سورة القلممكية بسم اللّه الرحمن الرحيم ١ن والقلم وما . . . . . المهين ، قال الرماني : الوضيع لإكثاره من القبائح ، من المهانة ، وهي القلة . الهمز : أصله في اللغة الضرب طعناً باليد أو بالعصا أو نحوها ، ثم استعير للذي ينال بلسانه . قال القاضي منذر بن سعيد : وبعينه وإشارته . النميم والنميمة : مصدران لنمّ ، وهو نقل ما يسمع مما يسوء ويحرش النفوس . وقيل : النميم جمع نميمة ، يريدون به اسم الجنس . العتل ، قال الكلبي والفرّاء : الشديد الخصومة بالباطل . وقال معمر : هو الفاحش اللئيم . قال الشاعر : بعتلّ من الرّجال زنيم غير ذي نجدة وغير كريم وقيل : الذي يعتل الناس : أي يجرّهم إلى حبس أو عذاب ، ومنه : { خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ} قال ابن السكيت : عتلته وعتنته باللام والنون . الزنيم : الدعي . قال حسان : زنيم تداعاه الرّجال زيادة كما زيد في عرض الأديم الأكارع وقال أيضاً : وأنت زنيم نيط في آل هاشمكما نيط خلف الراكب القدح الفرد والزنيم من الزنمة ، وهي الهنة من جلد الماعز ، تقطع فتخلى معلقة في حلقة ، سمي الدعي بذلك لأنه زيادة معلقة بغير أهله . وسمه : جعل له سمة ، وهي العلامة تدل على شيء . قال جرير : لما وضعت على الفرزدق ميسمي وعلى البعيث جدعت أنف الأخطل الخرطوم : الأنف ، والخرطوم من صفات الخمر ، قال الشاعر : قد أشهد الشرب فيهم مزهر زنم والقوم تصرعهم صهباء خرطوم قال الشمنتري : الخرطوم أول خروجها من الدّن ، ويقال لها الأنف أيضاً ، وذلك أصفى لها وأرق . وقال النضر بن شميل : الخرطوم : الخمر ، وأنشد للأعرج المغني : تظل يومك في لهو وفي لعب وأنت بالليل شراب الخراطيم الصرام : جداد النخل . الجرد : المنع ، من قولهم : حاردت الإبل إذا قلت ألبانها ، وحاردت السنة : قلّ مطرها وخيرها ، قاله أبو عبيد والقتبي ، والحرد : الغضب . قال أبو نضر أحمد بن حاتم صاحب الأصمعي : وهو مخفف ، وأنشد : إذا جياد الخيل جاءت تردي مملوءة من غضب وحرد وقال الأشهب بن رميلة : أسود شرى لاقت أسود خفية تساقوا على حرد دماء الأساود وقال ابن السكيت : وقد يحرك ، تقول : حرد بالكسر حرداً فهو حردان ، ومنه قيل : أسد حارد ، وليوث حوارد ، والحرد : الانفراد ، حرد يحرد حروداً : تنحى عن قومه ونزل منفرداً ولم يخالطهم ، وكوكب حرود : معتزل عن الكواكب . وقال الأصمعي : المنحرد : المنفرد في لغة هذيل . انتهى . والحرد : القصد ، حرد يحرد بالكسر : قصد ، ومنه حردت حردك : أي قصدت قصدك . ومنه قول الشاعر : وجاء سيل كان من أمر اللّه يحرد حرد الجنة المغله هذه السورة مكية . قال ابن عطية : ولا خلاف فيها بين أحد من أهل التأويل . انتهى . ومعظمها نزل في الوليد بن المغيرة وأبي جهل . ومناسبتها لما قبلها : أنه فيما قبلها ذكر أشياء من أحوال السعداء والأشقياء ، وذكر قدرته الباهرة وعلمه الواسع ، وأنه تعالى لو شاء لخسف بهم أو لأرسل عليهم حاصباً . وكان ما أخبر تعالى به هو ما تلقفه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالوحي ، وكان الكفار ينسبونه مرة إلى الشعر ، ومرة إلى السحر ، ومرة إلى الجنون ؛ فبدأ سبحانه وتعالى هذه السورة ببراءته مما كانوا ينسبونه إليه من الجنون ، وتعظيم أجره على صبره على أذاهم ، وبالثناء على خلقه العظيم . {ن } : حرف من حروف المعجم ، نحو ص وق ، وهو غير معرب كبعض الحروف التي جاءت مع غيرها مهملة من العوامل والحكم على موضعها بالإعراب تخرص . وما يروى عن ابن عباس ومجاهد : أنه اسم الحوت الأعظم الذي عليه الأرضون السبع . وعن ابن عباس أيضاً والحسن وقتادة والضحاك : أنه اسم الدواة . وعن معاوية بن قرة : يرفعه أنه لوح من نور . وعن ابن عباس أيضاً : أنه آخر حرف من حروف الرحمن . وعن جعفر الصادق : أنه نهر من أنهار الجنة ، لعله لا يصح شيء من ذلك . وقال أبو نصر عبد الرحيم القشيري في تفسيره : ن حرف من حروف المعجم ، فلو كان كلمة تامة أعرب كما أعرب القلم ، فهو إذن حرف هجاء كما في سائر مفاتيح السور . انتهى . ومن قال إنه اسم الدواة أو الحوت وزعم أنه مقسم به كالقلم ، فإن كان علماً فينبغي أن يجر ، فإن كان مؤنثاً منع الصرف ، أو مذكراً صرف ، وإن كان جنساً أعرب ، ونون وليس فيه شيء من ذلك فضعف القول به . و قال ابن عطية : إذا كان اسماً للدواة ، فإما أن يكون لغة لبعض العرب ، أو لفظة أعجمية عربت ، قال الشاعر : إذا ما الشوق برّح بي إليهم ألقت النون بالدمع السجوم فمن جعله البهموت ، جعل القلم هو الذي خلقه اللّه وأمره بكتب الكائنات ، وجعل الضمير في { يَسْطُرُونَ } للملائكة . ومن قال : هو اسم ، جعله القلم المتعارف بأيدي الناس ؛ نص على ذلك ابن عباس وجعل الضمير في { يَسْطُرُونَ } للناس ، فجاء القسم على هذا المجموع أمر الكتاب الذي هو قوام للعلوم وأمور الدنيا والآخرة ، فإن القلم أخو اللسان ونعمة من اللّه عامة . انتهى . وقرأ الجمهور :{ ن } بسكون النون وإدغامها في واو { وَالْقَلَمِ } بغنة وقوم بغير غنة ، وأظهرها حمزة وأبو عمرو وابن كثير وقالون وحفص . وقرأ ابن عباس وابن أبي إسحاق والحسن وأبو السمال : بكسر النون لالتقاء الساكنين ؛ وسعيد بن جبير وعيسى : بخلاف عنه بفتحها ، فاحتمل أن تكون حركة إعراب ، وهو اسم للسورة أقسم به وحذف حرف الجر ، فانتصب ومنع الصرف للعلمية والتأنيث ، ويكون { وَالْقَلَمِ } معطوفاً عليه . واحتمل أن يكون لالتقاء الساكنين ، وأوثر الفتح تخفيفاً كأين ، وما يحتمل أن تكون موصولة ومصدرية ، والضمير في { يَسْطُرُونَ } عائد على الكتاب لدلالة القلم عليهم ، فإما أن يراد بهم الحفظة ، وإما أن يراد كل كاتب . وقال الزمخشري : ويجوز أن يراد بالقلم أصحابه ، فيكون الضمير في { يَسْطُرُونَ } لهم ، كأنه قيل : وأصحاب القلم ومسطوراتهم أو وتسطيرهم . انتهى . فيكون كقوله :{ كَظُلُمَاتٍ فِى بَحْرٍ لُّجّىّ } : أي وكذي ظلمات ، ولهذا عاد عليه الضمير في قوله :{ يَغْشَاهُ مَوْجٌ} وجواب القسم :{ مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبّكَ بِمَجْنُونٍ} ويظهر ٢ما أنت بنعمة . . . . . أن { بِنِعْمَةِ رَبّكَ } قسم اعترض به بين المحكوم على ه والحكم على سبيل التوكيد والتشديد والمبالغة في انتفاء الوصف الذميم عنه صلى اللّه عليه وسلم. و قال ابن عطية :{ بِنِعْمَةِ رَبّكَ } اعتراض ، كما تقول للإنسان : أنت بحمد اللّه فاضل . انتهى . ولم يبين ما تتعلق به الباء في { بِنِعْمَتِ} وقال الزمخشري : يتعلق { بِمَجْنُونٍ } منفياً ، كما يتعلق بعاقل مثبتاً في قولك : أنت بنعمة اللّه عاقل ، مستوياً في ذلك النفي والإثبات استواءهما في قولك : ضرب زيد عمراً ، وما ضرب زيد عمراً تعمل الفعل مثبتاً ومنفياً إعمالاً واحداً ، ومحله النصب على الحال ، كأنه قال : ما أنت بمجنون منعماً عليك بذلك ، ولم تمنع الباء أن يعمل مجنون فيما قبله لأنها زائدة لتأكيد النفي ، والمعنى : استبعاد ما كان ينسبه إليه كفار مكة عداوة وحسداً ، وأنه من إنعام اللّه تعالى عليه بحصافة العقل والشهامة التي يقتضيها التأهيل للنبوة بمنزلة . انتهى . وما ذهب إليه الزمخشري من أن { بِنِعْمَةِ رَبّكَ } متعلق { بِمَجْنُونٍ } ، وأنه في موضع الحال ، يحتاج إلى تأمل ، وذلك أنه إذا تسلط النفي على محكوم به ، وذلك له معمول ، ففي ذلك طريقان : أحدهما : أن النفي يتسلط على ذلك المعمول فقط ، والآخر : أن يتسلط النفي على المحكوم به فينتفي معموله لانتفائه بيان ذلك ، تقول : ما زيد قائم مسرعاً ، فالمتبادر إلى الذهن أنه منتف إسراعه دون قيامه ، فيكون قد قام غير مسرع . والوجه الآخر أنه انتفى قيامه فانتفى إسراعه ، أي لا قيام فلا إسراع ، وهذا الذي قررناه لا يتأتى معه قول الزمخشري بوجه ، بل يؤدي إلى مالا يجوز أن ينطق به في حق المعصوم صلى اللّه عليه وسلم. وقيل معناه : ما أنت بمجنون والنعمة بربك لقولهم : سبحانك اللّهم وبحمدك ، أي والحمد للّه ، ومنه قول لبيد : وأفردت في الدنيا بفقد عشيرتي وفارقني جار بأربد نافع أي : وهو أربد . انتهى . وهذا تفسير معنى لا تفسير إعراب . وفي المنتخب ما ملخصه المعنى : انتفى عنك الجنون بنعمة ربك ، أي حصول الصفة المحمودة ، وزال عنك الصفة المذمومة بواسطة إنعام ربك . ثم قرر بهذه الدعوى ما هو كالدليل القاطع على صحتها ، لأن نعمه كانت ظاهرة في حقه من كمال الفصاحة والعقل والسيرة المرضية والبراءة من كل عيب والاتصاف بكل مكرمة ، فحصول ذلك وظهوره جار مجرى اليقين في كونهم كاذبين في قولهم : إنه مجنون . { وَإِنَّ لَكَ لاَجْراً } في احتمال طعنهم وفي دعاء الخلق إلى اللّه ، فلا يمنعك ما قالوا عن الدعاء إلى اللّه .{ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } : هذا كالتفسير لما تقدم من قوله :{ بِنِعْمَةِ رَبّكَ } ، وتعريف لمن رماه بالجنون أنه كذب وأخطأ ، وأن من كان بتلك الأخلاق المرضية لا يضاف الجنون إليه ، ولفظه يدل على الاستعلاء والاستيلاء . انتهى . ٣وإن لك لأجرا . . . . . {وَإِنَّ لَكَ لاَجْراً } : أي على ما تحملت من أثقال النبوة ومن أذاهم مما ينسبون إليك مما أنت لا تلتبس به من المعائب ، { غَيْرُ مَمْنُونٍ } : أي غير مقطوع ، مننت الحبل : قطعته ، وقال الشاعر : عبس كواسب لا يمن طعامها أي لا يقطع . وقال مجاهد : غير محسوب . وقال الحسن : غير مكدر بالمن . وقال الضحاك : بغير عمل . وقيل : غير مقدر ، وهو معنى قول مجاهد . وقال الزمخشري : أو غير ممنون عليك ، لأن ثواب تستوجبه على عملك وليس بتفضل ابتداء ، وإنما تمن الفواصل لا الأجور على الأعمال . انتهى ، وفيه دسيسة الاعتزال . ٤وإنك لعلى خلق . . . . . {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } ، قال ابن عباس ومجاهد : دين عظيم ليس دين أحب إلى اللّه تعالى منه . وقالت عائشة : إن خلقه كان القرآن . وقال علي : هو أدب القرآن . وقال قتادة : ما كان يأتمر به من أمر اللّه تعالى . وقيل : سمي عظيماً لاجتماع مكارم الأخلاق فيه ، من كرم السجية ، ونزاهة القريحة ، والملكة الجميلة ، وجودة الضرائب ؛ ما دعاه أحد إلا قال لبيك ، وقال : { إن اللّه بعثني لأتمم مكارم الأخلاق } ، ووصى أبا ذر فقال : { وخالق الناس بخلق حسن} . وعنه صلى اللّه عليه وسلم : { ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من خلق حسن} . وقال : { أحبكم إلى اللّه تعالى أحسنكم أخلاقاً} . ٥انظر تفسير الآية:٦ ٦فستبصر ويبصرون والظاهر تعلق { بِأَيّكُمُ الْمَفْتُونُ } بما قبله . وقال عثمان المازني : تم الكلام في قوله { وَيُبْصِرُونَ } ، ثم استأنف قوله :{ بِأَيّكُمُ الْمَفْتُونُ} انتهى . فيكون قوله :{ بِأَيّكُمُ الْمَفْتُونُ } استفهاماً يراد به الترداد بين أمرين ، ومعلوم نفي الحكم عن أحدهما ، ويعينه الوجود ، وهو المؤمن ، ليس بمفتون ولا به فتون . وإذا كان متعلقاً بما قبله ، وهو قول الجمهور ، فقال قتادة وأبو عبيدة معمر : الباء زائدة ، والمعنى : أيكم المفتون ؟ وزيدت الباء في المبتدأ ، كما زيدت فيه في قوله : بحسبك درهم ، أي حسبك . وقال الحسن والضحاك والأخفش : الباء ليست بزائدة ، والمفتون بمعنى الفتنة ، أي بأيكم هي الفتنة والفساد الذي سموه جنوناً ؟ وقال الأخفش أيضاً : بأيكم فتن المفتون ، حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه . ففي قوله الأول جعل المفتون مصدراً ، وهنا أبقاه اسم مفعول وتأوله على حذف مضاف . وقال مجاهد والفراء : الباء بمعنى في ، أي في أيّ فريق منكم النوع المفتون ؟ انتهى . فالباء ظرفية ، نحو : زيد بالبصرة ، أي في البصرة ، فيظهر من هذا القول أن الباء في القول قبله ليست ظرفية ، بل هي سببية . وقال الزمخشري : المفتون : المجنون لأنه فتن ، أي محن بالجنون ، أو لأن العرب يزعمون أنه من تخييل الجن ، وهم الفتان للفتاك منهم . انتهى . وقرأ ابن أبي عبلة : في أيكم المفتون . ٧إن ربك هو . . . . . {إِنَّ رَّبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ } : وعيد للضال ، وهم المجانين على الحقيقة ، حيث كانت لهم عقول لم ينتفعوا بها ، ولا استعملوها فيما جاءت به الرسل ، أو يكون أعلم كناية عن جزاء الفريقين .{ فَلاَ تُطِعِ الْمُكَذّبِينَ } : أي الذين كذبوا بما أنزل اللّه عليك من الوحي ، وهذا نهي عن طواعيتهم في شيء مما دعوه إليه من تعظيم آلهتهم . ٨انظر تفسير الآية:٩ ٩فلا تطع المكذبين {وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ } : لو هنا على رأي البصريين مصدرية بمعنى أن ، أي ودوا ادهانكم وتقدم الكلام في ذلك في قوله تعالى : { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ } ، ومذهب الجمهور أن معمول ود محذوف ، أي ودوا ادهانكم ، وحذف لدلالة ما بعده عليه ، ولو باقية على بابها من كونها حرفاً لما كان سيقع لوقوع غيره ، وجوابها محذوف تقديره لسروا بذلك . وقال ابن عباس والضحاك وعطية والسدي : لو تدهن : لو تكفر ، فيتمادون على كفرهم . وعن ابن عباس أيضاً : لو ترخص لهم فيرخصون لك . وقال قتادة : لو تذهب عن هذا الأمر فيذهبون معك . وقال الحسن : لو تصانعهم في دينك فيصانعوك في دينهم . وقال زيد بن أسلم : لو تنافق وترائي فينافقونك ويراؤونك . وقال الربيع بن أنس : لو تكذب فيكذبون . وقال أبو جعفر : لو تضعف فيضعون . وقال الكلبي والفراء : لو تلين فيلينون . وقال أبان بن ثعلب : لو تحابي فيحابون ، وقالوا غير هذه الأقوال . وقال الفراء : الدهان : التليين . وقال المفضل : النفاق وترك المناصحة ، وهذا نقل أهل اللغة ، وما قالوه لا يخرج عن ذلك لأن ما خالف ذلك هو تفسير باللازم ، وفيدهنون عطف على تدهن . وقال الزمخشري : عدل به إلى طريق آخر ، وهو أن جعل خبر مبتدأ محذوف ، أي فهم يدهنون كقوله :{ فَمَن يُؤْمِن بِرَبّهِ فَلاَ يَخَافُ } ، بمعنى ودوا لو تدهن فهم يدهنون حينئذ ، أو ودوا ادهانك فهم الآن يدهنون لطمعهم في ادهانك . انتهى . وجمهور المصاحف على إثبات النون . وقال هارون : إنه في بعض المصاحف فيدهنوا ، ولنصبه وجهان : أحدهما أنه جواب ودوا لتضمنه معنى ليت ؛ والثاني أنه على توهم أنه نطق بأن ، أي ودوا أن تدهن فيدهنوا ، فيكون عطفاً على التوهم ، ولا يجيء هذا الوجه إلا على قول من جعل لو مصدرية بمعنى أن . ١٠ولا تطع كل . . . . . {وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } : تقدّم تفسير مهين وما بعده في المفردات ، وجاءت هذه الصفات صفات مبالغة ، ونوسب فيها فجاء { حَلاَّفٍ } وبعده { مُّهِينٌ } ، لأن النون فيها مع الميم تواخ . ١١هماز مشاء بنميم ثم جاء : { هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ } بصفتي المبالغة ، ١٢مناع للخير معتد . . . . . ثم جاء : { مَّنَّاعٍ لّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } ، فمناع وأثيم صفتا مبالغة ، والظاهر أن الخير هنا يراد به العموم فيما يطلق عليه خير . وقيل : الخير هنا المال ، يريد مناع للمال عبر به عن الشح ، معناه : متجاوز الحد في الظلم . ١٣عتل بعد ذلك . . . . . وفي حديث شداد بن أوس قلت : يعني لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وما العتل الزنيم ؟ قال : الرحيب الجوف ، الوتير الخلق ، الأكول الشروب ، الغشوم الظلوم . وقرأ الحسن : عتل برفع اللام ، والجمهور : بجرها بعد ذلك . وقال الزمخشري : جعل جفاءه ودعوته أشد معايبه ، لأنه إذا جفا وغلظ طبعه قسا قلبه واجترأ على كل معصية ، ولأن الغالب أن النطفة إذا خبثت خبث الناشىء منها ، ومن ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : { لا يدخل الجنة ولد الزنا ولا ولده ولا ولد ولده } ، وبعد ذلك نظير ثم في قوله : { ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءامَنُواْ} وقرأ الحسن : عتل رفعاً على الذم ، وهذه القراءة تقوية لما يدل عليه بعد ذلك . انتهى . و قال ابن عطية :{ بَعْدَ ذَلِكَ } : أي بعد أن وصفناه به ، فهذا الترتيب إنما هو في قول الواصف لا في حصول تلك الصفات في الموصوف ، وإلا فكونه عتلاً هو قبل كونه صاحب خبر يمنعه . انتهى . والزنيم : الملصق في القوم وليس منهم ، قاله ابن عباس وغيره . وقيل : الزنيم : المريب القبيح الأفعال ، وعن ابن عباس أيضاً : الزنيم : الذي له زنمة في عنقه كزنمة الشاة ، وما كنا نعرف المشار إليه حتى نزلت فعرفناه بزنمته . انتهى . وروي أن الأخفش بن شريف كان بهذه الصفة ، كان له زنمة . وروى ابن جبير عن ابن عباس أن الزنيم هو الذي يعرف بالشر ، كما تعرف الشاة بالزنمة . وعنه أيضاً : أنه المعروف بالابنة . وعنه أيضاً : أنه الظلوم . وعن عكرمة : هو اللئيم . وعن مجاهد وعكرمة وابن المسيب : أنه ولد الزنا الملحق في النسب بالقوم ، وكان الوليد دعيا في قريش ليس من منحهم ، ادعاه أبوه بعد ثمان عشرة من مولده . وقال مجاهد : كانت له ستة أصابع في يده ، في كل إبهام أصبع زائدة ، والذي يظهر أن هذه الأوصاف ليست لمعين . ألا ترى إلى قوله :{ كُلَّ حَلاَّفٍ } ، وقوله :{ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ } ؟ فإنما وقع النهي عن طواعية من هو بهذه الصفات . ١٤انظر تفسير الآية:١٥ ١٥أن كان ذا . . . . . قال ابن عطية ما ملخصه ، قرأ النحويان والحرميان وحفص وأهل المدينة : { إِن كَانَ } على الخبر ؛ وباقي السبعة والحسن وابن أبي إسحاق وأبو جعفر : على الاستفهام ؛ وحقق الهمزتين حمزة ، وسهل الثانية باقيهم . فأما على الخبر ، فقال أبو علي الفارسي : يجوز أن يعمل فيها عتل وأن كان قد وصف . انتهى ، وهذا قول كوفي ، ولا يجوز ذلك عند البصريين . وقيل : { زَنِيمٍ } لا سيما على قول من فسره بالقبيح الأفعال . وقال الزمخشري : متعلق بقوله :{ وَلاَ تُطِعِ } ، يعنى ولا تطعه مع هذه المثالب ، { لاِنْ كَانَ ذَا مَالٍ } : أي ليساره وحظه من الدنيا ، ويجوز أن يتعلق بما بعده على معنى لكونه متمولاً مستظهراً بالبنين ، كذب آياتنا ولا يعمل فيه ، قال الذي هو جواب إذا ، لأن ما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله ، ولكن ما دلت عليه الجملة من معنى التكذيب . انتهى . وأما على الاستفهام ، فيحتمل أن يفسر عامل يدل عليه ما قبله ، أي أيكون طواعية لأن كان ؟ وقدره الزمخشري : أتطيعه لأن كان ؟ أو عامل يدل عليه ما قبله ، أي أكذب أو جحد لأن كان ؟ وقرأ نافع في رواية اليزيدي عنه : إن كان بكسر الهمزة . قال الزمخشري : والشرط للمخاطب ، أي لا تطع كل حلاف شارطاً يساره ، لأنه إذا أطاع الكافر لغناه ، فكأنه اشترط في الطاعة الغنى ، ونحو صرف الشرط إلى المخاطب صرف الرجاء إليه في قوله :{ لَعَلَّهُ يُذْكَرِ} انتهى . وأقوال : إن كان شرط ، وإذا تتلى شرط ، فهو مما اجتمع فيه شرطان ، وليسا من الشروط المترتبة الوقوع ، فالمتأخر لفظاً هو المتقدم ، والمتقدم لفظاً هو شرط في الثاني ، كقوله : فإن عثرت بعدها إن والت نفسي من هاء تاء فقولا لها لها لأن الحامل على ترك تدبر آيات اللّه كونه ذا مال وبنين ، فهو مشغول القلب ، فذلك غافل عن النظر والفكر ، قد استولت عليه الدنيا وأبطرته . وقرأ الحسن : أئذا على الاستفهام ، وهو استفهام تقريع وتوبيخ على قوله القرآن أساطير الأولين لما تليت عليه آياته اللّه . ١٦سنسمه على الخرطوم ولما ذكر قبائح أفعاله وأقواله ، ذكر ما يفعل به على سبيل التوعد فقال : { سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ } ، والسمة : العلامة . ولما كان الوجه أشرف ما في الإنسان ، والأنف أكرم ما في الوجه لتقدمه ، ولذلك جعلوه مكان العز والحمية ، واشتقوا منه الأنفة وقالوا : حميّ الأنف شامخ العرنين . وقالوا في الذليل : جدع أنفه ، ورغم أنفه . وكان أيضاً مما تظهر السمات فيه لعلو ، قال :{ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ } ، وهو غاية الإذلال والإهانة والاستبلاد ، إذ صار كالبهيمة لا يملك الدفع عن وسمه في الأنف ، وإذا كان الوسم في الوجه شيناً ، فكيف به على أكرم عضو فيه ؟ وقد قيل : الجمال في الأنف ، وقال بعض الأدباء : وحسن الفتى في الأنف والأنف عاطل فكيف إذا ما الخال كان له حليا وسنسمه فعل مستقبل لم يتعين زمانه . وقال ابن عباس : هو الضرب بالسيف ، أي يضرب به وجهه وعلى أنفه ، فيجيء ذلك كالوسم على الانف ، وحل به ذلك يوم بدر . وقال المبرد : ذلك في عذاب الآخرة في جهنم ، وهو تعذيب بنار على أنوفهم . وقال آخرون : ذلك يوم القيامة ، أي نوسم على أنفه بسمة يعرف بها كفره وانحطاط قدره . وقال قتادة وغيره : معناه سنفعل به في الدنيا من الذم والمقت والاشتهار بالشر ما يبقى فيه ولا يخفى به ، فيكون ذلك كالوسم على الأنف ثابتاً بيناً ، كما تقول : سأطوقك طوق الحمامة : أي أثبت لك الأمر بيناً فيك ، ونحو هذا أراد جرير بقوله : لما وضعت على الفرزدق ميسمي وفي الوسم على الأنف تشويه ، فجاءت استعارته في المذمات بليغة جدّاً . قال ابن عطية : وإذا تأملت حال أبي جهل ونظرائه ، وما ثبت لهم في الدنيا من سوء الأخروية ، رأيت أنهم قد وسموا على الخراطيم . انتهى . وقال أبو العالية ومقاتل ، واختاره الفراء : يسود وجهه قبل دخول النار ، وذكر الخرطوم ، والمراد الوجه ، لأن بعض الوجه يؤدي عن بعض . وقال أبو عبد اللّه الرازي : إنما بالغ الكافر في عداوة الرسول صلى اللّه عليه وسلم بسبب الأنفة والحمية ، فلما كان شاهد الإنكار هو الأنفة والحمية ، عبر عن هذا الاختصاص بقوله : { سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} انتهى كلامه . وفي استعارة الخرطوم مكان الأنف استهانة واستخفاف ، لأن حقيقة الخرطوم هو للسباع . وتلخص من هذا أن قوله :{ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ } ، أهو حقيقة أم مجاز ؟ وإذا كان حقيقة ، فهل ذلك في الدنيا أو في الآخرة ؟ وأبعد النضر بن شميل في تفسيره الخرطوم بالخمر ، وأن معناه سنحده على شربها . ١٧إنا بلوناهم كما . . . . . ولما ذكر المتصف بتلك الأوصاف الذميمة ، وهم كفار قريش ، أخبر تعالى بما حل بهم من الابتلاء بالقحط والجوع بدعوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : { اللّهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف } الحديث ، كما بلونا أصحاب الجنة المعروف خبرها عندهم . كانت بأرض اليمين بالقرب منهم قريباً من صنعاء لرجل كان يؤدي حق اللّه منها ، فمات فصارت إلى ولده ، فمنعوا الناس خيرها وبخلوا بحق اللّه تعالى ، فأهلكها اللّه تعالى من حيث لم يمكنهم دفع ما حل بهم . وقيل : كانت بصوران على فراسخ من صنعاء لناس بعد رفع عيسى عليه السلام ، وكان صاحبها ينزل للمساكنين ما أخطأه المنجل وما في أسفل الأكراس وما أخطاه القطاف من العنب وما بقي على السباط تحت النخلة إذا صرمت ، فكان يجتمع لهم شيء كثير . فلما مات قال بنوه : إن فعلنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الأمر ونحن أولو عيال ، فحلفوا { لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } في السدف خفية من المساكين ، ولم يستثنوا في يمينهم ؛ والكاف في { كَمَا بَلَوْنَا } في موضع نصب ، وما مصدرية . وقيل : بمعنى الذي ، وإذ معمول لبلوناهم ليصرمنها جواب القسم لا على منطوقهم ، إذ لو كان على منطوقهم لكان لنصرمنها بنون المتكلمين ، والمعنى : ليجدن ثمرها إذا دخلوا في الصباح قبل خروج المساكين إلى عادتهم مع أبيهم . ١٨ولا يستثنون {وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } : أي ولا ينثنون عن ما عزموا عليه من منع المساكين . وقال مجاهد : معناه : لا يقولون إن شاء اللّه ، بل عزموا على ذلك عزم من يملك أمره . وقال الزمخشري ، متبعاً قول مجاهد : ولا يقولون إن شاء اللّه . فإن قلت : لم سمي استثناء ، وإنما هو شرط ؟ قلت : لأنه يؤدي مؤدّى الاستثناء من حيث أن معنى قولك : لأخرجن إن شاء اللّه ، ولا أخرج إلا أن يشاء اللّه واحد . انتهى . ١٩فطاف عليها طائف . . . . . {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ } ، قرأ النخعي : طيف . قال الفراء : والطائف : الأمر الذي يأتي بالليل ، ورد عليه بقوله :{ إِذَا مَسَّهُمْ طَئِفٌ مّنَ الشَّيْطَانِ } ، فلم يتخصص بالليل ، وطائف مبهم . فقيل : هو جبريل عليه السلام ، اقتلعها وطاف بها حول البيت ، ثم وضعها حيث مدينة الطائف اليوم ، ولذلك سميت بالطائف ، وليس في أرض الحجاز بلدة فيها الماء والشجر والأعناب غيرها . وقال ابن عباس : طائف من أمر ربك . وقال قتادة : عذاب من ربك . وقال ابن جرير : عنق خرج من وادي جهنم . ٢٠فأصبحت كالصريم {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ } ، قال ابن عباس : كالرماد الأسود ، والصريم : الرماد الأسود بلغة خزيمة ، وعنه أيضاً : الصريم رملة باليمن معروفة لا تنبت ، فشبه جنتهم بها . وقال الحسن : صرم عنها الخير ، أي قطع . فالصريم بمعنى مصروم . وقال الثوري : كالصبح من حيث ابيضت كالزرع المحصود . وقال مورج : كالرملة انصرمت من معظم الرمل ، والرملة لا تنبت شيئاً ينفع . وقال الأخفش : كالصبح انصرم من الليل . وقال المبرد : كالنهار فلا شيء فيها . وقال شمر : الصريم : الليل ، والصريم : النهار ، أي ينصرم هذا عن ذاك ، وذاك عن هذا . وقال الفراء والقاضي منذر بن سعيد وجماعة : الصريم : الليل من حيث اسودت جنتهم . ٢١فتنادوا مصبحين {فَتَنَادَوْاْ } : دعا بعضهم بعضاً إلى المضي إلى ميعادهم ، ٢٢أن اغدوا على . . . . . {أَنِ اغْدُواْ عَلَى حَرْثِكُمْ} قال الزمخشري : فإن قلت : هلا قيل { اغْدُواْ إِلَى حَرْثِكُمْ } ، وما معنى على ؟ قلت : لما كان الغدو إليه ليصرموه ويقطعوه كان غدواً عليه ، كما تقول : غدا عليهم العدو . ويجوز أن يضمن الغد ومعنى الإقبال ، كقولهم : يغدي عليه بالجفنة ويراح ، أي فاقبلوا على حرثكم باكرين . انتهى . واستسلف الزمخشري أن غداً يتعدى بإلى ، ويحتاج ذلك إلى نقل بحيث يكثر ذلك فيصير أصلاً فيه ويتأول ما خالفه ، والذي في حفظي أنه معدى بعلى ، كقول الشاعر : بكرت عليه غدوة فرأيته قعوداً عليه بالصريم عواذله {إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ } : الظاهر أنه من صرام النحل . قيل : ويحتمل أن يريد : إن كنتم أهل عزم وإقدام على رأيكم ، من قولك : سيف صارم . ٢٣فانطلقوا وهم يتخافتون {يَتَخَافَتُونَ } : يخفون كلامهم خوفاً من أن يشعر بهم المساكين . ٢٤أن لا يدخلنها . . . . . {أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا } : أي يتخافتون بهذا الكلام وهو لا يدخلنها ، وأن مصدرية ، ويجوز أن تكون تفسيرية . وقرأ عبد اللّه وابن أبي عبلة : لا يدخلنها ، بإسقاط أن على إضمار يقولون ، أو على إجراء يتخافتون مجرى القول ، إذ معناه : يسارون القول والنهي عن الدخول . نهى عن التمكين منه ، أي لا تمكنوهم من الدخول فيدخلوا . ٢٥وغدوا على حرد . . . . . {وَغَدَوْاْ عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ } : أي على قصد وقدوة في أنفسهم ، يظنون أنهم تمكنوا من مرادهم . قال معناه ابن عباس ، أي قاصدين إلى جنتهم بسرعة ، قادرين عند أنفسهم على صرامها . قال أبو عبيدة والقتبي :{ عَلَى حَرْدٍ } : على منع ، أي قادرين في أنفسهم على منع المساكين من خيرها ، فجزاهم اللّه بأن منعهم خيراً . وقال الحسن :{ عَلَى حَرْدٍ } ،أي حاجة وفاقة . وقال السدي وسفيان :{ عَلَى حَرْدٍ } : على غضب ، أي لم يقدروا إلا على حنق وغضب بعضهم على بعض . وقيل :{ عَلَى حَرْدٍ } : على انفراد ، أي انفردوا دون المساكين . وقال الأزهري : حرد اسم قريتهم . وقال السدي : اسم جنتهم ، أي غدوا على تلك الجنة قادرين على صرامها عند أنفسهم ، أو مقدرين أن يتم لهم مرادهم من الصرام . قيل : ويحتمل أن يكون من التقدير بمعنى التضييق لقوله تعالى :{ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } ،أي مضيقين على المساكين ، إذ حرموهم ما كان أبوهم ينيلهم منها . ٢٦فلما رأوها قالوا . . . . . {فَلَمَّا رَأَوْهَا } : أي على الحالة التي كانوا غدوها عليها ، من هلاكها وذهاب ما فيها من الخير ، { قَالُواْ إِنَّا لَضَالُّونَ } : أي عن الطريق إليها ، قاله قتادة . وذلك في أول وصولهم أنكروا أنها هي ، واعتقدوا أنهم أخطأوا الطريق إليها ، ثم وضح لهم أنها هي ، وأنه أصابها من عذاب اللّه ما أذهب خيرها . وقيل : لضالون عن الصواب في غدونا على نية منع المساكين ، ٢٧بل نحن محرومون فقالوا : { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } خيرها بخيانتنا على أنفسنا . ٢٨قال أوسطهم ألم . . . . . {قَالَ أَوْسَطُهُمْ } : أي أفضلهم وأرجحهم عقلاً ، { أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبّحُونَ } : أنبهم ووبخهم على تركهم ما حضهم عليه من تسبيح اللّه ، أي ذكره وتنزيهه عن السوء ، ولو ذكروا اللّه وإحسانه إليهم لامتثلوا ما أمر به من مواساة المساكين واقتفوا سنة أبيهم في ذلك . فلما غفلوا عن ذكر اللّه تعالى وعزموا على منع المساكين ، ابتلاهم اللّه ، وهذا يدل على أن أوسطهم كان قد تقدم إليهم وحرضهم على ذكر اللّه تعالى . وقال مجاهد وأبو صالح : كان استثناؤهم سبحان اللّه . قال النحاس : جعل مجاهد التسبيح موضع إن شاء اللّه ، لأن المعنى تنزيه اللّه أن يكون شيء إلا بمشيئته . وقال الزمخشري : لالتقائهما في معنى التعظيم للّه ، لأن الاستثناء تفويض إليه ، والتسبيح تنزيه له ، وكل واحد من التفويض والتنزيه تعظيم له . وقيل :{ لَوْلاَ تُسَبّحُونَ } : تستغفرون . ٢٩قالوا سبحان ربنا . . . . . ولما انبهم ، رجعوا إلى ذكر اللّه تعالى ، واعترفوا على أنفسهم بالظلم ، وبادروا إلى تسبح اللّه تعالى فقالوا : { سُبْحَانَ رَبّنَا} قال ابن عباس : أي نستغفر اللّه من ذنبنا . ٣٠فأقبل بعضهم على . . . . . ولما أقروا بظلمهم ، لام بعضهم بعضاً ، وجعل اللوم في حيز غيره ، إذ كان منهم من زين ، ومنهم من قبل ، ومنهم من أمر بالكف ، ومنهم من عصى الأمر . ومنهم من سكت على رضا منه . ٣١قالوا يا ويلنا . . . . . ثم اعترفوا بأنهم طغوا ، وترجوا انتظار الفرج في أن يبدلهم خيراً من تلك الجنة ، ٣٢عسى ربنا أن . . . . . {عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا } : أي بهذه الجنة ، { خَيْرٌ مّنْهَا } : وتقدم الكلام في الكهف ، والخلاف في تخفيف يبدلنا ، وتثقيلها منسوباً إلى القراء .{ إِنَّا إِلَى رَبّنَا راغِبُونَ } : أي طالبون إيصال الخير إلينا منه . والظاهر أن أصحاب هذه الجنة كانوا مؤمنين أصابوا معصية وتابوا . وقيل : كانوا من أهل الكتاب . وقال عبد اللّه بن مسعود : بلغني أن القوم دعوا اللّه وأخلصوا ، وعلم اللّه منهم الصدق فأبدلهم بها جنة ، وكل عنقود منها كالرجل الأسود القائم . وعن مجاهد : تابوا فأبدوا خيراً منها . وقال القشيري : المعظم يقولون أنهم تابوا وأخلصوا . انتهى . وتوقف الحسن في كونهم مؤمنين وقال : أكان قولهم : { إِنَّا إِلَى رَبّنَا راغِبُونَ } إيماناً ، أو على حد ما يكون من المشركين إذا أصابتهم الشدة ؟ . ٣٣كذلك العذاب ولعذاب . . . . . {كَذَلِكَ الْعَذَابُ } : هذا خطاب للرسول صلى اللّه عليه وسلم في أمر قريش . قال ابن عطية : والإشارة بذلك إلى العذاب الذي نزل بالجنة ، أي { كَذَلِكَ الْعَذَابُ } : أي الذي نزل بقريش بغتة ، ثم عذاب الآخرة بعد ذلك أشد عليهم من عذاب الدنيا . وقال كثير من المفسرين : العذاب النازل بقريش الممائل لأمر الجنة هو الجدب الذي أصابهم سبع سنين حتى رأوا الدخان وأكلوا الجلود . انتهى . وقال الزمخشري : مثل ذلك العذاب الذي بلونا به أهل مكة وأصحاب الجنة عذاب الدنيا .{ وَلَعَذَابُ الاْخِرَةِ } أشد وأعظم منه . انتهى . وتشبيه بلاء قريش ببلاء أصحاب الجنة هو أن أصحاب الجنة عزموا على الانتفاع بثمرها وحرمان المساكين ، فقلب اللّه تعالى عليهم وحرمهم . وأن قريشاً حين خرجوا إلى بدر حلفوا على قتل الرسول صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه ، فإذا فعلوا ذلك رجعوا إلى مكة وطافوا بالكعبة وشربوا الخمور ، فقلب اللّه عليهم بأن قتلوا وأسروا . ولما عذبهم بذلك في الدنيا قال :{ وَلَعَذَابُ الاْخِرَةِ أَكْبَرُ} ٣٤إن للمتقين عند . . . . . لما ذكر تعالى أنه بلا كفار قريش وشبه بلاءهم ببلاء أصحاب الجنة ، أخبر بحال أضدادهم وهم المتقون ، فقال : { إِنَّ لّلْمُتَّقِينَ } : أي الكفر ، { جَنَّاتِ النَّعِيمِ } : أضافها إلى النعيم ، لأن النعيم لا يفارقها ، إذ ليس فيها إلا هو ، فلا يشوبه كدر كما يشوب جنات الدنيا . ٣٥أفنجعل المسلمين كالمجرمين وروي أنه لما نزلت هذه الآية قالت قريش : إن كان ثم جنة فلنا فيها أكثر الحظ ، فنزلت : { أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} وقال مقاتل : قالوا فضلنا اللّه عليكم في الدنيا ، فهو يفضلنا عليكم في الآخرة ، وإلا فالمشاركة ، فأجاب تعالى :{ أَفَنَجْعَلُ } : أي لا يتساوى المطيع والعاصي ، هو استفهام فيه توقيف على خطأ ما قالوا وتوبيخ . ٣٦ما لكم كيف . . . . . ثم التفت إليهم فقال : { مَا لَكُمْ } ،أي : أي شيء لكم فيما تزعمون ؟ وهو استفهام إنكار عليهم . ثم قال :{ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } ، وهو استفهام ثالث على سبيل الإنكار عليهم ، استفهم عن هيئة حكمهم . ففي قوله :{ مَا لَكُمْ } استفهام عن كينونة مبهمة ، وفي { كَيْفَ تَحْكُمُونَ } استفهام عن هيئة حكمهم . ٣٧أم لكم كتاب . . . . . ثم أضرب عن هذا إضراب انتقال لشيء آخر لا إبطال لما قبله فقال : { أَمْ لَكُمْ } ،أي : بل ألكم ؟{ كِتَابٌ } ،أي من عند اللّه، { تَدْرُسُونَ } أن ما تختارونه يكون لكم . ٣٨إن لكم فيه . . . . . وقرأ الجمهور : { إِنَّ لَكُمْ } بكسر الهمزة ، فقيل هو استئناف قول على معنى : إن لكم كتاب فلكم فيه متخير . وقيل : أن معمولة لتدرسون ، أي تدرسون في الكتاب أن لكم ، { لَمَا تَخَيَّرُونَ } : أي تختارون من النعيم ، وكسرت الهمزة من أن لدخول اللام في الخبر ، وهي بمعنى أن بفتح الهمزة ، قاله الزمخشري وبدأ به وقال : ويجوز أن تكون حكاية للمدروس كما هو ، كقوله :{ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الاْخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ} انتهى . وقرأ طلحة والضحاك : أن لكم بفتح الهمزة ، واللام في لما زائدة كهي في قراءة من قرأ الا أنهم ليأكلون الطعام بفتح همزة أنهم . وقرأ الأعرج : أإن لكم على الاستفهام . ٣٩أم لكم أيمان . . . . . {أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ } : أي أقسام علينا ، { بَالِغَةٌ } : أي متناهية في التوكيد . يقال : لفلان عليّ يمين إذا حلفت له على الوفاء بما حلفت عليه ، وإلى يوم القيامة متعلق بما تعلق به الخبر وهو لكم ، أي ثابتة لكم إلى يوم القيامة ، أو ببالغة : أي تبلغ إلى ذلك اليوم وتنتهي إلى ه . وقرأ الجمهور :{ بَالِغَةٌ } بالرفع على الصفة ، والحسن وزيد بن علي : بالنصب على الحال من الضمير المستكن في علينا . و قال ابن عطية : حال من نكرة لأنها مخصصة تغليباً . { إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ } : جواب القسم ، لأن معنى { أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا } : أم أقسمنا لكم ، قاله الزمخشري . وقرأ الأعرج : أإن لكم عليّ ، كالتي قبلها على الاستفهام . ٤٠سلهم أيهم بذلك . . . . . {سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذالِكَ زَعِيمٌ } : أي ضامن بما يقولونه ويدعون صحته ، وسل معلقة عن مطلوبها الثاني ، لما كان السؤال سبباً لحصول العلم جاز تعليقه كالعلم ، ومطلوبها الثاني أصله أن يعدى بعن أو بالباء ، كما قال تعالى :{ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ } ، وقال الشاعر : فإن تسألوني بالنساء فإنني عليم بأدواء النساء طبيب ولو كان غير اسم استفهام لتعدى إليه بعن أو بالباء ، كما تقول : سل زيداً عن من ينظر في كذا ، ولكنه علق سلهم ، فالجملة في موضع نصب . ٤١أم لهم شركاء . . . . . وقرأ الجمهور : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَائِهِمْ } ؛ وعبد اللّه وابن أبي عبلة : فليأتوا بشركهم ، قيل : والمراد في القراءتين الأصنام أو ناس يشاركونهم في قولهم ويوافقونهم فيه ، أي لا أحد يقول بقولهم ، كما أنه لا كتاب لهم ، ولا عهد من اللّه ، ولا زعيم بذلك ، { فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَائِهِمْ } : هذا استدعاء وتوقيف . قيل : في الدنيا أي ليحضروهم حتى ترى هل هم بحال من يضر وينفع أم لا . وقيل : في الآخرة ، على أن يأتوا بهم . ٤٢انظر تفسير الآية:٤٣ ٤٣يوم يكشف عن . . . . . {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } : وعلى هذا القول الناصب ليوم فليأتوا . وقيل : اذكر ، وقيل التقدير : يوم يكشف عن ساق كان كيت وكيت ، وحذف للتهويل العظيم بما يكون فيه من الحوادث ؛ والظاهر وقول الجمهور : إن هذا اليوم هو يوم القيامة . وقال أبو مسلم : هذا اليوم هو في الدنيا لأنه قال :{ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ } ، ويوم القيامة ليس فيه تعبد ولا تكليف ، بل المراد منه إما آخر أيام الرجل في دنياه لقوله :{ يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَئِكَةَ لاَ بُشْرَى } ، ثم يرى الناس يدعون إلى الصلاة إذا حضرت أوقاتها ، فلا يستطيع الصلاة لأنه الوقت الذي لا ينفع فيه نفساً إيمانها ؛ وإما حال المرض والهرم والمعجزة .{ وَقَدْ كَانُواْ } قبل ذلك اليوم ، { يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ } مما بهم الآن . فذلك إما لشدة النازلة بهم من هول ما عاينوا عند الموت ، وإما من العجز والهرم . وأجيب بأن الدعاء إلى السجود ليس على سبيل التكليف ، بل على سبيل التقريع والتخجيل . وعند ما يدعون إلى السجود ، سلبوا القدرة عليه ، وحيل بينهم وبين الاستطاعة حتى يزداد حزنهم وندامتهم على ما فرطوا فيه حين دعوا إليه وهم سالمون الأطراف والمفاصل . وقرأ الجمهور :{ يُكْشَفُ } بالياء مبنياً للمفعول . وقرأ عبد اللّه بن أبي عبلة : بفتح الياء مبنياً للفاعل ؛ وابن عباس وابن مسعود أيضاً وابن هرمز : بالنون ؛ وابن عباس : يكشف بفتح الياء منبياً للفاعل ؛ وعنه أيضاً بالياء مضمومة مبنياً للمفعول . وقرىء : يكشف بالياء المضمومة وكسر الشين ، من أكشف إذا دخل في الكشف ، ومنه أكشف الرجل : انقلبت شفته العليا ، وكشف الساق كناية عن شدة الأمر وتفاقمه . قال مجاهد : هي أول ساعة من يوم القيامة وهي أفظعها . ومما جاء في الحديث من قوله : { فيكشف لهم عن ساق } ، محمول أيضاً على الشدة في ذلك اليوم ، وهو مجاز شائع في لسان العرب . قال حاتم : أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا وقال الراجز : عجبت من نفسي ومن إشفاقها ومن طرادي الخيل عن أرزاقها في سنة قد كشفت عن ساقها حمراء تبري اللحم عن عراقها وقال الراجز : قد شمرت عن ساقها فشدوا وجدّت الحرب بكم فجدوا وقال آخر : صبراً امام إن شرباق وقامت الحرب بنا على ساق وقال الشاعر : كشفت لهم عن ساقها وبدا من الشر البوا ويروى : الصداح . وقال ابن عباس : يوم يكشف عن شدة . وقال أبو عبيدة : هذه كلمة تستعمل في الشدة ، يقال : كشف عن ساقه إذا تشمر . قال : ومن هذا تقول العرب لسنة الجدب : كشفت ساقها ، ونكر ساق للدلالة على أنه أمر مبهم في الشدة ، خارج عن المألوف ، كقوله تعالى : { يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِ إِلَى شَىْء نُّكُرٍ } ، فكأنه قيل : يوم يقع أمر فظيع هائل .{ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } : ظاهره أنهم يدعون ، وتقدم أن ذلك على سبيل التوبيخ لا على سبيل التكليف . وقيل : الداعي ما يرونه من سجود المؤمنين ، فيريدون هم السجود فلا يستطيعونه ، كما ورد في الحديث الذي حاورهم فيه اللّه تعالى أنهم يقولون : أنت ربنا ، ويخرون للسجود ، فيسجد كل مؤمن وتصير أصلاب المنافقين والكفار كصياصي البقر عظماً واحداً ، فلا يستطيعون سجوداً . انتهى . ونفي الاستطاعة للسجود في الآخرة لا يدل على أن لهم استطاعة في الدنيا ، كما ذهب إليه الجبائي . و { خَاشِعَةٌ } : حال ، وذو الحال الضمير في { يَدَّعُونَ } ، وخص الأبصار بالخشوع ، وإن كانت الجوارح كلها خاشعة ، لأنه أبين فيه منه في كل جارحة ، { تَرْهَقُهُمْ } : تغشاهم ، { ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ} قيل : هو عبارة عن جميع الطاعات ، وخص بالذكر من حيث هو أعظم الطاعات ، ومن حيث امتحنوا به في الآخرة . وقال النخعي والشعبي : أراد بالسجود : الصلوات المكتوبة . وقال ابن جبير : كانوا يسمعون النداء للصلاة وحي على الفلاح فلا يجيبون . ٤٤انظر تفسير الآية:٤٥ ٤٥فذرني ومن يكذب . . . . . {فَذَرْنِى وَمَن يُكَذّبُ بِهَاذَا الْحَدِيثِ } ، المعنى : خل بيني وبينه ، فإني سأجازيه وليس ثم مانع . وهذا وعيد شديد لمن يكذب بما جاء به الرسول صلى اللّه عليه وسلم من أمر الآخرة وغيره ، وكان تعالى قدم أشياء من أحوال السعداء والأشقياء . ومن في موضع نصب ، إما عطفاً على الضمير في ذرني ، وإما على أنه مفعول معه .{ سَنَسْتَدْرِجُهُم } إلى قوله :{ مَتِينٌ } : تكلم عليه في الأعراف . ٤٦انظر تفسير الآية:٤٧ ٤٧أم تسألهم أجرا . . . . . {أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً } إلى :{ يَكْتُبُونَ } : تكلم عليه في الطور . ٤٨فاصبر لحكم ربك . . . . . روي أنه صلى اللّه عليه وسلم أراد أن يدعو على الذين انهزموا بأحُد حين اشتد بالمسلمين الأمر . وقيل : حين أراد أن يدعو على ثقيف ، فنزلت : { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ } : وهو إمهالهم وتأخير نصرك عليهم ، وامض لما أمرت به من التبليغ واحتمال الأذى ، { وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ } : هو يونس عليه السلام ، { إِذْ نَادَى } : أي في بطن الحوت ، وهو قوله :{ أَن لاَّ إِلَاهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ } ، وليس النهي منصباً على الذوات ، إنما المعنى : لا يكن حالك مثل حاله .{ إِذْ نَادَى } : فالعامل في إذ هو المحذوف المضاف ، أي كحال أو كقصة صاحب الحوت ، { إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ } : مملوء غيظاً على قومه ، إذ لم يؤمنوا لما دعاهم إلى الإيمان ، وأحوجوه إلى استعجال مفارقته إياهم . وقال ذو الرمة : وأنت من حب ميّ مضمر حزنا عانى الفؤاد قريح القلب مكظوم وتقدمت مادة كظم في قوله : { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} ٤٩لولا أن تداركه . . . . . وقرأ الجمهور : { تَدَارَكَهُ } ماضياً ، ولم تلحقه علامة التأنيث لتحسين الفصل . وقرأ عبد اللّه وابن عباس : تداركته بتاء التأنيث ؛ وابن هرمز والحسن والأعمش : بشد الدال . قال أبو حاتم : ولا يجوز ذلك ، والأصل في ذلك تتداركه ، لأنه مستقبل انتصب بأن الخفيفة قبله . وقال بعض المتأخرين : هذا لا يجوز على حكاية الحال الماضية المقتضية ، أي لولا أن كان يقال تتداركه ، ومعناه : لولا هذه الحال الموجودة كانت له من نعم اللّه { لَنُبِذَ بِالْعَرَاء } ، ونحوه قوله :{ فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ } ؛ وجواب { لَوْلاَ } قوله :{ لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ } ،أي لكنه نبذه وهو غير مذموم ، كما قال :{ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء } ، والمعتمد فيه على الحال لا على النبذ مطلقاً ، بل بقيد الحال . وقيل : لنبذ بعراء القيامة مذموماً ، ويدل عليه { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبّحِينَ لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} ٥٠فاجتباه ربه فجعله . . . . . ثم أخبر تعالى أنه { اجْتَبَاهُ } : أي اصطفاه ، { وَنَبِيّا مّنَ الصَّالِحِينَ } : أي الأنبياء . وعن ابن عباس : رد اللّه إليه الوحي وشفعة في قومه . ٥١وإن يكاد الذين . . . . . ولما أمره تعالى بالصبر لما أراده تعالى ونهاه عن ما نهاه ، أخبره بشدة عداوتهم ليتلقى ذلك بالصبر فقال : { وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ } : أي ليزلقون قومك بنظرهم الحاد الدال على العداوة المفرطة ، أو ليهلكونك من قولهم : نظر إليّ نظراً يكاد يصرعني ويكاد يأكلني ، أي لو أمكنه بنظره الصرع والأكل لفعله . وقال الشاعر : يتعارضون إذا التقوا في موطن نظراً يزل مواطن الأقدام وقال الكلبي : ليزلقونك : ليصرفونك . وقرأ الجمهور :{ لَيُزْلِقُونَكَ } بضم الياء من أزلق ؛ ونافع : بفتحها من زلقت الرجل ، عدى بالفتحة من زلق الرجل بالكسر ، نحو شترت عينه بالكسر ، وشترها اللّه بالفتح . وقرأ عبد اللّه وابن عباس والأعمش وعيسى : ليزهقونك . وقيل : معنى { لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ } : ليأخذونك بالعين ، وذكر أن اللفع بالعين كان في بني أسد . قال ابن الكلبي : كان رجل من العرب يمكث يومين أو ثلاثة لا يأكل ، ثم يرفع جانب خبائه فيقول : لم أر كاليوم إبلاً ولا غنماً أحسن من هذه ، فما تذهب إلا قليلاً ثم تسقط طائفة أو عدة منها . قال الكفار لهذا الرجل أن يصيب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأجابهم ، وأنشد : قد كان قومك يحسبونك سيدا وأخال أنك سيد معيون أي : مصاب بالعين ، فعصم اللّه نبيه صلى اللّه عليه وسلم ، وأنزل عليه هذه الآية . قال قتادة : نزلت لدفع العين حين أرادوا أن يعينوه عليه الصلاة والسلام . وقال الحسن : دواء من أصابته العين أن يقرأ هذه الآية . وقال القشيري : الإصابة بالعين إنما تكون مع الاستحسان ، لا مع الكراهة والبغض ، وقال :{ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} وقال القرطبي : ولا يمنع كراهة الشيء من أن يصاب بالعين عداوة له حتى يهلك . انتهى . وقد يكون في المعين ، وإن كان مبغضاً عند العائن صفة يستحسنها العائن ، فيعينه من تلك الصفة ، لا سيما من تكون فيه صفات كمال .{ لَمَّا سَمِعُواْ الذِكْرَ } : من يقول لما ظرف يكون العامل فيه { لَيُزْلِقُونَكَ } ، وإن كان حرف وجوب لوجوب ، وهو الصحيح ، كان الجواب محذوفاً لدلالة ما قبله عليه ، أي لما سمعوا الذكر كادوا يزلقونك ، والذكر : القرآن . { وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ } تنفيراً عنه ، وقد علموا أنه صلى اللّه عليه وسلم أتمهم فضلاً وأرجحهم عقلاً . ٥٢وما هو إلا . . . . . {وَمَا هُوَ } : أي القرآن ، { إِلاَّ ذِكْرٌ } : عظة وعبرة ، { لّلْعَالَمِينَ } : أي للجن والإنس ، فكيف ينسبون إلى الجن من جاء به ؟ . |
﴿ ٠ ﴾