سورة المعارجمكية بسم اللّه الرحمن الرحيم ١انظر تفسير الآية:٢ ٢سأل سائل بعذاب . . . . . العهن : الصوف دون تقييد ، أو الأحمر ، أو المصبوغ ألواناً ، أقوال . الفصيلة ، قال ثعلب : الآباء الأدنون . وقال أبو عبيدة : الفخذ . وقيل : عشيرته الأقربون . لظى : اسم لجهنم ، أو للدركة الثانية من دركاتها ، وهو علم منقول من اللظى ، وهو اللّهب ، ومنع الصرف هو للعلمية والتأنيث . والشوى جمع شواة ، وهي جلدة الرأس . وقال الأعشى قالت قتيلة ما له قد جللت سبباً شواته والشوى : جلد الإنسان ، والشوى : قوائم الحيوان ، والشوى : كل عضو ليس بمقتل ، ومنه : رمى فأشوى ، إذا لم يصب المقتل ، والشوى : زوال المال ، والشوى : الشيء الهين اليسير . الهلع : الفزع والاضطراب السريع عند مس المكروه ، والمنع السريع عند مس الخير ، من قولهم : ناقة هلوع : سريعة السير . وقال أبو عبيدة : الهلع في اللغة أشد الحرص وأسوأ الجزع . الجزع : الخوف ، قال الشاعر : جزعت ولم أجزع من البين مجزعاً عزين جمع عزة ، قال أبو عبيدة : جماعات في تفرقة ، وقيل : الجمع اليسير كثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة . وقال الأصمعي : في الدار عزون : أي أصناف من الناس ، وقال عنترة : وقرن قد تركت لذي ولي عليه الطير كالعصب العزين وقال الداعي : أخليفة الرحمن إن عشيرتي أمسى سوامهم عزين فلولا وقال الكميت : ونحن وجندل باغ تركنا كتائب جندل شتى عزينا وقال آخر : ترانا عنده والليل داج على أبوابه حلقاً عزينا وقال آخر : فلما أن أبين على أصاح ضرجن حصاة أشتاتاً عزينا وعزة مما حذفت لامه ، فقيل : هي واو وأصله عزوة ، كأن كل فرقة تعتزي إلى غير من تعتزي إليه الأخرى ، فهم متفرقون . ويقال : عزاه يعزوه إذا أضافه إلى غيره . وقيل : لامها هاء والأصل عزهة وجمعت عزة بالواو والنون ، كما جمعت سنة وأخواتها بذلك ، وتكسر العين في الجمع وتضم . وقالوا : عزى على فعل ، ولم يقولوا عزات . هذه السورة مكية . قال الجمهور : نزلت في النضر بن الحرث حين قال :{ اللّهمَّ إِن كَانَ هَاذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } الآية . وقال الربيع بن أنس : في أبى جهل . وقيل : في جماعة من قريش قالوا :{ اللّهمَّ إِن كَانَ هَاذَا هُوَ الْحَقَّ } الآية . وقيل : السائل نوح عليه السلام ، سأل العذاب على الكافرين . وقيل : السائل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، سأل اللّه أن يشدد وطأته على مضر الحديث ، فاستجاب اللّه دعوته . ومناسبة أولها لآخر ما قبلها : أنه لما ذكر { وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذّبِينَ } ، أخبر عن ما صدر عن بعض المكذبين بنقم اللّه ، وإن كان السائل نوحاً عليه السلام ، أو الرسول صلى اللّه عليه وسلم. فناسب تكذيب المكذبين أن دعا عليهم رسولهم حتى يصابوا فيعرفوا صدق ما جاءهم به . وقرأ الجمهور :{ سَأَلَ } بالهمز : أي دعا داع ، من قولهم : دعا بكذا إذا استدعاه وطلبه ، فالباء على أصلها . وقيل : المعنى بحث باحث واستفهم . قيل : فالباء بمعنى عن . وقرأ نافع وابن عامر : سال بألف ، فيجوز أن يكون قد أبدلت همزته ألفاً ، وهو بدل على غير قياس ، وإنما قياس هذا بين بين ، ويجوز أن يكون على لغة من قال : سلت أسأل ، حكاها سيبويه . وقال الزمخشري : هي لغة قريش ، يقولون : سلت تسال وهما يتسايلان . انتهى . وينبغي أن يتثبت في قوله إنها لغة قريش . لأن ما جاء في القرآن من باب السؤال هو مهموز أو أصله الهمز ، كقراءة من قرأ : وسلوا اللّه من فضله ، إذ لا يجوز أن يكون من سال التي عينها واو ، إذ كان يكون ذلك وسلوا اللّه مثل خافوا الأمر ، فيبعد أن يجيء ذلك كله على لغة غير قريش ، وهم الذين نزل القرآن بلغتهم إلا يسيراً فيه لغة غيرهم . ثم جاء في كلام الزمخشري : وهما يتسايلان بالياء ، وأظنه من الناسخ ، وإنما هو يتساولان بالواو . فإن توافقت النسخ بالياء ، فيكون التحريف من الزمخشري ؛ وعلى تقدير أنه من السؤال ، فسائل اسم فاعل منه ، وتقدم ذكر الخلاف في السائل من هو . وقيل : سال من السيلان ، ويؤيده قراءة ابن عباس : سال سايل . وقال زيد بن ثابت : في جهنم واد يسمى سايلاً وأخبر هنا عنه . قال ابن عطية : ويحتمل إن لم يصح أمر الوادي أن يكون الإخبار عن نفوذ القدر بذلك العذاب قد استعير له السيل لما عهد من نفوذ السيل وتصميمه . وقال الزمخشري : والسيل مصدر في معنى السايل ، كالغور بمعنى الغاير ، والمعنى : اندفع عليهم وادي عذاب ، فذهب بهم وأهلكهم . انتهى . وإذا كان السائل هم الكفار ، فسؤالهم إنما كان على أنه كذب عندهم ، فأخبر تعالى أنه واقع وعيداً لهم . وقرأ أبي وعبد اللّه : سال سال مثل مال بإلقاء صورة الهمزة وهي الياء من الخط تخفيفاً . قيل : والمراد سائل . انتهى . ولم يحك هل قرأ بالهمز أو بإسقاطها ألبتة . فإن قرأ بالهمز فظاهر ، وإن قرأ بحذفها فهو مثل شاك شايك ، حذفت عينه واللام جرى فيها الإعراب ، والظاهر تعلق بعذاب بسال . وقال أبو عبد اللّه الرازي : يتعلق بمصدر دل عليه فعله ، كأنه قيل : ما سؤاله ؟ فقيل : سؤاله بعذاب ، والظاهر اتصال الكافرين بواقع فيكون متعلقاً به ، واللام للعلة ، أي نازل بهم لأجلهم ، أي لأجل كفرهم ، أو على أن اللام بمعنى على ، قاله بعض النحاة ، ويؤيده قراءة أبيّ : على الكافرين ، أو على أنه في موضع ، أي واقع كائن للكافرين . وقال قتادة والحسن : المعنى : كأن قائلاً قال : لمن هذا العذاب الواقع ؟ فقيل : للكافرين . وقال الزمخشري : أو بالفعل ، أي دعاء للكافرين ، ثم قال : وعلى الثاني ، وهو ثاني ما ذكر من توجيهه في الكافرين . قال هو كلام مبتدأ جواب للسائل ، أي هو للكافرين ، وكان قد قرر أن سال ضمن معنى دعا ، فعدى تعديته كأنه قال : دعا داع بعذاب من قولك : دعا بكذا إذا استدعاه وطلبه ، ومنه قوله تعالى : { يَدْعُونَ فِيهَا بِكلّ فَاكِهَةٍ ءامِنِينَ} انتهى . فعلى ما قرره أنه متعلق بدعا ، يعني بسال ، فكيف يكون كلاماً مبتدأ جواباً للسائل أي هو للكافرين ؟ هذا لا يصح . فقد أخذ قول قتادة والحسن وأفسده ، والأجود أن يكون من اللّه متعلقاً بقوله :{ وَاقِعٍ} و { لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ } : جملة اعتراض بين العامل والمعمول . وقيل : يتعلق بدافع ، أي من جهته إذا جاء وقته . ٣من اللّه ذي . . . . . {ذِي الْمَعَارِجِ } : المعارج لغة الدرج وهنا استعارة ، قال ابن عباس وقتادة : في الرتب والفواضل والصفات الحميدة . وقال ابن عباس أيضاً : المعارج : السموات تعرج فيها الملائكة من سماء إلى سماء . وقال الحسن : هي المراقي إلى السماء ، وقيل : المعارج : الغرف ، أي جعلها لأوليائه في الجنة ٤تعرج الملائكة والروح . . . . . تعرج ، قراءة الجمهور بالتاء على التأنيث ، وعبد اللّه والكسائي وابن مقسم وزائدة عن الأعمش بالياء . { وَالرُّوحُ } ، قال الجمهور ؛ هو جبريل ، خص بالذكر تشريفاً ، وأخر هنا بعد الملائكة ، وقدم في قوله :{ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً} وقال مجاهد : ملائكة حفظة للملائكة الحافظين لبني آدم ، لا تراهم الحفظة كما لا نرى نحن حفظتنا . وقيل : الروح ملك غير جبريل عظيم الخلقة . وقال أبو صالح : خلق كهيئة الناس وليسوا بالناس . وقال قبيصة بن ذؤيب : روح الميت حين تقبض إليه ، الضمير عائد على اللّه تعالى ، أي إلى عرشه وحيث يهبط منه أمره تعالى . وقيل : إليه ، أي إلى المكان الذي هو محلهم وهو في السماء لأنها محل بره وكرامته ، والظاهر أن المعنى : أنها تعرج في يوم من أيامكم هذه ، ومقدار المسافة أن لو عرجها آدمي خمسون ألف سنة ، قاله ابن عباس وابن إسحاق وجماعة من الحذاق منهم القاضي منذر بن سعيد . فإن كان العارج ملكاً ، فقال مجاهد : المسافة هي من قعر الأرض السابعة إلى العرش ؛ ومن جعل الروح جنس أنواع الحيوان ، قال وهب : المسافة من وجه الأرض إلى منتهى العرش . وقال عكرمة والحكم : أراد مدة الدنيا ، فإنها خمسون ألف سنة لا يدري أحد ما مضى منها وما بقي ، أي تعرج في مدة الدنيا وبقاء هذه البنية . وقال ابن عباس أيضاً : هو يوم القيامة . وقيل : طوله ذلك العدد ، وهذا ظاهر ما جاء في الحديث في مانع الزكاة فإنه قال :{ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} وقال ابن عباس وأبو سعيد الخدري : قدره في رزاياه وهوله وشدته للكفار ذلك العدد . وفي الحديث : { يخف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة} . وقال عكرمة مقدار : ما ينقضي فيه من الحساب قدر ما يقضي بالعدل في خمسين ألف سنة من أيام الدنيا . وقال الحسن : نحوه . وقيل : لا يراد حقيقة العدد ، إنما أريد به طول الموقف يوم القيامة وما فيه من الشدائد ، والعرب تصف أيام الشدة بالطول وأيام الفرح بالقصر . قال الشاعر يصف أيام الفرح والسرور : ويوم كظل الرمح قصر طوله دم الزق عنا واصطفاق المزاهر والظاهر أن قوله :{ فِى يَوْمٍ } متعلق بتعرج . وقيل : بدافع ، والجملة من قوله :{ تَعْرُجُ } اعتراض . فاصبر صبرا جميلا ولما كانوا قد سألوا استعجال العذاب ، وكان السؤال على سبيل الاستهزاء والتكذيب ، وكانوا قد وعدوا به ، أمره تعالى بالصبر ، ومن جعله من السيلان فالمعنى : أنه أشرف على الوقوع ، ٦إنهم يرونه بعيدا والضمير في { يَرَوْنَهُ } عائد على العذاب أو على اليوم ، إذا أريد به يوم القيامة ، وهذا الاستبعاد هو على سبيل الإحالة منهم . ٧ونراه قريبا {وَنَرَاهُ قَرِيباً } : أي هيناً في قدرتنا ، غير بعيد علينا ولا متعذر ، وكل ما هو آت قريب ، والبعد والقرب في الإمكان لا في المسافة . ٨يوم تكون السماء . . . . . {يَوْمَ تَكُونُ } : منصوب بإضمار فعل ، أي يقع يوم تكون ، أو { يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ } كان كيت وكيت ، أو بقريباً ، أو بدل من ضمير نراه إذا كان عائداً على يوم القيامة . وقال الزمخشري : أو هو بدل من { فِى يَوْمٍ } فيمن علقه بواقع . انتهى . ولا يجوز هذا ، لأن { فِى يَوْمٍ } وإن كان في موضع نصب لا يبدل منه منصوب لأن مثل هذا ليس من المواضع التي تراعي في التوابع ، لأن حرف الجر فيها ليس بزائد ولا محكوم له بحكم الزائد كرب ، وإنما يجوز مراعاة المواضع في حرف الجر الزائد كقوله : يا بني لبينى لستما بيد إلا يداً ليست لها عضد ولذلك لا يجوز : مررت بزيد الخياط ، على مراعاة موضع بزيد ، ولا مررت بزيد وعمراً ، ولا غضبت على زيد وجعفراً ، ولا مررت بعمرو أخاك على مراعاة الموضع . فإن قلت : الحركة في يوم تكون حركة بناء لا حركة إعراب ، فهو مجرور مثل { فِى يَوْمٍ} قلت : لا يجوز بناؤه على مذهب البصريين لأنه أضيف إلى معرب ، لكنه يجوز على مذهب الكوفيين ، فيتمشى كلام الزمخشري على مذهبهم إن كان استحضره وقصده .{ كَالْمُهْلِ } : تقدم الكلام عليه في سورة الدخان ، { وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ } ، كما في القارعة ، ٩وتكون الجبال كالعهن لما نسفت طارت في الجو كالصوف المنفوش إذا طيرته الريح . قال الحسن : تسير الجبال مع الرياح ، ثم تنهد ، ثم تصير كالعهن ، ثم تنسف فتصير هباء . ١٠انظر تفسير الآية:١١ ١١ولا يسأل حميم . . . . . وقرأ الجمهور : { وَلاَ يَسْئَلُ } مبيناً للفاعل ، أي لا يسأله نصرة ولا منفعة لعلمه أنه لا يجد ذلك عنده . وقال قتادة : لا يسأله عن حاله لأنها ظاهرة . وقيل : لا يسأله أن يحمل عنه من أوزاره شيئاً ليأسه عن ذلك . وقيل : شفاعة . وقيل : حميماً منصوب على إسقاط عن ، أي عن حميم ، لشغله بما هو فيه . وقرأ أبو حيوة وشيبة وأبو جعفر والبزي : بخلاف عن ثلاثتهم مبنياً للمفعول ، أي لا يسأل إحضاره كل من المؤمن والكافر له سيما يعرف بها . وقيل : عن ذنوب حميمه ليؤخذ بها . {يُبَصَّرُونَهُمْ } : استئناف كلام . قال ابن عباس : في المحشر يبصر الحميم حميمه ، ثم يفرّ عنه لشغله بنفسه . وقيل : يبصرونهم في النار . وقيل : يبصرونهم فلا يحتاجون إلى السؤال والطلب . وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون يبصرونهم صفة ، أي حميماً مبصرين مصرفين إياهم . انتهى . و { حَمِيمٌ حَمِيماً } : نكرتان في سياق النفي فيعمان ، ولذلك جمع الضمير . وقرأ قتادة : يبصرونهم مخففاً مع كسر الصاد ، أي يبصر المؤمن الكافر في النار ، قاله مجاهد . وقال ابن زيد : يبصر الكافر من أضله في النار عبرة وانتقاماً وحزناً .{ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ } : أي الكافر ، وقد يندرج فيه المؤمن العاصي الذي يعذب . وقرأ الجمهور :{ مِنْ عَذَابِ } مضافاً ؛ وأبو حيوة بفتحها . ١٢وصاحبته وأخيه {وَصَاحِبَتِهِ } : زوجته ، ١٣وفصيلته التي تؤويه {وَفَصِيلَتِهِ } : أقرباؤه الأدنون ، { تُوِيهِ } : تضمه انتماء إليها ، أو لياذاً بها في النوائب . ١٤ومن في الأرض . . . . . {ثُمَّ يُنجِيهِ } : عطف على { يَفْتَدِي } : أي ينجيه بالافتداء ، أو من تقدم ذكرهم . وقرأ الزهري : تؤويه وتنجيه بضم الهاءين . ١٥انظر تفسير الآية:١٧ ١٧كلا إنها لظى {كَلاَّ } : ردع لودادتهم الافتداء وتنبيه على أنه لا ينفع .{ أَنَّهَا } : الضمير للقصة ، و { لَظَى نَزَّاعَةً } : تفسير لها أو للنار الدال عليها ، { عَذَابِ يَوْمِئِذٍ } و { لَظَى } بدل من الضمير ، و { نَزَّاعَةً } خبر إن أو خبر مبتدأ ، و { لَظَى } خبر إن : أي هي نزاعة ، أو بدل من { لَظَى } ،أو خبر بعد خبر . كل هذا ذكروه ، وذلك على قراءة الجمهور برفع نزاعة . وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون ضميراً مبهماً ترجم عنه الخبر . انتهى . ولا أدري ما هذا المضمر الذي ترجم عنه الخبر وليس هذا من المواضع التي يفسر فيها المفرد الضمير ، ولولا أنه ذكر بعد هذا أو ضمير القصة ، لحملت كلامه عليه . وقرأ ابن أبي عبلة وأبو حيوة والزعفراني وابن مقسم وحفص واليزيدي : في اختياره نزاعة بالنصب ، فتعين أن يكون لظى خبراً لأن ، والضمير في إنها عائد على النار الدال عليها عذاب ، وانتصب نزاعة على الحال المؤكدة أو المبينة ، والعامل فيها لظى ، وإن كان عاملاً لما فيه من معنى التلظي ، كما عمل العلم في الظرف في قوله : أنا أبو المنهال بعض الأحيان أي : المشهور بعض الاحيان ، أو على الاختصاص للتهويل ، قاله الزمخشري ، وكأنه يعني القطع . فالنصب فيها كالرفع فيها ، إذا أضمرت هو فتضمر هنا ، أعني تدعو ، أي حقيقة يخلق اللّه فيها الكلام كما يخلقه في الأعضاء ، قاله ابن عباس وغيره ، تدعوهم بأسمائهم وأسماء آبائهم . وقال الزمخشري : وكما خلقه في الشجرة . انتهى ، فلم يترك مذهب الاعتزال . وقال الخليل : مجاز عن استدنائها منهم وما توقعه بهم من عذابها . وقال ثعلب : يهلك ، تقول العرب : دعا اللّه ، أي أهلكك ، وحكاه الخليل عن العرب ، قال الشاعر : ليالي يدعوني الهوى فأجيبه وأعين من أهوى إليّ رواني وقال آخر : ترفع للعيان وكل فج طباه الدعى منه والخلاء ويصف ظليماً وطباه : أي دعاه والهوى ، والدعى لا يدعوان حقيقة ، ولكنه لما كان فيهما ما يجذب صاراً داعيين مجازاً . وقيل : تدعو ، أي خزنة جهنم ، أضيف دعاؤهم إليها ، { مَنْ أَدْبَرَ } عن الحق وتولى ، ١٨وجمع فأوعى {وَجَمَعَ فَأَوْعَى } : أي وجمع المال ، فجعله في وعاء وكنزه ولم يؤد حق اللّه فيه ، وهذه إشارة إلى كفار أغنياء . وقال الحكيم : كان عبد اللّه بن حكيم لا يربط كيسه ويقول : سمعت اللّه يقول :{ وَجَمَعَ فَأَوْعَى} ١٩انظر تفسير الآية:٢١ ٢١إن الإنسان خلق . . . . . {إِنَّ الإنسَانَ } جنس ، ولذلك استثنى منه { إِلاَّ الْمُصَلّينَ} وقيل : الإشارة إلى الكفار . وقال ثعلب : قال لي محمد بن عبد اللّه بن طاهر : ما الهلع ؟ فقلت : قد فسره اللّه تعالى ، ولا يكون تفسير أبين من تفسيره ، وهو الذي إذا ناله شر أظهر شدة الجزع ، وإذا ناله خير بخل به ومنعه الناس . انتهى . ولما كان شدة الجزع والمنع متمكنة في الإنسان ، جعل كأنه خلق محمولاً عليهما كقوله :{ خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } ، والخير المال . ٢٢انظر تفسير الآية:٢٣ ٢٣إلا المصلين {إِلاَّ الْمُصَلّينَ } : استثناء كما قلنا من الإنسان ، ولذلك وصفهم بما وصفهم به من الصبر على المكاره والصفات الجميلة التي حاوروها . وقرأ الجمهور :{ عَلَى صَلاَتِهِمْ } بالإفراد ؛ والحسن جمعاً ؛ وديمومتها ، قال الجمهور : المواظبة عليها . وقال ابن مسعود : صلاتها لوقتها . وقال عقبة بن عامر : يقرون فيها ولا يلتفتون يميناً ولا شمالاً ، ومنه المال الدائم . وقال الزمخشري : دوامهم عليها أن يواظبوا على أدائها ولا يشتغلون عنها بشيء ، ومحافظتهم عليها أن يراعوا إسباغ الوضوء لها ومواقيتها ويقيموا أركانها ويكملوها بسننها وأدائها ويحفظونها من الإحباط باقتران المآثم ، والدوام يرجع إلى أنفس الصلوات والمحافظة على أحوالها . انتهى ، وهو جوابه لسؤاله : فإن قلت : كيف قال :{ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ } ، ٣٣انظر تفسير الآية:٣٤ ٣٤والذين هم بشهاداتهم . . . . . ثم قال : { عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ} وأقول : إن الديمومة على الشيء والمحافظة عليه شيء واحد ، لكنه لما كانت الصلاة هي عمود الإسلام بولغ في التوكيد فيها ، فذكرت أول خصال الإسلام المذكورة في هذه السورة وآخرها ، ليعلم مرتبتها في الأركان التي بني الإسلام عليها ، والصفات التي بعد هذه تقدم تفسيرها ، ومعظمها في سورة قد أفلح المؤمنون . وقرأ الجمهور : بشهادتهم على الإفراد ؛ والسلمي وأبو عمر وحفص : على الجمع . ٣٦فمال الذين كفروا . . . . . كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي عند الكعبة ويقرأ القرآن ، فكانوا يحتفون به حلقاً حلقاً يسمعون ويستهزؤون بكلامه ويقولون : إن دخل هؤلاء الجنة ، كما يقول محمد ، فلندخلنها قبلهم ، فنزلت . وتقدم شرح { مُهْطِعِينَ } في سورة إبراهيم على ه السلام ، ومعنى { قَبْلِكَ } : أي في الجهة التي تليك ، ٣٧عن اليمين وعن . . . . . {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشّمَالِ } : أي عن يمينك وشمالك . وقيل : نزلت في المستهزئين الخمسة . ٣٨أيطمع كل امرئ . . . . . وقرأ الجمهور : { أَن يُدْخَلَ } مبنياً للمفعول ؛ وابن يعمر والحسن وأبو رجاء وزيد بن عليّ وطلحة والمفضل عن عاصم : مبنياً للفاعل . ٣٩كلا إنا خلقناهم . . . . . {كَلاَّ } : ردّ وردع لطماعيتهم ، إذ أظهروا ذلك ، وإن كانوا لا يعتقدون صحة البعث ، ولا أن ثم جنة ولا ناراً . {إِنَّا خَلَقْنَاهُم مّمَّا يَعْلَمُونَ } : أي أنشأناهم من نطفة مذرة ، فنحن قادرون على إعادتهم وبعثهم يوم القيامة ، وعلى الاستبدال بهم خيراً منهم ، قيل : بنفس الخلق ؛ ومنته عليهم بذلك يعطي الجنة ، بل بالإيمان والعمل الصالح . وقال قتادة في تفسيرها : إنما خلقت من قذر يا ابن آدم . وقال أنس : كان أبو بكر إذا خطبنا ذكر مناتن ابن آدم ومروره في مجرى البول مرتين ، وكذلك نطفة في الرحم ، ثم علقة ، ثم مضغة إلى أن يخرج فيتلوث في نجاسته طفلاً . فلا يقلع أبو بكر حتى يقذر أحدنا نفسه ، فكأنه قيل : إذا كان خلقكم من نطفة مذرة ، فمن أين تتشرّفون وتدعون دخول الجنة قبل المؤمنين ؟ وأبهم في قوله :{ مّمَّا يَعْلَمُونَ } ، وإن كان قد صرّح به في عدّة مواضع إحالة على تلك المواضع . ورأى مطرف بن عبد اللّه بن الشخير المهلب بن أبي صفرة يتبختر في مطرف خز وجبة خز ، فقال له : يا عبد اللّه ، ما هذه المشية التي يبغضها اللّه تعالى ؟ فقال له : أتعرفني ؟ قال : نعم ، أوّلك نطفة مذرة ، وآخرك جيفة قذرة ، وأنت تحمل عذرة . فمضى المهلب وترك مشيته . ٤٠فلا أقسم برب . . . . . وقرأ الجمهور : { فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ } ، لا نفياً وجمعهما وقوم بلام دون ألف ؛ وعبد اللّه بن مسلم وابن محيصن والجحدري : المشرق والمغرب مفردين . ٤١على أن نبدل . . . . . أقسم تعالى بمخلوقاته على إيجاب قدرته ، على أن يبدل خيراً منهم ، وأنه لا يسبقه شيء إلى ما يريد . ٤٢فذرهم يخوضوا ويلعبوا . . . . . {فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ } : وعيد ، وما فيه من معنى المهادنة هو منسوخ بآية السيف . وقرأ أبو جعفر وابن محيصن : يلقوا مضارع لقى ، والجمهور :{ يُلَاقُواْ } مضارع لاقى ؛ ٤٣يوم يخرجون من . . . . . والجمهور : { يُخْرِجُونَ } مبنياً للفاعل . قال ابن عطية : وروى أبو بكر عن عاصم مبنياً للمفعول ، و { يَوْمٍ } بدل من { يَوْمَهُمُ} وقرأ الجمهور : نصب بفتح النون وسكون الصاد ؛ وأبو عمران الجوني ومجاهد : بفتحهما ؛ وابن عامر وحفص : بضمهما ؛ والحسن وقتادة : بضم النون وسكون الصاد . والنصب : ما نصب للإنسان ، فهو يقصده مسرعاً إليه من علم أو بناء أو صنم ، وغلب في الأصنام حتى قيل الأنصاب . وقال أبو عمرو : هو شبكة يقع فيها الصيد ، فيسارع إليها صاحبها مخافة أن يتفلت الصيد منها . وقال مجاهد : نصب علم ، ومن قرأ بضمهما ، قال ابن زيد : أي أصنام منصوبة كانوا يعبدونها . وقال الأخفش : هو جمع نصب ، كرهن ورهن ، والأنصاب جمع الجمع . يوفضون : يسرعون . وقال أبو العالية : يستبقون إلى غايات . قال الشاعر : فوارس ذبيان تحت الحديد كالجن يوفضن من عبقر وقال آخر في معنى الإسراع : لأنعتنّ نعامة ميفاضا حرجاء ظلت تطلب الاضاضا وقال ابن عباس وقتادة : يسعون ، وقال الضحاك : ينطلقون ، وقال الحسن : يبتدرون . ٤٤خاشعة أبصارهم ترهقهم . . . . . وقرأ الجمهور : { ذِلَّةٌ } منوناً .{ ذَلِكَ الْيَوْمُ } : برفع الميم مبتدأ وخبر . وقرأ عبد الرحمن بن خلاد ، عن داود بن سالم ، عن يعقوب والحسن بن عبد الرحمن ، عن التمار : ذلة بغير تنوين مضافاً إلى ذلك ، واليوم بخفض الميم . |
﴿ ٠ ﴾