سورة التحريم

مدنية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

يا أيها النبي . . . . .

هذه السورة مدنية ، وسبب نزولها ما يأتي ذكره في تفسير أوائلها ، والمناسبة بينها وبين السورة قبلها أنه لما ذكر جملة من أحكام زوجات المؤمنين ، ذكر هنا ما جرى من بعض زوجات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

{مُّنتَظِرُونَ ياأَيُّهَا النَّبِىّ } : نداء إقبال وتشريف وتنبيه بالصفة على عصمته مما يقع فيه من ليس بمعصوم ؛{ لِمَ تُحَرّمُ } : سؤال تلطف ، ولذلك قدم قبله { مُّنتَظِرُونَ ياأَيُّهَا النَّبِىّ } ، كما جاء في قوله تعالى :{ عَفَا اللّه عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} ومعنى { تُحَرّمُ } : تمنع ، وليس التحريم المشروع بوحي من اللّه ، وإنما هو امتناع لتطييب خاطر بعض من يحسن معه العشرة .{ مَا أَحَلَّ اللّه لَكَ } : هو مباشرة مارية جاريته ، وكان صلى اللّه عليه وسلم ألمّ بها في بيت بعض نسائه ، فغارت من ذلك صاحبة البيت ، فطيب خاطرها بامتناعه منها ، واستكتمها ذلك ، فأفشته إلى بعض نسائه .

وقيل : هو عسل كان يشربه عند بعض نسائه ، فكان ينتاب بيتها لذلك ، فغار بعضهن من دخوله بيت التي عندها العسل ، وتواصين على أن يذكرن له على أن رائحة ذلك العسل ليس بطيب ، فقال : { لا أشربه} . وللزمخشري هنا كلام أضربت عنه صفحاً ، كما ضربت عن كلامه في قوله :{ عَفَا اللّه عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } ، وكلامه هذا ونحوه محقق قوي فيه ، ويعزو إلى المعصوم ما ليس لائقاً .

فلو حرم الإنسان على نفسه شيئاً أحله اللّه ، كشرب عسل ، أو وطء سرية ؛ واختلفوا إذا قال لزوجته : أنت عليّ حرام ، أو الحلال على حرام ، ولا يستثني زوجته ؛ فقال جماعة ، منهم الشعبي ومسروق وربيعة وأبو سلمة وأصبغ : هو

كتحريم الماء والطعام .

وقال تعالى : { لاَ تُحَرّمُواْ طَيّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّه لَكُمْ } ، والزوجة من الطيبات ومما أحله اللّه . وقال أبو بكر وعمر وزيد وابن عباس وابن مسعود وعائشة وابن المسيب وعطاء وطاووس وسليمان بن يسار وابن جبير وقتادة والحسن والأوزاعي وأبو ثور وجماعة : هو يمين يكفرها . وقال ابن مسعود وابن عباس أيضاً في إحدى روايتيه ، والشافعي في أحد قوليه : فيه تكفير يمين وليس بيمين . وقال أبو حنيفة وسفيان والكوفيون : هذا ما أراد من الطلاق ، فإن لم يرد طلاقها فهو لا شيء . وقال آخرون : كذلك ، فإن لم يرد فهو يمين . وفي التحرير ، قال أبو حنيفة وأصحابه : إن نوى الطلاق فواحدة بائنة ، أو اثنين فواحدة ، أو ثلاثاً فثلاث ، أو لم ينو شيئاً فيمين وهو مول ، أو الظهار فظهار . وقال ابن القاسم : لا تنفعه نية الظهار ويكون طلاقاً . وقال يحيى بن عمر : يكون ، فإن ارتجعها ، فلا يجوز له وطئها حتى يكفر كفارة الظهار فما زاد من أعداده ، فإن نوى واحدة فرجعية ، وهو قول الشافعي . وقال الأوزاعي وسفيان وأبو ثور : أيأي شيء نوى به من الطلاق وقع وإن لم ينو شيئاً ، فقال سفيان : لا شيء عليه . وقال الأوزاعي وأبو ثور : تقع واحدة . وقال الزهري : له نيته ولا يكون أقل من واحدة ، فإن لم ينو فلا شيء . وقال ابن جبير : عليه عتق رقبة وإن لم يكن ظهاراً . وقال أبو قلابة وعثمان وأحمد وإسحاق : التحريم ظهار ، ففيه كفارة . وقال الشافعي : إن نوى أنها محرمة كظهر أمه ، فظهار أو تحريم عينها بغير طلاق ، أو لم ينو فكفارة يمين . وقال مالك : هي ثلاث في المدخول بها ، وينوى في غير المدخول بها ، فهو ما أراد من واحدة أو اثنتين أو ثلاث . وقاله علي وزيد وأبو هريرة .

وقيل : في المدخول بها ثلاث ، قاله عليّ أيضاً وزيد بن أسلم والحكم . وقال ابن أبي ليلى وعبد الملك بن الماجشون : هي ثلاث في الوجهين ، ولا ينوي في شيء . وروى ابن خويز منداد عن مالك ، وقاله زيد وحماد بن أبي سليمان : إنها واحدة بائنة في المدخول بها وغير المدخول بها . وقال الزهري وعبد العزيز بن الماجشون : هي واحدة رجعية . وقال أبو مصعب ومحمد بن الحكم : هي في التي لم يدخل بها واحدة ، وفي المدخول بها ثلاث . وفي الكشاف لا يراه الشافعي يميناً ، ولكن سبباً في الكفارة في النساء وحدهن ، وإن نوى الطلاق فهو رجعي . وعن عمر : إذا نوى الطلاق فرجعي . وعن علي : ثلاث ؛ وعن زيد : واحدة ؛ وعن عثمان : ظهاراً . انتهى . وقال أيضاً : ولم يثبت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال لما أحله : { هو حرام علي } ، وإنما امتنع من مارية ليمين تقدّمت منه ، وهو قوله :  { واللّه لا أقربها بعد اليوم } ، فقيل له : { لِمَ تُحَرّمُ مَا أَحَلَّ اللّه لَكَ } : أي لم تمتنع منه بسبب اليمين ؟ يعني أقدم على ما حلفت عليه وكفر ، ونحو قوله تعالى :{ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ } : أي منعناه منها . انتهى . و { تَبْتَغِى } : في موضع الحال .

وقال الزمخشري تفسير لتحرم ، أو استئناف ، { مَرْضَاتَ } : رضا أزواجك ، أي بالامتناع مما أحله اللّه لك .

﴿ ١