٣

والذين يظاهرون من . . . . .

والظاهر أن قوله تعالى : { ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } : أن يعودوا للفظ الذي سبق منهم ، وهو قول الرجل ثانياً : أنت مني كظهر أمي ، فلا تلزم الكفارة بالقول ، وإنما تلزم بالثاني ، وهذا مذهب أهل الظاهر . وروي أيضاً عن بكير بن عبد اللّه بن الأشج وأبي العالية وأبي حنيفة : وهو قول الفراء . وقال طاووس وقتادة والزهري والحسن ومالك وجماعة :{ لِمَا قَالُواْ } : أي للوطء ، والمعنى : لما قالوا أنهم لا يعودون إليه ، فإذا ظاهر ثم وطىء ، فحينئذ يلزمه الكفارة ، وإن طلق أو ماتت . وقال أبو حنيفة ومالك أيضاً والشافعي وجماعة : معناه يعودون لما قالوا بالعزم على الإمساك والوطء ، فمتى عزم على ذلك لزمته الكفارة ، طلق أو ماتت . قال الشافعي : العود الموجب للكفارة أن يمسك عن طلاقها بعد الظهار ، ويمضي بعده زمان يمكن أن يطلقها فيه فلا يطلق . وقال قوم : المعنى : والذين يظهرون من نسائهم في الجاهلية ، أي كان الظهار عادتهم ، ثم يعودون إلى ذلك في الإسلام ، وقاله القتبي . وقال الأخفش : فيه تقديم وتأخير ، والتقدير : فتحرير رقبة لما قالوا ، وهذا قول ليس بشيء لأنه يفسد نظم الآية .

{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } ، والظاهر أنه يجزىء مطلق رقبة ، فتجزىء الكافرة . وقال مالك والشافعي : شرطها الإسلام ، كالرقبة في كفارة القتل . والظاهر إجزاء المكاتب ، لأنه عبد ما بقي عليه درهم ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه : وإن عتق نصفي عبدين لا يجزىء . وقال الشافعي : يجزىء .{ مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا } : لا يجوز للمظاهر أن يطأ حتى يكفر ، فإن فعل عصى ، ولا يسقط عنه التكفير . وقال مجاهد : يلزمه كفارة أخرى .

وقيل : تسقط الكفارة الواجبة عليه ، ولا يلزمه شيء . وحديث أوس بن الصامت يرد على هذا القول ، وسواء كانت الكفارة بالعتق أم الصوم أم الإطعام . وقال أبو حنيفة : إذا كانت بالإطعام ، جاز له أن يطأ ثم يطعم ، وهو ظاهر قوله :{ فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتّينَ مِسْكِيناً } ، إذ لم يقل فيه :{ مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا } ، وقيد ذلك في العتق والصوم . والظاهر في التماس الحقيقة ، فلا يجوز تماسهما قبلة أو مضاجعة أو غير ذلك من وجوه الاستمتاع ، وهو قول مالك وأحد قولي الشافعي . وقال الأكثرون : هو الوطء ، فيجوز له الاستمتاع بغيره قبل التكفير ، وقاله الحسن والثوري ، وهو الصحيح من مذهب الشافعي . والضمير في { يَتَمَاسَّا } عائد على ما عاد عليه الكلام من المظاهر والمظاهر منها .{ ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ } : إشارة إلى التحرير ، أي فعل عظة لكم لتنتهوا عن الظهار .

﴿ ٣