سورة الواقعةمكية بسم اللّه الرحمن الرحيم ١انظر تفسير الآية:٢ ٢إذا وقعت الواقعة رجت الأرض : زلزلت وحركت تحريكاً شديداً بحيث تنهدم الأبنية وتخر الجبال . بست الجبال : فتتت ، وقيل : سيرت ، من قولهم : بس الغنم : ساقها ، ويقال : رجت الأرض وبست الجبال لازمين . المشأمة : من الشؤم ، أو من اليد الشؤمى ، وهي الشمال . الثلاثة : الجماعة ، كثرت أو قلت . وقال الزمخشري : الأمّة من الناس الكثيرة ، وقال الشاعر : وجاءت إليهم ثلاثة خندفية بجيش كتيار من السيل مزبد الموضونة : المنسوجة بتركيب بعض أجزائها على بعض ، كحلق الدرع . قال الأعشى : ومن نسج داود موضونة تسير مع الحي عيراً فعيرا ومنه : وضين الناقة ، وهو خزامها ، لأنه موضون : أي مفتول . قال الراجز : إليك تغدو قلقاً وضينها معترضاً في بطنها جنينها مخالفاً دين النصارى دينها الإبريق : إفعيل من البريق ، وهو إناء للشرب له خرطوم . قيل : وأذن ، وهو من أواني الخمر عند العرب ، قال الشاعر : كأن إبريقهم ظبي على شرف مقدّم فسبا الكتان ملثوم وقال عدي بن زيد : وندعو إلى الصباح فجاءت قينة في يمينها إبريق صدع القوم بالخمر : لحقهم الصداع في رؤوسهم منها . وقيل : صدعوا : فرقوا . السدر : تقدّم الكلام عليه في سورة سبأ . المخضود : المقطوع شوكه . قال أمية بن أبي الصلت : إن الحدائق في الجنان ظليلة فيها الكواعب سدرها مخضود الطلح : شجر الموز ، وقيل : شجر من العضاة كثير الشوك . المسكوب : المصبوب . العروب : المتحببة إلى زوجها . الترب : اللذة ، وهو من يولد هو وآخر في وقت واحد ، سميا بذلك لمسهما التراب في وقت واحد ، واللّه تعالى أعلم . {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ إِذَا رُجَّتِ الاْرْضُ رَجّاً وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مّنَ الاْوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مّنَ الاْخِرِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مّن مَّعِينٍ لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ وَفَاكِهَةٍ مّمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مّمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً إِلاَّ قِيلاً سَلَاماً سَلَاماً وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِى سِدْرٍ مَّخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ وَظِلّ مَّمْدُودٍ وَمَاء مَّسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً لاِصْحَابِ الْيَمِينِ ثُلَّةٌ مّنَ الاْوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مّنَ الاْخِرِينَ} هذه السورة مكية ، ومناسبتها لما قبلها تضمن العذاب للمجرمين ، والنعيم للمؤمنين . وفاضل بين جنتي بعض المؤمنين وجنتي بعض بقوله :{ وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } ، فانقسم العالم بذلك إلى كافر ومؤمن مفضول ومؤمن فاضل ؛ وهكذا جاء ابتداء هذه السورة من كونهم أصحاب ميمنة ، وأصحاب مشأمة ، وسباق وهم المقربون ، وأصحاب اليمين والمكذبون المختتم بهم آخر هذه السورة . وقال ابن عباس : الواقعة من أسماء القيامة ، كالصاخة والطامّة والآزفة ، وهذه الأسماء تقتضي عظم شأنها ، ومعنى { وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ } : أي وقعت التي لا بد من وقوعها ، كما تقول : حدثت الحادثة ، وكانت الكائنة ؛ ووقوع الأمر نزوله ، يقال : وقع ما كنت أتوقعه : أي نزل ما كنت أترقب نزوله . وقال الضحاك :{ الْوَاقِعَةُ } : الصيحة ، وهي النفخة في الصور . وقيل :{ الْوَاقِعَةُ } : صخرة بيت المقدس تقع يوم القيامة . والعامل في إذا الفعل بعدها على ما قررناه في كتب النحو ، فهو في موضع خفض بإضافة إذا إليها احتاج إلى تقدير عامل ، إذ الظاهر أنه ليس ثم جواب ملفوظ به يعمل بها . ف قال الزمخشري : فإن قلت : بم انتصب إذا ؟ قلت : بليس ، كقولك : يوم الجمعة ليس لي شغل ، أو بمحذوف يعني : إذا وقعت ، كان كيت وكيت ، أو بإضمار أذكر . انتهى . أما نصبها بليس فلا يذهب نحوي ولا من شدا شيئاً من صناعة الإعراب إلى مثل هذا ، لأن ليس في النفي كما ، وما لا تعمل ، فكذلك ليس ، وذلك أن ليس مسلوبة الدلالة على الحدث والزمان . والقول بأنها فعل هو على سبيل المجاز ، لأن حد الفعل لا ينطبق عليها . والعامل في الظرف إنما هو ما يقع فيه من الحدث ، فإذا قلت : يوم الجمعة أقوم ، فالقيام واقع في يوم الجمعة ، وليس لا حدث لها ، فكيف يكون لها عمل في الظرف ؟ والمثال الذي شبه به ، وهو يوم القيامة ، ليس لي شغل ، لا يدل على أن يوم الجمعة منصوب بليس ، بل هو منصوب بالعامل في خبر ليس ، وهو الجار والمجرور ، فهو من تقديم معمول الخبر على ليس ، وتقديم ذلك مبني على جواز تقديم الخبر الذي لليس عليها ، وهو مختلف فيه ، ولم يسمع من لسان العرب : قائماً ليس زيد . وليس إنما تدل على نفي الحكم الخبري عن الخبري عن المحكوم عليه فقط ، فهي كما ، ولكنه لما اتصلت بها ضمائر الرفع ، جعلها ناس فعلاً ، وهي في الحقيقة حرف نفي كما النافية . ويظهر من تمثيل الزمخشري إذاً بقوله : يوم الجمعة ، أنه سلبها الدلالة على الشرط الذي هو غالب فيها ، ولو كانت شرطاً ، وكان الجواب الجملة المصدرة بليس ، لزمت الفاء ، إلا إن حذفت في شعر ، إذ ورد ذلك ، فنقول : إذا أحسن إليك زيد فلست تترك مكافأته . ولا يجوز لست بغير فاء ، إلا إن اضطر إلى ذلك . وأما تقديره : إذا وقعت كان كيت وكيت ، فيدل على أن إذا عنده شرطية ، ولذلك قدر لها جواباً عاملاً فيها . وأما قوله : بإضمار اذكر ، فإنه سلبها الظرفية ، وجعلها مفعولاً بها منصوبة باذكر . و { كَاذِبَةٌ } : ظاهره أنه اسم فاعل من كذب ، وهو صفة لمحذوف ، فقدره الزمخشري : نفس كاذبة ، أي لا يكون حين تقع نفس تكذب على اللّه ، وتكذب في تكذيب الغيب ، لأن كل نفس حينئذ مؤمنة صادقة ، وأكثر النفوس اليوم كواذب مكذبات ، لقوله تعالى :{ فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُواْ ءامَنَّا بِاللّه وَحْدَهُ } ،{ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الاْلِيمَ }{ وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِى مِرْيَةٍ مّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ } ، واللام مثلها في قوله :{ يَقُولُ يالَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى } ، إذ ليس لها نفس تكذبها وتقول لها : لم تكذبي ، كما لها اليوم نفوس كثيرة يقلن لها : لم تكذبي ، أو هي من قولهم : كذبت فلاناً نفسه في الخطب العظيم ، إذا شجعته على مباشرته ، وقالت له : إنك تطيقه وما فوقه ، فتعرض له ولا تبال على معنى : أنها وقعة لا تطاق بشدة وفظاعة ، وأن لا نفس حينئذ تحدث صاحبها بما تحدثه به عند عظائم الأمور ، وتزين له احتمالها وإطاقتها ، لأنهم يومئذ أضعف من ذلك وأذل . ألا ترى إلى قوله تعالى :{ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ } ؟ والفراش مثل في الضعف . انتهى ، وهو تكثير وإسهاب . وقدره ابن عطية حال كاذبة ، قال : ويحتمل الكلام على هذا معنيين : أحدهما كاذبة ، أي مكذوب فيما أخبر به عنها ، فسماها كاذبة لهذا ، كما تقول : هذه قصة كاذبة ، أي مكذوب فيها . والثاني : حال كاذبة ، أي لا يمضي وقوعها ، كما تقول : فلان إذا حمل لم يكذب . وقال قتادة والحسن المعنى : ليس لها تكذيب ولا رد ولا منثوية ، فكاذبة على هذا مصدر ، كالعاقبة والعافية وخائنة الأعين . والجملة من قوله :{ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } على ما قدّره الزمخشري من أن إذا معمولة لليس يكون ابتداء السورة ، إلا إن اعتقد أنها جواب لإذا ، أو منصوبة باذكر ، فلا يكون ابتداء كلام . و قال ابن عطية : في موضع الحال ، والذي يظهر لي أنها جملة اعتراض بين الشرط وجوابه . ٣خافضة رافعة وقرأ الجمهور : { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } برفعهما ، على تقدير هي ؛ وزيد بن علي والحسن وعيسى وأبو حيوة وابن أبي عبلة وابن مقسم والزعفراني واليزيدي في اختياره بنصبهما . قال ابن خالوية : قال الكسائي : لولا أن اليزيدي سبقني إليه لقرأت به ، ونصبهما على الحال . قال ابن عطية : بعد الحال التي هي { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } ، ولك أن تتابع الأحوال ، كما لك أن تتابع أخبار المبتدأ . والقراءة الأولى أشهر وأبدع معنى ، وذلك أن موقع الحال من الكلام موقع ما لو لم يذكر لاستغنى عنه ، وموقع الجمل التي يجزم الخبر بها موقع ما يتهم به . انتهى . وهذا الذي قاله سبقه إليه أبو الفضل الرازي . قال في كتاب اللوامح : وذو الحال الواقعة والعامل وقعت ، ويجوز أن يكون { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } حال أخرى من الواقعة بتقدير : إذا وقعت صادقة الواقعة ، فهذه ثلاثة أحوال من ذي حال ، وجازت أحوال مختلفة عن واحد ، كما جازت عنه نعوت متضادة وأخبار كثيرة عن مبتدأ واحد . وإذا جعلت هذه كلها أحوالاً ، كان العامل في { إِذَا وَقَعَتِ } محذوفاً يدل عليه الفحوى بتقدير يحاسبون ونحوه . انتهى . وتعداد الأحوال والأخبار فيه خلاف وتفصيل ذكر في النحو ، فليس ذلك مما أجمع عليه النحاة . قال الجمهور : القيامة تنفظر له السماء والأرض والجبال ، وتنهد له هذه البنية برفع طائفة من الأجرام وبخفض أخرى ، فكأنها عبارة عن شدة الهول والاضطراب . وقال ابن عباس وعكرمة والضحاك : الصيحة تخفض قوتها لتسمع الأدنى ، وترفعها لتسمع الأقصى . وقال قتادة وعثمان بن عبد اللّه بن سراقة : القيامة تخفض أقواماً إلى النار ، وترفع أقواماً إلى الجنة ؛ وأخذ الزمخشري هذه الأقوال على عادته وكساها بعض ألفاظ رائعة ، فقال : ترفع أقواماً وتضع آخرين ، أما وصفاً لها بالشدة ، لأن الواقعات العظام كذلك يرتفع فيها ناس إلى مراتب ويتضع ناس ؛ وأما أن الأشقياء يحطون إلى الدركات ، والسعداء يحطون إلى الدرجات ؛ وأما أنها تزلزل الأشياء عن مقارها لتخفض بعضاً وترفع بعضاً ، حيث تسقط السماء كسفاً ، وتنتثر الكواكب وتنكدر ، وتسير الجبال فتمر في الجو مر السحاب . انتهى . ٤انظر تفسير الآية:٥ ٥إذا رجت الأرض . . . . . {إِذَا رُجَّتِ } ، قال ابن عباس : زلزلت وحركت بجذب . وقال أيضاً هو وعكرمة ومجاهد :{ بست } : فتتت ، وقيل : سيرت . وقرأ زيد بن علي :{ إِذَا رُجَّتِ } ، و { بست } مبنياً للفاعل ، { وَإِذَا رُجَّتِ } بدل من { إِذَا وَقَعَتِ } ، وجواب الشرط عندي ملفوظ به ، وهو قوله :{ فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ } ، والمعنى إذا كان كذا وكذا ، فأصحاب الميمنة ما أسعدهم وما أعظم ما يجازون به ، أي إن سعادتهم وعظم رتبتهم عند اللّه تظهر في ذلك الوقت الشديد الصعب على العالم . وقال الزمخشري : ويجوز أن ينتصب بخافضة رافعة ، أي تخفض وترفع وقت رج الأرض وبس الجبال ، لأنه عند ذلك ينخفض ما هو مرتفع ويرتفع ما هو منخفض . انتهى . ولا يجوز أن ينتصب بهما معاً ، بل بأحدهما ، لأنه لا يجوز أن يجتمع مؤثران على أثر واحد . وقال ابن جني وأبو الفضل الرازي :{ إِذْ رُجَّتِ } في موضع رفع على أنه خبر للمبتدأ الذي هو { إِذَا وَقَعَتِ } ، وليست واحدة منهما شرطية ، بل جعلت بمعنى وقت ، وما بعد إذا أحوال ثلاثة ، والمعنى : وقت وقوع الواقعة صادقة الوقوع ، خافضة قوم ، رافعة آخرين وقت رج الأرض . وهكذا ادعى ابن مالك أن إذا تكون مبتدأ ، واستدل بهذا . وقد ذكرنا في شرح التسهيل ما تبقى به إذا على مدلولها من الشرط ، ٦فكانت هباء منبثا وتقدم شرح الهباء في سورة الفرقان . { مُّنبَثّاً } : منتشراً . منبتاً بنقطتين بدل الثاء المثلثة ، قراءة الجمهور ، أي منقطعاً . ٧وكنتم أزواجا ثلاثة {وَكُنتُمْ } : خطاب للعالم ، { أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً } : أصنافاً ثلاثة ، وهذه رتب للناس يوم القيامة . ٨فأصحاب الميمنة ما . . . . . {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ } ، قال الحسن والربيع : هم الميامين على أنفسهم . وقيل : الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم . وقيل : أصحاب المنزلة السنية ، كما تقول : هو مني باليمين . وقيل : المأخوذ بهم ذات اليمين ، أو ميمنة آدم المذكورة في حدث الإسراء في الاسودة . ٩وأصحاب المشأمة ما . . . . . {وَأَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ } : هم من قابل أصحاب الميمنة في هذه الأقوال ، فأصحاب مبتدأ ، ما مبتدأ ثان استفهام في معنى التعظيم ، وأصحاب الميمنة خبر عن ما ، وما بعدها خبر عن أصحاب ، وربط الجملة بالمبتدأ تكرار المبتدأ بلفظه ، وأكثر ما يكون ذلك في موضع التهويل والتعظيم ، وما تعجب من حال الفريقين في السعادة والشقاوة ، والمعنى : أي شيء هم . ١٠والسابقون السابقون {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } : جوزوا أن يكون مبتدأ وخبراً ، نحو قولهم : أنت أنت ، وقوله : أنا أبو النجم ، وشعري شعري ، أي الذين انتهوا في السبق ، أي الطاعات ، وبرعوا فيها وعرفت حالهم . وأن يكون السابقون تأكيداً لفظياً ، والخبر فيما بعد ذلك ؛ وأن يكون السابقون مبتدأ والخبر فيما بعده ، وتقف على قوله :{ وَالسَّابِقُونَ } ، وأن يكون متعلق السبق الأول مخالفاً للسبق الثاني . والسابقون إلى الإيمان السابقون إلى الجنة ، فعلى هذا جوزوا أن يكون السابقون خبراً لقوله :{ وَالسَّابِقُونَ } ، وأن يكون صفة والخبر فيما بعده . والوجه الأول ، قال ابن عطية : ومذهب سيبويه أنه يعني السابقون خبر الابتداء ، يعني خبر والسابقون ، وهذا كما تقول : الناس الناس ، وأنت أنت ، وهذا على تفخيم الأمر وتعظيمه . انتهى . ويرجح هذا القول أنه ذكر أصحاب الميمنة متعجباً منهم في سعادتهم ، وأصحاب المشأمة متعجباً منهم في شقاوتهم ، فناسب أن يذكر السابقون مثبتاً حالهم معظماً ، وذلك بالإخبار أنهم نهاية في العظمة والسعادة ، والسابقون عموم في السبق إلى أعمال الطاعات ، وإلى ترك المعاصي . وقال عثمان بن أبي سودة : السابقون إلى المساجد . وقال ابن سيرين : هم الذين صلوا إلى القبلتين . وقال كعب : هم أهل القرآن . وفي الحديث : { سئل عن السابقين فقال هم الذين إذا أعطوا الحق قبلوه ، وإذا سئلوه بذلوه ، وحكموا للناس بحكمهم لأنفسهم} . ١١أولئك المقربون {أُوْلَائِكَ } : إشارة إلى السابقين المقربين الذين علت منازلهم وقربت درجاتهم في الجنة من العرش . ١٢في جنات النعيم وقرأ الجمهور : { فِي جَنَّاتِ } ، جمعاً ؛ وطلحة : في جنات مفرداً . ١٣انظر تفسير الآية:١٤ ١٤ثلة من الأولين وقسم السابقين المقربين إلى { ثُلَّةٌ مّنَ الاْوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مّنَ الاْخِرِينَ} وقال الحسن : السابقون من الأمم ، والسابقون من هذه الأمة . وقالت عائشة : الفرقتان في كل أمة نبي ، في صدرها ثلة ، وفي آخرها قليل . وقيل : هما الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، كانوا في صدر الدنيا ، وفي آخرها أقل . وفي الحديث : { الفرقتان في أمتي ، فسابق في أول الأمة ثلة ، وسابق سائرها إلى يوم القيامة قليل } ، وارتفع ثلة على إضمارهم . ١٥على سرر موضونة وقرأ الجمهور : { عَلَى سُرُرٍ } بضم الراء ؛ وزيد ابن علي وأبو السمال : بفتحها ، وهي لغة لبعض بني تميم وكلب ، يفتحون عين فعل جمع فعيل المضعف ، نحو سرير ، وتقدم ذلك في والصافات .{ مَّوْضُونَةٍ } ، قال ابن عباس : مرمولة بالذهب . وقال عكرمة : مشبكة بالدر والياقوت . ١٦متكئين عليها متقابلين {مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا } : أي على السرر ، ومتكئين : حال من الضمير المستكن في { عَلَى سُرُرٍ } ،{ مُّتَقَابِلِينَ } : ينظر بعضهم إلى بعض ، وصفوا بحسن العشرة وتهذيب الأخلاق وصفاء بطائنهم من غل إخواناً . ١٧يطوف عليهم ولدان . . . . . {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُّخَلَّدُونَ } : وصفوا بالخلد ، وإن كان من في الجنة مخلداً ، ليدل على أنهم يبقون دائماً في سن الولدان ، لا يكبرون ولا يتحولون عن شكل الوصافة . وقال مجاهد : لا يموتون . وقال الفراء : مقرطون بالخلدات ، وهي ضروب من الأقراط . ١٨بأكواب وأباريق وكأس . . . . . {وَكَأْسٍ مّن مَّعِينٍ } ، قال : من خمر سائلة جارية معينة . ١٩لا يصدعون عنها . . . . . {لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا } ، قال الأكثرون : لا يلحق رؤوسهم الصداع الذي يلحق من خمر الدنيا . وقرأت على أستاذنا العلامة أبي جعفر بن الزبير ، رحمه اللّه تعالى ، قول علقمة في صفة الخمر : تشفي الصداع ولا يؤذيك صالبها ولا يخالطها في الرأس تدويم فقال : هذه صفة أهل الجنة . وقيل : لا يفرقون عنها بمعنى : لا تقطع عنهم لذتهم بسبب من الأسباب ، كما تفرق أهل خمر الدنيا بأنواع من التفريق ، كما جاء : فتصدع السحاب عن المدينة : أي فتفرق . وقرأ مجاهد : لا يصدعون ، بفتح الياء وشد الصاد ، أصله يتصدعون ، أدغم التاء في الصاد : أي لا يتفرقون ، كقوله :{ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} والجمهور ؛ بضم الياء وخفة الصاد ؛ والجمهور : بجر { وَفَاكِهَةٍ } ؛ ولحم وزيد بن علي : برفعهما ، أي ولهم ؛ والجمهور :{ وَلاَ يُنزِفُونَ } مبنياً للمفعول . قال مجاهد وقتادة وجبير والضحاك : لا تذهب عقولهم سكراً ؛ وابن أبي إسحاق : بفتح الياء وكسر الزاي ، نزف البئر : استفرغ ماءها ، فالمعنى : لا تفرغ خمرهم . وابن أبي إسحاق أيضاً وعبد اللّه والسلمي والجحدري والأعمش وطلحة وعيسى : بضم الياء وكسر الزاي : أي لا يفنى لهم شراب ، ٢٠وفاكهة مما يتخيرون {مّمَّا يَتَخَيَّرُونَ } : يأخذون خيره وأفضله ، ٢١ولحم طير مما . . . . . {مّمَّا يَشْتَهُونَ } : أي يتمنون . ٢٢وحور عين وقرأ الجمهور : { وَحُورٌ عِينٌ } برفعهما ؛ وخرج عليّ على أن يكون معطوفاً على { وِلْدانٌ } ،أو على الضمير المستكن في { مُتَّكِئِينَ } ،أو على مبتدأ محذوف هو وخبره تقديره : لهم هذا كله ، { وَحُورٌ عِينٌ } ،أو على حذف خبر فقط : أي ولهم حور ، أو فيهما حور . وقرأ السلمي والحسن وعمرو بن عبيد وأبو جعفر وشيبة والأعمش وطلحة والمفضل وأبان وعصمة والكسائي : بجرهما ؛ والنخعي : وحير عين ، بقلب الواو ياء وجرهما ، والجر عطف على المجرور ، أي يطوف عليهم ولدان بكذا وكذا وحور عين . وقيل : هو على معنى : وينعمون بهذا كله وبحور عين . وقال الزمخشري : عطفاً على { جَنَّاتِ النَّعِيمِ } ، كأنه قال : هم في جنات وفاكهة ولحم وحور . انتهى ، وهذا فيه بعد وتفكيك كلام مرتبط بعضه ببعض ، وهو فهم أعجمي . وقرأ أبي وعبد اللّه : وحوراً عيناً بنصبهما ، قالوا : على معنى ويعطون هذا كله وحوراً عيناً . وقرأ قتادة : وحور عين بالرفع مضافاً إلى عين ؛ وابن مقسم : بالنصب مضافاً إلى عين ؛ وعكرمة : وحوراء عيناء على التوحيد اسم جنس ، وبفتح الهمزة فيهما ؛ فاحتمل أن يكون مجروراً عطفاً على المجرور السابق ؛ واحتمل أن يكون منصوباً ؛ كقراءة أبي وعبد اللّه وحوراً عيناً . ٢٣كأمثال اللؤلؤ المكنون ووصف اللؤلؤ بالمكنون ، لأنه أصفى وأبعد من التغير . وفي الحديث : { صفاؤهنّ كصفاء الدر الذي لا تمسه الأيدي} . وقال تعالى :{ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } ، وقال الشاعر ، يصف امرأة بالصون وعدم الابتذال ، فشبهها بالدرة المكنونة في صدفتها فقال : قامت ترأى بين سجفي كلة كالشمس يوم طلوعها بالأسعد أو درّة صدفية غواصها بهج متى يرها يهل ويسجد ٢٤جزاء بما كانوا . . . . . {جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } : روي أن المنازل والقسم في الجنة على قدر الأعمال ، ونفس دخول الجنة برحمة اللّه تعالى وفضله لا بعمل عامل ، وفيه النص الصحيح الصريح : لا يدخل أحد الجنة بعمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول اللّه ، قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني بفضل منه ورحمة} . ٢٥لا يسمعون فيها . . . . . {لَغْواً } : سقط القول وفحشه ، { وَلاَ تَأْثِيماً } : ما يؤثم أحداً ٢٦إلا قيلا سلاما . . . . . والظاهر أن { إِلاَّ قِيلاً سَلَاماً سَلَاماً } استثناء منقطع ، لأنه لم يندرج في اللغو ولا التأثيم ، ويبعد قول من قال استثناء متصل . وسلاماً ، قال الزجاج : هو مصدر نصبه { قِيلاً } ،أي يقول بعضهم لبعض { سَلَاماً سَلَاماً} وقيل : نصب بفعل محذوف ، وهو معمول قيلاً ، أي قيلاً أسلموا سلاماً . وقيل :{ سَلاَماً } بدل من { قِيلاً} وقيل : نعت لقيلا بالمصدر ، كأنه قيل : إلا قيلاً سالماً من هذه العيوب . ٢٨في سدر مخضود {فِى سِدْرٍ } : في الجنة شجر على خلقه ، له ثمر كقلال هجر طيب الطعم والريح .{ مَّخْضُودٍ } : عار من الشوك . وقال مجاهد : المخضود : الموقر الذي تثني أغصانه كثرة حمله ، من خضد الغصن إذا أثناه . ٢٩وطلح منضود وقرأ الجمهور : { وَطَلْحٍ } بالحاء ؛ وعليّ وجعفر بن محمد وعبد اللّه : بالعين ، قرأها على المنبر . وقال عليّ وابن عباس وعطاء ومجاهد : الطلح : الموز . وقال الحسن : ليس بالموز ، ولكنه شجر ظله بارد رطب . وقيل : شجر أم غيلان ، وله نوّار كثير طيب الرائحة . وقال السدّي : شجر يشبه طلح الدنيا ، ولكن له ثمر أحلى من العسل . والمنضود : الذي نضد من أسفله إلى أعلاه ، فليست له ساق تظهر . ٣٠وظل ممدود {وَظِلّ مَّمْدُودٍ } : لا يتقلص . بل منبسط لا ينسخه شيء . قال مجاهد : هذا الظل من سدرها وطلحها . ٣١وماء مسكوب {وَمَاء مَّسْكُوبٍ } ، قال سفيان وغيره : جار في أخاديد . وقيل : منساب لا يتعب فيه بساقية ولا رشاء . ٣٢انظر تفسير الآية:٣٣ ٣٣وفاكهة كثيرة {لاَّ مَقْطُوعَةٍ } : أي هي دائمة لا تنقطع في بعض الأوقات ، كفاكهة الدنيا ، { وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } : أي لا يمنع من تناولها بوجه ، ولا يحظر عليها كالتي في الدنيا . وقرىء : وفاكهة كثيرة برفعهما ، أي وهناك فاكهة ، ٣٤وفرش مرفوعة وفرش : جمع فراش . وقرأ الجمهور : بضم الراء ؛ وأبو حيوة : بسكونها مرفوعة ، نضدت حتى ارتفعت ، أو رفعت على الأسرة . والظاهر أن الفراش هو ما يفترش للجلوس عليه والنوم . وقال أبو عبيدة وغيره : المراد بالفرش النساء ، لأن المرأة يكنى عنها بالفراش ، ورفعهن في الأقدار والمنازل . ٣٥إنا أنشأناهن إنشاء والضمير في { أَنشَأْنَاهُنَّ } عائد على الفرش في قول أبي عبيدة ، إذ هنّ النساء عنده ، وعلى ما دل عليه الفرش إذا كان المراد بالفرش ظاهر ما يدل عليه من الملابس التي تفرش ويضطجع عليها ، أي ابتدأنا خلقهن ابتداء جديداً من غير ولادة . والظاهر أن الإنشاء هو الاختراع الذي لم يسبق بخلق ، ويكون ذلك مخصوصاً بالحور اللاتي لسن من نسل آدم ، ويحتمل أن يريد إنشاء الإعادة ، فيكون ذلك لبنات آدم . ٣٦انظر تفسير الآية:٣٨ ٣٧انظر تفسير الآية:٣٨ ٣٨فجعلناهن أبكارا {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً } : والعرب ، قال ابن عباس : العروب المتحببة إلى زوجها ، وقاله الحسن ، وعبر ابن عباس أيضاً عنهن بالعواشق ، ومنه قول لبيد : وفي الخدور عروب غير فاحشة ريا الروادف يغشى دونها البصر وقال ابن زيد : العروب : المحسنة للكلام . وقرأ حمزة ، وناس منهم شجاع وعباس والأصمعي ، عن أبي عمرو ، وناس منهم خارجة وكردم وأبو خليد عن نافع ، وناس منهم أبو بكر وحماد وأبان عن عاصم : بسكون الراء ، وهي لغة تميم ؛ وباقي السبعة : بضمها .{ أَتْرَاباً } في الشكل والقد ، وأبعد من ذهب إلى أن الضمير في { أَنشَأْنَاهُنَّ } عائد على الحور العين المذكورة قبل ، لأن تلك قصة قد انقطعت ، وهي قصة السابقين ، وهذه قصة أصحاب اليمين . واللام في { أَصْحَابُ } متعلقة بأنشأناهن . ٣٩ثلة من الأولين {ثُلَّةٌ مّنَ الاْوَّلِينَ } : أي من الأمم الماضية ، ٤٠وثلة من الآخرين {وَثُلَّةٌ مّنَ الاْخِرِينَ } : أي من أمّة محمد صلى اللّه عليه وسلم ، ولا تنافي بين قوله :{ وَثُلَّةٌ مّنَ الاْخِرِينَ } وقوله قبل :{ وَقَلِيلٌ مّنَ الاْخِرِينَ } ، لأن قوله :{ مّنَ الاْخِرِينَ } هو في السابقين ، وقوله { وَثُلَّةٌ مّنَ الاْخِرِينَ } هو في أصحاب اليمين . ٤١وأصحاب الشمال ما . . . . . اليحموم الأسود البهيم ، الحنث قال الخطابي هو في كلام العرب العدل الثقيل شبه الاثم به ، الهيم جمع أهيم وهيماء والهيام داء معطش يصيب الإبل فتشرب حتى تموت أو تسقم سقماً شديداً قال : فأصبحت كالهيماء لا الماء مبرد صداها ولا يقضي عليها هيامها {والهيم} جمه هيام ، وهو الرمل بفتح الهاء وهو المشهور ، وقال ثعلب : بضمها قال : هو الرمل الذي لا يتماسك ، فبالفتح كسحاب وسحب ، ثم خفف وفعل به ما فعل ، بجمع أهيم من قلب ضمته كسرة لتصح الياء ، أو بالضم ، يكون قد جمع على فعل ، كقراد وقرد ، ثم سكنت ضمة الراء فصار فعلا ، ثم فعل به ما فعل ببيض ، أمنى الرجل النطفة ومناها قذفها من إحليله ، المزن السحاب ، قال الشاعر : فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها أوريت النار من الزناد قدحتها ، وورى الزند نفسه ، والزناد حجرين ، أو من حجر وحديدة ومن شجر ، لا سيما في الشجر الرخو ، كالمرخ والعفار والكلح ، والعرب تقدح بعودين تحك أحدهما بالآخر ، ويسمون الأعلى الزند ، والأسفل الزندة ، شبهوهما بالعجل والطروقة ، أقوى الرجل دخل في الأرض ، القوا وهي القفر كأصحر دخل في الصحراء ، وأقوى من أقام أياماً يأكل شيئاً ، وأقوت الدار : صارت قفراء ، قال الشاعر : يا دار مية بالعلياء فالسند أقوت وطال عليها سالف الأمد إدهن لاين ، وهاود فيما لا يحمل عند المدهن ، وقال الشاعر : الحزم والقوة خبر من الإدهان والفهة والهاع {الحلقوم} مجرى الطعام ، { الروح } الاستراحة ، { الريحان } تقدم في سورة الرحمن لما ذكر حال السابقين ، وأتبعهم بأصحاب الميمنة ، ذكر حال أصحاب المشئمة فقال : { وَأَصْحَابُ الشّمَالِ } ، وتقدّم إعراب نظير هذه الجملة ، وفي هذا الاستفهام تعظيم مصابهم . ٤٢في سموم وحميم {فِى سَمُومٍ } : في أشدّ حر ، { وَحَمِيمٍ } : ماء شديد السخونة . ٤٣وظل من يحموم {وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ } ، قال ابن عباس ومجاهد وأبو مالك وابن زيد والجمهور : دخان . وقال ابن عباس أيضاً : هو سرادق النار المحيط بأهلها ، يرتفع من كل ناحية حتى يظلهم . وقال ابن كيسان : اليحموم من أسماء جهنم . وقال ابن زيد أيضاً وابن بريدة : هو جبل في النار أسود ، يفزع أهل النار إلى ذراه ، فيجدونه أشد شيء وأمر . ٤٤لا بارد ولا . . . . . {لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ } : صفتان للظل نفيتا ، سمي ظلاً وإن كان ليس كالظلال ، ونفي عنه برد الظل ونفعه لمن يأوي إليه .{ وَلاَ كَرِيمٍ } : تتميم لنفي صفة المدح فيه ، وتمحيق لما يتوهم في الظل من الاسترواح إليه عند شدّة الحر ، أو نفي لكرامة من يستروح إليه . ونسب إليه مجازاً ، والمراد هم ، أي يستظلون إليه وهم مهانون . وقد يحتمل المجلس الرديء لنيل الكرامة ، وبدىء أولاً بالوصف الأصلي الذي هو الظل ، وهو كونه من يحموم ، فهو بعض اليحموم . ثم نفى عنه الوصف الذي يبغي له الظل ، وهو كونه لا بارداً ولا كريماً . وقد يجوز أن يكون { لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ } صفة ليحموم ، ويلزم منه أن يكون الظل موصوفاً بذلك . وقرأ الجمهور :{ لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ } بجرهما ؛ وابن عبلة : برفعهما : أي لا هو بارد ولا كريم ، على حد قوله : فأبيت لا حرج ولا محروم أي لا أنا حرج . ٤٥إنهم كانوا قبل . . . . . {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ } : أي في الدنيا ، { مُتْرَفِينَ } : فيه ذم الترف والتنعم في الدنيا ، والترف طريق إلى البطالة وترك التفكر في العاقبة . ٤٦وكانوا يصرون على . . . . . {وَكَانُواْ يُصِرُّونَ } : أي يداومون ويواظبون ، { عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ } ، قال قتادة والضحاك وابن زيد : الشرك ، وهو الظاهر . وقيل : ما تضمنه قوله :{ وَأَقْسَمُواْ بِاللّه جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } الآية من التكذيب بالبعث . ويبعده :{ وَكَانُواْ يِقُولُونَ } ، فإنه معطوف على ما قبله ، والعطف يقتضي التغاير ، فالحنث العظيم : الشرك . ٤٧وكانوا يقولون أئذا . . . . . فقولهم : { أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَ ءابَاؤُنَا الاْوَّلُونَ } : تقدم الكلام عليه في والصافات ، وكرر الزمخشري هنا وهمه فقال : فإن قلت : كيف حسن العطف على المضمر في { لَمَبْعُوثُونَ } من غير تأكيد بنحن ؟ قلت : حسن للفاصل الذي هو الهمزة ، كما حسن في قوله :{ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ ىَابَاؤُنَا } ، الفصل لا المؤكدة للنفي . انتهى . ورددنا عليه هنا وهناك إلى مذهب الجماعة في أنهم لا يقدرون بين همزة الاستفهام وحرف العطف فعلاً في نحو :{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ } ، ولا اسماً في نحو : ٤٨أو آباؤنا الأولون {أَوَ ءابَاؤُنَا } ، بل الواو والفاء لعطف ما بعدهما على ما قبلهما ، والهمزة في التقدير متأخرة عن حرف العطف . لكنه لما كان الاستفهام له صدر الكلام قدمت . ٤٩قل إن الأولين . . . . . ولما ذكر تعالى استفهامهم عن البعث على طريق الاستبعاد والإنكار ، أمر نبيه صلى اللّه عليه وسلم أن يخبرهم ببعث العالم ، أولهم وآخرهم ، للحساب ، وبما يصل إليه المكذبون للبعث من العذاب . ٥٠لمجموعون إلى ميقات . . . . . والميقات : ما وقت به الشيء ، أي حد ، أي إلى ما وقتت به الدنيا من يوم معلوم ، والإضافة بمعنى من ، كخاتم حديد . ٥١ثم إنكم أيها . . . . . {ثُمَّ إِنَّكُمْ } : خطاب لكفار قريش ، { أَيُّهَا الضَّالُّونَ } عن الهدى ، { الْمُكَذّبُونَ } للبعث . وخطاب أيضاً لمن جرى مجراهم في ذلك . ٥٢لآكلون من شجر . . . . . {لاَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مّن زَقُّومٍ } : من الأولى لابتداء الغاية أو للتبعيض ؛ والثانية ، إن كان من زقوم بدلاً ، فمن تحتمل الوجهين ، وإن لم تكن بدلاً ، فهي لبيان الجنس ، أي من شجر الذي هو زقوم . وقرأ الجمهور : من شجر ؛ وعبد اللّه : من شجرة . ٥٣فمالئون منها البطون {فَمَالِئُونَ مِنْهَا } : الضمير في منها عائد على شجر ، إذ هو اسم جنس يؤنث ويذكر ، وعلى قراءة عبد اللّه ، فهو واضح . ٥٤فشاربون عليه من . . . . . {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ } ، قال الزمخشري : ذكر على لفظ الشجر ، كما أنث على المعنى في منها . قال : ومن قرأ : من شجرة من زقوم ، فقد جعل الضميرين للشجرة ، وإنما ذكر الثانى على تأويل الزقوم لأنه يفسرها ، وهي في معناه . و قال ابن عطية : والضمير في عليه عائد على المأكول ، أو على الأكل . انتهى . فلم يجعله عائداً على شجر . ٥٥فشاربون شرب الهيم وقرأ نافع وعاصم وحمزة : { شُرْبَ } بضم الشين ، وهو مصدر . وقيل : اسم لما يشرب ؛ ومجاهد وأبو عثمان النهدي : بكسرها ، وهو بمعنى المشروب ، اسم لا مصدر ، كالطحن والرعي ؛ والأعرج وابن المسيب وسبيب بن الحبحاب ومالك بن دينار وابن جريج وباقي السبعة : بفتحها ، وهو مصدر مقيس . والهيم ، قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك : جمع أهيم ، وهو الجمل الذي أصابه الهيام ، وقد فسرناه في المفردات . وقيل : جمع هيماء . وقيل : جمع هائم وهائمة ، وجمع فاعل على فعل شاذ ، كباذل وبذل ، وعائد وعوذ ؛ والهائم أيضاً من الهيام . ألا ترى أن الجمل أذا أصابه ذلك هام على وجهه وذهب ؟ وقال ابن عباس وسفيان : الهيم : الرمال التى لا تروى من الماء ، وتقدم الخلاف في مفرده ، أهو الهيام بفتح الهاء ، أم بالضم ؟ والمعنى : أنه يسلط عليهم من الجوع ما يضطرهم إلى أكل الزقوم الذي كالمهل ، فإذا ملأوا منه البطون ، سلط عليهم من العطش ما يضطرهم إلى شرب الحميم الذي يقطع أمعاهم ، فيشربونه شرب الهيم ، قاله الزمخشري . وقال أيضاً : فإن قلت : كيف صح عطف الشاربين على الشاربين ، وهما لذوات متفقة وصفتان متفقتان ، فكان عطفاً للشيء على نفسه ؟ قلت : ليستا بمتفقتين من حيث أن كونهم شاربين للحميم على ما هو عليه من تناهي الحرارة ، وقطع الأمعاء أمر عجيب ، وشربهم له على ذلك ، كما تشرب الهيم الماء ، أمر عجيب أيضاً ؛ فكانتا صفتين مختلفتين . انتهى . والفاء تقتضي التعقيب في الشربين ، وأنهم أولاً لما عطشوا شربوا من الحميم ظناً أنه يسكن عطشهم ، فازداد العطش بحرارة الحميم ، فشربوا بعده شرباً لا يقع به ريّ أبداً ، وهو مثل شرب الهيم ، فهما شربان من الحميم لا شرب واحد ، اختلفت صفتاه فعطف ، والمقصود الصفة . والمشروب منه في { فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ } محذوف لفهم المعنى تقديره : فشاربون منه شرب الهيم . ٥٦هذا نزلهم يوم . . . . . وقرأ الجمهور : { نُزُلُهُمْ } بضم الزاي . وقرأ ابن محيصن وخارجة ، عن نافع ونعيم ومحبوب وأبو زيد وهارون وعصمة وعباس ، كلهم عن أبي عمرو : بالسكون ، وهو أول ما يأكله الضيف ، وفيه تهكم بالكفار ، وقال الشاعر : وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا جعلنا القنا والمرهفات له نزلا {يَوْمِ الدّينِ } : أي يوم الجزاء . ٥٧نحن خلقناكم فلولا . . . . . {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدّقُونَ } بالإعادة وتقرون بها ، كما أقررتم بالنشأة الأولى ، وهي خلقهم . ثم قال :{ فَلَوْلاَ تُصَدّقُونَ } بالإعادة وتقررن بها كما أقررتم ، فهو حض على التصديق .{ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللّه } ،أو :{ فَلَوْلاَ تُصَدّقُونَ بِهِ } ، ٥٨انظر تفسير الآية:٥٩ ٥٩أفرأيتم ما تمنون ثم حض على التصديق على وجه تقريعهم بسياق الحجج الموجبة للتصديق ، وكان كافراً ، قال : ولم أصدق ؟ فقيل له : أفرأيت كذا مما الإنسان مفطور على الإقرار به ؟ فقال : { أَفَرَءيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ } ، وهو المني الذي يخرج من الإنسان ، إذ ليس له في خلقه عمل ولا إرادة ولا قدرة . وقال الزمخشري :{ يخلقونه } : تقدرونه وتصورونه . انتهى ، فحمل الخلق على التقدير والتصوير ، لا على الإنشاء . ويجوز في { يَخْشَى أَءنتُمْ } أن يكون مبتدأ ، وخبره { تَخْلُقُونَهُ } ، والأولى أن يكون فاعلاً بفعل محذوف ، كأنه قال : أتخلقونه ؟ فلما حذف الفعل ، انفصل الضمير وجاء { أَفَرَءيْتُمُ } هنا مصرحاً بمفعولها الأول . ومجيء جملة الاستفهام في موضع المفعول الثاني على ما هو المقرر فيها ، إذا كانت بمعنى أخبرني . وجاء بعد أم جملة فقيل : أم منقطعة ، وليست المعادلة للّهمزة ، وذلك في أربعة مواضع هنا ، ليكون ذلك على استفهامين ، فجواب الأول لا ، وجواب الثاني نعم ، فتقدر أم على هذا ، بل أنحن الخالقون فجوابه نعم . وقال قوم من النحاة : أم هنا معادلة للّهمزة ، وكان ما جاء من الخبر بعد نحن جيء به على سبيل التوكيد ، إذ لو قال : أم نحن ، لوقع الاكتفاء به دون ذكر الخبر . ونظير ذلك جواب من قال : من في الدار ؟ زيد في الدار ، أو زيد فيها ، ولو اقتصر في الجواب على زيد لاكتفى به . وقرأ الجمهور :{ مَّا تُمْنُونَ } بضم التاء ؛ وابن عباس وأبو السمال : بفتحها . ٦٠انظر تفسير الآية:٦١ ٦١نحن قدرنا بينكم . . . . . والجمهور : { قَدَّرْنَآ } ، بشد الدال ؛ وابن كثير : يخفها ، أي قضينا وأثبتنا ، أو رتبنا في التقدم والتأخر ، فليس موت العالم دفعة واحدة ، بل بترتيب لا يتعدى . ويقال : سبقته على الشيء : أعجزته عنه وغلبته عليه ولم تمكنه منه ، والمعنى : { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَن نُّبَدّلَ أَمْثَالَكُمْ } : أي نحن قادرون على ذلك ، لا تغلبوننا عليه ، إن أردنا ذلك . وقال الطبري : المعنى نحن قادرون ، { قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ } ،{ عَلَى أَن نُّبَدّلَ أَمْثَالَكُمْ } : أي بموت طائفة ونبدلها بطائفة ، هكذا قرناً بعد قرن . انتهى . فعلى أن نبدل متعلق بقوله :{ نَحْنُ قَدَّرْنَا } ، وعلى القول الأول متعلق { بِمَسْبُوقِينَ } ،أي لا نسبق .{ عَلَى أَن نُّبَدّلَ أَمْثَالَكُمْ } ، وأمثالكم جمع مثل ، { وَنُنشِئَكُمْ فِيمَا لاَ تَعْلَمُونَ } من الصفات : أي نحن قادرون على أن نعدمكم وننشىء أمثالكم ، وعلى تغيير أوصافكم مما لا يحيط به فكركم . وقال الحسن : من كونكم قردة وخنازير ، قال ذلك لأن الآية تنحو إلى الوعيد . ويجوز أن يكون { أَمْثَالَكُم } جمع مثل بمعنى الصفة ، أي نحن قادرون على أن نغير صفاتكم التي أنتم عليها خلقاً وخلقاً ، { وَنُنشِئَكُمْ } في صفات لا تعلمونها . ٦٢ولقد علمتم النشأة . . . . . {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الاْولَى} : أي علمتم أنه هو الذي أنشأكم ، أولاً أنشأنا إنساناً . وقيل : نشأة آدم ، وأنه خلق من طين ، ولا ينكرها أحد من ولده .{ فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ } : حض على التذكير المؤدي إلى الإيمان والإقرار بالنشأة الآخرة . وقرأ الجمهور : تذكرون بشد الذال ؛ وطلحة يخفها وضم الكاف ، قالوا : وهذه الآية دالة على استعمال القياس والحض عليه . انتهى ، ولا تدل إلا على قياس الأولى ، لا على جميع أنواع القياس . ٦٣أفرأيتم ما تحرثون {أَفَرَءيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ } : ما تذرونه في الأرض وتبذرونه ، ٦٤أأنتم تزرعونه أم . . . . . {تَزْرَعُونَهُ أَمْ } : أي زرعاً يتم وينبت حتى ينتفع به ، والحطام : اليابس المتفتت الذي لم يكن له حب ينتفع به . ٦٥لو نشاء لجعلناه . . . . . {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } ، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : تعجبون . وقال عكرمة : تلاومون . وقال الحسن : تندمون . وقال ابن زيد : تنفجعون ، وهذا كله تفسير باللازم . ومعنى تفكهون : تطرحون الفكاهة عن أنفسكم وهي المسرة ، ورجل فكه : منبسط النفس غير مكترث بشيء ، وتفكه من أخوات تخرج وتحوب . وقرأ الجمهور :{ فَظَلْتُمْ } ، بفتح الظاء ولام واحدة ؛ وأبو حيوة وأبو بكر في رواية القيكي عنه : بكسرها . كما قالوا : مست بفتح الميم وكسرها ، وحكاها الثوري عن ابن مسعود ، وجاءت عن الأعمش . وقرأ عبد اللّه والجحدري : فظللتم على الأصل ، بكسر اللام . وقرأ الجحدري أيضاً : بفتحها ، والمشهور ظللت بالكسر . وقرأ الجمهور :{ تَفَكَّهُونَ } ؛ وأبو حرام : بالنون بدل الهاء . قال ابن خالويه : تفكه : تعجب ، وتفكن : تندم . ٦٦إنا لمغرمون {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ } ، قبله محذوف : أي يقولون . وقرأ الجمهور : إنا ؛ والأعمش والجحدري وأبو بكر : أئنا بهمزتين ، { لَمُغْرَمُونَ } : أي معذبون من الغرام ، وهو أشد العذاب ، قال : إن يعذب يكن غراماً وإن يعط جزيلاً فإنه لا يبالي أو لمحملون الغرم في النفقة ، إذ ذهب عنا غرم الرجل وأغرمته . ٦٧بل نحن محرومون {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } : محدودون ، لاحظ لنا في الخير . ٦٨أفرأيتم الماء الذي . . . . . {الْمَاء الَّذِى تَشْرَبُونَ } : هذا الوصف يغني عن وصفه بالعذاب . ألا ترى مقابله ، وهو الأجاج ؟ ٧٠لو نشاء جعلناه . . . . . ودخلت اللام في { لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً } ، وسقطت في قوله :{ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً } ، وكلاهما فصيح . وطول الزمخشري في مسوغ ذلك ، وملخصه : أن الحرف إذا كان في مكان ، وعرف واشتهر في ذلك المكان ، جاز حذفه لشهرة أمره . فإن اللام علم لارتباط الجملة الثانية بالأولى ، فجاز حذفه استغناء بمعرفة السامع . وذكر في كلامه أن الثاني امتنع لامتناع الأول ، وليس كما ذكر ، إنما هذا قول ضعفاء المعربين . والذي ذكره سيبويه : أنها حرف لما كان سيقع لوقوع الأول . ويفسد قول أولئك الضعفاء قولهم : لو كان إنساناً لكان حيواناً ، فالحيوانية لا تمتنع لامتناع الإنسانية . ثم قال : ويجوز أن يقال : إن هذه اللام مفيدة معنى التوكيد لا محالة ، وأدخلت في آية المطعوم دون آية المشروب للدلالة على أن أمر المطعوم مقدم على أمر المشروب ، وأن الوعيد بفقده أشد وأصعب من قبل أن المشروب إنما يحتاج إليه تبعاً للمطعوم ، ولهذا قدمت آية المطعوم على آية المشروب . ٧٢أأنتم أنشأتم شجرتها . . . . . والظاهر أن { شَجَرَتَهَا } ، المراد منه الشجر الذي يقدح منه النار . وقيل : المراد بالشجرة نفس النار ، كأنه يقول : نوعها أو جنسها ، فاستعار الشجرة لذلك ، وهذا قول متكلف . ٧٣انظر تفسير الآية:٧٤ ٧٤نحن جعلناها تذكرة . . . . . {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً } : أي لنار جهنم ، { وَمَتَاعاً لّلْمُقْوِينَ } : أي النازلين الأرض القوا ، وهي القفر . وقيل : للمسافرين ، وهو قريب مما قبله ؛ وقول ابن زيد : الجائعين ، ضعيف جداً . وقدم من فوائد النار ما هو أهم وآكد من تذكيرها بنار جهنم ، ثم أتبعه بفائدتها في الدنيا . وهذه الأربعة التي ذكرها اللّه تعالى ووقفهم عليها ، من أمر خلقهم وما به قوام عيشهم من المطعوم والمشروب . والنار من أعظم الدلائل على البعث ، وفيها انتقال من شيء إلى شيء ، وإحداث شيء من شيء ، ولذلك أمر في آخرها بتنزيهه تعالى عما يقول الكافرون . ووصف تعالى نفسه بالعظيم ، إذ من هذه أفعاله تدل على عظمته وكبريائه وانفراده بالخلق والإنشاء . ٧٥انظر تفسير الآية:٧٦ ٧٦فلا أقسم بمواقع . . . . . قرأ الجمهور : { فَلاَ أُقْسِمُ } ، فقيل : لا زائدة مؤكدة مثلها في قوله :{ لّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ } ، والمعنى : فاقسم . وقيل : المنفي المحذوف ، أي فلا صحة لما يقول الكفار . ثم ابتدأ أقسم ، قاله سعيد بن جبير وبعض النحاة ؛ ولا يجوز ، لأن في ذلك حذف اسم لا وخبرها ، وليس جواباً لسائل سأل ، فيحتمل ذلك ، نحو قوله { لا } لمن قال : هل من رجل في الدار ؟ وقيل : توكيد مبالغة ما ، وهي كاستفتاح كلام شبهه في القسم ، إلا في شائع الكلام القسم وغيره ، ومنه . فلا وأبي أعدائها لا أخونها والأولى عندي أنها لام أشبعت فتحتها ، فتولدت منها ألف ، كقوله : أعوذ باللّه من العقراب وهذا وإن كان قليلاً ، فقد جاء نظيره في قوله :{ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ النَّاسِ } بياء بعد الهمزة ، وذلك في قراءة هشام ، فالمعنى : فلأقسم ، كقراءة الحسن وعيسى ، وخرج قراءة الحسن أبو الفتح على تقدير مبتدأ محذوف ، أي فلأنا أقسم ، وتبعه على ذلك الزمخشري . وإنما ذهبا إلى ذلك لأنه فعل حال ، وفي القسم عليه خلاف . فالذي اختاره ابن عصفور وغيره أن فعل الحال لا يجوز أن يقسم عليه ، فاحتاجوا إلى أن يصوروا المضارع خبراً لمبتدأ محذوف ، فتصير الجملة اسمية ، فيقسم عليها . وذهب بعض النحويين إلى أن جواز القسم على فعل الحال ، وهذا الذي اختاره فتقول : واللّه ليخرج زيد ، وعليه قول الشاعر : ليعلم ربي أن بيتي واسع وقال الزمخشري : في قراءة الحسن ، ولا يصح أن تكون اللام لام قسم لأمرين ، أحدهما : أن حقها أن تقرن بها النون المؤكدة ، والإخلال بها ضعيف قبيح ؛ والثاني : أن لأفعلنّ في جواب القسم للاستقبال ، وفعل القسم يجب أن يكون للحال . انتهى . أما الأمر الأول ففيه خلاف ، فالذي قاله قول البصريين ، وأما الكوفيون فيختارون ذلك ، ولكن يجيزون تعاقبهما ، فيجيزون لأضربن زيداً ، واضربن عمراً . وأما الثاني فصحيح ، لكنه هو الذي رجح عندنا أن تكون اللام في لا أقسم لام القسم ، وأقسم فعل حال ، والقسم قد يكون جواباً للقسم ؛ كما قال تعالى : { وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى} فاللام في { وَلَيَحْلِفَنَّ } جواب قسم ، وهو قسم ، لكنه لما لم يكن حلفهم حالاً ، بل مستقبلاً ، لزمت النون ، وهي مخلصة المضارع للاستقبال . وقرأ الجمهور :{ بِمَواقِعِ } جمعاً ؛ وعمر وعبد اللّه وابن عباس وأهل المدينة وحمزة والكسائي : بموقع مفرداً ، مراداً به الجمع . قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد وغيرهم : هي نجوم القرآن التي أنزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ويؤيد هذا القول قوله :{ إِنَّهُ لَقُرْءانٌ } ، فعاد الضمير على ما يفهم من قوله :{ بِمَواقِعِ النُّجُومِ } ،أي نجوم القرآن . وقيل : النجوم : الكواكب ومواقعها . قال مجاهد وأبو عبيدة : عند طلوعها وغروبها . وقال قتادة : مواقعها : مواضعها من السماء . وقال الحسن : مواقعها عند الانكدار يوم القيامة . وقيل : عند الانفضاض أثر العفاري ، ومن تأول النجوم على أنها الكواكب ، جعل الضمير في إنه يفسره سياق الكلام ، كقوله :{ حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} وفي إقسامه تعالى بمواقع النجوم سر في تعظيم ذلك لا نعلمه نحن ، وقد أعظم ذلك تعالى فقال :{ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} والجملة المقسم عليها قوله :{ إِنَّهُ لَقُرْءانٌ كَرِيمٌ } ، وفصل بين القسم وجوابه ؛ فالظاهر أنه اعتراض بينهما ، وفيه اعتراض بين الصفة والموصوف بقوله :{ لَّوْ تَعْلَمُونَ} و قال ابن عطية :{ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ } تأكيد للأمر وتنبيه من المقسم به ، وليس هذا باعتراض بين الكلامين ، بل هذا معنى قصد التهمم به ، وإنما الاعتراض قوله :{ لَّوْ تَعْلَمُونَ} انتهى . ٧٧إنه لقرآن كريم وكريم : وصف مدح ينفي عنه مالا يليق به . وقال الزمخشري : { كَرِيمٌ } : حسن مرضي في جنسه من الكتب ، أو نفاع جم المنافع ، أو كريم على اللّه تعالى . ٧٨في كتاب مكنون {فِى كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } : أي مصون . قال ابن عباس ومجاهد : الكتاب الذي في السماء . وقال عكرمة : التوراة والإنجيل ، كأنه قال : ذكر في كتاب مكنون كرمه وشرفه ، فالمعنى على هذا الاستشهاد بالكتب المنزلة . وقيل :{ فِى كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } : أي في مصاحف للمسلمين مصونة من التبديل والتغيير ، ولم تكن إذ ذاك مصاحف ، فهو إخبار بغيب . ٧٩لا يمسه إلا . . . . . والظاهر أن قوله : { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ } وصف لقرآن كريم ، فالمطهرون هم الملائكة . وقيل :{ لاَّ يَمَسُّهُ } صفة لكتاب مكنون ، فإن كان الكتاب هو الذي في السماء ، فالمطهرون هم الملائكة أيضاً : أي لا يطلع عليه من سواهم ، وكذا على قول عكرمة : هم الملائكة ، وإن أريد بكتاب مكنون الصحف ، فالمعنى : أنه لا ينبغي أن يمسه إلا من هو على طهارة من الناس . وإذا كان { الْمُطَهَّرُونَ } هم الملائكة ، { فَلا يَمَسُّهُ } نفي ، ويؤيد المنفي ما يمسه على قراءة عبد اللّه . وإذا عنى بهم المطهرون من الكفر والجنابة ، فاحتمل أن يكون نفياً محضاً ، ويكون حكمه أنه لا يمسه إلا المطهرون ، وإن كان يمسه غير المطهر ، كما جاء :{ لا تُنبِتُواْ شَجَرَهَا } ،أي الحكم هذا ، وإن كان قد يقع العضد . واحتمل أن يكون نفياً أريد به النهي ، فالضمة في السين إعراب . واحتمل أن يكون نهياً فلو فك ظهر الجزم ، ولكنه لما أدغم كان مجزوماً في التقدير ، والضمة فيه لأجل ضمة الهاء ، كما جاء في الحديث : { إنا لم نرده عليك } ، إلا إنا جزم ، وهو مجزوم ، ولم يحفظ سيبويه في نحو هذا من المجزوم المدغم المتصل بالهاء ضمير المذكر إلا الضم . قال ابن عطية : والقول بأن لا يمسه نهي ، قول فيه ضعف وذلك أنه إذا كان خبراً ، فهو في موضع الصفة ٨٠تنزيل من رب . . . . . وقوله بعد ذلك { تَنزِيلَ } صفة ، فإذا جعلناه نهياً ، جاء معناه أجنبياً معترضاً بين الصفات ، وذلك لا يحسن في وصف الكلام فتدبره . وفي حرف ابن مسعود ما يمسه ، وهذا يقوي ما رجحته من الخبر الذي معناه حقه وقدره أن لا يمسه إلا طاهر . انتهى . ولا يتعين أن يكون { تَنزِيلَ } صفة ، بل يجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، فيحسن إذ ذاك أن يكون { لاَّ يَمَسُّهُ } نهياً . وذكروا هنا حكم مس المصحف ، وذلك مذكور في الفقه ، وليس في الآية دليل على منع ذلك . وقرأ الجمهور :{ الْمُطَهَّرُونَ } اسم مفعول من طهر مشدّداً ؛ وعيسى : كذلك مخففاً من أطهر ، ورويت عن نافع وأبي عمرو . وقرأ سلمان الفارسي : المطهرون ، بخف الطاء وشد الهاء وكسرها : اسم فاعل من طهر ، أي المطهرين أنفسهم ؛ وعنه أيضاً المطهرون بشدهما ، أصله المتطهرون ، فأدغم التاء في الطاء ، ورويت عن الحسن وعبد اللّه بن عوف . وقرىء : المتطهرون . وقرىء : تنزيلاً بالنصب ، أي نزل تنزيلاً ، ٨١أفبهذا الحديث أنتم . . . . . والإشارة في : { أَفَبِهَاذَا الْحَدِيثِ } للقرآن ، و { أَنتُمْ } : خطاب للكفار ، { مُّدْهِنُونَ } ، قال ابن عباس : مهاودون فيما لا يحل . وقال أيضاً : مكذبون . ٨٢وتجعلون رزقكم أنكم . . . . . {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ } : أي شكر ما رزقكم اللّه من إنزال القرآن عليكم تكذيبكم به ، أي تضعون مكان الشكر التكذيب ، ومن هذا المعنى قول الراجز : مكان شكر القوم عند المنن كي الصحيحات وفقء الأعين وقرأ عليّ وابن عباس : وتجعلون شكركم ، وذلك على سبيل التفسير لمخالفته السواد . وحكى الهيثم بن عدي أن من لغة أزد شنؤه ما رزق فلان فلاناً ، بمعنى : ما شكره . قيل : نزلت في الأنواء ، ونسبة السقيا إليها ، والرزق : المطر ، فالمعنى : ما يرزقكم اللّه من الغيب . و قال ابن عطية : أجمع المفسرون على أن الآية توبيخ للقائلين في المطر ، هذا بنوء كذا وكذا ، وهذا بنوء الأسد ، وهذا بنوء الجوزاء ، وغير ذلك . وقرأ الجمهور :{ تُكَذّبُونَ } من التكذيب ؛ وعليّ والمفضل عن عاصم : من الكذب ، فالمعنى من التكذيب أنه ليس من عند اللّه ، أي القرآن أو المطر ، حيث ينسبون ذلك إلى النجوم . ومن الكذب قولهم : في القرآن سحر وافتراء ، وفي المطر من الأنواء . ٨٣انظر تفسير الآية:٨٤ ٨٤فلولا إذا بلغت . . . . . {فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ } ، قال الزمخشري : ترتيب الآية : فلولا ترجعونها إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مدينين ، فلولا الثانية مكررة للتوكيد ، والضمير في ترجعونها للنفس . و قال ابن عطية : توقيف على موضع عجز يقتضي النظر فيه أن اللّه مالك كل شيء .{ وَأَنتُمْ } : إشارة إلى جميع البشر ، { حِينَئِذٍ } : حين إذ بلغت الحلقوم ، { تَنظُرُونَ } : أي إلى النازع في الموت . وقرأ عيسى : حينئذ بكسر النون اتباعاً لحركة الهمزة في إذ ، ٨٥انظر تفسير الآية:٨٧ ٨٧ونحن أقرب إليه . . . . . {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ } بالعلم والقدرة ، { وَلَاكِن لاَّ تُبْصِرُونَ } : من البصيرة بالقلب ، أو { أَقْرَبُ } : أي ملائكتنا ورسلنا ، { وَلَكِنَّا لاَ تُبْصِرُونَ } : من البصر بالعين . ثم عاد التوقيف والتقدير ثانية بلفظ التخصيص . والمدين : المملوك . قال الأخطل : ربت ورباني في حجرها ابن مدينة قيل : ابن مملوكة يصف عبداً ابن أمة ، وآخر البيت : تراه على مسحانة يتوكل والمعنى : فلولا ترجعون النفس البالغة إلى الحلقوم إن كنتم غير مملوكين وغير مقهورين .{ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } في تعطيلكم وكفركم بالمحيي المميت المبدىء المعيد ، إذ كانوا فيما ذهبوا إليه من أن القرآن سحر وافتراء ، وأن ما نزل من المطر هو بنوء ، كذا تعطيل للصانع وتعجيز له . و قال ابن عطية : قوله { تَرْجِعُونَهَا } سد مسد جوابها ، والبيانات التي تقتضيها التخصيصات ، وإذا من قوله :{ فَلَوْلاَ إِذَا } ، وإن المتكررة ، وحمل بعض القول بعضاً إيجازاً واقتصاراً . انتهى . وتقول :{ إِذَا } ليست شرطية ، فتسد { تَرْجِعُونَهَا } مسد جوابها ، بل هي ظرف غير شرط معمول لترجعونها المحذوف بعد فلولا ، لدلالة ترجعونها في التخصيص الثاني علي ، فجاء التخصيص الأول مقيداً بوقت بلوغ الحلقوم ، وجاء التخصيص الثاني معلقاً على انتفاء مربوبيتهم ، وهم لا يقدرون على رجوعها ، إذ مربوبيتهم موجودة ، فهم مقهورون لا قدرة لهم . {فَأَمَّا إِن كَانَ } : أي المتوفى ، { مِنَ الْمُقَرَّبِينَ } : وهم السابقون . ٨٨انظر تفسير الآية:٩٠ ٩٠فأما إن كان . . . . . وقرأ الجمهور ؛ { فَرَوْحٌ } ، بفتح الراء ؛ وعائشة ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، ونوح القارىء ، والضحاك ، والأشهب ، وشعيب بن الحبحاب ، وسليمان التيمي ، والربيع بن خيثم ، ومحمد بن عليّ ، وأبو عمران الجوني ، والكلبي ، وفياض ، وعبيد ، وعبد الوارث عن أبي عمرو ، ويعقوب بن صيان ، وزيد ، ورويس عنه : بضمها . قال الحسن : الروح : الرحمة ، لأنها كالحياة للمرحوم . وقال أيضاً : روحه تخرج في ريحان . وقيل : الروح : البقاء ، أي فهذان له معاً ، وهو الخلود مع الرزق . وقال مجاهد : الريحان : الرزق . وقال الضحاك : الاستراحة . وقال أبو العالية وقتادة والحسن أيضاً : الريحان ، هذا الشجر المعروف في الدنيا ، يلقى المقرب ريحاناً من الجنة . وقال الخليل : هو ظرف كل بقلة طيبة فيها أوائل النور . وقال صلى اللّه عليه وسلم ، في الحسن والحسين ، رضي اللّه تعالى عنهما : { هما ريحانتاي من الدنيا} . و قال ابن عطية : الريحان : مما تنبسط به النفوس ، { فَرَوْحٌ } : فسلام ، فنزل الفاء جواب أما تقدم . أما وهي في تقدير الشرط ، وإن كان من المقربين ، وإن كان من أصحاب اليمين ، وإن كان من المكذبين الضالين شرط ؛ وإذا اجتمع شرطان ، كان الجواب للسابق منهما . وجواب الثاني محذوف ، ولذلك كان فعل الشرط ماضي للفظ ، أو مصحوباً بلم ، وأغنى عنه جواب أما ، هذا مذهب سيبويه . وذهب أبو عليّ الفارسي إلى أن الفاء جواب إن ، وجواب أما محذوف ، وله قول موافق لمذهب سيبويه . وذهب الأخفش إلى أن الفاء جواب لأمّا ، والشرط معاً ، وقد أبطلنا هذين المذهبين في كتابنا المسمى بالتذييل والتكميل في شرح التسهيل ، والخطاب في ذلك للرسول صلى اللّه عليه وسلم ،أي لا ترى فيهم يا محمد إلا السلامة من العذاب . ثم لكل معتبر من أمّته صلى اللّه عليه وسلم قبل لمن يخاطبه :{ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} ٩١فسلام لك من . . . . . فقال الطبري : المعنى : فسلام لك أنت من أصحاب اليمين . وقال قوم : المعنى : فيقال لهم : مسلم لك إنك من أصحاب اليمين . وقيل : فسلام لك يا صاحب اليمين من إخوانك أصحاب اليمين ، أي يسلمون عليك ، كقوله : { إِلاَّ قَلِيلاً سَلَاماً سَلَاماً} ٩٢وأما إن كان . . . . . والمكذبون الضالون هم أصحاب المشأمة ، أصحاب الشمال . ٩٣فنزل من حميم وقرأ الجمهور : وتصلية رفعاً ، عطفاً على { فَنُزُلٌ } ؛ وأحمد بن موسى والمنقري واللؤلؤي عن أبي عمرو : بحر عطفاً على { مِنْ حَمِيمٍ} ٩٤انظر تفسير الآية:٩٥ ٩٥وتصلية جحيم ولما انقضى الإخبار بتقسيم أحوالهم وما آل إليه كل قسم منهم ، أكد ذلك بقوله : { إِنَّ هَذَا } : أي إن هذا الخبر المذكور في هذه السورة { هُوَ حَقُّ الْيَقِينِ } ، فقيل : هو من إضافة المترادفين على سبيل المبالغة ، كما تقول : هذا يقين اليقين وصواب الصواب ، بمعنى أنها نهاية في ذلك ، فهما بمعنى واحد أضيف على سبيل المبالغة . وقيل : هو من إضافة الموصوف إلى صفته جعل الحق مبايناً لليقين ، أي الثابت المتيقن . ٩٦فسبح باسم ربك . . . . . ولما تقدم ذكر الأقسام الثلاثة مسهباً الكلام فيهم ، أمره تعالى بتنزيهه عن ما لا يليق به من الصفات . ولما أعاد التقسيم موجزاً الكلام فيه ، أمره أيضاً بتنزيهه وتسبيحه ، والإقبال على عبادة ربه ، والإعراض عن أقوال الكفرة المنكرين للبعث والحساب والجزاء . ويظهر أن سبح يتعدى تارة بنفسه ، كقوله : { سَبِّحِ اسْمَ رَبّكَ الاَعْلَى } ، ويسبحوه ؛ وتارة بحرف الجر ، كقوله :{ فَسَبّحْ بِاسْمِ رَبّكَ الْعَظِيمِ } ، والعظيم يجوز أن يكون صفة لاسم ، ويجوز أن يكون صفة لربك . |
﴿ ٠ ﴾