سورة الغاشية

مكية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

هل أتاك حديث . . . . .

الضريع ، قال أبو حنيفة وأظنه صاحب النبات ، الضريع : الشبرق ، وهو مرعى سوء لا تعقد السائمة عليه شحماً ولا لحماً ، ومنه قول ابن عزارة الهذلي : وحبسن في هزم الضريع فكلها

حدباء دامية اليدين حرود

وقال أبو ذؤيب : رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى

وصار ضريعاً بان عنه النحائص

وقال بعض اللغويين : يبيس العرفج إذا تحطم . وقال الزجاج : هو نبت كالعوسج . وقال الخليل : نبت أخضر منتن الريح يرمي به البحر . النمارق : الوسائد ، واحدها نمرقة بضم النون والراء وبكسرهما .

وقال زهير

كهولاً وشباناً حساناً وجوههم

على سرر مصفوفة ونمارق

الزرابي : بسط عراض فاخرة . وقال الفراء : هي الطنافس المخملة ، وواحدها زريبة بكسر الزاي وبفتحها . سطحت الأرض : بسطت ووطئت .

هي مكية . ولما ذكر فيما قبلها { فَذَكّرْ } ، وذكر النار والآخرة ، قال :{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} والغاشية : الداهية التي تغشى الناس بشدائدها يوم القيامة ، قاله سفيان والجمهور . وقال ابن جبير ومحمد بن كعب : النار ،

قال تعالى :{ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ} وقال :{ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } ، فهي تغشى سكانها . وهذا الاستفهام توقيف ، وفائدته تحريك نفس السامع إلى تلقي الخبر .

وقيل : المعنى هل كان هذا من عملك لولا ما علمناك ؟ وفي هذا تعديد النعمة .

وقيل : هل بمعنى قد .

٢

وجوه يومئذ خاشعة

{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ } : أي يوم إذ غشيت ، والتنوين عوض من الجملة ، ولم تتقدم جملة تصلح أن يكون التنوين عوضاً منها ، لكن لما تقدّم لفظ الغاشية ، وأل موصولة باسم الفاعل ، فتنحل للتي غشيت ، أي للداهية التي غشيت . فالتنوين عوض من هذه الجملة التي انحل لفظ الغاشية إليها ، وإلى الموصول الذي هو التي .{ خَاشِعَةٌ } : ذليلة .

٣

عاملة ناصبة

{عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } ، قال ابن عباس والحسن وابن جبير وقتادة :{ عَامِلَةٌ } في النار ، { نَّاصِبَةٌ } تعبة فيها لأنها تكبرت عن العمل في الدنيا . قيل . وعملها في النار جر السلاسل والأغلال ، وخوضها في النار كما تخوض الإبل في الوحل ، وارتقاؤها دائبة في صعود نار وهبوطها في حدور منها .

وقال ابن عباس أيضاً وزيد بن أسلم وابن جبير : عاملة في الدنيا ناصبة فيها لأنها على غير هدى ، فلا ثمرة لها إلا النصب وخاتمته النار ؛ والآية في القسيسين وعباد الأوثان وكل مجتهد في كفره . وقال عكرمة والسدي : عاملة ناصبة بالنصب على الذم ، والجمهور برفعهما .

٤-٥

تصلى نارا حامية

وقرأ : { تَصْلَى } بفتح التاء ؛ وأبو رجاء وابن محيصن والأبوان : بضمها ؛ وخارجة : بضم التاء وفتح الصاد مشدّد اللام ، وقد حكاها أبو عمرو بن العلاء { حَامِيَةً } : مسعرة آنية قد انتهى حرها ، كقوله :{ وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءانٍ } ، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد . وقال ابن زيد : حاضرة لهم من قولهم : آنى الشيء حضر .

٦

ليس لهم طعام . . . . .

والضريع ، قال ابن عباس : شجر من نار . وقال الحسين : وجماعة الزقوم . وقال ابن جبير : حجارة من نار .

وقال ابن عباس أيضاً وقتادة وعكرمة ومجاهد : شبرق النار .

وقيل : العبشرق .

وقيل : رطب العرفج ، وتقدم ما قيل فيه في المفردات .

وقيل : واد في جهنم . والضريع ، إن كان الغسلين والزقوم ، فظاهر ولا يتنافى الحصر في { إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } ، و { إِلاَّ مَنْ } ضريع . وإن كانت أغياراً مختلفة ، والجمع بأن الزقوم لطائفة ، والغسلين لطائفة ، والضريع لطائفة .

٧

لا يسمن ولا . . . . .

وقال الزمخشري : { لاَّ يُسْمِنُ } مرفوع

المحل أو مجروره على وصف طعام أو ضريع ، يعني أن طعامهم من شيء ليس من مطاعم الإنس وإنما هو شوك ، والشوك مما ترعاه الإبل وتتولع به ، وهذا نوع منه تنفر عنه ولا تقربه ، ومنفعتا الغذاء منتفيتان عنه ، وهما إماطة الجوع وإفادة القوة ، والسمن في البدن ، انتهى . فقوله : مرفوع المحل أو مجروره على وصف طعام أو ضريع . أما جره على وصفه لضريع فيصح ، لأنه مثبت منفي عنه السمن والإغناء من الجوع .

وأما رفعه على وصفه لطعام فلا يصح ، لأن الطعام منفي ولا يسمن ، منفي فلا يصح تركيبه ، إذ يصير التقدير : ليس لهم طعام لا يسمن ولا يغني من جوع إلا من ضريع ، فيصير المعنى : أن لهم طعاماً يسمن ويغني من جوع من غير ضريع ، كما تقول : ليس لزيد مال لا ينتفع به إلا من مال عمرو ، فمعناه أن له مالاً ينتفع به من غير مال عمرو . ولو قيل : الجملة في موضع رفع صفة للمحذوف المقدر في { إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } كان صحيحاً ، لأنه في موضع رفع على أنه بدل من اسم ليس ، أي ليس لهم طعام إلا كائن من ضريع ، إذ الإطعام من ضريع غير مسمن ولا مغن من جوع ، وهذا تركيب صحيح ومعنى واضح ،

وقال الزمخشري : أو أريد أن لا طعام لهم أصلاً ، لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلاً عن الإنس ، لأن الطعام ما أشبع وأسمن ، وهو منهما بمعزل . كما تقول : ليس لفلان ظل إلا الشمس ، تريد نفي الظل على التوكيد . انتهى . فعلى هذا يكون الاستثناء منقطعاً ، إذ لم يندرج الكائن من الضريع تحت لفظة طعام ، إذ ليس بطعام . والظاهر الاتصال فيه .

وفي قوله :{ وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } ، لأن الطعام هو ما يتطعمه الإنسان ، وهذا قدر مشترك بين المستلذ والمكروه وما لا يستلذ ولا يستكره .

٨

وجوه يومئذ ناعمة

{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ } : صح الابتداء في هذا

وفي قوله :{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ } بالنكرة لوجود مسوغ ذلك وهو التفصيل ، ناعمة لحسنها ونضارتها أو متنعمة .

٩

لسعيها راضية

{لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ } : أي لعملها في الدنيا بالطاعة ، راضية إذا كان ذلك العمل جزاؤه الجنة .

١٠

في جنة عالية

{فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } : أي مكاناً ومكانة .

١١

لا تسمع فيها . . . . .

وقرأ الأعرج وأهل مكة والمدينة ونافع وابن كثير وأبو عمرو بخلاف عنهم . { لاَ تُسْمِعُ } مبنياً للمفعول ، { لَاغِيَةً } : رفع ، أي كلمة لاغية ، أو جماعة لاغية ، أو لغو ، فيكون مصدراً كالعاقبة ، ثلاثة أقوال ، الثالث لأبي عبيدة وابن محيصن وعيسى وابن كثير وأبو عمرو كذلك ، إلا أنهم قرأوا بالياء لمجاز التأنيث ، والفضل والجحدري كذلك ، إلا أنه نصب لاغية على معنى لا يسمع فيها ، أي أحد من قولك : أسمعت زيداً ؛ والحسن وأبو رجاء وأبو جعفر وقتادة وابن سيرين ونافع في رواية خارجة وأبو عمرو بخلاف عنه ؛ وباقي السبعة : لا تسمع بتاء الخطاب عموماً ، أو للرسول عليه الصلاة والسلام ، أو الفاعل الوجود . لاغية : بالنصب ،

١٢

فيها عين جارية

{فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ } : عين اسم جنس ، أي عيون ، أو مخصوصة ذكرت تشريفاً لها .

١٣

فيها سرر مرفوعة

{فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ } : من رفعة المنزلة أو رفعة المكان ليرى ما خوله ربه من الملك والنعيم ، أو مخبوءة من رفعت لك هذا ، أي خبأته .

١٤

وأكواب موضوعة

{وأكواب موضوعة } : أي بأشربتها معدة لا تحتاج إلى مالىء ، أو موضوعة بين أيديهم ، أو موضوعة على حافات العيون . وأكواب موضوعة } : أي بأشربتها معدة لا تحتاج إلى مالىء ، أو موضوعة بين أيديهم ، أو موضوعة على حافات العيون . : أي بأشربتها معدة لا تحتاج إلى مالىء ، أو موضوعة بين أيديهم ، أو موضوعة على حافات العيون .

١٥

ونمارق مصفوفة

{وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ } : أي وسائد صف بعضها إلى جنب بعض للاستناد إليها والاتكاء عليها .

وزرابي مبثوثة

{وَزَرَابِيُّ } : متفرقة هنا وهنا في المجالس .

١٧

انظر تفسير الآية:٢٠

١٨

انظر تفسير الآية:٢٠

١٩

انظر تفسير الآية:٢٠

٢٠

أفلا ينظرون إلى . . . . .

ولما ذكر تعالى أمر القيامة وانقسام أهلها إلى أشقياء وسعداء ، وعلم أنه لا سبيل إلى إثبات ذلك إلا بواسطة الصانع الحكيم ، أتبع ذلك بذكره هذه الدلائل ، وذكر ما العرب مشاهدوه وملابسوه دائماً فقال : { مَبْثُوثَةٌ أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } ، وهي الجمال ، فإنه اجتمع فيها ما تفرق من المنافع في غيرها ، من أكل لحمها ، وشرب لبنها ، والحمل عليها ، والتنقل عليها إلى البلاد الشاسعة ، وعيشها بأي نبات أكلته ، وصبرها على العطش حتى أن فيها ما يرد الماء لعشر ، وطواعيتها لمن يقودها ، ونهضتها وهي باركة بالأحمال الثقال ، وكثرة جنينها ، وتأثرها بالصوت الحسن على غلظ أكبادها ، وهي لا شيء من الحيوان جميع هذه الخصال غيرها . وقد أبان تعالى امتنانه عليهم بقوله :{أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعاماً } ، الآيات . ولكونها أفضل ما عند الغرب ، جعلوها دية القتل ، ووهبوا المائة منها من يقصدهم ومن أرادوا إكرامه ، وذكرها الشعراء في مدح من وهبها ، كما قال :

أعطوا هنيدة تحدوها ثمانية

وقال آخر :

الواهب المائة الهجان برمتها

وناسب التنبيه بالنظر إليها وإلى ما حوت من عجائب الصفات ، ما ذكر معها من السماء والجبال والأرض لانتظام هذه الأشياء في نظر العرب في أوديتهم وبواديهم ، وليدل على الاستدلال على إثبات الصانع ، وأنه ليس مختصاً بنوع دون نوع ، بل هو عام في كل موجوداته ، كما قيل : وفي كل شيء له آية

تدل على أنه واحد

وقال أبو العباس : المبرد : الإبل هنا السحاب ، لأن العرب قد تسميها بذلك ، إذ تأتي إرسالاً كالإبل ، وتزجى كما تزجى الإبل ، وهي في هيئتها أحياناً تشبه الإبل والنعام ، ومنه قوله : كأن السحاب ذوين السما

ء نعام تعلق بالأجل

وقال الزمخشري : ولم يدع من زعم أن الإبل السحاب إلى قوله إلا طلب المناسبة ، ولعله لم يرد أن الإبل من أسماء السحاب ، كالغمام والمزن والرباب والغيم وغير ذلك ، وإنما رأى السحاب مشبهاً بالإبل كثيراً في أشعارهم ، فجوّز أن يراد بها السحاب على طريقة التشبيه والمجاز ، انتهى .

وقرأ الجمهور : { الإِبِلِ } بكسر الباء وتخفيف اللام ؛ والأصمعي عن أبي عمرو : بإسكان الباء ؛ وعليّ وابن عباس : بشد اللام . ورويت عن أبي عمرو وأبي جعفر والكسائي وقالوا : إنها السحاب ، عن قوم من أهل اللغة . وقال الحسن : خص الإبل بالذكر لأنها تأكل النوى والقت وتخرج اللبن ، فقيل له : الفيل أعظم في الأعجوبة ، وقال العرب : بعيدة العهد بالفيل ، ثم هو خنزير لا يؤكل لحمه ولا يركب ظهره ولا يحلب دره . والإبل لا واحد له من لفظه وهو مؤنث ، ولذلك إذا صغر دخلته التاء فقالوا : أبيلة ، وقالوا في الجمع : آبال . وقد اشتقوا من لفظه فقالوا : تأبل الرجل ، وتعجبوا من هذا الفعل على غير قياس فقالوا : ما آبل زيداً . وإبل اسم جاء على فعل ، ولم يحفظ سيبويه مما جاء على هذا الوزن غيره . وكيف خلقت : جملة استفهامية في موضع البدل من الإبل ، وينظرون : تعدى إلى الإبل بواسطة إلى ، وإلى كيف خلقت على سبيل التعليق ، وقد تبدل الجملة وفيها الاستفهام من الاسم الذي قبلها كقولهم : عرفت زيداً أبو من هو على أصح الأقوال ، على أن العرب قد أدخلت إلى على كيف ، فحكى أنهم قالوا : انظر إلى كيف يصنع . وكيف سؤال عن حال والعامل فيها خلقت ، وإذا علق الفعل عن ما فيه الاستفهام ، لم يبق الاستفهام على حقيقته ، وقد بينا ذلك في كتابنا المسمى بالتذكرة وفي غيره .

وقرأ الجمهور :{ خُلِقَتْ } : رفعت ، { نُصِبَتْ } سطحت بتاء التأنيث مبنياً للمفعول ؛ وعليّ وأبو حيوة وابن أبي عبلة : بتاء المتكلم مبنياً للفاعل ، والمفعول محذوف ، أي خلقتها ، رفعتها ، نصبتها ؛ رفعت رفعاً بعيد المدى بلا عمد ، نصبت نصباً ثابتاً لا تميل ولا تزول ؛ سطحت سطحاً حتى صارت كالمهاد للمتقلب عليها .

وقرأ الجمهور :{ سُطِحَتْ } خفيفة الطاء ؛ والحسن وهارون : بشدّها .

٢١

فذكر إنما أنت . . . . .

ولما حضهم على النظر ، أمر رسوله صلى اللّه عليه وسلم بتذكيرهم فقال : { فَذَكّرْ } ولا يهمنك كونهم لا ينظرون .{ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكّرٌ } ، كقوله تعالى :{ إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلَاغُ}

٢٢

لست عليهم بمصيطر

{لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ } : أي بمسلط ، كقوله :{ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ}

وقرأ الجمهور : بالصاد وكسر الطاء ، وابن عامر في رواية ، ونطبق عن قنبل ، وزرعان عن حفص : بالسين ؛ وحمزة في رواية : بإشمام الزاي ؛ وهارون : بفتح الطاء ، وهي لغة تميم . وسيطر متعد عندهم ويدل عليه فعل المطاوعة وهو تسطر ، وليس في الكلام على هذا الوزن إلا مسيطر ومهيمن ومبيطر ومبيقر ، وهي أسماء فاعلين من سيطر وهيمن وبيطر . وجاء مجيمر اسم واد ومديبر ، ويمكن أن يكون أصلهما مدبر ومجمر فصغراً .

٢٣

انظر تفسير الآية:٢٤

٢٤

إلا من تولى . . . . .

وقرأ الجمهور : إلا حرف استثناء فقيل متصل ، أي فأنت مسيطر عليه .

وقيل : متصل من فذكر ، أي فذكر إلا من انقطع طمعك من إيمانه وتولى فاستحق العذاب الأكبر ، وما بينهما اعتراض .

وقيل : منقطع ، وهي آية موادعة نسخت بآية

السيف .

وقرأ ابن عباس وزيد بن عليّ وقتادة وزيد بن أسلم : ألا حرف تنبيه واستفتاح ، والعذاب الأكبر هو عذاب جهنم .

٢٥

انظر تفسير الآية:٢٦

٢٦

إن إلينا إيابهم

وقرأ الجمهور : { إِيَابَهُمْ } بتخفيف الياء مصدر آب ؛ وأبو جعفر وشيبة : بشدّها مصدراً لفعيل من آب على وزن فيعال ، أو مصدراً كفوعل كحوقل على وزن فيعال أيضاً كحيقال ، أو مصدر الفعول كجهور على وزن فعوال كجهوار فأصله أوواب فقلبت الواو الأولى ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ؛ واجتمع في هذا البناء والبناءين قبله واو وياء ، وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء ، وأدغم ولم يمنع الإدغام من القلب لأن الواو والياء ليستا عينين من الفعل ، بل الياء في فيعل والواو في فعول زائدتان . وقال صاحب اللوامح ، وتبعه الزمخشري : يكون أصله إواباً مصدر أوّب ، نحو كذّب كذاباً ، ثم قيل إواباً فقلبت الواو الأولى ياء لانكسار ما قبلها .

قال الزمخشري : كديوان في دوان ، ثم فعل به ما فعل بسيد ، يعني أنه اجتمع ياء وواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الواو ، فأما كونه مصدر أوب فإنه لا يجوز ، لأنهم نصوا على أن الواو الأولى إذا كانت موضوعة على الإدغام وجاء ما قبلها مكسوراً فلا تقلب الواو الأولى ياء لأجل الكسرة ، ومثلوا بأخرواط مصدر أخروّط ، ومثلوا أيضاً بمصدر أوب نحو أوّب إواباً ، فهذه وضعت على الإدغام ، فحصنها من الإبدال ولم تتأثر للكسر .

وأما تشبيه الزمخشري بديوان فليس بجيد لأنهم لم ينطقوا بها في الوضع مدغمة ، فلم يقولوا دوّان ، ولولا الجمع على دواوين لم يعلم أن أصل هذه الياء واو ، وأيضاً فنصوا على شذوذ ديوان فلا يقاس عليه غيره . و

قال ابن عطية : ويصح أن يكون من أأوب ، فيجيء إيواباً ، سهلت الهمزة ، وكان اللازم في الإدغام يردها إواباً ، لكن استحسنت فيه الياء على غير قياس ، انتهى . فقوله : وكان اللازم في الإدغام بردها إواباً ليس بصحيح ، بل اللازم إذا اعتبر الإدغام أن يكون إياباً ، لأنه قد اجتمعت ياء وهي المبدلة من الهمزة بالتسهيل . وواو وهي عين الكلمة وإحداهما ساكنة ، فتقلب الواو ياء وتدغم فيها الياء فيصير إياباً .

ولما كان من مذهب الزمخشري أن تقديم المعمول يفيد الحصر ، قال معناه : أن إيابهم ليس إلا إلى الجبار المقتدر على الانتقام ، وأن حسابهم ليس بواجب إلا عليه تعالى ، وهو الذي يحاسب على النقير والقطمير ، ومعنى الوجوب : الوجوب في الحكمة ، واللّه أعلم .

﴿ ٠