سورة الممتحنةمدنية بسم اللّه الرحمن الرحيم ١يا أيها الذين . . . . . هذه السورة مدنية ، ونزلت بسبب حاطب بن أبي بلتعة ، كان قد وجه كتاباً ، مع امرأة إلى أهل مكة يخبرهم بأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم متوجه إليهم لغزوهم ؛ فأطلع اللّه رسوله صلى اللّه عليه وسلم على ذلك ، ووجه إلى المرأة من أخذ الكتاب منها ، والقصة مشهورة في كتب الحديث والسير . ومناسبة هذه السورة لما قبلها : أنه لما ذكر فيما قبلها حالة المنافقين والكفار ، افتتح هذه بالنهي عن موالاة الكفار والتودّد إليهم ، وأضاف في قوله : { عَدُوّى } تغليظاً ، لجرمهم وإعلاماً بحلول عقاب اللّه بهم . والعدو ينطلق على الواحد وعلى الجمع ، وأولياء مفعول ثان لتتخذوا .{ تُلْقُونَ } : بيان لموالاتهم ، فلا موضع له من الإعراب ، أو استئناف إخبار . وقال الحوفي والزمخشري : حال من الضمير في { لاَ تَتَّخِذُواْ } ،أو صفة لأولياء ، وهذا تقدّمه إليه الفراء ، قال :{ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ } من صلة { أَوْلِيَاء} انتهى . وعندهم أن النكرة توصل ، وعند البصريين لا توصل بل توصف ، والحال والصفة قيد وهم قد نهوا عن اتخاذهم أولياء مطلقاً ، والتقييد يدل على أنه يجوز أن يتخذوا أولياء إذا لم يكونوا في حال إلقاء المودة ، أو إذا لم يكن الأولياء متصفين بهذا الوصف ، وقد قال تعالى :{ يُوقِنُونَ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء } ، فدل على أنه لا يقتصر على تلك الحال ولا ذلك الوصف . والأولياء عبارة عن الإفضاء بالمودة ، ومفعول { تُلْقُونَ } محذوف ، أي تلقون إليهم أخبار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأسراره . والباء في { بِالْمَوَدَّةِ } للسبب ، أي بسبب المودة التي بينهم . وقال الكوفيون : الباء زائدة ، كما قيل : في :{ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } : أي أيديكم . قال الحوفي : وقال البصريون هي متعلقة بالمصدر الذي دل عليه الفعل ، وكذلك قوله { بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } : أي إرادته بإلحاد . انتهى . فعلى هذا يكون { بِالْمَوَدَّةِ } متعلقاً بالمصدر ، أي إلقاؤهم بالمودّة ، وهذا ليس بجيد ، لأن فيه حذف المصدر ، وهو موصول ، وحذف الخبر ، إذ إلقاؤهم مبتدأ وبما يتعلق به ، { وَقَدْ كَفَرُواْ } جملة حالية ، وذو الحال الضمير في { تُلْقُونَ } : أي توادونهم ، وهذه حالهم ، وهي الكفر باللّه ، ولا يناسب الكافر باللّه أن يودّ . وأجاز الزمخشري أن يكون حالاً من فاعل { لاَ تَتَّخِذُواْ} وقرأ الجمهور :{ بِمَا جَاءكُمْ } ، والجحدري والمعلى عن عاصم : لما باللام مكان الباء ، أي لأجل ما جاءكم .{ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ } : استئناف ، كالتفسير لكفرهم ، أو حال من ضمير { كَفَرُواْ } ،{ وَإِيَّاكُمْ } : معطوف على الرسول . وقدّم على إياكم الرسول لشرفه ، ولأنه الأصل للمؤمنين به . ولو تقدّم الضمير لكان جائزاً في العربية ، خلافاً لمن خص ذلك بالضرورة ، قال : لأنك قادر على أن تأتي به متصلاً ، فلا تفصل إلا في الضرورة ، وهو محجوج بهذه الآية وبقوله تعالى :{ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ } وإياكم أن اتقوا أللّه ، وقدّم الموصول هنا على المخاطبين للسبق في الزمان وبغير ذلك من كلام العرب . و { أَن تُؤْمِنُواْ } مفعول من أجله ، أي يخرجون لإيمانكم أو كراهة إيمانكم ، { إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ } : شرط جوابه محذوف لدلالة ما تقدّم عليه ، وهو قوله :{ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى } ، ونصب جهاداً وابتغاء على المصدر في موضع الحال ، أي مجاهدين ومبتغين ، أو على أنه مفعول من أجله .{ تُسِرُّونَ } : استئناف ، أي تسرون وقد علمتم أني أعلم الإخفاء والإعلان ، وأطلع الرسول صلى اللّه عليه وسلم على ذلك ، فلا طائل في فعلكم هذا . و قال ابن عطية :{ تُسِرُّونَ } بدل من { تُلْقُونَ} انتهى ، وهو شبيه ببدل الاشتمال ، لأن الإلقاء يكون سراً وجهراً ، فهو ينقسم إلى هذى ن النوعين . وأجاز أيضاً أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره : أنتم تسرون . والظاهر أن { أَعْلَمُ } أفعل تفضيل ، ولذلك عداه بالباء . وأجاز ابن عطية أن يكون مضارعاً عدى بالباء قال : لأنك تقول علمت بكذا .{ وَأَنَاْ أَعْلَمُ } : جملة حالية ، والضمير في { وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ } ، الظاهر أنه إلى أقرب مذكور ، أي ومن يفعل الأسرار . و قال ابن عطية : يعود على الاتخاذ ، وانتصب سواء على المفعول به على تقدير تعدى ضل ، أو على الظرف على تقدير اللزوم ، والسواء : الوسط . |
﴿ ١ ﴾