سورة الرحمنمكية بسم اللّه الرحمن الرحيم ١انظر تفسير الآية:٢ ٢الرحمن النجم : النبات الذي لا ساق له ، من نجم : أي ظهر وطلع . الأنام : الحيوان . العصف : ورق الزرع . الريحان : كل مشموم طيب الريح من النبات . المرجان : الخرز الأحمر ، وقيل : صغار الدر ، واللؤلؤ كباره ، واللؤلؤ بناء غريب . قيل : لا يحفظ منه في كلام العرب أكثر من خمسة ؛ اللؤلؤ ، والجؤجؤ ، والدؤدؤ ، واليؤيؤ طائر ، والبؤبؤ . والنفوذ : الخروج من الشيء بسرعة . الشواظ : اللّهب الخالص بغير دخان . وقال حسان : هجوتك فاختضعت لها بذل بقافية تأجج كالشواظ وقال رؤبة : ونار حرب تسعر الشواظا وتضم شينه وتكسر . النحاس ، قال الخليل : والنحاس هو الدخان الذي لا لهب له ، وهو معروف في كلام العرب . قال نابغة بني جعدة : تضيء كضوء سراج السليط لم يجعل اللّه فيه نحاساً وقال الكسائي : النحاس هو النار الذي له ريح شديد ، وقيل : الصفر المذاب ، وتضم نونه وتكسر . الوردة : الشديدة الحمرة ، يقال : فرد ورد ، وحجرة وردة . الدهان : الجلد الأحمر . أنشد القاضي منذر بن سعد ، رحمه اللّه : تبعن الدهان الحمر كل عشية بموسم بدر أو بسوق عكاظ الناصية : مقدم الرأس . آن : نهاية في الحر . الأفنان ، جمع فنن : وهو الغصن ، أو جمع فن : وهو النوع . قال الشاعر : ومن كل أفنان اللذاذة والصبى لهوت به والعيش أخضر ناضر وقال نابغة بني ذبيان : بكاء حمامة تدعو هديلا مفجعة على فنن تغني الجني : ما يقطف من الثمرة ، وهو فعل بمعنى مفعول ، كالقبض بمعنى مقبوض . قاصرات الطرف : قصرت ألحاظهن على أزواجهنّ . قال الشاعر : من القاصرات الطرف لو دب محول من الذر فوق الأثب منها لأثرا الطمث : دم الحيض ودم الافتضاض . الياقوت : حجر معروف ، وقيل : لا تؤثر فيه النار ، قال الشاعر : وطالما أصلى الياقوت جمر غضى ثم انطفى الجمر والياقوت ياقوت الادهمام : السواد . النضح : فوران الماء . المقصورة : المحبوسة ، ويقال : قصيرة وقصورة : أي مخدرة . وقال كثير : وأنت التي حببت كل قصيرة إليّ ولم تشعر بذاك القصائر عنيت قصيرات الحجال ولم أرد قصار الخطا شر النساء البحاتر الخيمة معروفة ، وهي بيت المرتحل من خشب وتمام وسائر الحشيش ، وإذا كان من شعر فهو بيت ، ولا يقال له خيمة ، ويجمع على خيام وخيم . قال جرير : متى كان الخيام بذي طلوح سقيت الغيث أيتها الخيام الرفرف : ما يدلى من الأسرة من غالي الثياب . وقال الجوهري : ثياب خضر تتخذ منها المجالس ، الواحدة رفرفة ، واشتقاقه من رف إذا ارتفع ، ومنه رفرفة الطائر لتحريك جناحيه وارتفاعه في الهواء ، وسمي الطائر رفرافاً ، ورفرف جناحيه : حركهما ليقع على الشيء ، ورفرف السحاب : هسد به . العبقري : منسوب إلى عبقر ، تزعم العرب أنه بلد الجن ، فينسبون إليه كل شيء عجيب . قال زهير : بخيل عليها جنة عبقرية جديرون يوماً أن ينالوا فيستعلوا وقال امرؤ القيس : كأن صليل المرء حين يشذه صليل زيوف ينتقدن بعبقرا وقال ذو الرمة : حي كأن رياض العف ألبسها من وشي عبقر تحليل وتنجيد وقال الخليل : العبقري : كل جليل نفيس من الرجال والنساء وغيرهم . الجلال : العظمة . قال الشاعر : خبر ما قد جاءنا مستعمل جل حتى دق فيه الأجل هذه السورة مكية في قول الجمهور ، مدنية في قول ابن مسعود . وعن ابن عباس : القولان ، وعنه : سوى آية هي مدنية ، وهي :{ يَسْأَلُهُ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ } الآية . وسبب نزولها فيما قال مقاتل : أنه لما نزل { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُواْ لِلرَّحْمَانِ } الآية ، قالوا : ما نعرف الرحمن ، فنزلت :{ الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْءانَ} وقيل : لما قالوا { إِنَّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ } ، أكذبهم اللّه تعالى وقال :{ الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْءانَ} وقيل : مدنية نزلت ، إذ أبى سهيل بن عمرو وغيره أن يكتب في الصلح :{ بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ومناسبة هذه السورة لما قبلها : أنه لما ذكر مقر المتقين في جنات ونهر عند مليك مقتدر ، ذكر شيئاً من آيات الملك وآثار القدرة ، ثم ذكر مقر الفريقين على جهة الإسهاب ، إذ كان في آخر السورة ذكره على جهة الاختصار والإيجاز . ولما ذكر قوله :{ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ } ، فأبرز هاتين الصفتين بصورة التنكير ، فكأنه قيل : من المتصف بذلك ؟ فقال :{ الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْءانَ } ، فذكر ما نشأ عن صفة الرحمة ، وهو تعلى م القرآن الذي هو شفاء للقلوب . والظاهر أن { الرَّحْمَنُ } مرفوع على الابتداء ، { وَعَلَّمَ الْقُرْءانَ } خبره . وقيل :{ الرَّحْمَنُ } آية بمضمر ، أي اللّه الرحمن ، أو الرحمن ربنا ، وذلك آية ؛ و { عَلَّمَ الْقُرْءانَ } استئناف إخبار . ولما عدّد نعمه تعالى ، بدأ من نعمه بما هو أعلى رتبها ، وهو تعليم القرآن ، إذ هو عماد الدين ونجاة من استمسك به . ٣انظر تفسير الآية:٤ ٤خلق الإنسان ولما ذكر تعليم القرآن ولم يذكر المعلم ، ذكره بعد في قوله : { خَلَقَ الإِنسَانَ } ، ليعلم أنه المقصود بالتعليم . ولما كان خلقه من أجل الدين وتعليمه القرآن ، كان كالسبب في خلقه تقدّم على خلقه . ثم ذكر تعالى الوصف الذي يتميز به الإنسان من المنطق المفصح عن الضمير ، والذي به يمكن قبول التعليم ، وهو البيان . ألا ترى أن الأخرس لا يمكن أن يتعلم شيئاً مما يدرك بالنطق ؟ وعلم متعدّية إلى اثنين ، حذف أولهما لدلالة المعنى عليه ، وهو جبريل ، أو محمد عليهما الصلاة والسلام ، أو الإنسان ، أقوال . وتوهم أبو عبد اللّه الرازي أن المحذوف هو المفعول الثاني ، قال : فإن قيل : لم ترك المفعول الثاني ؟ وأجاب بأن النعمة في التعليم ، لا في تعليم شخص دون شخص ، كما يقال : فلان يطعم الطعام ، إشارة إلى كرمه ، ولا يبين من يطعمه . انتهى . والمفعول الأول هو الذي كان فاعلاً قبل النقل بالتضعيف أو الهمزة في علم وأطعم . وأبعد من ذهب إلى أن معنى { عَلَّمَ الْقُرْءانَ } : جعله علامة وآية يعتبر بها ، وهذه جمل مترادفة ، أخبار كلها عن الرحمن ، جعلت مستقلة لم تعطف ، إذ هي تعداد لنعمه تعالى . كما تقول : زيد أحسن إليك ، خوّلك : أشار بذكرك ، والإنسان اسم جنس . وقال قتادة الإنسان : آدم عليه السلام . وقال ابن كيسان : محمد صلى اللّه عليه وسلم. وقال ابن زيد والجمهور :{ البَيَانَ } : المنطق ، والفهم : الإبانة ، وهو الذي فضل به الإنسان على سائر الحيوان . وقال قتادة : هو بيان الحلال والشرائع ، وهذا جزء من البيان العام . وقال محمد بن كعب : ما يقول وما يقال له . وقال الضحاك : الخير والشر . وقال ابن جريج : الهدى . وقال يمان : الكتابة . ومن قال : الإنسان آدم ، فالبيان أسماء كل شيء ، أو التكلم بلغات كثيرة أفضلها العربية ، أو الكلام بعد أن خلقه ، أو علم الدنيا والآخرة ، أو الاسم الأعظم الذي علم به كل شيء ، أقوال ، آخرها منسوب لجعفر الصادق ٥الشمس والقمر بحسبان ولما ذكر تعالى ما أنعم به على الإنسان من تعليمه البيان ، ذكر ما امتن به من وجود الشمس والقمر ، وما فيهما من المنافع العظيمة للإنسان ، إذ هما يجريان على حساب معلوم وتقدير سوي في بروجهما ومنازلهما . والحسبان مصدر كالغفران ، وهو بمعنى الحساب ، قاله قتادة . وقال الضحاك وأبو عبيدة : جمع حساب ، كشهاب وشهبان . قال ابن عباس وأبو مالك وقتادة : لهما في طلوعهما وغروبهما وقطعهما البروج ، وغير ذلك حسبانات شتى . وقال ابن زيد : لولا الليل والنهار لم يدر أحد كيف يحسب شيئاً يريد من مقادير الزمان . وقال مجاهد : الحسبان : الفلك المستدير ، شبهه بحسبان الرحى ، وهو العود المستدير الذي باستدارته تستدير المطحنة . وارتفع الشمس على الابتداء وخبره بحسبان ، فأما على حذف ، أي جري الشمس والقمر كائن بحسبان . وقيل : الخبر محذوف ، أي يجريان بحسبان ، وبحسبان متعلق بيجريان ، وعلى قول مجاهد : تكون الباء في بحسبان ظرفية ، لأن الحسبان عنده الفلك . ٦والنجم والشجر يسجدان ولما ذكر تعالى ما أنعم به من منفعة الشمس والقمر ، وكان ذلك من الآيات العلوية ، ذكر في مقابلتهما من الآثار السفلية النجم والشجر ، إذ كانا رزقاً للإنسان ، وأخبر أنهما جاريان على ما أراد اللّه بهما ، من تسخيرهما وكينونتهما على ما اقتضته حكمته تعالى . ولما ذكر ما به حياة الأرواح من تعليم القرآن ، ذكر ما به حياة الأشباح من النبات الذي له ساق ، وكان تقديم النجم ، وهو مالا ساق له ، لأنه أصل القوت ، والذي له ساق ثمره يتفكه به غالباً . والظاهر أن النجم هو الذي شرحناه ، ويدل عليه اقترانه بالشجر . وقال مجاهد وقتادة والحسن : النجم : اسم الجنس من نجوم السماء . وسجودهما ، قال مجاهد والحسن : ذلك في النجم بالغروب ونحوه ، وفي الشجر بالظل واستدارته . وقال مجاهد أيضاً : والسجود تجوز ، وهو عبارة عن الخضوع والتذلل . والجمل الأول فيها ضمير يربطها بالمبتدأ ، وأما في هاتين الجملتين فاكتفى بالوصل المعنوي عن الوصل اللفظي ، إذ معلوم أن الحسبان هو حسبانه ، وأن السجود له لا لغيره ، فكأنه قيل : بحسبانه ويسجدان له . ولما أوردت هذه الجمل مورد تعديد النعم ، رد الكلام إلى العطف في وصل ما يناسب وصله ، والتناسب الذي بين هاتين الجملتين ظاهر ، لأن الشمس والقمر علويان ، والنجم والشجر سفليان . ٧والسماء رفعها ووضع . . . . . {وَالسَّمَاء رَفَعَهَا } : أي خلقها مرفوعة ، حيث جعلها مصدر قضاياه ومسكن ملائكته الذين ينزلون بالوحي على أنبيائه ، ونبه بذلك على عظم شأنه وملكه . وقرأ الجمهور :{ وَالسَّمَاء } ، بالنصب على الاشتغال ، روعي مشاكلة الجملة التي تليه وهي { يَسْجُدَانِ} وقرأ أبو السمال : والسماء بالرفع ، راعى مشاكلة الجملة الابتدائية . وقرأ الجمهور :{ وَوَضَعَ الْمِيزَانَ } ، فعلاً ماضياً ناصباً الميزان ، أي أقره وأثبته . وقرأ إبراهيم : ووضع الميزان ، بالخفض وإسكان الضاد . والظاهر أنه كل ما يوزن به الأشياء وتعرف مقاديرها ، وإن اختلفت الآلات ، قال معناه ابن عباس والحسن وقتادة ، جعله تعالى حاكماً بالسوية في الأخذ والإعطاء . وقال مجاهد والطبري والأكثرون : الميزان : العدل ، وتكون الآلات من بعض ما يندرج في العدل . بدأ أولاً بالعلم ، فذكر ما فيه أشرف أنواع العلوم وهو القرآن ؛ ثم ذكر ما به التعديل في الأمور ، وهو الميزان ، كقوله :{ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ } ، ليعلموا الكتاب ويفعلوا ما يأمرهم به الكتاب . ٨ألا تطغوا في . . . . . {أَن لا تَطْغَوْاْ فِى الْمِيزَانِ } : أي لأن لا تطغوا ، فتطغوا منصوب بأن . وقال الزمخشري : أو هي أن المفسرة . و قال ابن عطية : ويحتمل أن تكون أن مفسرة ، فيكون تطغوا جزماً بالنهي . انتهى ، ولا يجوز ما قالاه من أن أن مفسرة ، لأنه فات أحد شرطيها ، وهو أن يكون ما قبلها جملة فيها معنى القول .{ وَوَضَعَ الْمِيزَانَ } جملة ليس فيها معنى القول . والطغيان في الميزان هو أن يكون بالتعمد ، وأما مالا يقدر عليه من التحرير بالميزان فمعفو عنه . ٩وأقيموا الوزن بالقسط . . . . . ولما كانت التسوية مطلوبة جداً ، أمر اللّه تعالى فقال : { وَأَقِيمُواْ الْوَزْنَ} وقرأ الجمهور :{ وَلاَ تُخْسِرُواْ } ، من أخسر : أي أفسد ونقص ، كقوله :{ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ } ؛ أي ينقصون . وبلال بن أبي بردة وزيد بن علي : تخسر بفتح التاء ، يقال : خسر يخسر ، وأخسر يخسر بمعنى واحد ، كجبر وأجبر . وحكى ابن جني وصاحب اللوامح ، عن بلال : فتح التاء والسين مضارع خسر بكسر السين ، وخرجها الزمخشري على أن يكون التقدير : في الميزان ، فحذف الجار ونصب ، ولا يحتاج إلى هذا التخريج . ألا ترى أن خسر جاء متعدياً كقوله تعالى :{ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم } ، و { خَسِرَ الدُّنْيَا وَالاْخِرَةَ } ؟ وقرىء أيضاً : تخسروا ، بفتح التاء وضم السين . لما منع من الزيادة ، وهي الطغيان ، نهى عن الخسران الذي هو نقصان ، وكرر لفظ الميزان ، تشديداً للتوصية به وتقوية للأمر باستعماله والحث عليه . ١٠والأرض وضعها للأنام ولما ذكر السماء ، ذكر مقابلتها فقال : { وَالاْرْضَ وَضَعَهَا لِلاْنَامِ } : أي خفضها مدحوة على الماء لينتفع بها . وقرأ الجمهور : والأرض بالنصب ؛ وأبو السمال : بالرفع . والأنام ، قال ابن عباس : بنو آدم فقط . وقال أيضاً هو وقتادة وابن زيد والشعبي : الحيوان كله . وقال الحسن : الثقلان ، الجن والإنس . ١١فيها فاكهة والنخل . . . . . {فِيهَا فَاكِهَةٌ } : ضروب مما يتفكه به . وبدأ بقوله :{ فَاكِهَةٍ } ، إذ هو من باب الابتداء بالأدنى والترقي إلى الأعلى ، ونكر لفظها ، لأن الانتفاع بها دون الانتفاع بما يذكر بعدها . ثم ثنى بالنخل ، فذكر الأصل ولم يذكر ثمرتها ، وهو الثمر لكثرة الانتفاع بها من ليف وسعف وجريد وجذوع وجمار وثمر . ١٢والحب ذو العصف . . . . . ثم أتى ثالثاً بالحب الذي هو قوام عيش الإنسان في أكثر الأقاليم ، وهو البر والشعير وكل ما له سنبل وأوراق متشعبة على ساقه ، ووصفه بقوله : { ذُو الْعَصْفِ } تنبيهاً على إنعامه عليهم بما يقوتهم من الحب ، ويقوت بهائمهم من ورقه الذي هو التبن . وبدأ بالفاكهة وختم بالمشموم ، وبينهما النخل والحب ، ليحصل ما به يتفكه ، وما به يتقوت ، وما به تقع اللذاذة من الرائحة الطيبة . وذكر النخل باسمها ، والفاكهة دون شجرها ، لعظم المنفعة بالنخل من جهات متعددة ، وشجرة الفاكهة بالنسبة إلى ثمرتها حقيرة ، فنص على ما يعظم به الانتفاع من شجرة النخل ومن الفاكهة دون شجرتها . وقرأ الجمهور :{ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ } ، برفع الثلاثة عطفاً على المرفوع قبله ؛ وابن عامر وأبو حيوة وابن أبي عبلة : بنصب الثلاثة ، أي وخلق الحب . وجوزوا أن يكون { وَالرَّيْحَانُ } حالة الرفع وحالة النصب على حذف مضاف ، أي وذو الريحان حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ؛ وحمزة والكسائي والأصمعي ، عن أبي عمرو : والريحان بالجر ، والمعنى : والحب ذو العصف الذي هو علف البهائم ، والريحان الذي هو مطعم الناس ، ويبعد دخول المشموم في قراءة الجر ، وريحان من ذوات الواو . وأجاز أبو علي أن يكون اسماً ، ووضع موضع المصدر ، وأن يكون مصدراً على وزن فعلان كاللبان . وأبدلت الواو ياء ، كما أبدلوا الياء واواً في أشاوى ، أو مصدراً شاذاً في المعتل ، كما شذ كبنونة وبينونة ، فأصله ريوحان ، قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء فصار ريحان ، ثم حذفت عين الكلمة ، كما قالوا : ميت وهين . ١٣فبأي آلاء ربكما . . . . . ولما عدد تعالى نعمه ، خاطب الثقلين بقوله : { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } ،أي أن نعمه كثيرة لا تحصى ، فبأيها تكذبان ؟ أي من هذه نعمه لا يمكن أن يكذب بها . وكان هذا الخطاب للثقلين ، لأنهما داخلان في الأنام على أصح الأقوال . ولقوله :{ خَلَقَ الإِنسَانَ } ، و { خُلِقَ الْجَانَّ } ؛ ولقوله :{ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلاَنِ } ، وقد أبعد من جعله خطاباً للذكر والأنثى من بني آدم . وأبعد من هذا قول من قال : إنه خطاب على حد قوله :{ أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ } ، ويا حرسيّ اضربا عنقه ، يعني أنه خطاب للواحد بصورة الاثنين ، فبأي منوناً في جميع السورة ، كأنه حذف منه المضاف إليه وأبدل منه { رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } بدل معرفة من نكرة ، وآلاء تقدم في الأعراف أنها النعم ، واحدها إلى وألا وإلى وألى . ١٤انظر تفسير الآية:١٥ ١٥خلق الإنسان من . . . . . {خَلَقَ الإِنسَانَ } : لما ذكر العالم الأكبر من السماء والأرض وما أوجد فيها من النعم ، ذكر مبدأ من خلقت له هذه النعم ، والإنسان هو آدم ، وهو قول الجمهور . وقيل : للجنس ، وساغ ذلك لأن أباهم مخلوق من الصلصال . وإذا أريد بالإنسان آدم ، فقد جاءت غايات له مختلفة ، وذلك بتنقل أصله ؛ فكان أولاً تراباً ، ثم طيناً ، ثم حمأ مسنوناً ، ثم صلصالاً ، فناسب أن ينسب خلقه لكل واحد منها . والجان هو أبو الجن ، وهو إبليس ، قاله الحسن . وقال مجاهد : هو أبو الجن ، وليس بإبليس . وقيل : الجان اسم جنس ، والمارج : ما اختلط من أصفر وأحمر وأخضر ، أو اللّهب ، أو الخالص ، أو الحمرة في طرف النار ، أو المختلط بسواد ، أو المضطرب بلا دخان ، أقوال ، ومن الأولى لابتداء الغاية ، والثانية في { مّن نَّارٍ } للتبعيض . وقيل للبيان والتكرار في هذه الفواصل : للتأكيد والتنبيه والتحريك ، وهي موجودة في مواضع من القرآن . وذهب قوم منهم ابن قتيبة إلى أن هذا التكرار إنما هو لاختلاف النعم ، فكرر التوقيف في كل واحد منها . ١٦انظر تفسير الآية:١٧ ١٧فبأي آلاء ربكما . . . . . وقرأ الجمهور : { رَبّ } ، و { رَبّ } بالرفع ، أي هو رب ؛ وأبو حيوة وابن أبي عبلة : بالخفض بدلاً من ربكما ، وثنى المضاف إليه لأنهما مشرقا الصيف والشتاء ومغرباهما ، قاله مجاهد . وقيل : مشرقا الشمس والقمر ومغرباهما . وعن ابن عباس : للشمس مشرق في الصيف مصعد ، ومشرق في الشتاء منحدر ، تنتقل فيهما مصعدة ومنحدرة . انتهى . فالمشرقان والمغربان للشمس . وقيل : المشرقان : مطلع الفجر ومطلع الشمس ، والمغربان مغرب الشفق ومغرب الشمس . ولسهل التستري كلام في المشرقين والمغربين شبيه بكلام الباطنية المحرفين مدلول كلام اللّه ، ضربنا عن ذكره صفحاً . وكذلك ما وقفنا عليه من كلام الغلاة الذين ينسبون للصوفية ، لأنا لا نستحل نقل شيء منه . وقد أولغ صاحب كتاب التحرير والتحبير بحسب ما قاله هؤلاء الغلاة في كل آية آية ، ويسمي ذلك الحقائق ، وأرباب القلوب وما ادعوا فهمه في القرآن فأغلوا فيه ، لم يفهمه عربي قط ، ولا أراده اللّه تعالى بتلك الألفاظ ، نعوذ باللّه من ذلك . ١٩انظر تفسير الآية:٢٠ ٢٠مرج البحرين يلتقيان مرج البحرين : تقدم الكلام على ذلك في الفرقان . قال ابن عطية : وذكر الثعلبي في مرج البحرين ألغازاً وأقوالاً باطنة لا يلتفت إلى شيء منها . انتهى ، والظاهر التقاؤهما ، أي يتجاوزان ، فلا فصل بين الماءين في رؤية العين . وقيل : يلتقيان في كل سنة مرة . وقيل : معدان للالتقاء ، فحقهما أن يلتقيا لولا البرزخ بينهما . { بَرْزَخٌ } : أي حاجز من قدرة اللّه تعالى ، { لاَّ يَبْغِيَانِ } : لا يتجاوزان حدهما ، ولا يبغي أحدهما على الآخر بالممارجة . وقيل : البرزخ : أجرام الأرض ، قاله قتادة ؛ وقيل : لا يبغيان : أي على الناس والعمران ، وعلى هذا والذي قبله يكون من البغي . وقيل : هو من بغى ، أي طلب ، فالمعنى : لا يبغيان حالاً غير الحال التي خلقا عليها وسخرا لها . وقيل : ماء الأنهار لا يختلط بالماء الملح ، بل هو بذاته باق فيه . و قال ابن عطية : والعيان لا يقتضيه . انتهى ، يعني أنه يشاهد الماء العذب يختلط بالملح فيبقي كله ملحاً ، وقد يقال : إنه بالاختلاط تتغير أجرام العذب حتى لا تظهر ، فإذا ذاق الإنسان من الملح المنبث فيه تلك الأجزاء الدقيقة لم يحس إلا الملوحة ، والمعقول يشهد بذلك ، لأن تداخل الأجسام غير ممكن ، لكن التفرق والالتقاء ممكن . وأنشد القاضي منذر بن سعيد البلوطي ، رحمه اللّه تعالى : وممزوجة الأمواه لا العذب غالب على الملح طيباً لا ولا الملح يعذب ٢٢يخرج منهما اللؤلؤ . . . . . وقرأ الجمهور : { يَخْرُجُ } مبنياً للفاعل ؛ ونافع وأبو عمرو وأهل المدينة : مبنياً للمفعول ؛ والجعفي ، عن أبي عمرو : بالياء مضمومة وكسر الراء ، أي يخرج اللّه ؛ وعنه وعن أبي عمرو ، وعن ابن مقسم : بالنون . واللؤلؤ والمرجان نصب في هاتين القراءتين . والظاهر في { مِنْهُمَا } أن ذلك يخرج من الملح والعذب . وقال بذلك قوم ، حكاه الأخفش . ورد الناس هذا القول ، قالوا : والحس يخالفه ، إذ لا يخرج إلا من الملح ، وعابوا قول الشاعر : فجاء بها ما شئت من لطيمة على وجهها ماء الفرات يموج وقال الجمهور : إنما يخرج من الأجاج في المواضع التي تقع فيها الأنهار والمياه العذبة ، فناسب إسناد ذلك إليهما ، وهذا مشهور عند الغواصين . وقال ابن عباس وعكرمة : تكون هذه الأشياء في البحر بنزول المطر ، لأن الصدف وغيرها تفتح أفواهها للمطر ، فلذلك قال { مِنْهُمَا} وقال أبو عبيدة : إنما يخرج من الملح ، لكنه قال { مِنْهُمَا } تجوزاً . وقال الرماني : العذب فيها كاللقاح للملح ، فهو كما يقال ؛ الولد يخرج من الذكر والأنثى . وقال ابن عطية ، وتبع الزجاج من حيث هما نوع واحد ، فخروج هذه الأشياء إنما هي منهما ، وإن كانت تختص عند التفصيل المبالغ بأحدهما ، كما قال :{ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً } ، وإنما هو في إحداهن ، وهي الدنيا إلى الأرض . وقال الزمخشري نحواً من قول ابن عطية ، قال : فإن قلت : لم قال { مِنْهُمَا } ، وإنما يخرجان من الملح قلت : لما التقيا وصارا كالشيء الواحد ، جاز أن يقال : يخرجان منهما ، كما يقال : يخرجان من البحر ، ولا يخرجان من جميع البحر ، ولكن من بعضه . وتقول : خرجت من البلد ، وإنما خرجت من محلة من محالة ، بل من دار واحدة من دوره . وقيل : لا يخرجان إلا من ملتقى الملح والعذب . انتهى . وقال أبو علي الفارسي : هذا من باب حذف المضاف ، والتقدير : يخرج من أحدهما ، كقوله تعالى :{ عَلَى رَجُلٍ مّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } : أي من إحدى القريتين . وقيل : هما بحران ، يخرج من أحدهما اللؤلؤ ومن الآخر المرجان . وقال أبو عبد اللّه الرازي : كلام اللّه تعالى أولى بالاعتبار من كلام بعض الناس ، ومن أعلم أن اللؤلؤ لا يخرج من الماء العذب ، وهب أن الغواصين ما أخرجوه إلا من المالح . ولكن لم قلتم إن الصدف لا يخرج بأمر اللّه من الماء العذب إلى الماء الملح وكيف يمكن الجزم به والأمور الأرضية الظاهرة خفيت عن التجار الذين قطعوا المفاوز وداروا البلاد ، فكيف لا يخفى أمر ما في قعر البحر عليهم ؟ واللؤلؤ ، قال ابن عباس والضحاك وقتادة : كبار الجوهر ؛ والمرجان صغاره . وعن ابن عباس أيضاً ، وعلي ومرة الهمداني عكس هذا . وقال أبو عبد اللّه وأبو مالك : المرجان : الحجر الأحمر . وقال الزجاج : حجر شديد البياض . وحكي القاضي أبو يعلى أنه ضرب من اللؤلؤ ، كالقضبان ، والمرجان : اسم أعجميّ معرب . قال ابن دريد : لم أسمع فيه نقل متصرف ، وقال الأعشى : من كل مرجانة في البحر أحرزها تيارها ووقاها طينها الصدف قيل : أراد اللؤلؤة الكبيرة . وقرأ طلحة : اللؤلؤ بكسر اللام الثالثة ، وهي لغة . وعبد اللولي : تقلب الهمزة المتطرفة ياء ساكنة بعد كسرة ما قبلها ، وهي لغة ، قاله أبو الفضل الرازي . ٢٤وله الجوار المنشآت . . . . . {وَلَهُ الجوار } : خص تعالى الجواري بأنها له ، وهو تعالى له ملك السموات والأرض وما فيهن ، لأنهم لما كانوا هم منشئيها ، أسندها تعالى إليه ، إذ كان تمام منفعتها إنما هو منه تعالى ، فهو في الحقيقة مالكها . والجواري : السفن . وقرأ عبد اللّه والحسن وعبد الوارث ، عن أبي عمرو : بضم الراء ، كما قالوا في شاك شاك . وقرأ الجمهور ؛{ المنشآت } بفتح الشين ، اسم مفعول : أي أنشأها اللّه ، أو الناس ، أو المرفوعات الشراع . وقال مجاهد : ما له شراع من المنشآت ، وما لم يرفع له شراع ، فليس من المنشآت . والشراع : القلع . والأعمش وحمزة وزيد بن علي وطلحة وأبو بكر : بخلاف عنه ، بكسر الشين : أي الرافعات الشراع ، أو اللاتي ينشئن الأمواج بجريهن ، أو التي تنشىء السفر إقبالاً وإدباراً . وشدد الشين ابن أبي عبلة والحسن المنشأة ، وحد الصفة ، ودل على الجمع الموصوف ، كقوله :{ فِيهَا أَزْواجٌ مُّطَهَّرَةٌ } ، وقلب الهمزة ألفاً على حد قوله : إن السباع لتهدي في مرابضها يريد : لتهدأ ، التاء لتأنيث الصفة ، كتبت تاء على لفظها في الوصل .{ كَالاْعْلَامِ } : أي كالجبال والآكام ، وهذا يدل على كبر السفن حيث شبهها بالجبال ، وإن كانت المنشآت تنطلق على السفينة الكبيرة والصغيرة . ٢٦انظر تفسير الآية:٢٧ ٢٧كل من عليها . . . . . وعبر بمن في قوله : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا } تغليباً لمن يعقل ، والضمير في { عَلَيْهَا } قليل عائد على الأرض في قوله :{ وَالاْرْضَ وَضَعَهَا لِلاْنَامِ } ، فعاد الضمير عليها ، وإن كان بعد لفظها . والفناء عبارة عن إعدام جميع الموجودات من حيوان وغيره ، والوجه يعبر به عن حقيقة الشيء ، والجارجة منتفية عن اللّه تعالى ، ونحو كل شيء هالك إلا وجهه . وتقول صعاليك مكة : أين وجه عربي كريم يجود عليّ ؟ وقرأ الجمهور : ذو بالواو ، وصفة للوجه ؛ وأبي وعبد اللّه : ذي بالياء ، صفة للرب . والظاهر أن الخطاب في قوله :{ وَجْهُ رَبّكَ } للرسول ، وفيه تشريف عظيم له صلى اللّه عليه وسلم. وقيل : الخطاب لكل سامع . ومعنى { ذُو الْجَلْالِ } : الذي يجله الموحدون عن التشبيه بخلقه وعن أفعالهم ، أو الذي يتعجب من جلاله ، أو الذي عنده الجلال والإكرام للمخلصين من عباده . ٢٩يسأله من في . . . . . {يَسْأَلُهُ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ } : أي حوائجهم ، وهو ما يتعلق بمن في السموات من أمر الدين وما استعبدوا به ، ومن في الأرض من أمر دينهم ودنياهم . وقال أبو صالح : من في السموات : الرحمة ، وسن في الأرض : المغفرة والرزق . وقال ابن جريج : الملائكة الرزق لأهل الأرض ، والمغفرة وأهل الأرض يسألونهما جميعاً . والظاهر أن قوله : يسأله استئناف إخبار . وقيل : حال من الوجه ، والعامل فيه يبقى ، أي هو دائم في هذه الحال . انتهى ، وفيه بعد . ومن لا يسأل ، فحاله تقتضي السؤال ، فيصح إسناد السؤال إلى الجميع باعتبار القدر المشترك ، وهو الافتقار إليه تعالى . {كُلَّ يَوْمٍ } : أي كل ساعة ولحظة ، وذكر اليوم لأن الساعات واللحظات في ضمنه .{ هُوَ فِى شَأْنٍ } ، قال ابن عباس : في شأن يمضيه من الخلق والرزق والإحياء والإماتة . وقال عبيد بن عمير : يجيب داعياً ، ويفك عانياً ، ويتوب على قوم ، ويغفر لقوم . وقال سويد بن غفلة : يعتق رقاباً ، ويعطي رغاماً ويقحم عقاباً . وقال ابن عيينة : الدهر عند اللّه يومان ، أحدهما اليوم الذي هو مدة الدنيا ، فشأنه فيه الأمر والنهى والإمانة والإحياء ؛ والثاني الذي هو يوم القيامة ، فشأنه فيه الجزاء والحساب . وعن مقاتل : نزلت في اليهود ، فقالوا : إن اللّه لا يقضي يوم السبت شيئاً . وقال الحسين بن الفضل ، وقد سأله عبد اللّه بن طاهر عن قوله :{ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ } : وقد صح أن القلم جف بما هو كائن إلى يوم القيامة فقال : شؤون يبديها ، لا شؤون يبتديها . وقال ابن بحر : هو في يوم الدنيا في الابتلاء ، وفي يوم القيامة في الجزاء . وانتصب { كُلَّ يَوْمٍ } على الظرف ، والعامل فيه العامل في قوله :{ فِى شَأْنٍ } ، وهو مستقر المحذوف ، نحو : يوم الجمعة زيد قائم . ٣١سنفرغ لكم أيها . . . . . لما ذكر تعالى ما أنعم به من تعليم العلم وخلق الإنسان والسماء والأرض وما أودع فيهما وفناء ما على الأرض ، ذكر ما يتعلق بأحوال الآخرة الجزاء وقال : { سَنَفْرُغُ لَكُمْ } : أي ننظر في أموركم يوم القيامة ، لا أنه تعالى كان له شغل فيفرغ منه . وجرى على هذا كلام العرب في أن المعنى : سيقصد لحسابكم ، فهو استعارة من قول الرجل لمن يتهدده : سأفرغ لك ، أي سأتجرد للإيقاع بك من كل ما شغلني عنه حتى لا يكون لي شغل سواه ، والمراد التوفر على الانتقام منه . قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون التوعد بعذاب في الدنيا ، والأول أبين . انتهى ، يعني : أن يكون ذلك يوم القيامة . وقال الزمخشري : ويجوز أن يراد ستنتهي الدنيا ويبلغ آخرها ، وتنتهي عند ذلك شؤون الخلق التي أرادها بقوله :{ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ } ، فلا يبقى إلا شأن واحد وهو جزاؤكم ، فجعل ذلك فراغاً لهم على طريق المثل . انتهى . والذي عليه أئمة اللغة أن فرغ تستعمل عند انقضاء الشغل الذي كان الإنسان مشتغلاً به ، فلذلك احتاج قوله إلى التأويل على أنه قد قد قيل : إن فرغ يكون بمعنى قصد واهتم ، واستدل على ذلك بما أنشده ابن الأنباري لجرير : الآن وقد فرغت إلى نمير فهذا حين كنت لهم عذابا أي : قصدت . وأنشد النحاس : فرغت إلى العبد المقيد في الحجل وفي الحديث : { فرغ ربك من أربع } ، وفيه : { لأتفرغن إليك يا خبيث } ، يخاطب به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إرب العقبة يوم بيعتها : أي لأقصدن إبطال أمرك ، نقل هذا عن الخليل والكسائي والفراء . وقرأ الجمهور : سنفرغ بنون العظمة وضم الراء ، من فرغ بفتح الراء ، وهي لغة الحجاز ؛ وحمزة والكسائي وأبو حيوة وزيد بن علي : بياء الغيبة ؛ وقتادة والأعرج : بالنون وفتح الراء ، مضارع فرغ بكسرها ، وهي تميمية ؛ وأبو السمال وعيسى : بكسر النون وفتح الراء . قال أبو حاتم : هي لغة سفلى مضر ؛ والأعمش وأبو حيوة بخلاف عنهما ؛ وابن أبي عبلة والزعفراني : بضم الياء وفتح الراء ، مبنياً للمفعول ؛ وعيسى أيضاً : بفتح النون وكسر الراء ؛ والأعراج أيضاً : بفتح الياء والراء ، وهي رواية يونس والجعفي وعبد الوارث عن أبي عمرو . والثقلان : الإنس والجن ، سميا بذلك لكونهما ثقيلين على وجه الأرض ، أو لكونهما مثقلين بالذنوب ، أو لثقل الإنس . وسمي الجن ثقلاً لمجاورة الإنس ، والثقل : الأمر العظيم . وفي الحديث : { إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي } ، سميا بذلك لعظمهما وشرفهما . ٣٣يا معشر الجن . . . . . والظاهر أن قوله : { يا معشر} الآية من خطاب اللّه إياهم يوم القيامة ، { أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} وقيل : يقال لهم ذلك . قال الضحاك : يفرون في أقطار الأرض لما يرون من الهول ، فيجدون الملائكة قد أحاطت بالأرض ، فيرجعون من حيث جاءوا ، فحينئذ يقال لهم ذلك . وقيل : هو خطاب في الدنيا ، والمعنى : إن استطعتم الفرار من الموت . وقال ابن عباس :{ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ } بأذهانكم وفكركم ، { أَن تَنفُذُواْ } ، فتعلمون علم { أَقْطَارِ } : أي جهات { السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ} قال الزمخشري :{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ } ، كالترجمة لقوله :{ أَيُّهَا الثَّقَلاَنِ } ،{ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ } أن تهربوا من قضائي ، وتخرجوا من ملكوتي ومن سمائي وأرضي فافعلوا ؛ ثم قال : لا تقدرون على النفوذ { إِلاَّ بِسُلْطَانٍ } ، يعني : بقوة وقهر وغلبة ، وأنى لكم ذلك ، ونحوه :{ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِى الاْرْضِ وَلاَ فِى السَّمَاء} انتهى .{ فَانفُذُواْ } : أمر تعجيز . وقال قتادة : السلطان هنا الملك ، وليس لهم ملك . وقال الضحاك أيضاً : بينما الناس في أسواقهم ، انفتحت السماء ونزلت الملائكة ، فتهرب الجن والإنس ، فتحدق بهم الملائكة . وقرأ زيد بن علي : إن استطعتما ، على خطاب تثنية الثقلين ومراعاة الجن والإنس ؛ والجمهور : على خطاب الجماعة إن استطعتم ، لأن كلاً منهما تحته أفراد كثيرة ، كقوله :{ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ} ٣٥يرسل عليكما شواظ . . . . . {يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ شُوَاظٌ } ، قال ابن عباس : إذا خرجوا من قبورهم ، ساقهم شواظ إلى المحشر . والشواظ : لهب النار . وقال مجاهد : اللّهب الأحمر المنقطع . وقال الضحاك : الدخان الذي يخرج من اللّهب . وقرأ الجمهور : شواظ ، بضم الشين ؛ وعيسى وابن كثير وشبل : بكسرها . والجمهور ؛{ وَنُحَاسٌ } : بالرفع ؛ وابن أبي إسحاق والنخعي وابن كثير وأبو عمرو : بالجر ؛ والكلبي وطلحة ومجاهد : بكسر نون نحاس والسين . وقرأ ابن جبير : ونحس ، كما تقول : يوم نحس . وقرأ عبد الرحمن بن أبي بكرة وابن أبي إسحاق أيضاً : ونحس مضارعاً ، وماضيه حسه ، أي قتله ، أي ويحس بالعذاب . وعن ابن أبي إسحاق أيضاً : ونحس بالحركات الثلاث في الحاء على التخيير ؛ وحنظلة بن نعمان : ونحس بفتح النون وكسر السين ؛ والحسن وإسماعيل : ونحس بضمتين والكسر . وقرأ زيد بن علي : نرسل بالنون ، عليكما شواظاً بالنصب ، من نار ونحاساً بالنصب عطفاً على شواظاً . قال ابن عباس وابن جبير والنحاس : الدخان ؛ وعن ابن عباس أيضاً ومجاهد : هو الصفر المعروف ، والمعنى : يعجز الجن والإنس ، أي أنتما بحال من يرسل عليه هذا ، فلا يقدر على الامتناع مما يرسل عليه . ٣٧فإذا انشقت السماء . . . . . {فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء } : جواب إذا محذوف ، أي فما أعظم الهول ، وانشقاقها : انفطارها يوم القيامة .{ فَكَانَتْ وَرْدَةً } : أي محمرة كالورد . قال ابن عباس وأبو صالح : هي من لون الفرس الورد ، فأنث لكون السماء مؤنثة . وقال قتادة : هي اليوم زرقاء ، ويومئذ تغلب عليها الحمرة كلون الورد ، وهي النوار المعروف ، قاله الزجاج ، ويريد كلون الورد ، وقال الشاعر : فلو كانت ورداً لونه لعشقتني ولكن ربي شانني بسواديا وقال أبو الجوزاء : وردة صفراء . وقال : أما سمعت العرب تسمي الخيل الورد ؟ قال الفراء : أراد لون الفرس الورد ، يكون في الربيع إلى الصفرة ، وفي الشتاء إلى الحمرة ، وفي اشتداد البرد إلى الغبرة ، فشبه تلون السماء بتلون الوردة من الخيل ، وهذا قول الكلبي . { كَالدّهَانِ } ، قال ابن عباس : الأديم الأحمر ، ومنه قول الأعشى : وأجرد من كرام الخير طرف كأن على شواكله دهاناً وقال الشاعر : كالدهان المختلفة ، لأنها تتلون ألواناً . وقال الضحاك : كالدهان خالصة ، جمع دهن ، كقرط وقراط . وقيل : تصير حمراء من حرارة جهنم ، ومثل الدهن لذوبها ودورانها . وقيل : شبهت بالدهان في لمعانها . وقال الزمخشري :{ كَالدّهَانِ } : كدهن الزيت ، كما قال :{ كَالْمُهْلِ } ، وهو دردي الزيت ، وهو جمع دهن ، أو اسم ما يدهن به ، كالحرام والأدام ، قال الشاعر : كأنهما مزادتا متعجل فريان لما سلعا بدهان وقرأ عبيد بن عمير : وردة بالرفع بمعنى : فحصلت سماء وردة ، وهو من الكلام الذي يسمى التجريد ، كقوله : فلئن بقيت لأرحلن بغزوة نحو المغانم أو يموت كريم انتهى . ٣٩فيومئذ لا يسأل . . . . . {فَيَوْمَئِذٍ } : التنوين فيه للعوض من الجملة المحذوفة ، والتقدير : فيوم إذ انشقت السماء ، والناصب ليومئذ { لاَ يُسْأَلُ } ، ودل هذا على انتفاء السؤال ، ووقفوهم أنهم مسئولون وغيره من الآيات على وقوع السؤال . فقال عكرمة وقتادة : هي مواطن يسأل في بعضها . وقال ابن عباس : حيث ذكر السؤال فهو سؤال توبيخ وتقرير ، وحيث نفي فهي استخبار محض عن الذنب ، واللّه تعالى أعلم بكل شيء . وقال قتادة أيضاً : كانت مسألة ، ثم ختم على الأفواه وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يعملون . وقال أبو العالية وقتادة : لا يسأل غير المجرم عن ذنب المجرم . وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد : ولا جأن بالهمز ، فراراً من التقاء الساكنين ، وإن كان التقاؤهما على حده . ٤١يعرف المجرمون بسيماهم . . . . . وقرأ حماد بن أبي سليمان : بسيمائهم ؛ والجمهور : { بِسِيمَاهُمْ } ، وسيما المجرمين : سواد الوجوه وزرقة العيون ، قاله الحسن ، ويجوز أن يكون غير هذا من التشويهات ، كالعمى والبكم والصمم .{ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِى وَالاْقْدَامِ } ، قال ابن عباس : يؤخذ بناصيته وقدميه فيوطأ ، ويجمع كالحطب ، ويلقى كذلك في النار . وقال الضحاك : يجمع بينهما في سلسلة من وراء ظهره . وقيل : تسحبهم الملائكة ، تارة تأخذ بالنواصي ، وتارة بالأقدام . وقيل : بعضهم سحباً ، بالناصية ، وبعضهم سحباً بالقدم ؛ ويؤخذ متعد إلى مفعول بنفسه ، وحذف هذا الفاعل والمفعول ، وأقيم الجار والمجرور مقام الفاعل مضمناً معنى ما يعدى بالباء ، أي فيسحب بالنواصي والأقدام ، وأل فيهما على مذهب الكوفيين عوض من الضمير ، أي بنواصيهم وأقدامهم ، وعلى مذهب البصريين الضمير محذوف ، أي بالنواصي والأقدام منهم ٤٣انظر تفسير الآية:٤٤ ٤٤هذه جهنم التي . . . . . {هَاذِهِ جَهَنَّمُ } : أي يقال لهم ذلك على طريق التوبيخ والتقريع .{ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا } : أي يتردّدون بين نارها وبين ما غلى فيها من مائع عذابها . وقال قتادة : الحميم يغلي منذ خلق اللّه جهنم ، وآن : أي منتهى الحر والنضج ، فيعاقب بينهم وبين تصلية النار ، وبين شرب الحميم . وقيل : إذا استغاثوا من النار ، جعل غياثهم الحميم . وقيل : يغمسون في واد في جهنم يجتمع فيه صديد أهل النار فتنخلع أوصالهم ، ثم يخرجون منه ، وقد أحدث اللّه لهم خلقاً جديداً . وقرأ علي والسلمي : يطافون ؛ والأعمش وطلحة وابن مقسم : يطوفون بضم الياء وفتح الطاء وكسر الواو مشددة . وقرىء : يطوفون ، أي يتطوفون ؛ والجمهور : يطوفون مضارع طاف . ٤٦ولمن خاف مقام . . . . . قوله تعالى : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } ، قال ابن الزبير : نزلت في أبي بكر .{ مَقَامَ رَبّهِ } مصدر ، فاحتمل أن يكون مضافاً إلى الفاعل ، أي قيام ربه عليه ، وهو مروي عن مجاهد ، قال : من قوله :{ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } ،أي حافظ مهيمن ، فالعبد يراقب ذلك ، فلا يجسر على المعصية . وقيل : الإضافة تكون بأدنى ملابسة ، فالمعنى أنه يخاف مقامه الذي يقف فيه العباد للحساب ، من قوله :{ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبّ الْعَالَمِينَ } ، وفي هذه الإضافة تنبيه على صعوبة الموقف . وقيل : مقام مقحم ، والمعنى : ولمن خاف ربه ، كما تقول : أخاف جانب فلان يعني فلاناً . والظاهر أن لكل فرد فرد من الخائفين { جَنَّتَانِ } ،قيل : إحداهما منزله ، والأخرى لأزواجه وخدمه . وقال مقاتل : جنة عدن ، وجنة نعيم . وقيل : منزلان ينتقل من أحدهما إلى الآخر لتتوفر دواعي لذته وتظهر ثمار كرامته . وقيل : هما للخائفين ؛ والخطاب للثقلين ، فجنة للخائف الجني ، وجنة للخائف الإنسي . وقال أبو موسى الأشعري : جنة من ذهب للسابقين ، وجنة من فضة للتابعين . وقال الزمخشري : ويجوز أن يقال : جنة لفعل الطاعات ، وجنة لترك المعاصي ، لأن التكليف دائر عليهما . وأن يقال : جنة يبات بها ، وأخرى تضم إليها على وجه التفضل لقوله وزيادة ؛ ٤٨ذواتا أفنان وخص الأفنان بالذكر جمع فنن ، وهي الغصون التي تتشعب عن فروع الشجر ، لأنها التي تورق وتثمر ، ومنها تمتد الظلال ، ومنها تجنى الثمار . وقيل : الأفنان جمع فن ، وهي ألوان النعم وأنواعها ، وهي قول ابن عباس ، والأول قال قريباً منه مجاهد وعكرمة ، وهو أولى ، لأن أفعالاً في فعل أكثر منه في فعل بسكون العين ، وفن يجمع على فنون . ٥٠فيهما عينان تجريان {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } ، قال ابن عباس : هما عينان مثل الدنيا أضعافاً مضاعفة . وقال : تجريان بالزيادة والكرامة على أهل الجنة . وقال الحسن : تجريان بالماء الزلال ، إحداهما التسنيم ، والأخرى السلسبيل . و قال ابن عطية : إحداهما من ماء ، والأخرى من خمر . وقيل : تجريان في الأعالي والأسافل من جبل من مسك . ٥٢فيهما من كل . . . . . {زَوْجَانِ } ، قال ابن عباس : ما في الدنيا من شجرة حلوة ولا مرة إلا وهي في الجنة ، حتى شجر الحنظل ، إلا أنه حلواً . انتهى . ومعنى زوجان : رطب ويابس ، لا يقصر هذا عن ذاك في الطيب واللذة . وقيل : صنفان ، صنف معروف ، وصنف غريب . وجاء الفصل بين قوله :{ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } وبين قوله :{ فِيهِمَا مِن كُلّ فَاكِهَةٍ } بقوله :{ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} والأفنان عليها الفواكه ، لأن الداخل إلى البستان لا يقدم إلا للتفرج بلذة ما فيه بالنظر إلى خضرة الشجر وجري الأنهار ، ثم بعد يأخذ في اجتناء الثمار للأكل . ٥٤متكئين على فرش . . . . . وانتصب { مُتَّكِئِينَ } على الحال من قوله :{ وَلِمَنْ خَافَ } ، وحمل جمعاً على معنى من . وقيل : العامل محذوف ، أي يتنعمون متكئين . وقال الزمخشري : أي نصب على المدح ، والاتكاء من صفات المتنعم الدالة على صحة الجسم وفراغ القلب ، والمعنى :{ مُتَّكِئِينَ } في منازلهم { عَلَى فُرُشٍ} وقرأ الجمهور : وفرش بضمتين ؛ وأبو حيوة : بسكون الراء . وفي الحديث : { قيل لرسول للّه صلى اللّه عليه وسلم هذه البطائن من استبرق ، كيف الظهائر ؟ قال : هي من نور يتلألأ } ، ولو صح هذا لم يجز أن يفسر بغيره . وقيل : من سندس . قال الحسن والفراء : البطائن هي الظهائر . وروي عن قتادة ، وقال الفراء : قد تكون البطانة الظهارة ، والظهارة البطانة ، لأن كلاً منهما يكون وجهاً ، والعرب تقول : هذا وجه السماء ، وهذا بطن السماء . ٥٥فبأي آلاء ربكما . . . . . قال ابن عباس : تجتنيه قائماً وقاعداً ومضطجعاً ، لا يرد يده بعد ولا شوك وقرأ عيسى : بفتح الجيم وكسر النون ، كأنه أمال النون ، وإن كانت الألف قد حذفت في اللفظ ، كما أمال أبو عمرو { حَتَّى نَرَى اللّه} وقرىء : وجنى بكسر الجيم . والضمير في { فِيهِنَّ } عائد على الجنان الدال عليهن جنتان ، إذ كل فرد فرد له جنتان ، فصح أنها جنان كثيرة ، وإن كان الجنتان أريد بهما حقيقة التثنية ، وأن لكل جنس من الجن والإنس جنة واحدة ، فالضمير يعود على ما اشتملت عليه الجنة من المجالس والقصور والمنازل . وقيل : يعود على الفرش ، أي فيهن معدات للاستماع ، وهو قول حسن قريب المأخذ . وقال الزمخشري : فيهن في هذه الآلاء المعدودة من الجنتين والعينين والفاكهة والجنى . انتهى ، وفيه بعد . وقال الفراء : كل موضع من الجنة جنة ، فلذلك قال :{ فِيهِنَّ } ، ٥٦فيهن قاصرات الطرف . . . . . والطرف أصله مصدر ، فلذلك وحد . والظاهر أنهن اللواتي يقصرون أعينهن على أزواجهن ، فلا ينظرن إلى غيرهم . قال ابن زيد : تقول لزوجها : وعزة ربي ما أرى في الجنة أحسن منك . وقيل : الطرف طرف غيرهن ، أي قصرن عيني من ينظر إليهن عن النظر إلى غيرهن . {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ } ، قال ابن عباس : لم يفتضهن قبل أزواجهن . وقيل : لم يطأهن على أي وجه . كان الوطء من افتضاض أو غيره ، وهو قول عكرمة . والضمير في { قَبْلَهُمْ } عائد على من عاد عليه الضمير في { مُتَّكِئِينَ} وقرأ الجمهور : بكسر ميم يطمثهن في الموضعين ؛ وطلحة وعيسى وأصحاب عبد اللّه وعليّ : بالضم . وقرأ ناس : بضم الأول وكسر الثاني ، وناس بالعكس ، وناس بالتخيير ، والجحدري : بفتح الميم فيهما ، ونفي وطئهن عن الإنس ظاهر وأما عن الجن ، فقال مجاهد والحسن : قد تجامع نساء البشر مع أزواجهن ، إذ لم يذكر الزوج اللّه تعالى ، فنفى هنا جميع المجامعين . وقال ضمرة بن حبيب : الجن في الجنة لهم قاصرات الطرف من الجن نوعهم ، فنفي الافتضاض عن البشريات والجنيات . ٥٨كأنهن الياقوت والمرجان قال قتادة : { كَأَنَّهُنَّ } على صفاء الياقوت وحمرة المرجان ، لو أدخلت في الياقوت سلكاً ، ثم نظرت إليه ، لرأيته من ورائه . انتهى . وفي الترمذي : أن المرأة من نساء الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة مخها . و قال ابن عطية : الياقوت والمرجان من الأشياء التى يرتاح بحسنها ، فشبه بهما فيما يحسن التشبيه به ، فالياقوت في إملاسه وشفوفه ، والمرجان في إملاسه وجمال منظره ، وبهذا النحو من النظر سمت العرب النساء بذلك ، كدرة بنت أبي لهب ، ومرجانة أم سعيد . انتهى . ٦٠هل جزاء الإحسان . . . . . {هَلْ جَزَاء الإحْسَانِ } في العمل ، { إِلاَّ الإحْسَانُ } في الثواب ؟ وقيل : هل جزاء التوحيد إلا الجنة ؟ وقرأ ابن أبي إسحاق : إلا الحسان يعني : بالحسان الحور العين . ٦٢ومن دونهما جنتان {وَمِن دُونِهِمَا } : أي من دون تينك الجنتين في المنزلة والقدر ، { جَنَّتَانِ } لأصحاب اليمين ، والأوليان هما للسابقين ، قاله ابن زيد والأكثرون . وقال الحسن : الأوليان للسابقين ، والأخريان للتابعين . وقال ابن عباس :{ وَمِن دُونِهِمَا } في القرب للمنعمين ، والمؤخرتا الذكر أفضل من الأوليين . يدل على ذلك أنه وصف عيني هاتين بالنضخ ، وتينك بالجري فقط ؛ وهاتين بالدهمة من شدة النعمة ، وتينك بالأفنان ، وكل جنة ذات أفنان . ورجح الزمخشري هذا القول فقال : للمقربين جنتان من دونهم من أصحاب اليمين ادهامتا من شدة الخضرة ، ورجح غيره القول الأول بذكر جري العينين والنضخ دون الجري ، وبقوله فيهما : { مِن كُلّ فَاكِهَةٍ } ، وفي المتأخرتين :{ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ } ، وبالاتكاء على ما بطائنه من ديباج وهو الفرش ، وفي المتأخرتين الاتكاء على الرفرف ، وهو كسر الخباء ، والفرش المعدة للاتكاء أفضل ، والعبقري : الوشي ، والديباج أعلى منه ، والمشبه بالياقوت والمرجان أفضل في الوصف من خيرات حسان ، والظاهر النضخ بالماء ، وقال ابن جبير : بالمسك والعنبر والكافور في دور أهل الجنة ، كما ينضخ رش المطر . وعنه أيضاً بأنواع الفواكه والماء . ٦٨فيهما فاكهة ونخل . . . . . {وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } عطف فاكهة ، فاقتضى العطف أن لا يندرجا في الفاكهة ، قاله بعضهم . وقال يونس بن حبيب وغيره : كررهما وهما من أفضل الفاكهة تشريفاً لهما وإشارة بهما ، كما قال تعالى :{ وَمَلئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} وقيل : لأن النخل ثمره فاكهة وطعام ، والرمان فاكهة ودواء ، فلم يخلصا للتفكه . ٧٠فيهن خيرات حسان {فِيهِنَّ خَيْراتٌ } ، جمع خيرة : وصف بني على فعلة من الخير ، كما بنوا من الشر فقالوا : شرة . وقيل : مخفف من خيرة ، وبه قرأ بكر بن حبيب وأبو عثمان النهدي وابن مقسم ، أي بشدّ الياء . وروي عن أبي عمرو بفتح الياء ، كإنه جمع خايرة ، جمع على فعلة ، وفسر الرسول صلى اللّه عليه وسلم لأم سلمة ذلك فقال : { خيرات الأخلاق حسان الوجوه} . ٧٢حور مقصورات في . . . . . {حُورٌ مَّقْصُوراتٌ } : أي قصرن في أماكنهن ، والنساء تمدح بذلك ، إذ ملازمتهن البيوت تدل على صيانتهن ، كما قال قيس بن الأسلت : وتكسل عن جاراتها فيزرنها وتغفل عن أبياتهن فتعذر قال الحسن : لسن بطوافات في الطرق ، وخيام الجنة : بيوت اللؤلؤ . وقال عمر بن الخطاب : هي در مجوف ، ورواه عبد اللّه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم. ٧٤لم يطمثهن إنس . . . . . {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ } : أي قبل أصحاب الجنتين ، ودل عليهم ذكر الجنتين . ٧٦متكئين على رفرف . . . . . {مُتَّكِئِينَ } ، قال الزمخشري : نصب على الاختصاص .{ عَلَى رَفْرَفٍ } ، قال ابن عباس وغيره : فضول المجلس والبسط . وقال ابن جبير : رياض الجنة من رف البيت تنعم وحسن . وقال ابن عيينة : الزرابي . وقال الحسن وابن كيسان : المرافق . وقرأ الفراء وابن قتيبة : المجالس . وعبقري ، قال الحسن : بسط حسان فيها صور وغير ذلك يصنع بعبقر . وقال ابن عباس : الزرابي . وقال مجاهد : الديباج الغليظ . وقال ابن زيد : الطنافس . قال الفراء : الثخان منها . وقرأ الجمهور :{ عَلَى رَفْرَفٍ } ، ووصف بالجمع لأنه اسم جنس ، الواحد منها رفرفة ، واسم الجنس يجوز فيه أن يفرد نعته وأن يجمع لقوله :{ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ } ، وحسن جمعه هنا مقابلته لحسان الذي هو فاصلة . وقال صاحب اللوامح ، وقرأ عثمان بن عفان ، ونصر بن عاصم ، والجحدري ، ومالك بن دينار ، وابن محيصن ، وزهير العرقبي وغيره : رفارف جمع لا ينصرف ، خضر بسكون الضاد ، وعباقري بكسر القاف وفتح الياء مشددة ؛ وعنهم أيضاً : ضم الضاد ؛ وعنهم أيضاً : فتح القاف . قال : فأما منع الصرف من عباقري ، وهي الثياب المنسوبة إلى عبقر ، وهو موضع تجلب منه الثياب على قديم الأزمان ، فإن لم يكن بمجاورتها ، وإلا فلا يكون يمنع التصرف من ياءي النسب وجه إلا في ضرورة الشعر . انتهى . وقال ابن خالويه : على رفارف خضر ، وعباقري النبي صلى اللّه عليه وسلم والجحدري وابن محيصن . وقد روي عمن ذكرنا على رفارف خضر وعباقري بالصرف ، وكذلك روي عن مالك بن دينار . وقرأ أبو محمد المروزي ، وكان نحوياً : على رفارف خضار ، يعني : على وزن فعال . وقال صاحب الكامل : رفارف جمع ، عن ابن مصرف وابن مقسم وابن محيصن ، واختاره شبل وأبو حيوة والجحدري والزعفراني ، وهو الاختيار لقوله : { خُضْرٍ } ، وعباقري بالجمع وبكسر القاف من غير تنوين ، ابن مقسم وابن محيصن ، وروي عنهما التنوين . وقال ابن عطية ، وقرأ زهير العرقبي : رفارف بالجمع والصرف ، وعنه : عباقري بفتح القاف والياء ، على أن اسم الموضع عباقر بفتح القاف ، والصحيح في اسم الموضع عبقر . انتهى . وقال الزمخشري ، وروى أبو حاتم : عباقري بفتح القاف ومنع الصرف ، وهذا لا وجه لصحته . انتهى . وقد يقال : لما منع الصرف رفارف ، شاكله في عباقري ، كما قد ينون ما لا ينصرف للمشاكلة ، يمنع من الصرف للمشاكلة . وقرأ ابن هرمز : خضر بضم الضاد . قال صاحب اللوامح : وهي لغة قليلة . انتهى ، ومنه قول طرفة : أيها الفتيان في مجلسنا جردوا منها وراداً وشقر وقال آخر : وما انتميت إلى خور ولا كسف ولا لئام غداة الروع أوزاع فشقر جمع أشقر ، وكسف جمع أكسف . ٧٨تبارك اسم ربك . . . . . وقرأ الجمهور : { ذِى الْجَلَالِ } : صفة لربك ؛ وابن عامر وأهل الشام : ذو صفة للاسم ، وفي حرف . أبي عبد اللّه وأبيّ : ذي الجلال ، كقراءتهما في الموضع الأول ، والمراد هنا بالاسم المسمى . وقيل : اسم مقحم ، كالوجه في { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبّكَ } ، ويدل عليه إسناد { تَبَارَكَ } لغير الاسم في مواضع ، كقوله :{ تَبَارَكَ اللّه أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } ،{ تَبَارَكَ الَّذِى إِن شَاء } ،{ تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ} وقد صح الإسناد إلى الاسم لأنه بمعنى العلو ، فإذا علا الاسم ، فما ظنك بالمسمى ؟ ولما ختم تعالى نعم الدنيا بقوله :{ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبّكَ ذُو الْجَلْالِ وَالإكْرَامِ } ، ختم نعم الآخرة بقوله :{ تَبَارَكَ اسْمُ رَبّكَ ذِى الْجَلَالِ وَالإكْرَامِ } وناسب هنالك ذكر البقاء والديمومة له تعالى ، إذ ذكر فناء العالم ؛ وناسب هنا ذكر ما اشتق من البركة ، وهي النمو والزيادة ، إذ جاء ذلك عقب ما امتن به على المؤمنين ، وما آتاهم في دار كرامته من الخير وزيادته وديمومته ، ويا ذا الجلال والإكرام من الصفات التي جاء في الحديث أن يدعى اللّه بها ، قال صلى اللّه عليه وسلم : { ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام} . |
﴿ ٠ ﴾