سورة المطففين

مكية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

انظر تفسير الآية:٣

٢

انظر تفسير الآية:٣

٣

الذين إذا اكتالوا . . . . .

التطفيف النقصان وأصله من الطفيف وهو النزل الحقير والمطفف الآخذ في وزن أو كيل طفيفاً أي شيئاً حقيراً خفياً . ران غطى وغشى كالصدإ يغشى السيف . قال الشاعر : وكم ران من ذنب على قلب فاجر

فتاب من الذنب الذي ران فانجلا

وأصل الرين الغلبة يقال رانت الخمر على عقل شاربها وران الغشى على عقل المريض . قال أبو زبيد :

ثم لما رآه رانت به الخمر وأن لا يرينه بانتقاء

وقال أبو زيد يقال رين بالرجل يران به ريناً إذا وقع فيما لا يستطيع منه الخروج . الرحيق قال الخليل أجود الخمر . وقال الأخفش والزجاج الشراب الذي لا غش فيه . قال حسان :

بردى يصفق بالرحيق السلسل

نافس في الشيء رغب فيه ونفست عليه بالشيء أنفس نفاسة إذا بخلت به عليه ولم تحب أن يصير إليه . التسنيم أصله الارتفاع ومنه تسنيم القبر وسنام البعير وتسنمته علوت سنامه . الغمز الإشارة بالعين والحاجب .

هذه السورة مكية في قول ابن مسعود والضحاك ومقاتل ، مدنية في قول الحسن وعكرمة ومقاتل أيضاً .

وقال ابن عباس وقتادة : مدنية إلا من { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ } إلى آخرها ، فهو مكي ، ثمان آيات . وقال السدي : كان بالمدينة رجل يكنى أبا جهينة ، له مكيلان ، يأخذ بالأوفى ويعطي بالأنقص ، فنزلت .

ويقال : أنها أول سورة أنزلت بالمدينة .

وقال ابن عباس : نزل بعضها بمكة ، ونزل أمر التطفيف بالمدينة لأنهم كانوا أشد الناس فساداً في هذا المعنى ، فأصلحهم اللّه بهذه السورة .

وقيل : نزلت بين مكة والمدينة ليصلح اللّه تعالى أمرهم قبل ورود رسوله صلى اللّه عليه وسلم. والمناسبة بين السورتين ظاهرة . لما ذكر تعالى السعداء والأشقياء ويوم الجزاء وعظم شأن يومه ، ذكر ما أعد لبعض العصاة ، وذكرهم بأخس ما يقع من المعصية ، وهي التطفيف الذي لا يكاد يجدي شيئاً في تثمير المال وتنميته .

{إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ } : قبضوا لهم ، { وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ } ، أقبضوهم . وقال الفراء : من وعلى يعتقبان هنا ، اكتلت على الناس ، واكتلت من الناس . فإذا قال : اكتلت منك ، فكأنه قال : استوفيت منك ؛ وإذا قال : اكتلت عليك ؛ فكأنه قال : أخذت ما عليك ، والظاهر أن على متعلق باكتالوا كما قررنا .

وقال الزمخشري : لما كان اكتيالهم من الناس اكتيالاً يضرهم ويتحامل فيه عليهم ، أبدل على مكان من للدلالة على ذلك ؛ ويجوز أن يتعلق بيستوفون ، أي يستوفون على الناس خاصة ، فأما أنفسهم فيستوفون لها . انتهى . وكال ووزن مما يتعدى بحرف الجر ، فتقول : كلت لك ووزنت لك ، ويجوز حذف اللام ، كقولك : نصحت لك ونصحتك ، وشكرت لك وشكرتك ؛ والضمير ضمير نصب ، أي كالوا لهم أو وزنوا لهم ، فحذف حرف الجر ووصل الفعل بنفسه ، والمفعول محذوف وهو المكيل والموزون . وعن عيسى وحمزة : المكيل له والموزون له محذوف ، وهم ضمير مرفوع تأكيد للضمير المرفوع الذي هو الواو .

وقال الزمخشري : ولا يصح أن يكون ضميراً مرفوعاً للمطففين ، لأن الكلام يخرج به إلى نظم فاسد ، وذلك أن المعنى : إذا أخذوا من الناس استوفوا ، وإذا أعطوهم أخسروا . وإن جعلت الضمير للمطففين ، انقلب إلى قولك : إذا أخذوا من الناس استوفوا ، وإذا تولوا الكيل أو الوزن هم على الخصوص أخسروا ، وهو كلام متنافر ، لأن الحديث واقع في الفعل لا في المباشر . انتهى . ولا تنافر فيه بوجه ، ولا فرق بين أن يؤكد الضمير وأن لا يؤكد ، والحديث واقع في الفعل . غاية ما في هذا أن متعلق الاستيفاء ، وهو على الناس ، مذكور وهو في { كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ } ، محذوف للعلم به لأنه معلوم أنهم لا يخسرون الكيل والميزان إذا كان لأنفسهم ، إنما يخسرون ذلك لغيرهم .

وقال الزمخشري :

فإن قلت : هل لا . قيل أو اتزنوا ، كما قيل أو وزنوهم ؟

قلت : كأن المطففين كانوا لا يأخذون ما يكال ويوزن إلا بالمكاييل دون الموازين لتمكنهم بالاكتيال من الاستيفاء

والسرقة ، لأنهم يدعدعون ويحتالون في الملء ، وإذا أعطوا كالوا أو وزنوا لتمكنهم من البخس في النوعين جميعاً . { يُخْسِرُونَ } : ينقصون . انتهى . ويخسرون معدّى بالهمزة ، يقال : خسر الرجل وأخسره غيره .

٤

انظر تفسير الآية:٦

٥

انظر تفسير الآية:٦

٦

ألا يظن أولئك . . . . .

{أَلا يَظُنُّ } : توقيف على أمر القيامة وإنكار عليهم في فعلهم ذلك ، أي { لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } ، وهو يوم القيامة ، ويوم ظرف ، العامل فيه مقدر ، أي يبعثون يوم يقوم الناس . ويجوز أن يعمل فيه مبعوثون ، ويكون معنى { لِيَوْمِ } : أي لحساب يوم . وقال الفراء : هو بدل من يوم عظيم ، لكنه بني وقرىء { يَوْمَ يَقُومُ } بالجر ، وهو بدل من { لِيَوْمِ } ، حكاه أبو معاد .

وقرأ زيد بن عليّ : يوم بالرفع ، أي ذلك يوم ، ويظن بمعنى يوقن ، أو هو على وضعه من الترجيح . وفي هذا الإنكار والتعجب ، ووصف اليوم بالعظم ، وقيام الناس للّه خاضعين ، ووصفه برب العالمين ، دليل على عظم هذا الذنب وهو التطفيف .

٧

انظر تفسير الآية:٩

٨

انظر تفسير الآية:٩

٩

كلا إن كتاب . . . . .

{كَلاَّ } : ردع لما كانوا عليه من التطفيف ، وهذا القيام تختلف الناس فيه بحسب أحوالهم ، وفي هذا القيام إلجام العرق للناس ، وأحوالهم فيه مختلفة ، كما ورد في الحديث . والفجار : الكفار ، وكتابهم هو الذي فيه تحصيل أعمالهم .{ وسجين } ، قال الجمهور : فعيل من السجن ، كسكير ، أو في موضع ساجن ، فجاء بناء مبالغة ، فسجين على هذا صفة لموضع المحذوف . قال ابن مقبل : ورفقة يضربون البيض ضاحية

ضرباً تواصت به الأبطال سجينا

وقال الزمخشري :

فإنقلت :{ أَدْرَاكَ مَا سِجّينٌ } ، أصفة هو أم اسم ؟

قلت : بل هو اسم علم منقول من وصف كحاتم ، وهو منصرف لأنه ليس فيه إلا سبب واحد وهو التعريف . انتهى . وكان قد قدم أنه كتاب جامع ، وهو ديوان الشر ، دوّن اللّه فيه أعمال الشياطين وأعمال الكفرة والفسقة من الجن والإنس ، وهو :{ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } : مسطور بين الكتابة ، أو معلم يعلم من رآه أنه لا خير فيه ، والمعنى : أن ما كتب من أعمال الفجار مثبت في ذلك الديوان . انتهى . واختلفوا في سجين إذا كان مكاناً اختلافاً مضطرباً حذفنا ذكره . والظاهر أن سجيناً هو كتاب ، ولذلك أبدل منه { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ} وقال عكرمة : سجين عبارة عن الخسار والهوان ، كما تقول : بلغ فلان الحضيض إذا صار في غاية الجمود . وقال بعض اللغويين : سجين ، نونه بدل من لام ، وهو من السجيل ، فتلخص من أقوالهم أن سجين نونه أصلية ، أو بدل من لام . وإذا كانت أصلية ، فاشتقاقه من السجن .

وقيل : هو مكان ، فيكون { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } خبر مبتدأ محذوف ، أي هو كتاب . وعني بالضمير عوده على { كِتَابَ الْفُجَّارِ } ،أو على { سِجّينٍ } على حذف ، أي هو محل { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } ، و { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } تفسير له على جهة البدل أو خبر مبتدأ . والضمير المقدر الذي هو عائد على { سِجّينٍ } ،أو كناية عن الخسار والهوان ، هل هو صفة أو علم ؟{ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجّينٌ } : أي ليس ذلك مما كنت تعلم . مرقوم : أي مثبت كالرقم لا يبلى ولا يمحى . قال قتادة : رقم لهم : بشر ، لا يزاد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد .

وقال ابن عباس والضحاك : مرقوم : مختوم بلغة حمير ، وأصل الرقم الكتابة ، ومنه قول الشاعر : سأرقم في الماء القراح إليكم

على بعدكم إن كان للماء راقم

وتبين من الإعراب السابق أن { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } بدل أو خبر مبتدأ محذوف . وكان ابن عطية قد قال : إن سجيناً موضع ساجن على قول الجمهور ، وعبارة عن الخسار على قول عكرمة ، من قال :{ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ} من قال بالقول الأول في سجين ، فكتاب مرتفع عنده على خبر إن ، والظرف الذي هو { لَفِى سِجّينٍ } ملغى . ومن قال في سجين بالقول الثاني ، فكتاب مرقوم على خبر ابتداء مضمر التقدير هو { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } ، ويكون هذا الكتاب مفسراً لسجين ما هو . انتهى .

فقوله : والظرف الذي هو { لَفِى سِجّينٍ } ملغى قول لا يصح ، لأن اللام التي في { لَفِى سِجّينٍ } داخلة على الخبر ، وإذا كانت داخلة على الخبر ، فلا إلغاء في الجار والمجرور ، بل هو الخبر . ولا جائز أن تكون هذه اللام دخلت في { لَفِى سِجّينٍ } على فضلة هي معمولة للخبر أو لصفة الخبر ، فيكون الجار والمجرور ملغى لا خبراً ، لأن كتاب موصوف بمرقوم فلا يعمل ، ولأن مرقوماً الذي هو صفة لكتاب لا يجوز أن تدخل اللام في معموله ، ولا يجوز أن يتقدم معموله على الموصوف ، فتعين بهذا أن قوله :{ لَفِى سِجّينٍ } هو خبر إن .

١١

انظر تفسير الآية:١٣

١٣

الذين يكذبون بيوم . . . . .

{الَّذِينَ يُكَذّبُونَ } : صفة ذم ، { كُلُّ مُعْتَدٍ } : متجاوز الحد ، { أَثِيمٍ } : صفة مبالغة .

وقرأ الجمهور :{ إِذَا } ؛ والحسن : أئذا بهمزة الاستفهام . والجمهور :{ تُتْلَى } بتاء التأنيث ؛ وأبو حيوة وابن مقسم : بالياء . قيل : ونزلت في النضر بن الحرث .

١٤

كلا بل ران . . . . .

{بَلْ رَانَ } ، قرىء بإدغام اللام في الراء ، وبالإظهار وقف حمزة على بل وقفاً خفيفاً يسير التبيين الإظهار . وقال أبو جعفر بن الباذش : وأجمعوا ، يعني القراء ، على إدغام اللام في الراء إلا ما كان من سكت حفص على بل ، ثم يقول :{ رَانَ } ، وهذا الذي ذكره ليس كما ذكر من الإجماع . ففي كتاب اللوامح عن قالون : من جميع طرقه إظهار اللام عند الراء ، نحو قوله :{ بَل رَّفَعَهُ اللّه إِلَيْهِ } ،{ بَل رَّبُّكُمْ} وفي كتاب ابن عطية ،

وقرأ نافع :{ بَلْ رَانَ } غير مدغم ، وفيه أيضاً :

وقرأ نافع أيضاً بالإدغام والإمالة . وقال سيبويه : اللام مع الراء نحو : أسفل رحمه البيان والإدغام حسنان .

وقال الزمخشري : وقرى بإدغام اللام في الراء ، وبالإظهار والإدغام أجود ، وأميلت الألف وفخمت . انتهى . وقال سيبويه : فإذا كانت ، يعني اللام ، غير لام المعرفة ، نحو لام هل وبل ، فإن الإدغام في بعضها أحسن ، وذلك نحو : هل رأيت ؟ فإن لم تدغم فقلت : هل رأيت ؟ فهي لغة لأهل الحجاز ، وهي غريبة جائزة . انتهى . وقال الحسن والسدي : هو الذنب على الذنب . وقال الحسن : حتى يموت قلبه . وقال السدي : حتى يسود القلب . وفي الحديث نحو من هذا . فقال الكلبي : طبع على قلوبهم . وقال ابن سلام : غطى .{ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } ،

قال ابن عطية : وعلق اللوم بهم فيما كسبوه ، وإن كان ذلك بخلق منه تعالى واختراع ، لأن الثواب والعقاب متعلقان بكسب العبد .

١٥

كلا إنهم عن . . . . .

والضمير في قوله : { إنَّهُمْ } ، فمن قال بالرؤية ، وهو قول أهل السنة ، قال إن هؤلاء لا يرون ربهم ، فهم محجوبون عنه . واحتج بهذه الآية مالك على سبيله الرؤية من جهة دليل الخطاب ، وإلا فلو حجب الكل لما أغنى هذا التخصيص . وقال الشافعي : لما حجب قوماً بالسخط ، دل على أن قوماً يرونه بالرضا . ومن قال بأن لا رؤية ، وهو قول المعتزلة ، قال : إنهم يحجبون عن ربهم وغفرانه . نتهى . وقال أنس بن مالك : لما حجب أعداءه فلم يروه ، تجلى لأوليائه حتى رأوه ،

وقال الزمخشري :{ فَاقِرَةٌ كَلاَّ } ردع عن الكسب الراثن على قلوبهم ، وكونهم محجوبين عنه تمثيل للاستخفاف بهم وإهانتهم ، لأنه لا يؤذن على الملوك إلا للوجهاء المكرمين لديهم ، ولا يحجب عنهم إلا الأدنياء المهانون عندهم . قال الشاعر : إذا اعتروا باب ذي عيبة رحبوا

والناس ما بين مرحوب ومحجوب

وعن ابن عباس وقتادة وابن أبي مليكة : محجوبين عن رحمته . وعن ابن كيسان : عن كرامته . انتهى . وعن مجاهد : المعنى محجوبون عن كرامته ورحمته ، وعن ربهم متعلق بمحجوبون ، وهو العامل في يومئذ ، والتنوين تنوين العوض من الجملة المحذوفة ، ولم تتقدّم جملة قريبة يكون عوضاً منها ، لكنه تقدم { يَقُومُ النَّاسُ لِرَبّ الْعَالَمِينَ } ، فهو عوض من هذه الجملة ، كأنه قيل : يوم إذ يقوم الناس .

١٦

ثم إنهم لصالوا . . . . .

ثم هم مع الحجاب عن اللّه هم صالوا النار ، وهذه ثمرة الحجاب .

١٧

ثم يقال هذا . . . . .

{ثُمَّ يُقَالُ } : أي تقول لهم خزنة النار .{ هَاذَا } ،أي العذاب وصلي النار وهذا اليوم ، { الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ}

قال ابن عطية :{ هَاذَا الَّذِى } ، يعني الجملة مفعول لم يسم فاعله لأنه قول بني له الفعل الذي هو يقال . انتهى . وتقدم الكلام على نحو هذا في أول البقرة في قوله تعالى :{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى الارْضِ}

١٨

كلا إن كتاب . . . . .

لما ذكر تعالى أمر كتاب الفجار ، عقبه بذكر كتاب ضدهم ليتبين الفرق . عليون : جمع واحده عليّ ، مشتق من العلو ، وهو المبالغة ، قاله يونس وابن جني . قال أبو الفتح : وسبيله أن يقال علية ، كما قالوا للغرفة علية ، فلما حذفت التاء عوضوا منها الجمع بالواو والنون .

وقيل : هو وصف للملائكة ، فلذلك جمع بالواو والنون . وقال الفراء : هو اسم موضوع على صفة الجمع ، ولا واحد له من لفظه ، كقوله : عشرين وثلاثين ؛ والعرب إذا جمعت جمعاً ، ولم يكن له بناء من واحده ولا تثنية ، قالوا في المذكر والمؤنث بالواو والنون . وقال الزجاج : أعرب هذا الاسم كإعراب الجمع ، هذه قنسرون ، ورأيت قنسرين . وعليون : الملائكة ، أو المواضع العلية ، أو علم لديوان الخير الذي دون فيه كل ما علمته الملائكة وصلحاء الثقلين ، أو علو في علو مضاعف ، أقوال ثلاثة للزمخشري .

وقال أبو مسلم : { كِتَابَ الاْبْرَارِ } : كتابة أعمالهم ، { لَفِى عِلّيّينَ}

٢٠

كتاب مرقوم

ثم وصف عليين بأنه { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } فيه جميع أعمال الأبرار . وإذا كان مكاناً فاختلفوا في تعيينه اختلافاً مضطرباً رغبنا عن ذكره . وإعراب { لَفِى عِلّيّينَ } ، و { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } كإعراب { لَفِى سِجّينٍ } ، و { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ} و

قال ابن عطية : و { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } في هذه الآية خبر إن والظرف ملغى . انتهى . هذا كما قال في { لَفِى سِجّينٍ } ، وقد رددنا عليه ذلك وهذا مثله .

٢١

يشهده المقربون

والمقربون هنا ، قال ابن عباس وغيره : هم الملائكة أهل كل سماء ،

٢٣

على الأرائك ينظرون

{يُنظَرُونَ } ، قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد : إلى ما أعد لهم من الكرامات . وقال مقاتل : إلى أهل النار .

وقيل : ينظر بعضهم إلى بعض .

٢٤

تعرف في وجوههم . . . . .

وقرأ الجمهور : { تَعْرِفُ } بتاء الخطاب ، للرسول صلى اللّه عليه وسلم ،أو للناظر .{ نَضْرَةَ النَّعِيمِ } ، نصباً .

وقرأ أبو جعفر وابن أبي إسحاق وطلحة وشيبة ويعقوب والزعفراني : تعرف مبنياً للمفعول ، نضرة رفعاً ؛ وزيد بن عليّ : كذلك ، إلا أنه قرأ : يعرف بالياء ، إذ تأنيث نضرة مجازي ؛ والنضرة تقدّم شرحها في قوله :{ نَضْرَةً وَسُرُوراً}

٢٥

انظر تفسير الآية:٢٦

٢٦

يسقون من رحيق . . . . .

{مَّخْتُومٍ } ، الظاهر أن الرحيق ختم عليه تهمماً وتنظفاً بالرائحة المسكية ، كما فسره ما بعده .

وقيل : تختم أوانيه من الأكواب والأباريق بمسك مكان الطينة .

وقرأ الجمهور :{ خِتَامُهُ } : أي خلطه ومزاجه ، قاله عبد اللّه وعلقمة .

وقال ابن عباس وابن جبير والحسن : معناه خاتمته ، أي يجد الرائحة عند خاتمة الشراب ، رائحة المسك . وقال أبو عليّ : أي إبزاره المقطع وذكاء الرائحة مع طيب الطعم .

وقيل : يمزج بالكافور ويختم مزاجه بالمسك . وفي الصحاح : الختام : الطين الذي يختم به ، وكذا قال مجاهد وابن زيد : ختم إناؤه بالمسك بدل الطين ، وقال الشاعر : كأن مشعشعاً من خمر بصرى

نمته البحث مشدود الختام

وقرأ عليّ والنخعي والضحاك وزيد بن عليّ : وأبو حيوة وابن أبي عبلة والكسائي : خاتمه ، بعد الخاء ألف وفتح التاء ، وهذه بينة المعنى ، إنه يراد بها الطبع على الرحيق . وعن الضحاك وعيسى وأحمد بن جبير الأنطاكي عن الكسائي : كسر التاء ، أي آخره مثل قوله :{ وَخَاتَمَ النَّبِيّينَ } ، وفيه حذف ، أي خاتم رائحته المسك ؛ أو خاتمه الذي يختم به ويقطع .

٢٧

ومزاجه من تسنيم

{مِن تَسْنِيمٍ } ، قال عبد اللّه وابن عباس : هو أشرف شراب الجنة ، وهو اسم مذكر لماء عين في الجنة .

وقال الزمخشري :{ تَسْنِيمٍ } : علم لعين بعينها ، سميت بالتسنيم الذي هو مصدر سنمه إذا رفعه .

٢٨

عينا يشرب بها . . . . .

و { عَيْناً } نصب على المدح . وقال الزجاج : على الحال . انتهى . وقال الأخفش : يسقون عيناً ، { يَشْرَبُ بِهَا } : أي يشربها أو منها ، أو ضمن يشرب معنى يروى بها أقوال .{ الْمُقَرَّبُونَ } ، قال ابن مسعود وابن عباس والحسن وأبو صالح : يشربها المقربون

صرفاً ويمزج للأبرار . ومذهب الجمهور : الأبرار هم أصحاب اليمين ، وأن المقرّبين هم السابقون . وقال قوم : الأبرار والمقرّبون في هذه الآية بمعنى واحد يقع لكل من نعم في الجنة .

٢٩

انظر تفسير الآية: ٣٠

٣٠

إن الذين أجرموا . . . . .

وروي أن علياً وجمعاً معه من المؤمنين مروا بجمع من كفار قريش ، فضحكوا منهم واستخفوا بهم عبثاً ، فنزلت : { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ } ، قبل أن يصل عليّ رضي اللّه تعالى عنه إلى الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، وكفار مكة هؤلاء قيل هم : أبو جهل ، والوليد بن المغيرة ، والعاصي بن وائل ؛ والمؤمنون : عمار ، وصهيب ، وخباب ، وبلال ، وغيرهم من فقراء المؤمنين . والظاهر أن الضمير في { مَرُّواْ } عائد على { الَّذِينَ أَجْرَمُواْ } ، إذ في ذلك تناسق الضمائر لواحد .

وقيل : للمؤمنين ، أي وإذا مرّ المؤمنون بالكافرين يتغامز الكافرون ، أي يشيرون بأعينهم .

٣١

وإذا انقلبوا إلى . . . . .

و { فَكِهِينَ } : أي متلذذين بذكرهم وبالضحك منهم .

وقرأ الجمهور : فاكهين بالألف ، أي أصحاب فاكهة ومزح وسرور باستخفافهم بأهل الإيمان ؛ وأبو رجاء والحسن وعكرمة وأبو جعفر وحفص : بغير ألف ،

٣٢

وإذا رأوهم قالوا . . . . .

والضمير المرفوع في { رَأَوْهُمْ } عائد على المجرمين ، أي إذا رأوا المؤمنين نسبوهم إلى الضلال ، وهم محقون في نسبتهم إليه .

٣٣

وما أرسلوا عليهم . . . . .

{وَمَا أُرْسِلُواْ } على الكفار ، { حَافِظِينَ} وفي الإشارة إليهم بأنهم ضالون إثارة للكلام بينهم . وكان في الآية بعض موادعة ، أي إن المؤمنين لم يرسلوا حافظين على الكفار ، وهذا على القول بأن هذا منسوخ بآية السيف .

وقال الزمخشري : وإنهم لم يرسلوا عليهم حافظين ، إنكاراً لصدّهم إياهم عن الشرك ، ودعائهم إلى الإسلام ، وجدهم في ذلك .

٣٤

فاليوم الذين آمنوا . . . . .

ولما تقدّم ذكر يوم القيامة قيل : { فَالْيَوْمَ الَّذِينَ ءامَنُواْ } ، واليوم منصوب بيضحكون منهم في الآخرة ، وينظرون حال من الضمير في يضحكون ، أي يضحكون ناظرين إليهم وإلى ما هم فيه من الهوان والعذاب بعد العزة والنعيم . وقال كعب لأهل الجنة : كوى ينظرون منها إلى أهل النار .

وقيل : ستر شفاف بينهم يرون منه حالهم .

٣٦

هل ثوب الكفار . . . . .

{هَلْ ثُوّبَ } : أي هل جوزي ؟ يقال : ثوبه وأثابه إذا جازاه ، ومنه قول الشاعر : سأجزيك أو يجزيك عني مثوب

وحسبك أن يثني عليك وتحمد

وهو استفهام بمعنى التقرير للمؤمنين ، أي هل جوزوا بها ؟

وقيل :{ هَلْ ثُوّبَ } متعلق بينظرون ، وينظرون معلق بالجملة في موضع نصب بعد إسقاط حرف الجر الذي هو إلى .

وقرأ الجمهور :{ هَلْ ثُوّبَ } بإظهار لام هل ؛ والنحويان وحمزة وابن محيصن : بإدغامها في الثاء ؛

وفي قوله :{ مَا كَانُواْ } حذف تقديره جزاء أو عقاب :{ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}

﴿ ٠