سورة التكوير

مكية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

إذا الشمس كورت

انكدرت النجوم : انتثرت . وقال أبو عبيدة : انصبت كما تنصب القعاب إذا كسرت . قال العجاج يصف صقراً : أبصر حرمات فلاة فانكدر

تقصي البازي إذا البازي كسر

العشار جمع عشراء ، وهي الناقة التي مر لحملها عشرة أشهر ، ثم هو اسمها إلى أن تضع في تمام السنة . التعطيل : التفريغ والإهمال . الوحش : حيوان البر الذي ليس في طبعه التآنس ببني آدم . الموءودة : البنت التي تدفن حية : وأصله من النقل ، كأنها تنقل من التراب حتى تموت ، ومنه اتئد : أي توقر وأثقل ولا تخف . الكشط : التقشير ، كشطت جلد الشاة : سلخته عنها . الخنس جمع خانس ، والخنوس : الانقباض والاستخفاء . تقول خنس بين القوم وانخنس . الكنس جمع كانس وكانسه ، يقال : كنس إذا دخل الكناس ، وهو المكان الذي تأوي إليه الظباء . والخنس : تأخر الأنف عن الشفة مع ارتفاع قليل من الأرنبة . عسعس ، قال الفراء : عسعس الليل وعسس ، إذا لم يبق منه القليل . وقال الخليل : عسعس الليل : أقبل وأدبر . قال المبرد : هو من الأضداد . وقال علقمة بن قرط : حتى إذا الصبح لها تنفسا

وانجاب عنها ليلها وعسعسا

وقال رؤبة : يا هند ما أسرع ما تعسعسا

من بعدما كان فتى فرعرعا

التنفس : خروج النسيم من الجوف ، واستعير للصبح ومعناه : امتداده حتى يصير نهاراً واضحاً . الظنين : المتهم ، فعيل بمعنى مفعول ، ظننت الرجل : اتهمته ، والظنين : البخيل ، قال الشاعر : أجود بمكنون الحديث وإنني

بسرّك عن ما سألتني لضنين

هذه السورة مكية . ومناسبتها لما قبلها في غاية الظهور . وتكوير الشمس ، قال ابن عباس : إدخالها في العرش . وقال مجاهد وقتادة والحسن : ذهاب ضوئها . وقال الربيع بن خثيم : رمى بها ، ومنه : كورته فتكوّر . وقال أبو صالح : نكست ؛

وعن ابن عباس أيضاً : أظلمت ؛ وعن مجاهد : اضمحلت .

وقيل : غوّرت ؛

وقيل : يلف بعضها ببعض ويرمى بها في البحر . وقال أبو عبيدة : كورت مثل تكوير العمامة . وقال القرطبي : من كار العمامة على رأسه يكورها ، أي لأنها وجمعها ، فهي تكور ، ثم يمحي ضوءها ، ثم يرمي بها .

وقال الزمخشري :

فإن قلت : ارتفاع الشمس على الابتداء أو الفاعلية ؟

قلت : بل على الفاعلية ، رافعها فعل مضمر يفسره { كُوّرَتْ } ، لأن إذا يطلب الفعل لما فيه من معنى الشرط . انتهى . ومن طريقته أنه يسمي المفعول الذي لم يسم فاعله فاعلاً ، ولا مشاحة في الاصطلاح . وليس ما ذكر من الإعراب مجمعاً على تحتمه عند النحاة ، بل يجوز رفع الشمس على الابتداء عند الأخفش والكوفيين ، لأنهم يجيزون أن تجيء الجملة الاسمية بعد إذا ، نحو : إذا زيد يكرمك فأكرمه .

٢

وإذا النجوم انكدرت

{انكَدَرَتْ } ، عن ابن عباس : تساقطت ؛ وعنه أيضاً : تغيرت فلم يبق لها ضوء لزوالها عن أماكنها ، من قولهم : ماء كدر : أي متغير .

٣

وإذا الجبال سيرت

وتسيير الجبال : أي عن وجه الأرض ، أو سيرت في الجو تسيير السحاب ، كقوله : { وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ } ، وهذا قبل نسفها ، وذلك في أول هول يوم القيامة .

٤

وإذا العشار عطلت

والعشار : أنفس ما عند العرب من المال ، وتعطيلها : تركها مسيبة مهملة ، أو عن الحلب لاشتغالهم بأنفسهم ، أو عن أن يحمل عنها الفحول ؛ وأطلق عليها عشاراً باعتبار ما سبق لها ذلك . قال القرطبي : وهذا على وجه المثل ، لأنه في القيامة لا يكون عشراء ،

فالمعنى : أنه لو كان عشراء لعطلها أهلها واشتغلوا بأنفسهم .

وقيل : إذا قاموا من القبور شاهدوا الوحوش والدواب محشورة وعشارهم فيها التي كانت كرائم أموالهم ، لم يعبؤا بها لشغلهم بأنفسهم .

وقيل : العشار : السحاب ، وتعطيلها من الماء فلا تمطر . والعرب تسمي السحاب بالحامل .

وقيل : العشار : الديار تعطل فلا تسكن .

وقيل : العشار : الأرض التي يعشر زرعها ، تعطل فلا تزرع .

وقرأ الجمهور : { عُطّلَتْ } بتشديد الطاء ؛ ومضر عن اليزيدي : بتخفيفها ، كذا في كتاب ابن خالويه ، وفي كتاب اللوامح عن ابن كثير ، قال في اللوامح ،

وقيل : هو وهم إنما هو عطلت بفتحتين بمعنى تعطلت ، لأن التشديد فيه التعدي ، يقال : منه عطلت الشيء وأعطلته فعطل بنفسه ، وعطلت المرأة فهي عاطل إذا لم يكن عليها الحلى ، فلعل هذه القراءة عن ابن كثير لغة استوى فيها فعلت وأفعلت ، واللّه أعلم . انتهى . وقال امرؤ القيس :

وجيد كجيد الريم ليس بفاحش

إذا هي نصته ولا بمعطل

وإذا الوحوش حشرت

{حُشِرَتْ } : أي جمعت من كل ناحية . فقال ابن عباس : جمعت بالموت ، فلا تبعث ولا يحضر في القيامة غير الثقلين . وعنه وعن قتادة وجماعة : يحشر كل شيء حتى الذباب . وعنه : تحشر الوحوش حتى يقتص من بعضها لبعض ، ثم يقتص للجماء من القرناء ، ثم يقال لها موتي فتموت .

وقيل : إذا قضى بينها ردت تراباً فلا يبقى منها إلا ما فيه سرور لبني آدم وإعجاب بصورته ، كالطاووس ونحوه . وقال أبيّ : في الدنيا في أول الهول تفر في الأرض وتجتمع إلى بني آدم تآنساً بهم .

وقرأ الجمهور :{ حُشِرَتْ } بخف الشين ؛ والحسن وعمرو بن ميمون : بشدها .

٦

وإذا البحار سجرت

{وَإِذَا الْبِحَارُ سُجّرَتْ } : تقدم أقوال العلماء في سجر البحر في الطور ، والبحر المسجور ، وفي كتاب لغات القراآت ، سجرت : جمعت ، بلغة خثعم . وقال هنا ابن عطية : ويحتمل أن يكون المعنى : ملكت وقيد اضطرابها حتى لا تخرج على الأرض من الهول ، فتكون اللفظة مأخوذة من ساجور الكلب .

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : بخف الجيم ؛ وباقي السبعة : بشدها .

قال ابن عطية : وذهب قوم إلى أن هذه الأشياء المذكورة استعارات في كل ابن آدم وأحواله عند الموت . فالشمس نفسه ، والنجوم عيناه وحواسه ، وهذا قول ذاهب إلى إثبات الرموز في كتاب اللّه تعالى . انتهى . وهذا مذهب الباطنية ، ومذاهب من ينتمي إلى الإسلام من غلاة الصوفية ، وقد أشرنا إليهم في خطبة هذا الكتاب ؛ وإنما هؤلاء زنادقة تستروا بالانتماء إلى ملة الإسلام . وكتاب اللّه جاء بلسان عربي مبين ، لا رمز فيه ولا لغز ولا باطن ، ولا إيماء لشيء مما تنتحله الفلاسفة ولا أهل الطبائع . ولقد ضمن تفسيره أبو عبد اللّه الرازي المعروف بابن خطيب الري أشياء مما قاله الحكماء عنده وأصحاب النجوم وأصحاب الهيئة ، وذلك كله بمعزل عن تفسير كتاب اللّه عز وجل . وكذلك ما ذكره صاحب التحرير والتحبير في آخر ما يفسره من الآيات من كلام من ينتمي إلى الصوف ويسميها الحقائق ، وفيها ما لا يحل كتابته ، فضلاً عن أن يعتقد ، نسأل اللّه تعالى السلامة في ديننا وعقائدنا وما به قوام ديننا ودنيانا .

٧

وإذا النفوس زوجت

{وَإِذَا النُّفُوسُ زُوّجَتْ } : أي المؤمن مع المؤمن والكافر مع الكافر ، كقوله :{ وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً } ، قاله عمر وابن عباس ؛ أو نفوس المؤمنين بأزواجهم من الحور العين وغيرهن ، قاله مقاتل بن سليمان ؛ أو الأزواج الأجساد ، قاله عكرمة والضحاك والشعبي .

وقرأ عاصم في رواية : زووجت على فوعلت ، والمفاعلة تكون بين اثنين . والجمهور : بواو مشددة .

٨

انظر تفسير الآية:٩

٩

وإذا الموؤودة سئلت

وقال الزمخشري : وأد يئد ، مقلوب من آد يؤد إذا أثقل . قال اللّه تعالى : { وَلاَ يُؤَدّهِ حِفْظُهُمَا } ، لأنه إثقال بالتراب . انتهى . ولا يدعي في وأد أنه مقلوب من آد ، لأن كلاً منهما كامل التصرف في الماضي والأمر والمضارع والمصدر واسم الفاعل واسم المفعول ، وليس فيه شيء من مسوغات ادعاء القلب . والذي يعلم به الأصالة من القلب أن يكون أحد النظمين فيه حكم يشهد له بالأصالة والآخر ليس كذلك ، أو كونه مجرداً من حروف الزيادة والآخر فيه مزيداً وكونه أكثر تصرفاً والآخر ليس كذلك ، أو أكثر استعمالاً من الآخر ، وهذا على ما قرروا أحكم في علم التصريف . فالأول كيثس وأيس ، والثاني كطأمن واطمأن ، والثالث كشوايع وشواع ، والرابع كلعمري ورعملي .

وقرأ الجمهور :{ الْمَوْءودَةُ } ، بهمزة بين الواوين ، اسم مفعول .

وقرأ البزي في رواية : الموؤدة ، بهمزة مضمومة على الواو ، فاحتمل أن يكون الأصل الموؤدة كقراءة الجمهور ، ثم نقل حركة الهمزة إلى الواو بعد حذف الهمزة ، ثم الواو المنقول إليها الحركة . واحتمل أن يكون اسم مفعول من آد ؛ فالاصل مأوودة ، فحذف إحدى الواوين على الخلاف الذي فيه المحذوف واو المد أو الواو التي هي عين ، نحو : مقوول ، حيث قالوا : مقول . وقرىء الموودة ، بضم الواو الأولى وتسهيل الهمزة ، أعني التسهيل بالحذف ، ونقل حركتها إلى الواو .

وقرأ الأعمش : المودة ، بكسون الواو على وزن الفعلة ، وكذا وقف لحمزة بن مجاهد . ونقل القراء أن حمزة يقف عليها كالموودة لأجل الخط لأنها رسمت كذلك ، والرسم سنة متبعة .

وقرأ الجمهور :{ سُئِلَتْ } مبنياً للمفعول ، { بِأَىّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } : كذلك وخف الياء وبتاء التأنيث فيهما ، وهذا السؤال هو لتوبيخ الفاعلين للوأد ، لأن سؤالها يؤول إلى سؤال

الفاعلين . وجاء قتلت بناء على أن الكلام إخبار عنها ، ولو حكى ما خوطبت به حين سئلت لقيل : قتلت .

وقرأ الحسن والأعرج : سئلت ، بكسر السين ، وذلك على لغة من قال : سأل بغير همز .

وقرأ أبو جعفر : بشد الياء ، لأن الموؤدة اسم جنس ، فناسب التكثير باعتبار الأشخاص .

وقرأ ابن مسعود وعلي وابن عباس وجابر بن زيد وأبو الضحى ومجاهد : سألت مبنياً للفاعل ، قتلت بسكون اللام وضم التاء ، حكاية لكلامها حين سئلت . وعن أبيّ وابن مسعود أيضاً والربيع بن خيثم وابن يعمر : سألت مبنيا للفاعل . { بِأَىّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } : مبنياً للمفعول بتاء التأنيث فيهما إخباراً عنهما ، ولو حكي كلامها لكان قتلت بضم التاء .

وكان العرب إذا ولد لأحدهم بنت واستحياها ، ألبسها جبة من صوف أو شعر وتركها ترعى الإبل والغنم ، وإذا أراد قتلها تركها حتى إذا صارت سداسية قال لأمها : طيبيها ولينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها ، وقد حفر حفرة أو بئراً في الصحراء ، فيذهب بها إليها ويقول لها انظري فيها ؛ ثم يدفعها من خلفها ويهيل عليها التراب حتى يستوي بالأرض .

وقيل : كانت الحامل إذا قرب وضعها حفرت حفرة فتمخضت على رأسها ، فإذا ولدت بنتاً رمت بها في الحفرة ، وإن ولدت ابناً حبسته . وقد افتخر الفرزدق ، وهو أبو فراس همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية ، بجده صعصعة ، إذ كان منع وأد البنات فقال : ومنا الذي منع الوائدات

فأحيا الوئيد ولم يوئد

١٠

وإذا الصحف نشرت

{وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ } : صحف الأعمال كانت مطوية على الأعمال ، فنشرت يوم القيامة ليقرأ كل إنسان كتابه .

وقيل : الصحف التي تتطاير بالإيمان والشمائل بالجزاء ، وهي صحف غير صحف الأعمال .

وقرأ أبو رجاء وقتادة والحسن والأعرج وشيبة وأبو جعفر ونافع وابن عامر وعاصم : نشرت بخف الشين ؛ وباقي السبعة : بشدّها .

١١

انظر تفسير الآية:١٢

١٢

وإذا السماء كشطت

وكشط السماء : طيها كطي السجل .

وقيل : أزيلت كما يكشط الجلد عن الذبيحة .

وقرأ عبد اللّه : قشطت بالقاف ، وهما كثيراً ما يتعاقبان ، كقولهم : عربي قح وكح ، وتقدّمت قراءته قافوراً ، أي كافوراً .

وقرأ نافع وابن عامر وحفص : { سُعّرَتْ } بشد العين ؛ وباقي السبعة : بخفها ، وهي قراءة عليّ . قال قتادة : سعرها غضب اللّه تعالى وذنوب بني آدم ، وجواب إذا وما عطفت عليه

١٤

علمت نفس ما . . . . .

{عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ } : ونفس تعم في الإثبات من حيث المعنى ، ما أحضرت من خير تدخل به الجنة ، أو من شر تدخل به النار . و

قال ابن عطية : ووقع الإفراد لينبه الذهن على حقارة المرء الواحد وقلة دفاعه عن نفسه . انتهى .

وقرئت هذه السورة عند عبد اللّه ، فلما بلغ القارىء { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ } ، قال عبد اللّه: { وانقطاع ظهراه} .

١٥

انظر تفسير الآية:١٦

١٦

فلا أقسم بالخنس

{بِالْخُنَّسِ } ، قال الجمهور : الدراري السبعة : الشمس والقمر ، وزحل ، وعطارد ، والمريخ ، والزهرة ، والمشتري . وقال : على الخمسة دون الشمس والقمر ، تجري الخمسة مع الشمس والقمر ، وترجع حتى تخفى مع ضوء الشمس ، قاله الزمخشري . و

قال ابن عطية : تخنس في جريها التي يتعهد فيها ترى العين ، وهي جوار في السماء ، وهي تكنس في أبراجها ، أي تستتر . وقال علي أيضاً والحسن وقتادة : هي النجوم كلها لأنها تخنس وتكنس بالنهار حين تختفي .

وقال الزمخشري : أي تخنس بالنهار وتكنس بالليل ، أي تطلع في أماكنها كالوحش في كنسها . انتهى . وقال عبد اللّه والنخعي وجابر بن زيد وجماعة : المراد { بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ } : بقر الوحش ، لأنها تفعل هذه الأفعال في كنائسها .

وقال ابن عباس وابن جبير والضحاك : هي الظباء ، والخنس من صفة الأنوق لأنها يلزمها الخنس ، وكذا بقر الوحش .

١٧

والليل إذا عسعس

{عَسْعَسَ } بلغة قريش ، وقال الحسن : أقبل ظلامه ، ويرجحه مقابلته بقوله :

١٨

والصبح إذا تنفس

{وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } ، فهما حالتان . وقال المبرد : أفسم بإقباله وإدباره وتنفسه كونه يجيء معه روح ونسيم ، فكأنه نفس له على المجاز .

١٩

إنه لقول رسول . . . . .

{إنَّهُ } : أي إن هذا المقسم عليه ، أي إن القرآن { لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } ؛ الجمهور : على أنه جبريل عليه السلام .

وقيل : محمد صلى اللّه عليه وسلم ، وكريم صفة تقتضي نفي المذام كلها وإثبات صفات المدح اللائقة به .

٢٠

انظر تفسير الآية:٢١

٢١

ذي قوة عند . . . . .

{ذِى قُوَّةٍ } : كقوله :{ شَدِيدُ الْقُوَى}{ عِندَ ذِى } : الكينونة اللائقة من شرف المنزلة وعظم المكانة .

وقيل : العرش متعلق بمكين مطاع . ثم إشارة إلى { عِندَ ذِى الْعَرْشِ } : أي إنه مطاع في ملائكة اللّه المقربين يصدرون عن أمره .

وقرأ أبو جعفر وأبو حيوة وأبو البرهثم وابن مقسم : ثم ، بضم الثاء : حرف عطف ، والجمهور :{ ثُمَّ } بفتحها ، ظرف مكان للبعيد .

وقال الزمخشري : وقرىء ثم تعظيماً للأمانة وبياناً لأنها أفضل صفاته المعدودة . انتهى . وقال صاحب اللوامح : بمعنى مطاع وأمين ، وإنما صارت ثم بمعنى الواو بعد أن مواضعتها للمهلة والتراخي عطفاً ، وذلك لأن جبريل عليه السلام كان بالصفتين معاً في حال واحدة ، فلو ذهب ذاهب إلى الترتيب والمهلة في هذا العطف بمعنى مطاع في الملأ الأعلى ، { ثَمَّ أَمِينٍ } عند انفصاله عنهم ، حال وحيه على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، لجاز أن لو ورد به أثر انتهى .{ أَمِينٌ } : مقبول القول يصدق فيما يقوله ، مؤتمن على ما يرسل به من وحي وامتثال أمر

٢٢

وما صاحبكم بمجنون

{وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } : نفى عنه ما كانوا ينسبونه إليه ويبهتونه به من الجنون .

٢٣

انظر تفسير الآية:٢٤

٢٤

ولقد رآه بالأفق . . . . .

{وَلَقَدْ رَءاهُ } : أي رأى الرسول صلى اللّه عليه وسلم جبريل عليه السلام ، وهذه الرؤية بعد أمر غار حراء حين رآه على كرسي بين السماء والأرض في صورته له ستمائة جناح .

وقيل : هي الرؤية التي رآه فيها عند سدرة المنتهى ، وسمى ذلك الموضع أفقاً مجازاً . وقد كانت له عليه السلام ، رؤية ثانية بالمدينة ، وليست هذه . ووصف الأفق بالمبين لأنه روي أنه كان في المشرق من حيث تطلع الشمس ، قاله قتادة وسفيان . وأيضاً فكل أفق في غاية البيان .

وقيل : في أفق السماء الغربي ، حكاه ابن شجرة . وقال مجاهد : رآه نحو جياد ، وهو مشرق مكة .

وقرأ عبد اللّه وابن عباس وزيد بن ثابت وابن عمر وابن الزبير وعائشة وعمر بن عبد العزيز وابن جبير وعروة وهشام بن جندب ومجاهد وغيرهم ، ومن السبعة النحويان وابن كثير : بظنين بالظاء ، أي بمتهم ، وهذا نظير الوصف السابق بأمين .

وقيل : معناه بضعيف القوة على التبليغ من قولهم : بئر ظنون إذا كانت قليلة الماء ، وكذا هو بالظاء في مصحف عبد اللّه .

وقرأ عثمان وابن عباس أيضاً والحسن وأبو رجاء والأعرج وأبو جعفر وشيبة وجماعة غيرهم وباقي السبعة : بالضاد ، أي ببخيل يشح به لا يبلغ ما قيل له ويبخل ، كما يفعل الكاهن حتى يعطى حلوانه . قال الطبري : وبالضاد خطوط المصاحف كلها .

٢٥

وما هو بقول . . . . .

{وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } : أي الذي يتراءى له إنما هو ملك لا مثل الذي يتراءى للكهان .

٢٦

انظر تفسير الآية:٢٧

٢٧

فأين تذهبون

{فَأيْنَ تَذْهَبُونَ } : استضلال لهم ، حيث نسبوه مرة إلى الجنون ، ومرة إلى الكهانة ، ومرة إلى غير ذلك مما هو بريء منه .

وقال الزمخشري : كما يقال لتارك الجادة اعتسافاً أو ذهاباً في بنيات الطريق : أي تذهب ؟ مثلت حالهم بحاله في تركهم الحق وعدولهم عنه إلى الباطل . انتهى .{ ذُكِرَ } : تذكرة وعظة ، { لِمَن شَاء } : بدل من { لّلْعَالَمِينَ } ، ثم عذق مشيئة العبيد بمشيئة اللّه تعالى .

٢٨

لمن شاء منكم . . . . .

قال ابن عطية : ثم خصص تعالى من شاء الاستقامة بالذكر تشريفاً وتنبيهاً وذكراً لتلبسهم بأفعال الاستقامة .

٢٩

وما تشاؤون إلا . . . . .

ثم بين تعالى أن تكسب العبد على العموم في استقامة وغيرها إنما يكون مع خلق اللّه تعالى واختراعه الإيمان في صدر المرء . انتهى .

وقال الزمخشري : وإنما أبدلوا منهم لأن الذين شاءوا الاستقامة بالدخول في الإسلام هم المنتفعون بالذكر ، فكأنه لم يوعظ به غيرهم ، وإن كانوا موعوظين جميعاً . { وَمَا تَشَاءونَ } الاستقامة يا من يشاؤها إلا بتوفيق اللّه تعالى ولطفه ، ما تشاءونها أنتم يا من لا يشاؤها إلا بقسر اللّه وإلجاته . انتهى . ففسر كل من ابن عطية والزمخشري المشيئة على مذهبه . وقال الحسن : ما شاءت العرب الإسلام حتى شاء اللّه لها .

﴿ ٠