٤

بلى قادرين على . . . . .

و { لاَ أُقْسِمُ } ،قيل : لا نافية ، نفى أن يقسم بالنفس اللوّامة وأقسم بيوم القيامة ، نص على هذا الحسن ؛ والجمهور : على أن اللّه أقسم بالأمرين . واللوّامة ، قال الحسن : هي التي تلوم صاحبها في ترك الطاعة ونحوها ، فهي على هذا ممدوحة ، ولذلك أقسم اللّه بها . وروي نحوه عن ابن عباس وعن مجاهد ، تلوم على ما فات وتندم على الشر لم فعلته ، وعلى الخير لم لم تستكثر منه .

وقيل : النفس المتقية التي تلوم النفوس في يوم القيامة على تقصيرهنّ في التقوى .

وقال ابن عباس وقتادة : هي الفاجرة الخشعة اللوّامة لصاحبها على ما فاته من سعي الدنيا وأعراضها ، فهي على هذا ذميمة ، ويحسن نفي القسم بها . والنفس اللوّامة : اسم جنس بهذا الوصف .

وقيل : هي نفس معينة ، وهي نفس آدم عليه السلام ، لم تزل لائمة له على فعله الذي أخرجه من الجنة .

قال ابن عطية : وكل نفس متوسطة ليست بمطمئنة ولا أمّارة بالسوء فإنها لوّامة في الطرفين ، مرّة تلوم على ترك الطاعة ، ومرّة تلوم على فوت ما تشتهي ، فإذا اطمأنت خلصت وصفت . انتهى . والمناسبة بين القسمين من حيث أحوال النفس من سعادتها وشقاوتها وظهور ذلك في يوم القيامة ، وجواب القسم محذوف يدل عليه يوم القيامة المقسم به وما بعده من قوله :{ أَيَحْسَبُ } الآية ، وتقديره لتبعثن .

وقال الزمخشري :

فإن قلت : قوله تعالى :{ فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } ، والأبيات التي أنشدتها المقسم عليه فيها منفي ، وكان قد أنشد قول امرىء القيس : لا وأبيك ابنة العامري

لا يدعي القوم إني أفرّ

وقول غوية بن سلمى : ألا نادت أمامة باحتمالي

لتحزنني فلا بك ما أبالي

قال : فهلا زعمت أن لا التي للقسم زيدت موطئة للنفي بعده ومؤكدة له ، وقدرت المقسم عليه المحذوف ههنا منفياً ، نحو قولك :{ لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ } ، لا تتركون سدى ؟

قلت : لو قصروا الأمر على النفي دون الإثبات لكان لهذا القول مساغ ، ولكنه لم يقسم . ألا ترى كيف لقي { لاَ أُقْسِمُ بِهَاذَا الْبَلَدِ } بقوله :{ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِى كَبَدٍ } ، وكذلك { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ } ،{ إِنَّهُ لَقُرْءانٌ كَرِيمٌ } ؟ ثم

قال الزمخشري : وجواب القسم ما دل عليه قوله :{ أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن لَنْ نَّجْمَعَ عِظَامَهُ } ، وهو لتبعثن . انتهى ، وهو تقدير النحاس . وقول من قال جواب القسم هو :{ أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ} وما روي عن الحسن أن الجواب :{ بَلَى قَادِرِينَ } ، وما قيل أن لا في القسمين لنفيهما ، أي لا أقسم على شيء ، وأن التقدير : أسألك أيحسب الإنسان ؟ أقوال لا تصلح أن يرد بها ، بل تطرح ولا يسود بها الورق ، ولولا أنهم سردوها في الكتب لم أنبه عليها . والإنسان هنا الكافر المكذب بالبعث . روي أن عدي بن ربيعة قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : يا محمد ، حدّثني عن يوم القيامة متى يكون أمره ؟ فأخبره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك ولم أؤمن به ، أو يجمع اللّه هذه العظام بعد بلاها ، فنزلت .

وقيل : نزلت في أبي جهل ، كان يقول : أيزعم محمد صلى اللّه عليه وسلم أن يجمع اللّه هذه العظام بعد بلاها وتفرّقها فيعيدها خلقا

جديداً ؟

وقرأ الجمهور : { نَّجْمَعَ } بنون ، { عِظَامَهُ } نصباً ؛ وقتادة : بالتاء مبنياً للمفعول ، عظامه رفعاً ، والمعنى : بعد تفرّقها واختلاطها بالتراب وتطيير الرياح إياها في أقاصي الأرض . وقوله :{ أَيَحْسَبُ } استفهام تقرير وتوبيخ ، حيث ينكر قدرة اللّه تعالى على إعادة المعدوم .{ بَلَى } : جواب للاستفهام المنسخب على النفي ، أي بلى نجمهعا . وذكر العظام ، وإن كان المعنى إعادة الإنسان وجمع أجزائه المتفرقة ، لأن العظام هي قالب الخلق .

وقرأ الجمهور :{ قَادِرِينَ } بالنصب على الحال من الضمير الذي في الفعل المقدر وهو يجمعها ؛ وابن أبي عبلة وابن السميفع : قادرون ، أي نحن قادرون .{ عَلَى أَن نُّسَوّىَ بَنَانَهُ } : وهي الأصابع ، أكثر العظام تفرّقاً وأدقها أجزاء ، وهي العظام التي في الأنامل ومفاصلها ، وهذا عند البعث .

وقال ابن عباس والجمهور : المعنى نجعلها في حياته هذه بعضة ، أو عظماً واحداً كخف البعير لا تفاريق فيه ، أي في الدنيا فتقل منفعته بها ، وهذا القول فيه توعد ، والمعنى الأول هو الظاهر والمقصود من رصف الكلام . وذكر الزمخشري هذين القولين بألفاظ منمقة على عادته في حكاية أقوال المتقدمين .

وقيل :{ قَادِرِينَ } منصوب على خبر كان ، أي بلى كنا قادرين في الابتداء .

﴿ ٤