٤وإذا رأيتهم تعجبك . . . . . {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ } : الخطاب للرسول صلى اللّه عليه وسلم ،أو للسامع : أي لحسنها ونضارتها وجهارة أصواتهم ، فكان منظرهم يروق ، ومنطقهم يحلو . وقرأ الجمهور :{ تُسْمِعُ } بتاء الخطاب ؛ وعكرمة وعطية العوفي : يسمع بالياء مبنياً للمفعول ، و { لِقَوْلِهِمْ } : الجار والمجرور هو المفعول الذي لم يسم فاعله ، وليست اللام زائدة ، بل ضمن يسمع معنى يصغ ويمل ، تعدى باللام وليست زائدة ، فيكون قولهم هو المسموع . وشبهوا بالخشب لعزوب أفهامهم وفراغ قلوبهم من الإيمان ، ولم يكن حتى جعلها مسندة إلى الحائط ، لا انتفاع بها لأنها إذا كانت في سقف أو مكان ينتفع بها ، وأما إذا كانت غير منتفع بها فإنها تكون مهملة مسندة إلى الحيطان أو ملقاة على الأرض قد صففت ، أو شهوة بالخشب التي هي الأصنام وقد أسندت إلى الحيطان ، والجملة التشبيهية مستأنفة ، أو على إضمارهم . وقرأ الجمهور :{ خُشُبٌ } بضم الخاء والشين ؛ والبراء بن عازب والنحويان وابن كثير : بإسكان الشين ، تخفيف خشب المضموم . وقيل : جمع خشباء ، كحمر جمع حمراء ، وهي الخشبة التي نخر جوفها ، شبهوا بها في فساد بواطنهم . وقرأ ابن المسيب وابن جبير : خشب بفتحتين ، اسم جنس ، الواحد خشبة ، وأنث وصفه كقوله :{ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } ، أشباح بلا أرواح ، وأجسام بلا أحلام . وذكر ممن كان ذا بهاء وفصاحة عبد اللّه بن أبيّ ، والجد بن قيس ، ومعتب بن قشير . قال الشاعر في مثل هؤلاء : لا تخدعنك اللحى ولا الصور تسعة أعشار من ترى بقر تراهم كالسحاب منتشرا وليس فيها لطالب مطر في شجر السرو منهم شبه له رواء وما له ثمر وقيل : الجملة التشبيهية وصف لهم بالجبن والخور ، ويدل عليه :{ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } في موضع المفعول الثاني ليحسبون ، أي واقعة عليهم ، وذلك لجبنهم وما في قلوبهم من الرعب . قال مقاتل : كانوا متى سمعوا بنشدان ضالة أو صياحاً بأي وجه كان ، أو أخبروا بنزول وحي ، طارت عقولهم حتى يسكن ذلك ويكون في غير شأنهم ، وكانوا يخافون أن ينزل اللّه تعالى فيهم ما تباح به دماؤهم وأموالهم ، ونحو هذا قول الشاعر : يروعه السرار بكل أرض مخافة أن يكون به السرار وقال جرير : ما زلت تحسب كل شيء بعدهم خيلاً تكر عليهم ورجالا أنشده ابن عطية لجرير ، ونسب هذا البيت الزمخشري للأخطل . قال : ويجوز أن يكون { هُمُ الْعَدُوُّ } المفعول الثاني كما لو طرحت الضمير . فإن قلت : فحقه أن يقول : هي العدو . قلت : منظور فيه إلى الخبر ، كما ذكر في هذا ربي ، وأن يقدر مضاف محذوف على يحسبون كل أهل صيحة . انتهى . وتخريج { هُمُ الْعَدُوُّ } على أنه مفعول ثان ليحسبون تخريج متكلف بعيد عن الفصاحة ، بل المتبادر إلى الذهن السليم أن يكون { هُمُ الْعَدُوُّ } إخباراً منه تعالى بأنهم ، وإن أظهروا الإسلام وأتباعهم ، هم المبالغون في عداوتك ؛ ولذلك جاء بعده أمره تعالى إياه بحذرهم فقال :{ فَاحْذَرْهُمْ } ، فالأمر بالحذر متسبب عن إخباره بأنهم هم العدو . و { قَاتَلَهُمُ اللّه } : دعاء يتضمن إبعادهم ، وأن يدعو عليهم المؤمنون بذلك .{ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } : أي كيف يصرفون عن الحق ، وفيه تعجب من ضلالهم وجهلهم . ولما أخبره تعالى بعداوتهم ، أمره بحذرهم ، فلا يثق بإظهار مودتهم ، ولا بلين كلامهم . و { قَاتَلَهُمُ اللّه } : كلمة ذم وتوبيخ ، وقالت العرب : قاتله اللّه ما أشعره . يضعونه موضع التعجب ، ومن قاتله اللّه فهو مغلوب ، لأنه تعالى هو القاهر لكل معاند . وكيف استفهام ، أي كيف يصرفون عن الحق ولا يرون رشد أنفسهم ؟ قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون أنى ظرفاً لقاتلهم ، كأنه قال : قاتلهم اللّه كيف انصرفوا أو صرفوا ، فلا يكون في هذا القول استفهام على هذا . انتهى . ولا يصح أن يكون أنى لمجرد الظرف ، بل لا بد يكون ظرفاً استفهاماً ، إما بمعنى أين ، أو بمعنى متى ، أو بمعنى كيف ، أو شرطاً بمعنى أين . وعلى هذه التقادير لا يعمل فيها ما قبلها ، ولا تتجرد لمطلق الظرفية بحال من غير اعتبار ما ذكرناه ، فالقول بذلك باطل . |
﴿ ٤ ﴾