سورة المزملمكية بسم اللّه الرحمن الرحيم ١يا أيها المزمل تزمّل في ثوبه : التف ، وزمّل : لف . قال امرؤ القيس : كبير أناس في بجاد مزمّل وقال ذو الرمّة وكائن تخطت ناقتي من مفازة ومن نائم عن ليلها متزمّل تبتل إلى كذا : انقطع إليه ، ومنه هبة بتلة ، وطلقة بتلة ، والبتول وبتل الحبل . قال الليث : البتل تمييز الشيء من الشيء ، والبتول المرأة المنقطعة عن الرّجال لا شهوة لها ولا حاجة لها فيهم ، والتبتل : ترك النكاح والزهد فيه ، ومنه قول امرىء القيس : تضيء الظلام بالعشاء كأنها منارة ممسى راهب متبتل ومنه النهي عن التبتل : أي عن الانقطاع عن التزويج . ومنه قيل للراهب متبتل ، لانقطاعه عن الناس وانفراده للعبادة . والغصة : الشجي ، وهو ما ينشب بالحلق من عظم أو غيره ، وجمعها غصص ، والفعل غصصت ، فأنت غاص وغصان ، قال : كنت كالغصان بالماء اعتصاري الكثيب : الرمل المجتمع ، وجمعه كثب وكثبان في الكثرة ، وأكثبة في القلة . قال ذو الرمّة : فقلت لها لا إن أهلي جيرة لا كثبة الدهنا جميعاً ومالياً المهيل : الذي يمر تحت الرجل ، وهلت عليه التراب : صببته . وقال الكلبي : المهيل : الذي إذا وطئته القدم زل من تحتها ، وإذا أخذت أسفله انهال ، وأهلت لغة في هلت . الشيب : جمع أشيب . هذه السورة مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر . وقال ابن عباس وقتادة : إلا آيتين منها :{ وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ } والتي تليها ، ذكره الماوردي . وقال الجمهور : هي مكية إلا قوله تعالى :{ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ } الخ ، فإنه نزل بالمدينة . وسبب نزولها فيما ذكر الجمهور : أنه عليه الصلاة والسلام لما جاءه الملك في غار حراء وحاوره بما حاوره ، رجع إلى خديجة فقال : { زملوني زملوني } ، فنزلت : { رَّحِيمٌ يأَيُّهَا الْمُدَّثّرُ } ، وعلى هذا نزلت :{ عَدَداً يأَيُّهَا الْمُزَّمّلُ} قالت عائشة والنخعي وجماعة : ونودي بذلك لأنه كان في وقت نزول الآية متزملاً بكساء . وقال قتادة : كان تزمل في ثيابه للصلاة واستعد . فنودي على معنى : يا أيها المستعد للعبادة . وقال عكرمة : معناه المزمل للنبوة وأعبائها ، أي المشمر المجد ، فعلى هذا يكون التزمل مجازاً ، وعلى ما سبق يكون حقيقة . وما رووا أن عائشة رضي اللّه عنها سئلت : ما كان تزميله ؟ قالت : كان مرطاً طوله أربع عشرة ذراعاً ، نصفه عليّ وأنا نائمة ، ونصفه عليه ، إلى آخر الرواية ؛ كذب صراح ، لأن نزول { عَدَداً يأَيُّهَا الْمُزَّمّلُ } بمكة في أوائل مبعثة ، وتزويجه عائشة كان بالمدينة . ومناسبة هذه السورة لما قبلها : أن في آخر ما قبلها { عَالِمُ الْغَيْبِ } الآيات ، فأتبعه بقوله :{ عَدَداً يأَيُّهَا الْمُزَّمّلُ } ، إعلاماً بأنه صلى اللّه عليه وسلم ممن ارتضاه من الرسل وخصه بخصائص وكفاه شر أعدائه . وقرأ الجمهور : { الْمُزَّمّلُ } ، بشد الزاي وكسر الميم ، أصله المتزمل فأدغمت التاء في الزاي . وقرأ أبي : المتزمل على الأصل ؛ وعكرمة : بتخفيف الزاي . أي المزمل جسمه أو نفسه . وقرأ بعض السلف : بتخفيف الزاي وفتح الميم ، أي الذي لف . وللزمخشري في كيفية نداء اللّه له بهذا الوصف كلام ضربت عن ذكره صفحاً ، فلم أذكره في كتابي . وقال السهيلي : ليس المزمل باسم من أسمائه عليه الصلاة والسلام يعرف به ، وإنما هو مشتق من حالته التي كان التبس بها حالة الخطاب ، والعرب إذا قصدت الملاطفة بالمخاطب تترك المعاتبة نادوه باسم مشتق من حالته التي هو عليها ، كقول النبي صلى اللّه عليه وسلم لعليّ كرم اللّه وجهه وقد نام ولصق بجنبه التراب : { قم أبا تراب } ، إشعاراً بأنه ملاطف له ، فقوله : { عَدَداً يأَيُّهَا الْمُزَّمّلُ } فيه تأنيس وملاطفة . |
﴿ ١ ﴾