سورة المرسلاتمكية بسم اللّه الرحمن الرحيم ١والمرسلات عرفا فرجت الشيء : فتحته فانفرج ، قال الراجز : الفارجو باب الأمير المبهم كفت : ضم وجمع ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : { اكفتوا صبيانكم} . ومنه قيل ليقبع الغرقد : كفت وكفته ، والكفات اسم لما يكفت ، كالضمام والجماع ؛ يقال : هذا الباب جماع الأبواب ، وقال الصمصامة بن الطرماح فأنت اليوم فوق الأرض حي وأنت غدا تضمك في كفات وقال أبو عبيدة : الكفات : الوعاء . شمخ : ارتفع . الشرر : ما تطاير من النار متبدّداً في كل جهة ، واحده شرارة ، ولغة تميم : شرار بالألف واحده شرارة . القصر : الدار الكبيرة المشيدة ، والقصر : قطع من الخشب قدر الذراع وفوقه ودونه يستعد به للشتاء ، واحده قصرة ؛ والقصر ، بفتح الصاد : أعناق الإبل والنخل والناس ، واحده قصرة ؛ وبكسر القاف وفتح الصاد جمع قصرة ، كحلقة من الحديد وحلق ، واللّه تعالى أعلم . هذه السورة مكية . وحكي عن ابن عباس وقتادة ومقاتل أن فيها آية مدنية وهي :{ وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُواْ لاَ يَرْكَعُونَ} ومناسبتها لما قبلها ظاهرة جدّاً ، وهو أنه تعالى يرحم من يشاء ويعذب الظالمين ، فهذا وعد منه صادق ، فأقسم على وقوعه في هذه فقال :{ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَواقِعٌ} ولما كان المقسم به موصوفات قد حذفت وأقيمت صفاتها مقامها ، وقع الخلاف في تعيين تلك الموصوفات . فقال ابن مسعود وأبو هريرة وأبو صالح ومقاتل والفرّاء :{ وَالْمُرْسَلَاتِ } : الملائكة ، أرسلت بالعرف ضد النكر وهو الوحي ، فبالتعاقب على العباد طرفي النهار . وقال ابن عباس وجماعة : الأنبياء ، ومعنى عرفاً : إفضالاً من اللّه تعالى على عباده ، ومنه قول الشاعر : لا يذهب العرف بين اللّه والناس وانتصابه على أنه مفعول له ، أي أرسلن للإحسان والمعروف ، أو متتابعة تشبيهاً بعرف الفرس في تتابع شعره وأعراف الخيل . وتقول العرب : الناس إلى فلان عرف واحد إذا توجهوا إليه متتابعين ، وهم عليه كعرف الضبع إذا تألبوا عليه ، وانتصابه على الحال . وقال ابن مسعود أيضاً وابن عباس أيضاً ومجاهد وقتادة : الرّياح . وقال الحسن : السحاب . وقرأ الجمهور :{ عُرْفاً } بسكون الراء ، وعيسى : بضمها . ٢فالعاصفات عصفا {فَالْعَاصِفَاتِ } ، قال ابن مسعود : الشديدات الهبوب . وقيل : الملائكة تعصف بأرواح الكفار ، أي تزعجها بشدّة ، أو تعصف في مضيها كما تعصف الرّياح تحققاً في امتثال أمره . وقيل : هي الآيات المهلكة ، كالزلازل والصواعق والخسوف . ٣والناشرات نشرا {والنَّاشِراتِ } ، قال السدّي وأبو صالح ومقاتل : الملائكة تنشر صحف العباد بالأعمال . وقال الربيع : الملائكة تنشر الناس من قبورهم . وقال ابن مسعود والحسن ومجاهد وقتادة : الرّياح تنشر رحمة اللّه ومطره . وقال أبو صالح : الأمطار تحيي الأرض بالنبات . وقال الضحاك : الصحف تنشر على اللّه تعالى بأعمال العباد ، فعلى هذا تكون الناشرات على معنى النسب ، أي ذات النشر . ٤فالفارقات فرقا {فَالْفَارِقَاتِ } ، قال ابن عباس وابن مسعود وأبو صالح ومجاهد والضحاك : الملائكة تفرق بين الحق والباطل ، والحلال والحرام . وقال قتادة والحسن وابن كيسان : آيات القرآن فرقت بين الحلال والحرام . وقال مجاهد أيضاً : الرّياح تفرق بين السحاب فتبدّده . وقيل : الرسل ، حكاه الزجاج . وقيل : السحاب الماطر تشبيهاً بالناقة الفاروق ، وهي الحامل التي تجزع حين تضع . وقيل : العقول تفرق بين الحق والباطل ، والصحيح والفاسد . ٥فالملقيات ذكرا {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً } ، قال ابن عباس وقتادة والجمهور : الملائكة تلقي ما حملت من الوحي إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . وقال قطرب : الرسل تلقي ما أنزل عليها إلى الأمم . وقال الرّبيع : آيات القرآن ألقيت على النبي صلى اللّه عليه وسلم. واختار الزمخشري من الأقوال أن تكون { وَالْمُرْسَلَاتِ } إلى آخر الأوصاف : إما للملائكة ، وإما للرّياح . ٦عذرا أو نذرا فللملائكة تكون عذراً للمحققين ، أو نذراً للمبطلين ؛ وللرّياح يكون المعنى : فألقين ذكراً ، إما عذراً للذين يعتذرون إلى اللّه تعالى بتوبتهم واستغفارهم إذا رأوا نعمة اللّه في الغيث ويشكرونها ، وإما إنذاراً للذين يغفلون عن الشكر للّه وينسبون ذلك إلى الأنواء ، وجعلن ملقيات للذكر لكونهن سبباً في حصوله إذا شكرت النعمة فيهن ، أو كفرت ، قاله الزمخشري . والذي أراه أن المقسم به شيئان ، ولذلك جاء العطف بالواو في { والنَّاشِراتِ } ، والعطف بالواو يشعر بالتغاير ، بل هو موضوعه في لسان العرب . وأما العطف بالفاء إذا كان في الصفات ، فيدل على أنها راجعة إلى العاديات ، وهي الخيل ؛ وكقوله : يا لهف زيابة للحارث فالصا بح فالغانم فالآيب فهذه راجعة لموصوف واحد وهو الحارث . فإذا تقرر هذا ، فالظاهر أنه أقسم أولاً بالرياح ، فهي مرسلاته تعالى ، ويدل عليه عطف الصفة بالفاء ، كما قلنا ، وأن العصف من صفات الريح في عدّة مواضع من القرآن . والقسم الثاني فيه ترق إلى أشرف من المقسم به الأول وهم الملائكة ، ويكون { فَالْفَارِقَاتِ } ،{ فَالْمُلْقِيَاتِ } من صفاتهم ، كما قلنا في عطف الصفات وإلقاؤهم الذكر ، وهو ما أنزل اللّه ، يصح إسناده إليهم . وقرأ الجمهور :{ فَالْمُلْقِيَاتِ } اسم فاعل خفيف ، أي نطرقه إليهم ؛ وابن عباس : مشدد من التلقية ، وهي أيضاً إيصال الكلام إلى المخاطب . يقال : لقيته الذكر فتلقاه . وقرأ أيضاً ابن عباس ، فيما ذكره المهدوي : بفتح اللام والقاف مشددة اسم مفعول ، أي تلقته من قبل اللّه تعالى . وقرأ إبراهيم التيمي والنحويان وحفص :{ عُذْراً أَوْ نُذْراً } بسكون الذالين ؛ وزيد بن ثابت وابن خارجة وطلحة وأبو جعفر وأبو حيوة وعيسى والحسن : بخلاف ؛ والأعشى ، عن أبي بكر : بضمهما ؛ وأبو جعفر أيضاً وشيبة وزيد بن علي والحرميان وابن عامر وأبو بكر : بسكونها في عذراً وضمها في نذراً ، فالسكون على أنهما مصدران مفردان ، أو مصدران جمعان . فعذراً جمع عذير بمعنى المعذرة ، ونذراً جمع نذير بمعنى الإنذار . وانتصابهما على البدل من { ذِكْراً } ، كأنه قيل : فالملقيات عذراً أو نذراً ، أو على المفعول من أجله ، أو على أنهما مصدران في موضع الحال ، أي عاذرين أو منذرين . ويجوز مع الإسكان أن يكونا جمعين على ما قررناه . وقيل : يصح انتصاب { عُذْراً أَوْ نَذِيراً } على المفعول به بالمصدر الذي هو { ذِكْراً } ،أي فالملقيات ، أي فذكروا عذراً ، وفيه بعد لأن المصدر هنا لا يراد به العمل ، إنما يراد به الحقيقة لقوله :{ أَءلْقِىَ عَلَيْهِ الذّكْرُ} والإعذار هي بقيام الحجة على الخلق ، والإنذار هو بالعذاب والنقمة . ٧إنما توعدون لواقع {إِنَّمَا تُوعَدُونَ } : أي من الجزاء بالثواب والعقاب ، { لَوَاقِعٌ } : وما موصولة ، وإن كانت قد كتبت موصولة بأن . وهذه الجملة هي المقسم عليها . وقرأ الجمهور :{أَوْ نُذْراً } بواو التفصيل ؛ وإبراهيم التيمي : ونذراً بواو العطف . ٨فإذا النجوم طمست {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ } : أي أذهب نورها فاستوت مع جرم السماء ، أو عبر عن إلحاق ذواتها بالطمس ، وهو انتثارها وانكدارها ، أو أذهب نورها ثم انتثرت ممحوقة النور . ٩وإذا السماء فرجت {وَإِذَا السَّمَاء فُرِجَتْ } : أي صار فيها فروج بانفطار . وقرأ عمرو بن ميمون : طمست ، فرجت ، بشد الميم والراء ؛ والجمهور : بخفهما . ١٠وإذا الجبال نسفت {وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ } : أي فرقتها الرياح ، وذلك بعد التسيير وقبل كونها هباء . ١١وإذا الرسل أقتت وقرأ الجمهور : { أُقّتَتْ } بالهمز وشد القاف ؛ وبتخفيف القاف والهمز النخعي والحسن وعيسى وخالد . وقرأ أبو الأشهب وعمرو بن عبيد وعيسى أيضاً وأبو عمرو : بالواو وشد القاف . قال عيسى : وهي لغة سفلى مضر . وعبد اللّه والحسن وأبو جعفر : بواو واحدة وخف القاف ؛ والحسن أيضاً : وقتت بواوين على وزن فوعلت ، والمعنى : جعل لها وقت منتظر فحان وجاء ، أو بلغت ميقاتها الذي كانت تنتظره وهو يوم القيامة ، والواو في هذا كله أصل والهمزة بدل . قال الزمخشري : ومعنى توقيت الرسل : تبيين وقتها الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم ، وجواب إذا محذوف لدلالة ما قبله عليه وتقديره : إذا كان كذا وكذا وقع ما توعدون . ١٢لأي يوم أجلت {لايّ يَوْمٍ أُجّلَتْ } : تعظيم لذلك اليوم ، وتعجيب لما يقع فيه من الهول والشدة . والتأجيل من الأجل ، أي ليوم عظيم أخرت ، ١٣ليوم الفصل {لِيَوْمِ الْفَصْلِ } : أي بين الخلائق . ١٥ويل يومئذ للمكذبين {وَيْلٌ } : تقدم الكلام فيه في أول ثاني حزب من سورة البقرة ، يومئذ : يوم إذ طمست النجوم وكان ما بعدها . ١٦ألم نهلك الأولين وقرأ الجمهور : { نُهْلِكِ الاْوَّلِينَ } بضم النون ، وقتادة : بفتحها . قال الزمخشري : من هلكه بمعنى أهلكه . قال العجاج : ومهمه هالك من تعرجا وخرج بعضهم هالك من تعرجاً على أن هالكاً هو من اللازم ، ومن موصول ، فاستدل به على أن الصفة المشبهة باسم الفاعل قد يكون معمولهاً موصولاً . ١٧ثم نتبعهم الآخرين وقرأ الجمهور : { نُتْبِعُهُمُ } بضم العين على الاستئناف ، وهو وعد لأهل مكة . ويقوي الاستئناف قراءة عبد اللّه : ثم سنتبعهم ، بسين الاستقبال ؛ والأعرج والعباس عن أبي عمرو : بإسكانها ؛ فاحتمل أن يكون معطوفاً على { نُهْلِكِ } ، واحتمل أن يكون سكن تخفيفاً ، كما سكن { وَمَا يُشْعِرُكُمْ } ، فهو استئناف . فعلى الاستئناف يكون الأولين الأمم التي تقدمت قريشاً أجمعاً ، ويكون الآخرين من تأخر من قريش وغيرهم . وعلى التشريك يكون الأولين قوم نوح وإبراهيم عليهما السلام ومن كان معهم ، والآخرين قوم فرعون ومن تأخر وقرب من مدة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. والإهلاك هنا إهلاك العذاب والنكال ، ١٨كذلك نفعل بالمجرمين ولذلك جاء { كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ } ، فأتى بالصفة المقتضية لإهلاك العذاب وهي الإجرام . ٢٠ألم نخلقكم من . . . . . ولما ذكر إفناء الأولين والآخرين ، ذكر ووقف على أصل الخلقة التي يقتضي النظر فيها تجويز البعث ، { مّن مَّاء مَّهِينٍ } : أي ضعيف هو مني الرجل والمرأة ، ٢١فجعلناه في قرار . . . . . {فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ } : وهو الرحم ، ٢٢إلى قدر معلوم {إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ } : أي عند اللّه تعالى ، وهو وقت الولادة . ٢٣فقدرنا فنعم القادرون وقرأ عليّ بن أبي طالب : فقدرنا بشد الدال من التقدير ، كما قال : { مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ } ؛ وباقي السبعة : بخفها من القدرة ؟ ٢٥انظر تفسير الآية:٢٦ ٢٦ألم نجعل الأرض . . . . . وانتصب { أَحْيَاء وَأَمْواتاً } بفعل يدل عليه ما قبله ، أي يكفت أحياء على ظهرها ، وأمواتاً في بطنها . واستدل بهذا من قال : إن النباش يقطع ، لأن بطن الأرض حرز للكفن ، فإذا نبش وأخذ منه فهو سارق . وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون المعنى : نكفتكم أحياء وأمواتاً ، فينتصبا على الحال من الضمير لأنه قد علم أنها كفات الإنس . انتهى . ٢٧وجعلنا فيها رواسي . . . . . و { رَوَاسِىَ } : جبالاً ثابتات ، { شَامِخَاتٍ } : مرتفعات ، ومنه شمخ بأنفه : ارتفع ، شبه المعنى بالجرم .{ وَأَسْقَيْنَاكُم } : جعلناه سقياً لمزراعكم ومنافعكم . ٢٩انطلقوا إلى ما . . . . . يقال للمكذبين : { انطَلِقُواْ إِلَى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ } : أي من العذاب . ٣٠انظر تفسير الآية:٣١ ٣١انطلقوا إلى ظل . . . . . {انطَلِقُواْ إِلَى ظِلّ } : أمر ، قراءة الجمهور تكراراً أو بيان للمنطلق إليه . وقرأ رويس عن يعقوب : بفتح اللام على معنى الخبر ، كأنهم لما أمروا امتثلوا فانطلقوا ، إذ لا يمكنهم التأخير ، إذ صاروا مضطرين إلى الانطلاق ؛ { ذِى ثَلَاثِ شُعَبٍ } ، قال عطاء : هو دخان جهنم . وروي أنه يعلو من ثلاثة مواضع ، يظن الكفار أنه مغن من النار ، فيهرعون إليه فيجدونه على أسوإ وصف . وقال ابن عباس : يقال ذلك لعبدة الصليب . فالمؤمنون في ظل اللّه عز وجل ، وهم في ظل معبودهم وهو الصليب له ثلاث شعب ، والشعب : ما تفرق من جسم واحد .{ لاَّ ظَلِيلٍ } : نفي لمحاسن الظل ، { وَلاَ يُغْنِى } : أي ولا يغني عنهم من حر اللّهب شيئاً . ٣٢إنها ترمي بشرر . . . . . {إِنَّهَا تَرْمِى بِشَرَرٍ } : الضمير في إنها لجهنم . وقرأ الجمهور :{ بِشَرَرٍ } ، وعيسى : بشرار بألف بين الراءين ، وابن عباس وابن مقسم كذلك ، إلا أنه كسر الشين ، فاحتمل أن يكون جمع شرر ، أي بشرار من العذاب ، وأن يكون صفة أقيمت مقام موصوفها ، أي بشرار من الناس ، كما تقول : قوم شرار جمع شر غير أفعل التفضيل ، وقوم خيار جمع خير غير أفعل التفضيل ؛ ويؤنث هذا فيقال للمؤنث شرة وخيره بخلافهما ، إذا كانا للتفضيل ، فلهما أحكام مذكورة في النحو . وقرأ الجمهور :{ كَالْقَصْرِ } ؛ وابن عباس وابن جبير ومجاهد والحسن وابن مقسم : بفتح القاف والصاد ؛ وابن جبير أيضاً والحسن أيضاً : كالقصر ، بكسر القاف وفتح الصاد ؛ وبعض القراء : بفتح القاف وكسر الصاد ؛ وابن مسعود : بضمهما ، كأنه مقصور من القصور ، كما قصروا النجم والنمر من النجوم والنمور ، قال الراجز : فيها عنابيل أسود ونمر وتقدم شرح أكثر هذه القراآت في المفردات . ٣٣كأنه جمالة صفر وقرأ الجمهور ، ومنهم عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه : { جمالات } بكسر الجيم وبالألف والتاء ، جمع جمال جمع الجمع وهي الإبل ، كقولهم : رجالات قريش ؛ وابن عباس وقتادة وابن جبير والحسن وأبو رجاء : بخلاف عنهم كذلك ، إلا أنهم ضموا الجيم ، وهي جمال السفن ، الواحد منها جملة لكونه جملة من الطاقات والقوى ، ثم جمع على جمل وجمال ، ثم جمع جمال ثانياً جمع صحة فقالوا : جمالات . وقيل : الجمالات : قلوص الجسور . وقرأ حمزة والكسائي وحفص وأبو عمرو في رواية الأصمعي ، وهارون عنه : جمالة بكسر الجيم ، لحقت جمالاً التاء لتأنيث الجمع ، كحجر وحجارة . وقرأ ابن عباس والسلمي والأعمش وأبو حيوة وأبو نحرية وابن أبي عبلة ورويس : كذلك ، إلا أنهم ضموا الجيم . قال ابن عباس وابن جبير : الجمالات : قلوص السفن ، وهي حباله العظام ، إذا اجتمعت مستديرة بعضها إلى بعض جاء منها أجرام عظام . وقال ابن عباس أيضاً : الجمالات : قطع النحاس الكبار ، وكان اشتقاق هذه من اسم الجملة . وقرأ الحسن : صفر ، بضم الفاء ؛ والجمهور : بإسكانها ، شبه الشرر أولاً بالقصر ، وهو الحصن من جهة العظم ومن جهة الطول في الهواء ؛ وثانياً بالجمال لبيان التشبيه . ألا تراهم يشبهون الإبل بالأفدان ، وهي القصور ؟ قال الشاعر : فوقفت فيها ناقتي فكأنها فدن لأقصى حاجة المتلوم ومن قرأ بضم الجيم ، فالتشبيه من جهة العظم والطول . والصفرة الفاقعة أشبه بلون الشرر ، قاله الجمهور : وقيل : صفر سود ، وقيل : سود تضرب إلى الصفرة . وقال عمران بن حطان الرقاشي : دعتهم بأعلى صوتها ورمتهم بمثل الجمال الصفر نزاعة الشوى ٣٥هذا يوم لا . . . . . وقرأ الأعمش والأعرج وزيد بن علي وعيسى وأبو حيوة وعاصم في رواية : { لّلْمُكَذّبِينَ هَاذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ } ، بفتح الميم ؛ والجمهور : برفعها . قال ابن عطية : لما أضاف إلى غير متمكن بناه فهي فتحة بناء ، وهي في موضع رفع . وقال صاحب اللوامح : قال عيسى : هي لغة سفلى مضر ، يعني بناءهم يوم مع لا على الفتح ، لأنهم جعلوا يوم مع لا كالاسم الواحد ، فهو في موضع رفع لأنه خبر المبتدأ . انتهى . والجملة المصدرة بمضارع مثبت أو منفي لا يجيز البصريون في الظرف المضاف إليها البناء بوجه ، وإنما هذا مذهب كوفي . قال صاحب اللوامح : ويجوز أن يكون نصباً صحيحاً على الظرف ، فيصير هذا إشارة إلى ما تقدمه من الكلام دون إشارة إلى يوم ، ويكون العامل في نصب يوم نداء تقدمه من صفة جهنم ، ورميها بالشرر في يوم لا ينطقون ، فيكون يومئذ كلام معترض لا يمنع من تفريغ العامل للمعمول ، كما كانت { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} انتهى . و قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون ظرفاً ، وتكون الإشارة بهذا إلى رميها بشرر . وقال الزمخشري : ونصبه الأعمش ، أي هذا الذي قص عليكم واقع يومئذ ، وهنا نفي نطقهم . وقد أخبر اللّه تعالى عنهم أنهم نطقوا في مواضع من هذا اليوم ، وذلك باعتبار طول اليوم ، فيصح أن ينفي القول فيه في وقت ويثبت في وقت ، أو نفي نطقهم بحجة تنفع وجعل نطقهم بما لا ينفع كلا نطق . ٣٦ولا يؤذن لهم . . . . . وقرأ القراء كلهم فيما أعلم : { وَلاَ يُؤْذَنُ } مبنياً للمفعول . وحكى أبو علي الأهوازي أن زيد بن علي قرأ : ولا يأذن ، مبنياً للفاعل ، أي اللّه تعالى ، { فَيَعْتَذِرُونَ } : عطف على { وَلاَ يُؤْذَنُ } داخل في حيز نفي الإذن ، أي فلا إذن فاعتذار ، ولم يجعل الاعتذار متسبباً عن الإذن فينصب . و قال ابن عطية : ولم ينصب في جواب النفي لتشابه رؤوس الآي ، والوجهان جائزان . انتهى . فجعل امتناع النصب هو تشابه رؤوس الآي وقال : والوجهان جائزان ، فظهر من كلامه استواء الرفع والنصب وأن معناهما واحد ، وليس كذلك لأن الرفع كما ذكرنا لا يكون متسبباً بل صريح عطف ، والنصب يكون فيه متسبباً فافترقا . وذهب أبو الحجاج الأعلم إلى أن قد يرفع الفعل ويكون معناه المنصوب بعد الفاء وذلك قليل ، وإنما جعل النحويون معنى الرفع غير معنى النصب رعياً للأكثر في كلام العرب ، وجعل دليله ذلك ، وهذه الآية كظاهر كلام ابن عطية ، وقد رد ذلك عليه ابن عصفور وغيره . ٣٨هذا يوم الفصل . . . . . {هَاذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ } للكفار ، { وَالاْوَّلِينَ } : قوم نوح عليه السلام وغيرهم من الكفار الذين تقدم زمانهم على زمان المخاطبين ، أي جمعناكم للفصل بين السعداء والأشقياء . ٣٩فإن كان لكم . . . . . {فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ } : أي في هذا اليوم ، كما كان لكم في الدنيا ما تكيدون به دين اللّه وأولياءه ، { فَكِيدُونِ } اليوم ، وهذا تعجيز لهم وتوبيخ . ٤١إن المتقين في . . . . . ولما كان في سورة الإنسان ذكر نزراً من أحوال الكفار في الآخرة ، وأطنب في وصف أحوال المؤمنين فيها ، جاء في هذه السورة الإطناب في وصف الكفار والإيجاز في وصف المؤمنين ، فوقع بذلك الاعتدال بين السورتين . وقرأ الجمهور : { فِى ظِلَالٍ } جمع ظل ؛ والأعمش : في ظلل جمع ظلة . ٤٣كلوا واشربوا هنيئا . . . . . {كُلُواْ وَاشْرَبُواْ } : خطاب لهم في الآخرة على إضمار القول ، ويدل عليه { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ٤٦كلوا وتمتعوا قليلا . . . . . {كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ } : خطاب للكفار في الدنيا ، { قَلِيلاً } : أي زماناً قليلاً ، إذ قصارى أكلكم وتمتعكم الموت ، وهو خطاب تهديد لمن أجرم من قريش وغيرهم . ٤٨وإذا قيل لهم . . . . . {وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُواْ } : من قال إنها مكية ، قال هي في قريش ؛ ومن قال إن هذه الآية مدنية ، قال هي في المنافقين . وقال مقاتل : نزلت في ثقيف ، قالوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : حط عنا الصلاة فإنا لا ننحني إنها مسبة ، فأبى وقال : { لا خير في دين لا صلاة فيه} . ومعنى اركعوا : اخشعوا للّه وتواضعوا له بقبول وحيه . وقيل : الركوع هنا عبارة عن الصلاة ؛ وخص من أفعالها الركوع ، لأن العرب كانوا يأنفون من الركوع والسجود . ٤٩ويل يومئذ للمكذبين وجاه في هذه السورة بعد كل جملة قوله : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ } ، لأن كل جملة منها فيها إخبار اللّه تعالى عن أشياء من أحوال الآخرة وتقريرات من أحوال الدنيا ، فناسب أن نذكر الوعيد عقيب كل جملة منها للمكذب بالويل في يوم الآخرة . ٥٠فبأي حديث بعده . . . . . والضمير في { بَعْدِهِ } عائد على القرآن ، والمعنى أنه قد تضمن من الإعجاز والبلاغة والإخبار المغيبات وغير ذلك مما احتوى عليه ما لم يتضمنه كتاب إلهي ، فإذا كانوا مكذبين به ، فبأي حديث بعده يصدقون به ؟ أي لا يمكن تصديقهم بحديث بعد أن كذبوا بهذا الحديث الذي هو القرآن . وقرأ الجمهور : { يُؤْمِنُونَ } بياء الغيبة ؛ ويعقوب وابن عامر في رواية : بتاء الخطاب . |
﴿ ٠ ﴾