سورة الطلاق

مدنية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

يا أيها النبي . . . . .

هذه السورة مدنية . قيل : وسبب نزولها طلاق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حفصة ، قاله قتادة عن أنس . وقال السدي : طلاق عبد اللّه بن عمرو .

وقيل : فعل ناس مثل فعله ، منهم عبد اللّه بن عمرو بن العاصي ، وعمرو بن سعيد بن العاص ، وعتبة بن غزوان ، فنزلت . وقال القاضي أبو بكر بن العربي : وهذا وإن لم يصح ، فالقول الأول أمثل ، والأصح فيه أنه بيان لشرع مبتدأ .

ومناسبتها لما قبلها : أنه لما ذكر الفتنة بالمال والولد ، أشار إلى الفتنة بالنساء ، وإنهن قد يعرضن الرجال للفتنة حتى لا يجد مخلصاً منها إلا بالطلاق ، فذكر أنه ينفصل منهن بالوجه الجميل ، بأن لا يكون بينهن اتصال ، لا بطلب ولد ولا حمل .

{مُّنتَظِرُونَ ياأَيُّهَا النَّبِىّ } : نداء للنبي صلى اللّه عليه وسلم ، وخطاب على سبيل التكريم والتنبيه ، { إِذَا طَلَّقْتُمُ } : خطاب له عليه الصلاة والسلام مخاطبة الجمع على سبيل التعظيم ، أو لأمته على سبيل تلوين الخطاب ، أقبل عليه السلام أولاً ، ثم رجع إليهم بالخطاب ، أو على إضمار القول ، أي قل لأمتك إذا طلقتم ، أو له ولأمته ، وكأنه ثم محذوف تقديره : يا أيها النبي وأمة النبي إذا طلقتم ، فالخطاب له ولهم ، أي أنت وأمتك ، أقوال .

وقال الزمخشري : خص النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وعمّ بالخطاب ، لأن النبي إمام إمته وقدوتهم . كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم : يا فلان افعلوا كيت وكيت ، إظهاراً لتقدمه واعتباراً لترؤسه ، وأنه مدره قومه ولسانهم ، والذي يصدرون عن رأيه ولا يستبدون بأمر دونه ، فكان هو وحده في حكم كلهم ، وساداً مسد جميعهم . انتهى ، وهو كلام حسن .

ومعنى { إِذَا طَلَّقْتُمُ } : أي إذا أردتم تطليقهن ، والنساء يعني : المدخول بهن ، وطلقوهن : أي أوقعوا الطلاق ، { لِعِدَّتِهِنَّ } : هو على حذف مضاف ، أي لاستقبال عدّتهن ، واللام للتوقيت ، نحو : كتبته لليلة بقيت من شهر كذا ، وتقدير الزمخشري هنا حالاً محذوفة يدل عليها المعنى يتعلق بها المجرور ، أي مستقبلات لعدتهن ، ليس بجيد ، لأنه قدر عاملاً خاصاً ، ولا يحذف العامل في الظرف والجار والمجرور إذا كان

خاصاً ، بل إذا كان كوناً مطلقاً . لو

قلت : زيد عندك أو في الدار ، تريد : ضاحكا عندك أو ضاحكا في الدار ، لم يجز . فتعليق اللام بقوله : { فَطَلّقُوهُنَّ } ، ويجعل على حذف مضاف هو الصحيح .

وما روي عن جماعة من الصحابة والتابعين ، رضي اللّه تعالى عنهم ، من أنهم قرؤا : فطلقوهن في قبل عدتهن ؛ وعن بعضهم : في قبل عدّتهن ؛ وعن عبد اللّه : لقبل طهرهن ، هو على سبيل التفسير ، لا على أنه قرآن ، لخلافه سواد المصحف الذي أجمع عليه المسلمون شرقاً وغرباً ، وهل تعتبر العدة بالنسبة إلى الأطهار أو الحيض ؟ تقدم ذلك في البقرة في قوله :{ ثَلَاثَةَ قُرُوء} والمراد : أن يطلقهن في طهر لم يجامعهن فيه ، ثم يخلين حتى تنقضي عدتهن ، فإن شاء ردها ، وإن شاء أعرض عنها لتكون مهيأة للزوج ؛ وهذا الطلاق أدخل في السنة . وقال مالك : لا أعرف طلاق السنة إلا واحدة ، وكره الثلاث مجموعة أو مفرقة . وأبو حنيفة كره ما زاد على الواحدة في طهر واحد ، فأما مفرقاً في الأطهار فلا . وقال الشافعي : لا بأس بإرسال الطلاق الثلاث ، ولا أعرف في عدد الطلاق سنة ولا بدعة وهو مباح ، راعى في السنة الوقت فقط ، وأبو حنيفة التفريق والوقت .

وقوله :{ فَطَلّقُوهُنَّ } مطلق ، لا تعرض فيه لعدد ولا لوصف من تفريق أو جمع ؛ والجمهور : على أنه لو طلق لغير السنة وقع . وعن ابن المسيب وجماعة من التابعين : أنه لو طلق في حيض أو ثلاث ، لم يقع . والظاهر أن الخطاب في { وَأَحْصُواْ الْعِدَّةَ } للأزواج : أي اضبطوا بالحفظ ، وفي الإحصاء فوائد مراعاة الرجعة وزمان النفقة والسكنى وتوزيع الطلاق على الأقراء . وإذا أراد أن يطلق ثلاثاً ، والعلم بأنها قد بانت ، فيتزوج بأختها وبأربع سواها .

ونهى تعالى عن إخراجهنّ من مساكنهنّ حتى تنقضي العدّة ، ونهاهنّ أيضاً عن خروجهنّ ، وأضاف البيوت إليهنّ لما كان سكناهنّ فيها ، ونهيهنّ عن الخروج لا يبيحه إذن الأزواج ، إذ لا أثر لإذنهم . والإسكان على الزوج ، فإن كان ملكه أو بكراء فذاك ، أو ملكها فلها عليه أجرته ، وسواء في ذلك الرجعية والمبتوبة ، وسنة ذلك أن لا تبيت عن بيتها ولا تخرج عنه نهاراً إلا لضرورة ، وذلك لحفظ النسب والاحتفاظ بالنساء .{ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مَّبْنِيَّةٌ } : وهي الزنا ، عند قتادة ومجاهد والحسن والشعبي وزيد بن أسلم والضحاك وعكرمة وحماد والليث ، ورواه مجاهد عن ابن عباس ، فيخرجن للحد .

وعن ابن عباس : البذاء على الاحماء ، فتخرج ويسقط حقها في السكنى ، وتلزم الإقامة في مسكن تتخذه حفظاً للنسب . وعنده أيضاً : جميع المعاصي ، من سرقة ، أو قذف ، أو زنا ، أو غير ذلك ، واختاره الطبري ، فيسقط حقها في السكنى . وعند ابن عمر والسدي وابن السائب : هي خروجها من بيتها خروج انتقال ، فيسقط حقها في السكنى . وعند قتادة أيضاً : نشوزها عن الزوج ، فتطلق بسبب ذلك ، فلا يكون عليه سكنى ؛ وإذا سقط حقها من السكنى أتمت العدّة .{ لا تَدْرِى } أيها السامع ، { لَعَلَّ اللّه يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } ،

قال المفسرون : الأمر هنا الرغبة في ارتجاعها ، والميل إليها بعد انحرافه عنها ؛ أو ظهور حمل فيراجعها من أجله . ونصب لا تدري على جملة الترجى ، فلا تدري معلقة عن العمل ، وقد تقدم لنا الكلام على قوله :{ وَإِنْ أَدْرِى لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ } ، وذكرنا أنه ينبغي أن يزاد في المعلقات لعل ، فالجملة المترجاة في موضع نصب بلا تدري .

﴿ ١