٢٧ثم قفينا على . . . . . {ثُمَّ قَفَّيْنَا } : أي اتبعنا وجعلناهم يقفون من تقدم ، { عَلَىءاثَارِهِمْ } : أي آثار الذرية ، { بِرُسُلِنَا } : وهم الرسل الذين جاءوا بعد الذرية ، { وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى } : ذكره تشريفاً له ، ولانتشار أمته ، ونسبه لأمه على العادة في الإخبار عنه . وتقدمت قراءة الحسن : الإنجيل ، بفتح الهمزة في أول سورة آل عمران . قال أبو الفتح : وهو مثال لا نظير له . انتهى ، وهي لفظة أعجمية ، فلا يلزم فيها أن تكون على أبنية كلم العرب . وقال الزمخشري : أمره أهون من أمر البرطيل ، يعني أنه بفتح الباء وكأنه عربي ؛ وأما الإنجيل فأعجمي . وقرىء : رآفة على وزن فعالة ، { وَجَعَلْنَا } : يحتمل أن يكون المعنى وخلقنا ، كقوله :{ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ } ، ويحتمل أن يكون بمعنى صيرنا ، فيكون { فِى قُلُوبِ } : في موضع المفعول الثاني لجعلنا .{ وَرَهْبَانِيَّةً } معطوف على ما قبله ، فهي داخلة في الجمل .{ ابتَدَعُوهَا } : جملة في موضع الصفة لرهبانية ، وخصت الرهبانية بالابتداع ، لأن الرأفة والرحمة في القلب لا تكسب للإنسان فيها ، بخلاف الرهبانية ، فإنها أفعال بدن مع شيء في القلب ، ففيها موضع للتكسب . قال قتادة : الرأفة والرحمة من اللّه ، والرهبانية هم ابتدعوها ؛ والرهبانية : رفض الدنيا وشهواتها من النساء وغيرهنّ واتخاد الصوامع . وجعل أبو علي الفارسي { وَرَهْبَانِيَّةً } مقتطعة من العطف على ما قبلها من { رَأْفَةً وَرَحْمَةً } ، فانتصب عنده { وَرَهْبَانِيَّةً } على إضمار فعل يفسره ما بعده ، فهو من باب الاشتغال ، أي وابتدعوا رهبانية ابتدعوها . واتبعه الزمخشري فقال : وانتصابها بفعل مضمر يفسره الظاهر تقديره : وابتدعوا رهبانية ابتدعوها ، يعني وأحدثوها من عند أنفسهم ونذروها . انتهى ، وهذا إعراب المعتزلة ، وكان أبو عليّ معتزلياً . وهم يقولون : ما كان مخلوقاً للّه لا يكون مخلوقاً للعبد ، فالرأفة والرحمة من خلق اللّه ، والرهبانية من ابتداع الإنسان ، فهي مخلوقة له . وهذا الإعراب الذي لهم ليس بجيد من جهة صناعة العربية ، لأن مثل هذا هو مما يجوز فيه الرفع بالابتداء ، ولا يجوز الابتداء هنا بقوله :{ وَرَهْبَانِيَّةً } ، لأنها نكرة لا مسوغ لها من المسوغات للابتداء بالنكرة . وروي في ابتداعهم الرهبانية أنهم افترقوا ثلاث فرق : ففرقة قاتلت الملوك على الدين فغلبت وقتلت ؛ وفرقة قعدت في المدن يدعون إلى الدين ويبينونه ولم تقاتل ، فأخذها الملوك ينشرونهم بالمناشير فقتلوا ، وفرقة خرجت إلى الفيافي ، وبنت الصوامع والديارات ، وطلبت أن تسلم على أن تعتزل فتركت . والرهبانية : الفعلة المنسوبة إلى الرهبان ، وهو الخائف بني فعلان من رهب ، كالخشيان من خشي . وقرىء : ورهبانية بالضم . قال الزمخشري : كأنها نسبة إلى الرهبان ، وهو جمع راهب ، كراكب وركبان . انتهى . والأولى أن يكون منسوباً إلى رهبان وغير بضم الراء ، لأن النسب باب تغيير . ولو كان منسوباً إلى رهبان الجمع لرد إلى مفرده ، فكان يقال : راهبية ، إلا إن كان قد صار كالعلم ، فإنه ينسب إليه على لفظه كالأنصار . والظاهر أن { إِلاَّ ابْتِغَاء رِضْوانِ } اللّه استثناء متصل من ما هو مفعول من أجله ، وصار المعنى : أنه تعالى كتبها عليهم ابتغاء مرضاته ، وهذا قول مجاهد ، ويكون كتب بمعنى قضى . وقال قتادة وجماعة : المعنى : المعنى : لم يفرضها عليهم ، ولكنهم فعلوا ذلك ابتغاء رضوان اللّه تعالى ، فالاستثناء على هذا منقطع ، أي لكن ابتدعوها لابتغاء رضوان اللّه تعالى . والظاهر أن الضمير في { رَعَوْهَا } عائد على ما عاد عليه في { ابتَدَعُوهَا } ، وهو ضمير { الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ } ،أي لم يرعوها كما يجب على الناذر رعاية نذره ، لأنه عهد مع اللّه لا يحل نكثه . وقال نحوه ابن زيد ، قال : لم يدوموا على ذلك ، ولا وفوه حقه ، بل غيروا وبدلوا ، وعلى تقدير أن فيهم من رعى يكون المعنى : فما رعوها بأجمعهم . وقال ابن عباس وغيره : الضمير للملوك الذين حاربوهم وأجلوهم . وقال الضحاك وغيره : الضمير للأخلاف الذين جاءوا بعد المبتدعين لها .{ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى } : وهم أهل الرأفة والرحمة الذين اتبعوا عيسى عليه السلام .{ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } : وهم الذين لم يرعوها . |
﴿ ٢٧ ﴾