١٠وما لكم ألا . . . . . ولما كان قد أمرهم بالإيمان والإنفاق ، ثم ترك تأنيبهم على ترك الإيمان مع حصول موجبه ، أنبهم على ترك الإنفاق في سبيل اللّه مع قيام الداعي لذلك ، وهو أنهم يموتون فيخلفونه . ونبه على هذا الموجب بقوله : { وَللّه مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ } وهذا من أبلغ البعث على الإنفاق . وأن لا تنفقوا تقديره : في أن لا تنفقوا ، فموضعه جر أو نصب على الخلاف ، وأن ليست زائدة ، بل مصدرية . وقال الأخفش : في قوله :{ وَمَا لَنَا أَن لا نُّقَاتِلْ } ، إنها زائدة عاملة تقديره عنده : وما لنا لا نقاتل ، فلذلك على مذهبه في تلك هنا تكون أن ، وتقديره : وما لكم لا تنفقون ، وقد رد مذهبه في كتب النحو . {لاَ يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ } ،قيل : نزلت في أبي بكر رضي اللّه تعالى عنه ، إذ كان أول من أسلم وهاجر وأنفق رضي اللّه تعالى عنه ، وكذا من تابعه في السبق في ذلك ، ولذلك قال :{ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً} وقيل : نزلت بسبب أن ناساً من الصحابة أنفقوا نفقات جليلة حتى قيل : إن هؤلاء أعظم أجراً من كل من أنفق . وهذه الجملة تضمنت تباين ما بين المنفقين . وقرأ الجمهور :{ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ } ؛ وزيد بن علي ، قيل : بغير من . والفتح مكة ، وهو المشهور ، وقول قتادة وزيد بن أسلم ومجاهد . وقال أبو سعيد الخدري والشعبي : هو فتح الحديبة ، وقد تقدم في أول سورة الفتح كونه فتحاً ، ورفعه أبو سعيد إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم : إن أفضل ما بين الهجرتين فتح الحديبة . والظاهر أن { مِنْ } فاعل { لاَ يَسْتَوِى } ، وحذف مقابله ، وهو من أنفق من بعد الفتح وقاتل ، لوضوح المعنى . {أُوْلَائِكَ } : أي الذين أنفقوا قبل الفتح وقبل انتشار الإسلام وفشوّه واستيلاء السلمين على أم القرى ، وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين جاء في حقهم قوله صلى اللّه عليه وسلم : { لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه} . وأبعد من ذهب إلى الفاعل بلا يستوي ضمير يعود على الإنفاق ، أي لا يستوي ، هو الإنفاق ، أي جنسه ، إذ منه ما هو قبل الفتح وبعده ؛ ومن أنفق مبتدأ ، وأولئك مبتدأ خبره ما بعده ، والجملة في موضع خبر من ، وهذا فيه تفكيك للكلام ، وخروج عن الظاهر لغير موجب . وحذف المعطوف لدلالة المقابل كثيرة ، فأنفق لا سيما المعطوف الذي يقتضيه وضع الفعل ، وهو يستوي . وقرأ الجمهور :{ وَكُلاًّ } بالنصب ، وهو المفعول الأول لوعد . وقرأ ابن عامر وعبد الوارث من طريق المادر أي : وكل بالرفع والظاهر أنه مبتدأ ، والجملة بعده في موضع الخبر ، وقد أجاز ذلك الفراء وهشام ، وورد في السبعة ، فوجب قبوله ؛ وإن كان غيرهما من النحاة قد خص حذف الضمير الذي حذف من مثل وعد بالضرورة . وقال الشاعر : وخالد تحمد ساداتنا بالحق لا تحمد بالباطل يريده : تحمده ساداتنا ، وفر بعضهم من جعل وعد خبراً فقال : كل خبر مبتدأ تقديره : وأولئك كل ، ووعد صفة ، وحذف الضمير المنصوب من الجملة الواقعة صفة أكثر من حذفه منها إذا كانت خيراً ، نحو قوله : وما أدري أغيرهم تناء وطول العهد أم مال أصابوا يريد : أصابوه ، فأصابوه صفة لمال ، وقد حذف الضمير العائد على الموصوف والحسنى : تأنيث الأحسن ، وفسره مجاهد وقتادة بالجنة . والوعد يتضمن ذلك في الآخرة ، والنصر والغنيمة في الدنيا . { وَاللّه بِمَا تَعْلَمُونَ خَبِيرٌ } : فيه وعد ووعيد . |
﴿ ١٠ ﴾