقال قطرب : تقول العرب لكل جزل الرأي خصيف العقل إنه لذو مرّة ، قال : وإني لذو مرّة مرّة

إذا ركبت خالة خالها

تدلى العذق تدلياً : امتد من علو إلى جهة السفل ، فيستعمل في القرب من العلو ، قاله الفراء وابن الأعرابي . قال أسامة الهذلي : تدلى علينا وهو زرق حمامة

إذا طحلب في منتهى القيظ هامد

القاب والقيب ، والقّادة والقيد : المقدار . القوس معروف وهو : آلة لرمي السهام ، وتختلف أشكاله . السدرة : شجرة النبق . الضيزى : الجائرة من ضازه يضيزه إذا ضامه . قال الشاعر : ضازت بنو أسد بحكمهم

إذ يجعلون الرأس كالذنب

وأصلها ضوزى على وزن فعلى ، نحو : حبلى وأنثى وريا ، ففعل بها ما فعل ببيض لتسلم الياء ، ولا يوجد فعلى بكسر الفاء في الصفات ، كذا قال سيبويه .

وحكى ثعلب : مشية جبكى ، ورجل كيصى .

وحكى غيره : امرأة عزمى ، وامرأة سعلى ؛ والمعروف : عزماة وسعلاة . وقال الكسائي : ضاز يضيز ضيزى ، وضاز يضوز ضوزى ، وضأز يضأز ضأزاً . اللمم : ما قل وصغر ، ومنه اللمم : المس من الجنون ، وألمّ بالمكان : قل لبثه فيه ، وألمّ بالطعام : قل أكله منه . وقال المبرد : أصل اللمم أن يلم بالشيء من غير أن يركبه ، يقال : ألم بكذا ، إذا قاربه ولم يخالطه . وقال الأزهري : العرب تستعمل الإلمام في المقاربة والدنو ، يقال : ألم يفعل كذا ، بمعنى : كاد يفعل . قال جرير : بنفسي من تجنيه عزيز

عليّ ومن زيارته لمام

وقال آخر :

لقاء أخلاء الصفا لمام

الأجنة : جمع جنين ، وهو الولد في البطن ، سمي بذلك لاستتاره ، والاجتنان : الاستتار . أكدى : أصله من الكدية ، يقال لمن حفر بئراً ثم وصل إلى حجر لا يتهيأ له فيها حفر : قد أكدى ، ثم استعملته العرب لمن أعطى ولم يتمم ، ولمن طلب شيئاً فلم يبلغ آخره . قال الحطيئة : فأعطى قليلاً ثم أكدى عطاءه

ومن يبذل المعروف في الناس يحمد

وقال الكسائي وغيره : أكدى الحافر ، إذا بلغ كدية أو جبلاً ولا يمكنه أن يحفر ، وحفر فأكدى : إذا وصل إلى الصلب ،

ويقال : كديت أصابعه إذا كلت من الحفر ، وكدا البيت : قلّ ريعه . وقال أبو زيد : أكدى الرجل : قلّ خيره . أقنى ، قال الجوهري : قنى يقنى قنى ، كغنى يغنى غنى ، ويتعدّى بتغيير الحركة ، فتقول : قنيت المال : أي كسبته ، نحو شترت عين الرجل وشترها اللّه ، ثم تعدى بعد ذلك بالهمزة أو التضعيف ، فتقول : أقناه اللّه مالاً ، وقناه اللّه مالاً ، وقال الشاعر : كم من غني أصاب الدهر ثروته

ومن فقير تقنى بعد الإقلال

أي : تقنى المال ،

ويقال : أقناه اللّه مالاً ، وأرضاه من القنية . قال أبو زيد : تقول العرب لمن أعطى مائة من المعز : أعطى القنى ، ومن أعطى مائة من الضأن : أعطى الغنى ، ومن أعطى مائة من الإبل : أعطى المنى . الشعرى : هو الكوكب المضيء الذي يطلع بعد الجوزاء ، وطلوعه في شدة الحر ، ويقال له : مرزم الجوزاء ، وهما الشعريان : العبور التي في الجوزاء ، والشعرى الغميصاء التي في الذراع ، وتزعم العرب أنهما أختا سهيل .

قال الزمخشري : وتسمى كلب الجبار ، وهما شعريان : الغميصاء والعبور ، ومن كذب العرب أن سهيلاً والشعرى كانا زوجين فانحدر سهيل وصار يمانياً ، فاتبعته الشعرى العبور ، فعبرت المجرة ، فسميت العبور ، وأقامت الغميصاء لأنها أخفى من الأخرى . أزف : قرب ، قال كعب بن زهير : بان الشباب وهذا الشيب قد أزفا

ولا أرى لشباب بائن خلفا

وقال النابغة الذبياني : أزف الترحل غير أن ركابنا

لما تزل برحالنا وكأن قد

ويروى : أفد الترحل . سمد : لهى ولعب ، قال الشاعر : ألا أيها الإنسان إنك سامد

كأنك لا تفنى ولا أنت هالك

وقال آخر : قيل قم فانظر إليهم

ثم دع عنك السمودا

وقال أبو عبيدة : السمود : الغناء بلغة حمير ، يقولون : يا جارية اسمدي لنا : أي غني لنا .

هذه السورة مكية . ومناسبتها لآخر ما قبلها ظاهرة ، لأنه قال :{ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ } : أي اختلق القرآن ، ونسبوه إلى الشعر وقالوا : هو كاهن ومجنون ؛ فأقسم تعالى أنه صلى اللّه عليه وسلم ما ضل ، وأن ما يأتي به هو وحي من اللّه ، وهي أول سورة أعلن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بها في الحرم ، والمشركون يستمعون ، فيها سجد ، وسجد معه المؤمنون والمشركون والجن والإنس غير أبي لهب ، فإنه رفع حفنة من تراب إلى جبهته وقال : يكفي هذا . وسبب نزولها قول المشركين : إن محمداً صلى اللّه عليه وسلم يختلق القرآن . وأقسم تعالى بالنجم ، فقال ابن عباس ومجاهد والفراء والقاضي منذر بن سعيد : هو الجملة من القرآن إذا نزلت ، وقد نزل منجماً في عشرين سنة . وقال الحسن ومعمر بن المثنى : هو هنا اسم جنس ، والمراد النجوم إذا هوت : أي غربت ، قال الشاعر : فباتت تعد النجم في مستجره

سريع بأيدي الآكلين حمودها

أي : تعد النجوم . وقال الحسن وأبو حمزة الثمالي : النجوم إذا انتثرت في القيامة .

وقال ابن عباس أيضاً : هو انقض في أثر الشياطين ، وهذا تساعده اللغة . وقال الأخفش : والنجم إذا طلع ، وهويه : سقوطه على الأرض . وقال ابن جبير الصادق : هو النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وهويه : نزوله ليلة المعراج .

وقيل : النجم معين . فقال مجاهد وسفيان : هو الثريا ، وهويها : سقوطها مع الفجر ، وهو علم عليها بالغلبة ، ولا تقول العرب النجم مطلقاً إلا للثريا ، ومنه قول العرب : طلع النجم عشاء

فابتغى الراعي كساء

طلع النجم غديه

فابتغي الراعي كسيه

وقيل : الشعرى ، وإليها الإشارة بقوله :{ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشّعْرَى } ، والكهان والمنجمون يتكلمون على المغيبات عند طلوعها .

وقيل : الزهرة ، وكانت تعبد .

وقيل :{ وَالنَّجْمِ } : هم الصحابة .

وقيل : العلماء مفرد أريد به الجمع ،

٢

ما ضل صاحبكم . . . . .

وهو في

اللغة خرق الهوى ومقصده السفل ، إذ مصيره إليه ، وإن لم يقصد إليه . وقال الشاعر :

هوى الدلو اسلمها الرشا

ومنه : هوى العقاب . { صَاحِبُكُمْ } : هو محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، والخطاب لقريش : أي هو مهتد راشد ، وليس كما تزعمون من نسبتكم إياه إلى الضلال والغي .

٣

وما ينطق عن . . . . .

{وَمَا يَنطِقُ } : أي الرسول عليه الصلاة والسلام ، { عَنِ الْهَوَى } : أي عن هوى نفسه ورأيه .

٤

انظر تفسير الآية:٥

٥

إن هو إلا . . . . .

{إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ } من عند اللّه، { يُوحَى } إليه .

وقيل :{ وَمَا يَنطِقُ } : أي القرآن ، عن هوى وشهوة ، كقوله :{ هَاذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقّ}{ إِنْ هُوَ } : أي الذي ينطق به . أو { إِنْ هُوَ } : أي القرآن .{ عِلْمِهِ } : الضمير عائد على الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، فالمفعول الثاني محذوف ، أي علمه الوحي . أو على القرآن ، فالمفعول الأول محذوف ، أي علمه الرسول صلى اللّه عليه وسلم.{ شَدِيدُ الْقُوَى } : هو جبريل ، وهو مناسب للأوصاف التي بعده ، وقاله ابن عباس وقتادة والربيع . وقال الحسن :{ شَدِيدُ الْقُوَى } : هو اللّه تعالى ، وهو بعيد .

٦

ذو مرة فاستوى

{ذُو مِرَّةٍ } : ذو قوة ، ومنه لا تحل الصدقة لغني ، ولا لذي مرة سوى .

وقيل : ذو هيئة حسنة .

وقيل : هو جسم طويل حسن . ولا يناسب هذان القولان إلا إذا كان شديد القوى هو جبريل عليه السلام .{ فَاسْتَوَى } : الضمير للّه في قوله الحسن ،

٧

وهو بالأفق الأعلى

وكذا { وَهُوَ بِالاْفُقِ الاْعْلَى } للّه تعالى ، على معنى العظمة والقدرة والسلطان . وعلى قول الجمهور :{ فَاسْتَوَى } : أي جبريل في الجو ، { وَهُوَ بِالاْفُقِ الاْعْلَى } ، إن رآه الرسول عليه الصلاة والسلام بحراء قد سد الأفق له ستمائة جناح ، وحينئذ دنا من محمد حتى كان قاب قوسين ، وكذلك هو المرئي في النزلة الأخرى بستمائة جناح عند السدرة ، قاله الربيع والزجاج . وقال الطبري : والفراء : المعنى فاستوى جبريل ؛ وقوله :{ وَهُوَ } ، يعني محمداً صلى اللّه عليه وسلم ، وفي هذا التأويل العطف على الضمير المرفوع من غير فصل ، وهو مذهب الكوفيين . وقد يقال : الضمير في استوى للرسول ، وهو لجبريل ، والأعلى لعمه الرأس وما جرى معه . وقال الحسن وقتادة : هو أفق مشرق الشمس .

وقال الزمخشري :{ فَاسْتَوَى } : فاستقام على صورة نفسه الحقيقية دون الصورة التي كان يتمثل بها كلما هبط بالوحي ، وكان ينزل في صورة دحية ، وذلك أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم أحب أن يراه في صورته التي جبل عليها ، فاستوى له بالأفق الأعلى ، وهو أفق الشمس ، فملأ الأفق .

وقيل : ما رآه أحد من الأنبياء في صورته الحقيقية غير محمد صلى اللّه عليه وسلم ، مرة في الأرض ، ومرة في السماء .

٨

انظر تفسير الآية:٩

٩

ثم دنا فتدلى

{ثُمَّ دَنَا } من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،{ فَتَدَلَّى } : فتعلق عليه في الهوى . وكان مقدار مسافة قربه منه مثل { قَابَ قَوْسَيْنِ } ، فحذفت هذه المضافات ، كما قال أبو علي في قوله :

وقد جعلتني من خزيمة أصبعا

أي : ذا مسافة مقدار أصبع ، {أَوْ أَدْنَى } على تقديركم ، كقوله :{أَوْ يَزِيدُونَ}

١٠

فأوحى إلى عبده . . . . .

{إِلَى عَبْدِهِ } : أي إلى عبد اللّه ، وإن لم يجر لاسمه عز وجل ذكر ، لأنه لا يلبس ، كقوله :{ مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا}{ مَا أَوْحَى } : تفخيم للوحي الذي أوحي إليه قبل

انتهى . و

قال ابن عطية : { ثُمَّ دَنَا } ، قال الجمهور : أي جبريل إلى محمد عليهما الصلاة والسلام عند حراء .

وقال ابن عباس وأنس في حديث الإسراء : ما يقتضي أن الدنو يستند إلى اللّه تعالى .

وقيل : كان الدنو إلى جبريل .

وقيل : إلى الرسول صلى اللّه عليه وسلم ،أي دنا وحيه وسلطانه وقدرته ، والصحيح أن جميع ما في هذه الآيات هو مع جبريل بدليل قوله :{ وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أُخْرَى } ، فإنه يقتضي نزلة متقدمة . وما روي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رأى ربه قبل ليلة الإسراء . ودنا أعم من تدلى ، فبين هيئة الدنو كيف كانت قاب قدر ، قال قتادة وغيره : معناه من طرف العود إلى طرفه الآخر . وقال الحسن ومجاهد : من الوتر إلى العود في وسط القوس عند المقبض . وقال أبو رزين : ليست بهذه القوس ، ولكن قدر الذراعين .

وعن ابن عباس : أن القوس هنا ذراع تقاس به الأطوال . وذكر الثعلبي أنه من لغة الحجاز .

{فَأَوْحَى } : أي اللّه، { إِلَى عَبْدِهِ } : أي الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، قاله ابن عباس .

وقيل :{ إِلَى عَبْدِهِ } جبريل ، { مَا أَوْحَى } : إبهام على جهة التعظيم والتفخيم ، والذي عرف من ذلك فرض الصلوات . وقال الحسن : فأوحى جبريل إلى عبد اللّه ، محمد صلى اللّه عليه وسلم ، ما أوحى ، كالأول في الإبهام . وقال ابن زيد : فأوحى جبريل إلى عبد اللّه ، محمد صلى اللّه عليه وسلم ، ما أوحاه اللّه تعالى إلى جبريل عليه السلام .

وقال الزمخشري :{ مَا أَوْحَى } : أوحى إليه أن الجنة محرمة على الأنبياء حتى تدخلها ، وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك .

١١

ما كذب الفؤاد . . . . .

{مَا كَذَبَ } فؤاد محمد صلى اللّه عليه وسلم ما رآه ببصره من صورة جبريل : أي ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك ، يعني أنه رآه بعينه وعرفه بقلبه ، ولم يشك في أن ما رآه حق . انتهى .

وقرأ الجمهور : ما كذب مخففاً ، على معنى : لم يكذب قلب محمد صلى اللّه عليه وسلم الشيء الذي رآه ، بل صدقه وتحققه نظراً ، وكذب يتعدى .

وقال ابن عباس وأبو صالح : رأى محمد صلى اللّه عليه وسلم اللّه تعالى بفؤاده .

وقيل : ما رأى بعينه لم يكذب ذلك قلبه ، بل صدقه وتحققه ، ويحتمل أن يكون التقدير فيما رأى .

وعن ابن عباس وعكرمة وكعب الأحبار : أن محمداً صلى اللّه عليه وسلم رأى ربه بعيني رأسه ، وأبت ذلك عائشة رضي اللّه تعالى عنها ، وقالت : أنا سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن هذه الآيات ، فقال لي : { هو جبريل عليه السلام فيها كلها} . وقال الحسن : المعنى ما رأى من مقدورات اللّه تعالى وملكوته . وسأل أبو ذر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : هل رأيت ربك ؟ فقال : { نورانى أراه} . وحديث عائشة قاطع لكل تأويل في اللفظ ، لأن قول غيرها إنما هو منتزع من ألفاظ القرآن ، وليست نصاً في الرؤية بالبصر ، بلا ولا بغيره .

وقرأ أبو رجاء وأبو جعفر وقتادة والجحدري وخالد بن الياس وهشام عن ابن عامر : ما كذب مشدداً . وقال كعب الأحبار : إن اللّه قسم الرؤية والكلام بين محمد وموسى عليهما الصلاة والسلام ، فكلم موسى مرتين ، ورآه محمد صلى اللّه عليه وسلم مرتين . وقالت عائشة رضي اللّه تعالى عنها : لقد وقف شعري من سماع هذا ، وقرأت :{ لاَّ تُدْرِكُهُ الاْبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الاْبْصَارَ } ، وذهبت هي وابن مسعود وقتادة والجمهور إلى أن المرئي مرتين هو جبريل ، مرة في الأرض ، ومرة عند سدرة المنتهى .

١٢

أفتمارونه على ما . . . . .

وقرأ الجمهور : { أَفَتُمَارُونَهُ } : أي أتجادلونه على شيء رآه ببصره وأبصره ، وعدى بعلى لما في الجدال من المغالبة ، وجاء يرى بصيغة المضارع ، وإن كانت الرؤية قد مضت ، إشارة إلى ما يمكن حدوثه بعد .

وقرأ علي وعبد اللّه وابن عباس والجحدري ويعقوب وابن سعدان وحمزة والكسائي : بفتح التاء وسكون الميم ، مضارع مريت : أي جحدت ، يقال : مريته حقه ، إذا جحدته ، قال الشاعر :

لثن سخرت أخا صدق ومكرمة لقد مريت أخاً ما كان يمريكا

وعدى بعلى على معنى التضمين . وكانت قريش حين أخبرهم صلى اللّه عليه وسلم بأمره في الإسراء ، كذبوا واستخفوا ، حتى وصف لهم بيت المقدس وأمر غيرهم ، وغير ذلك مما هو مستقصى في حديث الإسراء .

وقرأ عبد اللّه فيما حكى ابن خالويه ، والشعبي فيما ذكر شعبة : بضم التاء وسكون الميم ، مضارع أمريت . قال أبو حاتم : وهو غلط .

١٣

ولقد رآه نزلة . . . . .

{وَلَقَدْ رَءاهُ } : الضمير المنصوب عائد على جبريل عليه السلام ، قال ابن مسعود وعائشة ومجاهد والربيع .{ نَزْلَةً أُخْرَى } : أي مرة أخرى ، أي نزل عليه جبريل عليه السلام مرة أخرى في في صورة نفسه ، فرآه عليها ، وذلك ليلة المعراج . وأخرى تقتضي نزلة سابقة ، وهي المفهومة من قوله :{ ثُمَّ دَنَا } جبريل ، { فَتَدَلَّى } : وهو الهبوط والنزول من علو .

وقال ابن عباس وكعب الأحبار : الضمير عائد على اللّه ، على ما سبق من قولهما أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رأى ربه مرتين . وانتصب نزلة ،

قال الزمخشري : نصب الظرف الذي هو مرة ، لأن الفعلة اسم للمرة من الفعل . وقال الحوفي وابن عطية : مصدر في موضع الحال . وقال أبو البقاء : مصدر ، أي مرة أخرى ، أو رؤية أخرى .

١٤

عند سدرة المنتهى

{عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى } ،قيل : هي شجرة نبق في السماء السابعة .

وقيل : في السماء السادسة ، ثمرها كقلال هجر ، وورقها كآذان الفيلة . تنبع من أصلها الأنهار التي ذكرها اللّه تعالى في كتابه ، يسير الراكب في ظلها سبعين عاماً لا يقطعها . والمنتهى موضع الانتهاء ، لأنه ينتهي إليها علم كل عالم ، ولا يعلم ما وراءها صعداً إلا اللّه تعالى عز وجل ؛ أو ينتهي إليها كل من مات على الإيمان من كل جيل ؛ أو ينتهي إليها ما نزل من أمر اللّه تعالى ، ولا تتجاوزها ملائكة العلو وما صعد من الأرض ، ولا تتجاوزها ملائكة السفل ؛ أو تنتهي إليها أرواح الشهداء ؛ أو كأنها في منتهى الجنة وآخرها ؛ أو تنتهي إليها الملائكة والأنبياء ويقفون عندها ؛ أو ينتهي إليها علم الأنبياء ويغرب علمهم عن ما وراءها ؛ أو تنتهي إليها الأعمال ؛ أو لانتهاء من رفع إليها في الكرامة ، أقوال تسعة .

١٥

عندها جنة المأوى

{عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى } : أي عند السدرة ، قيل : ويحتمل عند النزلة . قال الحسن : هي الجنة التي وعدها اللّه المؤمنين .

وقال ابن عباس : بخلاف عنه ؛ وقتادة : هي جنة تأوي إليها أرواح الشهداء ، وليست بالتي وعد المتقون جنة النعيم .

وقيل : جنة : مأوى الملائكة .

وقرأ علي وأبو الدرداء وأبو هريرة وابن الزبير وأنس وزر ومحمد بن كعب وقتادة : جنه ، بهاء الضمير ، وجن فعل ماض ، والهاء ضمير النبي صلى اللّه عليه وسلم ،أي عندها ستره إيواء اللّه تعالى وجميل صنعه .

وقيل : المعنى ضمه المبيت والليل .

وقيل : جنه بظلاله ودخل فيه . وردّت عائشة وصحابة معها هذه القراءة وقالوا : أجن اللّه من قرأها ؛ وإذا كانت قراءة قرأها أكابر من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فليس لأحد ردّها .

وقيل : إن عائشة رضي اللّه تعالى عنها أجازتها . وقراءة الجمهور :{ جَنَّةُ الْمَأْوَى } ، كقوله في آية أخرى :{ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً}

١٦

إذ يغشى السدرة . . . . .

{إِذْ يَغْشَى السّدْرَةَ مَا يَغْشَى } : فيه بإبهام الموصول وصلته تعظيم وتكثير للغاشي الذي يغشاه ، إذ ذاك أشياء لا يعلم وصفها إلا اللّه تعالى .

وقيل : يغشاها الجم الغفير من الملائكة ، يعبدون اللّه عندها .

وقيل : ما يغشى من قدرة اللّه تعالى ، وأنواع الصفات التي يخترعها لها . وقال ابن مسعود وأنس ومسروق ومجاهد وإبراهيم : ذلك جراد من ذهب كان يغشاها . وقال مجاهد : ذلك تبدل أغصانها درّاً وياقوتاً . وروي في الحديث : { رأيت على كل ورقة من ورقها ملكاً قائماً يسبح اللّه تعالى} . وأيضاً : يغشاها رفرف أخضر ، وأيضاً : تغشاها ألوان لا أدري ما هي . وعن أبي هريرة : يغشاها نور الخلاق . وعن الحسن : غشيها نور رب العزة

فاستنارت .

وعن ابن عباس : غشيها رب العزة ، أي أمره ، كما جاء في صحيح مسلم مرفوعاً ، فلما غشيها من أمر اللّه ما غشي ، ونظير هذا الإبهام للتعظيم : { فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى } ،{ وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى}

١٧

ما زاغ البصر . . . . .

{مَا زَاغَ الْبَصَرُ } ، قال ابن عباس : ما مال هكذا ولا هكذا .

وقال الزمخشري : أي أثبت ما رآه إثباتاً مستيقناً صحيحاً من غير أن يزيغ بصره أو يتجاوزه ، إذ ما عدل عن رؤية العجائب التي أمر برؤيتها ومكن منها ، { وَمَا طَغَى } : وما جاوز ما أمر برؤيته . انتهى . وقال غيره :{ وَمَا طَغَى } : ولا تجاوز المرئي إلى غيره ، بل وقع عليه وقوعاً صحيحاً ، وهذا تحقيق للأمر ، ونفي للريب عنه .

١٨

لقد رأى من . . . . .

{لَقَدْ رَأَى مِنْ ءايَاتِ رَبّهِ الْكُبْرَى } ،قيل : الكبرى مفعول رأى ، أي رأى الآيات الكبرى والعظمى التي هي بعض آيات ربه ، أي حين رقي إلى السماء رأى عجائب الملكوت ، وتلك بعض آيات اللّه .

وقيل :{ مِنْ آيَاتِ } هو في موضع المفعول ، والكبرى صفة لآياته ربه ، ومثل هذا الجمع يوصف بوصف الواحدة ، وحسن ذلك هنا كونها فاصلة ، كما في قوله :{ لِنُرِيَكَ مِنْ ءايَاتِنَا الْكُبْرَى } ، عند من جعلها صفة لآياتنا .

وقال ابن عباس وابن مسعود : أي رفرف أخضر قد سد الأفق . وقال ابن زيد : رأي جبريل في الصورة التي هو بها في السماء .

١٩

أفرأيتم اللات والعزى

{أَفَرَءيْتُمُ } : خطاب لقريش . ولما قرر الرسالة أولاً ، وأتبعه من ذكر عظمة اللّه وقدرته الباهرة بذكر التوحيد والمنع عن الإشراك باللّه تعالى ، وقفهم على حقارة معبوداتهم ، وهي الأوثان ، وأنها ليست لها قدرة . واللات : صنم كانت العرب تعظمه . قال قتادة : كان بالطائف . وقال أبو عبيدة وغيره : كان في الكعبة . وقال ابن زيد : كان بنخلة عند سوق عكاظ .

قال ابن عطية : وقول قتادة أرجح ، ويؤيده قوله الشاعر : وفرت ثقيف إلى لاتها

بمنقلب الخائب الخاسر

انتهى .

ويمكن الجمع بأن تكون أصناماً سميت باسم اللات فأخبر كل عن صنم بمكانه . والتاء في اللات قيل أصلية ، لام الكلمة كالباء من باب ، وألفه منقلبة فيما يظهر من ياء ، لأن مادة ليت موجودة . فإن وجدت مادة من ل و ت ، جاز أن تكون منقلبة من واو .

وقيل : التاء للتأنيث ، ووزنها فعلة من لوى ، قيل : لأنهم كانوا يلوون عليها ويعكفون للعبادة ، أو يلتوون عليها : أي يطوفون ، حذفت لامها .

وقرأ الجمهور : اللات خفيفة التاء ؛ وابن عباس ومجاهد ومنصور بن المعتمر وأبو صالح وطلحة وأبو الجوزاء ويعقوب وابن كثير في رواية : بشدها . قال ابن عباس : كان هذا رجلاً بسوق عكاظ ، يلت السمن والسويق عند صخرة .

وقيل : كان ذلك الرجل من بهز ، يلت السويق للحجاج على حجر ، فلما مات ، عبدوا الحجر الذي كان عنده ، إجلالاً لذلك الرجل ، وسموه باسمه .

وقيل : سمي برجل كان يلت عنده السمن بالدب ويطمعه الحجاج . وعن مجاهد : كان رجل يلت السويق بالطائف ، وكانوا يعكفون على قبره ، فجعلوه وثناً . وفي التحرير : أنه كان صنماً تعظمه العرب .

وقيل : حجر ذلك اللات ، وسموه باسمه . وعن ابن جبير : صخرة بيضاء كانت العرب تعبدها وتعظمها . وعن مجاهد : شجيرات تعبد ببلادها ، انتقل أمرها إلى الصخرة . انتهى ملخصاً . وتلخص في اللات ، أهو صنم ، أو حجر يلت عليه ، أو صخرة يلت عندها ، أو قبر اللات ، أو شجيرات ثم صخرة ، أو اللات نفسه ، أقوال ، والعزى صنم .

وقيل : سموه لغطفان ، وأصلها تأنيث الأعز ، بعث إليها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها ، وخرجت منها شيطانة ، ناشرة شعرها ، داعية ويلها ، واضعة يدها على رأسها ؛ فجعل يضر بها بالسيف حتى قتلها ، وهو يقول : يا عز كفرانك لا سبحانك

إني رأيت اللّه قد أهانك

ورجع فأخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال عليه الصلاة والسلام :  { تلك العزى ولن تعبد أبدأ} . وقال أبو عبيدة : كانت العزى ومناة بالكعبة . انتهى . ويدل على هذا قول أبي سفيان في بعض الحروب للمسلمين : لنا عزى ، ولا عزى لكم . وقال ابن زيد : كانت العزى بالطائف . وقال قتادة : كانت بنخلة ، ويمكن الجمع ، فإنه كان في كل مكان منها صنم يسمى بالعزى ، كما قلنا في اللات ، فأخبر كل واحد عن ذلك الصنم المسمى ومكانه .

٢٠

انظر تفسير الآية:٢١

٢١

ومناة الثالثة الأخرى

{وَمَنَواةَ } : قيل : صخرة كانت لهذيل وخزاعة ،

وعن ابن عباس : لثقيف .

وقيل : بالمشكك من قديد بين مكة والمدينة ، وكانت أعظم هذه الأوثان قدراً وأكثرها عدداً ، وكانت الأوس والخزرج تهل لها هذا اضطراب كثير في الأوثان ومواضعها ، والذي يظهر أنها كانت ثلاثتها في الكعبة ، لأن المخاطب بذلك في قوله :{ أَفَرَءيْتُمُ } هم قريش .

وقرأ الجمهور : ومناة مقصوراً ، فقيل : وزنها فعلة ، سميت مناة لأن دماء النسائك كانت تمنى عندها : أي تراق .

وقرأ ابن كثير : ومناءة ، بالمد والهمز . قيل : ووزنها مفعلة ، فالألف منقلبة عن واو ، نحو : مقالة ، والهمزة أصل مشتقة من النوء ، كانوا يستمطرون عندها الأنواء تبركاً بها ، والقصر أشهر . قال جرير : أزيد مناة توعد بأس تيم

تأمل أين تاه بك الوعيد

وقال آخر في المد والهمز : ألا هل أتى تيم بن عبد مناءة

على النأي فيما بيننا ابن تميم

واللات والعزى ومناة منصوبة بقوله :{ أَفَرَءيْتُمُ } ، وهي بمعنى أخبرني ، والمفعول الثاني الذي لها هو قوله :{ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الاْنثَى } على حد ما تقرر في متعلق أرأيت إذا كانت بمعنى أخبرني ، ولم يعد ضمير من جملة الاستفهام على اللات والعزى ومناة ، لأن قوله :{ وَلَهُ الاْنثَى } هو في معنى : وله هذه الإناث ، فأغنى عن الضمير . وكانوا يقولون في هذه الأصنام : هي بنات اللّه ،

فالمعنى : ألكم النوع المحبوب المستحسن الموجود فيكم ، وله النوع المذموم بزعمكم ؟ وهو المستثقل . وحسن إبراز الأنثى كونه نصاً في اعتقادهم أنهن إناث ، وأنهن بنات اللّه تعالى ، وإن كان في لحاق تاء التأنيث في اللات وفي مناة ، وألف التأنيث في العزى ، ما يشعر بالتأنيث ، لكنه قد سمى المذكر بالمؤنث ، فكان في قوله :{ الاْنثَى } نص على اعتقاد التأنيث فيها . وحسن ذلك أيضاً كونه جاء فاصلة ، إذ لو أتى ضميراً ، فكان التركيب ألكم الذكر وله هن ، لم تقع فاصلة . وقال الزجاج : وجه تلفيق هذه الآية مع ما قبلها ، فيقول : أخبروني عن آلهتكم ، هل لها شيء من القدرة والعظمة التي وصف بها رب العزة في الآي السالفة ؟ انتهى . فجعل المفعول الثاني لأفرأيتم جملة الاستفهام التي قدرها ، وحذفت لدلالة الكلام السابق عليها ، وعلى تقديره يبقى قوله :{ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الاْنثَى } متعلقاً بما قبله من جهة المعنى ، لا من جهة المعنى الإعراب ، كما قلناه نحن . ولا يعجبني قول الزجاج : وجه تلفيق هذه الآية مع ما قبلها ، ولو قال : وجه اتصال هذه ، أو وجه انتظام هذه مع ما قبلها ، لكان الجيد في الأدب ، وإن كان يعني هذا المعنى .

و

قال ابن عطية :{ أَفَرَءيْتُمُ } خطاب لقريش ، وهي من رؤية العين ، لأنه أحال على أجرام مرئية ، ولو كانت أرأيت التي هي استفتاء لم تتعد . انتهى . ويعني بالأجرام : اللات والعزى ومناة ، وأرأيت التي هي استفتاء تقع على الأجرام

نحو : أرأيت زيداً ما صنع ؟ وقوله : ولو كانت أرأيت التي هي استفتاء ، يعني الذي تقول النحاة فيه إنها بمعنى أخبرني ، لم تتعد ؛ والتي هي بمعنى الاستفتاء تتعدى إلى اثنين ، أحدهما منصوب ، والآخر في الغالب جملة استفهامية . وقد تكرر لنا الكلام في ذلك ، وأوله في سورة الأنعام . ودل كلام ابن عطية على أنه لم يطالع ما قاله الناس في أرأيت إذا كانت استفتاء على اصطلاحه ، وهي التي بمعنى أخبرني . والظاهر أن { الثَّالِثَةَ الاْخْرَى } صفتان لمناة ، وهما يفيدان التوكيد . قيل : ولما كانت مناة هي أعظم هذه الأوثان ، أكدت بهذين الوصفين ، كما تقول : رأيت فلاناً وفلاناً ، ثم تذكر ثالثاً أجل منهما فتقول : وفلاناً الآخر الذي من شأنه . ولفظة آخر وأخرى يوصف به الثالث من المعدودات ، وذلك نص في الآية ، ومنه قول ربيعة بن مكرم :

ولقد شفعتهما بآخر ثالث

انتهى .

وقول ربيعة مخالف للآية ، لأن ثالثاً جاء بعد آخر . وعلى قول هذا القائل أن مناة هي أعظم هذه الأوثان ، يكون التأكيد لأجل عظمها . ألا ترى إلى قوله : ثم تذكر ثالثاً أجل منهما

وقال الزمخشري : والأخرى ذم ، وهي المتأخرة الوضيعة المقدار ، كقوله تعالى :{ قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لاْولَاهُمْ } : أي وضعاؤهم لرؤسائهم وأشرافهم . ويجوز أن تكون الأولية والتقدم عندهم للات والعزى . انتهى . ولفظ آخر ومؤنثه أخرى لم يوضعا للذم ولا للمدح ، إنما يدلان على معنى غير ، إلا أن من شرطهما أن يكونا من جنس ما قبلهما . لو

قلت : مررت برجل وآخر ، لم يدل إلا على معنى غير ، لا على ذم ولا على مدح . وقال أبو البقاء : والأخرى توكيد ، لأن الثالثة لا تكون إلا أخرى . انتهى .

وقيل : الأخرى صفة للعزى ، لأنها ثانية اللات ؛ والثانية يقال لها الأخرى ، وأخرت لموافقة رؤوس الآي . وقال الحسن بن الفضل : فيه تقديم وتأخير تقديره : والعزى الأخرى ، ومناة الثالثة الذليلة ، وذلك لأن الأولى كانت وثناً على صورة آدمي ، والعزى صورة نبات ، ومناة صورة صخرة . فالآدمي أشرف من النبات ، والنبات أشرف من الجماد . فالجماد متأخر ، ومناة جماد ، فهي في أخريات المراتب .

٢٢

تلك إذا قسمة . . . . .

والإشارة بتلك إلى قسمتهم ، وتقديرهم : أن لهم الذكران ، وللّه تعالى البنات . وكانو يقولون : إن هذه الأصنام والملائكة بنات اللّه تعالى .

قال ابن عباس وقتادة : ضيزى : جائرة ؛ وسفيان : منقوصة ؛ وابن زيد : مخالفة ؛ ومجاهد ومقاتل : عوجاء ؛ والحسن : غير معتدلة ؛ وابن سيرين : غير مستوية ، وكلها أقوال متقاربة في المعنى .

وقرأ الجمهور : { ضِيزَى } من غير همز ، والظاهر أنه صفة على وزن فعلى بضم الفاء ، كسرت لتصح الياء . ويجوز أن تكون مصدراً على وزن فعلى ، كذكرى ، ووصف به .

وقرأ ابن كثير : ضئزى بالهمز ، فوجه على أنه مصدر كذكرى .

وقرأ زيد بن علي : ضيزى بفتح الضاد وسكون الياء ، ويوجه على أنه مصدر ، كدعوى وصف به ، أو وصف ، كسكرى وناقة خرمى .

ويقال : ضوزى بالواو وبالهمز ، وتقدّم في المفردات حكاية لغة الهمز عن الكسائي . وأنشد الأخفش : فإن تنأ عنها تقتضيك وإن تغب

فسهمك مضؤوز وأنفك راغم

٢٣

إن هي إلا . . . . .

{إِنْ هِىَ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَءابَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّه بِهَا مِن سُلْطَانٍ } : تقدّم تفسير نظيرها في سورة هود ، وفي سورة الأعراف .

وقرأ الجمهور :{ إِن يَتَّبِعُونَ } بياء الغيبة ؛ وعبد اللّه وابن عباس وابن وثاب وطلحة والأعمش وعيسى بن عمر : بتاء الخطاب ، { إِلاَّ الظَّنَّ } : وهو ميل النفس إلى أحد معتقدين من غير حجة ، { وَمَا تَهْوَى } : أي تميل إليه بلذة ، وإنما تهوى أبداً ما هو غير الأفضل ، لأنها مجبولة على حب الملاذ ، وإنما يسوقها إلى حسن العاقبة العقل .{ وَلَقَدْ جَاءهُم مّن رَّبّهِمُ الْهُدَى } :

توبيخ لهم ، والذي هم عليه باطل واعتراض بين الجملتين ، أي يفعلون هذه القبائح ؛ والهدى قد جاءهم ، فكانوا أولى من يقبله ويترك عبادة من لا يجدي عبادته .

٢٤

أم للإنسان ما . . . . .

{أَمْ لِلإنسَانِ مَا تَمَنَّى } : هو متصل بقوله :{ وَمَا تَهْوَى الاْنفُسُ } ، بل للإنسان ، والمراد به الجنس ، { مَا تَمَنَّى } : أي ما تعلقت به أمانيه ، أي ليست الأشياء والشهوات تحصل بالأماني ، بل للّه الأمر . وقولكم : إن آلهتكم تشفع وتقرب زلفى ، ليس لكم ذلك .

وقيل : أمنيتهم قولهم :{ وَلَئِن رُّجّعْتُ إِلَى رَبّى إِنَّ لِى عِندَهُ لَلْحُسْنَى}

وقيل : قول الوليد بن المغيرة :{ لاَوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً}

وقيل : تمنى بعضهم أن يكون النبي .

٢٥

فللّه الآخرة والأولى

{فَللّه الاْخِرَةُ والاْولَى } : أي هو مالكهما ، فيعطي منهما ما يشاء ، ويمنع من يشاء ، وليس لأحد أن يبلغ منهما إلا ما شاء اللّه . وقدّم الآخرة على الأولى ، لتأخرها في ذلك ، ولكونها فاصلة ، فلم يراع الترتيب الوجودي ، كقوله :{ وَإِنَّ لَنَا لَلاْخِرَةَ وَالاْولَى}

٢٦

وكم من ملك . . . . .

{وَكَمْ } : هي خبرية ، ومعناها هنا : التكثير ، وهي في موضع رفع بالابتداء ، والخبر { لاَ تُغْنِى } ؛ والغنى : جلب النفع ودفع الضر ، بحسب الأمر الذي يكون فيه الغنى . وكم لفظها مفرد ، ومعناها جمع .

وقرأ الجمهور :{ شَفَاعَتُهُمْ } ، بإفراد الشفاعة وجمع الضمير ؛ وزيد بن علي : شفاعته ، بإفراد الشفاعة والضمير ؛ وابن مقسم : شفاعاتهم ، بجمعهما ، وهو اختيار صاحب الكامل ، أي القاسم الهذلي . وأفردت الشفاعة في قراءة الجمهور لأنها مصدر ، ولأنهم لو شفع جميعهم لواحد ، لم تغن شفاعتهم عنه شيئاً . فإذا كانت الملائكة المقربون لا تغني شفاعتهم إلا بعد إذن اللّه ورضاه ، أي يرضاه أهلاً للشفاعة ، فكيف تشفع الأصنام لمن يعبدها ؟

٢٧

إن الذين لا . . . . .

ومعنى تسمية الاْنثَى : كونهم يقولون إنهم بنات اللّه،  { وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاْخِرَةِ } : هم العرب منكر والبعث .

٢٨

وما لهم به . . . . .

{وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ الْحَقّ شَيْئاً } : أي ما يدركه العلم لا ينفع فيه الظن ، وإنما يدرك بالعلم واليقين . قيل : ويحتمل أن يكون المراد بالحق هنا هو اللّه تعالى ، أي الأوصاف الإلهية لا تستخرج بالظنون ، ويدل عليه ذلك بأن اللّه هو الحق .

٢٩

فأعرض عن من . . . . .

{فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا } ، موادعة منسوخة بآية السيف .{ وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا } : أي لم تتعلق إرادته بغيرها ، فليس له فكر في سواها ، كالنضر بن الحارث والوليد بن المغيرة . والذكر هنا : القرآن ، أو الإيمان ، أو الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، أقوال .{ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا } : هو سبب الأعراض ، لأن من لا يصغي إلى قول ، كيف يفهم معناه ؟ فأمر صلى اللّه عليه وسلم بالإعراض عن من هذه حاله ، ثم ذكر سبب التولي عن الذكر ، وهو حصر إرادته في الحياة الدنيا . فالتولي عن الذكر سبب للإعراض عنهم ، وإيثار الدنيا سبب التولي عن الذكر ،

٣٠

ذلك مبلغهم من . . . . .

وذلك إشارة إلى تعلقهم بالدنيا وتحصيلها . { مَبْلَغُهُمْ } : غايتهم ومنتهاهم من العلم ، وهو ما تعلقت به علومهم من مكاسب الدنيا ، كالفلاحة والصنائع ، لقوله تعالى :{ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مّنَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا} ولما ذكر ما هم عليه ، أخبر تعالى بأنه عالم بالضال والمهتدي ، وهو مجازيهما .

وقال الزمخشري : وقوله :{ ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مّنَ الْعِلْمِ } : اعتراض . انتهى ، وكأنه يقول : هو اعتراض بين { فَأَعْرَضَ } وبين { إِنَّ رَبَّكَ } ، ولا يظهر هذا الذي يقوله من الاعتراض .

وقيل : ذلك إشارة إلى جعلهم الملائكة بنات اللّه . وقال الفراء : صغر رأيهم وسفه أحلامهم ، أي غاية عقولهم ونهاية علومهم أن آثروا الدنيا على الآخرة .

وقيل : ذلك إشارة إلى الظن ، أي غاية ما يفعلون أن يأخذوا بالظن . وقوله :{ إِنَّ رَّبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ } في معرض التسلية ،

إذ كان من خلقه عليه الصلاة والسلام الحرص على إيمانهم ، وفي ذلك وعيد للكفار ، ووعد للمؤمنين .

٣١

وللّه ما في . . . . .

{وَللّه مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاْرْضِ } : أخبر أن من في العالم العلوي والعالم السفلي ملكه تعالى ، يتصرف فيهما بما شاء . واللام في { لِيَجْزِىَ } متعلقة بما دل عليه معنى الملك ، أي يضل ويهدي ليجزي .

وقيل : بقوله :{ بِمَن ضَلَّ } ، و { بِمَنِ اهْتَدَى } ، واللام للصيرورة ، والمعنى : إن عاقبة أمرهم جميعاً للجزاء بما علموا ، أي بعقاب ما علموا ، والحسنى : الجنة .

وقيل : التقدير بالأعمال الحسنى ، وحين ذكر جزاء المسيء قال : بما علموا ، وحين ذكر جزاء المحسن أتى بالصفة التي تقتضي التفضل ، وتدل على الكرم والزيادة للمحسن ، كقوله تعالى :{ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِى كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ، والأحسن تأنيث الحسنى .

وقرأ زيد بن علي : لنجزي ونحزي بالنون فيهما .

٣٢

الذين يجتنبون كبائر . . . . .

وتقدّم الكلام في الكبائر في قوله تعالى : { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ } في سورة النساء . والذنوب تنقسم إلى كبائر وصغائر ، والفواحش معطوف على كبائر ، وهي ما فحش من الكبائر ، أفردها بالذكر لتدل على عظم مرتكبها .

وقال الزمخشري : والكبائر : الذنوب التي لا يسقط عقابها إلا بالتوبة . انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال .{ إِلاَّ اللَّمَمَ } : استثناء منقطع ، لأنه لم يدخل تحت ما قبله ، وهو صغار الذنوب ، أو صفة إلى كبائر الإثم غير اللمم ، كقوله :{ لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ اللّه } ،أي غير اللّه { لَفَسَدَتَا}

وقيل : يصح أن يكون استثناء متصلاً ، وهذا يظهر عند تفسير اللمم ما هو ، وقد اختلفوا فيه اختلافاً ، فقال الخدري : هو النظرة والغمزة والقبلة . وقال السدي : الخطرة من الذنب . وقال أبو هريرة وابن عباس والشعبي والكلبي : كل ذنب لم يذكر اللّه تعالى عليه حداً ولا عذاباً .

وقال ابن عباس أيضاً وابن زيد : ما ألموا به من الشرك والمعاصي في الجاهلية قبل الإسلام .

وعن ابن عباس وزيد بن ثابت وزيد بن أسلم وابنه : أن سبب الآية قول الكفار للمسلمين : قد كنتم بالأمس تعملون أعمالنا ، فنزلت ، وهي مثل قوله :{ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الاْخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ}

وقيل : نزلت في نبهان التمار ، وحديثه مشهور .

وقال ابن عباس وغيره : العلقة والسقطة دون دوام ، ثم يتوب منه . وقال الحسن : والزنا والسرقة والخمر ، ثم لا يعود . وقال ابن المسيب : ما خطر على القلب . وقال نفطويه : ما ليس بمعتاد . وقال الرماني : الهم بالذنب ، وحديث النفس دون أن يواقع .

وقيل : نظرة الفجأة .{ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ } ، حيث يكفر الصغائر باجتناب الكبائر .

وقال الزمخشري : والكبائر بالتوبة . انتهى ، وفيه نزغة الاعتزال .

{هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ } : قيل نزلت في قوم من اليهود عظموا أنفسهم ، وإذا مات طفل لهم قالوا : هذا صديق عند اللّه .

وقيل : في قوم من المؤمنين فخروا بأعمالهم ، والظاهر أنه خطاب عام ، وأعلم على بابها من التفضيل . وقال مكي : بمعنى عالم بكم ، ولا ضرورة إلى إخراجها عن أصل موضوعها . كان مكياً راعى عمل أعلم في الظرف الذي هو :{ إِذْ أَنشَأَكُمْ مّنَ الاْرْضِ } ، والظاهر أن المراد بأنشأكم : أنشأ أصلكم ، وهو آدم . ويجوز أن يراد من فضلة الأغذية التي منشؤها من الأرض ، { فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ } : أي لا تنسبوها إلى زكاء الأعمال والطهارة عن المعاصي ، ولا تثنوا عليها واهضموها ، فقد علم اللّه منكم الزكي والتقي قبل إخراجكم من صلب آدم ، وقبل إخراجكم من بطون أمهاتكم .

وكثيراً ما ترى من المتصلحين ، إذا حدثوا ، كان وردنا البارحة كذا ، وفاتنا من وردنا البارحة ، أو فاتنا وردنا ، يوهمون الناس أنهم يقومون بالليل . وترى لبعضه في جبينه سواداً يوهم أنه من كثرة السجود ، ولبعضهم احتضار النية حالة الإحرام ، فيحرك يديه مراراً ، ويصعق حتى ينزعج من بجانبه ، وكأنه يخطف شيئاً بيديه وقت التحريكة الأخيرة ، يوهم أنه يحافظ على تحقيق النية . وبعضهم يقول في

حلفه : وحق البيت الذي زرت ، يعلم أنه حاج ، وإذا لاح له فلس يثب عليه وثوب الأسد على الفريسة ، ولا يلحقه شيء من الواسوس ، ولا من إحضار النية في أخذه ، وتراه يحب الثناء عليه بالأوصاف الجميلة التي هو عارضها .

وقيل : المعنى لا يزكي بعضكم بعضاً تزكية السمعة أو المدح للدنيا ، أو تزكية بالقطع .

وأما التزكية لإثبات الحقوق فجائزة للضرورة .

والجنين : ما كان في البطن ، فإذا خرج سمي ولداً أو سقطاً . وقوله : { فِى بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ } تنبيه على كمال العلم والقدرة ، فإن بطن الأم في غاية الظلمة ، ومن علم حاله وهو مجنّ ، لا يخفى عليه حاله وهو ظاهر .{ بِمَنِ اتَّقَى } : قيل الشرك . وقال علي : عمل حسنة وارعوى عن معصية .

٣٣

أفرأيت الذي تولى

{أَفَرَأَيْتَ } الآية ، قال مجاهد وابن زيد ومقاتل : نزلت في الوليد بن المغيرة ، كان قد سمع قراءة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وجلس إليه ووعظه ، فقرب من الإسلام ، وطمع فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ثم إنه عاتبة رجل من المشركين ، فقال له : أتترك ملة آبائك ؟ ارجع إلى دينك واثبت عليه ، وأنا أتحمل لك بكل شيء تخافه في الآخرة ، لكن على أن تعطيني كذا وكذا من المال . فوافقه الوليد على ذلك ، ورجع عن ما هم به من الإسلام ، وضل ضلالاً بعيداً ، وأعطى بعض ذلك المال لذلك الرجل ، ثم أمسك عنه وشح . وقال الضحاك : هو النضر بن الحرث ، أعطى خمس فلايس لفقير من المهاجرين حتى ارتد عن دينه ، وضمن له أن يحمل عنه مآثم رجوعه . وقال السدي : نزلت في العاصي بن وائل السهمي ، كان ربما يوافق النبي صلى اللّه عليه وسلم في بعض الأمور . وقال محمد بن كعب : في أبي جهل بن هشام ، قال : واللّه ما يأمر محمد إلا بمكارم الأخلاق . وروي عن ابن عباس والسدي أنها نزلت في عثمان بن عفان ، رضي اللّه تعالى عنه ؛ كان يتصدق ، فقال له أخوه من الرضاعة عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح نحواً من كلام القائل للوليد بن المغيرة الذي بدأنا به . وذكر القصة بتمامها الزمخشري ، ولم يذكر في سبب النزول غيرها .

قال ابن عطية : وذلك كله عندي باطل ، وعثمان رضي اللّه عنه منزه عن مثله . انتهى .

وأفرأيت هنا بمعنى : أخبرني ، ومفعولها الأول الموصول ، والثاني الجملة الاستفهامية ، وهي :{ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ} و { تَوَلَّى } : أي أعرض عن الإسلام .

وقال الزمخشري :{ تَوَلَّى } : ترك المركز يوم أحد . انتهى . لما جعل الآية نزلت في عثمان ، فسر التولي بهذا . وإذا ذكر التولي غير مقيد في القرآن ، فأكثر استعماله أنه استعارة عن عدم الدخول في الإيمان .

٣٤

وأعطى قليلا وأكدى

{وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى } ، قال ابن عباس : أطاع قليلاً ثم عصى . وقال مجاهد : أعطى قليلاً من نفسه

بالاستماع ، ثم أكدى بالانقطاع . وقال الضحاك : أعطى قليلاً من ماله ثم منع . وقال مقاتل : أعطى قليلاً من الخير بلسانه ثم قطع .

٣٥

أعنده علم الغيب . . . . .

{أعنده عِلْمُ الْغَيْبِ } : أي أعلم من الغيب أن من تحمل ذنوب آخر ، فإنه المتحمل عنه ينتفع بذلك ، فهو لهذا الذي علمه يرى الحق وله فيه بصيره ، أم هو جاهل ؟

وقال الزمخشري :{ فَهُوَ يَرَى } : فهو يعلم أن ما قاله أخوه من احتمال أوزاره حق .

وقيل : يعلم حاله في الآخرة . وقال الزجاج : يرى رفع مأثمه في الآخرة .

وقيل : فهو يرى أن ما سمعه من القرآن باطل . وقال الكلبي : أنزل عليه قرآن ، فرأى ما منعه حق .

وقيل :{ فَهُوَ يَرَى } : أي الأجزاء ، واحتمل يرى أن تكون بصرية ، أي فهو يبصر ما خفي عن غيره مما هو غيب ، واحتمل أن يكون بمعنى يعلم ، أي فهو يعلم الغيب مثل الشهادة .

٣٦

انظر تفسير الآية:٣٨

٣٨

أم لم ينبأ . . . . .

{أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ } : أي بل ألم يخبر ؟{ بِمَا فِى صُحُفِ مُوسَى } ، وهي التوراة .{ وَإِبْراهِيمَ } : أي وفي صحف إبراهيم التي أنزلت عليه ، وخص هذين النبيين عليهما أفضل الصلاة والسلام . قيل : لأنه ما بين نوح وإبراهيم كانوا يأخذون الرجل بأبيه وابنه وعمه وخاله ، والزوج بامرأته ، والعبد بسيده . فأول من خالفهم إبراهيم ، ومن شريعة إبراهيم إلى شريعة موسى صلى اللّه عليه وسلم عليهما ، كانوا لا يأخذون الرجل بجريمة غيره .{ الَّذِى وَفِى } ، قرأ الجمهور : وفي بتشديد الفاء .

وقرأ أبو أمامة الباهلي وسعيد بن جبير وأبو مالك الغفاري وابن السميفع وزيد بن علي : بتخفيفها ، ولم يذكر متعلق وفي ليتناول كل ما يصلح أن يكون متعلقاً له ، كتبليغ الرسالة والاستقلال بأعباء الرسالة ، والصبر على ذبح ولده ، وعلى فراق اسماعيل وأمه ، وعلى نار نمروذ وقيامه بأضيافه وخدمته إياهم بنفسه . وكان يمشي كل يوم فرسخاً يرتاد ضيفاً ، فإن وافقه أكرمه ، وإلا نوى الصوم . وعن الحسن : ما أمره اللّه بشيء إلا وفى به . وعن عطاء بن السائب : عهد أن لا يسأل مخلوقاً .

وقال ابن عباس والربيع : وفي طاعة اللّه في أمر ذبح ابنه . وقال الحسن وقتادة : وفي بتبليغ الرسالة والمجاهدة في ذات اللّه . وقال عكرمة : وفي هذه العشر الآيات :{ أَن لا تَزِرُ } فما بعدها .

وقال ابن عباس أيضاً وقتادة : وفي ما افترض عليه من الطاعة على وجهها ، وكملت له شعب الإيمان والإسلام ، فأعطاه اللّه براءته من النار .

وقال ابن عباس أيضاً : وفي شرائع الإسلام ثلاثين سهماً ، يعني : عشرة في براءة التائبون الخ ، وعشرة في قد أفلح ، وعشرة في الأحزاب إن المسلمين . وقال أبو أمامة : ورفعه إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وفي أربع صلوات في كل يوم . وقال أبو بكر الوراق : قام بشرط ما ادّعى ، وذلك أن اللّه تعالى قال له : أسلم ، قال : أسلمت لرب العالمين ، فطالبه بصحة دعواه ، فابتلاه في ما له وولده ونفسه ، فوجده وافياً . انتهى ، وللمفسرين أقوال غير هذه . وينبغي أن تكون هذه الأقوال أمثلة لما وفي ، لا على سبيل التعيين ، وأن هي المخففة من الثقيلة ، وهي بدل من ما في قوله :{ بِمَا فِى صُحُفِ } ،أو في موضع رفع ، كأن قائلاً قال : ما في صحفهما ، فقيل :{ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } ، وتقدم شرح { لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}

٣٩

انظر تفسير الآية:٤٠

٤٠

وأن ليس للإنسان . . . . .

{وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى } : الظاهر أن الإنسان يشمل المؤمن والكافر ، وأن الحصر في السعي ، فليس له سعي غيره ، وقال عكرمة : كان هذا الحكم في قوم إبراهيم وموسى ،

وأما هذه الأمّة فلها سعي غيرها ، يدل عليه حديث سعد بن عبادة : هل لأمي ، إن تطوعت عنها ؟ قال : نعم . وقال الربيع : الإنسان هنا الكافر ،

وأما المؤمن فله ما سعى وما سعى له غيره . وسأل والي خراسان عبد اللّه بن طاهر الحسين بن الفضل عن هذه الآية مع قوله :{ وَاللّه يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء } ، فقال : ليس له بالعدل إلا ما سعى ، وله بالفضل ما شاء اللّه ، فقبل عبد اللّه رأس الحسين . وما روي عن ابن عباس أنها منسوخة لا يصح ، لأنه خبر لم يتضمن تكليفاً ؛ وعند الجمهور : إنها محكمة .

قال ابن عطية : والتحرير عندي في هذه الآية أن ملاك المعنى هو اللام من قوله :{ لِلإِنسَانِ} فإذا حققت الذي حق الإنسان أن يقول فيه لي كذا ، لم تجده إلا سعيه ، وما تم بعد من رحمة بشفاعة ، أو رعاية أب صالح ، أو ابن صالح ، أو تضعيف حسنات ، أو تعمد بفضل ورحمة دون هذا كله ، فليس هو للإنسان ، ولا يسعه أن يقول لي كذا وكذا إلا على تجوز وإلحاق بما هو حقيقة . واحتج بهذه الآية من يرى أنه لا يعمل أحد عن أحد بعد موته

ببدن أو مال ، وفرق بعض العلماء بين البدن والمال . انتهى .

والسعي : التكسب ، ويرى مبني للمفعول ، أي سوف يراه حاضراً يوم القيامة . وفي عرض الأعمال تشريف للمحسن وتوبيخ للمسيء ،

٤١

ثم يجزاه الجزاء . . . . .

والضمير المرفوع في يجزاه عائد على الإنسان ، والمنصوب عائد على السعي ، والجزاء مصدر .

قال الزمخشري : ويجوز أن يكون الضمير للجزاء ، ثم فسره بقوله : { الْجَزَاء الاوْفَى} وإذا كان تفسيراً للمصدر المنصوب في يجزاه ، فعلى ماذا انتصابه ؟

وأما إذا كان بدلاً ، فهو من باب بدل الظاهر من الضمير الذي يفسره الظاهر ، وهي مسألة خلاف ، والصحيح المنع .

٤٢

وأن إلى ربك . . . . .

وقرأ الجمهور : { وَأَنَّ إِلَى رَبّكَ } وما بعدها من { وَأَنَّهُ } ، وأن بفتح الهمزة عطفاً على ما قبلها .

وقرأ أبو السمال : بالكسر فيهن ،

وفي قوله :{ الاوْفَى } وعيد للكافر ووعد للمؤمن ، ومنتهى الشيء : غايته وما يصل إليه ، أي إلى حساب ربك والحشر لأجله ، كما قال :{ وَإِلَى اللّه الْمَصِيرُ } : أي إلى جزائه وحسابه ، أو إلى ثوابه من الجنة وعقابه من النار ؛ وهذا التفسير المناسب لما قبله في الآية . وعن أبي ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في قوله تعالى :{ وَأَنَّ إِلَى رَبّكَ الْمُنتَهَى } ، لا فكرة في الرب . وروى أنس عنه صلى اللّه عليه وسلم : { إذا ذكر الرب فانتهوا} .

٤٣

وأنه هو أضحك . . . . .

{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى } : الظاهر حقيقة الضحك والبكاء . قال مجاهد : أضحك أهل الجنة ، وأبكى أهل النار .

وقيل : كنى بالضحك عن السرور ، وبالبكاء عن الحزن .

وقيل : أضحك الأرض بالنبات ، وأبكى السماء بالمطر .

وقيل : أحيا بالإيمان ، وأبكى بالكفر .

وقال الزمخشري :{ أَضْحَكَ وَأَبْكَى } : خلق قوتي الضحك والبكاء . انتهى ، وفيه دسيسة الاعتزال ، إذ أفعال العباد من الضحك والبكاء وغيرهما مخلوقة للعبد عندهم ، لا للّه تعالى ، فلذلك قال : خلق قوتي الضحك والكباء .

٤٥

وأنه خلق الزوجين . . . . .

{وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ } المصطحبين من رجل وامرأة وغيرهما من الحيوان ،

٤٦

من نطفة إذا . . . . .

{مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى } : أي إذا تدفق ، وهو المني . يقال : أمنى الرجل ومنى . وقال الأخفش : إذا يمنى : أي يخلق ويقدر من مني الماني ، أي قدر المقدر .

٤٧

وأن عليه النشأة . . . . .

{وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الاْخْرَى } : أي إعادة الأجسام : أي الحشر بعد البلى ، وجاء بلفظ عليه المشعرة بالتحتم لوجود الشيء لما كانت هذه النشأة ينكرها الكفار بولغ بقوله :{ عَلَيْهِ } بوجودها لا محالة ، وكأنه تعالى أوجب ذلك على نفسه ، وتقدم الخلاف في قراءة النشأة في سورة العنكبوت .

وقال الزمخشري : وقال { عَلَيْهِ } ، لأنها واجبة عليه في الحكمة ليجازي على الإحسان والإساءة . انتهى ، وهو على طريق الاعتزال .

٤٨

وأنه هو أغنى . . . . .

{وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى } : أي أكسب القنية ، يقال : قنيت المال : أي كسبته ، وأقنيته إياه : أي أكسبته إياه ، ولم يذكر متعلق أغنى وأقنى لأن المقصود نسبة هذين الفعلين له تعالى . وقد تكلم المفسرون على ذلك فقالوا اثني عشر قولاً ، كقولهم : أغنى نفسه وأفقر خلقه إليه ، وكل قول منها لا دليل على تعينه ، فينبغي أن تجعل أمثلة .

٤٩

وأنه هو رب . . . . .

والشعرى التي عبدت هي العبور . وقال السدّي : كانت تعبدها حمير وخزاعة . وقال غيره : أول من عبدها أبو كبشة ، أحد أجداد النبي صلى اللّه عليه وسلم ، من قبل أمهاته ، وكان اسمه عبد الشعرى ، ولذلك كان مشركو قريش يسمونه عليه السلام : ابن أبي كبشة ، ومن ذلك كلام أبي سفيان : لقد أمر أمر ابن أبي كبشة . ومن العرب من كان يعظمها ولا يعبدها ، ويعتقد تأثيرها في العالم ، وأنها من الكواكب الناطقة ، يزعم ذلك المنجمون ويتكلمون على المغيبات عند طلوعها ، وهي تقطع السماء طولاً ، والنجوم تقطعها عرضاً . وقال مجاهد وابن زيد : هو مرزم الجوزاء .

٥٠

وأنه أهلك عادا . . . . .

{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الاْولَى} : جاء بين أن وخبرها لفظ هو ، وذلك في قوله :{ وَأَنْ هُوَ أَضْحَكَ } ،{ وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ } ،{ وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى } ،{ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشّعْرَى} ففي الثلاثة الأول ، لما كان قد يدعي ذلك بعض

الناس ، كقول نمروذ : { أَلَمْ تَرَ إِلَى } ، احتيج إلى تأكيد في أن ذلك إنما هو للّه لا غيره ، فهو الذي يضحك ويبكي ، وهو المميت المحيي ، والمغني ، والمقني حقيقة ، وإن ادّعى ذلك أحد فلا حقيقة له .

وأما { وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشّعْرَى } ، فلأنها لما عبدت من دون اللّه تعالى ، نص على أنه تعالى هو ربها وموجدها . ولما كان خلق الزوجين ، والإنشاء الآخر ، وإهلاك عاد ومن ذكر ، لا يمكن أن يدعي ذلك أحد ، لم يحتج إلى تأكيد ولا تنصيص أنه تعالى هو فاعل ذلك . وعاد الأولى هم قوم هود ، وعاد الأخرى إرم .

وقيل :

الأولى : القدماء لأنهم أول الأمم هلاكاً بعد قوم نوح عليه السلام .

وقيل :

الأولى : المتقدّمون في الدنيا الأشراف ، قاله الزمخشري . وقال ابن زيد والجمهور : لأنها في وجه الدهر وقديمه ، فهي أولى بالإضافة إلى الأمم المتأخرة . وقال الطبري : وصفت بالأولى ، لأن عاداً الآخرة قبيلة كانت بمكة مع العماليق ، وهو بنو لقيم بن هزال . وقال المبرد : عاد الأخيرة هي ثمود ، والدليل عليه قول زهير :

كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم

ذكره الزهراوي .

وقيل : عاد الأخيرة : الجبارون .

وقيل : قبل الأولى ، لأنهم كانوا من قبل ثمود .

وقيل : ثمود من قبل عاد .

وقيل : عاد

الأولى : هو عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح ؛ وعاد الثانية : من ولد عاد الأولى .

وقرأ الجمهور :{ عَاداً الاْولَى } ، بتنوين عاداً وكسره لالتقائه ساكناً مع سكون لام الأولى وتحقيق الهمزة بعد اللام .

وقرأ قوم كذلك ، غير أنهم نقلوا حركة الهمزة إلى اللام وحذفوا الهمزة .

وقرأ نافع وأبو عمرو : بإدغام التنوين في اللام المنقول إليها حركة الهمزة المحذوفة ، وعاد هذه القراءة للمازني والمبرد . وقالت العرب في الابتداء بعد النقل : الحمر ولحمر ، فهذه القراءة جاءت على الحمر ، فلا عيب فيها ، وهمز قالون عين الأولى بدل الواو الساكنة . ولما لم يكن بين الضمة والواو حائل ، تخيل أن الضمة على الواو فهمزها ، كما قال :

أحب المؤقدين إليّ مؤسى

وكما قرأ بعضهم : على سؤقه ، وهو توجيه شذوذ ، وفي حرف أبي عاد غير مصروف جعله اسم قبيلة ، فمنعه الصرف للتأنيث والعملية ، والدليل على التأنيث وصفه بالأولى .

٥١

وثمود فما أبقى

وقرأ الجمهور : وثمودا مصروفاً ، وقرأه غير مصروف : الحسن وعاصم وعصمة . { فَمَا أَبْقَى } : الظاهر أن متعلق أبقى يرجع إلى عاد وثمود معاً ، أي فما أبقى عليهم ، أي أخذهم بذنوبهم .

وقيل :{ فَمَا أَبْقَى } : أي فما أبقى منهم عيناً تطرف . وقال ذلك الحجاج بن يوسف حين قيل له إن ثقيفاً من نسل ثمود ، فقال : قال اللّه تعالى :{ وَثَمُودَاْ فَمَا أَبْقَى } ، وهؤلاء يقولون : بقيت منهم بقية ، والظاهر القول الأول ، لأن ثمود كان قد آمن منهم جماعة بصالح عليه السلام ، فما أهلكهم اللّه مع الذين كفروا به .

٥٢

وقوم نوح من . . . . .

{وَقَوْمَ نُوحٍ مّن قَبْلُ } : أي من قبل عاد وثمود ، وكانوا أول أمة كذبت من أهل الأرض ، ونوح عليه السلام أول الرسل . والظاهر أن الضمير في { أَنَّهُمْ } عائد على قوم نوح ، وجعلهم { أَظْلَمَ وَأَطْغَى } لأنهم كانوا في غاية العتو والإيذاء لنوح عليه السلام ، يضربونه حتى لا يكاد يتحرك ، ولا يتأثرون لشيء مما يدعوهم إليه . وقال قتادة : دعاهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ، كلما هلك قرن نشأ قرن ، حتى كان الرجل يأخذ بيد ابنه يتمشى به إليه ، يحذره منه ويقول : يا بني إن أبي مشى بي إلى هذا ولنا مثلك يومئذ ، فإياك أن تصدقه ، فيموت الكبير على الكفر ، وينشأ الصغير على وصية أبيه .

وقيل : الضمير في إنهم عائد على من تقدم عاد وثمود وقوم نوح ، أي كانوا أكفر من قريش وأطغى ، ففي ذلك تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وهم يجوز أن يكون تأكيداً للضمير المنصوب ، ويجوز أن يكون فصلاً ، لأنه واقع بين معرفة وأفعل التفضيل ، وحذف المفضول بعد الواقع خبراً لكان ، لأنه جار مجرى خبر المبتدأ ، وحذفه فصيح فيه

فكذلك في خبر كان .

٥٣

والمؤتفكة أهوى

{وَالْمُؤْتَفِكَةَ } : هي مدائن قوم لوط بإجماع من المفسرين ، وسميت بذلك لأنها انقلبت ، ومنه الإفك ، لأنه قلب الحق كذباً ، أفكه فأئتفك . قيل : ويحتمل أن يراد بالمؤتفكة : كل ما انقلبت مساكنه ودبرت أماكنه .{ أَهْوَى } : أي خسف بهم بعد رفعهم إلى السماء ، رفعها جبريل عليه السلام ، ثم أهوى بها إلى الأرض . وقال المبرد : جعلها تهوي .

وقرأ الحسن : والمؤتفكات جمعاً ، والظاهر أن أهوى ناصب للمؤتفكة ، وأخر العامل لكونه فاصلة . ويجوز أن يكون { وَالْمُؤْتَفِكَةَ } معطوفاً على ما قبله ، و { أَهْوَى } جملة في موضع الحال يوضح كيفية إهلاكهم ، أي وإهلاك المؤتفكة مهوياً لها .

٥٤

فغشاها ما غشى

{فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى } : فيه تهويل للعذاب الذي حل بهم ، لما قلبها جبريل عليه السلام اتبعت حجارة غشيتهم . واحتمل أن يكون فعل المشدد بمعنى المجرد ، فيتعدى إلى واحد ، فيكون الفاعل ما ، كقوله تعالى :{ فَغَشِيَهُمْ مّنَ الْيَمّ مَا غَشِيَهُمْ}

٥٥

فبأي آلاء ربك . . . . .

{فَبِأَىّ الاء رَبّكَ تَتَمَارَى } : الباء ظرفية ، والخطاب للسامع ، وتتمارى : تتشكك ، وهو استفهام في معنى الإنكار ، أي آلاؤه ، وهي النعم لا يتشكك فيها سامع ، وقد سبق ذكر نعم ونقم ، وأطلق عليها كلها آلاء لما في النقم من الزجر والوعظ لمن اعتبر .

وقرأ يعقوب وابن محيصن : ربك تمارى ، بتاء واحدة مشددة . وقال أبو مالك الغفاري : إن قوله :{ أَن لا تَزِرُ } إلى قوله :{ تَتَمَارَى } هو في صحف إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام .

٥٦

هذا نذير من . . . . .

{هَاذَا نَذِيرٌ } ، قال قتادة ومحمد بن كعب وأبو جعفر : الإشارة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، افتتح أول السورة به ، واختتم آخرها به .

وقيل : الإشارة إلى القرآن . وقال أبو مالك : إلى ما سلف من الأخبار عن الأمم ، أي هذا إنذار من الإنذارات السابقة ، والنذير يكون مصدراً أو اسم فاعل ، وكلاهما من أنذر ، ولا يتقاسان ، بل القياس في المصدر إنذار ، وفي اسم الفاعل منذر ؛ والنذر إما جمع للمصدر ، أو جمع لاسم الفاعل . فإن كان اسم فاعل ، فوصف النذر بالأولى على معنى الجماعة .

ولما ذكر إهلاك من تقدّم ذكره ، وذكر قوله :{ هَاذَا نَذِيرٌ } ، ذكر أن الذي أنذر به قريب الوقوع

٥٧

أزفت الآزفة

فقال : { أَزِفَتِ الاْزِفَةُ } : أي قربت الموصوفة بالقرب في قوله :{ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ } ، وهي القيامة .

٥٨

ليس لها من . . . . .

{لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّه كَاشِفَةٌ } : أي نفس كاشفة تكشف وقتها وتعلمه ، قاله الطبري والزجاج . وقال القاضي منذر بن سعيد : هو من كشف الضر ودفعه ، أي ليس لها من يكشف خطبها وهو لها . انتهى . ويجوز أن تكون الهاء في كاشفة للمبالغة . وقال الرماني وجماعة : ويحتمل أن يكون مصدراً ، { كالعاقبة } ،{ وَتَلَذُّ الاْعْيُنُ } ،أي ليس لها كشف من دون اللّه .

وقيل : يحتمل أن يكون التقدير حال كاشفة .

٥٩

أفمن هذا الحديث . . . . .

{أَفَمِنْ هَاذَا الْحَدِيثِ} وهو القرآن ، { تَعْجَبُونَ } فتنكرون ،

٦٠

وتضحكون ولا تبكون

{وَتَضْحَكُونَ } مستهزئين ، { وَلاَ تَبْكُونَ } جزعاً من وعيده .

٦١

وأنتم سامدون

{وَأَنتُمْ سَامِدُونَ } ، قال مجاهد : معرضون . وقال عكرمة : لاهون . وقال قتادة : غافلون . وقال السدّي : مستكبرون .

وقال ابن عباس : ساهون . وقال المبرد : جامدون ، وكانوا إذا سمعوا القرآن غنوا تشاغلاً عنه . وروي أنه عليه الصلاة والسلام لم ير ضاحكاً بعد نزولها .

٦٢

فاسجدوا للّه واعبدوا

فاسجدوا : أي صلوا له ،  { وَاعْبُدُواْ } : أي أفردوه بالعبادة ، ولا تعبدوا اللات والعزى ومناة والشعرى وغيرها من الأصنام . وخرّج البغوي بإسناد متصل إلى عبد اللّه ، قال : أول سورة نزلت فيها السجدة النجم ، فسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وسجد من خلفه إلا رجلاً رأيته أخذ كفاً من تراب فسجد عليه ، فرأيته بعد ذلك قتل كافراً ، والرجل أمية بن خلف . وروي أن المشركين سجدوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وفي حرف أبي وعبد اللّه : تضحكون بغير واو .

وقرأ الحسن : تعجبون تضكحون ، بغير واو وبضم التاء وكسر الجيم والحاء .

وفي قوله :{ وَلاَ تَبْكُونَ } ، حض على البكاء عند سماع القرآن . والسجود هنا عند كثير من أهل العلم

منهم عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه ، ووردت به أحاديث صحاح ، وليس يراها مالك هنا . وعن زيد بن ثابت : أنه قرأ بها عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فلم يسجد ، واللّه تعالى أعلم .

﴿ ٠