سورة النازعاتمكية بسم اللّه الرحمن الرحيم ١انظر تفسير الآية:٥ ٢انظر تفسير الآية:٥ ٣انظر تفسير الآية:٥ ٤انظر تفسير الآية:٥ ٥والنازعات غرقا أغرق في الشيء : بالغ فيه وأنهاه ، وأغرق النازع في القوس : بلغ غاية المد حتى ينتهي إلى النصل . والاستغراق : الاستيعاب ، والغرقى : قشرة البيضة . نشط البعير والإنسان ربطه وأنشطه : حله ، ومنه : وكأنما أنشط من عقال . ونشط : ذهب من قطر إلى قطر ، ولذلك قيل لبقر الوحش النواشط ، لأنهن يذهبن بسرعة من مكان إلى مكان ، ومنه قول الشاعر ، وهو هميان بن قحافة : أرى همومي تنشط المناشطا الشام بي طوراً وطوراً واسطا وكأن هذه اللفظة مأخوذة من النشاط . وقال أبو زيد : نشطت الحبل أنشطه نشطاً : عقدته أنشوطة ، وأنشطته : حللته ، وأنشطت الحبل : مددته . وقال الليث : أنشطته بأنشوطة : أي وثقته ، وأنشطت العقال : مددت أنشوطته فانحلت ، ويقال : نشط بمعنى أنشط ، والأنشوطة : عقدة يسهل إنحلالها إذا جدبت كعقدة التكة . وجف القلب وجيفاً : اضطرب من شدّة الفزع ، وكذلك وجب وجيباً . وفي كتاب لغات القرآن المروي عن ابن عباس ، واجفة : خائفة ، بلغة همدان . الحافرة ، يقال : رجع فلان في حافرته : أي في طريقه التي جاء منها ، فحفرها : أي أثر فيها بمشيه فيها ، جعل أثر قدميه حفراً ، وتوقعها العرب على أول أمر يرجع إليه من آخره ، ومنه قول الشاعر : أحافرة على صلع وشيب معاذ اللّه من سفه وعار أي : أأرجع إلى الصبا بعد الصلع والشيب ؟ الناخرة : المصوتة بالريح المجوّفة ، والنخرة بمعناها ، كطامع وطمع ، وحاذر وحذر ، قاله الفراء وأبو عبيد وأبو حاتم وجماعة . وقيل : النخرة : البالية المتعفنة الصائرة رميماً . نخر العود والعظم : بلي وتفتت ، فمعناه مغاير للناخرة ، وهو قول الأكثرين . وقال أبو عمرو بن العلاء : الناخرة : التي لم تنخر بعد ، والنخرة : التي قد بليت . قال الراجز لفرسه : أقدم أخانهم على الأساوره ولا تهولنك رؤوس نادره فإنما قصرك ترب الساهره حتى تعود بعدها في الحافره من بعد ما صرت عظاماً ناخره وقال الشاعر : وأخليتها من مخها فكأنها قوارير في أجوافها الريح تنخر ويروى : تصفر ونخرة الريح ، بضم النون : شدّة هبوبها ، والنخرة أيضاً : مقدم أنف الفرس والحمار والخنزير ، يقال : هشم نخرته . الساهرة : وجه الأرض والفلاة ، وصفت بما يقع فيها وهو السهر للخوف . وقال أمية بن أبي الصلت : وفيها لحم ساهرة وبحر وما فاهوا به لهم مقيم وقال أبو بكر الهذلي : يرتدن ساهرة كأن جميمها وعميمها أسداف ليل مظلم والساهور كالغلاف للقمر يدخل فيه إذا كسف . وقال أمية بن أبي الصلت : وبث الخلق فيها إذ دحاها فهم قطانها حتى التنادي وقيل : دحاها : سواها ، قال زيد بن عمرو : وأسلمت وجهي لمن أسلمت له الأرض تحمل صخراً ثقالا دحاها فلما استوت شدّها بأيد وأرسى عليها الجبالا الطامّة : الدّاهية التي تطم على الدّواهي ، أي تعلو وتغلب . وفي أمثالهم : أجرى الوادي فطمّ على القرى ، ويقال : طمّ السيل الركية إذا دفنها ، والطم : الدّفن والعلو . هذه السورة مكية . ولما ذكر في آخر ما قبلها الإنذار بالعذاب يوم القيامة ، أقسم في هذه على البعث يوم القيامة . ولما كانت الموصوفات المقسم بها محذوفات وأقيمت صفاتها مقامها ، وكان لهذه الصفات تعلقات مختلفة اختلفوا في المراد بها ، فقال عبد اللّه وابن عباس ؛{ النازعات } : الملائكة تنزع نفوس بني آدم ، و { وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً } : إغراقاً ، وهي المبالغة في الفعل ، أو غرق في جهنم ، يعني نفوس الكفار ، قاله عليّ وابن عباس . وقال الحسن وقتادة وأبو عبيدة وابن كيسان والأخفش : هي النجوم تنزع من أفق إلى أفق . وقال السدّي وجماعة : تنزع بالموت إلى ربها ، وغرقاً : أي إغراقاً في الصدر . وقال السدي أيضاً : النفوس تحن إلى أوطانها وتنزع إلى مذاهبها ، ولها نزع عند الموت . وقال عطاء وعكرمة : القسي أنفسها تنزع بالسهام . وقال عطاء أيضاً : الجماعات النازعات بالقسي وغيرها إغراقاً . وقال مجاهد : المنايا تنزع النفوس . وقيل : النازعات : الوحش تنزع إلى الكلأ ، حكاه يحيى بن سلام . وقيل : جعل الغزاة التي تنزع في أعنتها نزعاً تغرق فيه الأعنة لطول أعناقها لأنها عراب ، والتي تخرج من دار الإسلام إلى دار الحرب ، قاله في الكشاف . {وَالنَّاشِطَاتِ } ، قال ابن عباس ومجاهد : الملائكة تنشط النفوس عند الموت ، أي تخلها وتنشط بأمر اللّه إلى حيث كان . وقال ابن عباس أيضاً وقتادة والحسن والأخفش : النجوم تنشط من أفق إلى أفق ، تذهب وتسير بسرعة . وقال مجاهد أيضاً : المنايا . وقال عطاء : البقر الوحشية وما جرى مجراها من الحيوان الذي ينشط من قطر إلى قطر . وقال ابن عباس أيضاً : النفوس المؤمنة تنشط عند الموت للخروج . وقيل : التي تنشط للإزهاق . {وَالسَّابِحَاتِ } ، قال عليّ ومجاهد : الملائكة تتصرّف في الآفاق بأمر اللّه ، تجيء وتذهب . وقال قتادة والحسن : النجوم تسبح في الأفلاك . وقال أبو روق : الشمس والقمر والليل والنهار . وقال عطاء وجماعة : الخيل ، يقال للفرس سابح . وقيل : السحاب لأنها كالعائمة في الهواء . وقيل : الحيتان دواب البحر فما دونها وذلك من عظم المخلوقات ، فيبدي أنه تعالى أمدّ في الدنيا نوعاً من الحيوان ، منها أربعمائة في البر وستمائة في البحر . وقال عطاء أيضاً : السفن . وقال مجاهد أيضاً : المنايا تسبح في نفوس الحيوان . {فَالسَّابِقَاتِ } ، قال مجاهد : الملائكة سبقت بني آدم بالخير والعمل الصالح ، وقاله أبو روق . وقال ابن مسعود : أنفس المؤمنين تسبق إلى الملائكة الذين يقبضونها ، وقد عاينت السرور شوقاً إلى لقاء اللّه تعالى . وقال عطاء : الخيل ، وقيل : النجوم ، وقيل : المنايا تسبق الآمال . { فَالْمُدَبّراتِ } ، قال ابن عطية لا أحفظ خلافاً أنها الملائكة ، ومعناه أنها التي تدبر الأمور التي سخرها اللّه تعالى وصرفها فيها ، كالرياح والسحاب وسائر المخلوقات . انتهى . وقيل : الملائكة الموكلون بالأحوال : جبريل للوحي ، وميكائيل للمطر ، وإسرافيل للنفخ في الصور ، وعزرائيل لقبض الأرواح . وقيل : تدبيرها : نزولها بالحلال والحرام . وقال معاذ : هي الكواكب السبعة ، وإضافة التدبير إليها مجاز ، أي يظهر تقلب الأحوال عند قرانها وتربيعها وتسديسها وغير ذلك . ولفق الزمخشري من هذه الأقوال أقوالاً اختارها وأدارها أولاً على ثلاثة : الملائكة أو الخيل أو النجوم . ورتب جميع الأوصاف على كل واحد من الثلاثة ، فقال : أقسم سحابة بطوائف الملائكة التي هي تنزع الأرواح من الأجساد ، وبالطوائف التي تنشطها ، أي تخرجها من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها ، وبالطوائف التي تسبح في مضيها ، أي تسرع فتسبق إلى ما أمروا به فتدبر أمراً من أمور العباد مما يصلحهم في دينهم أو دنياهم ؛ كما رسم لهم غرقاً ، أي إغراقاً في النزع ، أي تنزعها من أقاصي الأجساد من أناملها وأظافرها . أو أقسم بخيل الغزاة التي تنزع في أعنتها إلى آخر ما نقلناه ؛ ثم قال : من قولك : ثور ناشط ، إذا خرج من بلد إلى بلد ، والتي تسبح في جريتها فتسبق إلى الغاية فتدبر أمر الغلبة والظفر ، وإسناد التدبير إليها لأنها من أسبابه . أو أقسم بالنجوم التي تنزع من المشرق إلى المغرب ، وإغراقها في النزع أن تقطع الفلك كله حتى تنحط من أقصى المغرب ، والتي تخرج من برج إلى برج ، والتي تسبح في الفلك من السيارة فتسبق فتدبر أمراً في علم الحساب . وقيل : النازعات : أيدي الغزاة أو أنفسهم تنزع القسي بإغراق السهام والتي تنشط الإرهاق . انتهى . والذي يظهر أن ما عطف بالفاء هو من وصف المقسم به قبل الفاء ، وأن المعطوف بالواو وهو مغاير لما قبله ، كما قرّرناه في المرسلات ، على أنه يحتمل أن يكون المعطوف بالواو ومن عطف الصفات بعضها على بعض . والمختار في جواب القسم أن يكون محذوفاً وتقديره : لتبعثن لدلالة ما بعده عليه ، قاله الفراء . وقال محمد بن عليّ الحكيم الترمذي : الجواب :{ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَعِبْرَةً لّمَن يَخْشَى } ، والمعنى فيما اقتصصت من ذكر يوم القيامة وذكر موسى عليه السلام وفرعون . قال ابن الانباري : وهذا قبيح لأن الكلام قد طال . ٦انظر تفسير الآية:٧ ٧يوم ترجف الراجفة وقيل : اللام التي تلقى بها القسم محذوفة من قوله : { يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ } ،أي ليوم كذا ، { تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ } ، ولم تدخل نون التوكيد لأنه قد فصل بين اللام المقدرة والفعل ؛ وقول أبي حاتم هو علي التقديم والتأخير ، كأنه قال :{ فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ}{ وَالنَّازِعَاتِ } ، قال ابن الأنباري : خطأ لأن الفاء لا يفتتح بها الكلام . وقيل : التقدير :{ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ } ،{ وَالنَّازِعَاتِ } على التقديم والتأخير أيضاً وليس بشيء . وقيل : الجواب :{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى } ، لأنه في تقدير قد أتاك وليس بشيء ، وهذا كله إعراب من لم يحكم العربية ، وحذف الجواب هو الوجه ، ويقرب القول بحذف اللام من { يَوْمَ تَرْجُفُ} قال ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد : هما الصيحتان ، أي النفختان ، الأولى تميت كل شيء ، وفي الثانية تحيي . وقال مجاهد أيضاً : الواجفة : الزلزلة ، والرادفة : الصيحة . وقال ابن زيد : الواجفة : الأرض ، والرادفة : الساعة ، والعامل في يوم اذكر مضمرة ، أو لتبعثن المحذوف ؛ واليوم متسع تقع فيه النفختان ، وهم يبعثون في بعض ذلك اليوم المتسع ، وتتبعها حال . قيل :أو مستأنف . ٨قلوب يومئذ واجفة واجفة : مضطربة ، ووجيف القلب يكون من الفزع ويكون من الإشفاق ، ومنه قول قيس بن الخطيم : إن بني حجباً وأسرتهم أكبادنا من ورائهم تجف {قُلُوبٍ } : مبتدأ ، { وَاجِفَةٌ } : صفة تعمل في { يَوْمَئِذٍ } ،{ أَبْصَارُهَا } : أي أبصار أصحاب القلوب ، { خَاشِعَةٌ } : مبتدأ وخبر في موضع خبر { قُلُوبٍ} و قال ابن عطية : رفع قلوب بالابتداء ، وجاز ذلك ، وهي نكرة لأنها قد تخصصت بقوله :{ يَوْمَئِذٍ} انتهى . ولا تتخصص الأجرام بظروف الزمان ، وإنما تخصصت بقوله :{ وَاجِفَةٌ} ١٠يقولون أئنا لمردودون . . . . . {يَقُولُونَ } : حكاية حالهم في الدنيا ، والمعنى : هم الذين يقولون . و { الْحَافِرَةِ } ، قال مجاهد : فاعلة بمعنى مفعولة . وقيل : على النسب ، أي ذات حفر ، والمراد القبور ، أي لمردودون أحياء في قبورنا . وقال زيد بن أسلم : الحافرة : النار . وقيل : جمع حافرة بمعنى القدم ، أي أحياء نمشي على أقدامنا ونطأ بها الأرض . وقال ابن عباس : الحياة الثانية هي أول الأمر ، وتقول التجار : النقد في الحافرة ، أي في ابتداء السوم . وقال الشاعر : آليت لا أنساكم فاعلموا حتى ترد الناس في الحافرة وقرأ أبو حيوة وأبو بحرية وابن أبي عبلة : في الحفرة بغير ألف ؛ والجمهور : بالألف . وقيل : هما بمعنى واحد . وقيل : هي الأرض المنبتة المتغيرة بأجساد موتاها ، من قولهم : حفرت أسنانه إذا تآكلت وتغيرت . ١١أئذا كنا عظاما . . . . . وقرأ عمر وأبي وعبد اللّه وابن الزبير وابن عباس ومسروق ومجاهد والأخوان وأبو بكر : ناخرة بألف ؛ وأبو رجاء والحسن والأعرج وأبو جعفر وشيبة والسلمي وابن جبير والنخعي وقتادة وابن وثاب وأيوب وأهل مكة وشبل وباقي السبعة : بغير ألف . ١٢قالوا تلك إذا . . . . . {قَالُواْ تِلْكَ إِذاً } : أي الردة إلى الحافرة إن رددنا ، { كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ } : أي قالوا ذلك لتكذيبهم بالغيب ، أي لو كان هذا حقاً ، لكانت ردتنا خاسرة ، إذ هي إلى النار . وقال الحسن : خاسرة : كاذبة ، أي ليست بكافية ، وهذا القول منهم استهزاء . وروي أن بعض صناديد قريش قال ذلك . ١٣فإنما هي زجرة . . . . . {فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ } لما تقدم .{ يَقُولُونَ أَءنَّا لَمَرْدُودُونَ } : تضمن قولهم استبعاد النشأة الثانية واستضعاف أمرها ، فجاء قوله :{ فَإِنَّمَا } مراعاة لما دل عليه استبعادهم ، فكأنه قيل : ليس بصعب ما تقولون ، فإنما هي نفخة واحدة ، ١٤فإذا هم بالساهرة فإذا هم منشورون أحياء على وجه الأرض . قال ابن عباس : الساهرة أرض من فضة يخلقها اللّه تعالى . وقال وهب بن منبه : جبل بالشام يمده اللّه تعالى يوم القيامة لحشر الناس . وقال أبو العالية وسفيان : أرض قريبة من بيت المقدس . وقال ابن عباس : أرض مكة . وقال قتادة : جهنم ، لأنه لا نوم لمن فيها . رأى أن الضمائر قبلها إنما هي للكفار ففسرها بجهنم . ١٥هل أتاك حديث . . . . . وقيل : الأرض السابعة يأتي بها اللّه يحاسب عليها الخلائق . ولما أنكروا البعث وتمردوا ، شق ذلك على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقص تعالى عليه قصة موسى عليه السلام ، وتمرد فرعون على اللّه عز وجل حتى ادعى الربوبية ، وما آل إليه حال موسى من النجاة ، وحال فرعون من الهلاك ، فكان ذلك مسلاة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وتبشيراً بهلاك من يكذبه ، ونجاته هو من أذاهم . ف قال تعالى : { هَلُ أَتَاكَ } ، توقيفاً له على جمع النفس لما يلقيه إليه ، ١٦إذ ناداه ربه . . . . . وتقدم الكلام في الوادي المقدس ، والخلاف في القراآت في { طُوًى} ١٧اذهب إلى فرعون . . . . . {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ } : تفسير للنداء ، أو على إضمار القول ، ١٨فقل هل لك . . . . . {فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى } : لطف في الاستدعاء لأن كل عاقل يجيب مثل هذا السؤال بنعم ، وتزكى : تتحلى بالفضائل وتتطهر من الرذائل ، والزكاة هنا يندرج فيها الإسلام وتوحيد اللّه تعالى . وقرأ الحرميان وأبو عمرو : بخلاف تزكى وتصدى ، بشد الزاي والصاد ؛ وباقي السبعة : بخفها . وتقول العرب : هل لك في كذا ، أو هل إلى كذا ؟ فيحذفون القيد الذي تتعلق به إلى ، أي هل لك رغبة أو حاجة إلى كذا ؟ أو سبيل إلى كذا ؟ قال الشاعر : فهل لكم فيها إليّ فإنني بصير بما أعيا النطاسي حذيما ١٩وأهديك إلى ربك . . . . . {وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبّكَ فَتَخْشَى } : هذا تفسير للتزكية ، وهي الهداية إلى توحيد اللّه تعالى ومعرفته ، { فَتَخْشَى } : أي تخافه ، لأن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة ، { إِنَّمَا يَخْشَى اللّه مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} وذكر الخشية لأنها ملاك الأمر ، وفي الكلام حذف ، أي فذهب وقال له ما أمره به ربه ، ٢٠فأراه الآية الكبرى وأتبع ذلك بالمعجزة الدالة على صدقه . { فَأَرَاهُ الاْيَةَ الْكُبْرَى } : وهي العصا واليد ، جعلهما واحدة ، لأن اليد كأنها من جملة العصا لكونها تابعة لها ، أو العصا وحدها لأنها كانت المقدمة ، والأصل واليد تبع لها ، لأنه كان يتقيها بيده . وقيل له { ادْخُلِ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ} ٢١فكذب وعصى {فَكَذَّبَ } : أي فرعون موسى عليه السلام وما أتى به من المعجز ، وجعل ذلك من باب السحر ، { وَعَصَى } اللّه تعالى بعدما علم صحة ما أتى به موسى ، وإنما أوهم أنه سحر . ٢٢ثم أدبر يسعى {ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى } ،قيل : أدبر حقيقة ، أي قام من مكانه فاراً بنفسه . وقال الجمهور : هو كناية عن إعراضه عن الإيمان .{ يَسْعَى } : يجتهد في مكايدة موسى عليه السلام . ٢٣فحشر فنادى {فَحَشَرَ } : أي جمع السحرة وأرباب دولته ، { فَنَادَى } : أي قام فيهم خطيباً ، أو فنادى في المقام الذي اجتمعوا فيه معه . ٢٤فقال أنا ربكم . . . . . {فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الاْعْلَى } ، قال ابن عطية : قول فرعون ذلك نهاية في المخرقة ، ونحوها باق في ملوك مصر وأتباعهم . انتهى . وإنما قال ذلك لأن ملك مصر في زمانه كان اسماعيلياً ، وهو مذهب يعتقدون فيه إلهية ملوكهم ، وكأن أول من ملكها منهم المعز بن المنصور بن القائم بن المهدي عبيد اللّه ، ولاهم العاضد وطهر اللّه مصر من هذا المذهب الملعون بظهورالملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن سادي ، رحمه اللّه تعالى وجزاه عن الإسلام خيراً . ٢٥فأخذه اللّه نكال . . . . . {فَأَخَذَهُ اللّه نَكَالَ الاْخِرَةِ وَالاْوْلَى } ، قال ابن عباس : الآخرة قوله :{ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَاهٍ غَيْرِى } ، والأولى قوله :{ أَنَاْ رَبُّكُمُ الاْعْلَى} وقيل العكس ، وكان بين قولتيه أربعون سنة . وقال الحسن وابن زيد : نكال الآخرة بالحرق ، والأولى يعني الدنيا بالغرق . وقال مجاهد : عذاب آخرة حياته وأولادها . وقال أبو زرين : الأولى كفره وعصيانه ، والآخرة قوله :{ أَنَاْ رَبُّكُمُ الاْعْلَى} وقال مجاهد عبارة عن أول معاصيه ، وآخرها : أي نكل بالجميع ، وانتصب نكال على المصدر والعامل فيه { فَأَخَذَهُ } لأنه في معناه وعلى رأي المبرد : بإضمار فعل من لفظه ، أي نكل نكال ، والنكال بمعنى التنكيل ، كالسلام بمعنى التسليم . وقال الزمخشري :{ نَكَالَ الاْخِرَةِ } هو مصدر مؤكد ، ك { وَعَدَ اللّه } ، و { صِبْغَةَ اللّه } ، كأنه قيل : نكل اللّه به نكال الآخرة والأولى . انتهى . والمصدر المؤكد لمضمون الجملة السابقة يقدر له عامل من معنى الجملة . ٢٦إن في ذلك . . . . . {إِنَّ فِى ذَلِكَ } : فيما جرى لفرعون وأخذه تلك الأخذ ، { لَعِبْرَةً } : لعظة ، { لّمَن يَخْشَى } : أي لمن يخاف عقوبة اللّه يوم القيامة وفي الدنيا . ٢٧أأنتم أشد خلقا . . . . . الخطاب الظاهر أنه عام ، والمقصود الكفار منكر والبعث ، وقفهم على قدرته تعالى . { أَشَدُّ خَلْقاً } : أي أصعب إنشاء ، { أَمِ السَّمَاء } ، فالمسؤول عن هذا يجيب ولا بد السماء ، لما يرى من ديمومة بقائها وعدم تأثيرها . ٢٨رفع سمكها فسواها ثم بين تعالى كيفية خلقها . { رَفَعَ سَمْكَهَا } : أي جعل مقدارها بها في العلوّ مديداً رفيعاً مقدار خمسمائة عام ، والسمك : الارتفاع الذي بين سطح السماء التي تليها وسطحها الأعلى الذي يلى ما فوقها ، { فَسَوَّاهَا } : أي جعلها ملساء مستوية ، ليس فيها مرتفع ولا منخفض ، أو تممها وأتقن إنشاءها بحيث أنها محكمة الصنعة . ٢٩وأغطش ليلها وأخرج . . . . . {وَأَغْطَشَ } : أي أظلم ، { لَيْلَهَا}{ وَأَخْرَجَ } : أبرز ضوء شمسها ، كقوله تعالى :{ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } ، وقولهم : وقت الضحى : الوقت الذي تشرق فيه الشمس . وأضيف الليل والضحى إلى السماء ، لأن الليل ظلها ، والضحى هو نور سراجها . ٣٠انظر تفسير الآية:٣١ ٣١والأرض بعد ذلك . . . . . {وَالاْرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ } : أي بعد خلق السماء وما فعل فيها ، { دَحَاهَا } : أي بسطها ، فخلق الأرض ثم السماء ثم دحا الأرض . وقرأ الجمهور : { والاْرْضِ } ،{ وَالْجِبَالَ } بنصبهما ؛ والحسن وأبو حيوة وعمرو بن عبيد وابن أبي عبلة وأبو السمال : برفعهما ؛ وعيسى : برفع الأرض . وأضيف الماء والمرعى إلى الأرض لأنهما يظهران منها . والجمهور :{ مَّتَاعًا } بالنصب ، أي فعل ذلك تمتيعاً لكم ؛ وابن أبي عبلة : بالرفع ، أي ذلك متاع . وقال الزمخشري : فإن قلت : فهلا أدخل حرف العطف على أخرج ؟ قلت : فيه وجهان ، أحدهما : أن يكون معنى { دَحَاهَا } : بسطها ومهدها للسكنى ، ثم فسر التمهيد بما لا بد منه في تأتي سكناها من تسوية أمر المأكل والمشرب وإمكان القرار عليها . والثاني : أن يكون أخرج حالاً بإضمار قد ، كقوله :{أَوْ جَاءوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} انتهى . وإضمار قد قول للبصريين ومذهب الكوفيين . والأخفش : أن الماضي يقع حالاً ، ولا يحتاج إلى إضمار قد ، وهو الصحيح . ففي كلام العرب وقع ذلك كثيراً . انتهى .{ وَمَرْعَاهَا } : مفعل من الرعي ، فيكون مكاناً وزماناً ومصدراً ، وهو هنا مصدر يراد به اسم المفعول ، كأنه قيل : ومرعيها : أي النبات الذي يرعى . وقدم الماء على المرعى لأنه سبب في وجود المرعى ، وشمل { وَمَرْعَاهَا } ما يتقوت به الآدمي والحيوان غيره ، فهو في حق الآدمي استعارة ، ولهذا قيل : دل اللّه سبحانه وتعالى بذكر الماء والمرعى على عامة ما يرتفق به ويتمتع مما يخرج من الأرض حتى الملح ، لأنه من الماء . ٣٤فإذا جاءت الطامة . . . . . {فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ } ، قال ابن عباس والضحاك : القيامة . وقال ابن عباس أيضاً والحسن : النفخة الثانية . ٣٥يوم يتذكر الإنسان . . . . . وقال القاسم : وقت سوق أهل الجنة إليها ، وأهل النار إليها ، وهو معنى قول مجاهد . { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى } : أي عمله الذي كان سعى فيه في الدنيا . ٣٦انظر تفسير الآية:٣٧ ٣٧وبرزت الجحيم لمن . . . . . وقرأ الجمهور : { وَبُرّزَتِ } مبني للمفعول مشدد الراء ، { لِمَن يَرَى } بياء الغيبة : أي لكل أحد ، فيشكر المؤمن نعمة اللّه . وقيل :{ لِمَن يَرَى } هو الكافر ؛ وعائشة وزيد بن علي وعكرمة ومالك بن دينار : مبنياً للفاعل مخففاً وبتاء ، يجوز أن يكون خطاباً للرسول صلى اللّه عليه وسلم ،أي لمن ترى من أهلها ، وأن يكون إخبار عن الجحيم ، فهي تاء التأنيث . قال تعالى :{ إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} وقال أبو نهيك وأبو السمال وهارون عن أبي عمرو : وبرزت مبنياً ومخففاً ، و { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ } : بدل من { فَإِذَا } ؛ وجواب إذا ، قال الزمخشري : فإن الأمر كذلك . وقيل : عاينوا وعلموا . ويحتمل أن يكون التقدير : انقسم الراؤون قسمين ، والأولى أن يكون الجواب : فأما وما بعده ، كما تقول : إذا جاءك بنو تميم ، فأما العاصي فأهنه ، وأما الطائع فأكرمه . {طَغَى } : تجاوز الحد في عصيانه ، ٣٨انظر تفسير الآية:٣٩ ٣٩وآثر الحياة الدنيا {وَءاثَرَ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا } على الآخرة ، وهي مبتدأ أو فصل . والعائد على من من الخبر محذوف على رأي البصريين ، أي المأوى له ، وحسن حذفه وقوع المأوى فاصلة . وأما الكوفيون فمذهبهم أن أل عوض من الضمير . وقال الزمخشري : والمعنى فإن الجحيم مأواه ، كما تقول للرجل : غض الطرف ، تريد طرفك ؛ وليس الألف واللام بدلاً من الإضافة ، ولكن لما علم أن الطاغي هو صاحب المأوى ، وأنه لا يغض الرجل طرف غيره ، تركت الإضافة . ودخول حرف التعريف في المأوى ، والطرف للتحريف لأنهما معرفان . انتهى . وهو كلام لا يتحصل منه الرابط العائد على المبتدأ ، إذ قد نفى مذهب الكوفيين ، ولم يقدر ضميراً محذوفاً ، كما قدره البصريون ، فرام حصول الربط بلا رابط . ٤٠وأما من خاف . . . . . {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ } : أي مقاماً بين يدي ربه يوم القيامة للجزاء ؛ وفي إضافة المقام إلى الرب تفخيم للمقام وتهويل عظيم واقع من النفوس موقعاً عظيماً . قال ابن عباس : خافه عندما هم بالمعصية فانتهى عنها .{ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى } : أي عن شهوات النفس ، وأكثر استعمال الهوى فيما ليس بمحمود . قال سهل : لا يسلم من الهوى إلا الأنبياء وبعض الصديقين . وقال بعض الحكماء : إذا أردت الصواب فانظر هواك فخالفه . وقال عمران الميرتليّ : فخالف هواها واعصها إن من يطع هوى نفسه تنزع به كل منزع ومن يطع النفس اللجوجة ترده وترم به في مصرع أي مصرع وقال الفضيل : أفضل الأعمال خلاف الهوى ، وهذا التفضيل هو عام في أهل الجنة وأهل النار . وعن ابن عباس نزل ذلك في أبي جهل ومصعب بن عمير العبدري ، رضي اللّه تعالى عنه . وعنه أيضاً : { فَأَمَّا مَن طَغَى } ، فهو أخ لمصعب بن عمير ، أسر فلم يشدوا وثاقه ، وأكرموه وبيتوه عندهم ؛ فلما أصبحوا حدثوا مصعباً ، فقال : ما هو لي بأخ ، شدوا أسيركم ، فإن أمه أكثر أهل البطحاء حلياً ومالاً فأوثقوه .{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ } فمصعب بن عمير ، وقى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بنفسه يوم أُحد حين تفرّق الناس عنه حتى نفذت المشاقص في جوفه ، وهي السهام . فلما رآه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم متشحطاً في دمه قال : { عند اللّه أحتسبك } ، وقال لأصحابه : { لقد رأيته وعليه بردان ما تعرف قيمتهما ، وإن شراك نعله من ذهب} .قيل : واسم أخيه عامر . وفي الكشاف ، وقيل : الآيتان نزلتا في أبي عزير بن عمير ومصعب بن عمير ، وقد قتل مصعب أخاه أبا عزير يوم أُحد ، ووقى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بنفسه حتى نفذت المشاقص في جوفه . انتهى . ٤٢انظر تفسير الآية:٤٤ ٤٤يسألونك عن الساعة . . . . . {يَسْأَلُونَكَ } : أي قريش ، وكانوا يلحون في البحث عن وقت الساعة ، إذ كان يتوعدهم بها ويكثر من ذلك ، فنزلت هذه الآية .{ أَيَّانَ مُرْسَاهَا } : متى إقامتها ؟ أي متى يقيهما اللّه ويثبتها ويكونها ؟ وقيل : أيان منتهاها ومستقرها ؟ كما أن مرسى السفينة ومستقرها حيث تنتهي إليه .{ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا } ، قالت عائشة رضي اللّه تعالى عنها : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يسأل عن الساعة كثيراً ، فلما نزلت هذه الآية . انتهى . والمعنى : في أي شيء أنت من ذكر تحديدها ووقتها ؟ أي لست من ذلك في شيء ، { إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ}{ إِلَى رَبّكَ مُنتَهَاهَا } : أي انتهاء علم وقتها ، لم يؤت علم ذلك أحداً من خلقه . وقيل :{ فِيمَ } إنكار لسؤالهم ، أي فيم هذا السؤال ؟ ثم قال :{ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا } ، وعلامة من علاماتها ، فكفاهم بذلك دليلاً على دنوها ومشارفتها ووجوب الاستعداد لها ، ولا معنى لسؤالهم عنها . {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا } : أي لم تبعث لتعلمهم بوقت الساعة الذي لا فائدة لهم في علمه ، وإنما بعثت لتنذر من أهوالها من يكون إنذارك لطفاً به في الخشية منها . انتهى . وهذا القول حكاه الزمخشري وزمكه بكثرة ألفاظه ، وهو تفكيك للكلام وخروج عن الظاهر المتبادر إلى الفهم ، ولم يخله من دسيسة الاعتزال . ٤٥إنما أنت منذر . . . . . وقرأ الجمهور : { مُنذِرُ مَن } بالإضافة . وقرأ عمر بن عبد العزيز وأبو جعفر وشيبة وخالد الحذاء وابن هرمز وعيسى وطلحة وابن محيصن وأبو عمر في رواية وابن مقسم : منذر بالتنوين . وقال الزمخشري : وقرىء منذرر بالتنوين ، وهو الأصل والإضافة تخفيف ، وكلاهما يصلح للحال والاستقبال ؛ فإذا أريد الماضي ، فليس إلا الإضافة ، كقولك : هو منذر زيد أمس . انتهى . أما قوله : وهو الأصل ، يعني التنوين ، فهو قول قد قاله غيره ممن تقدم . وقد قررنا في هذا الكتاب ، وفيما كتبناه في هذا العلم أن الأصل الإضافة ، لأن العمل إنما هو بالشبه ، والإضافة هي أصل في الأسماء . وأما قوله : فإذا أريد الماضي ، فليس إلا الإضافة ، فهذا فيه تفصيل وخلاف مذكور في علم النحو . وخص { مَن يَخْشَاهَا } لأنه هو المنتفع بالإنذار . ٤٦كأنهم يوم يرونها . . . . . {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا } : تقريب وتقرير لقصر مقامهم في الدنيا .{ لَمْ } : لم يقيموا في الدنيا ، { يَلْبَثُواْ إِلاَّ عَشِيَّةً } : يوم أو بكرته ، وأضاف الضحى إلى العشية لكونها طرفي النهار . بدأ بذكر أحدهما ، فأضاف الآخر إليه تجوّزاً واتساعاً ، وحسن الإضافة كون الكلمة فاصلة ، واللّه سبحانه وتعالى أعلم . |
﴿ ٠ ﴾