٢٥

لقد أرسلنا رسلنا . . . . .

{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ } : الظاهر أن الرسل هنا هم من بني آدم ، والبينات : الحجج والمعجزات .{ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ } : الكتاب اسم جنس ، ومعهم حال مقدرة ، أي وأنزلنا الكتاب صائراً معهم ، أي مقدراً صحبته لهم ، لأن الرسل منزلين هم والكتاب . ولما أشكل لفظ معهم على الزمخشري ، فسر الرسل بغير ما فسرناه ، فقال :{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا } ، يعنى : الملائكة ، إلى الأنبياء بالحجج والمعجزات ، { وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ } : أي الوحي ، { وَالْمِيزَانَ} وروي أن جبريل عليه السلام نزل بالميزان ، فدفعه إلى نوح وقال : مر قومك يزنوا به .{ وَأَنزْلْنَا الْحَدِيدَ } ،قيل : نزل آدم من الجنة ومعه خمسة أشياء من حديد السندان والكلبتان والميقعة والمطرقة والإبرة . وروي : ومعه المسن والمسحاة . وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم أن اللّه تعالى أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض ، أنزل الحديد والنار والماء والملح . انتهى . وأكثر المتأولين على أن المراد بالميزان : العدل ، فقال ابن زيد وغيره : أراد بالموازين : المعرفة بين الناس ، وهذا جزء من العدل .{ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } : الظاهر أنه علة لإنزال الميزان فقط ، ويجوز أن يكون علة لإنزال الكتاب والميزان معاً ، لأن القسط هو العدل في جميع الأشياء من سائر التكاليف ، فإنه لا جور في شيء منها ، ولذلك جاء :{ شَهِدَ اللّه أَنَّهُ لا إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمَاً بِالْقِسْطِ}

{وَأَنزْلْنَا الْحَدِيدَ } : عبر عن إيجاده بالإنزال ، كما قال :{ وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ الاْنْعَامِ} وأيضاً فإن الأوامر وجميع القضايا والأحكام لما كانت تلقى من السماء ، جعل الكل نزولاً منها ، قاله ابن عطية . وقال الجمهور : أراد بالحديد جنسه من المعادن .

وقال ابن عباس : نزل آدم من الجنة ومعه السندان والكلبتان والميقعة .{ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } : أي السلاح الذي يباشر به القتال ، { وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } : في مصالحهم ومعايشهم وصنائعهم ؛ فما من صناعة إلا والحديد آلة فيها .{ وَلِيَعْلَمَ اللّه } علة لإنزال الكتاب والميزان والحديد .{ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ } بالحجج والبراهين المنتزعة من الكتاب المنزل ، وبإقامة العدل ، وبما يعمل من آلة الحرب للجهاد في سبيل اللّه .

قال ابن عطية : أي ليعلمه موجوداً ، فالتغير ليس في علم اللّه ، بل في هذا الحدث الذي خرج من العدم إلى الوجود . وقوله :{ بِالْغَيْبِ } معناه : بما سمع من الأوصاف الغائبة عنه ، فآمن بها لقيام الأدلة عليها .

ولما قال تعالى :{ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ } ، ذكر تعالى أنه غني عن نصرته بقدرته وعزته ، وأنه إنما كلفهم الجهاد لمنفعة أنفسهم ، وتحصيل ما يترتب لهم من الثواب . و

قال ابن عطية : ويترتب معنى الآية بأن اللّه تعالى أخبر بأنه أرسل رسله ، وأنزل كتباً وعدلاً مشروعاً ، وسلاحاً يحارب به من عاند ولم يهتد بهدي اللّه ، فلم يبق عذر . وفي الآية ، على هذا التأويل ، حث على القتال .

قوله عز وجل :{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنَا فِى ذُرّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مّنْهُمْ فَاسِقُونَ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىءاثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَءاتَيْنَاهُ الإنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّة } سقط : الآية كاملة { ً}

﴿ ٢٥