٥

وأنه تعالى جد . . . . .

{وَأَنَّهُ تَعَالَى } وما بعده ، وهي اثنتا عشرة آية آخرها { وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ } ؛ وباقي السبعة : بالكسر . فأما الكسر فواضح لأنها معطوفات على قوله :{ إِنَّا سَمِعْنَا } ، فهي داخلة في معمول القول .

وأما الفتح ، فقال أبو حاتم : هو على { أَوْحَى } ، فهو كله في موضع رفع على ما لم يسم فاعله . انتهى . وهذا لا يصح ، لأن من المعطوفات ما لا يصح دخوله تحت { أَوْحَى } ، وهو كل ما كان فيه ضمير المتكلم ، كقوله :{ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} ألا ترى أنه لا يلائم { أُوحِىَ إِلَيْكَ } ،{ إِنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ } ، وكذلك باقيها ؟ وخرجت قراءة الفتح على أن تلك كلها معطوفة على الضمير المجرور في به من قوله :{ يَهْدِى إِلَى } : أي وبأنه ، وكذلك باقيها ، وهذا جائز على مذهب الكوفيين ، وهو الصحيح . وقد تقدم احتجاجنا على صحة ذلك في قوله :{ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}

وقال مكي : هو أجود في أن منه في غيرها لكثرة حذف حرف الجر مع أن . وقال الزجاج : وجهه أن يكون محمولاً على آمنا به ، لأنه معناه : صدقناه وعلمناه ، فيكون المعنى : فآمنا به أنه تعالى جد ربنا ؛ وسبقه إلى نحوه الفراء قال : فتحت أن لوقوع الإيمان عليها ، وأنت تجد الإيمان يحسن في بعض ما فتح دون بعض ، فلا يمنعك ذلك من إمضائهن على الفتح ، فإنه يحسن فيه ما يوجب فتح أن نحو : صدقنا وشهدنا .

وأشار الفراء إلى أن بعض ما فتح لا يناسب تسليط آمنا عليه ، نحو قوله : { وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللّه كَذِباً } ، وتبعهما الزمخشري فقال : ومن فتح كلهن فعطفاً على محل الجار والمجرور في آمنا به ، كأنه قيل : صدقناه وصدقنا أنه تعالى جد ربنا ، وأنه كان يقول سفيهنا ، وكذلك البواقي . انتهى . ولم يتفطن لما تفطن له الفراء من أن بعضها لا يحسن أن يعمل فيه آمنا .

وقرأ الجمهور :{ جَدُّ رَبّنَا } ، بفتح الجيم ورفع الدال ، مضافاً إلى ربنا : أي عظمته ، قاله الجمهور . وقال أنس والحسن : غناه . وقال مجاهد : ذكره .

وقال ابن عباس : قدره وأمره .

وقرأ عكرمة : جد منوباً ، ربنا مرفوع الباء ، كأنه قال : عظيم هو ربنا ، فربنا بدل ، والجد في اللغة العظيم .

وقرأ حميد بن قيس : جد بضم الجيم مضافاً ومعناه العظيم ، حكاه سيبويه ، وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف ، والمعنى : تعالى ربنا العظيم .

وقرأ عكرمة : جداً ربنا ، بفتح الجيم والدال منوناً ، ورفع ربنا وانتصب جداً على التمييز المنقول من الفاعل ، أصله { تَعَالَى جَدُّ رَبّنَا}

وقرأ قتادة وعكرمة أيضاً : جداً بكسر الجيم والتنوين نصباً ، ربنا رفع .

قال ابن عطية : نصب جداً على الحال ، ومعناه : تعالى حقيقة ومتمكناً . وقال غيره : هو صفة لمصدر محذوف تقديره : تعاليا جداً ، وربنا مرفوع بتعالى .

وقرأ ابن السميفع : جدي ربنا ، أي جدواه ونفعه .

وقرأ الجمهور :{ يَقُولُ سَفِيهُنَا } : هو إبليس .

وقيل : هو اسم جنس لكل سفيه ، وإبليس مقدم السفهاء . والشطط : التعدي وتجاوز الجد . قال الأعشى : أينتهون ولن ينهى ذوو شطط

كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل

ويقال : أشط في السوم إذا أبعد فيه ، أي قولا هو في نفسه شطط ، وهو نسبة الصاحبة والولد إلى اللّه تعالى .{ وَأَنَّا ظَنَنَّا } الآية : أي كنا حسنا الظن بالإنس والجن ، واعتقدنا أن أحداً لا يجترىء على أن يكذب على اللّه فينسب إليه الصاحبة والولد ، فاعتقدنا صحة ما أغوانا به إبليس ومردته حتى سمعنا القرآن فتبينا كذبهم .

وقرأ الجمهور :{ أَن لَّن تَقُولَ } مضارع قال ؛ والحسن والجحدري وعبد الرحمن بن أبي بكرة ويعقوب وابن مقسم : تقول مضارع تتقول ، حذفت إحدى التاءين وانتصب { كَذِبًا } في قراءة الجمهور بتقول ، لأن الكذب نوع من القول ، أو على أنه صفة لمصدر محذوف ، أي قولا كذباً ، أي مكذوباً فيه . وفي قراءة الشاذ على أنه مصدر لتقول ، لأنه هو الكذب ، فصار كقعدت جلوساً .

﴿ ٥